بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي: هل ستلعب الولايات المتحدة الأمريكية دوراً قيادياً في منطقة الشرق الأوسط؟
بقلم : د. إسلام عيادي – أستاذة العلاقات الدولية – الجامعة العربية الأمريكية
- المركز الديمقراطي العربي
استقبل رئيس دولة فلسطين محمود عباس يوم الثلاثاء 25 مايو بمقر الرئاسة في مدينة رام الله، وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والوفد المرافق له، حيث جرى بحث آخر المستجدات لتثبيت التهدئة في كامل الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس والضفة وقطاع غزة، وجهود إعادة إعمار قطاع غزة، وسبل التوصل للحل السياسي وتعزيز الشراكة الفلسطينية – الأميركية. وأثناء الزيارة أطلع الرئيس، الوزير الأميركي، على الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، مؤكداً على أهمية التدخل الأميركي للضغط على حكومة الاحتلال الإسرائيلي لوقف اعتداءاتها المستمرة في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، الأمر الذي يعمل على تقويض جهود إدارة الرئيس جو بايدن لتثبيت وقف إطلاق النار ووقف التصعيد، مؤكداً على التزام الجانب الفلسطيني بالمقاومة الشعبية السلمية ونبذ العنف بكافة أشكاله.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل تشكل زيارة الوزير الأمريكي عودة اهتمام الإدارة الأمريكية للعب دور قيادي في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وملف القضية الفلسطينية بشكل خاص، وللإجابة على هذا السؤال لا بد لنا من إدارك النغمة السائدة في الأوساط السياسية والأكاديمية الأمريكية منذ عدة سنوات، وهي أن الولايات المتحدة يجب أن تقلل اهتمامها وتحد من دورها وارتباطها بمنطقة الشرق الأوسط، وقد تبنت إدارات الرؤساء أوباما وترامب سياسات في هذا الاتجاه، ووعد بايدن بأن يتبنى نفس التوجه، ولكن الإحداث التي شهدتها المنطقة مؤخراً وهي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والأعمال العدائية في القدس والتهجير القسري لسكان منطقة الشيخ جراح وسلوان، أعادت الأوساط الأمريكية للنقاش حول الارتباط الأمريكي بالشرق الأوسط. زلا بد من التطرق للحديث عن الأسباب التي أدت إلى تراجع الدور الأمريكي في المنطقة، كما يلي:
أولاً: ارتبط بقناعة العديد من دوائر صنع القرار الأمريكي بأن قدرة الولايات المتحدة على التأثير على مجريات الأمور في المنطقة أصبحت محدودة، ويضاف لذلك وجود اعتقاد لدى عدد من المفكرين الإستراتيجيين الأمريكيين ومراكز الأبحاث بأن منطقة الشرق الأوسط تمر بحالة ممتدة من عدم الاستقرار سوف تستمر لعدة سنوات، ومن الأفضل عدم التدخل فيها، بل قد شبهها البعض بحرب الثلاثين عاماً التي شهدتها أوروبا والتي دار رحاها في الفترة من 1618 الى 1648 والتي شهدت تداخل بين النزاعات الدينية والسياسية، وراح ضحيتها كثير من البشر، ومن ثم هناك قناعة بأنه من الأفضل ترك منطقة الشرق الأوسط تمر بعملية التحول الكبرى التي تشهدها، وأن المنطقة سيسودها الاضطراب والسيولة وعدم الاستقرار لفترة طويلة من الزمن، وأن هذا أمر لا مفر منه، وأن التدخل الخارجي لن يغير من عملية التحول بالمنطقة، والأفضل تركها لشأنها.
ثانياً: توجه الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ إدارة أوباما وحتى إدارة بايدن بزيادة الاهتمام بالقارة الآسيوية أو ما يسمى بالتحول نحو آسيا، سواء للمشاركة في ثمار النمو بهذه القارة الواعدة اقتصادياً، أو لمواجهة تصاعد النفوذ الإستراتيجي الصيني بها والذي تعتقد الولايات المتحدة أنه يهدد نفوذها في القارة الآسيوية وفي العالم، استناداً لرؤية سياسات التنافس مع القوى كالصين وروسيا التي أصبحت تتبناها.
ولكن زيارة الوزير الأمريكي بلينكن للأراضي الفلسطينية لإيجاد حل سياسي للملف الفلسطيني – الإسرائيلي لهو مؤشر لعودة الولايات المتحدة لمنطقة الشرق الأوسط ولكن هذه المرة ليست للعب دوراً قيادياً وإنما تجتمع أهداف زيارته الأساسية بهدف واحد وهو تأكيد إلتزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، أما الأهداف الثانوية وهي كما يلي: البدء بالعمل من أجل إستقرار أوسع وتقليص التوتر في الضفة الغربية والقدس، ودعم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة من أجل إفادة الشعب الفلسطيني، ومواصلة إعادة بناء علاقات الولايات المتحدة مع الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية، من خلال إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، والالتزام بحل الدولتين، دون التطرق لإلغاء إعلان بأن القدس عاصمة إسرائيل الأبدية.
لذلك كل المؤشرات تدل على أن الولايات المتحدة لن تقوم بتغيير سياساتها ولن تسعى لإستعادة دورها القيادي في الشرق الأوسط، وخاصة ما يتعلق بعملية السلام الفلسطينية – الإسرائيلية، خاصة بأن الولايات المتحدة ما زالت تعاني من الأوضاع الداخلية الصعبة، والتي تجعل الداخل أولوية للإدارة الحالية على حساب قضايا السياسة الخارجية. كما أن الرئيس الحالي بايدن كان نفسه شاهداً على الجهود الكبيرة التي بذلتها إدارة أوباما على أعلى المستويات وخاصة دور وزير الخارجية جون كيري في التوصل لاتفاق سلام والتي فشلت في النهاية، ولا يريد بايدن تكرار الفشل. وبالتالي فإن هدفه في الأزمة الحالية هو التهدئة وليس الحل، وكي يتفرغ لأولوياته الأخرى، والاعتماد بشكل أساسي على القوى الإقليمية في التوصل لهذه التهدئة.
ونخلص إلى أن هذه الزيارة تشكل نقطة تحول مهمة لدى القيادة الفلسطينية حيث رفضت الاشتراط عليها بعدم تحويل ملف عدوان غزة وملف الشيخ جراح إلى محاكم الاختصاص، والتأكيد على الوحدة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي 48 وفي الشتات، وأن حل القضية الفلسطينية هو مرهوناً دائماً بأيدي الفلسطينيين، وأنهم قادرون على تعزيزها وتحريكها إقليمياً ودولياً.