“الأبعاد السياسية والاجتماعية لظاهرة التعددية الحزبية في الدولة المصرية بعد عام ٢٠١١” دراسة تحليلية من منظور علم الاجتماع السياسي
إعداد : رامز صلاح الشيشي- كلية السياسة والاقتصاد جامعة السويس، قسم علوم سياسية.
- المركز الديمقراطي العربي
ملخص البحث: –
إن التداول السلمي للسلطة في ظل مجتمع ديموقراطي يتطلب ويفرض وجود تعددية سياسية تجسد وتعبر عن حالة التعددية التي يعيشها المجتمع. عندما كان المجتمع المصري يمر بمرحلة استثنائية ومحورية هامة من تغيير عميق في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعد ثورتي ٢٥ يناير، ٣٠ يونيو كان الهدف من كل ذلك هو إرساء دعائم الديموقراطية وتحقيق هذا الهدف مرهون بوجود وسائل لتحقيقها كوجود تعددية حزبية في ضوء قيم الديموقراطية. لذا تتناول هذه الدراسة معني التعددية بصفة عامة، أسباب وجودها في النظام السياسي المصري، نشأتها، ملامح التعددية الحزبية بعد عام ٢٠١١ في المجتمع المصري، علاوة على التأصيل للأبعاد السياسية والاجتماعية لهذه الظاهرة.
Abstract
The peaceful transfer of power in a democratic society requires and imposes a political pluralism that reflects and expresses the state of pluralism in society. When Egyptian society was going through an extraordinary and pivotal phase of a profound change in the political, economic and social structure after the Revolution sits on January 25, June 30, the aim of all this was to lay the foundations of democracy and achieve this goal depending on the existence of means to achieve it, such as the existence of multiparty ism in the light of the values of democracy. This study therefore deals with the meaning of pluralism in general, the reasons for its existence in the Egyptian political system, its emergence, the features of multiparty after 2011 in Egyptian society, as well as the rooting of the political and social dimensions of this phenomenon.
مقدمة: –
تُعد التعددية السياسية والثقافية من أهم وسائل التنمية السياسية والتحديث السياسي مثلما تُعد الآلات واستخدام التكنولوجيا الحديثة وغيرها من وسائل التحديث الاقتصادي والتنمية الاقتصادية. ساهمت الأحزاب السياسية بصفتها جزءاً من التعددية السياسية التي هي من الركائز الأساسية لأى نظام سياسي من الناحية التاريخية بدوراً ديناميكياً كبيراً فى التحولات السياسية الفريدة من نوعها حول العالم، سواء فى التحرر أو مواجهة الحكومات الاستبدادية، أو في الوصول لسدة الحكم، أو في دورها فى طرح البرامج ونقد السياسات الحكومية؛ مما جعل لها أهمية كبيرة من خلال دورها التعبوي، ودورها فى عملية التنمية السياسية ونزاهة النظم السياسية بصفة عامة. وتؤدي الأحزاب السياسية العديد من الأدوار فى كافة النظم السياسية بمختلف أشكالها اشتراكية كانت أو رأسمالية. سواء فى الدول التى يوجد بها نظام الحزب الواحد أو الدول التى يوجد بها تعددية حزبية. حيث تعد الأحزاب المتنفس لكل الاتجاهات الجماهيرية فى أى مجتمع. مما يجعلها تمارس دوراً حيوياً فى إثراء الحياة الاجتماعية وإرساء دعائم الديموقراطية بالمجتمع، كما انها تقوم بدور الوسيط بين الجماهير والنظام. يري مونتسكيو أن الأحزاب السياسية ضرورية للنهوض بالنظم السياسية، ذلك أن التنافس الحزبي يكسب الدولة حيوية سياسية، ويوجه سلوك الأفراد بشكل إيجابي نحو المشاركة الفعالة تجاه العملية السياسية وذلك من خلال التعبير عن تلك الآراء في ظل وجود أطر شرعية. لاسيما أن الدستور المصري ينص في المادة الخامسة “على أن النظام السياسي المصري يقوم على أساس التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة” تتبني أغلب الدول نظام تعدد الأحزاب بدرجات متفاوتة باستثناء نموذجي المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. وإذا تأملنا حال النظام السياسي المصري لوجدنا أننا بصدد تعددية حزبية التي يراها بعض المحللين أنها تقوم بدور أساسي في تخفيف واحتواء صراع الطبقات.
- المشكلة البحثية: –
تتحدد المشكلة البحثية في محاولة التأصيل لواقع الديموقراطية في المجتمع المصري في أعقاب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١. وذلك من خلال تحليل التعددية السياسية والثقافية لتلك الفترة المتمثلة في وجود طفرة هائلة في كم الأحزاب السياسية، ومن ثم تبيان جدوى فاعلية تلك الأحزاب السياسية في نظام التعددُّ الحزبي؛ وذلك للوقوف على طبيعة المناخ الاجتماعي والسياسي للدولة المصرية في تلك الفترة والخروج بمؤشرات سوسيولوجية لمستقبل التعددية في ظل المتغيرات السياسية والاجتماعية السائدة.
من خلال استقرائنا للمشكلة البحثية الآتية، تنبثق التساؤلات الآتية:
- التساؤل الرئيسي: – ما هي الآثار والأبعاد السياسية والاجتماعية الناتجة عن وجود التعددية السياسية والثقافية في النظام السياسي المصري؟
- التساؤلات الفرعية: –
- ماذا تعني التعددية بصفة عامة، والتعددية السياسية والثقافية بصفة خاصة؟
- ما هي سمات التعددية السياسية في النظام السياسي المصري؟
- كيف ظهرت التعددية السياسية في النظام السياسي المصري؟
- ما هي أسباب وجود التعددية السياسية في النظام السياسي المصري؟
- إلى أى مدى تم تطبيق التعددية السياسية في النظام السياسي المصري بعد عام ٢٠١١؟
- إلى أي مدى ستؤثر التعددية الثقافية على التنمية في النظام السياسي المصري في عام ٢٠٣٠؟
- أهمية البحث: –
تكمن أهمية البحث في تناوله لعنصر أساسي في أي نظام سياسي وهو التعددية السياسية ممثلة في نظام التعدُّد الحزبي المصري، ومدى فاعليتها في أدوارها السياسية والمجتمعية، وتوضيح حقيقة كونها طفرة حزبية من الناحية الشكلية أم هي واحدية حزبية في المضمون.
- هدف البحث: –
تتمثل أهداف البحث في توضيح مدي فاعلية التعددية الحزبية في القيام بأدوار التنمية السياسية والاجتماعية في النظام المصري، ومستقبل هذه التعددية الحزبية في مصر، معرفة هل المجتمع المصري متعدد التوجهات السياسية أم لا.
- الدراسات السابقة: –
تعددت وتباينت الأدبيات والدراسات التي تناولت في طياتها الأحزاب السياسية بوجه عام والتعددية الحزبية بوجه خاص، لاسيما التركيز على فاعلية هذه الأحزاب في الفترة التى أعقبت ثورة يناير حتى ٣٠ يونيو.
دراسة بعنوان “Political Parties and Movements in post revolutionary Egypt”
ركزت هذه الدراسة على تحديد الأحزاب التي كانت قائمة قبل الثورة واستمرت بعدها، مثل حزب الغد لمؤسسه أيمن نور، وكذلك عرضها على مجتمع من الأحزاب الجديدة مثل العدالة والمصريين الأحرار والديمقراطيين الاجتماعيين المصريين وغيرهم، فضلاً عن التركيز على العمل على تقسيم تلك الأحزاب إلى أحزاب مدنية تهدف إلى سيادة القانون ومنع محاكمة المدنيين.[1]
دراسة بعنوان ” أزمة التعددية السياسية في الدول العربية ”
انتهت هذه الدراسة إلى أن أزمة التعددية السياسية في الدول العربية نابعة من إصرار النظم العربية الحاكمة على تهميش المواطن عن المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بمصيره، وانفراد جماعة معينة أيا كان توجهها الاجتماعي والسياسي وأيا كان سند شريعتها باحتكار السلطة السياسية والانفراد باتخاذ القرارات، وترى بإعادة تشكيل البنية السياسية العربية لتأمين حق المواطنين في المشاركة السياسية وضمان الاعتراف الفعال بالتعددية السياسية من أجل السماح بتداول السلطة السياسية بين مختلف الجماعات الاجتماعية ذات الرؤي المتميزة.[2]
دراسة أخرى بعنوان” تحول حذر مستقبل عملية التحول الديموقراطي في ظل رئيس جديد”
عرضت هذه الدراسة أسباب عدم كفاءة الأحزاب السياسية وعدم قدرتها على أداء مهامها وتلبية احتياجات الأفراد، فضلاً عن فشلها في جذب الرأي العام، وعزت ذلك إلى عدم وجود تصورات للأحزاب للواقع وعدم تقديم برامج انتخابية واقعية واستمرارها في استخدام الشعارات حول الثورة والدولة.[3]
وأكدت دراسة بعنوان “”Egypt upcoming parliamentary election
أنه نظرًا لعدم وجود حزب سياسي معين مشكل من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، وذلك حتى لا يكرر فشل تجربة الاتحاد الاشتراكي أو الحزب الوطنى. بذلك لا يوجد علاقة بين الرئيس وضعف الأحزاب فهو لم يدعمها أو يعاديها. كما أكدت هذه الدراسة على توافر بيئة طبيعية تعمل فيها الأحزاب مع ضمان نزاهة وشفافية الانتخابات حتى تتمكن الأحزاب من مراجعة علاقاتها بالمواطنين وأجهزة الدولة المتعددة والمتفردة.[4]
- منهج الدراسة: –
- النظرية البنائية الوظيفية: –
تُعد النظرية البنائية هى المُلائمة لصياغة أى اتجاه نظرى من حيث قدرتها على وصف الواقع وتحليله. حيث تقوم على فرضية مؤداها أن المجتمع هو مجموعة من الأجزاء التى تتكامل فيما بينها من أجل المجتمع ككل. ومن أهم مؤسسي هذه النظرية هيربرت سبنسر واميل دور كايم وتالكوت بارسونز وماكس فيبر؛ حيث أكدوا على فكرة النسق وعلى أن المجتمع مجموعة من الأنساق والأجزاء المترابطة. حيث إن المجتمع كالكائن الحي هو نسق أو بناء واحد يتألف من عدد من الوحدات أو النظم، وأن هذه الوحدات متماسكة ومترابطة، وتقوم بينها علاقات دائمة من التأثير والتأثر وإن هذا النسق يقوم على مبدأ التكامل والتوازن. بالنسبة لتفسير ظاهرة الأحزاب السياسية طبقاً للاتجاه الوظيفي فإن الوظيفية فى علم السياسة تعنى النشاطات التى يقوم بها أصحاب المناصب الاجتماعية الذين يحتلون وضعاً سياسياً من أجل استمرارية المجتمع،[5] وأنه فى حالة إصابة الأنظمة السياسية بعدم الاستقرار تلجأ لإنشاء أنساق جديدة تعيد التوازن إلى المجتمع كالأحزاب السياسية وهو ما يطلق عليه “القوة الكامنة”. كما أن البنائية تنظر للأحزاب السياسية على إنها جزء يعمل على تساند الكل واستقراره فقد أكد تالكوت بارسونز وهو أحد رواد هذه المدرسة على أن النسق السياسي لا ينفصل عن الأنساق الأخرى، وأن هناك نوعاً من الاعتماد المتبادل بين هذه الأنساق على الرغم من وجود استقلال نسبي لكل نسق عن الأنساق الأخرى، علاوة على توضيح لسمات النظام السياسي كالتكيف مع النظم الاجتماعية، والعلوية حيث يقع النظام السياسي على قمة الهرم فالنظام الاقتصادي والبيئي والاجتماعي والثقافي جزء منه. أما بالنسبة لماكس فيبر فإن الحزب عنده يعني شكل من أشكال توزيع القوة داخل المجتمع ولذلك فمن وجهه نظر الوظيفيين فإن الحزب يمثل جماعة طوعية لها تنظيم رسمي معترف به؛ وذلك لتحقيق إنجازات مادية واجتماعية وسياسية لأعضائه.
- أقسام الدراسة: –
تتركز الدراسة في ستة أقسام، القسم الأول يتناول معني التعددية، والتعددية السياسية والثقافية ويتناول القسمان الثاني والثالث أسباب وجود التعددية الحزبية في النظام السياسي المصري، ونشأتها. يتناول القسمان الرابع والخامس التعددية الحزبية في مصر بعد عام ٢٠١١، سماتها. ويعرض كلاً من القسم الخامس والسادس للأبعاد السياسية والاجتماعية لهذه الظاهرة بعد عام ٢٠١١، تأثير التعددية الثقافية على التنمية في مصر لعام ٢٠٣٠.
التعددية: –
- المعني اللغوي: –
يعتبر لفظ التعددية في اللغة العربية مصدر صناعي مأخوذ عن المصدر الأصلي تعدد وفعله تعدد، ويقال تعدد يتعدد تعدداً أي صار ذا عدد. أما في اللغة الإنجليزية يشير اللفظ Pluralism إلى أن هناك أكثر من مبدأ واحد، أي أن ما هو أكثر من شىء واحد، ومما تقدم فإن المعنى اللغوي للمفهوم في اللغتين العربية والإنجليزية يشير إلى وجود أكثر من شىء واحد[6].
- المعني الاصطلاحي: –
يُعد الاقتصادي البريطاني “فيرنيفال” هو أول من “صاغ مفهوم التعددية والمجتمع المتعدد” في النصف الأول من القرن الماضي، وصاغ منه نظرية عامة عن “التعددية الثقافية” حيث كان يري أن المجتمع المتعدد أو ذات الطبيعة التعددية هو الذي يتسم في تكوينه بالعديد من التمايزات الثقافية بين الجماعات المختلفة. ليس هذا فحسب، بل كان يري ضرورة وجود اختلافات جوهرية في المؤسسات الأساسية لهذه الجماعات حتى يتم اسباغ صفة التعددية عليها، والتي بدورها تقوم بإحداث نوع من التعارض فيما بينها حتى يتم استخدام معيار القوة التي تتركز عادةً في يد قسم ثقافي مهمين في المجتمع. هذه الجماعات عند فيرنيفال كانت قائمة على عمليات التبادل الاقتصادي في إطار وجود تنوع ثقافي.[7]
أما بالنسبة للتعدية ذات الطابع السياسي فإن جذورها ترجع إلى الفلسفة الغربية لاسيما فلسفة الفرنسي مونتسكيو في مؤلفه ” روح القوانين ” حيث كان يرى ضرورة الفصل بين السلطات الثلاث، وعدم تركيز السلطة في يد هيئة واحدة؛ وذلك يتضح جلياً من خلال تأكيده على التعددية وما تعمل عليه من إضفاء الجانب الديمقراطي في النظام السياسي بوجه عام.[8]
- التعددية الحزبية: –
مصطلح يُستخدم عندما يحتوي النظام السياسي لدولة ما على عدد كبير من الأحزاب السياسية مقارنة بالنظم ثنائية الأحزاب أو الواحدية الحزبية. [9]
يرى الفرنسي موريس دوفرجيه أن التعددية لها أشكالها المتباينة على الصعيد السياسي، فنجد أنفسنا امام تعددية حقيقية القائمة على وجود أحزاب مختلفة الأيديولوجيات والبرامج تتنافس فيما بينها من خلال انتخابات حرة ونزيهة وهي الصورة المثالية نحو تحقيق الديموقراطية. التعددية الشكلية تحمل مظاهر التعددية السياسية أي وجود عدة أحزاب من الناحية الشكلية إلا أن الواقع الفعلى للنظام أقرب إلى نظام الحزب الواحد أو بالأحرى المهيمن. لم يشر دوفرجيه إلى نظام الحزب الواحد على أساس أن مفهوم النظام يتضمن في جوهره حداً أدنى من التفاعلات والعلاقات المتبادلة لا يعبر عنه أو يعكسه وجود حزب واحد.[10]
- التعددية السياسية: –
وجود مجال اجتماعي وفكري يمارس الناس فيه المنافسة أى بواسطة الحوار والنقد والاعتراض والأخذ والعطاء وبالتالي التعايش في إطار من السلم القائم على الحلول الوسطى المتنامية. والتعددية هى وجود أصوات وأصوات أخرى مخالفة لصوت الحاكم. وتعمل التعددية السياسية على الحد من تسلط الدولة وذلك من خلال وجود جماعات وسيطة بين الشعب والسلطة كالحكومات المحلية أو الأحزاب السياسية أو النقابات أو الجمعيات أو غيرها من مؤسسات المجتمع المدني وهو ما يضمن الحرية للفرد وعدم تسلط الدولة أو سيطرة الحزب الواحد أو احتكار السلطة أو اعتناق الدولة لمذهب سياسي واحد. تتطلب التعددية السياسية وجود نظام قانونى يضمن للفئات الاجتماعية المختلفة الحق في الانتماء إلى التنظيمات وإنشاءها كما يضمن لهذه الفئات الحق في التعبير عن آراءها مع حقها في الطموحات المشروعة في السعي للوصول إلى السلطة السياسية في ظل تشريع دستوري يضمن ذلك ويسمح به.[11]
- التعددية الثقافية: –
تُعد التعددية الثقافية من قبيل الاتجاهات الفرعية في الفكر الليبرالي “الليبرالية الاجتماعية” حيث يركز الفيلسوف الكندي كمليكا على حقوق المواطنة المتميزة أو الخاصة لصالح الأقليات المتباينة، وذلك استناداً إلى الثقافة التي تنتمي إليها كل منها. فهو يعرفها في كتابه “أوديسا التعددية الثقافية” على أنها مصفوفة من السياسات العامّة للدولة المبنية على منح الأقليات -بمختلف أنواعها- حقوقها الاقتصادية والثقافية والسياسية التي تطالب بها، في سبيل تكريس دولة الانفتاح والتنوّع تعيش اليوم ملحمة إنسانية كبرى لا تقلّ في شيء عن ملحمة “الأوديسا” في الفلسفات القديمة.[12]
- أسباب وجود التعددية السياسية في النظام السياسي المصري: –
لأن السلطة السياسية ما هى إلا نتاج عقد اجتماعي كما يري جون لوك، فإنه لمراعاة تطبيق هذه السلطة لا من تجزئتها بين الحاكم ورعيته؛ لتحقيق الاستقرار وإحلال نوع من حرية التعبير في المجتمعات التى تلائم طبائعها الشخصية وتتماشى مع هذا النوع من النُظم. نفس الحال ينطبق على النظم التى لا تتماشي مع أهواء أو طبائع الشعوب فلا ينفع فيها تطبيق حرية التعبير أو حتى وجود نوع من المشاركة السياسية؛ لأنه من الممكن أن تكون هذه النظم تمر بحالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وتقتضي ضرورة توحيد جموع الشعب في تنظيم سياسي واحد كما حدث في مصر في عهد جمال عبد الناصر أو السادات وانفتاحه مع القوى العظمى لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية. هناك عدة أسباب ساهمت في اعتماد نظام تعدد الأحزاب، ربما وجود أساس طبقي واجتماعي وأيديولوجي، أدت فيه الاختلافات العرقية والقبلية والدينية في بعض الولايات إلى ظهور أحزاب سياسية تمثل قبيلة أو مجموعة عرقية أو جماعة دينية معينة. وإذا كانت حماية المصالح الاجتماعية والاقتصادية لمختلف الفئات هي السبب الرئيسي في تكوين وتعدد الأحزاب في البلدان المتقدمة النمو، ولهذا السبب تضاعفت الأحزاب في بعض البلدان النامية أيضاً، ولكن في بلدان أخرى كان السبب مختلفاً تماما ومرتبطاً بواقع التخلف الذي تعيشه النظم السياسية لهذه الدول.[13] يقترن وجود التعددية الحزبية في النظم السياسية المختلفة بالنظام الانتخابى السائد فيه.[14] يُعد نظام التمثيل النسبي أكثر انسجاماً مع المبدأ الديمقراطي من نظام الأكثرية، لأنه يسمح بتمثيل كل الأحزاب في البرلمان بمختلف اتجاهاتها السياسية، والتي تعبر أصدق تعبير عن موقف الرأي العام في الدولة وهو بدوره ينعكس بالإيجاب علي زيادة عدد الأحزاب السياسية والمشاركة السياسية بصفة عامة.
- نشأة التعددية السياسية في النظام السياسي المصري: –
من المعروف أن الأحزاب السياسية نتاج لوجود التعددية السياسية التي هى من الركائز الأساسية لأي نظام سياسي. فالأحزاب السياسية ارتبطت نشأتها لظرفين أحدهما موضوعي، وهو وجود حالة من الازمة فى المجتمع تتطلب ظهور تنظيمات سياسية لمواجهتها وطرح الحلول المختلفة لها. والاخر ذاتي، ويتعلق بالإحساس بأنه يمكن حل هذه الازمة وأن هناك حلولًا مثلى للتخلص من مثل هذه الأزمة.[15] بدأت التجربة الحزبية في مصر عام ١٩٠٧ ويعد هذا العام هو البداية الحقيقية التعددية الحزبية في مصر، ثم بعد ذلك مر المجتمع المصري بتجارب متفاوتة في شكلها، لكن واحدة في مضمونها ألا وهو التحرر من الاستعمار الذي كان تجسيدًا لأزمة حقيقية تتطلب كل الوحدة؛ للتخلص منها بكل السبل الممكنة. ثم توالت السنوات وتم تطبيق الوحدة الحزبية بعد ثورة يوليو. وقد جاء هذا القرار بعد اقتناع قادة الثورة بأن الأحزاب هي سبب مباشر في وجود الاحتلال الأجنبي والقوى الخارجية في مصر. شهد بعد ذلك المجتمع المصري تغييرات عديدة تمثلت في العودة إلى التعددية الحزبية المقيدة في عهد الرئيس السادات التي جرى تطبيقها في الأساس لإظهار مدي ديمقراطية الدولة المصري للإمبريالية العالمية في وقت تحول فيه الاقتصاد المصري الي سياسة السوق المفتوح. ثم حدث ما لا يمكن تصوره بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد وزيادة حدة المعارضة إلى أن تم اغتيال السادات. وتوالت التعددية في عهد مبارك، لكن على عكس النظام السابق له كانت هناك حالة من إرضاء للمعارضة وتمهل في تنفيذ القرارات وصنعها بشكلٍ عامٍ؛ حيث تغيرت قواعد اللعبة السياسية من مزيد من الاحتقان والتصعيد الذي كان سائدًا في نهاية الحقبة الساداتية إلى التهدئة، لكن سرعان ما تحول كل هذا وحدثت هيمنة للحزب الوطني وسيطرة فكرة التنظيم السياسي الواحد من جديد في نظام تبين معالمه أنه ذا تعددية حزبية في الجوهر، لكنها وحدية حزبية في الشكل، ولعل هذا كان سبباً قوياً في قيام الثورة لاتباع قواعد لعبة السبعينيات، بينما كنا فى العقد الثاني من الألفية الثالثة.
- التعددية السياسية بعد عام ٢٠١١: –
قبل أحداث يناير 2011 التي تميزت باستقالة مبارك في الشهر التالي، لم يكن هناك أي سبب للاعتقاد بأن النظام المصري سيسمح للأحزاب السياسية بحرية العمل والمعركة على مقاعد البرلمان على قدم المساواة. كانت السلطة التي تولى الحزب الوطني الديمقراطي سلطته منذ تأسيسه عام 1978 مطلقة وأثرت على جميع مجالات التجربة السياسية في مصر انتهت هيمنة الحزب الوطني الديموقراطي رسمياً في أعقاب أحداث 2011، وأكمل أكثر من 47 حزباً و6700 مرشح أوراق المنافسة في أول انتخابات برلمانية المقرر إجراؤها في تشرين الثاني 2011 بدأ هذا الانفتاح السياسي في آذار 2011. عندما تم تغيير قانون الأحزاب السياسية وقرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم الترويج علنا للمنافسة السياسية للأحزاب الجديدة. تمت الموافقة على الفور على الأحزاب التي قدمت طلبات قبل استقالة مبارك، وفي معظم الحالات، تم منح موافقة بإقامة الأحزاب السياسية الجديدة.[16] وهكذا، فإن الانتخابات البرلمانية 2011-2012 شكلت تغييراً كبيراً مع الانتصار الساحق للأحزاب الإسلامية، التي شكلت أكثر من 70% من المقاعد في البرلمان، 47% منها لحزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين 24 في المئة لحزب النور السلفي، اللذين تأسسا في عام 2011. كانت جماعة الإخوان تعمل كمنظمة اجتماعية، ولم تكن أبداً كحزب سياسي رسمي. وجاء حزب الوفد الجديد والكتلة المصرية، على التوالي، حزب ليبرالي وائتلاف علماني، وراءهما بنسبة 14% مجتمعة. تُظهر هذه النتائج هيمنة الأحزاب الإسلامية في النظام السياسي المصري بعد عام 2011، ويفترض أن تكون أول انتخابات حرة وشفافة في مرحلة ما بعد مبارك، حيث تم تجميع الأحزاب السياسية بحرية وتنافسها بحرية في الانتخابات البرلمانية في إطار تعددية حزبية تنافسية مما كان له أثر عميق في توضيح البعد السياسي لهذه التعددية من وجود مشاركة سياسية حرة ونزيهة بعد عقود من التعددية السياسية المقيدة.
خلال الانتخابات الرئاسية عام 2012 التي شهدت انتخاب الرئيس محمد مرسي من حزب الحرية والعدالة، قامت المحكمة الدستورية العليا المصرية بحل البرلمان الذي يقوده الإسلاميون والذي تم انتخابه في 2011-2012، مع نظريات تزعم أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قام بذلك؛ للحد من احتمال سيطرة حزب الحرية والعدالة والإسلاميين على المجال السياسي المصري. بعد عام من انتخاب مرسي وحل البرلمان، تسبب السيسي كرئيس لمصر (فاز بنسبة 96% من الأصوات)، في تراجع كبير في السلطة والشعبية للمؤسسات السياسية المصرية، بغض النظر عن نواياه. وعلى رأس هذه المؤسسات تمثل الأحزاب السياسية التي ارتفع عددها الآن إلى 92 حزباً مقابل 24 حزباً قبل عام 2011، أكبر تحدٍ وفرصة للحكم في مصر خلال المرحلة الانتقالية الجارية التي تشهدها البلاد.[17] فالعدد الكبير من هذه الاحزاب لا يعني وجوداً محسوساً أو نفوذاً، فالأخير لا يكاد يذكر بالمقارنة مع شعبية الرئيس على سبيل المثال، ومع ذلك لا يزال مسموحاً لهم بالوجود وبغض النظر عن هيمنة الزعيم، فإن التوصل إلى حل وسط سياسي لدور الأحزاب لايزال غير فعال حتى الآن؛ بسبب مركزية جموع الشعب حول الحزب المؤيد للحكومة، فضلاً عن تراجع دور المعارضة، بل وغيابها عن المشهد السياسي الحالى.
- سمات التعددية السياسية في النظام السياسي المصري: –
أدت الطريقة التي مرت بها التعددية الحزبية في النظام السياسي المصري سواء من حيث الإدارة لأزماتها أو تباين أنواعها منذ ظهور الحياة النيابية في عهد الخديوي إسماعيل إلى الآن عام ١٨٦٦ إلى ظهور سمات أثقلت بدورها كاهل التجربة ككل رغم فاعلية هذه التجربة أحياناً، بل وتقيدها وتمحورها حول إعطاء طابع شكلى ديموقراطي للسلطة الحاكمة في أحيانٍ أخرى.
- النشأة الغير طبيعية لبعض الأحزاب
معظم الأحزاب التي انبثقت من الحياة البرلمانية أو بالأحرى القول التى أدت إلى وجود هذه الحياة منذ قرن من الزمان كانت قائمة على يد فئات رأسمالية ليبرالية؛ لمقاومة الاحتلال والسعي إلى الاستقلال. إلى أن هذه الأحزاب الآن تعاني من اضطرابات وتغير في برامجها بما لا يخدم الجماهير، فالتعددية الحزبية القائمة هي تعددية ضعيفة لأسباب تتعلق بالتنظيم الداخلى، والقيود المفروض على حركتها وعلاقتها بالجماهير.
- ضيق التجربة الحالية عن استيعاب التيارات والأيديولوجيات المختلفة
عدم استيعاب النظام السياسي لمختلف التيارات السياسية بما فيها الإسلامية لا يحقق التوظيف الحقيقي والفعال للديموقراطية، وهذا من شأنه أن يسهم في إحداث خلل في البنية الثقافية للمجتمعات وتمييع الدور الاجتماعي والفكري للأحزاب.
- وجود حالة من الفراغ الفكري والسياسي في المجتمع المصري
هذه الحالة التى من شأنها تهديد لنظام السياسي برمته، وهذا ليس مجرد افتراض نظرى، بل إن التاريخ يذكرنا بما حدث في ١٨،١٩ يناير عام ١٩٧٧ بانتفاضة الخبز الشهيرة والرفض المجتمعي الشديد لحال المشاركة السياسية والتحول السياسي العميق وقتها من الواحدية الحزبية إلى المنابر التعددية التسلطية.
- الأبعاد السياسية لظاهرة التعددية السياسية بعد ٢٠١١: –
- التعددية الحزبية من أهم آليات العمل السياسي والتداول السلمي للسلطة مرهون في الأساس بوجوب الإجراء الدوري لانتخابات حرة ونزيهة ويتضح ذلك جلياً في الحداثة السياسية على السلطة التشريعية من مجلس النواب والشيوخ.
- التعددية الحزبية في الدولة المصرية تعكس مدي الديموقراطية والاستقرار الوطنى وحرية التعبير وكذا المشاركة السياسية لكافة جموع الشعب في التمركز حول الأحزاب المتفردة والمتعددة كحزب مستقبل وطن في الوقت الراهن، وباقي التنظيمات الأخرى.
- التعددية الحزبية تعكس مدي الرقابة بالنسبة للمعارضة الأمر الذي سوف يسهم بشكلٍ لا لبس فيه في بناء وتمهيد الطريق للديمقراطية.
- التعددية الحزبية تعكس مدي عمق مفهوم المواطنة لدي طبقات الشعب المصري، وذلك في إطار تجمع وطني حول كل أيديولوجية بما يتماشى مع آراءه. فهي مصدراً للتضامن والترابط الوطنى؛ حيث يمهدان الطريق لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في عالم غير مستقر أحواله، ومن شأنهما منع جر البلاد إلى صراعات لا تحمد عقباها.
- الأبعاد الاجتماعية لظاهرة التعددية الحزبية بعد ٢٠١١: –
لأن التعددية الحزبية ما هى إلا انعكاس لحالة النظام السياسي في أي دولة، فإن الفترة التي تلت ثورة يناير ٢٠١١ كانت مرتبطة بشكلٍ كبير بمدى نزاهة البرامج السياسية للتنظيمات السياسية المتعددة في هذه الفترة إلى أن تولى الرئيس السيسي الحكم وقام بسلسة من الإصلاحات الاقتصادية التى لا تزال طليقة إلى الآن؛ للخروج من حالة الأزمة التى كانت آخر أمر تمر بها الدولة المصرية والتي تركت الكثير من الأزمات التي شوهت طبقات عديدة من المجتمع المصري. نعرض لها: –
- أزمة البطالة: – تُعد البطالة واحدة من كبرى العوائق التي تنبثق؛ بسبب ضعف برامج التعددية الحزبية الغير ملائمة التي من شأنها تحقيق رؤي الجماهير بعد يناير ٢٠١١، فضلًا عن عوامل اقتصادية وسياسية أخرى. فقد بلغت نسبة البطالة ١٢,4% عام ٢٠١١، ووصلت إلى معدل أكبر في الربع الأخير من ٢٠١٢ إلى ١٣%، وفي الربع الأخير بعد اندلاع ثورة ٣٠ يونيو ارتفعت إلى ١٣,4%.[18]
- أزمة الصحة: – مر القطاع الصحي في مصر بعد ٢٠١١ بحالة من عدم الاستقرار في الوقت الذي ناضل فيه سبعة وزراء صحة مصريين على التوالي لجعل القطاع يرقى إلى مستوى المثل الأعلى للثورة المتمثل في قطاع صحي من شأنه أن يخدم كرامة الإنسان، وكذا سعى البرلمان المصري إلى إنشاء نظام أكثر عدلاً للرعاية الصحية من خلال إصدار قانونين لتوسيع نطاق نظام التأمين الصحي ليشمل الأسر التي ترأسها نساء وأطفال دون سن الخامسة. وفي عام 2013، وُضِعَ القانون الثالث ليشمل المزارعين وبموجبه استفاد جميع المزارعين من الهيئة العامة للتأمين الصحي. غير أن هذه القوانين زادت عن غير قصد من عجز الهيئة؛ لأنها كانت تهدف إلى اجتذاب عدد كبير من المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية باهظة الثمن، وبالتالي تحصيل عدد أكبر من الأقساط من الأصحاء لدعم المرضى.[19]
- أزمة التعليم: – واجه قطاع التعليم في مصر مجموعة من العقبات الهامة التي كانت متأصلة في القطاع نفسه منذ عقود من القرن الماضي نذكر منها:-
- تدني في مستويات البنية التحتية للفصول والمدارس.
- تدني جودة التدريس والاعتماد على المعلمين الخصوصيين.
- التركيز على التعلم عن طريق التلقين من أجل الامتحانات.
- انتشار وجهات نظر سلبية تجاه التعليم الفنى.
- دعم محدود للجامعات في القدرة على البحث العلمى.[20]
في إطار هذه المحددات سعي النظام السياسي الجديد بعد ٣٠ يونيو إلى إعادة الاهتمام بالقطاع التعليمى، ودعم البحث العلمى ولعل الأحداث الجارية أكبر دليل علي ذلك في ظل البحث عن سبل لإنتاج لقاحات أو التعلم عن بُعد في عالم الجائحة المضطرب.
- أزمة الفقر: – بلغت الدولة المصرية حالة كبيرة من ارتفاع معدل الفقر بعد أحداث ٢٠١١، وذلك في ظل حالة الاضطراب السياسي والجمود الاقتصادي التي كانت تمر بها مصر؛ حيث أعلن رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء وقتها اللواء أبوبكر الجندى عن ارتفاع معدلات الفقر إلى ٢٥,2 بالمئة، وأكدت المؤشرات انخفاض نسبة الفقراء العاملين في القطاع الحكومي وقطاع الاعمال العام، حيث بلغت 13 في المئة مقابل 21.6 في المئة في القطاع الخاص.[21]
- تأثير التعددية الثقافية على التنمية في مصر لعام ٢٠٣٠: –
منذ يناير 2014، أعدت وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري رؤية استراتيجية التنمية المستدامة مصر 2030، والتي تهدف إلى خلق وصياغة رؤية لتطوير مصر الجديدة قبل عام 2030؛ لتكون بمثابة خارطة طريق تزيد من الاستفادة من الموارد المتاحة وتعزز الميزة التنافسية وتعمل على إحياء تاريخ مصر. وقد ركز تنفيذ هذه الاستراتيجية على نهج تشاركي مع أعضاء منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص والوزارات والخبراء والأكاديميين. بحلول عام 2030، سيكون هناك هيكلاً من القيم الثقافية الإيجابية في المجتمع المصري يحترم التنوع والتنوع ويمكن الشعب المصري من الوصول إلى وسائل التعلم، ويفتح الفرص أمامهم للتفاعل مع معطيات عالمهم المعاصر، وفهم تاريخهم وتراثهم للثقافة المصرية، وتمكينهم من الاختيار بحرية وحماية حقهم في الحرية. وينبغي أن تكون العناصر الإيجابية للثقافة مصدراً لقوة النمو، وقيمة مضافة للاقتصاد الوطني، وقاعدة إقليمية وعالمية للقوة الناعمة في مصر. إصلاح الثقافة المصرية هو المدخل الرئيسي لإعادة بناء الشخصية المصرية المعاصرة؛ بحيث تكون أكثر انفتاحًا على التعددية، وقبولاً للرأي الآخر، وتؤمن بالعقلانية والمنهج العلمي، وتمتلك قدرًا من الثقافة العلمية، وتكون شخصية مركبة من مخزون تاريخي ومعرفي هائل، ومطلعة على ما يحدث في العالم، هذا بالإضافة إلى إعادة بناء صورة مصر كدولة على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية وهذا بطبيعة الحال سوف يتم من خلال جهود مكتبة الإسكندرية التي تسهم في إبراز التعددية الثقافية، وكذا العديد من الأكاديميات التي تدعم الثقافة والفنون المتنوعة، وهذا الزخم الثقافي سوف يكون له دوره الواضح في إبراز هوية المجتمع المصري.
- الخاتمة والتوصيات: –
لأن التعددية الحزبية كما ذكرنا سابقاً ترتبط ببنية ونوعية النظام السياسي القائم، فإننا إذا نظرنا لحالة الدولة المصرية سنجد أن هناك خلل في بنية النظام السياسي المصري. هذا يرجع إلى سمة الانتقائية التي كانت بمثابة التمهيد الحقيقي لتطبيق التعددية الحزبية بعد أن تم اقتباسها من الولايات المتحدة الأمريكية كوسيلة لإرضائها بعد المعونات الخارجية التي قُدِمَتْ والانفتاح على الليبرالية وبعد أن كان النظام المصري مهدًا للاشتراكية القومية، ومن ثم فإن الرأسمالية المصرية ليست مثل الرأسمالية الغربية حيث لم تستطع أن تتغلغل في النسيج الاجتماعي للمجتمع. النشأة المصطنعة والغير صحية للتعددية الحزبية المصرية مرآة عاكسة لفشل السياسات الناتجة عنها بأبعادها المختلفة. تتضمن التعددية الحزبية إمكانية التداول السلمي للسلطة في الديمقراطيات المختلفة. السماح بتعدد الأحزاب من أجل إعطاء المظهر الشكلي بوجود تعددية زائفة أمر له عواقبه، بل هو في الأساس تعطيل للديموقراطية التى تم السماح بوجود التعددية من أجلها، لكن الدول العربية كافة لاتزال تصر على تجاهل هذه المسلمة رغم كونها بديهية. بدون تداول سلمى للسلطة والإبقاء على أن تكون أساليب التغيير في السلطة قائمة على الانقلابات العسكرية أو اندلاع ثورة لن يكون هناك حديث عن وجود تعددية، ولن تزيد مبادراتها عن كونها مجرد تنظيمات تحقق أهداف الشعب المتزايدة مع تزايد دور الدولة في تضخيم وفرض سيطرتها على حساب المجتمع المدني أو التنظيمات السياسية. لذا فالدول التي تعاني من عدم وجود تداول سلمى للسلطة الأفضل لها أن تعتمد على الواحدية الحزبية طالما أن هذه السمة هي المنتشرة بين العديد من الدول التسلطية، بل أن الأمر يصل في بعض الأحيان إلى أن يكون هذا الحزب الواحد مجرد ديكور للنظام فقط لا غير، أو يكون فعالاً للنظام مثلما حدث في الفترة الناصرية. تبين نتائج البحث ١- أن الطفرة الكمية في عدد الأحزاب السياسية عقب ثورة 25 يناير تدل على التغير الشامل للأوضاع السياسية، وإتاحة المزيد من الحريات لنشأة الأحزاب. ٢-زيادة الوعي السياسي لدى الشباب والشارع المصري بشكل عام والدليل على ذلك اطلاعهم على الأوضاع السياسية ومعرفتهم بمدى التقدم في أعداد الأحزاب السياسية ومعرفتهم بكثير من الأحزاب التى أُنشأت حديثاً. ٣- زيادة مساحة الحرية الممنوحة للأحزاب ونشاطهم من قِبل النظام الحاكم مقارنة بالنظم السابقة. مع التجربة المصرية للتعددية الحزبية بعد ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو نوصي أولاً، بضرورة توحيد الأحزاب ذات الأيديولوجيات والطموحات المتشابهة أن توحد جبتها؛ لتكوين كيان حزبي واحد قوى يستطيع أن يكون نداً معارضاً قوياً وليس حزب منفرداً ذات برنامج سياسياً ضعيفاً، فضلاً عن ضرورة التقنين المستمر لظاهرة الطفرة الحزبية المتزايدة ذات الرؤى والأيديولوجيات المتشابهة ففي دولة مثل إيطاليا تقوم الأحزاب ذات الأهداف والبرامج الوحدة بتشكيل “ائتلافات حزبية” .ثانياً، يجب أن تقوم الأحزاب بإنشاء قواعد تمويل مستدامة إلا أن الاعتماد على مجموعة صغيرة من الأثرياء أو رجال الأعمال غير قابل للاستمرار لوقت طويل حيث كثيراً ما يستغلون الحزب لمصالحهم الخاصة، وفي ذات الوقت إذا تم الاستغناء عنهم سوف يضعف تمويل الحزب ويصعب جذب المؤيدين للحزب فكثير ما تندثر بعض الأحزاب نتيجة لضعف التمويل، ولعل هذا يعود في الأساس لظاهرة الانشقاقات الحزبية. ثالثاً، تعزيز السياسات التعليمية التى تشجع على التعددية والتسامح واحترام مختلف وجهات النظر والتفكير النقدي. رابعاً، العمل على الاهتمام بالجانب الإعلامي والتكنولوجي بصفة دورية، بل دائمة لتمكين شباب الجيل الحالى من معرفة برامج وأهداف الأحزاب. خامساً، حث وتشجيع الشباب على المشاركة السياسية الفعالة باستمرار، وذلك للتسهيل من عملية إعداد الكوادر السياسية الواعية. سادساً وأخيراً، عدم اقتصار برامج الأحزاب على المستوي الداخلى للنظام السياسي، بل يجب المشاركة بفعالية على المستوي الدولى باعتبارها فاعلاً دولياً هاماً.
- المراجع: –
- قائمة المراجع العربية: –
)١) المضحكي، فهد. (٢٠١٦)، ” أزمة التعددية السياسية في الدول العربية “، آخر زيارة ٢٠٢٠/١١/٥ متاح على الرابط التالي: https://www.altaqadomi.org/?p=675
)٢) عبد الفتاح، نبيل. (٢٠١٤)، “تحول حذر: عملية التحول الديمقراطى فى ظل رئيس جديد”، (المركز العربى للبحوث والدراسات، د.ت)، متاح على: http://www.acrseg.org/6981 تاريخ الدخول: (5/11/2020)
(٣) سعيد عوض، جابر. (١٩٩٣)، “مفهوم التعددية في الأدبيات المعاصرة: مراجعة نقدية”، (جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ص6.)
(٤) المصدر السابق نفسه، ص١٥.
)٥) الدين هلال، علي، مسعد، نيفين. (٢٠٠٦)، ” النظم السياسية العربية قضايا الاستمرار والتغيير “، بيروت- مركز دراسات الوحدة العربية، ص١٤٩.
(٦) نور فرحات، محمد. (١٩٩٢)، “التعددية السياسية فى العالم العربى: الواقع والتحديات”، الرباط: مجلة الوحدة، العدد 91، ص8.
)٧) جاويش، علياء. (٢٠١٦)، “العلاقة بين الدولة ومحيطها الاجتماعي الثقافي فى إطار ”التعددية الثقافية” منظورات مقارنة”، المركز الديمقراطى العربى متاح على الرابط التالى: https://democraticac.de/?p=26696، آخر زيارة: ٦/١١/٢٠٢٠.
(٨) حسن دخيل، محمد. (٢٠١٣)، “دور نظام التعددية الحزبية في الحياة السياسية للدول: دراسة في أسباب اعتمادها وأنواعها وخصائص تطبيقها ونماذج تبنيها “، (مجلة مركز دراسات الكوفة، مجلد ٨، العدد٢٩، ص١٤٢.)
)٩) المصدر السابق نفسه، ص١٤٢.
(١٠) الدين هلال، علي (٢٠٠٦)، ” تطور النظام السياسي في مصر ١٨٠٥-٢٠٠٥ “، (مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، الطبعة السابعة، ص٥٦.)
(١١) ” البطالة في مصر.. نقطة ارتكاز المشكلات الاجتماعية والاقتصادية ” متاح على الرابط التالى: https://www.emaratalyoum.com/politics/reports-and-translation/2014-04-17-1.667895، آخر زيارة ١٦/١١/٢٠٢٠.
(١٢) ” ارتفاع نسبة الفقر في مصر الى اكثر من 25 في المئة ” متاح على الرابط التالى: https://www.bbc.com/arabic/business/2012/02/120128_poverty_in_egypt#:~:text=أعلن%20رئيس%20الجهاز%20المركزي%20للتعبئة,في%20المئة%20في%202008%20-2009 ،آخر زيارة: ١٦/١١/٢٠٢٠
- قائمة المراجع الأجنبية:-
(1) Andrea, T. (2011), “Political Parties and movements in post revolutionary Egypt”، (ISPI: vol: 42)، Retrieved from: http://www.ispionline.it/it/documents/WP42_2011ok.pdf Last Visit: (4/11/2020)
(2) Nadine, S. (2015), “Egypt upcoming parliamentary elections”، (German institute for international and security affairs)، Retrieved from: https://www.swp-berlin.org/fileadmin/contents/products/comments/2015C01_sik.pdf Last Visit: (4/11/2020)
(3) Merton, R. (1968), “Social theory and social structure”, free press, New York, p.75
(4)https://www.almaany.com/ar/dict/arar/%D8%AA%D8%B9%D8%AF%D8%AF%D9%8A%D8%A9/ Last Visit: 4November, 2020.
(5) LowellUSA, pington. (2009), ” Comparative politics: structures and choices “، (Marquette University, 20 channel centers street, Boston, MA 02210, USA,p367.)
(6) Kandil, O. (2015), ” The role of Political parties in promoting a culture of Good Governance in Egypt Post 2011 “، (The American University in Cairo, p20.)
(7) Ibid,p21.
(8) Hamed, A. (2016), ” Pro-poor health coverage expands in Egypt ” Available on this site: https://blogs.worldbank.org/arabvoices/pro-poor-health-coverage-expands-egypt Last Visit: 16/11/2020.
(9) Loveluck, L. (2012), ” Education in Egypt: Key Challenges ” (Middle East and North Africa Programme: Chatham House, 10St Jame’s Square, London SW1Y, p5.
[1] Andrea, T. (2011), “Political Parties and movements in post revolutionary Egypt” ,(ISPI:vol: 42), Retrieved from: http://www.ispionline.it/it/documents/WP42_2011ok.pdf Last Visit: (4/11/2020)
[2] المضحكي، فهد. (٢٠١٦)، “أزمة التعددية السياسية في الدول العربية “، آخر زيارة ٥/١١/٢٠٢٠ متاح على الرابط التالي: https://www.altaqadomi.org/?p=675
[3] عبد الفتاح، نبيل. (٢٠١٤)، “تحول حذر: عملية التحول الديمقراطى فى ظل رئيس جديد”، (المركز العربى للبحوث والدراسات، د.ت)، متاح على: http://www.acrseg.org/6981 تاريخ الدخول: (5/11/2020)
[4] Nadine, S (2015), “Egypt upcoming parliamentary elections”، (German institute for international and security affairs)، Retrieved from: https://www.swp-berlin.org/fileadmin/contents/products/comments/2015C01_sik.pdf Last Visit: (4/11/2020)
[5] Merton, R. (1968), “Social theory and social structure”, free press, New York, p.75
[6]https://www.almaany.com/ar/dict/arar/%D8%AA%D8%B9%D8%AF%D8%AF%D9%8A%D8%A9/ Last visit: 4November, 2020.
[7] سعيد عوض، جابر. (١٩٩٣)، “مفهوم التعددية في الأدبيات المعاصرة: مراجعة نقدية”، (جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ص6.)
[8] المصدر السابق نفسه، ص١٥.
[9] Barrington, L. (2009) ” Comparative politics: structures and choices “، (Marquette University, 20 channel centers street, Boston, MA 02210, USA,p367.)
[10] الدين هلال، علي. مسعد، نيفين. (٢٠٠٦)، ” النظم السياسية العربية قضايا الاستمرار والتغيير “، بيروت- مركز دراسات الوحدة العربية، ص١٤٩.
[11] نور فرحات، محمد. (١٩٩٢)، “التعددية السياسية فى العالم العربى: الواقع والتحديات”، الرباط: مجلة الوحدة، العدد 91، ص8.
[12] جاويش، علياء. (٢٠١٦)، “العلاقة بين الدولة ومحيطها الاجتماعي الثقافي فى إطار “التعددية الثقافية” منظورات مقارنة”، المركز الديمقراطى العربى متاح على الرابط التالى: https://democraticac.de/?p=26696، آخر زيارة: ٦/١١/٢٠٢٠.
[13] حسن دخيل، محمد. (٢٠١٣)، ” دور نظام التعددية الحزبية في الحياة السياسية للدول: دراسة في أسباب اعتمادها وأنواعها وخصائص تطبيقها ونماذج تبنيها “، (مجلة مركز دراسات الكوفة، مجلد ٨، العدد٢٩، ص١٤٢.)
[14] المصدر السابق نفسه، ص١٤٢.
[15] الدين هلال، على. (٢٠٠٦)، “تطور النظام السياسي في مصر ١٨٠٥-٢٠٠٥ “، (مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، الطبعة السابعة، ص٥٦.)
[16] Kandil, O. (2015), ” The role of Political parties in promoting a culture of Good Governance in Egypt Post 2011 “، (The American University in Cairo, p20.)
[17] Ibid,p21.
[18] ” البطالة في مصر.. نقطة ارتكاز المشكلات الاجتماعية والاقتصادية ” متاح على الرابط التالى: https://www.emaratalyoum.com/politics/reports-and-translation/2014-04-17-1.667895، آخر زيارة ١٦/١١/٢٠٢٠.
[19] Hamed, A. (2016), ” Pro-poor health coverage expands in Egypt ” Available on this site: https://blogs.worldbank.org/arabvoices/pro-poor-health-coverage-expands-egypt Last Visit: 16/11/2020.
[20] Lovelock. L. (2012), ” Education in Egypt: Key Challenges ” (Middle East and North Africa Programme: Chatham House, 10St Jame’s Square, London SW1Y, p5.)
[21] ” ارتفاع نسبة الفقر في مصر الى اكثر من 25 في المئة ” متاح على الرابط التالى: https://www.bbc.com/arabic/business/2012/02/120128_poverty_in_egypt#:~:text=أعلن%20رئيس%20الجهاز%20المركزي%20للتعبئة,في%20المئة%20في%202008%20-2009 ،آخر زيارة: ١٦/١١/٢٠٢٠