الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

أزمة كشمير بين جذور دموية وغفلة أممية

بقلم : محسن الكومي – المركز الديمقراطي العربي

 

لم يكن خروج المستعمر البريطاني سهلا من امبراطوريته الهندية التي عمل على استنذافها والانقضاض على ثرواتها وتعبيد أهلها ، فما بدأت ملامح انقشاعه عن سماء الامبراطورية إلا وقد ساندها بنظرية تقسيم عريضة  ،حينما لجأ إلى تقسيم عرقي يضمن به بقاءه مسيطرا على الخريطة السياسية  لتلك المنطقة الهامة وإن غاب عنها عسكريا  ،فكان التقسيم المفضل لديه ، قائم على  دولتين الأولى تجمع لغير المسلمين وهي الهند والاخرى تجمع لغالبية المسلمين وهي باكستان .

وقد بنى المستعمر البريطاني هذا التقسيم على اعتبار طبيعة الشعبين المسلم والهندوسي ، وافترض أن الحياة والتعايش والجمع بينهما تحت سقف  دولة واحدة صعب بل مستحيل فكان التقسيم إلى جزأين هو الحل الأمثل لديه ،ضامنا بذلك مناوشات لا تنتهي ليظل في الصدارة عملا بمبدأ “فرق تسد”  .

بداية الخيط

في عام 1947 تم التقسيم التام بين الولايات على اساس اقليمين “الهند وباكستان” الا حيدر اباد وكشمير ، فأما حيدر أباد فكان حاكمها مسلما يدعى ” عثمان علي خان ” وغالبية سكانها هندوس ،ففي تقدير 2011 وصلت نسبة الهندوس بها 62%  ، وعودا الى عثمان خان ولرغبته في الابتعاد عن تبعية الهند ارادها ولاية مستقلة إلا أن هذا التصور قابلته سيول الرفض المتراكمة من بريطانيا والهند فكانت عملية “بولو” وهو اسم رمزي يدلل على سيطرة الهند على دولة حيدر اباد في 1948، أما كشمير والتي شكل المسلمون وقتها نسبة 78% فقد ارتبطت بغرب باكستان ووافقت بريطانيا والهند على هذا الارتباط حيث كانت توقعاتهم  بأن هذه المنطقة ستظل مضطربة حتى بعد صدور قرارات الامم المتحدة .

1947 العام الدموي

يعد عام 1947 ليس عاما للتقسيم وانهاء المستعمرات البريطانية وتنسم الحرية ،لا بل بدء نجاح فكرة التقسيم وزرع العنصرية والكراهية بين مكونات الامبراطورية الأصيلة ففي هذا العام والذي يعد  عاما أسودا في تاريخ كشمير “على سبيل المثال” حيث اشارت صحيفة  التايمز اللندنية عن مقتل 237 الف مسلم بشكل منظم من سكان كشمير والذين لم تدركهم العناية من اللجوء إلى باكستان  وقد أشارت الأنباء وقتها أن نصف مليون مسلم قد هجروا في خريف هذا العام “1947” والبقية قد نجحوا في الوصول إلى باكستان ، وحينها بزغت أنوار الغيرة على لحوم ودماء واعراض المسلمين من سكان كشمير وباكستان فهبوا لنجدة اخوانهم وانقاذ من تبقى منهم ،وهنا قد أطمئنت بريطانيا إلى نجاح نظريتها  ، وعندها قررت بريطانيا بالتنسيق مع المهراجا الهندي في أن تضم كشمير إلى الهند وعلى أثر ذلك  هبطت قوات هندية إلى المطار الرئيس بكشمير للسيطرة عليها وتكاتفت جهود المسلمين في باكستان لتحريرها وكان ذلك مدفوعا من المؤتمر الاسلامي في نفس العام بتأييد شامل لضم كشمير الى باكستان ، وفي ظل تلك التجاذبات أصدر مجلس الأمن قراره بالامم المتحدة برقم 43 لعام 1948  بترك الحرية لأقليم كشمير لتحديد مصيره بناء على استفتاء الشعب عام

التلاعب ثقافة المستعمرين .

لم تكن الهند لتسمح  لقرارات الامم المتحدة تمر بسهولة فظلت تدعم التلاعب في نتائج الانتخابات والاستفتاءات الشعبية، والتي هي من نتائج قررات الأمم المتحدة والتي تعد فقط قرارات لم يكن مجلس الأمن على استعداد ليكمل دوره في ضمانات تطبيق هذه القرارات ،فترك للهند تفعل ما تشاء وتحاول تغيير الواجهة السياسة لكشمير من خلال اللعب في رؤوس التابعين سريعي بيع الضمير والأوطان ، فظلت تتلاعب من عام 1948 حتى 1986 في النتائج ومسارات الحكم الذاتي ، عن طريق حزب المؤتمر الوطني والذي كان مواليا لهم ،مما زاد معه استياء الكشميريين من ذلك الحزب ، والذي ثبت تلاعبه واتفاقاته السرية مع حزب المؤتمر بالهند مما يمثل خيانة عظمى لمسار ديمقراطية الأقليم . حاول الكشميريون المخلصون إعادة الدفة إلى موضعها الأصلي حينما حاول حزب الجبهة المتحدة المسلمة “MUF” في خوض الانتخابات في عام 1987 ولكن التزوير الذي قام به حزب المؤتمر الموالي للهند  كعادته كان فجا ، فلم يكن عرسا ديمقراطيا كما كان يظن و يحلم به الكشميريون ، بل كان قهرا مرتبا حيث شكل التزوير وكبت الحريات  فيه غالبية الممارسة الانتخابية الشكلية ،وكالعادة بدأت حملة اعتقالات موسعة في صفوف الجبهة المسلمة الوليدة .

لم تكن الهند لتترك زمام الأمر يتجه نحو ما يريده سكان الأقليم في ظل غياب رقابة أممية متعمدة في تنفيذ قررات مجلس الأمن  وكأن الأمم المتحدة بمجالسها تقول للكشميريين : ( قد حكمت لكم بحق وحرية تقرير المصير وهذا نصركم الأول والأخير ،أما تطبيق القرارات فليس لكم فيه نصيب فنصيب التنفيذ للهند ) وهذا التصور إنما يمثل حقيقة الأمر وواقعه  وإن كان  لفظه افتراضا  ، فمع مطلع التسعينات وبالتحديد عام  1990 بدأت الهند في تسليح القوات التي تسميها “قوات المساندة”  داخل الأقليم  والتي ضمنت بها عدة نقاط

  • كبت حرية الصحفيين والإعلاميين المخلصين للقضية الكشميرية
  • حملة اعتقالات واعدامات موسعة داخل عموم الكشميريين
  • الاستعداد لتزوير أي عمل انتخابي منتظر قد يعطي حرية للكشميريين

ظل الكشميريون يدافعون عن قضيتهم العادلة في تقرير مصيرهم واختيار وجهتهم التي يريدون وفي توحيد الأقليم ولم شتاته وقد بذل في ذلك ثمن باهظ ،راح فيه من الأرواح والممتلكات حتى زاد عدد الشهداء في سبيل هذه القضية العادلة وفي سبيل نجدة إخوانهم المضطهدين في بقاع الإقليم ،والذي بدأت ملامح العذابات تظهر فيه مرة أخرى بالتحديد في عام 1989 عندما ثار الكشميريون رفضا لمقتل 100 شخص ، ليصل إجمالي القتلى حتى الأن ما يقارب من 95000 شخص  فقدوا أرواحهم دفاعا عن الحرية في هذا الأقليم ، وهدم حوالي 108 الف من المنازل ،ورملت حوالي 22 الف من النساء وبلغت حالات الاغتصاب حوالي 11 الف حالة  ويعد الدعم العسكري الهندي سببا رئيسا في تلك المذابح  حيث  دعمت قوات الهند تسليح مواليها وقوتها المساندة بأكثر من 700 الف جندي تحت مسمى الجيش الهندي السري في كشمير وبالنظر إلى نسبة العدد المقاتل هذا الى نسبة  الشعب الكشميري  نجد أن هناك جندي هندي واحد  لكل 11 فرد من الاقليم وهي نسبة مرتفعة جدا إذا ما قورنت بأي قوات في أي مكان فضلا أن تكون قوات مستعمرة محتلة .

عودة الأحداث الساخنة

ظل الأقليم يعاني سنواته الكئيبة ،فالجرح ما زال عميقا والنزف مازال مستمرا، فما خفتت بشاعة المنظر يوما بل الجراح مستمرة إلى أن أتى عام  2016 فازداد النزف حينما قتل الشاب” برهان واني” على يد قوات الهند وهو شاب متطلع لحرية إقليمه ،وفوجئت الهند بخروج أكثر من 200 الف مشيع لجنازته مما اضطر الهند لاستخدام الرصاص الحي حيث قتل على إثر ذلك أكثر من 140 كشميري ووصلت الاصابات الى قرابة 17 الف إصابة ، ولعبت  بنادق الصيد دورا بالغا في إصابة السكان بالعمى حيث يلجأ الهنود إلى إصابة السكان في أعينهم ببنادق الصيد ففقد الكثير بصره ليصبح عاجزا عن الدفاع عن أرضه وكرامته حيث وثقت جهات عدة اجنبية ومحلية عدد طلقات “الخرطوش” المستخدمة من فوهات بنادق الصيد بحوالي مليون و300 الف طلقة استخدمت في إثنين وثلاثين يوما فقط.

لتستكمل سطور النضال الكشميري المتنامي والذي قابلته  دموية وحشية هندية في ظل خمول دولي متعمد يغلفه صمت إعلامي عالمي .

كشمير وفلسطين جروح متشابهة 

وصف كثير من الكتاب تشابه الجرحين وعددوا صور التطابق بينهما  فكشمير جرح لا يختلف في طبيعته وشأنه عن  جرح القدس فكلاهما عذابات ممتدة وجذور دموية مختلطة يمثل فيها النضال أعلى قيمة في حين مثلت العمالة أحط قيم الانسانية ، تنصلت فيهما أفعال المجتمع الدولي واقتصر الأمر على قرارات لم يمتثل لها الهنود واليهود وكلاهما راح يعربد قتلا وتشريدا وانتقاما  وقد اتفقا في الهدف من وجودهما في الإهانة والتشريد والتقتيل للمسلمين ، فقد نال الكشميريون كما نال الفلسطينيون حق تقرير المصير بموجب قرارات الامم المتحدة، لكن مع هذا الحق ظل المدنيون هم الضحايا في القضيتين نتيجة الصمت الدولي الذي خيم على القضيتين فمثلا منذ 1970 حتى عام 2008 استخدمت الولايات المتحدة الامريكية حق الفيتو 42 مرة ضد التصويت لمشاريع إدانة اسرائيل داخل مجلس الامن ولم تكن كشمير بعيدة عن هذا الصمت أيضا فالجتمع الدولي أمهل الهندوس لأكثر من مرة في قمع الشعب الكشميري ، وهنا برزت معظم نظريات وافكار الساسة الدوليين على عنصر التسوية للقضيتين ولكنها تسوية ظالمة هدفها ضياع  الحق وطمس الهوية وتغيير ديمغرافيا الشعبين الكشميري والفلسطيني ، وعلى أثر ذلك اتفقتا القضيتان أيضا في أنه لا سقف ولا حدود للهنود واليهود في انتهاك حقوق الانسان ،فنشأت المخيمات وبدأ التهجير القسري والابعاد المتعمد عن الأوطان  فالكل على الأرض مستباح. إلا أنه رغم قساوة هذه الملامح القاتمة  فقد نال الجرحان من مظاهر النضال الإيجابية  قسط رائع تمثل  فيما يلي

  • الانتفاضة الشاملة على كامل الارض
  • رفض الظلم والتبعية
  • رفض العمالة والتسوية الظالمة للقضية  .
  • الصبر والمثابرة رغم طول أمد القضية وتقلباتها السريعة مع عجلات التاريخ .

فكلا الشعبين قد نسجا قصتين من النضال مستمرتين يفصلهما حد جغرافي ولكن لم تفصلهما عن قلب الأمة مشاعر التعاطف والتلاحم لدى من هم أحياء بالعالم الاسلامي ، ولذا ينبغي التذكير الدائم بالقضية الكشميرية والتنديد المتنامي في المحافل الدولية ضد عدوان الهنود ومجازرهم تجاه مسلمي هذا الأقليم  وخاصة هذه الايام والتي تزداد فيه بشاعة الأحداث وتتنامى معدلات الكراهية حتى وصل الأمر إلى تحذير كافة الطوائف من سكان الأقليم على يد السلطات الهندية والتشديد على عمل عسكري شامل بالاقليم  لكن لم يكن المسلمون ممن شملتهم تحذيرات  الهنود  وكأنهم يعنوهم هم وفقط بهذا العمل العسكري حتى تم قطع وسائل التواصل والاتصالات مع الأقليم  .

فهل يستشعر العالم الإسلامي دوره في الحفاظ على دم إخوانه بكشمير وهل تتحرك الدبلوماسية العربية والاسلامية لدى المحافل الدولية طمعا في وقف هذا العدوان والمجازر المتوالية ؟؟؟

3.8/5 - (5 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى