الموقف الصيني من الحرب الروسية – الأوكرانية
بقلم : د. إسلام عيادي – أستاذ مساعد – جامعة الزيتونة للعلوم والتكنولوجيا – فلسطين – باحثة في الشؤون الصينية
- المركز الديمقراطي العربي
مقدمة
لا يزال الكثيرون يشعرون بالصدمة على الرغم من التحذير المسبق عندما نقلت القوات الروسية قواتها إلى أوكرانيا رغم صعوبة توقع كيف ستنتهي الحرب، وهذه الحرب المستمرة بين البلدين ستولد بلا شك عواقب بعيدة المدى على المشهد السياسي العالمي والعلاقات بين القوى العظمى، بل إنها وصفت بالحرب بين الشرق والغرب. وتصف موسكو تصرفاتها في أوكرانيا بأنها عملية عسكرية خاصة لنزع سلاح جارتها وإزاحة القادة الذين تسميهم بالنازيين الجدد، بينما تصف أوكرانيا وحلفاؤها الغربيون ذلك بأنه ذريعة لا أساس لها لغزو بلد يبلغ عدد سكانه 44 مليون نسمة.
ليس هناك شك في أن أوروبا والصين لا تريدان أن يريا الحرب وهي تحدث، لقد بذل الاتحاد الأوروبي وبعض أعضائه، وخاصة فرنسا وألمانيا، جهداً شديداً للبحث عن حلول دبلوماسية للأزمة، حيث سافر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز وفرقهم الدبلوماسية بين موسكو وكييف في محاولة لإحضار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى طاولة المفاوضات بعد أن ثبت عدم جدوى كل هذه الجهود.
فقد أدان الاتحاد الأوروبي الغزو وفرض عقوبات على روسيا، بما في ذلك بوتين نفسه؛ ومنها: حظر المجال الجوي للرحلات الروسية؛ واستثنيت البنوك الروسية من نظام سويفت، وزادت فرنسا من وجودها العسكري في أوروبا الشرقية وقدمت المزيد من المساعدة لأوكرانيا، بينما عكست ألمانيا مسارها أخيراً، وساعدت أوكرانيا بأسلحة فتاكة من المفهوم أن دول وسط وشرق أوروبا عبرت عن أقوى معارضة وقلق للعدوان الروسي، ووقعت أشد العقوبات على الكرملين.
الموقف الصيني من الحرب.
الصين لا تريد أن ترى الحرب، هذا ليس فقط لأن بكين استضافت مؤخراً دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، وعلى وشك استضافة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لذوي الاحتياجات الخاصة، ولكن أيضاً لأن الصين قلقة من الانقطاع المحتمل لمبادرة الحزام والطريق، التي تهدف إلى ربط آسيا بأفريقيا وأوروبا عبر البر والشبكات البحرية قبل حدوث ما يسمى بـ “العملية العسكرية الخاصة” لروسيا في أوكرانيا، فقد كانت الصين تحث كلا الجانبين على حل النزاع سلمياً، وبكين تحاول أن تبتعد عن الأزمة: فهي لم تؤجج التوترات، ولم تعرقل الصين العمل العسكري الروسي.
فجاء الموقف الرسمي الصيني عندما دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى أقصى درجات ضبط النفس بعد غزو روسيا لأوكرانيا، وقال إن بكين تتألم لرؤية ألسنة الحرب تشتعل في أوروبا. وذكرت محطة سي سي تي في الحكومية، أن شي، متحدثاً في اجتماع افتراضي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز قال إنه يتعين على الدول الثلاث أن تدعم بشكل مشترك محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا.
فقد سعت الصين إلى الإبقاء على مسافة دبلوماسية من الحرب في أوكرانيا، واختارت الامتناع عن التصويت في الأمم المتحدة لإدانة الغزو الروسي، كما تبذل جهوداً متضافرة لخنق الآراء القوية حول الصراع على منصات وسائل التواصل الاجتماعي الصينية.
وفي مطلع هذا العام، زار الرئيس الروسي بوتين بكين في الرابع من فبراير لحضور حفل افتتاح أولمبياد بكين الشتوية، خلال الزيارة التي استغرقت تسع ساعات، وقع بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ 15 بروتوكولًا ومذكرة تفاهم، وأعلنا بشكل مشترك أنهما يعارضان المزيد من توسيع الناتو، وأن صداقتهما لا حدود لها، وهذا ما جعل الناس يتساءلون بسهولة عما إذا كانت بكين وموسكو قد توصلتا إلى نوع من الصفقة للحرب بعد أن شنت روسيا “العملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا، امتنعت الصين عن تعريفها على أنها “غزو”، وبدلاً من ذلك شددت مراراً وتكراراً على ضرورة احترام مخاوف روسيا الأمنية.
وتجدر الإشارة إلى أن كل هذه الأحداث تجري في سياق العلاقات المتوترة بالفعل بين الصين وأوروبا، فقد مرت العلاقات بين الصين وأوروبا مؤخراً بأصعب عام منذ عام 1989. ففي عام 2021، تراجعت العلاقات بينهما إلى مستوى منخفض جديد بسبب العقوبات المتبادلة وانسحاب ليتوانيا من آلية “17 + 1” وإنشاء “مكتب تمثيلي لتايوان” “في فيلنيوس، التي تجاوزت الخط الأحمر للصين، قبل ذلك، دفعت طريقة الصين في التعامل مع جائحة COVID-19 وجهات النظر العامة السلبية عن بكين إلى مستويات تاريخية في جميع أنحاء أوروبا. حالياً، لن يؤدي موقف الصين من الحرب الروسية الأوكرانية إلا إلى مزيد من الإضرار بصورتها وتحفيز الرأي العام غير المواتي بالفعل في جميع أنحاء أوروبا.
فالصين تدرك أن الوقوف إلى جانب روسيا ليس من الحكمة، خاصة في وسط وشرق أوروبا (CEE)، وهي منطقة كان الروس يضطهدونها ذات يوم في مواجهة الغزو في أوكرانيا، تحول حتى أكثر السياسيين الموالين للكرملين في أوروبا الوسطى والشرقية إلى إدانة روسيا، ومن الواضح أن تصريحات الصين الفاترة ودورها المتفرج لا يمكن أن ترضي حكومات وجماهير أوروبا الوسطى والشرقية لا ينبغي أن تتفاجأ بكين إذا أعلن المزيد منهم الانسحاب من آلية “17 + 1″، وهي منصة الصين للتعاون في أوروبا الوسطى والشرقية، والتوجه إلى تايوان لتوثيق العلاقات هذا العام.
خاتمة
فالصين قوة رئيسية مسؤولة وتسعى جاهدة لتعزيز السلام والتنمية العالميين، ومع هذا تتعرض العلاقات بين الصين وأوروبا الآن لاختبار مؤلم بفعل الحرب الروسية – الأوكرانية، بالنسبة للصين بعد مرور 18 يوماً للحرب، إذا استعدت للعب دور أكبر في إنهاء الحرب وإعادة السلام إلى أوروبا، يمكن لبكين أن تستفيد دبلوماسياً من الأزمة، وإذا استمرت الصين في تشويش موقفها واكتفت بالمراقبة من الخطوط الجانبية، فستحصد بكين صداقة الروس الأخوية بالتأكيد، لكنها ستواجه علاقات عدائية من أوروبا.