الدراسات البحثيةالمتخصصة

القيادة السياسية والسياسة الخارجية

اعداد : الهلالى محمد هشام حسين حماد     – اشراف : د. اية يوسف

  • المركز الديمقراطي العربي

 

مقدمة:-

هناك العديد من العوامل التي تؤثر في السياسة الخارجية لأي دولة بعضها داخلي وبعضها خارجي، ولكن أبرز ما يؤثر في السياسة الخارجية لأي دولة هو القائد السياسي الذي له التصرف النهائي الذي بدوره إما أن يؤثر في السياسة الخارجية بالسلب أو الإيجاب ومن المحددات التي تتعلق بالقائد السياسي (إدراكه للموقف، وشخصيته، وأسلوبه في إتخاذ القرار، ودوافعه الذاتية….)، فالقائد السياسي يعتبر العنصر الأكثر أهمية في عملية القيادة.

هذا وإن أهمية هذا الموضوع في السياسة الخارجية تكمن في ان القائد السياسي يقع عليه عبء تحقيق مجموعة من الأهداف لدولته هذا وإن كان بعض هذه الأهداف داخلي إلا أنه يتعلق بدرجة كبيرة بالسياسة الخارجية لدولته ومكانته بين الدول.

إن التصرف الذي يقوم به القائد السياسي يجب أن يكون بالإتفاق والتشاور مع النخبة والجماهير فيجب أن يأخذ نمط القيادة الديمقراطية التي تقوم علي التشاور، لأن التقدير الخطا لأي موقف وسوء الفهم والإدراك يؤثر بالسلب علي مكانة الدولة بل ومن الممكن أن يؤدى إلي نهايتها ولعل أكبر دليل علي ذلك هو سوء الفهم والإدراك لدى صدام حسين في إجتياحه للكويت عام 1990 مما أدى في النهاية إلي الإحتلال الأمريكي لها.

ولعل العوامل الشخصية المتعلقة بصدام حسين متمثلة في السمات الشخصية الأولية المتعلقة به منذ الصغر والتي تم تصنيفها في 3 مراحل أساسية ساهمت بدرجة كبيرة في تكوين شخصيته وإضفاء بعض السمات عليه الاساسية التي أثرت عليه بعد ذلك في تقديره للمواقف وفي إتخاذه للقرارات، والسمات الشخصية المركبة التي إكتسبها من الظروف المحيطة به أثرت في إدراكه للأمور مما يؤثر في رؤيته لإتخاذ القرار النهائي ولما كانت العوامل المؤثرة في شخصيته كانت عوامل سلبية، فأدي ذلك إلي التأثير السلبي علي شخصيته ومن ثم إتخاذ قرارات بدون وعي تؤدي في النهاية إلي زوال دولته.

كما أن الخلفية الشخصية لمعظم القادة ساهمت بدرجة كبيرة في طريقة حكمهم وكيف أن معظم القادة السياسيين في تركيا كانوا ينتمون إلي أحزاب سياسية منذ الصغر ومنذ أن كانوا طلاب في الجامعات المختلفة مما أدى إلي وعيهم بالقضايا السياسية وإنعكس ذلك علي طريقة حكمم والذي تميز بها كل القادة في تركيا تقريبا بعد الحرب الباردة  ، وكيف يساهم إنتماء احد أفراد العائلة إلي مناصب سياسية إلي زيادة ذلك الوعي وكيف يساهم التكوين الإجتماعي للأسرة في ترسيخ وتثبيت قدرتهم علي إتخاذ القرار بعد ذلك.

وكيف كانت للسمات الشخصية دورا بارزا في قرارات السياسة الخارجية ومدى إختلاف هذه السمات من قائد لأخر وذلك طبقا للتكوين الإجتماعي الذي بدوره يساعد علي ذلك.

ولذلك سوف يتم تناول الشق النظري المتعلق بالقائد السياسي في صنع السياسة الخارجية ومع التركيز علي العوامل الموضوعية والشخصية وذلك من خلال التطبيق علي حالتي العراق (صدام حسين)، وتركيا علي رؤساء الوزراء بعد الحرب الباردة لتعميق الفهم المتكامل لهذا الموضوع.

الشق الأول:- المتعلق بالجانب النظري:-

الإطار النظري للموضوع:-

يعتبر القائد السياسي هو العامل الرئيسي المؤثر في السياسة الخارجية لأي دولة وسوف أتناول في هذا الجانب الإطار النظري المتعلق بكل من القيادة السياسية والسياسة الخارجية.

أولا:- تعريف السياسة الخارجية:-

لا يوجد تعريف متفق عليه للسياسة الخارجية سواء بين علماء السياسة أو علماء العلاقات الدولية، وإنما تعددت التعريفات وهذا يدل علي مدى تعقيد ظاهرة السياسة الخارجية.

هذا وإنه سوف يتم الإستعانة بتعريف عبد الوهاب الكيالي لتعريف السياسة الخارجية علي أنها ” تنظيم نشاط الدولة ورعاياها والمؤسسات التابعة لسيادتها مع غيرها من الدول والتجمعات الدولية وتهدف إلي صيانة إستقلال الدولة وأمنها وحماية مصالحها الإقتصادية”.

ثانيا:- تعريف القيادة السياسية:-

تتعدد تعريفات القيادة أيضا الي ما يزيد عن 130 تعريف، فلا يوجد تعريف متفق عليه وإنما أغلب التعريفات توصف هذه الظاهرة كعملية أو نشاط سواء كان ذلك يرتبط بالأفعال التي تصدر أو السمات الفردية للشخص.

ومن الباحثين الذين عرفوا القيادة كعملية الباحث جلال معوض الذي عرفها علي أنها مدى قدرة وبراعة القائد السياسي بالتعاون مع النخبة السياسية في القيام بتحديد أهداف المجتمع وأن يقوموا بترتيب هذه الأهداف ترتيبا تصاعديا حسب الأولويات وعليه ان يختار الوسيلة المناسبة التي تحقق هذه الأهداف بالتوافق مع قدرات المجتمع، وعليه أن يعى جيدا أبعاد المواقف التي تواجه المجتمع ويتخذ قرارات لحل هذه المشكلات في ضوء قيم ومبادئ المجتمع. وذلك طبقا للمستوى التحليلي.

أما المستوى الإجرائي فإنه ينظر للقائد السياسي علي إعتبار أنه ظاهرة فردية فالباحثة سلوي شعراوي عرفت القيادة السياسية علي إعتبارها الشخص الذي يشغل قمة الهرم السياسي ويتمثل في رئيس الجمهورية الذي يرأس السلطة التنفيذية. ويري جلال معوض ايضا أن القائد السياسي هو العنصر الأكثر أهمية في عملية القيادة.

وتختلف النظرة للقيادة بين الغرب والعرب فالغرب ينظرون للقيادة كمؤسسة أما العرب ينظرون إليها علي انها فرد، وهناك معايير معينة تحدد القائد وهي: شخصية القائد، طبيعة الإنجاز، مدى أثره والظروف السائدة.

ولكن في النهاية هناك 3 إتجاهات لتعريف القيادة السياسية وهي كالأتي:-

الإتجاه الأول :- وهو يركز علي مكانة الشخص إذ يشغل مركز أو منصب رسمي.

الإتجاه الثاني:- وهو يعتمد علي سمعة الشخص وشهرته ومن كونه ذا نفوذ في المجتمع.

الإتجاه الثالث:-  وهو يركز علي مدى ودور القائد في صنع وإتخاذ القرارات.

وعليه فإن القائد السياسي هو ” الفرد الذي يشغل منصب رفيع في الدولة كرئيس الدولة أو شخص ذو نفوذ وشعبية في المجتمع ، وتكون دوافعه واستعداده وكيفية ادراكه للمؤثرات البيئية وكيفية استجاباته لها الدور الأكبر في عملية صنع وإتخاذ القرار “.

ثالثا:- تصنيف القيادات السياسية:-

يتم تصنيف أنماط القيادات السياسية لعدة معايير وهي:- دور القائد في العملية السياسية، والسمات النفسية والسلوكية للقائد، ومصدر شرعية سلطة القائد.

أولا:- تصنيف القيادة السياسية حسب دور القائد في العملية السياسية:- ويمكن التمييز بين 3 أنماط:-

1- القيادة الأوتوقراطية أو الإستبدادية:- وهنا يكون للقائد السياسي السلطة الكاملة في اصدار القرارات والسياسات ولا يقبل مشاركة حقيقية من أحد ومن الممكن أن يسمح بمشاركة شكلية فقط حتي يضفي بعض الشرعية علي إحتكاره للسلطة، وهذا القائد لا يهتم بمطالب المحكومين.

2- القيادة الديمقراطية:- وهنا يقوم القائد السياسي بمشاركة المحكومين ويقبل المناقشات والحلول، وهذا يؤدى الي خلق درجة من الرضا بين الحاكم والمحكومين ويؤدي إلي إصطفاف المحكومين خلف القائد السياسي لمواجهة الأزمات والمواقف الصعبة، وتعتبر القيادة الديمقراطية أكثر فعالية من الأوتوقراطية.

3- القيادة غير المتداخلة:- وتعتبر هذه القيادة أقل كفاءة من القيادتين السابقتين وذلك لكونها قيادة سلبية، فالقائد لا يشارك في صنع القرارات أو السياسات ويصبح دوره تقديم المعلومات التي تطلب منه.

وهناك إتجاها يصنف دور القائد في العملية السياسية إلي نمطين فقط ( تسلطي – ديمقراطي )

ثانيا:- تصنيف القيادات السياسية حسب السمات النفسية والسلوكية للقائد:- هناك عدة تصنيفات وهي تعكس إنفتاح علماء السياسة علس علم النفس ويمكن تصنيف القيادة السياسية حسب السمات والسلوك إلي:

1- القائد البراغماتي:- وهو قائد يتميز بالعقلانية ولديه القدرة علي تحديد المشاكل والبدائل المتاحة ونتائجها، ولديه القدرة أيضا علي إتخاذ القرار المناسب وإقناع الأخرين به.

2- القائد الكاريزمي:- وهو قائد يمتلك قوة عاطفية يستطيع من خلالها أن يخاطب مشاعر وعواطف الجماهير، وهو يعبر عن إرادة الأمة.

3- القائد الوسيط – المنظم :- هذا القائد يشبه رجل الأعمال او المنظم الإقتصادي، فهو يؤدى دور الوسيط بين مختلف الأطراف في المجتمع، ويفضل الخطط الجزئية عند مواجهة المشكلات ولا يفضل الخطط الكلية.

ثالثا:- تصنيف القيادات السياسية حسب مصدر الشرعية:- ويمكن التمييز بين 3 أنماط كالأتي:-

1- القائد التقليدي:- وهذا القائد موجود في المجتمعات البدائية، حيث يكون له سلطة مطلقة مستمدة من ولاء الأفراد له وطاعته، ويعتمد القائد علي الأعراف والتقاليد ويركز أيضا علي السن والمكانة والدين.

2- القائد الكاريزمي:- وهو قائد يتميز بصفات فريدة مما يجعل الأفراد يطيعوه وينظروا إليه نظرة البطل الخارق الذي يمتلك قدرات هائلة.

3- القائد الشرعي – العقلاني :- وهذا القائد لا يطيعه أفراد المجتمع بسبب شخصيته وإنما بعمله في إطار شبكة من المؤسسات المبنية بصورة شرعية ولا تحمل الطابع الفردي.

رابعا:- رؤية مختلف الاتجاهات الفكرية لدور القائد السياسي في السياسة الخارجية:-

أولا:- رؤية بعض المداخل في دور القائد السياسي في السياسة الخارجية:-

1- مدخل التحليل الكلي:- ينتمي أصحاب هذا المدخل للمدرسة الواقعية، ويقوم هذا المدخل علي التقليل من دور القائد السياسي ويركز علي المجتمع بأسره، وأن التاريخ يسير وفقا لقوانين وآليات غير مرئية وليس وفقا للأفراد، فالقائد لا يملك المكانة الرئيسية عند تحليل الموقف.

فالمدرسة الواقعية ترى ان القادة يأتون ويذهبون بينما تظل القيادة السياسية ثابتة في مسارها، فالسياسة الخارجية هي تعبير عن المصالح القومية.

وأن القائد السياسي يختلف دوره في صنع السياسة الداخلية عنها في الخارجية، فحرية القائد السياسي تكون مقيدة في البيئة الخارجية وخاصة في دول الهالم الثالث التي تكون تحت تأثير قوى عظمى خارجية.

2- مدخل التحليل الجزئي:- يرى أن التاريخ لا يسير بدون فرد عظيم سواء كان نبي، قائد، مفكر يستطيع أن يجمع الناس ولا يوجد معني للتاريخ بدونه.

وإن شخصية القائد السياسي لها دور كبير في ناتج العملية السياسية أكثر من أي قوى آخرى، ويتحدد سلوك القائد السياسي وفقا لتصوره وإدراكه للموقف.

3- ما بين المدخلين:- يرى هذا المدخل ان المدخلين السابقين يمثلان جانين متطرفين في تقدير دور الزعيم،  وأن أغلب الحالات تقع ما بين المدخلين: فالفرد فاعل في التاريخ وغير فاعل في نفس الوقت والظروف تصتع البطل ويقوم هو أيضا بصنعها.

ثانيا:- أهم النظريات التي تركز علي دور القائد السياسي في السياسة الخارجية:-

1- نظرية صنع وإتخاذ القرار:- وتقوم هذه النظرية علي إفتراض أن الناس صناع عقلانيون لقرار رشيد، وأنهم يختارون ما يرون أنه يحقق أهدافهم.

وإن عملية صنع القرار تعني عملية إجتماعية يتم من خلالها إختبار مشكلة ما لتكون موضوعا لقرار ما وينتج عنها عدد من البدائل يتم إختبار إحداها لوضعه موضع التنفيذ والتطبيق، أما إتحاذ القرار فيعني الإختيار بين مجموعة من البدائل وهذه البدائل تتسم بعدم اليقين في نتائجها.

ولكي ندرس إتحاذ القرار في هذا المنهج فيجب تحديد الاتي: من يساهم في عملية إتخاذ القرار، ومن يقوم بتنفيذه، وطبيعة عملية الاتصال القائمة بين من يقوم بإتخاذ القرار ومن يقوم بتنفيذه.

2- نظريات الشخصية:-

أ- نظرية العلاقات الشخصية:- تدور هذه النظرية حول كيفية معاملة الفرد السياسي لمن حوله وبالتالي فإنه يرغب أن تكون علاقات دولته علي نفس الطريقة، ومع إزدياد التواصل والتفاعل بين زعماء الدول بعضهم مع بعض فإن ذلك يؤدى إلي تحسين العلاقات بين الدول.

ب- نظرية الإحباط:- تقوم هذه النظرية علي إفتراض أن عند الشعور بالإحباط يؤدى إلي التعدى علي الأشياء أو الأشخاص فعندما تزداد الضغوط لدرجة كبيرة يؤدى إلي الإعتداء الفعلي ولذلك يجب تخفيض تلك الضغوط لتحقيق السلام.

ج- نظرية القومية:- ويرى أنه كلما زاد درجة الإنتماء للأمة كلما زاد التعلق بها والدفاع عنها ويرفض الشخص الأشياء التي لا تتلائم مع صورة بلاده، وعلاقة الفرد بالأمة تتمثل في الحفاظ علي شهرتها ومجدها.

د- نظرية الدور:- يرى البعض انه لا علاقة لعامل الشخصية في السياسة الخارجية لأن ممارسة الفرد لتدريه ومهاراته وتحليل المعلومات وغيرها تحدد تأثير الخاصيات الشخصية في صنع القرارات.

خامسا:- تحليل دور القائد السياسي في صنع السياسة الخارجية:-

أولا:- العوامل الموضوعية المؤثرة في دور القائد السياسي في صنع السياسة الخارجية:-

1- عوامل تتعلق بطبيعة القائد:- يختلف القادة إختلافا جوهريا بطبيعتهم فمنهم من يهتم بالسياسة الخارجية ومنهم من يعتبر لديه خبرة بالسياسة الخارجية ومنهم من لديه كاريزما بطبيعته غيرها من العوامل التي تتعلق بطبيعة القائد.

أ- مدى إهتمام الفرد بالسياسة الخارجية:- هناك بعض القادة اهتموا بالسياسة الخارجية بشكل أساسي أمثال ديجول، وهناك من ركز علي الشأن الداخلي مثل بومبيدو، والبعض الآخر إهتموا بالشأن الداخلي ولكن دفعتهم الظروف للإهتمام بالشأن الخارجي مثل جونسون، وبعض القادة كانوا يهتمون بالشأن الخارجي ولكنهم إضطروا إلي التركيز علي الشأن الداخلي وزلك لأسباب عدة قد يكون بعضها حدوث ركود إقتصادي مثلا.

وتختلف أسباب الإهتمام بالسياسة الخارجية من قائد لآخر وفق إمكانيات عديدة بعضها قد يكون داخليا مثل تأكيد شعبيته  أو تحقيق أهداف أساسية للدولة وبعضها الآخر قد يكون خارجيا مثل وجود عدو خارجي يهدد أمن الدولة. وكلما إهتم القائد السياسي بالسياسة الخارجية كلما تمكن من المشاركة الفعالة في صنعها.

ب- خبرة الفرد بالشئون الخارجية:- إن القائد زي الخبرة في السياسة الخارجية تكون لديه آراء واضحة عن الأسلوب الأمثل لصنع وتنفيذ السياسات الخارجية فهو يعرف مدي أهميتها وإتعكاساتها علي السياسات العامة للدولة.

من الممكن أن يكون احد المسئولين بالشئون الخارجية ذا خبرة وإهتمام فيبين له الأثر الأكبر في رسم السياسة الخارجية لبلاده.

ج- مرونة القائد السياسي:- يقصد بها مدي إستعداد القائد السياسي لتغيير سياسته لما يرد له معلومات من البيئة.

هناك شخصيات لديها جمود من التغيير وآخرى تتغير بسهولة وهناك نوع يكون مرنا ويغير سياساته إذا أثبتت المعلومات خطأ السياسات والآراء وبصفة عامة كلما زاد تحصين القائد السياسي ضد التغيير كلما زاد تأثيره في السياسة الخارجية لبلاده.

د- كاريزمية القائد السياسي:- وهي قدرة القائد السياسي أن يكتسب ولاء واخلاص وثقة الجماهير.

فالقائد الكاريزمي يعبر عن روح الأمة وإرادتها، وهو عنيف مع خصومه كريم مع أعوانه، ويخاطب مشاعر وعواطف الجماهير، ويحل المشكلات التي تواجهه عن طريق الحلول الشاملة بدلا من الجزئية .

والقائد الكاريزمي يحصل علي تأييد شعبي كبير لسياسته الخارجية ، وهؤلاء الزعماء استطاعوا أن يضعوا بصماتهم أكثر من زعماء الدول المتقدمة.

2- عوامل تتعلق بطبيعة الموقف:-

أ- موقف التخطيط طويل الأمد:- تعتبر العوامل الشخصية لها دورا بارزا في القضايا طويلة الأمد وذلك بسبب قلة إهتمام الراي العام بتلك القضايا وإهتمام الجماهير بالقضايا الراهنة التي تؤثر علي مصائرهم.

ب- قضايا البقاء الوطني:- يقل دور العوامل الشخصية كلما تعلق الأمر بقضايا البقاء الوطني ويقوم القائد السياسي بقبول النصح من الآخرين ومشاركتهم في إتخاذ القرار.

ج- المعلومات شديدة الوفرة أو الندرة:- إن وفرة وندرة المعلومات تعوق التوصل إلي قرار رشيد، وذلك لأنه في حالة توفر معلومات كثيرة يؤدى ذلك إلي صعوبة تصنيفها، وفي حالة ندرة المعلومات فيعتمد صانع القرار علي العوامل الشخصية.

د- غموض الموقف السياسي الخارجي:- تبرز أهمية صانع القرار في البيئة التي تتميز بعدم الإستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي بسبب غموض الأحوال.

وتتمثل المواقف الغامضة كأن يكون الموقف جديد تماما أو معقد أو يحتوى علي معلومات متناقضة فيصعب تفسيره، ويزداد أثر العوامل الشخصية في صنع السياسة الخارجية كلما تميز الموقف بالغموض.

هـ- الأزمة الدولية:- هناك بعض المواقف غير الروتينية التي تميز السياسة الخارجية كإعلان الحرب وعقد الكحالفات وغيرها التي تعطى فرصة اكبر للقادة السياسيين من أن يؤدوا دور كبير في صياغة السياسة الخارجية بسبب قلة المشاركين في صنع القرار.

3- عوامل تتعلق بالنظام السياسي للدولة:-

أ- أسلوب الوصول إلي السلطة:- يختلف ما إذا كان القائد السياسي وصل إلي السلطة عن طريق دعم قبلي أو عشائري فهنا يمسك بزمام الأمور بسبب وجود دعم له من القبيلة وصولا إلي دعم أجنبي له، أما الوصول إلي الحكم عن طريق إنقلاب عسكري أو ثورة أو غيرها يكون للقائد السياسي له سلطة شبه مطلقة في إدارة شئونه الداخلية.

ب- مستوي هيكل صنع القرار:- يري المسئولين في الوظائف النيا أن العوامل الشخصية لا تؤدى دور أكبر من العوامل التنظيمية في السياسة الخارجية بينما يري المسئولين في المناصب العليا العكس.

ج- سلطة إتخاذ القرار:- تختلف سلطة إتخاذ القرار من نظام سياسي لآخر ففي الأنظمة الديكتاتورية لا يوجد معارضة منظمة تؤثر في عملية صنع القرار، أما النظم الديمقراطية تحتوى لي مجموعات سياسية تحد من سلطة القائد السياسي في صياغة وتنفيد السياسة الخارجية.

والقائد الكاريزمي يؤثر بدرجة كبيرة بسبب السلطات المفوضة إليه من الشعب.

د- دور القائد السياسي في الدول النامية:- تصل سلطة القائد السياسي في الدول النامية إلي حد كبير ويعود تعظيم دوره إلي طبيعة وظروف الدولة، فالدول التي تتميز بغياب المشاركة وعدم الإستقرار وعدم الكفاءة الإدارية تركز عملية صنع القرار في يد زعيم الدولة.

ثانيا:- أثر العوامل الشخصية للقائد السياسي في صنع السياسة الخارجية:-

السياسة الخارجية ليست نتيجة تأثير العوامل الموضوعية فقط وأنما تتاثر بالأشخاص الذين يصنعونها لذلك يجب دراسة دوافعهم وسماتهم الشخصية وإدراكهم للموقف.

1- الدوافع الذاتية للقائد السياسي:- إن الدوافع هي عبارة عن مجموعة من العوامل المرتبطة بحاجات الإنسان الأساسية وتدفعه للتصرف بشكل معين. وهناك صعوبة في الحصول علي بيانات نفسية عن القادة لذلك يتم اللجوء لتحليل الخطب والسلوك ومقابلة مساعدي صانعي القرار.

وتعتبر الحاجة إلي القوة من أهم الدوافع المحركة لأغلب الزعماء السياسيين بالإضافة إلي الحاجة للإنتماء والرغبة في الإنجاز.

2- السمات الشخصية للقائد السياسي:- وهي مجموعة من الخصائص ترتبط بتكوين الإنسان المعرفي والسلوكي والعاطفي مثل أن يكون الفرد ذا شخصية تسلطية أو يكون ميالا إلي الإنفتاح علي الأفكار الجديدة.

أ- نموذج الشخصية التسلطية:- مثل السيطرة علي المرؤوسين واستعمال مفاهيم نمطية والتعصب للقومية والميل للحرب والعدوان.

ب- نموذج الشخصية المنغلقة عقليا:- وهي تتميز بالقلق النفسي والإهتمام بمصدر المعلومات اكثر من مضمونها وليس لديها القدرة علي إستيعاب المعلومات الجديدة التي تناقض عقائدها، ولا تستطيع أن تحلل كل البدائل المتاحة ونظرتها للعالم نظرة تآمرية وتستعمل القوة في التعامل مع الآخرين وتتخذ القرارات بطريقة سريعة مما يجعلها عاجزة عن صياغة سياسة خارجية متكاملة و رشيدة.

ج- نموذج تحقيق الذات:- هذه الشخصية تتميز بإشباع الحاجات الطبيعية والإحساس بالأمن والعاطفة والإنتماء وهذه الأبعاد تؤدى إلي الإنفتاح علي العالم.

3- إدراك القائد السياسي للموقف:- وهو وعي الفرد بالقضايا الموضوعية المرتبطة بموقف معين فالفرد يتلقي مجموعة من المعلومات اليومية وهذه المعلومات تخلق وعي معين للفرد بتلك الموضوعات.

وعندما يوجد تفسيرات محتملة للأحداث الدولية فإن القائد السياسي يختار وفقا لتصوراته وسوابقه التاريخية.

الشق الثاني:- المتعلق بالجانب التطبيقي:-

بعد أن تم شرح الإطار النظري الخاص بالموضوع فأتي جزء الجانب التطبيقي لتعميق الفهم، وقد تم الإعتماد علي مقالتين أساسيتين وذلك لكون وجود العديد من العوامل المتعلقة بالقائد السياسي التي تؤثر في سياسته الخارجية.

وقد وقع الإختيار علي المقالة الأولي بعنوان “القائد السياسي وصناعة الأزمة في السياسة الخارجية (حالة الرئيس العراقي صدام حسين في حرب الخليج الثانية)”

وقد سبق وتم التوضيح في الإطار النظري العوامل الشخصية للقائد السياسي ودورها في السياسة الخارجية ولعلنا الآن بحاجة إلي هذه العوامل لفهم هذه المقالة.

إن صناعة الأزمة في السياسة الدولية ترتبط بالعديد من العوامل كالصراع علي الثروات وسباق التسلح أو أسباب إقتصادية وهذه العوامل توجد مجموعة من الطرق تساعد في حلها ولا تصل إلي الأزمة، ولكن تكمن المشكلة الأساسية عندما تتحول تلك الأسباب إلي سوء إدراك وتفسير من الحاكم فتؤدي إلي أزمة ليس فقط علي المستوي الإقليمي ولكن أيضا علي المستوي العالمي.

فلا يوجد مبرر من أن تجتاح دولة جارتها في بضع ساعات حتي وإن كان هناك مبررات إقتصادية وسياسية ولكن قرار الغزو نفسه يجعلنا نقف لنفكر ونحلل طبيعة شخصية هذا القائد الذي قام بفعل ما زالت توابعه موجودة حتي اليوم من تدخل أجنبي في المنطقة العربية وخاصة منطقة الخليج من أجل حمايته.

إن الدوافع الذاتية مرتبطة بحاجات الإنسان الأساسية تدفعه إلي أن يتصرف بشكل معين كالدافع نحو القوة والحاجة للإنتماء والإنجاز وإحترام الذات وغيرها من العوامل، أما الخصائص الشخصية فمرتبطة بالتكوين المعرفي والعاطفي والسلوكي للإنسان مثل أن يكون الفرد ذو شخصية تسلطية أو ميالا إلي الإنفتاح وغيرها.

والدوافع الذاتية العدوانية تعتبر دافع أساسي للحروب بين الدول، فالقائد السياسي قد يشعر بعدم الأمان وإفتقاد إحترام الذات مما يدفعه للسعي نحو القوة وطبقا لرؤيته الفردية لا يسعي إلي تحقيق أهداف قومية لدولته بل تحسين صورة دولته وتدعيم شعبية القائد السياسي.

ليس بالضرورة أن تكون كل المحددات الشخصية سلبية ولكن الخطورة تنبع عندما تكون هذه المحددات لها دور في صناعة الأزمة وتفاقمها مع وجود بدائل آخرى تساعد علي الخروج منها.

البناء السياسي وصنع السياسة الخارجية العراقية:-

يعد مجلس قيادة الثورة عام 1970 الجهاز السياسي للدولة وصاحب السلطة التشريعية حيث أنه هو الذي ينتخب رئيس الجمهورية ونائبه وينر في جميع السياسات الخاصة بالدولة، ويحق له ممارسة كل الشئون الخارجية من تعبئة عامة وإتخاذ قرار الحرب وتوقيع إتفاقيات السلام وحماية إستقلال البلاد وغيرها،        ثم جرى تعديل دستوري تم بموجبه إنشاء مجلس وزراء ولكن سلطاته كانت محدودة وإقتصر علي الشئون الداخلية فقط دون الشئون الخارجية.

لذلك كان الرئيس العراقي صدام حسين صانع القرار الرئيسي في العراق، فابلنسبة لحزب البعث لم يلعب دور مؤثر في صنع السياسة الخارجية فعلي الرغم من تطابق مواقف الحزب والدولة إلا ان الدولة تكيف نفسها في غدارة شئون الحياة اليومية أما الحزب فلا يتطلب ذلك منه، أما المؤسسات السياسية فلم يكن لها دور أيضا لأنها كانت خاضعة لمجلس قيادة الثورة، فالرئيس هو مركز صنع القرار والمؤسسات تعتبر مستشارين له وهو الذي يقوم بإتخاذ القرار في النهاية وكان عليه فقط مجموعة من القيود المؤسسية نابعة من الوضع الجغرافي والتركيب السكاني للبلاد.

السمات الشخصية للرئيس صدام حسين وصناعة الأزمة في السياسة الخارجية:-

ظهر تحليل الدوافع الذاتية في الخمسينيات من القرن 20 وسوف نقسم السمات الشخصية لصدام حسين إلي نوعين :

1- السمات الشخصية الأولية:- وهي سمات نشأت معه منذ الصغر وترعرت من خلال طفولته ومراهقته، فالمرحلة الأولي تتمثل في ولادته عام 1937  في تكريت ووفاة والده قبل ولادته بعدة شهور وزواج أمه وقيامها هي وزوجها بتربيته وكان زوج أمه يعمل بحرفة الرعي ثم إكمال صدام حسين الدراسة الإبتدائية، والمرحلة الثانية تتمثل في إنتقاله إلي بغداد وإقامته عند خاله وإتمامه المرحلة الثانوية وتأثره بأفكار خاله القومية في مناهضة الإستعمار البريطاني، والمرحلة الثالثة هي محاولته للإلتحاق بأكاديمية بغداد العسكرية ولكن فشل في ذلك بسبب ضعف درجاته.

فالمراحل الأولي من حياته كونت شخصيته كالأتي:- وفاة والده قبل ولادته وزواج أمه نمي لديه سمات مرتبطة بالقوة والشك وعدم التهاون مع الخيانة فشعر بعدم الأمن نتيجة عدم نموه وسط والده وزواج والدته بعدد ذلك نمي شعوره بالخيانة خصوصا أنه ولد في بيئة ريفية تعد القيم فيها عاملا مهما في تكوين شخصية الفرد، وظهر رد فعله للخيانة علي المستوي الداخلي والخارجي فكان يقتل كل من يشك في أنه يخونه وكان إدراكه للمستوي الخارجي أن الكويت تخونه فتصرف معها وفقا لإدراكه الشخصي.

أما المرحلة الثانية من حياته وهي مرحلة شبابه التي يبحث كل فرد فيها عن قدوة ونظرا لوفاة والده وهو صغير وعندما إلتقي بخاله المثقف تأثر بأفكاره الخاصة الأفكار القومية.

والمرحلة الأخيرة المتعلقة برغبته في الدخول أكاديمية بغداد العسكرية وفشله في ذلك كانت نوعا من البحث عن تعويض للقوة التي فقدها نتيجة وفاة والده قبل أن يولد هو لذلك كانت رغبته في دخول الأكاديمية تعويضا عن هذا النقص الذي يشعر به منذ بداية حياته، وكان هذاالعامل له تأثير في حياته حيث كان يلبس دائما الزي العسكري ويبحث دائما عن القوة ولكن إمكانياته لم تكن تسعفه لذلك مما ادى إلي لجوءه إليها بطرق غير مشروعة. وهكذا تمت عسكرة المجتمع العراقي في فترة حكم صدام حسين وزادت نسبة الجيش والمؤسسات التي تعمل لحساب أجهزة الأمن إلي 30% من السكان.

وعندما قامت الثورة الإيرانية تغلبت العوامل الشخصية لديه علي العوامل الموضوعية وخاصة خاصية شعوره بعدم الأمان وخوفه من ظاهرة المد الثوري الإيراني علي العراق وخاصة ان أغلبيتهم شيعة.

وينطبق هذا الأمر علي حرب الخليج الثانية نتيجة عامل عدم شعوره بالأمان وإتباعه نفس أسلوب الإنتقام الذي يتبعه مع الأفراد علي إعتبرها عومامل داخلية يتعامل معها بنفس الأسلوب وغعتبار الكويت محافظة 19 للعراق، ولكن ضعف إدراكه للبيئة المحيطة وهيمنة العوامل الشخصية لديه هي التي أدت إلي ذلك.

2- السمات الشخصية المركبة لصدام حسين:- هناك عوامل تلخص هذا الجانب تتمثل في الإيمان بالعنف كوسيلة لتحقيق الأهداف، والإعجاب بالزعامة المطلقة، والتعصب للرأي الذاتي،والحاجز المعرفي مع العالم.

فصدام حسين كان ميالا إلي العنف عندما كان في كل من المعارضة والحكم، وحتي في علاقته مع رفاقه وجيرانه، وقد كان صدام حسين يفتخر بحادثة محاولة إغتيال عبد الكريم قاسم التي يعتبر هو أحد أبطال تلك الحادثة، وقد كان يؤمن بالعنف كوسيلة لحل المشاكل السياسية فقد إستطاع أن يصل إلي السلطة عن طريقه كما إستطاع به أيضا ان يحافظ علي الحكم.

وبالنسبة للإعجاب بالزعامة المطلقة فقدكان معجبا بالزعامة الناصرية عندما كان يدرس الحقوق بالقاهرة وكانت تلك الفترة هي ذروة شعبية عبد الناصر بعد تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي علي مصر فأعجب بعبد الناصر وسعي ليكون عبد الناصر جديد في المنطقة العربية، وكان أيضا معجبا بزعيم عراقي وهو نبوخذ نصر وسعى إلي أن يكون عظيما مثله ودليلا علي ذلك كان يشاهد فيلم العراب بإستمرار وملأ بغداد بالعديد من الصور والتماثيل وهو شامخا بأنفه تحيط به رسومات دبابات وفرسان وطائرات وصور عسكرية بابلية، وذلك دفع صدام حسين إلي التصرف علي انه الزعيم الأوحد للعرب ويجب أن يطاع ولا يجب أن يأخذ إستشارة حتي ولو من رئيس عربي.

أما السمة الأخيرة فتتمثل في الحاجز المعرفي مع العالم الخارجي ويشمل بعدين وهما بعد مرتبط بالإدراك يتمثل في عدم إدراك الفرد لمعلومات موجودة بسبب تدخل العوامل المشخصية والموضوعية، وبعد آخر مرتبط بالحاجز الخارجي كالجهل باللغات الآخرى والثقافة وصدام حسين كان يجمع بين كلا البعدين.

فصدام حسين لم يكن يعرف إلا القليل عن السياسة والمجتمع في الولايات المتحدة بالرغم من الكفاح ضدها،

فعندما إجتاح الكويت لم يفكر في النتائج التي سوف تترتب علي ذلك وإن فكر فربما إدراكه والعوامل الشخصية والحاجز الخارجي هو الذي أدى به إلي ذلك بحكم شخصيته التسلطية التي لا تقبل إلا ما يتوافق مع إدراكها، فأثرت البيئة الشخصية علي قراراته مع تزامن غياب البيئة الموضوعية وتفسير إدراكى خطأ وتفسير خاطيء للوساطة الدبلوماسية مما أدي إلي مضاعفة الأزمة علي المستويين الإقايمي والدولي وخلق أزمات آخرى وحصار إقتصادي إنتهي بإحتلال أمريكا للعراق وسقوط نظام صدام حسين.

أما بخصوص الدراسة الثانية فقد تم إختيار فصل يتحدث عن “رئيس الوزراء والسياسة الخارجية في تركيا من 1991-2009). ويتحدث هذا الفصل عن الخلفيات الشخصية والحياة المهنية السياسية لرؤساء الوزرات والسمات الشخصية والأحداث.

فمنذ بداية الجمهورية في تركيا عام 1923 سيطر القادة السياسيون علي السياسة وحكموا الأحزاب حكما حديديا، فهم الذين يحددون من الذي سيضع قائمة الحزب ومن الذي سيترشح في الإنتخابات المحلية والأشخاص أهم من كل من البرامج والمؤسسات الحزبية.

ولعل السبب الرئيسي الذي أدي غلي قلة الإهتمام بالدور السياسي للقادة في السياسة الخارجية راجعا إلي كون تركيا لم تعد لاعبا رئيسيا في السياسة العالمية، ولقد لعبت العوامل النظامية دورا في مكانة تركيا في السياسة العالمية من خلال إنضمامها لحلف الناتو والتحالف مع الولايات المتحدة والوقوف بجانبها في معركتها الأيدولوجية مع الإتحاد السوفيتي.

وبعد الحرب الباردة لم يكن هناك تغيير كبير فقد إتسمت تلك الفترة بعدم الإستقرار السياسي والإقتصادي في تركيا، وأن هناك قادة مثل تورغرت أوزال، ونجم الدين أربكان، و حسن طيب أردوغان كان لهم تأثير كبير علي السياسة الخارجية التركية، وخاصة أردوغان كان له بصمات واضحة علي السياسة الخارجية التركية منذ مجيئه عام 2002 وسياساته المصطدمة مع إسرائيل، وانحيازه للبرازيل.

وتساعد الخصائص في فهم سلوك السياسة الخارجية لتركيا، وأن القادة لهم أهمية حيوية في تركيا وتصورات تأثيرهم في السياسة الخارجية تكون منحرفة أحيانا فالبعض يصور القادة والحكومة القائمة علي أنها إسلامية لذلك من المهم تحديد الخلفيات الشخصية لرؤساء الوزراء الأتراك.

فمنذ الحرب الباردة حكم تركيا 7 رؤساء وزراء مختلفين وكان اولهم سليمان ديميريل، نشأ في قرية صغيرة في عائلة من الفلاحين، وقد تعلم في مدرسة إبتدائية ثم إقليمية ثم درس الهندسة في جامعة اسطنبول، وقد كان تعليمه الجامعي له أثر كبير عليه حيث إلتقي بقادة المستقبل وأبرزهم نجم الدين أربكان وتورجوت أوزال وألبارسان تركس وتولي بعد ذلك منصبا مهما في وكالة حكومية، وعاش بعد ذلك في الولايات المتحدة،وفي عام 1962 إنضم إلي حزب العدالة وتم إنتخابه في المجلس الإداري للحزب إلي أن أصبح زعيم حزب العدالة إلي أن فاز في الإنتخابات العامة، وقد كان شخصية مؤثرة في السياسة التركية، ولقد كان ديميريل زعيما تصادميا ثم بعد ذلك كان زعيما توفيقيا ومعتدلا.

ثم تولت تانسو تشيلر، فقد كانت إبنة لموظف بيروقراطي ، وعاشت في اسطنبول ودرست في مدارس انجليزية وحصلت علي شهادة في الاقتصاد واصبحت مشاركة بعد ذلك في السياسة وشغلت منصب وزير الدولة للإقتصاد وشغلت منصب رئيسة الحزب، وكانت أول زعيمة تركية ورئيسة للوزراء وإتسمت بصفات عديدة منها الشجاعة والتحمل ولكنها كانت تتصف ببعض الصفات من الأنانية والعدوان والمحسوبية والإستبداد وفقد الثقة بالنفس.

ثم جاء مسعود يلماز، وقد نشأ في اسطنبول ودرس في مدارس مرموقة وإنخرط في السياسة الطلابية أثناء دراسته بالجامعة في كلية الدراسات السياسية، دعي بواسطة تورغوت للإنضمام إلي حزب حتي أصبح رئيسا للحزب وشغل مناصب وزارية وكان وزير خارجية أوزال وقاد بعد ذلك عدة حكومات إئتلافيةـ وتم إتهامه بالفساد ولكن برأته المحكمة العليا، ويعتب يلماز شخص بارد وذو تعبير صارم وقليل الفكاهة والرحمة وكان فاقد الثقة بالنفس وشكوكه الذاتية ولكنه أيضا يقدر الولاء في صدقاته ومستمع جيد.

ثم تولي بعد ذلك نجم الدين أربكان، سافر عبر تركيا وكانت عائلته مكونة من 8 أفراد وتقع في إسطنبول، درس في مدارس مرموقة ثم درس الهندسة الميكانيكية، وتم إنتخابه رئيسا للغرف التجارية والبورصات وإتصل برجال الأعمال فكسب المال، وشغل منصب نائب رئيس الوزراء 3 مرات وكان متدين وكان يستخدم المفاهيم الفكاهية ولكنه كان يتجه نحو السلوكيات المحفوفة بالمخاطر وأكان يؤكد علي لتطور الأخلاقي والقومية والنمو الإقتصادي والعدالة الإجتماعية.

ثم تولي بولنت اجاويد، ويعتبر الوحيد الطفل من عائلة سياسية فقد كان والده عضو في البرلمان التركي وحب الشعر والصحافة منذ صغره حتي في حياته السياسية، وبدأ حياته في حزب الشعب الجمهوري ثم أسس بعد ذلك الحزب اليساري الديمقراطي، وأبرز قراراته بالتدخل في قبرص وتم سجنه ووقفه عن العمل السياسي وبدأ بإصلاحات هامة اهمها إلغاء عقوبة الإعدام وكان ملتزم بالمبادئ الديمقراطية، وكان يتميز بسيطرة قوية ويتصرف بحسم وجرأة وكان زعيم غير فاسد وكان شخصية شعبية بطولية.

ثم جاء بعد ذلك عبد الله جول، ويعتبر من جيل الشباب القيادي في سياسة تركيا، وولد في مدينة معروفة بريادة الأعمال درس في إسطنبول وحصل علي البكالوريوس في الاقتصاد، تم غنتخابه في منصب نائب رئيس حزب الرفاه المسئول عن الشئون الدولية وأصبح بعد ذلك وزيرا للدولة ومتحدث بإسم الحكومة وخدم في مؤسسات دولية متعددة، وأصبح رئيسا للوزراء ثم وزيرللخارجية في حكومة أردوغان، ولم يكن مبتكر للأفكار والسياسات الجديدة ويعكس ذلك حذره ومخاطره والخوف من إرتكاب أخطاء وعدم أخذ مبادرات كبرى، ولعل وجود بعد الخطوات المحفوفة بالمخاطر مثل دعم قضية حظر الحجاب.

وأهم ما يتم التركيز عليه هو رجب طيب أردوغان، وذلك لكون وجود تناقض بين تجربة حياة أردوغان وتجربة القادة الآخرين، فقد كانت أسرته ذات وضع اقتصدي متواضع وكان له 4 أخوة وهو أصغرهم فلم يدرس في مدارس مرمقة ولم يتقن أي لغة أجنبية ولم يعيش في الخارج وتلقي تعليمه في مدرسة الامام الخطيب ثم جامعة مرمرة وحصل علي بكالوريوس في ادارة الأعمال وقد كان يحب الرياضة، وشارك كعضو في حزب الخلاص الوطني إلي أن أصبح عمدة إسطنبول وبسبب نجاحاته أصبح معروفا في السياسة  وتوقفت مسيرته السياسة بعد الحكم عليه بالسجن بسبب إلقائه خطاب ونظر إليه الشعب علي أنه مظلوم وذو سمعة وسلطة وشرف، وتشكلت شخصيته من أساس ديني محافظ وعلي أردوغان أن يلعب دورا مزدوجا دور لأنصاره الإسلاميين التقليديين والأخر الجمهور العلماني المحلي والدولي، كما أن أردوغان لم يركز علي مفاهيم مثل أمة وقومية وأن نظرته للعالم تتشكل من خلال نشأته الدينية.

وأن أردوغان يعطي إهتماما كبيرا للسلطة والشرف والولاء مثل أجاويد وأربكان، وهو يستمتع بالتجمعات العامة حيث يثير توقعات الناس وعواطفهم بعكس المقابلات الفردية لذلك يمكن القول أن أردوغان هو رجل التجمعات الجماهيرية وليس الديمقراطية التداولية.

ثم بعد ذلك سيتم تناول السمات القيادية والأكواد التعريفية الخاصة بهم، وتختلف أساليب القيادة بين رؤساء الوزراء المختلفين وهناك تطابق في الفروق المحتملة في مقاييس الشخصية مع سلوك السياسة الخارجية، ويبرز أربكان بإعتبار الحاجة إلي القوة فهو قائد الفريق، ويبرز تشيلر وأجاويد وجول وويلماز بالقدرة علي التحكم في الأحداثـ وأردوغان و يميريل يتحدو القيود.

وجميع رؤساء الوزراء لديهم درجات عالية من التعقيد المفاهيمي ومنفتحون علي المعلومات، وهناك إختلاف في سعيهم للتركيز علي المهام فجول يركز علي المهام وديميريل وأربكان يركزوا علي العلاقات مقارنة بالأخرين.

أما فيما يتعلق بدوافعهم تجاه العالم فإن أغلب رؤساء الوزراء مثل أجاويد وجول وأردوغان ينظروا إلي العالم على أنه ليس مكان يهددهم ويستفيدوا من الفرص والعلاقات ولديهم درجة عالية من القضاء علي أي تهديد أو مشكلة محتملة وهؤلاء القادة يمكنهم المغامرة لأنهم يروا أن واجبهم الأخلاقي القضاء علي الأعداء، ويمكن إعتبار أردوغان قائدا مستقلا بشكل شرعي.

أما فيما يتعلق بمعتقداتهم حول الطبيعة، فيعتبر وشيلر وجول فلديهم قيم عالية ويشاركون في الكون السياسي ولهم نظرية ودية للعالم فوق المتوسط، بينما يلماز وديميريل فإن وجهة نظرهم ودية إلي حد ما، وجول لديه ميل تعاوني بالتأكيد، وأردوغان وأجاويد أعلي من المتوسط، بينما يعتبر رؤساء الوزراء السبعة لهم نظرة متشابهة في في التنبؤ بالسياسة ولديهم ضعف في السيطرة علي التطور التاريخي وفي مقدمتهم جول وأردوغان وشيلر وأقلهم أربكان، كما يعتبر أربكان الأعلي في إمكانية التعاون، ويعتبر أردوغان هو الزعيم الذي يتمتع بمرونة في الأقوال والأفعال.

الخاتمة:-

بعد أن تم توضيح الشق النظري المتعلق بالقيادة السياسية والسياسة الخارجية ومع التطبيق علي حالتي العراق وتركيا فمن هنا برز أهمية العوامل الموضوعية والسمات الشخصية في تأثيرها علي القائد السياسي في نظرته للأمور.

هذا وإن القائد السياسي يعتبر الأبرز في عملية القيادة إلا أنه في مصر والوطن العربي يجب الإعتماد علي نمط القيادة الديمقراطية التي تعتمد علي المشاركة ي إتخاذ القرارات مع النخب والمحكومين حتي تكون القرارات التي تم إتخاذها حكيمة ونابعة من مجموعة من الأفراد لكل منهم رؤيته للموقف، والإبتعاد عن نمط القيادة التسلطية التي تقوم بإتخاذ القرار بمفردها بدون التشاور مما يؤثر بالسلب علي وضع الدولة ولعل هذا ما حدث مع صدام حسين في نظرته للأمور وإتخاذه القرارات بمفرده دون السماع لأحد.

كما يجب علي القادة عدم تغليب العوامل الموضوعية بشكل كبير المتمثلة الإتجاه نحو القوة والإنجاز وغيرها لأنها تدفع القادة إلي إتخاذ سلوكيات عدوانية تجاه الدول الأخرى من أجل تعظيم مواردها والحصول علي مكانة دولية متميزة مما يؤدى إلي صناعة الأزمات.

ولعل تلك العوامل غابت عن الواقع العربي عموما وخاصة في العراق مما أدى إلي حدوث تلك الأزمات، ويجب علي مصر والوطن العربي أن يركزوا علي مثل تلك العوامل في تعاملهم حتي لا يكون مصير أي دولة منهم مثل العراق، كما يجب عليهم عدم تغليب مثل تلك العوامل التي تأثروا بها في سياساتهم لأنها لا ضحي بهم بمفردهم ولكن تضحي بمصير أمة بأكملها وشعب بأكمله نتيجة قرار خاطئ نتج عن تغليب مثل تلك العوامل.

ويجب علي القائد السياسي أن يكون في مرونة مع البيئة المحيطة به وعليه أن يقوم بتغيير سياساته في أسرع وقت ممكن إذا وجد أن تلك السياسات لا تتلائم مع البيئة ومن الممكن ان تؤدى إلي إلحاق الضرر به فدائما ما يكون هناك بدائل متاحة يمكن الإستناد إليها في مثل تلك الظروف.

المراجع:-

1- الاء محمد محسن، دور القائد السياسي في صنع السياسة الخارجية (الرئيس فلاديمير بوتين نموذجا)،( رسالة ماجستير، جامعة دمشق، كلية العلوم السياسية)، 2014، ص 15-67.

2- عزمي محمود عاشور، القائد السياسي وصناعة الأزمة في السياسة الخارجية (حالة الرئيس العراقي صدام حسين في حرب الخليج الثانية)، مجلة الديمقراطية، ع34، 2009، ص 141-148.

3- Baris Kesgin, political leadership and foreign policy in post-cold war Israel and Turkey, without place of publishing, 2011,p 119-52.

4.3/5 - (6 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى