الشرق الأوسطتقارير استراتيجيةعاجل

عودة العلاقات بين “حماس” والنظام السوري الأسباب والمآلات

اعداد : بكر أبوبكر – كاتب وأديب عربي فلسطيني في الفكر والدراسات العربية والاسلامية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

مقدمة

“براءة”.. كان ذلك عنوان منشور على فيسبوك لوزير سابق في أول حكومة وطنية تشكلها”حماس” تحت قيادة الرئيس محمود عباس، تعقيبًا على قرار الفصيل الإخواني الفلسطيني إعادة علاقته مع النظام السوري. وتحت هذا العنوان، كتب عيسى الجعبري “إني أبرأ إلى الله تعالى مما قررته حركة حماس، بشأن إعادة علاقتها بالنظام السوري المجرم”.

وتضيف الجزيرة في تقريرها أن الاخواني الفلسطيني (وزير الأشغال السابق في حكومة هنية تحت قيادة الرئيس محمود عباس) عبد الرحمن زيدان، عارضه زميله السابق بالوزارة بشدة وكتب أن “الموضوع قُتل نقاشا على كل المستويات، وفي النهاية هو اجتهاد، ومن حق القيادة تقدير المصالح”. وتابع “بعد المشورة والقرار، نقول: سمعًا وطاعة، ولا نستمر في تقليب الآراء، حتى لو لم نكن مقتنعين بالمبررات”.

وفي تعليقه على “براءة” الجعبري، كتب باسم زعارير، القيادي في حماس:”المطبعون والمتنكرون لقضيتنا، والمحاصِرون لمقاومتنا لم يتركوا لنا خيارا”، وتابع “نعم إن في القلوب غصّة، ولكن الحاجة والمصلحة تدفعك لمصالحة نظام ليس لك من مصالحته بد”.

وكانت “حماس” أعلنت الخميس الماضي -في بيان رسمي- 15/9/2022م عودة علاقتها مع النظام السوري، وأكدت الحركة “مضيّها في بناء وتطوير علاقات راسخة” مع النظام السوري، “في إطار قرارها باستئناف علاقتها مع سوريا الشقيقة خدمة لأمتنا وقضاياها العادلة، وفي القلب منها قضية فلسطين” على حد قول البيان.

أما الكاتب الأردني الإخواني ياسر الزعاترة، فهاجم بشكل عاصف -عبر حسابه على توتير- عودة العلاقة واصفها بأنها “تعكس خللا في البوصلة وفي التقدير في آن، فضلا عن تجاهل مشاعر الغالبية من الشعب الفلسطيني، ومنهم أبناء الحركة”.

والى ما سبق “هاجم المذيع الشهير فيصل القاسم مقدم برنامج الاتجاه المعاكس بقناة الجزيرة حركة حماس، وقال: بإمكانك ان تتاجر بالمقاومة وتضحك على الناس لبعض الوقت بأنك مقاوم، لكنك لا تستطيع ان تخدع الناس كل الوقت، وسيكتشفون في لحظة ما بأنك مجرد مقاول”.

وأضاف في تغريدة أخرى، صدق من قال: من تاجر بالقضية الفلسطينية فضحته القضية السورية. مواصلاً إذا لم تكن قادراً على الدفاع عن قضاياك ومقاومة الأعداء بنفسك وبجهودك وأدواتك، فمن العيب أن تصبح مقاولاً في أيدي تجار القضايا والسماسرة والنخاسين.

أما المحلل السياسي أحمد عدوان فرأى أن قرار “حماس” جاء بضغط إيراني كبير، نظرا لأن الأخيرة هدّدت قيادة الحركة بتجميد الدعم المالي والعسكري في حال لم يتم الاعتذار لسوريا عن أخطاء حماس بحقها، بل تم تهديد الحركة بتجميد أصولها في طهران.

ويشير إلى أن خطاب نصر الله الأخير يوضّح أن “حماس” ظلت طوال الأعوام الماضية تحاول كسر الجمود وإصلاح العلاقة مع سوريا، وهذا الأمر انتهى بالفعل لقبول بشار الأسد عودة العلاقات، موضحاً أن العلاقات لن تعود كما كانت قبل الأزمة السورية، خاصة وأن دمشق لن تنسى كيف قامت حماس بخداعها بعد سنوات من العلاقات الجيدة واستضافة سوريا لقيادة حماس وحمايتهم في دمشق.”[2]

وبغض النظر عن وجهات النظر المتباينة من كوادر وقيادات في “حماس” وغيرهم فإن حقيقة الإعلان الرسمي لحماس بإعادة العلاقات مع سوريا بالاجماع في 15/9/2022م كانت تتمة لسلسلة طويلة من التحركات المحمومة، ومجموعة من حركات الغزل السياسي حيث أنه في شهر أيار/مايو 2021، أشاد أحد قياديي “حماس”، أسامة حمدان، بموقف الأسد، لدعمه ومساندته لـ”المقاومة الفلسطينية”، وقال حمدان في مقابلة له على قناة “الميادين“، إن “موقف الأسد الداعم للمقاومة ليس غريبًا ولا مفاجئًا، ومن يحيينا بتحية نردُ بخير منها، ومن الطبيعي أن تعود العلاقات مع دمشق إلى وضعها السابق”.[3]

جاء أول إعلان عن قرار “حماس” بإعادة علاقاتها مع النظام، في 21 من حزيران/يونيو الماضي، عبر وكالة “رويترز”، التي نقلت عن مصدر من داخل الفصيل لم تسمِّه، أن الجانبين عقدا عدة اجتماعات “رفيعة المستوى” للوصول إلى هذا القرار، بينما لم يرد أي تأكيد أو نفي من جانب النظام السوري حول إعادة العلاقات مع “حماس”.[4]

وفي 28/6/2022م قال عضو المكتب السياسي في الفصيل، خليل الحيّة، “جرى نقاش داخلي وخارجي على مستوى الحركة من أجل حسم النقاش المتعلق باستعادة العلاقات مع سوريا”.

وأضاف، “وبخلاصة النقاشات التي شاركت فيها قيادات وكوادر ومؤثرون، ومعتقلون داخل السجون، تم إقرار السعي من أجل استعادة العلاقة مع دمشق”.

المنعطف من “الاخوان” الى إيران وحلفائها ثانية

لقد كان التغيير الكبير لدى حماس الاخوانية قد حصل بعد سقوط الربيع العربي بطبعته الإخوانية وفشل التجربة الاخوانية في مصر عام 2012 ثم بحصول الانعطافة وصدور وثيقة حماس عام 2017 المعتدلة في قطر التي أوجدت مسافة عن “الاخوان المسلمين”، وما تلاها من انتخابات في حماس (2017م) صعد هنية على أثرها كما يحيى السنوار المحسوب على الخط الإيراني بلا مواربة.

ومما يذكر أنه في يوليو 2019، أثنى القيادي محمود الزهار عضو المكتب السياسي لحركة حماس في تصريحات صحفية على الرئيس بشار الأسد، وقال “فتح لنا كل الدنيا، لقد كنّا نتحرّك في سوريا كما لو كنّا نتحرّك في فلسطين، وفجأة انهارت العلاقة على خلفية الأزمة السورية، وأعتقد أنه كان الأولى ألا نتركه وألا ندخل معه أو ضده في مجريات الأزمة”.

أولا: المفهوم النظري السياسي

  • هل من الممكن أن نفهم العودة للعلاقة مع سوريا باعتباره عملية قسرية إجبارية، وليست خيارًا فكلّ الطُرُق قد سُدت أمام حماس فلسطينيا وعربيًا وتركيًا وبالضغط الإيراني؟
  •  أم نفهم الإقدام الحمساوي على خطوته حالة استشعار عالي لحجم المخاطر على القضية؟ و(واقعية سياسية) وهو خط بدأ يتنامى بعمق مع وثيقة العام 2017 في الدوحة مقابل الخط الأيديولوجي الاخواني او الخط الواقعي السلطوي في غزة السلطة الحاكمة؟
  • هل نرى العودة للعلاقات مع عدو الأمس الأيديولوجي نضجًا سياسيًا وعمقًا بالتحليل أم أنه نكوصًا على المباديء والفكر وتراجعًا للخلف؟
  • هل “حماس” تشعر بالراحة بإعادة العلاقات؟ أم هي لسبب شعورها بالاختناق قد قفزت من مركب التردّد الى حضن “الممانعة” برأسها السوري المنحني للإيراني؟
  •  وإن كان الرأس السوري قد انخفض كثيرًا؟ من الإنهاك تحت الطرقات الغربية والاحتلالات المتعددة للأرض السورية، وتشريد أكثر من 10 ملايين سوري، والعبث والعدوان الإسرائيلي اليومي في سماء البلاد؟
  • نرى أن بيان فصيل “حماس” قد جاء تحت عنوان “أمة واحدة في مواجهة الاحتلال والعدوان”. فكيف يفهم ذلك وطبيعة العدوان والاحتلال قد لا تكون واحدة بين فلسطين وسوريا اليوم؟
  • هل “حماس” التي تعيش مشاكل السلطة أي سلطتها مقابل فكر الثورة في حكمها الصعب والبائس في غزة والمماثل لذاك في رام الله، بل وأتعس تهرب للامام؟ أمام حائط المطالب المجتمعية الكثيرة للناس وضد السلطة الوطنية الفلسطينية والضغوط الصهيونية الإخضاعية؟

ثانيًا: أسباب محتملة لعودة العلاقات

لم تكن العلاقات الحمساوية السورية وليدة اللحظة (عام 2022م) بل أن حماس باتت تمد الجسور منذ سنوات مع النظام السوري، وقد أشار الدكتور ماجد عزام[5] إلى أن المفاوضات مع “حماس” لتطبيع العلاقات مع النظام لم تكن جديدة، بل بدأت منذ تولي يحيي السنوار، في عام 2017، رئاسة المكتب السياسي للفصيل في غزة. مضيفًا أن النظام السوري لم يعد بحاجة ل“حماس”، وغير مستفيد من عودة العلاقات معها، وإنها تقدم فعلًا كل ما يحتاج إليه منها بتبنيها رواية “محور المقاومة”، وكفى.

الا أنه من الاسباب المحتملة لعودة العلاقات كما يرى كثير من المحللين أو المراقبين أن حماس لم يعد لديها أي خيار فهي في ظل حصارها المادي والسياسي عليها أن تصطف لجهة ما من محاور المنطقة والاقرب لها الاصطفاف ضمن ما يسمى “محور المقاومة والممانعة” وعلى رأسه عربيا سوريا فلا مناص.

عن أسباب عودة حماس إلى سوريا، يقول خليل شاهين من مركز مسارات للدراسات في رام الله، إنها الجغرافيا التي بدأت تضيق أكثر فأكثر على الحركة. ويضيف أن “حماس تدرك أن مساحة الجغرافيا تضيق، وأن الأرض تُسحب من تحت قدميها، وبدأت تبحث توسيع الجغرافيا أوتنويعها على الأقل”.

ويرى سليمان بشارات مدير مركز يبوس الفلسطيني: أن حماس “تتقن الاستفادة من نافذة الفرص السياسية”، وتسعى للاستفادة من إعادة تعزيز محور الممانعة مقابل محور التطبيع، معتبرا أن ذلك يتلاقى مع رؤيتها بوصفها حركة تحرر. وتابع في لقاء مع الجزيرة أن تمسك “حماس” بخيار المقاومة المسلحة يجعلها بحاجة إلى بيئة حاضنة لا توفرها الأنظمة السياسية الأخرى، رغم استقبالها القيادة السياسية للحركة.

وقد يكون سبب العودة للعلاقات هو الاستقرار النسبي للنظام السوري ( ) ما شكل عاملًا هاما كما الحال مع بطاقات خطب ودّ النظام السوري من عديد الدول العربية التي حاربته سابقًا ما شجّع حماس على الخطوة لاسيما وأنها رغم ما فعلته منذ العام 2012 بالاصطفاف ضد النظام السوري لم تقطع علاقاتها بالمحور عبر إيران التي أعادت علاقاتها مع حماس بعد قطيعة 4 سنوات. هل يكون الاصطفاف الواجب بين محور التطبيع والتتبيع العربي عاملًا قويا بالدفع نحو الحضن الآخر لاسيما وان “حماس” تلتقط الانفاس بصعوبة بتعاملها بين المحاور العربية.

بلا شك أن الدعم المالي لحماس والذي توقف عند إيران أساسًا عامل أساسي بالقرار الحمساوي بإعادة العلاقات مع سوريا رسميا بعد قطيعة 10 سنوات (2012-2022م)، ولاسيما في ظل التقارب العربي التركي حتى مع مصر والخليج، والتذبذب القطري المعروف بين المحاور.

هل نرى قدرة عالية لاعادة تحليل الوضع السياسي الإقليمي والعالمي خاصة بعد المعركة الروسية الامريكية في أوكرانيا مدخلًا لاعادة التفكير في حماس والرؤوس أو الأقطاب بدأت تظهر في الساحة الدولية فلم تبقى أمريكا لوحدها بالساحة؟

والى ما سبق قال مراقبون فلسطينيون لصحيفة العرب[6] إثر زيارة اسماعيل هنية الى لبنان في شهر 6/2022 إن “حماس”، وبعد أن فشلت خطة “الإخوان” والدول الداعمة لهم في السيطرة على موجة “الربيع العربي”، كانت الأكثر تضررًا خاصة أنها فقدت ثقة إيران الحليف الرئيسي لها والداعم بالسلاح والمال، مشيرين إلى أن هزيمة رئيس المكتب السياسي السابق خالد مشعل وصعود إسماعيل هنية مكانه قد مهدا لعودة حماس إلى حلف إيران وحزب الله.

وكشف المراقبون أن صعود هنية إلى قيادة فصيل “حماس” كان جزءا من اتفاقية العودة إلى البيت الإيراني وشرطاً للحصول على الدعم المالي والمساعدة على تهريب الأسلحة إلى غزة.

وتضيف الصحيفة أنه” وينظر إلى هذه العودة على أنها انتصار للخط الإيراني داخل حماس نفسها، حيث عارضت “كتائب القسام” الجناح العسكري للفصيل، مسار مشعل في القطيعة مع إيران وحزب الله، كما تؤكد نجاح إيران في الضغط على “حماس” عبر التحكم في درجة التمويل وكميات الأسلحة لإجبارها على العودة إلى قوى “الممانعة”، وتنفيذ أجندة إيران في غزة كما يفعل حزب الله في لبنان في مشاغبة “إسرائيل” ومن ورائها الولايات المتحدة للتأثير على مفاوضات الملف النووي وقضية العقوبات.”

الصراع الفلسطيني الفلسطيني ومعركة التمثيل

في الإطار الوطني الداخلي يعتقد الإسرائيليون، بحسب وسائل إعلام ومراقبين، أن “حماس” تسعى فعلاً لتغيير صورتها، وتريد أن يصل المجتمع الدولي إلى مرحلة الاعتراف بها كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، عوضاً عن منظمة التحريرالفلسطينية.

وقالت تقارير إسرائيلية إن السياسات التي ينتهجها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي تفقد منظمة التحريرالفلسطينية مكانها بشكل تدريجي، تسهم في نجاح خطوات “حماس” على المستويين الإقليمي والدولي.

ويبدو أن “حماس” اختارت لحظة ممكنة داخلياً مع وجود تحضيرات فلسطينية وإقليمية ودولية لمرحلة ما بعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس.[7]

ثالثًا: نظرة أركان النظام السوري

كما تظهر محركات البحث تعود العلاقة بين فصيل “حماس”، والنظام السوري إلى مطلع التسعينيات، وكانت أول زيارة أجراها التنظيم الإخواني الفلسطيني إلى دمشق في كانون الثاني/ يناير 1992، عبر وفد من الفصيل قاده رئيس مكتبها السياسي آنذاك، موسى أبو مرزوق. لكن الزيارة الأهم، كانت لمؤسس فصيل “حماس”، الشيخ أحمد ياسين، الذي وصل إلى دمشق في أيار/مايو 1998، وحظي باستقبال رسمي في مطارها، والتقى بالرئيس السوري وقتها، حافظ الأسد.

حافظ الأسد أعطى الضوء الأخضر للمنظمة الفلسطينية “الاخوانية” رغم حربه الشرسة ضد “الاخوان المسلمين” السورين بعد ذلك اللقاء للعمل في دمشق، وأكد حينها أنه أمر بفتح كل المجالات أمام “حماس” في سوريا، والترحيب بها كحركة مقاومة ضد “إسرائيل”. إذن منذ لقاء مؤسس الحركة الراحل أحمد ياسين وحافظ الأسد، سارت العلاقة بين “حماس” ودمشق على أساس المنفعة المتبادلة، الى الدرجة التي أصبحت فيها دمشق المقر الرسمي للفصيل منذ العام 1999م حتى تأزمت العلاقة غير المفهومة بين الطرفين المختلفين فكريًا حد النخاع بعد عام 2011.  واصطفاف “حماس” علنًا مع ثورة الشعب السوري وضد النظام الذي قاتلته بالسلاح، إلا أن قوانين السياسية رمالٌ متحركة لا تتوقف عند حد، فحصل اللقاء اليوم نتيجة سنوات من الحيرة والضغوط واللقاءات التمهيدية.

قد ينظر النظام السوري اليوم لعودة علاقة “حماس” الرسمية معها من باب المكسب خاصة ان فرص عودة سوريا للمحيط العربي بدات مؤخرًا تتضاءل، وبالتالي انعدام أو غياب التأثير في محيطها الحيوي لذلك فخرقها الحصار العربي قد يأتي عن طريق “حماس” القضية الفلسطينية والمقاومة كما ينظر لها وبالتالي قد يكون مدخلًا للتدخل أو اللعب على تناقضات القضية الفلسطينية عربيا وإقليميًا.

لكنه بالحقيقة لا يمكن مقارنة الوضع في سوريا اليوم كما الحال ما قبل العام 2011 فالنظام في حالة عدم استقرار، والصراع بين الأجهزة الإقليمية والعالمية السورية في البلد محتدم وخاصة في ظل تحكم المليشيات الإيرانية وحزب الله وصراع النفوذ وتجارة المخدرات والموانيء وثروات البلد المنهوبة وبالتالي تصبح إقامة قيادة فصيل “حماس” لو حصلت في دمشق وكأنهم في مهمة انتحارية على حد وصف ماهر حجازي الذي يرى أن النظام السوري مهتريء سياسيا واقتصاديًا وعسكريًا.

الاعتقاد السائد لدى أركان النظام السوري أن عودة العلاقات مع “حماس” ما اقتضتها الضرورة الإيرانية لن تكون على حساب الأمن القومي السوري فلن يسمح ل”حماس” بحرية الحركة بتاتًا كما كانت بالسابق، كما لن يسمح لها العودة للمخيمات ومنها في اليرموك الذي انطلقت منه ضد النظام.

هل يقبل النظام السوري عودة “حماس”؟

قال المحلل العسكري والاستراتيجي السوري، العميد علي مقصود: في تصريحات أدلى بها إلى موقع “كيوبوست”، أن سوريا تدرك وتعي جيداً أن الأيديولوجية الإخوانية هي الموجّه لقيادات “حماس”، ولكن ما دامت رفعت شعار الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، فمن هذا المنطلق احتضنت دمشق فصائل المقاومة ومنها “حماس”، التي شهدت تغيراً عميقاً وعامودياً في الصف الأول لقيادتها التي أثبتت الأحداث توجهها الخاطئ.

وكانت مستشارة الرئيس الأسد بثينة شعبان[8] قد قالت بتصريحات سابقة لها مشيرة لفصيل “حماس” بوضوح قائلة أن: “البعض وقف ضد سوريا، ونسأل اليوم بكل موضوعية هل الذين وقفوا ضد سوريا وموّلوا هذه الحرب أقوى اليوم على الساحة الإقليمية والدولية أم هم أضعف؟ لا شك هم أضعف اليوم، لأن من يُضعف سوريا يُضعف ذاته ومن يُضعف فلسطين يُضعف ذاته”.

وأشار العميد السوري مقصود أيضًا إلى أن قرار “حماس” طعن سوريا، والغدر بها ينبع من الانتهازية والنفعية الأيديولوجية التي يتسم بها التيار الإخواني، والعلاقة العضوية مع حزب العدالة والتنمية في تركيا، فضلاً عن كونها جزءاً من مشروع “الربيع العربي” لتغيير النظام الإقليمي وهندسة نظام شرق أوسط جديد، يقوم على تقسيم الدول العربية عبر وصول “الإخوان المسلمين” إلى السلطة.

قال البرلماني السوري السابق شريف شحادة لموقع (كيوبوست) إن الحديث عن عودة العلاقات بين سوريا و”حماس” متداول في الأوساط السياسية السورية؛ لكن لا أعتقد أن الحكومة السورية سوف ترضى بعودة قيادات “حماس” إلى أراضيها؛ خصوصاً بعد أن رأت سوريا بأم عينها ما فعلته الحركة بوقوفها إلى جانب المجموعات المسلحة. مضيفًا أن “حماس” قدمت ولاءها الحزبي على الولاء الوطني والعروبي والقومي، وأسهمت في تدفق الإرهابيين إلى سوريا.

وأشار عدد آخر من أركان النظام أنه لسبب التدخل الإيراني قد تعود العلاقات رسميًا ولكن دون حميميّة خاصة و”حماس” (حسب يعرب خير بك)[9]:تحاول “ركوب” المقاومة الفلسطينية؛ لمسخها وتحويلها إلى ما يُسمى بـ”حماس” فقط، وقرارها ليس بيدها؛ وهي تنظيم لا يختلف عن كل “الإخوان” الذين أفتوا بالجهاد ضد جمال عبدالناصر وحافظ الأسد، والجيشَين المصري والسوري.[10]

رابعًا: “الإخوان المسلمين” والوضع الداخلي في “حماس”

وصلت أزمة الانشقاقات في جماعة الإخوان المسلمين (المصريين) ذروتها مؤخرًا، حين أصدرت جبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين بياناً  قررت فيه فصل إبراهيم منير، زعيم جبهة لندن (الموصوف من قبل كتلته في لندن بالقائم بأعمال المرشد ونائبه)، نهائياً من الجماعة وكذلك قيادات بجبهته.[11]

وكشفت مجموعة إسطنبول في بيان رسمي صدر في 12/7/2022م، أن “مجلس الشورى بحث الممارسات الفردية والإجراءات غير المؤسسية التي يقوم بها بعض الإخوة في محاولة لفرض واقع جديد وإنشاء كيانات موازية للكيانات الشرعية بالجماعة”. وأن “الجماعة تأخرت في الإعلان عن هذه القرارات لإعطاء الفرصة لنجاح مبادرات للحفاظ على وحدة الصف إلا أنها كسابقاتها لم تجد آذاناً صاغية. وتابعت الجبهة “أن أي كيان لا يلتزم بقرارات مجلس الشوري فهو غير منتمٍ للجماعة”. (أي أنه مفصول)، إلى ذلك، شملت القرارات تمديد تكليف ما أسموه “اللجنة القائمة بعمل المرشد العام”، وعدم الاعتراف أو اعتماد أي كيان أو تشكيل لا يلتزم بقرارات مجلس الشورى العام بصفته المؤسسة الأعلى بالجماعة.

كما قالت الجبهة الاخوانية التركية إنه “نظرا لقيام إبراهيم منير-لندن، عضو المجلس بعدم الالتزام بقرارات مؤسسات الجماعة الشرعية-تركيا وتشكيل كيانات موازية بعيداً عن هذه المؤسسات، فيكون قد أعفى نفسه من جماعة الإخوان المسلمين، وعليه لم يعد يمثل الجماعة أويعبر عنها”. وفصلت معه مجموعة أخرى.

وكانت أزمة الانشقاقات داخل جماعة “الإخوان المسلمين” قد تفاقمت خلال الأونة الأخيرة، حيث عقدت عدة اجتماعات لمكتب الإرشاد العالمي في لندن وحضره عدد من قيادات الصف الأول للجماعة، وحاول محمود حسين الأمين العام السابق للجماعة، وقائد جبهة/تيار/انشقاق إسطنبول المشاركة فيها بصفته عضوًا في مكتب إرشاد مصر، لكن تم منعه.

أما بيان جماعة “الاخوان المسلمين” السوريين فقد طار عقله من فعل “حماس” إذ بدأ برسالته يوم 19/9/2022م الى حماس بالتالي: “إلى المطبعين مع النظام السوري من إخوة حماس، الذين عبَّروا عن تقديرهم للقيادة السورية، ورغبتهم في بناء وتطوير علاقات راسخة مع الجمهورية العربية السورية في إطار القرار باستئناف العلاقة مع سورية الشقيقة خدمة للأمة وقضاياها العادلة نرسل هذه الرسالة..”

ليقرر البيان بحدة ورفض شديد للفعل الحمساوي بالقول: ” إنَّ وضع يدكم بيد الطاغية الملوثة بدماء شعبكم سيفقدكم مصالحكم الاستراتيجية ويجرّدكم من قوتكم الحقيقية، فقوتكم أيها الأحباب ليست في السلاح الذي بين أيديكم ولكن بالدعم المعنوي الهائل الذي اكتسبته قضية فلسطين من المحيط إلى المحيط، فلا تذهبنَّ رياح الأحداث بحلومكم (عقولكم)، فالشعوب معكم ما دمتم مع قيمكم، وإلا  فسقوط أهل المبادئ أشد وطأة من سقوط أهل البنادق..

ويضيف البيان “ولقد قدمنا إليكم نصيحة مكتوبة في 24 أيار 2019 ألَّا تذهبوا للنظام القاتل المتربع على جماجم أهلكم في سورية، ونصحناكم بالتبصُّر في عواقب هذه الخطوة ونتائجها الكارثية، ليس علينا كسوريين فحسب، بل على مشروع التحرير في بلداننا العربية وعلى رصيد حركة “حماس” عند السوريين والشعوب العربية والإسلامية، ولكن حساباتكم قادتكم للسير في هذا المنزلق الخطير، وهذا خطأ تاريخي كبير، فأنتم تهدمون مجداً بنيتموه بالدماء والدموع والتضحيات، والسنن الربانية تسري على الجميع ولن تحابيكم لمجرد نبل قضيتكم”.

ما علاقة ذلك بالوضع داخل فصيل “حماس”؟

إن “حماس” التي لا تنكر بتاتًا صلتها بالتنظيم الإخواني الأم باعتبارها الذراع الفلسطيني تتأثر كثيرًا بخط التنظيم العالمي (المصري بغالبه)، لذا فإن حجم التحديات بين كتلة/انشقاق اسطنبول وكتلة/انشقاق لندن وتلك الكتل/الانشقاقات المتصارعة داخل مصر ذاتها ما بين المعتقلات وخارجها، ودور الشبيبة المتصاعد تؤثر في أداء وفكر ومرجعية وخطوط “حماس” الداخلية وقراراتها.

ومما لاشك فيه أن الفكر الإصلاحي لخالد مشعل والذي عبر عنه بفلسفة جديدة في الدوحة عام 2017 يشكل ثقلًا ومرتكزًا للواقعية السياسية

لاسيما والتضييق التركي على “الاخوان المسلمين” في اسطنبول لمتطلبات الانفتاح التركي على مصر ودول الخليج التي منها الإمارات والسعودية ثم سوريا، وبالتالي ما ينعكس هذا كله فكريًا ومرجعيًا، ومسلكيًا بالواقع العملي على قرار “حماس” ووجودها في تركيا لاسيما الى ما سبق ومطالب العلاقات الإسرائيلية التركية التي عادت قوية بإزالة مكتب حماس من اسطنبول.

لقد فشلت التجربة الاخوانية في مصر فشلًا ذريعًا، مع الرئيس المخلوع محمد مرسي-رغم التنظير الأمريكي “للإسلام السياسي” عبر مجموعة من المفكرين كنا قد رأينا أبرزهم الأمريكي روبرت مالي[12]، وخاصة منذ العام 2006 وفوز “حماس” بانتخابات السلطة- وها هي تتهاوى في تونس تحت مطرقة الاصلاحات المختلفة للرئيس الجديد، ولم تكن تجربة حكم حماس الانفصالية لقطاع غزة ذات ثمار إيجابية بتاتًا فهي قد تلطخت بالدم، والعنف والفشل الإداري القيادي الذريع بعدم القدرة على التوفيق بين متطلبات الثورة أو النضال وبين سلطتها الحاكمة.

والى ما سبق فلقد كانت ردة فعل “الاخوان المسلمين” السوريين عنيفة جدًا ضد قرار إعادة العلاقات الحمساوية السورية فيما نشره موقع الاخوان المسلمين الدولي (المصري عمليًا) عن المراقب العام للاخوان السوريين د.محمد حكمت وليد حيث قال محتدًا وحانقًا في رسالته لحماس التالي: “إن مياه المحيطات جميعاً لا تكفي لغسل الدماء عن أيدي النظام السوري، وعودتكم له لا تشكل طعنةً عميقةً لآلام أشقائكم وآمالهم في سورية فحسب، ولكنها مقتل لكم ولحركة تضحي برأسمالها النظيف في صفقة خاسرة ومكاسب متوهمة”.

خامسًا: الوضع الاقليمي (إيران وتركيا و”إسرائيل” ومصر)

من الجدير قوله أن علاقة “حماس” مع إيران بعد العام 2012 قد أصابها الفتور ولكنها لم تنقطع وسرعان ما عادت بعد 4 أعوام ثم تطورت لعلاقة كاملة عام 2019م.

والى هنا يمكننا القول أنه مما لا شك فيه أن الرابح الأكبر من عملية عودة العلاقات هذه هو النظام الإيراني الذي لم يتخلى عن طموحاته الإقليمية بالسيطرة الجغرافية السياسية الاقتصادية والهيمنة على المنطقة من جهة وبطموحات النووي لديه، فأن يلتئم المحور المقاوم في المنطقة برأيه (حزب الله والجهاد وحماس والحوثي والحشد الشعبي) كله تحت جناح إيران فإنه لعامل قوي جدًا في صراع الإقليم ومصالح إيران، وفي حالة الاصطفاف الشرقي ضد الغرب.

والعلاقة مع “حماس” كانت قد عادت كما قلنا، ولنا في تصريح يحيى السنوار في غزة في شهر8 2017 مغازلة واضحة واعتراف كبير حين قال: أن إيران هي “الداعم الأكبر للسلاح والمال والتدريب لكتائب القسام”. وجاءت لحظة حاسمة ومفصلية، بلم شمل فصيل حماس مع إيران مجددًا في 7 يوليو 2019، حينما زار وفد من الفصيل برئاسة صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحماس والتقى بالمرشد الإيراني علي خامنئي. وكان ما كان لاحقًا من مديح مفرط لقاسم سليماني[13].

ولم لا تفعل إيران ذلك فتظهر أمام العالم وكأنها المدافع الأكبر عن فلسطين والقدس والأقصى خاصة والتراكض والهرولة العربية بالاتجاه الآخر لتقبيل الأقدام الصهيونية دون أي مكسب يتحقق لا عربيًا ولا فلسطينيا؟ إنه لمكسب جماهيري وسياسي يحسب لإيران خاصة إن استطاعت أن تلزم “حماس” بالسياسات الإيرانية بالمنطقة وهي المناهضة ل”إسرائيل” من جهة وللعرب من جهة أخرى فيصبح السيف المالي الإيراني مسلطًا على رقبة “حماس” لابتزاز مواقف سياسية منها أم تستطيع “حماس” ان تفصل بين هذا وذاك في علاقتها مع سوريا وإيران؟ هل من قدرة على الموازنة أم ستفقد مع الضيق والحصار والحاجة للدعم المالي؟ فتفقد الاستقلالية الكلية بالقرار مقابل ذلك.

إن إيران بنظامها السياسي المؤدلج العابر للحدود، وحسب الدستور الإيراني[14] ذاته، لا يفت في عضدها أبدًا حجم التحديات لاسيما، وأنها ترى نفسها تمتلك من عناصر القوة الجغرافية-السياسية والجغرافية الاستراتيجية والدينية المذهبية ما يؤهلها لأن تتحدى الأمريكي المتسلط[15] وكل قوى الاستكبار الاخرى حسب مفهومها، وتتقوى بالمحور الروسي الصيني فلم لا تحشد كل مليشياتها بالمنطقة التي كان ينقصها “حماس” التي من المتوجب عليها أن تدفع ضريبة العلاقة بالعودة الى الشام.

الدور الإسرائيلي

بلا شك ان الدور الإسرائيلي في تدجين “حماس” (التي ترى بنفسها حصريًا ممثلة للمقاومة في فلسطين) عبر الحصار الشديد لقطاع غزة ومن خلال حقائب المساعدات القطرية التي تمر عبره وقطع السكر التي يلقيها الاحتلال المتعلقة بكل أسباب الحياة والعاملين من أهلنا في قطاع غزة بالداخل تشكل ضغطًا شديدًا على الفصيل. وبالأخص على العقل السلطوي فيها الذي يحكم غزة بالقوة المسلحة والعقل الوظيفي، وتتنازع أجنحة الفصيل الثورية والنضالية مقابل متطلبات السلطة، وما نجحت بالاثنين حتى الآن فالاستقرار نقيض الثورة ولا تعايش سهل في ظل افتقاد فكر الوحدة والتقرب وإشراك الشعب بكل فئاته.

نقول ينجح الإسرائيلي بضغوطه لابقاء فصيل “حماس” بالحكم منفصلًا عن رام الله بكل قوة وعبر الحصار من جهة وعبر تعميق ممارسة “حماس” للتنسيق الأمني بمنع العمليات العسكرية بصرامة عبر الحدود وبالقوة والسجن والعقاب، وبتحييد “حماس” عن جسد السلطة.

كما ينجح بتهيئة الظروف للفصيل وإيهامه أنه دولة ما يعكس نفسه على وجهة النظر الحمساوية أننا نفرض قرار المعركة والحرب! وكيف لفصيل لوحده مهما كبرت درجة تسليحه ووهمه أن يقاتل لوحده وينتصر على دولة عدوانية مسلحة حتى الأسنان دون دعم عربي لازم! وإقليمي لازم وقرار وإرادة جامعة، وقبلها إرادة وطنية شاملة! كيف له أن يقنع نفسه قبل أنصاره أنه يفرض قرار الحرب وبالحقيقة هو خاضع للعبة القط والفأر الصهيونية؟

لذا تجيء الخطوة باتجاه سوريا ضمن الضغط الإيراني الواضح لترجح كفة واحد من تيارات “حماس” ضد الآخر ولتضيف عبء جديد ستدفع ثمنه داخليًا.

الى ذلك فإن تركيا أردوغان التي بدأت تعود لفكرة صفر مشاكل على ما قرره أحمد داوود أوغلو سابقًا،[16] وهي التي أعادت كل علاقاتها المقطوعة فعليًا مع العرب (الإمارات والسعودية ومصر) ثم مع الكيان الصهيوني[17] كيف لمثل هذه الدولة العمليانية-البراغماتية أن تضع “حماس” أو”الاخوان” قبل مصالحها كلاعب مركزي بالمنطقة ومصالحها الجغرافية أو الاقتصادية؟

من هنا جاء الانفتاح التركي ليصفع المؤدلجين الاخوانيين، فالتضييق على “الاخوان المسلمين” المنشقين على بعضهم البعض على أشده، كما الحال القادم بتقليص الوجود الحمساوي في اسطنبول لاسيما وأنه مطلب إسرائيلي مقابل إعادة العلاقات الكاملة مع الكيان.

في تقرير لموقع صدى البلد[18] قالت أكبر دبلوماسية إسرائيلية لدى أنقرة حاليا والمرشحة الأبرز لتولي مهام السفير الإسرائيلي لدى أنقرة، “إيريت ليليان” (60 عاما)، في لقاء مع الصحافيين، إن إعادة تعيين السفير هي مسألة “وقت وليست مسألة إثبات أو نفي”. وأضافت أن “السبب الوحيد لاحتمال التأخير على الجانب الإسرائيلي هو الانتخابات في “إسرائيل”، لكنني أتمنى أن تتم الخطوة في موعد ملائم وأن تنتهي العملية في غضون بضعة أسابيع”.

وشددت ليليان مجددا على التحديات التي تواجه العلاقات، قائلة إن أكبر عقبة أمام “التوجه الإيجابي الذي شوهد طوال العام” هو وجود مكتب لحركة “حماس” في إسطنبول. وقالت إن “هناك الكثير من التحديات، ولكن من وجهة نظرنا، فإن من بين العقبات الرئيسية مكتب “حماس” في إسطنبول”. وأضافت أنه “ليس سرا أن “اسرائيل” تتوقع من تركيا إغلاق هذا المكتب وترحيل النشطاء من هناك”.

سادسًا: الوضع العالمي (الصين وروسيا وأمريكا)

“رددت وسائل الإعلام الروسية تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في القمة قائلة إن منظمة شنغهاي للتعاون قد تم تصميمها لإنهاء «العالم الأحادي القطب» من خلال إنشاء «نظام متعدد الأقطاب»، فيما قدمت وسائل الإعلام الصينية تصريحات مختلفة قائلة إن المنظمة تهدف إلى تقديم نظام سياسي جديد للعالم بأسره كبديل للنموذج الديمقراطي الغربي، أما بالنسبة لوسائل الإعلام في طهران، التي احتفلت بقبول المنظمة الاقليمية انضمام الجمهورية الإسلامية لها بعد 11 عاماً من توسلها لها، فإن منظمة شنغهاي للتعاون هي بمثابة امتداد لجبهة المقاومة التي تم إنشاؤها لاحتواء ودحر “الشيطان الأكبر” الأميركي”.

والى ما سبق من عرض له يضيف الكاتب أمير طاهري[19] مقلّلًا من دور منظمة شنغهاي بنظره قائلًا: وعلى أي حال، فإنه يمكن لهذا الاتجاه الجديد أن يخلق علاقة استعمارية جديدة تصدّر فيها روسيا المواد الخام إلى الصين وتستورد السلع المصنعة وخدمات الأعمال، ولكن في هذه الحالة فإنه لن يكون من السهل تشكيل التحالف الذي يحلم به الرئيس الروسي، وذلك بسبب الانقسامات الثقافية العميقة؛ حيث لم تنسَ موسكو هجوم 1967 على سفارتها في بكين وما تلاه من دعاية مناهضة لروسيا، كما أن حقيقة أن الرئيس الصيني “شي جينبينغ” رفض تأييد الاجتياح الروسي لأوكرانيا قد أدت إلى ثقب البالون الذي كان الرئيس بوتين يأمل في أن يطفو عليه.

وحول الحرب العالمية الثالثة القائمة بتجليات الحرب الأمريكية الروسية في أوكرانيا والسياق الأوربي يذكر الدكتور محمد علي السقاف أنه: “في كتاب لزبيغنيو بريجنسكي، المستشار الأمني السابق للرئيس جيمي كارتر، بعنوان “رقعة الشطرنج الكبيرة” الذي طبع في عام 1997، سلط الضوء على السياسة الأميركية مع بقية العالم. كل من قرأه -وأعدت شخصياً قراءته – يرى أن أغلب تنبؤاته وتحليلاته الاستراتيجية نراها الآن تتحقق مع الأزمة الأوكرانية، وكأن الفاعلين في الأزمة اقتدوا بما جاء في أطروحاته. فقد طالب بتوسيع نطاق عضوية الاتحاد الأوروبي، ووضع جدول افتراضي حول مواعيد انضمام عدد من الدول إلى الاتحاد الأوروبي، بدءاً من عام 1999 لدول أوروبا الوسطى، ثم دول البلطيق، وقبول الأخيرة سيشجع انضمام كل من السويد وفنلندا إلى حلف “الناتو”، وفي مرحلة أخرى في الفترة من 2005 إلى 2010 قد تبادر بدورها أوكرانيا بالبدء في المفاوضات للدخول في الاتحاد الأوروبي وحلف “الناتو”! ويري بريجنسكي أنه في الفترة نفسها، من المحتمل أن يشكل التعاون الثلاثي بين فرنسا وألمانيا وبولندا في إطار الاتحاد الأوروبي، نواة غربية لنظام دفاع واسع يشمل معهم أوكرانيا. وفي عام 2010 سيشكل التعاون بين تلك الدول الأربع بكثافة سكانها البالغ عددهم نحو 230 مليون نسمة، العمود الفقري الجيوستراتيجي لأوروبا.”

الرئيس بوتين والكسندر دوغين

إن الحرب القائمة حاليًا في العالم حيث تتصارع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الروسي على أوربا من خلال أرض أوكرانيا، ما بين امبراطورية امبريالية مهيمنة تحكم العالم-حتى الآن- ولا تريد أن تتخلى عن ذلك، وبين امبراطورية أفلت (الاتحاد السوفيتي) وتحلم باستعادة المجد القديم والتميز القومي-الأخلاقي كما تنظّر، وخاصة من خلال المفكر الكبيروالاستراتيجي الموصوف أنه عقل بوتين “ألكسندر دوغين” الذي ينظّر لتميز الحضارة والقومية والارثوذكسية الروسية وعالم متعدد الأقطاب تكون فيه روسيا بالقمة، ويدعم بمنطقتنا انضمام إيران وتركيا لمحور المعادين للغرب الامبريالي. وما بين تغيّرات عالمية شديدة فعليه تتمحور وتتجه نحو عالم متعدد الأقطاب[20] وليس أوحدي أو ثنائي القطبية ما يظهر جليًا بالقدرات الصينية الاقتصادية الضخمة والتوسع الجغرافي التجاري عبر طريق الحرير ومن خلال التمدد العسكري عبر المحيطات والصوت العالي للتنين بكافة المجالات.

يقول الكسندر دوغين، عقل بوتين: “لا تشجع روسيا والصين العولمة الأحادية القطب بأي شكل من الأشكال؛ بل على العكس، تتصدى لها تصديًّا فعالًا، وتدعم نموذجًا متعدد الأقطاب، حيث لن يكون هناك ببساطة مركز واحد لصنع القرار؛ وإنما سيتم تحديد كل شيء من خلال نظام قائم على الاتفاقات بين كثير من مراكز القوى التي تتمتع بسيادة جيوسياسية كاملة لا جدال فيها”.

ويقول: “جدير بالذكر هنا أن الأحادية القطبية والتعددية القطبية يجب اعتبارهما لعبة محصلتها صفر (zero sum game). هناك مواقف لا تنجح فيها إستراتيجية (win-win) الشهيرة. إن العالم إما أن يظل أحادي القطب مع بقاء هيمنة الغرب، وإما أن يصبح متعدد الأقطاب على حساب تلك الهيمنة التي تضعف ويتقلص حجمها ونطاقها؛ لذلك فإن العالم الإسلامي في مثل هذه الحالة يُبنى وفقًا لعوامل جديدة- وهو ما يعد منطقيًّا- ليس من ضمنها الأنظمة السياسية، سواء اليمينية أو اليسارية، الاشتراكية أو الرأسمالية، الدينية أو العلمانية، ولكن حسب علاقته بمعضلة الأحادية القطبية/ التعددية القطبية.”

ويضيف حول العرب “بعبارة أخرى، يمكن أن تصبح المصالح الوطنية للقوى العربية في الشرق الأوسط عنصرًا أساسيًّا في بناء عالم متعدد الأقطاب؛ بل عالم إسلامي متعدد الأقطاب؛ حينها من الممكن أن تعترف روسيا والصين بالشرعية الجيوسياسية لمراكز القوى الثلاث في الشرق الأوسط- الإيرانية، والتركية، والعربية- معتبرتَين إياها متساوية”[21]

إذن فإن القول أن المتغير العالمي يحكم معظم التحركات الاقليمية للقوى الفاعلة هو امتداد لذاك الصراع العالمي الذي يتيح للجميع إعادة النظر في المعسكرات والتعددية القطبية هو قول موزون باعتقادنا. والذي بناء عليه يظهر اتجاه إيران بقوة نحو روسيا، ولربما استجابة لنغمات المفكر الروسي الخطير الكسندر دوغين الذي رأى فيها حليفًا مستقلًا لأنه يرفع السيف في وجه “الشيطان الأكبر”، كما تسميه إيران أي أمريكا. والى ذلك تقف تركيا بين طموحاتها الإقليمية وايديولوجيه “الاخوان المسلمين” ومبدأ صفر مشاكل  الذي عاد ثانية لتتخذ من المرونة عنوانًا أفضى لتقربها من النظام السوري ما يبيح ل”حماس” حرية أكبر من الحركة بالاتجاه الحاصل من إعادة العلاقات مع سوريا.

سابعًا: النظرة والحجج  ومكاسب “حماس”

دعنا بالختام نخلص للحجج والمكاسب ثم للمخاسر المحتملة ل”حماس”، ونبدأ بالأولى حيث يورد الكاتب محمد عايش في صحيفة القدس العربي في مقاله المعنون: جدلية العلاقة بين “حماس” وسوريا وضرورات استئنافها[22]، دفاعًا عن الموقف الحمساوي وما يعدَ مكاسب للفصيل برأيه، بالشكل التالي:

1-عودة العلاقات بين “حماس” والنظام السوري هي نتيجة طبيعية ومنطقية وحتمية، للتطورات التي تشهدها المنطقة العربية، والقرار بهذا الصدد متوقع ولن يكون مفاجئاً!

2-علاقات التحالف والصداقة ووجود الظهير السياسي والسند الدولي أمر لا غنى عنه لأي حركة سياسية، خاصة إذا كانت تعمل في ظل احتلال وتواجه ظرفاً دولياً وعسكرياً صعباً.

3-ما حدث هو أنَّ قرار الخروج من سوريا في عام 2011 كان خاطئا، وكان ناتجاً عن تقدير موقف متسرع وغير موفق، والحقيقة أن “حماس” ما كان ينبغي لها في ذلك الحين أن تتبنى أي موقف مما يجري في سوريا (نفس رأي الزهار)، وعندما انزلقت نحو تبني موقف من الأحداث في سوريا، كانت توشك على ارتكاب الخطأ ذاته الذي سبق أن ارتكبته منظمة التحرير في لبنان، خلال سبعينيات القرن الماضي، وحينها سرعان ما أصبحت المنظمة طرفاً في الحرب الأهلية اللبنانية.

4-الدول العربية التي كانت تُقدم الدعم المالي والعسكري للمقاتلين في سوريا، أصبحت تسعى لاستئناف العلاقات مع النظام السوري، كما أن أغلب الدول العربية (بما فيها دول خليجية) باتت تؤيد عودة سوريا الى الجامعة العربية

5-منطقة الشرق الأوسط تنقسم الى معسكرين، الأول أمريكي إسرائيلي ويضم معه دول التطبيع والدول المرتمية في الحضن الصهيوني، بينما الثاني هو “محور المقاومة”، وهو المضاد للمعسكر الأول. وواقع الأمر أن هذه المنطقة ليس فيها أي طرف ثالث ولا معسكر آخر، وعليه فلا تستطيع حركة مثل “حماس” أن تظل طويلاً خارج هاتين الدائرتين.

6-عودة العلاقات الدافئة وعلاقات التحالف بين “حماس” ودمشق لا يعني بالضرورة أن كلا منهما يتفق مع الآخر حد التطابق، وهذه واحدة من أصول السياسة ومبادئ العلاقات الدولية، والشواهد التاريخية عليها كثيرة.

7-“حماس” ذاتها تحالفت مع النظام السوري في أواخر التسعينيات، وانتقلت قيادتها الى دمشق، وذلك بعد عشر سنوات فقط، أو أكثر بقليل، من أحداث حماة وتدمر، عندما قام النظام السوري بقتل المئات من “الإخوان المسلمين”، ولم يُنكر أحدٌ على “حماس” ذلك، كما لم يطلب الإخوان المسلمون السوريون أنفسهم من حماس أن تقاطع دمشق، ولم يُنكروا عليها تحالفها معه.

والى ذلك يمكننا أن نشيرلتبروء “حماس” من موقفها المعادي للنظام السوري بوضوح ومنذ مدة طويلة، إذ أنه في يونيو 2018، قال اسماعيل هنية إن ما نسب إليه من كلام حول “دعم الثورة السورية، غير دقيق”، وإن حماس “لم تكن يوما في حالة عداء مع النظام السوري”!؟ وشدّد هنية على أن “النظام في سوريا وقف إلى جانب حماس في محطات مهمة، وقدم لها الكثير، كما الشعب السوري العظيم”، مشيرا إلى أن “الحركة لم تقطع العلاقة مع سوريا”.

ويكتب محمد عطا الله في صحيفة الرسالة الحمساوية[23] مُنظّرًا لعودة العلاقات مع سوريا:

1-ترنو “حماس إلى تطوير وترسيخ علاقتها مع كافة الدولة العربية وخاصة تلك التي تدعم القضية الفلسطينية والمقاومة دون أي خجل أو مواربة، لذلك جاء القرار.

2-معتبرًا أن سوريا على حد وصفه “الدولة الأكثر ندية للاحتلال”!؟ وهي “السند في مواجهة الاحتلال”.

3-ويرى أيضًا: أن قرار “حماس” إعادة بناء وتطوير علاقاتها بجمهورية سوريا العربية، جاء أيضا كخطوة على الطريق التي سلكته الحركة في توحيد طاقات الأمة ( ).

4-وقال أحد من التقتهم الصحيفة التابعة ل”حماس” أيضًا في تبرير الموقف: أنه من الواضح أن لدى “حماس” محاولة لإعادة التموضع والاستفادة من كل الأطراف وهي السياسة المتّبعة من أجل أن تعيد ترتيب أوراقها والاستفادة من واقع سوريا وما كانت تقدمه سوريا في السابق من دعم واسناد للمقاومة! ونحن نعيش الذكرى 29 عاما على اتفاق أوسلو، وانقلاب الاحتلال على الاتفاق وبالتالي المطلوب أن تتموضع “حماس” في علاقتها مع الدول بما يخدم شعبنا الفلسطيني.

5-وتشير الصحيفة الى أنه في ذات الوقت يزور فيه وفد من رئاسة “حماس” روسيا ضمن سعيها لتعزيز علاقتها بكل القوى والمكونات الدولية التي تدعم القضية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال.

ويكتب د.خالد النجار[24] في صحيفة الرسالة التابعة ل”حماس” أيضًا ليقول أن: العلاقة مع سوريا تموضع استراتيجي للفصيل معددًا الأسباب:

1-تعزز “حماس” إعادة علاقاتها الخارجية على المستويين العربي والدولي، من منطلق إعادة بناء الوحدة العربية في ظل المتغيرات والظروف التي تمر بها المنطقة، والتي تعد أحد أشكال تداعيات الأزمة الروسية-الأوكرانية والتي غيّرت الكثير من القواعد السياسية

2-التقارب بين روسيا و”حماس” يعد في أفضل مراحله، كذلك العلاقة بحزب الله والنظام التركي وهو ما يترتب عليه تشكيل تحالف إقليمي يدعم موقف كافة الأطراف!

3-الحفاظ على حقوق اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات اللجوء بدمشق، إذ أن منظمة التحرير لم تقم بواجبها الوطني تجاه آلاف النازحيين!

4-كما تسعى للتعاون المشترك فيما يتعلق بدعم حقوق سوريا أن تكون عضوًا في جامعة الدول العربية، ودعم هذا الموقف الذي يعبر عن وحدة الهدف والمصير في استعادة حقوق الأمة والحفاظ على إرثها الوطني والإسلامي.

ثامنًا: مخاسر “حماس”

من المخاسر المقدرة ل”حماس” في إعادة علاقاتها مع النظام السوري التالي

1-سيعيش الفصيل جدلًا كبيرا فيما يتعلق بالقرار كما أوردنا بالمقدمة وهو ما قد يقوي تيار على حساب آخر في صراع الصدارة والزعامة الداخلية في الفصيل، خاصة وتهم الازدواجية بالمعايير وتبني سياسة براغماتية هي أقرب للانتهازية ستكون من مفردات الرافضين للقرار.

2-لن تكون دمشق مقرًا آمنا لقادة “حماس” من الاغتيالات، ومكاتبها من القصف لوعادت لدمشق في ظل ما يحصل في تركيا من تضييق عليها (وعلى الاخوان المسلمين)، وعدم إمكانية أن تحل لبنان مكان تركيا. بل ستكون مقرات الفصيل مكشوفة للغارات الصهيونية وكان الأولى بالتنظيم بهذه الحالة أن يكون بالوطن لا في سوريا.

3-ستخسر “حماس” كتلة كبيرة من أنصارها الفلسطينيين والعرب بإعادة العلاقات مع نظام قمعي استبدادي قاتل كما ينظر له “الاخوان المسلمين” على الأقل الذين اتخذوا-ومنهم حماس حينها- موقفًا مناهضًا وحاربوا النظام السوري بالسلاح. ومازال النظام على حاله، فلماذا هذه العلاقات الخيانية في نظر هؤلاء؟

4-هذه الخطوة الكبيرة بإعادة العلاقات مع سوريا قد تعمّق الشرخ مع السلطة الوطنية الفلسطينية إذ ستجد “حماس” نفسها قد وقعت ثانية في حالة اللاتوازن التي أفضت قديمًا لمطالبتها بأن تحل مكان منظمة التحريرالفلسطينية، وهو ما فعلته في دمشق ما قبل العام 2011م، بعقلية الفسطاطين/المعسكرين، ووراثة المنظمة بتشكيل آخر.

5-من المرجح أن يتم استغلال “حماس” في الحرب الإيرانية بالمنطقة، وقد تتحول وفق أحد المحللين الى أداة إيرانية إضافية أو متطورة لمعاقبة “إسرائيل” فتعاقب مقابلها غزة بشعبها وأرضها؟

6-ستفقد “حماس” بهذه العلاقة الرسمية مع النظام السوري حاضنتها الشعبية السورية، وجزء من تلك العربية فهي تخلّت عن الأيديولوجية والمباديء في مقابل استمرار الدعم المالي للتنظيم من إيران

7-يقول الكاتب ماهر حجازي ” إن أية ردة فعل من “حماس” من قطاع غزة، على أي فعل ضد حماس في دمشق مثلًا، لن تحظى بقبول شعبي من سكان قطاع غزة، الذين يتفهمون ويتبنون رد “حماس” على العدوان الإسرائيلي على القطاع، لكنهم لن يشكلوا حاضنة لرد المقاومة على اغتيال في دمشق مثلا.”

8- ويضيف حجازي قائلًا أن “حماس لن تكون قادرة على الرد من الأراضي السورية، بحكم التجربة مع استهداف الاحتلال لمقاتلي إيران وحزب الله والنظام في سوريا من دون أي رد على هذا الاستهداف. تماما كما حدث مع حركة الجهاد الإسلامي، عندما ردّت من قطاع غزة على اغتيال الاحتلال الإسرائيلي لقياديين فيها بالعاصمة دمشق، من خلال قصف منزلهما. الجهاد الإسلامي خاصت حربًا منفردة ضد الاحتلال الإسرائيلي خارج الإجماع الفلسطيني في ما يعرف بغرفة العمليات المشتركة في القطاع، والاحتلال عمل على عزل حركة الجهاد واستهدف مواقعها فقط.

في هذه الحالة ستكون معضلة لفصيل “حماس” أن يدخل قطاع غزة في حرب ضد الاحتلال، وستقاتل “المقاومة” بذراع واحدة هي القوة العسكرية، ولن تحظى بدعم وتأييد شعبي، بعد أن تخسر جزءًا مهما من حاضنتها الشعبية في داخل فلسطين وقطاع غزة بالتحديد، والتي ترفض إعادة العلاقات مع الأسد.”

خاتمة.

في الخاتمة والنتيجة دعنا نحاول أن نلخص ونجمل النظرة العامة التي قدمناها لنقول التالي:

1-إقدام فصيل “حماس” على هذه الخطوة دلالة على تفوق الفكر العملاني البراغماتي على ذاك الأيديولوجي ما يؤهل “حماس” للعب أدوار أخرى في المستقبل، بغض النظر عن الآراء المتشددة تجاه الخطوة، أو تلك التي تنعتها بالارتماء بحضن القوة الاقليمية البارزة لمصالح مالية محضة على حساب جارتها (إيران مقابل تركيا).

2-لا يعني هذا القرار شيئًا مميزًا لسوريا النظام، ولا يضيف لها الكثير رغم صيحات المقاومة والممانعة التي لا تطعم خبزًا في سوريا المحتلة من عدة دول متصارعة، بل سيلقى التواجد الحمساوي في دمشق كثير من التعويق إن حصل، فالغصّة في حلق النظام مازالت، كما يفهم من ردود الفعل الغاضبة، أو تلك الباردة.

3-يزيد حجم الافتراق بين “حماس” وبين تنظيم “الاخوان المسلمين” العالمي (المصري أساسًا) وذاك السوري الغاضب جدًا، ولربما لاقيمة كبيرة لهذا الأمر نظرا للانشقاقات الكبيرة في الأخوان المسلمين (المصريين) الذي أدى لتفرقهم وضعفهم الشديد، ما قد يتيح ل”حماس” حرية حركة وقدرة على المناورة.

4-الموقف التركي يذهب باتجاه ما حصل، أي لا يعارض “حماس” في هذه الخطوة بل قد يكون من المشجعين عليها، مادامت مكاسبه في سوريا تتوطد من جهة، ويستفيد من سياسة التوازن بين الأمريكي والروسي القائمة، ويظل له دورًا مركزيًا.

5-قد يؤدي هذا الفعل “بحماس” الى الابتعاد أكثر فأكثر عن منظمة التحرير الفلسطينية، وحين يقوى الوضع السوري للنظام قد تجد الأطراف مناسبة للضغط باتجاه تواصل صراع التمثيل الفلسطيني.

6-قد تتسبب هذه الخطوة بضغط كبير على أهالينا في قطاع غزة حين حصول أي ردات فعل في سوريا تنتقل الى غزة.

7-لا قوة أكبر تكسبها “حماس” من هذه الخطوة، باستثناء الدعم المادي، فهي تعلم أن قوتها الحقيقية بالتواجد المادي على أرض فلسطين وخاصة في غزة، لاسيما وتقطّع علاقاتها العربية لارتباطاتها الفكرية ب”الاخوان المسلمين” لذلك فإن المكسب الأكبر لحماس من هذه الخطوة هو بزيادة ثقة إيران بها باعتبارها أحد أدواتها ضمن مجاال السيطرة الإيرانية على أمة العرب.

[1]  بكر أبوبكر كاتب وأديب وباحث فلسطيني، رئيس أكاديمية الشهيد عثمان أبوغربية، ورئيس مركز الانطلاقة للدراسات، له عديد الكتب في مجالات الفكر والسياسة والأدب والتنظيم السياسي، مقيم في رام الله-فلسطين.

[2]  من تقريرأحمد عبدالعال في موقع أمد بتاريخ 17/9/2022م تحت عنوان: بعد عودة العلاقات مع سوريا.. هل ابتعدت حماس عن الإخوان؟

[3]  من رصد تقرير موقع عنب بلدي بمنتصف شهر 8 وتحت عنوان: لماذا يتجاهل النظام السوري تقارب حركة “حماس”؟

[4]  قالت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، إن عودة العلاقات بين حماس وسوريا، جاءت بعد مباحثات عدّة انطلقت بعد معركة “سيف القدس” 10-21/5/2021م بين “حماس” والقيادة السورية، برعاية من الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، حيث تمّ كسر الجمود كخطوة أولى، بينما وصل العمل في الفترة الأخيرة إلى مرحلة بناء الثقة تمهيداً لاستعادة العلاقة بشكل أكبر وأوسع.

[5]  من تقرير لمحمد فنصة في موقع عنب بلدي 15/8/2022م، تحت عنوان: لماذا يتجاهل النظام السوري تقارب حركة “حماس”؟

[6]  أنظر تقرير صحيفة العرب في 22/6/2022م تحت عنوان: براغماتية هنية تعيد حماس إلى بيت الأسد.

[7]  من تقرير كفاح زبون في صحيفة الشرق الاوسط في 18/9/2022م تحت عنوان: عودة «حماس» إلى سوريا في حسابات «حرب التمثيل الفلسطيني» تسعى الحركة بقيادة الجناح الموالي لإيران و«حزب الله» إلى انتهاز فرصة ضعف السلطة

[8]  تصريح لمستشارة الأسد في 7/8/2022م، مقر المجلس الوطني الفلسطيني في دمشق، مع “مؤسسة القدس الدولية في سوريا” و”تحالف قوى المقاومة الفلسطينية” و”اللجنة الشعبية العربية السورية لمناهضة المشروع الصهيوني”.

[9]   في موقع كيوبوست بتاريخ 4/7/2022م.

[10]  كانت هناك شروط سورية لعودة العلاقات مع حماس؛ مثل إبعاد خالد مشعل عن المكتب السياسي، وتقديم اعتذار علني من قِبل قيادة “حماس” الجديدة. أما اليوم فالموضوعات المطروحة للنقاش هي: هل تعود “حماس” بقادتها ومكاتبها، أم مجرد إعادة للعلاقات مع سوريا؟ وما مصير المباني التابعة لـ”حماس” التي تمت مصادرتها قبل عشر سنوات؟ ومَن مِن القيادات الحمساوية سيأتي إلى سوريا لمتابعة بقية الأمور؟

[11]  كانت جبهة محمد منير (الموصوف من جبهته: بنائب المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين والقائم بالأعمال) قد أصدرت بيانًا في 29 يناير عام 2022 تحت عنوان: ليسوا منا ولسنا منهم، ويقصد به بوضوح جماعة اسطنبول بالطبع، ومما قاله البيان ليس منا ولسنا منه كل من خرج عن الصف وكل من ساهم في شق الجماعة وترديد الافتراءات الكاذبة، ومضيفًا: بطلان (اللجنة القائمة بعمل فضيلة المرشد) التي قام البعض بالاعلان عنها-يقصد جبهة اسطنبول بالطبع. مضيفًا أي البيان أن كل من شارك فيها قد اختار لنفسه الخروج عن الجماعة.

[12]  الامريكي اليهودي (والده مصري الأصل) المحنك سياسيًا روبرت مالي شارك الرئيس كلنتون في “كامب ديفد” الثانية مقابل الرئيس عرفات، وكان من مساعدي الرئيس أوباما ومكلف بمنطقة الشرق الاوسط (2009-2017م)، وفي رئاسة بايدن الآن هو مكلف بملف إيران.

[13]  قال هنية خلال مشاركته ونائبه صالح العاروري في تشييع سليماني في طهران في 6 يناير 2020، إن “الشهيد القائد سليماني الذي أمضى حياته من أجل دعم المقاومة وإسنادها، والذي مضى عليه إنه إذا شهيد القدس (رددها ثلاثا)”.

[14]  حسب الدستور الإيراني للعام 1979م والمعدل عام 1989م فإن:”الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثناعشر، ويبقى هذا المبدأ قائماً وغير قابل للتغيير إلى الأبد.” حسب المادة 12من الدستور.وفي المادة 152 ترد جملة “والدفاع عن حقوق جميع المسلمين” وتضيف المادة”وعدم الانحياز لأي من القوى العظمى المتسلطة، والاحتفاظ بعلاقات سلمية متبادلة مع جميع الدول غير المعادية.” أما في المادة 154 فيرد أن إيران “تدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في جميع بقاع العالم”، وتضيف المادة “ولكنها تمتنع امتناعاً تاماً عن جميع أشكال التدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى”.

[15]  تقول فاطمة نذير علي في مقال لها عن الخميني أن “الخميني قدس الله سره قدوة ومثال ونبراس لكل شعوب العالم، وكل انتصار للشعوب العربية الاسلامية والمستضعفين في كل أرجاء المنطقة كان لبصمة الخميني فيه أثر واضح…سوريا والبحرين ولبنان وفلسطين والعراق واليمن” وهو القائل” بأن الاستكبار العالمي يشمل جميع القوى المتغطرسة والمتجبرة في العالم، وجميع الوجوه الوقحة المتسلطة على الشعوب” حسب مقال الكاتبة العراقية المعنون: المقاومة والصمود في فكر الإمام الخميني، على موقع المحور العربي.

[16]  رغم خروج أحمد داوود اوغلو (رئيس الحزب لفترة ووزير الخارجية ورئيس الحكومة التركية) من الحزب الذي ضمه وأردوغان أي العدالة والتنمية لخلافات مستحكمة بينهما، وتأسيسه حزب جديد مؤخرا (حزب المستقبل وأسسه عام 2019م) فهو صاحب فكرة صفر مشاكل وصاحب السياسة الخارجية المتوازنة لتركيا منذ وصول حزب العدالة والتنمية للحكم عام 2002م، كما رآها بكتابه الهام: العمق الاستراتيجي، موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية، حيث يطرح في مقدمة الطبعة العربية ضرورة التعاون والتضامن بالشرق الأوسط وفكرة حيوية تركيا التي تلقى قبولاً أوربيًا (يقصد توازن العلاقات)، مشيرا لدور تركيا المركزي بالمنطقة، وخاصة بالقوة الناعمة والمصداقية.

[17]  انقرة طردت السفير الإسرائيلي عام 2018 -كما بادلتها الفعل الحكومة الإسرائيلية- بسبب العدوان الإسرائيلي آنذاك على سفينة العودة. واعتراضا على فتح السفارة الامريكية بالقدس. الامر الذي أدى لاستشهاد 50 فلسطينيا على يد قوات الإرهاب الصهيوني.

[18]  سمر عمارة في تقرير لصدى البلد في 27/8/2022م، تحت عنوان: إغلاق مكتب حماس في إسطنبول.. “إسرائيل” تعيد العلاقات مع تركيا بهذا الشرط.

[19]  مقال أمير طاهري في صحيفة الشرق الاوسط بتاريخ 23/9/2022م.

[20]  نظّر العديد من المفكرين لعالم متعدد الأقطاب

[21]  الكسندر دوغين، في سياق عالم متعدد الأقطاب-الجغرافيا السياسية للعالم العربي، مجلة الشؤون العربية الأوراسية العدد الأول،31 أغسطس 2021م.

[22]  لمراجعة المقال في صحيفة القدس العربي يوم 18/9/2022م.

[23]  مقال محمد عطا الله المعنون: حماس واستئناف العلاقة مع سوريا.. دلالة التوجه والتوقيت في 15/9/2022م.

 [24] د.خالد النجار في مقاله بصحيفة الرسالة التابعة لحماس تحت عنوان: العلاقة مع سوريا تموضع استراتيجي لحركة حماس، في 17/9/2022م.

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى