الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

قراءة في الاتفاق السياسي الاطاري السوداني

بقلم : التجاني صلاح عبد الله المبارك – المركز الديمقراطي العربي

 

في الخامس من ديسمبر وقبل أفول هذا العام 2022 تم توقيع الاتفاق السياسي الاطاري السوداني، بين المكون العسكري بقيادة الفريق أول “عبد الفتاح البرهان “والفريق أول ” محمد حمدان دقلو” ممثلين عن المؤسسة العسكرية السودانية، والمكون المدني الممثل في تحالف الحرية والتغيير/ المجلس المركزي وعدد من الأحزاب والحركات السياسية، في مبادرة جديدة من نوعها للانعتاق من حالة الجمود السياسي الذي وصل إليه الفرقاء السودانيين، وفي محاولة للاتفاق على شكل وهيكل الدولة الديمقراطية المدنية القادمة.

الولايات المتحدة ممثلة في وزارة الخارجية رحبت بتوقيع الاتفاق الإطاري في السودان، واعتبرته خطوة نحو تشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية، وأكد بيان للوزارة أن الولايات المتحدة وشركاءها يعتبرون جهود تشكيل حكومة بقيادة مدنية في السودان عاملا أساسيا لاستئناف المساعدات الدولية.

كما رحب أيضا بالاتفاق الآلية الثلاثية، وهي المكونة من الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية (يونيتامس)، وممثل الاتحاد الإفريقي، وممثل الهيئة الحكومية المعنية بالتنمية الدولية (إيغاد).

” فولكر بيرتيس” قال إن التوقيع على الاتفاق بمثابة أساس جيد لاستعادة الحكم المدني الديمقراطي في السودان، وأكد أنه لولا إصرار الشبان والشابات في الشوارع لما كان هذا الاتفاق.

أما سفير الاتحاد الأفريقي في الخرطوم، فاعتبر أن توقيع الاتفاق يصب في صميم متطلبات السودانيين في التحول الديمقراطي وإنشاء مؤسسات السودان الجديد لتجسيد شعار حرية سلام وعدالة.

وقالت مجموعة أصدقاء السودان والتي تضم كلا من كندا وفرنسا وألمانيا واليابان وهولندا والنرويج، بالإضافة إلى السعودية وإسبانيا والسويد والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في بيان مشترك، أنها ترحب بالتوقيع على الاتفاق الإطاري من قبل ما وصفته بالتمثيل الواسع للقوى السياسية والمكون العسكري.

تضمن الاتفاق الاطاري الموقع من الطرفين المكون العسكري والمكون المدني، خمسة بنود رئيسية هي: المبادئ العامة، وقضايا ومهام الانتقال، وهياكل السلطة الانتقالية، والأجهزة النظامية، وقضايا الاتفاق النهائي.

ونص الاتفاق على أن اختيار رئيس الوزراء الانتقالي سيكون من قبل قوى الثورة، وأن تنظم الانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية المحددة بعامين..ونص الاتفاق أيضا على دمج قوات الدعم السريع ضمن الجيش، وتنفيذ اتفاق جوبا للسلام، ووقف التدهور الاقتصادي في البلاد، والتأكيد على جيش وطني موحد مهني، واعتماد سياسة خارجية متوازنة تلبي مصالح البلاد، والاهتمام بقضية الشرق والحرص على المشاركة السياسية، واطلاق عملية شاملة لكشف الجرائم ومحاسبة مرتكبيها، والالتزام بمبدأ تجريم الانقلابات العسكرية.

ونص الاتفاق السياسي الإطاري كذلك على ترسيخ مبدأ العدالة والمحاسبة، بما فيه آليات العدالة الانتقالية، وعلى تعزيز حق جميع المواطنين بالمشاركة المدنية وتقويم مستويات الحكم الانتقالي.

وأكد الاتفاق على حظر تكوين مليشيات عسكرية أو شبه عسكرية، وحظر مزاولة القوات المسلحة الأعمال الاستثمارية والتجارية ما عدا تلك التي تتعلق بالتصنيع الحربي والمهمات العسكرية، وفقا للسياسة التي تضعها الحكومة الانتقالية.

من الواضح أن الاتفاق الاطاري تضمن مجمل النقاط الساخنة التي تم التشاكس فيها كثيرا بين الطرفين العسكري والمدني، والتي كانت محصلته سلبية على الدولة إلى حد بعيد، خاصة في اهم مرفقين يتصلا بمعاش المواطن البسيط، وهما مرفقي الاقتصاد والأمن، فانحدرت الدولة إلى قعر بعيد في انعدام السلع الأساسية وندرتها ناهيك عن التضخم والغلاء الطاحن الذي لا يستطيع الفرد البسيط الوقوف أمامه ومجاراته، وتلبية حاجته الأساسية البسيطة.

وفي المرفق الأمني وجد المواطن البسيط الذي انقلب على نظام الإنقاذ في ثورة عارمة واقتلع نظاما عمره ثلاثون عاما، لم يجد نفسه بمنجاة من السلب والنهب في رابعة النهار، والجرائم المنظمة، وتسلل إلى القاموس السوداني مفردات غريبة عليه لم يألفها من قبل أو يسمع بها، ولم يصبح آمنا في سربه.

ومن الواضح أيضا أن وثيقة المحامين والتي كانت محصلة جدالات ونقاشات، رعتها أطراف من الآلية الرباعية الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية، ورغم تباين الرؤى في بعض بنودها، أنها كانت أساسا رئيسا لهذه البنود التي تم التوقيع عليها بين المكون العسكري والمكون المدني.

ولأن الدولة وصلت إلى تردي وانحدار عميق وغير مسبوق في كافة المناحي والمرافق الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وكثرت فيها النزاعات والجدالات والمؤامرات من كل الأطراف، حتى وصلت إلى حالة الانسداد السياسي، فقد كانت وثيقة المحامين التي تطورت إلى اتفاق يمكن أن يجمع شمل الفرقاء ولو في حده الأدنى، بمثابة طوق نجاة يحتاجه الجميع أو بالأحرى خارطة طريق من شأنها أن تقود إلى إقامة الدولة المدنية الديمقراطية الجديدة المنشودة.

صحيح أن الاتفاق الاطاري حسم مبدأ أن السلطة الانتقالية سلطة مدنية ديمقراطية كاملة دون مشاركة القوات النظامية، إلا أن النص قدر مدة زمنية قدرها عامين للمرحلة الانتقالية تبدأ من تولي رئيس الوزراء الجديد مهام منصبه، وهذا يعني أنه إذا امتد الخلاف في تسمية رئيس الوزراء الجديد واختياره فهذا من شأنه أن يطيل أمد المرحلة الانتقالية التي هي طويلة في الأصل.

إضافة، فإن أي مراقب ومنصف وباحث عن الحقيقة، يمكنه أن يلاحظ على الواقع السياسي السوداني قبل وبعد الاتفاق الإطار، هذا الحجم الكبير من الانشطارات والتشظي في الحركات السياسية السودانية وفي مدة زمنية قليلة،  مترافقا مع أحداث عارضة وليست دائمة،  مما يوحي ويشير إشارات واضحة أن المصلحة الشخصية والمنافع الذاتية والحزبية، هي سيد الموقف والمحرك الرئيس، وانها السبب الرئيس لهذا الكم من الانشطارات والانشقاقات،  وإذا صدق هذا التصور فهذا في حد ذاته آفة كبرى، ما كان ينبغي أن تقع فيها أي من الحركات السياسية التي تمتلك إرثا ضخما وثروة كبيرة من النضال، وفي الوقت ذاته يدل دلالة قاطعة لا لبس فيها،  على التعامي عن الأصول والمبادئ التي ينبغي أن تكون هي الموجه الرئيس في كل. هل ذهبت ريح الإنقاذ إلا بعد أن طغت المصالح الشخصية والمنافع الذاتية على مصلحة ومنفعة الدولة.

مع ذلك فلا أجد هنا نموذجا سودانيا تحتاجه المرحلة، إلا نموذج المشير الراحل “سوار الذهب” هذا المكون العسكري الخالد، الذي ضرب أروع الأمثلة في التجرد والنزاهة والشفافية وأدى أمانته في تفان قل أن يوجد في العالم، حتى أشار اليه القريب والبعيد، هو المطلوب في هذه المرحلة بل في كل المراحل وهو ما يتطلب مجاهدة كبيرة تتمثل في نكران الذات أولا، وتجنب التهافت على المصالح الشخصية والمنافع الذاتية والآنية.

إن تنفيذ اتفاق جوبا للسلام الذي نص عليه الاتفاق يتطلب إنكار الذات والأنا، لمصلحة أكبر وهي مصلحة الدولة، سواء كان من الجنرالات أو المدنيين أو فصائل الحركات المسلحة، وهو كفيل بحلحلة حالة الانسداد السياسي، والنفق المظلم الذي دخلت فيه الدولة والذي كان السبب الرئيس فيه هو حب الذات والتهافت على المناصب الدنيوية والمنافع الشخصية والأطماع الحزبية.

ختاما فإن الاتفاق الاطاري رغم ما في نصوصه من ارجاءت وقضايا يتم الاتفاق عليها في المرحلة النهائية، إلا أنه يبشر بخير كبير إذا صدقت النوايا وكانت سودانية خالصة لتشهد بعد ذلك الدولة نماء ورفعة.

4/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى