الشرق الأوسطعاجل

 هل تبدأ الحرب الشاملة على إيران حقا ؟

بقلم : التجاني صلاح عبدالله المبارك – المركز الديمقراطي العربي

 

في الأيام القليلة الماضية دعا البرلمان الأوروبي إلى تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، واتهمه بقمع المتظاهرين في إيران، وإمداد روسيا بطائرات مسيرة (المسيرات تساعد وحدات الجيش على تحديد أماكن العدو بدقة، وتحديد مواقع المدفعية، وقادرة على اختراق الدفاعات الجوية بفعالية عند إطلاقها في مجموعات، ولها المقدرة على التصوير والبث المباشر لتجمعات العدو، وتستخدم للضرورة عند حدوث نقص غير متوقع في الأسلحة الدقيقة بعيدة المدى)

وطلب البرلمان من الاتحاد الأوروبي إدراج الحرس الثوري الإيراني على القائمة السوداء لـ “المنظمات الإرهابية”، بما يشمل فيلق القدس الموكل بالعمليات الخارجية، وقوات التعبئة الباسيج.

عضو البرلمان الألماني ” هانا نيومان” دعت إلى معاملة الحرس الثوري الإيراني معاملة الإرهابيين: كيف يمكننا التحدث عن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، إذا كان الشيء الوحيد الذي يظهر هو الاعتراف الدولي الذي يحتاجه النظام بشكل عاجل؟ لقد انتهى وقت السياسة الغامضة.. طالما استمرت الاحتجاجات الوحشية، فلا ينبغي أن نتفاوض طالما أن الحرس الثوري الإيراني يرهب شعبه والمنطقة، فيجب أن نعاملهم كإرهابيين.

وفي مقابلة الطلب البرلماني الأوروبي باعتبار الحرس الثوري وقوات الباسيج منظمات إرهابية (الباسيج  مليشيا إيرانية عقائدية مسلحة ؛ تضم ملايين المتطوعين وممولة مباشرة من الدولة، وتعتبر من أكثر الكيانات  تأثيرا في الحياة السياسية والأمنية والمجتمعية في ايران، كما تعد أداة عسكرية لحماية مصالح النظام السياسية داخليا وخارجيا) في مقابلة ذلك وكرد فعل سريع وضع نواب البرلمان الإيراني مسودة قرار، وضعوا فيها  اللمسات الأخيرة على خطة عاجلة لتصنيف القوات المسلحة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي منظمات إرهابية، في حال تبني تلك الدول قرار البرلمان الأوروبي.

وفي ذات الأحداث المتلاحقة حذر وزير الخارجية القطري الأسبق “حمد بن جاسم” على منصة التواصل الاجتماعي، من عمل عسكري إسرائيلي أمريكي محتمل قد يهز الأمن والاستقرار في مِنطقة الخليج، وسيترتب عليه عواقب اقتصادية وسياسية واجتماعية،  لأن الغرب بقيادة الولايات المتحدة لم يتوصل حتى الآن إلى اتفاق يعيد الاتفاق النووي مع إيران إلى الحياة: إذا لم تتوصل الأطراف إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، وزودت الولايات المتحدة إسرائيل بما تحتاجه من سلاح سيكون هناك، لا سمح الله عمل عسكري قد يهز الأمن والاستقرار في منطقتنا وستكون له عواقب اقتصادية وسياسية واجتماعية وخيمة.

يمكن ربط هذه الأحداث المتلاحقة التي تسوغ إمكانية حدوث عمل عسكري إسرائيلي وشيك على إيران، يكون محصلته تدمير البرنامج النووي الإيراني، وتحطيم مفاصل الدولة، وخراب كبير في المنطقة العربية، بعدة سياقات يمكن إجمالها على النحو الاتي:

أولا: تمكنت إيران من زيادة قدراتها العسكرية والنووية في كل تلك الفترة، منذ توقيعها على اتفاقية النووي 2015 ولاحقا بعد قرار إدارة “ترامب” الانسحاب منها، فقد تمكنت من مواصلة عمليات تخصيب اليورانيوم بنسب أعلى بكثير من تلك المنصوص عليها في اتفاق 2015 وتمكنت من زيادة إنتاجها ومخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة قد تصل إلى 60%، وهذا يفاقم من ناحية ثانية حالة الرعب والهستيريا لدى الطرف الإسرائيلي أكثر من أي طرف أخر.

ثانيا: انشغال روسيا في الحرب الأوكرانية، من شأنه أن يحيد هذا الحليف المحتمل من مساندة ايران فيما قد يلحق بها من الطرف الإسرائيلي، في ظل رغبة القادة الإيرانيين لتنفيذ سياسية الاتجاه شرقا، خاصة بعد حزمة العقوبات الغربية المفروضة على ايران وروسيا، وإلى توسيع التعاون بينهما ومجابهة الولايات المتحدة أو الشيطان الأكبر، بعد تعطل محاولات إحياء الاتفاق النووي الإيراني لخلق نوع من التوازن الاستراتيجي.

ثالثا: يعتبر هذا التوقيت توقيتا استراتيجيا مناسبا لبدء العملية العسكرية الإسرائيلية، في ظل وجود حالة الفوضى والمظاهرات التي تجتاح إيران بعد حادثة مصرع” مهسا أميني” فالتوقيت في حالة تشتت الطرف الثاني وعدم تماسكه تماما لوجود الفوضى والقلاقل الداخلية، يعتبر توقيتا جيدا.

وقبل أن نسرد رأينا الخاص الذي يقلل من أهمية هذه السياقات فانه لابد أن نسجل بعض الملاحظات، التي تساعد على فهم الموقف المتسارع الذي دعا النواب الإيرانيين إلى مقارعة الأوربيين حجة بحجة، واعتبارا باعتبار.

أولا: تصريح الدولة العبرية بإطلاق عملية عسكرية واسعة ضد الطرف الإيراني وتدمير البرنامج النووي، يختلف عن المنهجية والاستراتيجية الإسرائيلية في العمليات العسكرية، إذ أنها تعتمد بشكل أساسي ورئيس على الضربات الاستباقية المباغتة والمفاجئة، ولا تعلن عن جاهزيتها واستعدادها العسكري للبدء في الأعمال العسكرية، كما أنها تعتمد أيضا على أساليب الاغتيالات والتصفية للعلماء والقادة.

ثانيا: تصاعد الاحتجاجات والخلافات السياسية داخل إسرائيل، وسط مخاوف من زيادة وتيرة الاحتجاجات وفي ظل الحديث والتهديد المتكرر بالنزول للشوارع وإعلان العصيان المدني والتجهيز للمواجهات، ضمن الحرب الشرسة التي تقودها المعارضة، واعتبارها أن الإصلاح القانوني الأخير الذي قام به “نتنياهو” ليس إصلاحا، ولكنه في حقيقة الأمر انقلاب يريد به السيطرة على السلطة القضائية.

صحيح أن قيام إسرائيل بهذه العملية هي فرضية محتملة، لكن هناك قرائن مرتبطة في تقديري ربما تضعف هذه الفرضية:

أولا: انشغال الولايات المتحدة الحليف الرئيس لإسرائيل في الحرب الروسية الأوكرانية، رغم وجود ضبابية في رؤية الولايات المتحدة تجاه الملف الأوكراني، ومع وجود معارضات من الداخل الأمريكي لهذه المشاركة، التي تعتبر أن المساعدات العسكرية التي تقدمها خصما عليها، في وقت أوشكت فيه الذخائر الأوروبية والأمريكية على النفاذ جراء الحرب، من شأنه أن يجعل القرار الأمريكي معارضا لحرب جديدة لا أحد يعلم متى تنتهي.

ثانيا: تهديد الصين بغزو وشيك ل_ تايوان من شأنه أن يجعل الولايات المتحدة أيضا تتراجع عن فتح جبهة جديدة مع إيران، في وجود تقارير تفيد عدم جاهزية صناعة الأسلحة الأمريكية للتهديد الصيني المحتمل.

وفي تقديري الخاص أن إسرائيل لن تقدم على بدء حرب شاملة على إيران، وان كل ما جرى بما فيه إعلان الاتحاد الأوروبي قوات الحرس الثوري والباسيج منظمات إرهابية، ولا يستبعد أن يكون اللوبي الإسرائيلي وراء تلك الخطوة، إنما يصب في خانة الضغط على إيران، لتقديم تنازلات كبيرة وتخفيض نشاطها النووي، والحد من تطوير صواريخها الباليستية.

وفي ظل نظام عالمي يتسم بالفوضى واكتساب المصالح، فانه ربما تقدم إسرائيل على نشاط عسكري محدود، يتمثل في توجيه ضربات ضد أهداف استراتيجية محدودة في العمق الإيراني، لان احتمالات النجاح في تدمير البرنامج النووي الإيراني بضربة واحدة موجعة ليست مؤكدة، والأرجح أنه ربما تفرغ إسرائيل في الفترة القادمة من الانتهاء من مخطط تكون فيه ايران دولة باغية ومعتدية، بعد قيام الأخيرة بعملية عسكرية ضخمة أو ربما ينسب لها ذلك، مما يجعل الدول الفواعل برمتها تجمع على رمي ايران الدولة المارقة كما تصفها الولايات المتحدة،  عن قوس واحدة!

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى