نزاع جنوب السودان مع كينيا علي مثلث إيليمي
اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر
اتهم جنوب السودان كينيا بمحاولة سرقة الأراضي المتنازع عليها على طول حدودهما بعد اشتباكات طائفية في بلدة ناكودوك ومحيطها(في بلدة كبويتا الشرقية بوبلية شرق الإستوائية) على بعد أميال قليلة من حقل نفط على الجانب الكيني من الحدود وقد خلفت هذه الإشتباكات التي وقعت في الأسبوع الأول من فبراير 2023 ثمانية قتلى كينيين على الأقل , وتزامن مع هذا الإتهام ممارسة برلمانيين جنوب سودانيين الضغوطً على رئيس جنوب السودان سلفا كير لاستدعاء البرلمان من عطلته لمناقشة النزاع الحدودي المحتدم , ويقول جنوب السودان إن القوات الكينية حاولت السيطرة على ناكودوك , وقال عبد الله أنجيلو لوكنومفوض المقاطعة أن الوضع هادئ الآن وأنه حث حكومة جنوب السودان “على ضرورة سيطرة الحكومة على الوضع” .
إبان فترة التمرد الجنوبي علي حكومة الخرطوم عام 2009وقعت كينيا والحركة الشعبية لتحرير السودان – (التمرد) اتفاقية لإنشاء مركز مؤقت لمراقبة الحدود في نادابال Nadapal الحدودية المتنازع عليها (تزعم جنوب السودان أن كينيا استولت “بشكل غير قانوني” على 42 نقطة من خطها الحدودي في نادابال) والتي جرت في محيطها اشتباكات بين مجتمعات التبوسا السودانية وتوركانا الكينية خلال أكتوبر2009وقد خلفت هذه الاشتباكات عشرات القتلى والعديد من الجرحى , وقد أُقيم المركز الحدودي في نادابال لتسهيل حركة الأشخاص والسلع والخدمات عبر الحدود وعقد اجتماع في نيروبي مع ممثلين من الجانبين وقال جول نهومنجيك وهو نائب من جنوب السودان إن هذه الاتفاقية لم تعد سارية لأنها غير مثبتة في أي تشريع تم تمريره منذ استقلال جنوب السودان عن السودان في 11 يوليو2011 وأستدرك قائلاً :”وحتى لو كان هناك اتفاق فلا يمكن منحه دون موافقة البرلمان الذي يمثل الشعب”, وفي هذا الوقت أوضح الرئيس كير أن كينيا عززت قواتها في المنطقة الحدودية المتنازع عليها وأنه ناقش هذا الوضع أيضًا مع الرئيس الكيني كيباكي لإعادة انتشار هذه القوات , كما أنه وجه القوات المنظمة لجنوب السودان في المنطقة الحدودية بعدم الاستجابة بشكل سلبي للوضع , ووفقاً للمتحدث الرسمي بول مايوم أكيش فقد قرر مجلس وزراء الحكومة الإنتقالية لجنوب السودان تشكيل لجنة وزارية رفيعة المستوى برئاسة نائب الرئيس الدكتور رياك مشار تيني لإستخدام قناة دبلوماسية سلمية لحل المشكلة وديًا مع الدولة كينيا .
في تطور للنزاع بشأن مثلث إيليمي Ilemi Triangle أرسل الرئيس سيلفا كير في 9 فبراير 2023 مستشاره الخاص إلى نيروبي لمحاولة تخفيف التوتر بين البلدين , وذلك بعد يوم من إرسال كينيا سكرتير مجلس الوزراء موسى كوريا إلى جوبا لتسليم رسالة من الرئيس ويليام روتو وقال وزير خارجية جنوب السودان مايك أيي دينج إن الحكومة تأمل في استخدام الوسائل الدبلوماسية لحل المأزق , لكن الرئيس سيلفاكير واقع تحت ضغط هائل لعقد الجمعية الوطنية لمناقشة هذه المسألة وإتصالاً بهذا قال بول جوزيف آجاو عضو البرلمان وعضو حزب الحركة الوطنية الديمقراطية التابع لتحالف جنوب السودان المعارض (SSOA) :”نحن بحاجة لإستدعاء البرلمان من قبل رئيس الدولة وقالت دوائر في الحكومة والمعارضة إن جنوب السودان لن يتنازل حتى عن شبر واحد من الأرض , وقال داو دينق داونائب وزير الخارجية : “إن جنوب السودان يُطلق عليه مُسمي دولة بسبب أنه إقليم به سكان محددين ونريد إبلاغ شبابنا بالهدوء والصبر لمعالجة الأمر, فلجنوب السودان عدة مناطق أخرى دخلت إليها دول مجاورة (يقصد أبيي وغيرها من مناطق التماس مع شمال السودان ومنطقة أويو مع أوغندا) وقال إن مفوضية حدود جنوب السودان تعمل مع البلدين لحل المشاكل , وأكد ذلك نائب وزير الخارجية والتعاون الدولي في جنوب السودان دينج داو دينج عندما قال: “إن كينيا وأوغندا تطالبان بجزء من الحدود مع جنوب السودان ” , لكن في يوم 8 فبراير 2023 وإزاء تصعيد للنزاع عقب اشتباكات بين قبيلتي توبوسا وتوركانا على حدودهما المشتركة أثناء البحث عن المراعي , إستدعت خارجية جنوب السودان السفير الكيني لدي جنوب السودان للاحتجاج على تعدي كينياعلى أراضيها وقال المتحدث باسم خارجية جنوب السودان :”يود الوزير نيابة عن حكومة جنوب السودان أن يؤكد لجميع مواطني جنوب السودان أن أعلى مستويات الحكومة على دراية بالحساسيات على الحدود مع كينيا وتعمل بالتعاون مع جيراننا لضمان السلام والازدهار والصيانة على سلامة الحدود”.
استدعى جنوب السودان في 8 فبراير 2023سفير كينيا إلى جوبا صموئيل ناندوا للاحتجاج على التعدي المزعوم على أراضيها , وجاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية والتعاون الدولي بجنوب السودان أن جوبا تريد حلاً دبلوماسياً للنزاع , وأن وزيرخارجية جنوب السودان نيابة عن حكومة جنوب السودان يود أن يؤكد لجميع مواطني جنوب السودان أن أعلى مستويات الحكومة تدرك الحساسيات على الحدود وتعمل بالتعاون مع جيراننا لضمان السلام والازدهار والحفاظ على السلام. سلامة الحدود “.
نفت حكومة كينيا في 10 فبراير2023 مزاعم تجاوزها أراضي جنوب السودان لإحترامها حدود جيرانها وصرح سكرتير مجلس الوزراء للشؤون الخارجية الكيني د. ألفريد موتوا في 10 فبراير لصحيفة The Nation بأن جوبا لم تثر الأمر رسميًا مع نيروبي ومن ثم فإن المعلومات شحيحة حول أي تعد مزعوم وأوضح قوله: “لم يبلغنا جنوب السودان رسميًا بشأن هذه المسألة لذلك لا يمكن التعليق على هذه المسألة بشكل كافٍ” , كما قال وزير الشؤون الخارجية الكيني د . كورير سينجوي : ” إن بلاده لم تتعد على أراضي جنوب السودان وأن ترسيم الحدود جار حاليًا في ظل الاتحاد الأفريقي , وقال مسئول آخر : إن مكتبنا الوطني للحدود الكينية (Kenao) هو المسؤول عن هذه العملية”.
عندما نشرت الحكومة الكينية أطلسًا جديدًا يشتمل على جزء من مثلث إيلمي المتنازع عليه داخل أراضيها ، في عام 1986 ، كانت النتيجة احتجاجًا من الخرطوم في ذلك الوقت فقد كان السودان مُوحدا آنئذ قبل أن ينفصل جنوب السودان رسميًا عن السودان في 9 يوليو 2011 , ويأتي الخلاف الحدودي مع جنوب السودان في وقت تشهد فيه كينيا خلافًا مع الصومال بشأن حدود بحرية في جزء من المحيط الهندي يُعتقد أنه غني بالنفط والغاز .
مـــــســــار النزاع علي مثلث أيليمي :
يقع مثلث إيلمي البالغ مساحته حوالي 14000 كيلومتر مربع (أكبر من جمهورية جامبيا ) في أقصي جنوب السودان ويُعتقد أنه غني بالنفط وإلى الشمال من توركانا وهي مقاطعة كينية اكتشف فيها تولو أويل النفط في عام 2012 ومثلث إيليمي موطن لعرقيات مختلفة تشمل : توركانا وديدنجا وتوبوسا وإنيانجاتوم وداساناش وهذه المجتمعات من إثيوبيا وكينيا وأوغندا وجنوب السودان لكنهم يهاجرون تقليديًا إلى المثلث بحثًا عن المراعي لحيواناتهم , ويتكون المثلث من مناطق Kibish و Lokitaung و Naita و Karebur و Kokuro و Kaikor و Magila و Lorau و Loruth Esekon , ويُعتقد أن اسم Ilemi مأخوذ من زعيم مشهور لـ Anuak وهو مجتمع يقع على حدود جنوب السودان مع إثيوبيا تم تسمية المثلث تكريما للزعيم إيلمي أكوون .
النزاعات الحدودية في شرق إفريقيا هي : النزاع ما بين الصومال وإثيوبيا منذ عام 1960وبين كينيا وجنوب السودان وهو أيضاً مستمر منذ عام 1963وبين وكينيا والصومال (1963-1981) , وبين إثيوبيا والسودان في الفشقة(من 1966 إلى 2002) وتنزانيا وملاوي في بحيرة مالاوي (نياسالاند) ويعود إلي عام 1967 وبين أوغندا وتنزانيا (1974-1979) , أما مثلث إيلمي فهو إقليم متنازع عليه يطالب به السودان وكينيا وإثيوبيا , والمثلث هو موطن لخمس مجموعات عرقية رئيسية منها البدو/ توركانا تتحرك في المنطقة الواقعة بين السودان وكينيا ودائمًا ما كانت عرضة للهجمات من الشعوب المجاورة والمجموعات العرقية الأخرى في هذه المنطقة هي الديدنجا والتوبوسا في السودان .
Nyangatom وهم من الذين يهاجرون بين السودان وإثيوبيا ، و Dassenach الذين يعيشون في شرق المثلث في إثيوبيا , وقد أنخرط سكان المثلث تاريخيا في الغارات على الماشية وكان التنافس علي المراعي الطبيعية موضوعاً للتوتر بين سكان المثلث وأعراقه الخمس , في الماضي تسوية النزاعات وتضارب المصالح بالأسلوب التقليدي القبلي أما اليوم فكل مجموعة يحوز الأسلحة الآلية ولذلك الضحايا كثر حتى في أصغر المناوشات .
ادعى الإمبراطور الإثيوبي مينليك ملكية بحيرة توركانا واقترحها حداً مع البريطانيين يمتد من الطرف الجنوبي للبحيرة شرقا إلى المحيط الهندي , وكان البريطانيون حريصون على إنشاء منطقة عازلة بين المستوطنين البيض والقبائل الأفريقية فيما كان يعرف آنذاك بشرق إفريقيا البريطانية , لكن “القبائل البدوية البرية في الشمال” لديها خطط أخرى فالخط الذي قام بترسيمه الكابتن فيليب مود Philip Maud من المهندسين الملكيين في 1902 – 1903والمعروف بـ “خط مود” وضع المثلث في سيطرة السودان تحت الهيمنة البريطانية , وكانت اتفاقية لاحقة 1907 بين إثيوبيا وشرق إفريقيا البريطانية غامضة في تفاصيلها وتعيين موقع الحدود الفعلية بدقة لكن الحدود بين كينيا وإثيوبيا تم تعيينها عند خط مود Maud الذي يمتد من الشرق إلى الغرب من الطرف الشمالي لبحيرة توركانا , ولاحقاً عام 1914 أرادت لجنة الحدود بين أوغندا والسودان منح السودان منفذاً إلى بحيرة توركانا مما أدي إلى تشكيل شكل المثلث لقطعة الأرض الممنوحة للسودان .
تتهم كل من إثيوبيا وكينيا والسودان من قبل المراقبين من دول العالم باستخدام الجماعات العرقية لخوض الإشتباكات المُسلحة كحروب بالوكالة وكوسيلة للحفاظ على مطالباتهم في الأراضي المتنازع عليها , وفي الحرب العالمية الأولى ، قامت إثيوبيا بتسليح نيانجاتوم و Dassenachوحولت الغارات التقليدية لمعارك ضارية أدت إلي مقتل مئات الاشخاص , وبعد الغزو الإيطالي عام 1936لإثيوبيا أدت غارة على توركانا في يوليو 1939 دعم الإيطالييين نيانجاتوم وداسيناتش مما أسفر عن خسائر فادحة في الأرواح في كلا الجانبين .
في الآونة الأخيرة وفي الثمانينيات يتردد أن صفقة سرية عُقدت بين الرئيس السابق دانيال أراب موي وزعيم التمرد الجنوبي آنئذ جون جارانج يسلم الأخير الزاوية الجنوبية الشرقية (أي مثلث إيليمي)من السودان إلى كينيا مقابل منح التمرد الجنوبي ملاذ ودعم عسكري ولوجستي كان ينطلق من بلدة Lokichogio خلال العشرين عاماً السابقة علي إنفصال وإعلان إستقلال جنوب السودان عن شمال السودان في 11 يوليو 2011 , ومنذ عام 1978يشتبه في قيام الحكومة الكينية بتسليح التوركانا بينما في التسعينيات قامت إثيوبيا بتزويد Dassenach بالأسلحة الآلية . والآن ومع اكتشاف النفط ازداد الاهتمام بهذه المنطقة المهملة لكثافة المصالح بها ومن المرجح أن تزيد من احتمال نشوب صراع مفتوح بين الدول الثلاث بالإضافة إلى ذلك سيأتي كطبقة أخرى من الصراع مُضافاً إليه الخصومات القبلية القديمة والضغط على الموارد الأساسية بالمثلث وحتى اليوم لم يجربحث جاد لدراسة جذور هذا الصراع متعدد الطبقات كما لم تكن هناك محاولات جادة أُجريت لتأسيس إطار يتم بناء عليه تحقيق سلام دائم .
يغذي الصراع في هذه المنطقة الُتنازع عوامل متنوعة منها : ندرة الموارد والتنافس عليها مما نجم عنه العداء القبلي المتبادل وتفاقم القتال العرقي التقليدي بسبب الاختلافات الثقافية والشركات الدولية للبترول و / أو التعدين المحتمل عملها في مثلث إيليمي وانتشار الأسلحة بالإضافة إلي العامل الرئيسي وهوضعف الدولة وإهمالها للمنطقة الدولة , وبإستمرار هذه الحالة من اللامبالاة الرسمية شعرت العرقيات المتنافسة في مثلث إيليمي بأنهم يعيشون في فراغ مؤسسي .
وفقًا للتقارير ففي عام 1986 اعتقدت الحكومة السودانية (الخرطوم) أن متمردي الحركة الشعبية لتحرير السودان آنذاك قد تبادلوا الأراضي في مثلث إيليمي مع كينيا , ولذلك وفي عام 1986عندما نشرت الحكومة الكينية أطلسًا جديدًا يشتمل على جزء من مثلث إيلمي المتنازع عليه داخل أراضيها إحتجت الخرطوم رسمياً علي ذلك , فوفقًا للتقارير التاريخية فقد نشأ النزاع علي هذا المثلث بمناسبة توقيع معاهدة عام 1914التي تم فيها استخدام خط متوازي مستقيم لتقسيم المناطق التي كانت جزءًا من الإمبراطورية البريطانية , لكن يُلاحظ أن رعاة توركانا الرحل من بين آخرين واصلوا التنقل من الحدود وإليها بحرية بحثًا عن الماء والمراعي لحيواناتهم .
من الوجهة المبدأية تنبغي الإشارة إلي أن مثلث إيليمي منطقة تعاني كغيرها من التهميش الاقتصادي الملحوظ للأرض وكذلك عانت بسبب عقود من النزاعات السودانية , وقد جاءت كينيا لاحتلال مثلث إيليمي بشكل افتراضي وكانت السودان آنئذ تحت الحكم الأنجلو- مصري المشترك ولم ترغب سلطة الحكم الأنجلو مصري آنئذ في التصدي للمحتلين، في الحملة الأولي لهم وكان ذلك حوالي عام 1930 علي إعتبار أن وجودهم سيكون غير مجد تمامًا , و في عام 1928منحت الخرطوم كينيا الإذن بإرسال وحدات عسكرية عبر الحدود في “مطاردة ساخنة” من أجل حماية توركانا ثم انتقلت وحدات بنادق الملك الأفريقية (KAR) إلى المثلث وبحلول عام 1947 كان لدى كينيا سبعة مراكز شرطة في الإقليم , واليوم Ilemi تسيطر عليها وتديرها كينيا فقط وهذا ليس مستغربا فالسودان أكبر دولة في إفريقيا كبير جدًا وضخم لدرجة أنه لم يستطع أن يسيطر عليه أي حكومة مركزية في الخرطوم ولا حتى البريطانيين بشكل فعال ففعل الكينيون بحرية ما بدا لهم فيه , وقبل تولي الرئيس الكيني آراب موي السلطة في عام 1978 أظهرت لكينيا خرائط أظهرت الحدود الشمالية للبلاد مع السودان كخط مستقيم مرسوم من طرف بحيرة رودولف (توركانا الآن) غربًا إلى شمال لوكيشوجيو Lokichogio وسمي خط مود على اسم النقيب فيليب مود من المهندسين الملكيين البريطانيين الذي تم الاعتراف بالخط المستقيم في عامي 1907 و 1914 كحدود دولية بين السودان وكينيا وفوق خط مود وأظهرت الخرائط أيضًا مثلث إيلمي في خطوط منقطة مع عبارة “الحدود المؤقتة / الإدارية” , ومع ذلك وبعد عام 1978اختفت النقاط من خرائط كينيا الرسمية وتم استبدالها بخط مستمر مما يشير إلى أن المنطقة الحدودية تنتمي الآن إلى كينيا , لكن بعض الكتاب يزعمون أن خط مود هو الحدود الدولية الوحيدة المعترف بها وهو مالا يتفق الجميع عليه أي لا يتفقون علي أن خط مود هو الحدود الدولية , وقد أرسي الاتحاد الأفريقي أساساً لفض النزاعات الحدودية في عام 2019 وبناء عليه اتفقت كينيا وجنوب السودان على المحادثات وأظهر الطرفان التزامًا بإيجاد حل من خلال إنشاء لجنة حدود مشتركة , لكن الاشتباكات ما زالت تندلع على الحدود المتنازع عليها .
التداعيات المُحتملة للنزاع علي مثلث إيليمي :
1- إمكانية فك عزلة جنوب السودان الجغرافية : جنوب السودان دولة حبيسة Landlocked , وهي تصارع الجغرافيا الظالمة التي صنعها المستعمرين البريطانيين لذلك ومؤخراً نُشر في 14 سبتمبر 2022 أن وزير البترول في جنوب السودان وقع مع وزارة الطاقة الجيبوتية في جوبا مذكرة تفاهم مع جيبوتي بشأن فتح طريق تجاري جديد لجنوب السودان لتمكينها من الوصول إلى السوق العالمية عبر الميناء , هذا وقد أصبح ميناء جيبوتي ثالث ممر تجاري بحري دولي لجنوب السودان بعد بورتسودان ومومباسا لاستيراد وتصدير البضائع إقليميا وعالميا , أكد وزير الطاقة والموارد الطبيعية الجيبوتي يونس علي قويدي أن على جنوب السودان استخدام ميناء جيبوتي للوصول إلى السوق العالمية وأن جمهورية جيبوتي مفتوحة الآن لجميع المستثمرين من جنوب السودان ومنطقة شرق إفريقيا بأكملها وقال الوزير الجيبوتي إن الأرض المخصصة لجنوب السودان في جيبوتي جاهزة وتنتظر حكومة جنوب السودان حتى يتمكنوا من تسليمها إلى القيادة , ويجدر بالإشارة إلي أنه في عام 2021 ، تم الاعتراف بجيبوتي كأفضل ميناء للحاويات في إفريقيا والمرتبة 61 عالميًا من قبل البنك الدولي وأحدث مؤشر عالمي لأداء ميناء الحاويات من IHS Markets , وقد سبق وصرح رئيس سلطة ميناء جيبوتي والمناطق الحرة به بقوله :” إن جيبوتي لا تنظر فقط لأن تصبح ميناء لإثيوبيا بل أيضاً لجنوب السودان والصومال ومنطقة البحيرات العظمي ” .
قد يؤثر النزاع علي مثلث إيليمي علي التعاون بين جنوب السودان و كينيا في التقدم في مشروع Lamu Port Southern Sudan- Ethiopia Transport – Corridor Projectوالذي تشترك فيه جنوب السودان وإثيوبيا وأوغندا وكينيا ومنظمات تجمع الساحل والصحراء و COMESA وIGAD و EAC ومشروع North – South Corridor Road \ Rail Projec .
2- التأثير علي إتزان العلاقات الثنائية بين كينيا وجنوب السودان : فمن المعروف أن كينيا من بين أهم الدول التي دعمت تمرد جنوب السودان حتي علي حساب علاقتها بالسودان قبل إنفصال الجنوب عنهوإعلان إستقلاله في 11 يوليو 2011 وهي التي دعمت التمرد في تسليحة ووفرت له ملاذ ودعمته لوجيستياً وفي نيروبي وُقع السودان وقيادة تمرد الجنوب بروتوكول مشاكوس بكينيا في 20 يوليو 2002 ووُقع إتفاق السلام الشامل أو اتفاقية نيفاشا بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان بقيادة جون جارانج عام 2005 , وبالتالي فكينيا وفرت لجنوب السودان حاضنة آمنة إستطاع التمرد الجنوبي بها تحقيق هدفه الإستراتيجي في الإنفصال عن شمال السودان بدعم واضح ومباشر من الولايات المتحدة خاصة في عهد الرئيس بيل كلينتون , ويمكن لكينيا أن توفر نفس هذه الأمكانية لخصوم الرئيس سيلفا كير إن تمردوا عليه كما حدث في الفترة من 1015 – 2018 .
3- ستؤثر تسوية أو عدم تسوية ملف النزاع علي مثلث إيليمي علي تسوية جنوب السودان لنزاعها علي منطقة أبيي Abyei مع جمهورية السودان (الشمالي) , لكن في كل الأحوال سوف لا تتم أي تسوية لملف النزاع علي مثلث إيليمي في الأمد المتوسط وسيظل التناحر القبلي سمة غالبة علي التوتر في منطقة إيليمي فلم يسو مثلاً ملف النزاع علي أبيي Abyei منذ2011 حتي الآن , بل سيتعقد ملف هذا النزاع أكثر لو دخلت فيه شركة بترول دولية أو دخلت في إثيوبيا , المحصلة هي أنه سيظل عاملاً أو دالة علي توتر العلاقات الثنائية بين كينيا وجنوب السودان الغارق في الخلافات الداخلية والصراع الكامن الآن بين سيلفاكير وخصمه ريك مشار وبينهما شمال السودان , وتنبغي الإشارة أن ىشركات البترول أو التعدين الدولية من بين أهم أسباب تعقيد مثل هذه النزاعات .
4- فيما لو رُفع هذا النزاع للتحكيم الدولي سيكون جنوب السودان في حاجة لوثائق لا يحوزها لتوفرها لدي المملكة المتحدو وجمهورية السودان , ولذلك يمكن أن تلجأ حكومة جنوب السودان إلي إيهما أو كلاهما ومن ثم يمكن أن يصيح هذا اللجوء قناة لتحسين العلاقات نسبياً بين شمال السودان وجنوبه إن نشأ هذا الإحتياج , مع العلم أن هناك أوجه تشابه متنوعة بين النزاع علي أبيي Abyei والنزاع علي مثلث إيليمي Ilemi Triangle .
الـــــســـفـــيـــر بـــــلال الـــمـــصـــري –
الــقـــاهــــرة تحريراً في 6 مارس 2023 حصريا المركز الديمقراطي العربي