الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

قراءة في الاتفاق التاريخي بين المملكة السعودية وإيران

بقلم : التجاني صلاح عبد الله المبارك – المركز الديمقراطي العربي

 

بقدر ما يعتبر قرار استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة السعودية وإيران هو إنجاز تاريخي يحسب للدبلوماسية الصينية، وبقدر ما هو أيضا علامة فارقة من علامات صعود الصين وتنامي القوة الصينية، إلا انه أيضا في ذات الوقت بداية الانهيار للفاعل الأمريكي وأفول دوره وخططه الاستراتيجية في الشرق الأوسط.

جاء البيان الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية “واس” ووكالة أنباء “إرنا” الإيرانية، أنه على أثر محادثات، فقد تم توصل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح سفارتيهما وممثليتاهما خلال مدة أقصاها شهران، لينهي ذلك البيان المفاجئ سبع سنين عجافا من القطيعة والاحتقان والتوتر بين البلدين الجارتين.

ولأن البيان الأخير الصادر عقب القمة الصينية الخليجية كان مزعجا ل-إيران، فقد تضمن وقتها فقرات تعتبر إيران مصدرا من مصادر زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، فقد كان التوصل لاتفاق بين المملكة السعودية وايران وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، هو أشبه بما يكون إعجازا للدبلوماسية الصينية.

وزير الخارجية الإيراني قال: إن سياسة حسن الجوار أمر محوري ونواصل العمل نحو مزيد من الخطوات الإقليمية.. إن عودة العلاقات الإيرانية السعودية توفر إمكانات كبيرة للمنطقة والعالم الإسلامي.

أما وزير الخارجية السعودي فقد قال: إن دول المنطقة يجمعها مصير واحد يجعل من الضرورة أن تتشارك لبناء نموذج للازدهار، وإن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين بلاده وإيران يأتي انطلاقا من رؤية المملكة القائمة على تفضيل الحلول السياسية والحوار.

كبير الدبلوماسيين الصينيين قال: إن محادثات وحوار السعودية وإيران في بكين نصر للسلام، أما الولايات المتحدة فقالت إنها كانت على علم بالاتصالات السعودية الإيرانية، وأن ما يهم واشنطن إنما هو إنهاء الحرب في اليمن ووقف الهجمات على السعودية.

أما رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، نفتالي بينيت فلم يكتم مخاوفه: إن تجديد العلاقات بين السعودية وإيران، هو تطور خطير بالنسبة لإسرائيل وانتصار سياسي بالنسبة لإيران.. وهو ضربة قاضية لجهود بناء تحالف إقليمي ضد إيران.. أنه فشل ذريع لحكومة نتنياهو، نجم عن مزيج بين الإهمال السياسي والضعف العام والصراع الداخلي في البلاد

ترتب على هذا الاتفاق التاريخي أن فقدت الولايات المتحدة وإسرائيل في صفها الخصم التقليدي ل-ايران، ومن ناحية ثانية لا يعزز الاتفاق الاستراتيجي التاريخي بين المملكة السعودية وايران الآمال والطموحات فقط في وقف نزيف الدم العربي في اليمن، لكن من شأنه أيضا أن يبث الرعب في الدولة العبرية وتهديد مباشر للشيطان الأكبر (الولايات المتحدة) مثل ما تصف ايران.

ولأن المملكة السعودية تواجه علاقات مضطربة مع الولايات المتحدة، وتخوض حربا موجعة في اليمن تمثل لها احدى نقاط الضعف، وفي ذات الوقت تواجه إيران حصارا اقتصاديا كبيرا، وعزلة دولية، واضطرابات وفوضى داخلية، وحربا محتملة من الطرف الإسرائيلي والأمريكي، فانه بهذه الاعتبارات في تقديري، ربما يمثل الاتفاق الوشيك بين الدولتين مخرجا سياسيا مناسبا، يمكن معه تبلور اتحاد يتسم بالقوة في مواجهة القطب الأمريكي والإسرائيلي.

بدأت العلاقات السعودية الصينية الرسمية منذ تسعينات القرن الماضي، ورغم التباين الكبير بين البلدين من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقد شهدت العلاقات تطورا كبيرا، لأن الصين دولة صناعية اقتصادية ليس لها مصادر كافية للطاقة وتحتاج لتأمين حاجاتها من مصادر الطاقة المختلفة سواء النفط أو الغاز الطبيعي، بينما المملكة السعودية هي من اهم الدول المنتجة للطاقة في العالم.

ولأن الاستراتيجية الصينية تعتمد على التنمية الشاملة، وتهدف من خلال ذلك إلى خلق أرضية ثابتة من التعاون المشترك من شأنه أن يؤسس لعلاقات قوية تقود لحل النزاعات والصراعات، على أسس من المصالح المتبادلة، ولأن الصين تربطها بالمملكة السعودية علاقات اقتصادية كبيرة، كما هي الشريك الاقتصادي الأكبر ل -ايران فقد انضمت ايران إلى مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، وهي اتفاقية مدتها 25 عاما، لتمهيد الطريق للاستثمارات الصينية في إيران، فقد مكنت هذه الروابط الصين من توجيه دورها القيادي في حلحلة النزاع السعودي الإيراني في المنطقة المحتقنة، والنظر بعين الاعتبار لمصالحها الاقتصادية والسياسية.

إن التطلع الدائم للأمن يجعل الدولة في حالة قلق وتوجس مستديمين، فأعداء الأمس من الممكن أن يكونوا هم أصدقاء ليوم وأصدقاء اليوم من المحتمل أن يكونوا هم أعداء الغد، وفي ظل المتغيرات السياسية والمصالح المتعاقبة والمتلاحقة فإنه لا يمكن التكهن بما يضمره الطرف الأخر مهما كانت متانة العلاقات بين الطرفين، ومهما كان تطور الطرف الأول المعلوماتي والتقني ومهما بلغت درجته الاستخباراتية.

أخيرا وبعد كل ما جرى فإن المتوقع حدوث احدى احتمالين في تقديري: الأول هو أن يمضي الاتفاق إلى نهايته، وهو ما يحسب نجاحا للتدخل الصيني، الذي يرى بوجوب إيجاد تصور جديد للأمن يتمثل في التعاون الأمني الجماعي المتبادل والدائم، لأن الأمن الفردي المطلق قد يسبب لدول أخرى حالة من الخوف وفقدان الأمان، ويتوقع أن تضع الحرب أوزارها في اليمن، وبروز اتحاد وتحالف بين أعداء الأمس وأصدقاء اليوم وهو ما تتطلبه معطيات الواقع السياسي الراهن.

أما الاحتمال الثاني فهو إجهاض الولايات المتحدة وإسرائيل للاتفاق التاريخي بإحدى فرضيتين: الأولى هي تغذية الخلافات والفوضى الخلاقة بإحدى الدولتين بما تكون محصلته سقوط النظام القائم، والفرضية الثانية هي وقوع عمل عسكري ضخم تقف خلفه إسرائيل، داخل احدى الدولتين بما يعيد خلط الأوراق من جديد.

4.3/5 - (3 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى