الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

أبرز جماعات المصالح المؤثرة في السياسة الخارجية الامريكية

اعداد : محمد خالد باجري – باحث ومحلل سياسي.

  • المركز الديمقراطي العربي

 

عند وضع الحقوق والحريات للشعب الأمريكي، قد خشي مؤسسي الدستور الامريكي من السلطة التي يمكن ممارستها بواسطة جماعات المصالح في ظل الحرية التي يتمتع بها الشعب، هذا ما أسموه (معضلة الحرية)، جاءت نظرية الرئيس الأمريكي وأحد مؤسسي الدستور جيمس ماديسون لتعالج تلك المعضلة وتنص نظرية ماديسون لتعددية على أن التنافس الحر بين جماعات المصالح يؤدي الى إيجاد توزان وتحقيق تسوية بينهم. (جينسبرج، 2006، صفحة 617)

يمكن تعريف جماعات المصالح انها مجموعات من الافراد الذين يشتركون في الأهداف ويحاولون جاهدين من اجل اقناع الحكومة بتبني السياسيات التي تساعدهم لتحقيق تلك الأهداف.

تعد جماعات المصالح أهم اللاعبين في تشكيل السياسة الخارجية الامريكية، ويوجد في المجتمع الأمريكي عشرات الـ ألاف من جماعات المصالح، منها جماعات المصالح ذات التوجه الديني المعنيين في تأثير على السياسة الخارجية حسب معتقداتهم الدينية، ومن أبزرها واكثرها تأثيرا في الولايات المتحدة جماعات المصالح ذو التوجه المسيحي اليميني، مثل منظمة الائتلاف المسيحي المدافعة على صوت حقوق الانسان المسيحي الذي يعاني من الاضطهاد في مناطق أخرى خاصة في الصين، وهناك تنامي ملحوظ لتأثير اتجاه اليمين المسيحي في الولايات المتحدة وبخاصة في أوساط الحزب الجمهوري!.

وتم اثبات انها لها مقدرة كبيرة في تحديد اجندة النقاش وفرض وجهات نظرها حول عدد من الموضوعات المهمة، مثل قضية الإجهاض، وقيم الاسرة والشذوذ الجنسي والصلاة في المدارس والدعم الأمريكي لإسرائيل.

     برز اليمين المسيحي في فترة الستينات والسبعينات التي شعر فيها الإنجيليين بأن المجتمع الأمريكي والثقافة الأمريكية يقفان ضدهم في ظل التغيرات الجذرية الاجتماعية والسياسية التي حدثت آنذاك، ولاسيما بعد صدور قراري المحكمة العليا بمنع الصلاة في المدارس عام 1962، والسماح للإجهاض في عام 1973. (الغامدي، 2000، صفحة 11)

البعض يزعمون بانتهاء اليمين المسيحي، الا انه سرعان ما أذهلهم الانبعاث الجديد لذلك الاتجاه مرة أخرى مع بروز منظمة الائتلاف المسيحي التي برزت بوصفها قوة دينية وسياسية واجتماعية في أواسط الحزب الجمهوري.

منظمة الائتلاف المسيحي تستمد وظيفتها الأساسية من ايمان مؤسسها بات روبرتسون بأن القوى الالحادية والعلمانية التي تشمل وسائل الاعلام والتعليم ونخبة هوليود والمحاكم والجماعات الليبراليين حولت البلاد من أمة مسيحة الى امة معادية للمسيحية.

ووضعت المنظمة استراتيجيات جديدة ومبتكرة للتأثير على العملية السياسية عبر دفع أكبر عدد ممكن من المعتنقين لمبادئها الى الانخراط في العمل السياسي على مختلف المستويات بدايةً بالقاعدة الشعبية، ولذلك أصبح الخروج من مقاعد الكنيسة الى الحلبة العامة مفهوما محوريا لمنظمة الائتلاف المسيحي منذ انشائها في اعقاب انتخابات الرئاسة لعام 1989، لتمثل منظمة الأكثر نشاطا وحيوية باليمين المسيحي.

واخذ الائتلاف بقيادة روبرتسون وذلك بعد فشله خوض انتخابات الرئاسة عام 1988، ونقل التركيز الى القاعدة المحلية.

يتخذ الائتلاف المسيحي موقفا مؤيدا لانتهاج سياسة دفاعية قوية، وللائتلاف المسيحي اهتمام خاص بدعم إسرائيل وتعزيز موقعها واستقلالها، وعلى الرغم من الشعور المعادي للسامية الذي كان يسود أوساط الإنجيليين في الماضي فان اليمين المسيحي بشكل عام، والائتلاف المسيحي بشكل خاص بدأ يدعم إسرائيل منذ حرب الأيام الستة 1967، نظرا لأهميتها الدينية الخاصة كونها البلاد التي تنشأ فيها المسيح، والمكان الذي تتنبأ به الاناجيل المسيحية بعودته لها، ان تلك العودة لن تحدث الا بعد قيام دولة إسرائيل وبناء الهيكل.

ونظرا الى ان الانجيليين حرفيون فانهم يؤمنون حرفيا بروايات التوراة والانجيل، بخاصة فيما يتعلق بمعركة هرمجيدون بكل تفصيلاتها الزمانية والمكانية، وفي تلك المعركة بين إسرائيل، واعداء العرب والروس والصين والتي ستستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة، ومنها النووية وينتج عنها فناء البشرية ماعدا المؤمنين المسيحيين الذين ينقذهم المسيح بعودته الثانية ليحكم الأرض الف سنة قادمة وقد نجح قادة هذا الاتجاه في اقناع شخصيات أمريكية بارزة بتلك النبوءات وعلى رأسهم الرئيس الأسبق جيمي كارتر، والرئيس ريغان الذي صرح بحتمية هذي المعركة. (هالسل، صفحة 25)

وهنا نفسر التأييد الاعمى لإسرائيل من أنصار هذا الاتجاه وبخاصة فيها يتعلق بتأكيد ضرورة إبقاء القدس عاصمة لإسرائيل.

     ابتكر الائتلاف استراتيجية أن 15% من الناخبين الناشطين يمكن ان تقرر مصير عدد من الانتخابات وفي كتاب صدر عام 1990 بعنوان الالفية الجديدة يقول بات روبرتسون انه من شعور اللامبالاة الذي يبديه المواطن الأمريكي تجاه السياسة العامة فانه بإمكان اقلية صغيرة منظمة جيدا ان تؤثر على اختيار المرشحين للمناصب الهامة بدرجة هائلة. (الغامدي، 2000)

أيضا تعد جماعات المصالح الاقتصادية أو الربحية أكثر الجماعات التي اشتهرت بقوة نفوذها خصوصا لو كانت قضيتها الخاصة مطروحة للنقاش العام فهي تكون اكثر نشاطا، وقيادات جماعات المصالح الاقتصادية الضخمة يقضون وقتا للحفاظ على التوافق بين أعضائها اكثر مما يقضونه في أنشطة اللوبي في الكونجرس او الضغط على اللاعبين السياسيين في السلطة التنفيذية،  والجماعات الاقتصادية ذات القضية الواحدة الأكثر نجاحا في التأثير على السياسة الخارجية، فهي المجموعات الاضيق نطاقا ذات القضية المحددة مثل الخاصة بصناعة التبغ التي تمكنت على مدار السنين من الحيلولة دون قيام السياسة الخارجية الامريكية بوضع قيود ثقيلة على تجارة منتجات التبغ او الدعاية لها، من أبرزها شركة فيليب موريس انترناشيونال انك وهي شركة قابضة تقوم من خلال الشركات التابعة والمرخص لها بإنتاج وبيع وتوزيع وتسويق مجموعة واسعة من السجائر (اقتصاد الشرق، بلا تاريخ) ومنتجات التبغ ذات العلامات التجارية لجميع أنحاء العالم.

هنالك أيضا شركات السلاح الامريكية وهي احدى أهم جماعات المصالح المؤثرة  بالسياسة الخارجية لأمريكا، ويعدهم البعض صانعي القرار الحقيقين، فهم القوى الخفية التي تدير وتنتج برامج ومخططات الحرب للحزب الحاكم في أمريكا خصوصا ما بعد الحرب الباردة اذ وهو ما جعل شبكة مصالح تجار السلاح تتطور وتمارس كل ما تملكه من وسائل الضغط والتأثير، ومن ابرز جماعات الضغط المرتبطة بالسلاح  الاتحاد القومي الأمريكي للأسلحة يضم حوالي مليون عضو موزعين على 12 الف نادي متنشر في جميع الولايات،  وتمثل جماعات السلاح عشرات أعضاء الكونجرس في كل جولة انتخابية يدافعون عن مصالح الاتحاد، وينشط الاتحاد بقوة في حملات التبرعات لمرشحي الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وذلك ضمن آليات حماية مصالح تُجار السلاح في الولايات المتحدة، ولا تقتصر أنشطة وحملات دعم الاتحاد على حزب بعينه، إذ يوجه دعمه للمرشحين من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بهدف ضمان منع إصدار أي مشروعات قوانين تحد أو تمنع تصنيع أو بيع أو حمل كل أنواع الأسلحة (سعيد، 2022).

وهناك أيضاً لوبي الصناعات العسكرية، الذي تتصدره شركات مثل لوكهيد مارتن وبوينغ، وتعمل على تشجيع مبيعات الأسلحة والمعدات العسكرية خارجياً بشكل أساسي، وتعتبر شركة لوكهيد مارتن واحدة من أكبر شركات صناعة الأسلحة، وقد تصدرت شركات الاسلحة في العالم على أساس الإيرادات لعام 2014. (محمود، 2018).

أيضا يوجد جماعات المصالح للذين لديهم رابطة مع دولتهم الام ومشاعر والانتماء الى دولتهم الاصلية مثل اليهود الأمريكيين الذي تجمعهم روابط عاطفية بإسرائيل، وهذي الجماعة تركز على السياسات تجاه إسرائيل كمنظمة أيباك تعد من أقوى جماعات المصالح في الولايات المتحدة، وأكثرها تأثيرا على الكونغرس الأميركي، تهدف إلى ضمان دعم أميركي متواصل لإسرائيل.

تقوم منظمة أيباك على الولاء لإسرائيل وتأييدها ودعم طابعها اليهودي، وتركز على تقوية العلاقات الأميركية الإسرائيلية، وتعميق التحالف بينهما في عدة مجالات استراتيجية، ومنع أي تحالف أو تقارب أميركي مع البلدان العربية في حالة وجود ضرر منه على إسرائيل.

وتعمل على ممارسة ضغوط على الإدارة والمؤسسات الأميركية لتوفير الدعم المالي لإسرائيل، إضافة إلى تأثيرها على الكونغرس، وعموم المنافسات الانتخابية الأميركية فيما يخص علاقات واشنطن وتل أبيب، وتكثف ضغوطها على الدول والمجموعات المعادية لإسرائيل، وتقوم بإعداد قيادات أميركية جديدة في كافة المجالات لدعم إسرائيل.

وتعتمد أيباك على استراتيجية المساومة وتبادل المصالح، عبر تقديمها كافة أشكال الدعم للمشرعين من أجل الفوز في الانتخابات التشريعية، مقابل الحصول على دعم وتأييد للقضايا التي تهمها، وتقوم بالمبدأ نفسه بمساعدة الرؤساء الأميركيين على تمرير برامجهم في الكونغرس، باستخدام نفوذها على المشرعين الذين ساعدتهم على الفوز في الانتخابات التشريعية، مقابل ضمان دعم البيت الأبيض للقضايا التي تهمها، وعلى رأسها المصالح الإسرائيلية.

وتنظم مؤتمرات لأعضائها والمؤيدين لها لتقديم تقرير شامل حول أعمالها وأنشطتها ورؤيتها المستقبلية، وتقوم بتقديم برنامجها السنوي العام إلى الهيئات الرسمية الأميركية، خاصة الإدارة الأميركية والكونغرس وهيئات الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وقد شرعت أيضا في دخول الجامعات الأميركية للتأثير على الهيئات الطلابية بعد شعورها بازدياد نفوذ هيئات وحركات تدعم القضايا العربية، وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني (الجزيرة، 2015).

المراجع :

اقتصاد الشرق. (بلا تاريخ). فيليب موريس انترناشيونال انك. تم الاسترداد من https://www.asharqbusiness.com/stocks/security/PM:UN/%D9%81%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A8-%D9%85%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%B1%D9%86%D8%A7%D8%B4%D9%8A%D9%88%D9%86%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%86%D9%83/

الجزيرة. (9, 2015). أيباك. تم الاسترداد من الجزيرة: https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2015/9/30/%D8%A3%D9%8A%D8%A8%D8%A7%D9%83

ايمان محمود. (يوليو, 2018). معلومات عن شركة لوكهيد مارتن لصناعة الاسلحة. تم الاسترداد من المرسال: https://www.almrsal.com/post/659153

ثيودور لووي و بينيامين جينسبرج. (2006). الحكومة الأمريكية. القاهرة: مكتبة الشروق الدولية.

سلسبيل سعيد. (11, 2022). جماعات الضغط ودورها في رسم السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. تم الاسترداد من مركز الفكر الاستراتيجي للسياسات: https://fikercenter.com/2022/11/04/%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B6%D8%BA%D8%B7-%D9%88%D8%AF%D9%88%D8%B1%D9%87%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D8%B3%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/

عبدالله الغامدي. (2000). اليمين المسيحي وتأثيره على السياسة الأمريكية. مجلة العلوم الاجتماعية.

غريس هالسل. (بلا تاريخ). يد الله. القاهرة: دار الشروق.

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى