الأمم المتحدة والأمين العام بين المسوؤليه الدولية ومجلس الامن
الدكتور ميلاد مفتاح الحراثي
Dr ilad ELHARATHI
الأمم المتحدة والأمين العام بين المسوؤليه الدولية ومجلس الامن
UN and the Secretary General between Responsibility and Security Council
بنهاية الحرب العالمية الثانية شكل المنتصرون فيها ميثاقاً عُرف بميثاق الامم المتحده وبمجالسه وهئياته الدوليه ، واستمر المنتصرون فى الحرب العالميه الثانيه فى قيادة التوازن الدولى وفقاً لمصالحهم وليس وفقاً لمصالح الامم الموقعه على الميثاق. ومنذ ذلك التاريخ لم تقدم الامم المتحده القرارات التى تُعبر عن المنتظم الاممى بأنها هيئه امميه مستقله تعبر عن طموحات اعضائها. والسؤال هل هناك دلالات لهذه المنظمه من الاستمرار فى القيام بمهامها بعد وقوع أكثر من 100 حرباً والى ألان من قيامها؟
لقد استمر المنتصرون فى الحرب العالميه الثانيه فى الامساك بعصا التوازن الدولي لصالحهم، وغض الطرف على نصوص الميثاق، وغض النظر عن الانتقادات الموجهة إليه، وعن التناقض الواقع بين ديباجته ونصوصه المختلفه.
وبعد مرور أكثر من 70 عاماً تقريبا، لم يهتم المنتصرون في تلك الحرب، بإعادة النظر في ميثاق الامم المتحده لسبب واحد ان نصوصه لا تزال تتفق ومصالحهم بغض النظر عن مصالح الشعوب. ولم تتوقف لغة المنتصرين فى الحرب العالميه الثانيه عن رفضها لدعوات إصلاح الأمم المتحدة، ولمدة سبعة عقود من الزمن. ومن هنا تحولت المسوؤليه الدولية الجماعية، كما حددتها بنود الميثاق من الجمعية ألعامه، إلى مجلس الأمن الذي يُسير من خلاله مصالح الأقوياء على حساب الضعفاء، وفرض نظام الأمر الدولى الواقع.
والمنتصرون لم يولوا عنايتهم إلى دعوات إصلاح الأمم المتحدة، خصوصاً حقوق النقض فى مجلس الامن الدولى الذى يُدير مسارات السياسة الدولية، ويُفسر المصالح والأمن والسلم الدوليين، وفقاً لمصالح منظومة المنتصرين فى اعقاب الحرب العالميه الثانيه. ولم يعترف هولاء بعجز المنتظم الدولي لدرء الحروب والاغتيالات، وتفشى الفقر، والغزو، وتقسيم الدول الوطنية، وإعادة تشكيل الخرائط السياسية، ومحاصرة الشعوب والأمم، من خلال أسلحة التدمير الشامل للتقشف والحظر الاقتصادي، وردع العدوان أينما كان .
لقد دأب المنتصرون فى الحرب العالميه الثانيه، ووفقاً لمصالحهم، على استغلال ظروف النظام الدولي، واستغلال نظرية توازن القوى، وتفسيرها وفقاً لمصالحهم الوطنية، وليس وفقاً لمصلحة الامن والسلم الدوليين ، وكان غرضهم دائماً هو الحفاظ على مركزهم المحوري في السياسة الدولية، والتوازن الدولي وذلك برفض مشاركة بقية الامم فى التوازن الدولى الذى شرعه الميثاق والعمل على تهميش دور الجمعيه العامه فيه بدون اسناد قانونى او تشريع اممى يجيز ذلك.
فبعد نهاية الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفيتي وإعادة تشكيل السياسة الدولية، ومغادرة نظام القطبين المتنافسين في السياسة الدولية، إلي الأحادية القطبية، وتحول مسؤولية إدارة النظام الدولى الى القطب الاحادى مشخصاً فى الولايات المتحده الامريكيه، تحولت الامم المتحده الى مؤسسه امميه اسميه من خلال السيطرة القطبيه الاحاديه الامريكيه على مخرجات مجلس الامن. واصبحت المسؤليه الدوليه لهذه المنظمه فى مفترق الطرق. فما هى معالم المسؤليه الدوليه المفقوده للامم المتحده ؟ وهل سيطرة المنتصرين فى الحرب العالميه الثانيه على تفسير الميثاق وتطويعه علناً لمصالح دولهم الوطنيه، و بدون تفويض اممي لهم منطق يعكس المقاصد التى اقيم من اجلها الميثاق ؟؟
ميثاق الامم المتحده وكذلك سابقاً ميثاق عصبة الامم المتحده لم يعطيا لاية دوله عضوة فى المنتظم الاممى امتيازات واسعه فى تسيير المنظمه لأن ذلك يناقض مقاصد ميثاق الامم المتحده فى العدل والمساواه، وحتى فى ظل نظام مجلس الامن لا يُمنح مثل هذا الحق، فحق النقض فقط لكل عضو فيه. فالامم المتحدة، عبر جمعيتها العامه، تملك ووفقاً لميثاقها صلاحيات اوسع لمسؤليتها الدوليه نحو الامن والسلم الدوليين وهى الجهه المخوله قانوناً بتحديد ما يخالف ذلك وليس مجلس الامن.
إلا أن تدخل الاقوى فى مجلس الامن فى عمل الامين العام والحد من تصرفاته الدوليه ومخالفتها، يجعل المنظمه الدولية تفقد مسؤوليتها الدولية، وتكون تصرفاته رهينة للاقوى فى المنظمه الامميه. فتصرفات الامين العام للامم المتحده منذ عقود خلت لا تعكس إلا دور الاقوى فى مجلس الامن. ومن خلال فحصنا لادوار عشوائيه للامناء العامون للامم المتحده، وخلال العديد من الحروب، والأزمات الدولي، والإقليمية، لم نجد ما يُعزز القيام بأدوارهم، كما يعززها ميثاق الامم المتحدة ، فى كيفية تعاملهم مع قضايا العالم المضطرب، والتي معظمها لم تعاصر ولادة الميثاق.
ومن هنا تتضح بجلاء أسباب دعوة العقل القانوني الدولي إلى إصلاح منظمة الأمم المتحدة، والتي تبدأ بأمينها العام ومدى التزامه بعكس مقاصد ميثاقها ومبادئه ومقاصده. وفى ظل الاداء المنخفض للامين العام لمسؤلياته الدوليه تجاه مقاصد الميثاق مقابل معدلات اعلى للاداء المصلحى الاستراتيجى للمنتصرين في الحرب العالمية الثانية، والدائمين في مجلس الامن تضيق معهُ دائماً مساحة المسؤليه الدوليه. ومن هنا فأن اخطر مظاهر الانهيار الذى تتعرض له المنظومه الدوليه فى سياق القطب الاحادى او القطبيه المتعدده او الثنائيه هو تعزيز مبادىء الشرعيه الدوليه المزورة وانحسار المسوؤليه الدولية، كما أراد لها الميثاق ان تسود المعموره. اسرائيل وسلوكها الاقليمى والدولى مثال مغرى . لقد تمتع هذا الكيان وطيلة 60 عاماً بقاعدة استثنائية فى البدء ثم تحولت الى قاعدة مشروعه فى سلوك الامم المتحدة خصوصاً فى حاضرة مجلس الامن، فهو دائماً غير ملزم بقرارات الشرعية الدولية، ولا تلحقهُ الإدانة، نظراً لتوفر غطاء القوة من المنتصرين الذين صاغوا الميثاق، وتمتعه بحق النقض.
ميثاق الامم المتحده هو ميثاق المنتصرين وهذه حقيقه ماثله من خلال سلوك المنظمة الأممية عبر المراحل المختلفة، ومن خلال كيفية معالجة العديد من الازمات والحروب التى مر بها المجتمع الدولى . فاستمرار سيطرة الاقوياء المنتصرين فى اعقاب الحرب العالميه الثانيه على اداء هذه المنظمه يقوض مسؤلياتها الدوليه التى اقيمت من اجلها تجاه قضايا الشعوب والامم ، وبؤر التوتر والأزمات، وتحولت مسؤوليتها إلى القطب الذى يسيطر. وهذا فى حد ذاته تجاوز للمبادىء والصلاحيات التى يحويها الميثاق.
وفى محاولة لتسكين وعى الامم والشعوب بادر احد المنتصرين فى اعقاب الحرب العالميه الثانيه والممسك بزمام توازن القوى المعاصر الى اقتراح بتوسيع عضوية مجلس الامن للتخفيف من حدة نقد دول العالم الثالث لأدائه، ومن الدول التي يتوقع الدفع بها المانيا او الهند او الباكستان او البرازيل قبل ان ينهض المارد الايرانى ليطلب هو الاخر مقعداً دائماً فى مجلس الامن .
وفى مقابل ذلك خرجت دعوات مقابله لمبادرة الُمُمسك بزمام توازن القوى تطالب بضرورة تبنى التمثيل القارى ، بمعنى مقعد لافريقيا ومقعد لاسيا واوروبا ومقعد لامريكا الجنوبيه، والدعوة الاخيره فى حكم المنتهى نظراً لعدم تلبيتها لرغبة المنتصر مرة اخرى. لانه كيف تقبل بريطانيا او فرنسا بالتنازل عن دورها النووى والدولى وان تتنازل أحداها للأخرى ؟ والصين وروسيا دول أسيويه فكيف تتنازل أحداها للأخرى؟ والهند والباكستان دول اسياويه فكيف تتنازل أحداها للأخرى؟
بتقدير هذه المطالعه ان المعضله تكمن فى كيفية ايجاد منظمه امميه قادره ان تعيد صياغة ميثاقها وفقاً لبناء ألدوله الوطنية المستقلة، ومن ثم تولى مسؤوليتها الدولية، وكيف تتحول الجمعية العامه الى الممسك بزمام توازن القوى الدولى والتمسك بحقها باختيار امينها العام وتبعيته لها، وترك كل ما تقرره الجمعيه العامه تنفيذاً لسلطات مجلس الأمن، وهذا في حد ذاته لا يتعارض مع مبادىء ومقاصد ميثاق الامم المتحده الحالى .
لأن ضياع المسؤليه الدوليه من حافظة الامين العام للامم المتحده يشكل فى حد ذاته قضيه تدعو إلى إصلاح هذا المنتظم، لأنها مرتبطة بمستقبل السلم والامن الدوليين وقضايا التنميه والاستقرار وتحقيق العدل والمساواه بين الامم والشعوب. ومن هنا نقول إن فكرة الانتصار التى انتجت ميثاق الامم المتحده عقب الحرب العالميه الثانيه لا يمكن ان تكون حقاً سرمدياً فى ادارة مصالح بقية الشعوب التي التحقت بالمنظمة، وإدارة شؤون العالم عبر الممسك بزمام توازن القوى وباسم غطاءات الشرعيه الدوليه المزوره. فالعالم باسره اسهم فى فكرة انتصار الحلفاء على المحور وعلى بقايا الاستعمار القديم والجديد والعنصرية، والإرهاب والتخلف وتعزيز حقوق الانسان والديموقراطيه. واذا كانت فكرة ميثاق الامم المتحده ترجع الى هولاء المنتصرين وبها تمارس الهيمنه على الشعوب والدول الوطنية كحق من الحقوق التاريخية، فاءن هناك مغالطه تاريخيه ينبغى دحضها. نحن نفهم أن الذي يحرك منظومة المصالح الكبرى فى العالم هي نظرية القوة، وبآلية توازن القوى المزعوم والظالم ، ولكن يذكرنا التاريخ ان شعوب المعموره إن كانت مستقله او غير ذلك ساهمت فى تحقيق النصر للحلفاء، وذلك بدعم بشرى او لوجستيكى، أو فتح أراضيها لهم لإدارة معاركهم عليها، الشمال الإفريقي ليس ببعيد عنا زمنياً، لم تكن له علاقه بصراع الحلفاء والمحور، ولكنهُ قدم اراضيه وابنائه لدعم ما يُعرف بالمنتصرين فى الحرب العالميه الثانيه.
وبهذا التعليل المغتضب لازمة اصلاح الامم المتحده ، فليس للمنتصرين مشروعية او احقية السيطرة على المشروع ألأممي الضامن للحقوق، والاستقرار، وتحقيق العدل والمساواة بين الامم والشعوب. إن امكانية اعادة النظر فى آليات عمل الامم المتحده نحو تحقيق المسؤليه الدوليه امر يتعلق بمستقبل الاستقرار والسلم الدوليين، وبالتالي فاءن تحجيم مدى سيطرة المنتصرين فى الحرب العالميه الثانيه لا يتم إلا بالمزيد من ممارسة المنظمه الدوليه لمسؤلياتها الدوليه والاخلاقيه.