الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

سياسات أمريكية تُخطئ وتُصيب : هل تخطئ أمريكا في سياساتها الخارجية المتعلقة بموضوع قضية الفلسطينيين؟

بقلم : سائد حامد أبو عيطة – مختص في الشؤون السياسية الشرق أوسطية والعالمية وباحث في الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي

  • المركز الديمقراطي العربي

 

 هل تخطئ الولايات المتحدة الأمريكية في سياساتها الخارجية المتعلقة بموضوع قضية الفلسطينيين؟

الخطأ وارد حتى في سياسات الدول وهو أمر طبيعي.

ليس كل شيء على الساحة السياسية قابل للتطبيق بالمطلق، مصلحة الأمريكيين في الشرق الأوسط ضرورة قصوى ولا يمكن فصل الولايات المتحدة الأمريكية عن الشرق الأوسط بأي شكل من الأشكال مع حليفين استراتيجيين هما الرياض وتل أبيب رغم التناقض في السياسات الخارجية للطرفين مع سياسات الولايات المتحدة الامريكية والعكس، ولا يمكن قطع علاقة اسرائيل والسعودية مع الصين الاقتصادية كقوة عالمية لأجل مصالح الأمريكيين، أما في موضوع العلاقات الدولية فهي تشمل العدو والصديق في أي مكان من العالم وفقاً لما تقتضي المصالح.

لقد بذلت الادارة الأمريكية والرئيس “بايدن” جهداً كبيراً خلال العام الجاري 2023 لإحداث اختراق في ملف التطبيع بين الرياض وتل أبيب المبني على رؤية “ترامب” السابقة “السلام الاقتصادي مقابل الأمن” – “توسيع اتفاقيات السلام” ولكن العقبات كبيرةً جداً أمام الوصول الى مرحلة من التطبيع العلني وصفقة سياسية قائمة على أساس مصالح الأطراف الثلاث “تل أبيب، الرياض، واشنطن”، فالرياض لها مطالب والامريكيين وتل أبيب لديهما شروط وقضية الفلسطينيين الورقة التي يلعب بها الاطراف، أما عن الهدف الرئيسي هو اتفاق سلام شامل مع دولة عربية واسلامية شرق أوسطية مؤثرة وذات علاقات سياسية واقتصادية حساسة هي المملكة العربية السعودية، وهدف آخر يتمثل بتقديم تسهيلات مشروطة للسلطة الفلسطينية تضمن الأمن والاستقرار، ولكن كل ما سبق يُصبح مشروطاً بقبول الأطراف جميعاً لتحقيق سلاماً شاملاً.

اختارت واشنطن التوجه للرياض لعرض مسألة التطبيع بين الرياض وتل أبيب متجاوزةً قضية الفلسطينيين وكان هذا خطأً كبيراً، بحيث تراهن على تقديم اسرائيل تسهيلات اقتصادية للفلسطينيين والسلطة الفلسطينية كوسيلة لإسقاط شرط الرياض المتعلق بمسألة القبول بالتطبيع وهو اقامة الدولة الفلسطينية وفقاً للشرعية الدولية وأمام الكثير من المعيقات لتطبيق تلك الشرعية الدولية أعطت الرياض سقف محدد لصناعة التوازن وهو وقف الاستيطان والضم نهائياً  وحل مشكلة في القدس الشرقية لتكون عاصمة للسلطة الفلسطينية وحل عدد من القضايا الاشكالية الأُخرى الاقتصادية والأمنية وهي الأقرب لمبادرة السلام العربية في العام 2002 التي أصبحت صعبة التطبيق، لم يرق للأمريكيين وتل أبيب شرط السعودية المتعلق بالفلسطينيين وفضل كلاهما تقديم رزمة من التسهيلات الاقتصادية للفلسطينيين مقابل الأمن والسلام والتطبيع بدلاً من اتفاق سياسي شامل يُنهي الصراع والاحتلال، وكالعادة تواجه التسهيلات الاقتصادية المقدمة من اسرائيل للفلسطينيين وسلطتهم أيضاً اشكالية داخل حكومة اليمين بين الرفض والقبول ومشكلة فلسطينية رافضة للتسهيلات مقابل تنازلات سياسية مطلقة، وكل ذلك كان يدور في مباحثات الرياض – واشنطن دون استشارة الفلسطينيين بشكل رسمي أو عرض المسألة عليهم، ذلك يرجع لموقف السلطة الفلسطينية ورئيسها ابو مازن المتمسك بالحل السياسي وفقاً للشرعية الدولية حتى لو كان غير قابل للتطبيق بشكل كلي على الأرض.

وسط كل هذه الاشكاليات التي تحولت الى عقبات أمام صفقة سلام شاملة مع السعودية أخطأت الادارة الأمريكية في مسألة تجاوز الفلسطيني وقضيته لأهميتها في تحقيق السلام الشامل والعادل فهي المسبب الرئيسي للاضطراب الامني في الاراضي الفلسطينية والعائق أمام المشاريع، بعيداً عن سلام العرب مع اسرائيل المتمثل “بالتطبيع” كما يفهمه العرب و “بتوسيع اتفاقيات السلام” كما يفهمه الاسرائيليين من خلال توسيع العلاقات، وهنا تكمن رؤية السلام الشامل والعادل في منطقة الشرق اوسط والمنطقة العربية بضرورة تنفيذ مشاريع اقتصادية ضخمة تضمن استقرار دول المنطقة العربية ومصالحها مع دول اقليمية وعالمية وتضمن الأمن في منطقة الشرق الأوسط مقابل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

كما واخطأت الادارة الأمريكية مرة أُخرى في تقدير موقف السعودية ومطالبها التي تسعى لها بعيداً عن قضية الفلسطينيين، فالسعودية تبحث عن مصالحها الإقليمية والعالمية وشروطها مقابل صفقة التطبيع أكثر تعقيداً من شروط القضية الفلسطينية ومصلحة السلطة الفلسطينية التي تسعى لتثبيت نفسها ككيان سياسي فلسطيني، بحيث حددت الرياض سقف مطالبها بامتلاك برنامج نووي مدني واتفاقية دفاع مشترك مقابل مشاريع اقتصادية وتطبيع وهي شروط اثارت الكونغرس الرافض لامتلاكها برنامج نووي سلمي وتوقيع اتفاق دفاعي مشترك يحتم على الولايات المتحدة الأمريكية الدفاع عن السعودية في أي ظرف طارئ مؤدي الى صدام في أي مكان من المنطقة العربية والشرق أوسط، وهذا كان مقابل رفض المؤسسة الأمنية في تل أبيب ايضاً خشية من امتلاك الرياض قوة نووية عسكرية في حال امتلكت قوة نووية مدنية في منطقة الشرق الأوسط وبالتالي تصبح هناك ثلاث قوى نووية جديدة وقديمة في الشرق الأوسط تمتلك برنامج نووي متمثلة بطهران والرياض وتل أبيب المصابة بهواجس الأمن، كل ذلك معيق لعقد صفقة التطبيع واتفاقية شاملة للسلام، فلا يوجد طرف يريد التنازل لاعتبارات سياسية وامنية واقتصادية، وهي تحكم الاطراف حتى مع وجود عداء سابق بينها، كما حدث بين طهران والرياض وبين امريكا وطهران في مباحثات النووي – إذاً تُخطئ السياسات الامريكية الخارجية في الشرق الأوسط لعدم قدرتها على صناعة توازن بين القوى مبني على المصالح للأطراف.

وفي تصريح خارج الصندوق لوزير الشؤون الاستراتيجية في حكومة نتنياهو “رون ديرمر” اعرب عن رؤيته في قبول التطبيع مع امتلاك برنامج نووي مدني سعودي وبرر قبوله بإمكانية الرياض من الحصول على برنامجها النووي بمساعدة الصين أو فرنسا وأن هذا سيكون تجاوزاً للأمريكيين ورؤيتهم في مسألة التطبيع والسلام في الشرق الأوسط وعليه فلا مشكلة لدى الاسرائيليين بالقبول بهذا التطبيع حتى مع مخاوف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، فيما يتعلق بالفلسطينيين أوضح الوزير “ديرمر” أن لا مشكلة لديه من عقد اتفاق سلام مع الفلسطينيين لأجل التطبيع وأن اهمية الاتفاق بين السعودية والامريكيين تأتي في إطار تحسين العلاقات الامريكية – السعودية

رغم تصريحات وزير الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلي ليس هناك أي شيء واضح تطرحه حكومة نتنياهو المتأزمة بشأن السلام مع الفلسطينيين وعلى أي أساس سوف يقوم هذا السلام في ظل المتغيرات على أرض الواقع على ساحة الفلسطينيين والصراع وعلى الساحة الداخلية في اسرائيل التي تشهد اضطرابات حول ما سمي بالإصلاحات القانونية، ولا زال هذا التصريح لوزير الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلي يطرح عدد كبير من علامات الاستفهام بين استغلال الموقف لصالح اسرائيل وقطع الطريق على الأمريكيين أو انه جاء ليدعم رؤية الأمريكيين محذراً من الرفض الأمريكي الداخلي لامتلاك السعودية أي برامج نووية  وهو بذلك ربما يروج لدعم ادارة الرئيس الأمريكي “بايدن” المقبل على انتخابات ربما تُطيح به لصالح خصومه السياسيين وعلى رأسهم “ترامب” الذي يروج لنفسه منذ اليوم الاول لسقوطه رغم كل الاتهامات الموجهة إليه ويراهن على عودته للسلطة، في هذه المسألة وفي حال عودة “ترامب” ستصبح الاشكاليات أكثر تعقيداً كما كانت في السابق وربما تعود العلاقات بين السعودية والامريكيين الى مربع التوتر وبين إيران والامريكيين أيضاً في موضوع الملف النووي الايراني الذي عطله “ترامب” سابقاً.

أخطأت الإدارة الأمريكية سياساتها الخارجية حين قفزت عن مسألة دعم السلام مع الفلسطينيين وهو ضرورة أكثر من أن يكون شرط للتفاوض بين اطراف اقليمية ودولية وعالمية، فمسألة السلام مرتبطة بالأمن في الاراضي الفلسطينية وبالتالي لا بد من تحقيقه ولا يمكن تحقيقه إلا بصفقة سياسية بين الفلسطينيين وحكومة نتنياهو المتطرفة أو غيرها من حكومات جديدة، وعليه سيكون التطبيع متاحاً أمام الرياض وتل أبيب وتبقى مسألة الاتفاق على شروط الرياض المتمسكة بورقة الفلسطينيين رغم ضعفها هدف أساسي لصناعة قوة جديدة في الشرق الأوسط أمام قوى أُخرى وهو ما سوف يفتح المجال لتركيا على سبيل المثال التي طبعت مع تل أبيب بالمجان بأن تطالب الأمريكيين بصفقة جديدة من أجل التحالف ومن اجل برنامج نووي مدني تركي وهو أمر مرفوض عالمياً خوفاً من اتساع رقعة الدول التي تمتلك برامج نووية في العالم وسهولة تحويلها من برامج نووية مدنية الى عسكرية في المستقبل.

لذلك من الأفضل للأمريكيين دعم اتفاق سلام شامل مع الفلسطينيين كخيار وحيد لضمان الامن والاستقرار ثم السعي لتحقيق اتفاقيات في ملفات العلاقات بين اسرائيل والدول الباحثة عن مصالحها، هذا أمر مهم في السياسة الشرق أوسطية فاليوم القوى أصبحت متعددة على الساحات العالمية والإقليمية ولا يمكن تجاوزها دون توزيع عادل للمصالح بما في ذلك مصلحة الفلسطينيين.

إن نجحت الادارة الأمريكية الحالية او اللاحقة في صناعة هذا التوازن بين الاطراف الحليفة والعدوة سيكون إنجازاً عالمياً رغم المخاطر المستقبلية، لكن على الأرجح يمكن تجاوزها في حال كان هناك سلطة فلسطينية بدولة فلسطينية وتطبيع بين الرياض وتل أبيب ونجاح لإدارة الامريكيين في إعادة تطوير علاقتها مع الاحلاف في الشرق الأوسط لتكون مبنية على أساس المصالح المشتركة.

هكذا ربما يتفق الجميع وتعود امريكا لقوتها السياسية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية لتعادل قوة الصين الاقتصادية في شرق أوسط جديد.

3.3/5 - (3 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى