انضمام مصر للبريكس وأهم التحديات التي تواجهها
إعداد : هبة خالد جمال عبدالرازق – باحثة دكتوراه بكلية الدراسات الإفريقية العليا – جامعة القاهرة
مقدمة :
شهد العالم نشأة عدة تجمعات اقتصادية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، فتكونت تجمعات ومنظمات إقليمية، مثل الاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، ومع انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي وصعود الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية، ومع انتشار العولمة بدأت تظهر تجمعات وتكتلات اقتصادية وسياسية لسد الفراغ الناجم عن اندثار التحالفات السابقة، فظهر الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأسيوي(الأسيان)، واتحاد أمريكا الجنوبية، ومجلس دول التعاون الخليجي وغيرها من التجمعات والتكتلات الاقتصادية([1]).
ويعد تجمع البريكس من أهم التجمعات الاقتصادية على مستوى العالم، والذي يضم في عضويته كلاً من البرازيل، وروسيا، والصين، والهند، وجنوب إفريقيا، والبريكس هي اختصار للحروف الأولي باللغة اللاتينية للدول المكونة للمنظمة “BRICS”، وجاءت فكرة تجمع البريكس من قبل الدول الكبرى التي رغبت في تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية عام 2000، وكانت مقتصرة على 4 دول وهي(البرازيل، والهند، والصين، وروسيا)، وقد صاغ الاسم المختصر للتحالف الخبير الاقتصادي جيم اونيل الذي يعمل لدي بنك جولدمان ساكس عام 2001، ليشمل الحروف الأولى لأكبر 4 أسواق ناشئة “بريك”، ومنذ انضمام جنوب إفريقيا أصبحت بريكس وتطلق على تحالف عالمي من 5 دول([2]). وقد اتفقت دول المجموعة على بعض أسس اصلاح النظام المالي والنقدي الدولي، وذلك بإنشاء بنك التنمية الجديد (NDP)، برأسمال قدره 100 مليار دولار مقسمة بالتساوي بين الدول الخمس في عام 2014، ويقوم البنك بتقديم القروض والمعونات للدول الأكثر احتياجاً.
وأن انضمان مصر إلى مجموعة بريكس سوف يسهم في تخفيف أزمة الدولار على الاقتصاد المصري، ومع زيادة التبادل التجاري بالعملات المحلية، سيتيح فتح أسواق جديدة أم الصادرات المصرية، وجذب استثمارات أجنبية، بجانب تيسير فرص الحصول على تمويلات ومزايا تجارية واستثمارية، ويمثل التجمع نحو 30% من حجم الاقتصاد العالمي، و26% من مساحة العالم، و43% من سكان العالم، لذا فإن انضمام مصر للبريكس يعد فرصة وخطوة هامة لمصر من أجل تعزيز اقتصادها وتوسيع تجارتها الخارجية. وسوف توضح الدراسة الآتي
- ماهي مجموعة البريكس وعملتها.
- أهداف منظمة البريكس.
- شروط الانضمام إلى مجموعة البريكس .
- فوائد الانضمام لمجموعة بريكس.
- ما هي التحديات التي تواجه مصر بعد انضمامها للبريكس.
أولاً: ماهي مجموعة البريكس وعملتها
مع بداية الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وما ترتب عليها من نتائج سلبية، وما صاحبها من تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية عالمية، وعاى رأسها الدول ذات الاقتصاديات الكبرى، وتلتها الدول الأقل نمواً فالأضعف اقتصاداً، وهنا برزت الحاجة إلى هذا التكتل الاقتصادي”بريكس”، والذي كان له فوائد متعددة للدول الأعضاء، فقد استطاعت تجاوز الأزمة المالية العالمية، وتمكنت من الانطلاق كقوة اقتصادية عالمية، هذا بجانب الانفراد الامريكي باتخاذ القرارات الدولية في المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية ضد العديد من الدول المختلفة، وهو الأمر الذي شكل دافعاً قوياً من جانب معظم الدول بديلاً للهيمنة الأمريكية، ومؤازرة بعضها البعض في شكل تحالفات وتكتلات قوية من أجل صياغة نظام دولي جديد في ظل المتغيرات العالمية والحد من الهيمنة الغربية، وتكريس مبدأ السيادة، واستقلال القرار الوطني للدول ذات النمو الاقتصادي السريع([3]).
وبدأت فكرة تأسيس البريكس في عام 2006، بعد عقد سلسة من الاجتماعات حول تأسيس هذا التكتل، وعقد اجتماعه الأول في عام 2008 باليان على هامش قمة مجموعة الثماني، حيث كان مكوناً من 4 دول وهي البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وسمي بريكBRIC، ثم انضمت إليه دولة جنوب إفريقيا في 24 ديسمبر 2010، فاصبح يسمى بريكسBRICS. ورغم حداثة عهد تكتل بريكس وصغر عدد أعضائه مقارنة بنظرائه من التكتلات الاقتصادية كالاتحاد الأوروبي وآسيان، أصبح بريكس أحد أهم التكتلات الاقتصادية في العالم، نظراً للثقل الاقتصادي لدولة في ظل ما تتمتع به من إمكانات بشرية وصناعية وزراعية، بما جعل قرارارته لها اهتمام وتأثير عالمي([4]).
وشهد الاجتماع السنوي لتجمع بريكس الذي أقيم في مدينة جوهانسبرج بجنوب إفريقيا الخميس 24 أغسطس 2023، عدد من طلبات الانضمام لعضوية البريكس ومن ضمنهم مصر، وحيث شملت الطلبات السعودية، إيران، الإمارات والأرجنتين، وقد تقدمت مصر آنذاك للأنضمام مع دولة جنوب إفريقيا عام 2009، ولكن أسفرت المفاوضات انضمام جنوب إفريقيا، ثم تقدمت مصر في 2023 بطلب الموافقة مع الدول السالف ذكرها، وتمت الموافقة على انضمامها رسمياً للتجمع بداية من يناير 2024 ميلادياً، وبانضمام الدول الجدد سيضم التكتل كل من ( البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا، مصر، السعودية، الإمارات،اثيوبيا، الأرجنتين، إيران).
أما بخصوص العملة التي تخص مجموعة البريكس، فقد توصلت إلى مقترحات مختلفة حول إمكانية أن تحل عملة” بريكس” محل الدولار، من بينها أن يتم تأمين العملة الموحدة الجديدة ليس فقط بالذهب، ولكن أيضاً من خلال مجموعات أخرى من المنتجات، مثل العناصر الأرضية، ويذكر أن الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، كان قد صرح بأن الوقت قد حان لأمريكا اللاتينية ودول بريكس الابتعاد عن العملة الخضراء لتعزيز التجارة متعددة الأطراف، والتنمية الاقتصادية لجنوب الكرة الأرضية([5]).
ثانياً: أهداف منظمة البريكس
وتعمل مجموعة بريكس على تحقيق مجموعة من الأهداف والغايات الاقتصادية والسياسية والأمنية عبر تعزيز الأمن والسلام على مستوى العالم والتعاون بين الدول الخمس، ويسهم في خلق نظام اقتصادي عالمي ثنائي القطبية عبر كسر هيمنة الغرب بزعامة الولايات الأمريكية عام 2050، ومن بين الأهداف الرئيسية الأخري للمجموعة([6]):
- تحقيق نمو اقتصادي شامل بهدف القضاء على الفقر ومعالجة البطالة، وتعزيز الاندماج الاقتصادي والاجتماعي.
- توحيد الجهود لضمان تحسين نوعية النمو عن طريق تشجيع التنمية الاقتصادية المبتكرة القائمة على التكنولوجيا المتقدمة وتنمية المهارات.
- تعزيز الأمن والسلام من أجل نمو اقتصادي واستقرار سياسي.
- السعي إلى زيادة المششاركة والتعاون مع البلدان غير الأعضاء في مجموعة بريكس.
- تقديم المساعدة الإنسانية والحد من مخاطر الكوارث الطبيعية، وهذا يشمل معالجة قضايا مثل الأمن الغذائي العالمي.
- التعاون بين دول بريكس في العلوم والتعليم والمشاركة في البحوث الأساسية، والتطور التكنولوجي المتقدم.
- تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية المتعلقة بالتنمية المستدامة، وكذا الاتفاقات البيئية متعددة الأطراف.
- التنسيق والتعاون بين دول المجموعة في مجال ترشيد استخدام الطاقة من أجل مكافحة التغيرات المناخية.
ثالثاً: شروط الانضمام إلى مجموعة البريكس
تعتبر مجموعة بريكس من المنظمات الدولية التي تتميز بالتعاون الاقتصادي والسياسي بين الدول الأعضاء، ويمكن أن يوفر الانضمام فرص تعزيز التجارة الاستثمار في المنطقة، ومن المهم الإشارة إلى أن مجموعة بريكس تتطلب مجموعة من الشروط اللازمة للانضمام والتعاون مع بقية الدول الأعضاء بشكل فعال ومتساوي، ومن أهم هذه الشروط كالآتي:
- أن تكون الدولة المنضمة لها اقتصاد رئيسي في منطقتها.
- إمكانية النمو الاقتصادي في المستقبل.
- تكون لديها علاقات جيدة مع دول البريكس الحالية.
- أن يكون لديها نظام سياسي مستقر.
- أن يكون لها موقع استراتيجي من حيث التجارة الدولية.
رابعاً: فوائد الانضمام لمجموعة بريكس
يوفر الانضمام للبريكس العديد من الفوائد الاقتصادية والجيوسياسية للدول الأعضاء من بينها:
- تشجع مجموعة بريكس التعاون الدبلوماسي بين الدول الأعضاء، وتبحث في مواضيع محددة تهم كل منها.
- تعمل مجموعة بريكس الدول الأعضاء على استثمار رؤوس الأموال في بعضها، وتوفر مزيداً من الحماية والضمانات.
- تعمل مجموعة بريكس على تعزيز التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب و الجريمة المنظمة وتهريب وغيرها، مما يساعد في الحفاظ على الاستقرار والأمن الدولي.
- تعمل على تبادل الخبرات والتكنولوجيا في مجالات الصناعة والزراعة والطاقة وغيرها.
- مجموعة بريكس تعمل على التعاون التجاري بين الدول الأعضاء، وتعزز علاقاتها التجارية مع باقي الدول العالمية.
ونجد أن انضمام مصر لمجموعة البريكس سوف يعود عليها بعدة مزايا ومن أهم تلك المزايا:
- تخفيف الضغط على طلب الدولار في وقت تعاني مصر من ندرة النقد الأجنبي، حسبما وضح رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري.
- سوف تتعامل مصر مع أعضاء بريكس بالعملات المحلية في تسوية المعاملات التجارية سواء فيما يتعلق بالاستيراد أو التصدير، ما يقلل الطلب على الدولار ويؤدي لاستقرار سعر صرف العملة الأمريكية في المستقبل.
- سوف تتحسن صادرات مصر وتتوسع، مما يعني زيادة الإقبال على السلع المصرية عالمياً، خاصة مع دول بريكس القدامى والجدد.
- زيادة الاستثمارات الاجنبية، لسهولة استخدام مجموعة بريكس العملة المحلية في التعامل بالسوق المصرية.
- تأمين احتياجات البلاد من السلع الاستراتيجية، مثل القمح والأرز، خاصة أن هذا التجمع يستحوذ على حصة كبيرة من الاقتصاد العالمي في تجارة الحبوب، توفير فرصة تمويلية كبيرة لمصر، من خلال الحصول على المنح والقروض الميسرة بفوائد مخفضة من بنك التنمية التابع للتكتل الاقتصادي بريكس([7]).
خامساً: ما هي التحديات التي تواجه مصر بعد انضمامها للبريكس
تواجه مصر عدة تحديات كالتالي:
- تعاني مصر من أزمة العملات الأجنبية، وتعتبر مستورد رئيسي للسلع الأساسية، بعدما تسببت الحرب الأوكرانية في مشكلات كبيرة لاقتصادها، تراجع الجنيه بنحو 50% منذ مارس 2022.
- ضعف حجم المساعدات التي تتلقاها مصر بالدولار، وهذا سيدفعنا للاعتماد على عملات أخرى كالعملة المحلية.
- مدى قدرة مصر على عدم الانخراط في الاستقطابات الدولية، فمجموعة بريكس تضم في عضويتها دولاً على عدم وفاق مع الحلفاء الغربيين لمصر وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية وإيران .
- انخفاض عائدات الدولة من قطاع السياحة والاستثمارات الأجنبية وعجز الميزان التجاري.
- الظروف السياسية التي تمر بها مصر منذ عام 2011، ومحاربة الإرهاب في سيناء.
- ارتفاع نسب التضخم والبطالة والمديونية الخارجية.
- انخفاض معدل النمو الاقتصادي وتزايد معدلات الفقر.
الخلاصة:
مما لاشك فيه، أن انضمام مصر لمجموعة البريكس يعد خطوة مهمة سيساعد مصر الخروج من أزمة الدولار، وفتح قنوات تمويل بخلاف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، كما يسهم في توفير فرص تمويلية كبيرة لمصر، وفتح أسواق جديدة للحاصلات الزراعية والصناعية، حيث أن مجموعة بريكس تضم دول كبرى ومؤثرة في الاقتصاد العالمي كروسيا والصين، فعلى الدولة المصرية تستخدم هذه الخطوة في إيجاد فرص لتعزيز التجارة العالمية، وتشجيع الاستثمارات الاجنبية المباشرة، وتطوير البنية التحتية، وأيضاً سيساهم الانضمام في تحقيق التوازن الداخلي في العديد من المؤشرات الاقتصادية خاصة فكرة الاستغناء عن الدولار، ومن المتوقع أن يكون لمصر دور هام في التكتل لأن مصر نافذة على إفريقيا باعتبارها أكبر الأسواق في المنطقة ولديها اتفاقيات تجارة حرة مع العديد من الدول، وهذا تصبح مصر مركزاً متميزاً يربط بين إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، ويعزز الانضمام أيضاً من دعم تنميتها المستدامة ومعالجة قضايا السيولة من خلال عضويتها في بنك التنمية.
المصادر:
- عزت ملوك قناوي،”تأثير تجمع دول بريكس BRICS على النظام الاقتصادي الدولي مع الإشارة إلى مدى إمكانية انضمام مصر لعضوية التجمع”، مجلة الدراسات التجارية المعاصرة( جامعة كفر الشيخ، كلية التجارة، العدد9، يناير 2020م).
- آيات عبدالباقي،” انضمام مصر للبريكس.. طوق النجاة من هيمنة الدولاء وإنعاش الاقتصاد بهذه المزايا”، تاريخ النشر،24 أغسطس2023، تاريخ الدخول 26 أغسطس2023، متاح على الرابط https://www.cairo24.com/1853844.
- عزت ملوك قناوي، مرجع سبق ذكره.
- إيمان صلاح،” انضمام مصر لبريكس.. خطوة جديدة على طريق التنمية”، تاريخ النشر25 اغسطس2023، تاريخ الدخول 26 أغسطس2023، متاح على الرابط https://2u.pw/izQl6aG.
- وكالة سبوتينك،”هل تحل العملة المحتملة لبريكس محل الدولار قريباً”، تاريخ النشر 5 يونيو 2023، تاريخ الدخول 26 أغسطس 2023، متاح على الرابط https://2u.pw/fYOpAUd..
- الموسوعة،” بريكس.. تكتل اقتصادي يسعى لكسر هيمنة الغرب على الاقتصاد العالمي“، تاريخ الدخول 27 أغسطس 2023، متاح على الرابط https://2u.pw/nt1gVvf.
- د. جيهان عبدالسلام،” إشكالية التحديات.. ما حدود استفادة مصر من عضوية بريكس؟”، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، تاريخ النشر 26 أغسطس 2023، تاريخ الدخول 28 أغسطس2023، متاح على الرابط https://rcssegypt.com/14973.
([1]) عزت ملوك قناوي،“تأثير تجمع دول بريكس BRICS على النظام الاقتصادي الدولي مع الإشارة إلى مدى إمكانية انضمام مصر لعضوية التجمع”، مجلة الدراسات التجارية المعاصرة( جامعة كفر الشيخ، كلية التجارة، العدد9، يناير 2020م)، ص65.
([2]) آيات عبدالباقي،” انضمام مصر للبريكس.. طوق النجاة من هيمنة الدولاء وإنعاش الاقتصاد بهذه المزايا”، تاريخ النشر،24 أغسطس2023، تاريخ الدخول 26 أغسطس2023، متاح على الرابط https://www.cairo24.com/1853844.
([3]) عزت ملوك قناوي، مرجع سبق ذكره، ص ص 70-71.
(([4] إيمان صلاح،” انضمام مصر لبريكس.. خطوة جديدة على طريق التنمية“، تاريخ النشر25 اغسطس2023، تاريخ الدخول 26 أغسطس2023، متاح على الرابط https://2u.pw/izQl6aG.
([5]) وكالة سبوتينك،”هل تحل العملة المحتملة لبريكس محل الدولار قريباً“، تاريخ النشر 5 يونيو 2023، تاريخ الدخول 26 أغسطس 2023، متاح على الرابط https://2u.pw/fYOpAUd.
([6]) الموسوعة،” بريكس.. تكتل اقتصادي يسعى لكسر هيمنة الغرب على الاقتصاد العالمي”، تاريخ الدخول 27 أغسطس 2023، متاح على الرابط https://2u.pw/nt1gVvf.
([7]) د. جيهان عبدالسلام،” إشكالية التحديات.. ما حدود استفادة مصر من عضوية بريكس؟”، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، تاريخ النشر 26 أغسطس 2023، تاريخ الدخول 28 أغسطس2023، متاح على الرابط https://rcssegypt.com/14973.