نــــــامبـــيـــا والموقـــف الألــماني من قضية الإبادة الجماعية في غزة المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية
اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر
دعمت نامبيا تلك الدولة الأفريقية الواقعة في أقصي الجنوب الشرقي للقارة الأفريقية موقف جنوب أفريقيا في القضية الطارئة التي رفعتها أمام محكمة العدل الدولية بجسارة المناضل الحر نيلسون مانديلا ضد الكيان الصهيوني بدعوي أن الكيان الصهيوني ينتهك اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الإبادة الجماعية المُوقعة في عام 1948 في أعقاب المحرقة النازية إبان عهد أدولف هتلر وطلبت من المحكمة أن توقف “فورا” العمليات العسكرية التي شنها جيش الدفاع الإسرائيلي في غزة بعد 7 أكتوبر2023 وهو الجيش الذي وجهت جنوب أفريقيا له إتهاماً بإقتراف جريمة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني , وقد جاء الدعم الناميبي لموقف جنوب أفريقيا من زاوية التشكيك الموضوعي في مصداقية موقف أحد أهم حلفاء الكيان الصهيوني الأوربيين في هذه القضية المُشينة وهي ألمانـــيـــا فقد رفضت الحكومة الألمانية في 12يناير2024 “بشكل حاسم وصريح” اتهامات جنوب أفريقيا ضد الكيان الصهيوني واصفة إياها بـ”الاستغلال السياسي” لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن منع الإبادة الجماعية “دون أي أساس في الواقع” .
إزاء حالة الإنكار المُستفزة التي إعترت الموقف الألماني التي كانت في الحالة الألمانية بالذات نوع من إنفصام الشخصية السياسية مُعبرة ومُشخصة إزدواجية المعايير بشكل صارخ جلي مما حدا بدولة مجاورة لجنوب أفريقية كانت ضحية للإستعمار الألماني كنـــامــــبـــيـا أن تنتقد عــلــناً وعلي أعلي مستوي سياسي بها الدعم الألماني للكيان الصهيوني في إنكار مضمون قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا لمحكمة العدل الدولية , فقد رفضت ناميبيا في 19 يناير2024قرار ألمانيا التدخل نيابة عن الكيان الصهيوني في قضية أمام محكمة العدل الدولية التي إتهمت فيها جنوب أفريقيا الكيان الصهيوني بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة وعليه فقد حث الرئيس النــامـــيـــبي هيج جينجوب ألمانيا على إعادة النظر في تأييد ودعم الكيان الصهيوني وإستشهد الرئيس النـامـيـبي بالسياق التاريخي لاعتراف ألمانيا بالإبادة الجماعية في ناميبيا في عام 2021خلال الفترة من 1904 إلى 1908 حين ارتكب المستعمرون الألمان ما يعتبره المؤرخون أول إبادة جماعية في القرن العشرين مما أدى إلى مذبحة أكثر من 70.000 من شعب الهيريرو والناما ففي عام 2020 اعترفت ألمانيا بارتكاب جرائم إبادة جماعية في القرن العشرين أثناء احتلالها الاستعماري لناميبيا وأعلنت عن مساعدات مالية تزيد قيمتها على 1,1 مليار يورو وكُشف عن أنه سيتم دفع هذا المبلغ على مدى 30 عامًا في شكل مشاريع البنية التحتية والرعاية الصحية وبرامج التدريب التي تستهدف المجتمعات المتضررة والمؤرخون يسجلون أنه في عام 1904ثار شعب هيريرو وناما في ناميبيا المعروفين آنذاك بجنوب غرب أفريقيا الألماني ضد المستعمرين الألمان في نضالهم من أجل الحرية , ولأول مرة في القرن العشرين إتخذ الجنرال الألماني لوثار فون تروثا والذ أمر إبادة وسحق السكان الأصليين وكان نص هذا الأمر : “داخل الحدود الألمانية كل ذكر من الهيريرو مسلحًا أو غير مسلح (…) سيتم إطلاق النار عليه حتى الموت لن أستقبل النساء أو الأطفال بعد الآن بل سأعيدهم إلى أهلهم أو أطلق النار عليهم هذه كلماتي لشعب الهيريرو (من) الجنرال العظيم للقيصر الألماني العظيم”وتؤكد مصادر مختلفة أنه في السنوات الأربع التي تلت عام 1904 تم إطلاق النار على عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال أو تعذيبهم أو دفعهم إلى صحراء كالاهاري ليتضوروا جوعا على يد القوات الألمانية وتشير التقديرات إلى مقتل أكثر من 100 ألف من السكان المحليين , لذلك وفي ظل هذه الخلفية صدمت قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية العديد من المعلقين عندما علموا بقرار الحكومة الألمانية الحالية بدعم نظام نتنياهو فقد أعلنت ألمانيا أنها ستعارض طلب جنوب أفريقيا من خلال الإلقاء بثقلها خلف إسرائيل وقالت الحكومة الألمانية ما نصه :”ترفض الحكومة الألمانية بحزم وصراحة اتهامات الإبادة الجماعية الموجهة الآن ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية” وقال المتحدث ستيفن هيبستريت في بيان: “هذا الاتهام ليس له أي أساس على الإطلاق”وشدد على أن ألمانيا تتحمل مسؤولية خاصة تجاه إسرائيل بسبب الإبادة الجماعية النازية لليهود خلال الحرب العالمية الثانية وقال إن الحكومة ستواصل دعم إسرائيل للدفاع عن نفسها ضد حماس وأضاف أنه : “بالنظر إلى تاريخ ألمانيا والجرائم ضد الإنسانية والمحرقة فإن الحكومة ملتزمة بشكل خاص باتفاقية الأمم المتحدة بشأن الإبادة الجماعية”و”إن الحكومة الألمانية تدعم محكمة العدل الدولية في عملها كما فعلت منذ عقود عديدة وأضاف أن الحكومة تعتزم التدخل كطرف ثالث في الجلسة الرئيسية .
لذلك وإزاء هذا الموقف الغريب من الحكومة الألمانية أصدر رئيس ناميبيا الدكتور هيج جي جينجوب بيان إدانة شديد اللهجة رفض فيه دعم ألمانيا حتي لنية الإبادة الجماعية للدولة الإسرائيلية العنصرية ضد المدنيين الأبرياء في غزة وذكّر ألمانيا بأنها ارتكبت على الأراضي الناميبية أول إبادة جماعية راح ضحيتها عشرات الآلاف من الناميبيين الأبرياء في ظروف لاإنسانية ووحشية وأعلن أن “الحكومة الألمانية لم تكفّر بعد بشكل كامل عن الإبادة الجماعية التي ارتكبتها على الأراضي الناميبية” , وفي مايو 2021وبعد أكثر من خمس سنوات من المفاوضات قالت ألمانيا إنها اعترفت بارتكاب “إبادة جماعية” في الأراضي التي استعمرتها بين عامي 1884 و1915وتعهدت بتقديم أكثر من 1.1 مليار يورو (1.2 مليار دولار) كمساعدات تنموية على مدى 30 عاما لصالح المستفيدين أي أحفاد القبيلتين ولسنوات ناضل الناميبيون للحصول على تعويضات كاملة من ألمانيا عن الإبادة الجماعية لشعب الهيريرو والناما في الأرض التي تسمى الآن ناميبيا وبحلول أواخر القرن التاسع عشر استولت القوات الاستعمارية الألمانية على مناطق شاسعة في ناميبيا وصادرت الأراضي والماشية من شعب الهيريرو المعروف أيضًا باسم أوفاهيرو وفي 12 يناير 1904قاوم شعب الهيريرو بقيادة صامويل ماهاريرو وهاجموا حامية ألمانية في أوكاهانجا وفقًا لمتحف مونتريال للهولوكوست وذكرت مكتبة فينر للهولوكوست على موقعها الإلكتروني “شرح الهولوكوست” أن “القوات الحاكمة الألمانية لم تكن مستعدة للهجوم وقُتل ما يقرب من 123 مستوطنًا استعماريًا ألمانيًا على يد الهيريرو” لكن القوات الألمانية الأفضل تجهيزًا تغلبت على الهيريرو في النهاية وفي يونيو 1904 عينت الحكومة الألمانية الفريق لوثار فون تروثا لقيادة الحرب ووعد بـ”إبادة هذه الجماهير بضربة متزامنة” وكتبت مكتبة وينر: “تحت قيادة تروثا طاردت قوات الحماية بلا رحمة الآلاف من رجال ونساء وأطفال الهيريرو الذين كانوا يحاولون عبور الصحراء للوصول إلى محمية بيتشوانالاند البريطانية (بوتسوانا حاليًا)” وقد “مات الآلاف من الهيريرو نتيجة إطلاق النار عليهم حتى الموت أو شرب الماء من الآبار المسمومة أو من العطش والجوع في الصحراء” وفي الثاني من أكتوبر عام 1904 أصدر فون تروثا أمر “الإبادة” سيئ السمعة ولم يعد الهيريرو رعايا ألمان وقد قتلوا وسرقوا وقطعوا آذان الجنود الجرحى وأنوفهم وأجزاء أخرى من أجسادهم…. ومن يسلم صموئيل سيحصل على 5000 مارك ومع ذلك ردد الألمان أن على شعب الهيريرو مغادرة الأرض وإذا لم يفعل السكان الأصليين هذا فسوف أجبرهم على استخدام جروت رور داخل الحدود الألمانية و سيتم إطلاق النار على كل هيريرو بسلاح أو بدونه مع أو بدون ماشية ولن أقبل النساء والأطفال بعد الآن وسأعيدهم إلى أهلهم أو سأسمح بإطلاق النار عليهم وفي نوفمبر 1904 ألغت الحكومة الألمانية أمر الإبادة الذي أصدره فون تروثا وفقًا لمكتبة وينر للهولوكوست وأصرت بدلاً من ذلك على”سجن الأعضاء الباقين على قيد الحياة من سكان هيريرو في معسكرات الاعتقال” ولكن بحلول ذلك الوقت كان عدة آلاف من الهيريرو قد قُتلوا بالفعل في المعسكرات عانى العديد من الهيريرو من العمل القسري والتجارب الطبية والمجاعة وفي عام 1905 قام شعب ناما في جنوب ناميبيا بانتفاضة وفي 22 أبريل 1905 أصدر فون تروثا أمر إبادة ثانٍ، هذه المرة ضد الناما وقال أنه سيتم إطلاق النار على الناما الذي يختار عدم الاستسلام ويسمح لنفسه بالظهور في الأراضي الألمانية حتى يتم إبادتهم جميعًا أولئك الذين ارتكبوا في بداية التمرد جرائم قتل ضد البيض أو أمروا بقتل البيض فقد خسروا حياتهم بموجب القانون أما بالنسبة للقلة التي لم تهزم فسوف يكون مصيرها معهم كما حدث مع الهيريرو الذين اعتقدوا في عماهم أيضًا أنهم قادرون على شن حرب ناجحة على الإمبراطور الألماني القوي والشعب الألماني وقُتل أكثر من 60 ألفًا من الهيريرو و10 آلاف من الناما على يد القوات الألمانية بين عامي 1904 و1908 وفقًا للبرلمان الناميبي وفي عام 2006 قدم أحد أعضاء برلمان ناميبيا اقتراحاً يطالب بتعويضات من ألمانيا قرأ العضو بيانًا كتبه في أوائل القرن العشرين جندي ألماني شهد مطاردة الألمان للهيريرو إلى بوتسوانا وفي عام 2018 أعادت ألمانيا إلى ناميبيا جماجم بشرية لأشخاص قتلوا في الإبادة الجماعية وبعد ثلاث سنوات اعترفت رسمياً بالإبادة الجماعية وأعلنت عن تقديم أكثر من مليار يورو من المساعدات المالية للمشاريع المجتمعية في ناميبيا وفي بيان عام 2021 قالت ألمانيا إنها تعترف بـ”مسؤوليتها الأخلاقية عن استعمار ناميبيا” واعتذرت “عن التطورات التاريخية التي أدت إلى ظروف الإبادة الجماعية بين عامي 1904 و1908مع انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان والمعاناة الإنسانية” وجاء في البيان أن ألمانيا “تعتذر وتنحني أمام أحفاد الضحايا واليوم بعد مرور أكثر من 100 عام تطلب ألمانيا المغفرة عن خطايا أجدادها وليس من الممكن التراجع عن ما تم القيام به ولكن المعاناة والوحشية والألم الذي لحق بعشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء على يد ألمانيا خلال الحرب في ما يعرف اليوم بناميبيا يجب ألا يتم التغاضي عنه .
كما أشار الرئيس جينجوب في هذا الصدد إلي أن التزام ألمانيا الأخلاقي باتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة الإبادة الجماعية بما في ذلك التكفيرعن الإبادة الجماعية في ناميبيا ولكن دون الاعتراف بالمسؤولية القانونية وفي الوقت نفسه دأب المسؤولون الألمان على توبيخ الناميبيين قائلين إنهم لا يستطيعون مقارنة تجربتهم بالمحرقة وكأن إبادة الأوروبيين أعظم أهمية إلى الأبد من إبادة الأفارقة الذين قُتل الملايين منهم على يد الأوروبيين في القرن التاسع عشر , كما أن الإبادة الجماعية التي إقترفها الألمان في نـــامـــبــيـا تُوُصف “بالإبادة الجماعية المنسية”وهي تتعارض مع الدعم الألماني للكيان الصهيوني في هذه القضية وذكر الرئيس الناميبي جينجوب أن الحكومة الألمانية لم تعالج بعد بشكل كامل أخطائها التاريخية في ناميبيا ومع ذلك رفضت ألمانيا اتهامات الإبادة الجماعية ضد الكيان الصهيوني واصفاً إياها بأنها “أداة سياسية” لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن الإبادة الجماعية وأكدت الحكومة الألمانية التزامها بالاتفاقية نظرا لمسؤوليتها التاريخية الناجمة عن المحرقة .
ذكرت صحيفة Windhoek Observer أن زعيم حزب المعارضة الرسمي الحركة الديمقراطية الشعبية ماكهنري فيناني ردد مشاعر الرئيس وشدد فيناني على التناقض في الموقف الأخلاقي لألمانيا منتقدًا الأمة للتعبير عن التزامها باتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية بينما تدعم في الوقت نفسه ما أسماه “ما يعادل المحرقة والإبادة الجماعية في غزة”. . . وأضاف : “نحن نتفق مع بيان الرئيس وألمانيا تسيء التصرف” يريدون أن يغضوا الطرف ولا يستطيع الكيان الصهيوني أن تفرض عقوبة عالمية لأنها فقدت ألف شخص نعم نحن نتفق ولا نختلف على ذلك ولكن ما يفعلونه مخالف للقانون وقال فيناني : “لذا فإن ما تفعله ألمانيا هو شعور بالذنب النفسي” .
من عجيب المفارقات أن بلجيكا التي ارتكبت جريمة إبادة جماعية سابقة في الكونجو (ليبولدفيل) وقفت إلى جانب جنوب أفريقيا في هذا النزاع .
أصبح من الطبيعي بعد إحباط ثورات الربيع العربي بفعل ثورات مُضادة أدارتها ونفذتها الدول العميقة والأطراف المرتبطة بها والمُستفيدة بعالمنا العربي ألا تجد أي مسؤل عربي يُثني أو حتي يشير إلي مــوقــف ناميبيا ورئيسها جينجوب الإيجابي والمُساند لجنوب أفريقيا وبالتالي لغزة وأهلها المُعرضين لحصار كحصار طروادة المُشار إليه في ملحمة هوميروس الشعرية الإلياذة وهم نفس المسؤلون الذين حضروا ومنهم محمود عباس الزعيم الكرتوني الهزلي مندبة مقتل صحفيو المجلة الفرنسية الساخرة إبــدو التي شهرت بنبي الإسلام محمد صل الله تعالي عليه وسلم في ممارسة مُطلقة لمفهوم الحكومة الفرنسية المُهترئة للحرية والذين قتلوا لقاء سخريتهم تلك أو ندد بعضهم بقاتليهم وكأنهم من ذوي رحمهم , والمثير للتأمل أنه في تصريحات مؤخراً أعرب عنها مؤخراً في رواندا أيد الملك الأردني عبد الله الثاني الدعوات إلى حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني وانتقد إسرائيل بسبب “عدوانها العشوائي وقصفها” لغزة , مُتجنباً التفوه بمصطلح : “الإبادة الجماعية ” الذي أسست جنوب أفريقيا عليه قضيتها أمام محكمة العدل الدولية .
والمفارقات التي يمارسها القادة الأراجوزات العرب لا تحصي في هذا المقام , هذا وقد أشاد وزير زيمبابوي السابق المنفي البروفيسور جوناثان مويو بجينجوب وناميبيا لقيادتهما المبدئية من خلال إدانته لألمانيا وقال :”أنت تجعل أفريقيا فخورة، فخامة الرئيس جينجوب” , فيما وصفت الحكومة الألمانية حمـــاس بأنها منظمة تهدف إلى تدمير الكيان الصهيوني الذي يعرف الجميع بأنه أدار قتالاً تجاوز فيه حد الدفاع عن النفس الذي يزعمه الكيان الصهيوني وحلفاءه ومنهم ألمانيا .
إن مـوقـف ناميبيا الناقد لألمانيا هام جداً وضروري في حرب الفوز بمصداقية الغزويين بل والمقاومة الفلسطينية بقيادة حماس علي صعيد الرأي العام العالمي الذي لاشك في أن المسافة التقليدية بينه وبين الحكام بسبب حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني علي غزة أصبحت شاسعة بل ولا يوجد بها نقاط إلتقاء البتة .
منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين ألمانيا والكيان الصهيوني في عام 1965وبالرغم من الماضي التاريخي المعقد بين ألمانيا واليهود خلال الحرب العالمية الثانية والهولوكوست إلا أن العلاقات الثنائية بين ألمانيا الغربية والكيان الصهيوني(في عهد الإتحاد السوفيتي) تطورت العلاقات بشكل كبير تعتبر بعض المبررات لتأييد ألمانيا لإسرائيل كما يلي:
المسؤولية التاريخية : نتيجة للمسؤولية التاريخية عن الهولوكوست يعتبر العديد من الألمان أن دعم إسرائيل يمثل جزءًا من التزام ألمانيا تجاه الشعب اليهودي وضمان استمرار الذاكرة التاريخية .
العلاقات الثقافية والاقتصادية : تطورت العلاقات بين ألمانيا وإسرائيل على مستويات متعددة، بما في ذلك العلاقات الثقافية والتبادل الاقتصادي يرى البعض أن هذه الروابط تعزز التعاون والتفاهم المتبادل .
التحالفات السياسية : قد تكون العلاقات مع إسرائيل جزءًا من التحالفات السياسية الغربية في المنطقة وعلي النسق الأمريكي فإن ألمانيا تري في الكيان الصهيوني جزء من التحالف الغربي الحقيقي وليس الذي يدعيه زعماء العرب تزلفاُ للغرب .
إن مساندة الحكومة ألألمانية للكيان الصهيوني في قضية الإبادة الجماعية سبقها البرلمان الألماني الذي أعلن في 17 مايو2019 أنه يعتبر أن حركة المقاطعة B.D.S. حركة معادية للسامية وبذلك أصبح البرلمان الألماني أول برلمان في الاتحاد الأوروبي يصدر قرارًا رمزيًا يصنف حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد إسرائيل على أنها معادية للسامية وقال التصويت غير الملزم إن حملة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية إلى جانب ملصقات الحركة “لا تشتري”، تذكر بـ”الفصل الأكثر فظاعة في التاريخ الألماني” وتحيي ذكريات الشعار النازي “لا تشتري من اليهود” وجاء في القرار: “إن الحركة معادية للسامية”، وتعهد بعدم تمويل أي منظمات تشكك في حق إسرائيل في الوجود أو تدعو إلى مقاطعة إسرائيل أو تدعم بنشاط حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات , وقد أشار القرار إلى “القلق المتزايد” في المجتمع اليهودي الألماني مع تزايد معاداة السامية , وقد تقدم به إلى البرلمان حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ الذي تتزعمه المستشارة أنجيلا ميركل وشريكه في الائتلاف الديمقراطي الاشتراكي بالإضافة إلى الحزب الليبرالي وحزب الخضر .
المُثير في هذا الأمر أن حركة المقاطعة تلك في ألــــمـــانــيا قد حققت العديد من النجاحات في هذه الآونة وكانت تلك الحركة مستوحاة من حركة مناهضة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وحدث أنه في عام 2018 انسحب ما يقرب من عشرين فنانًا من مهرجان موسيقي في إسرائيل كما أن حركة B.D.S. دعت الحركة الفنانين والمعجبين إلى مقاطعة مسابقة الأغنية الأوروبية لأن إسرائيل هي المضيفة جنوب أفريقيا العديد من النجاحات في الآونة الأخيرة وفي عام 2018 انسحب ما يقرب من عشرين فنانًا من مهرجان موسيقي في إسرائيل .
كذلك في 6 يوليو2020قال أوي بيكر مفوض الدولة الألماني لمكافحة معاداة السامية في ولاية هيسن لصحيفة جيروزاليم بوست إن سفير بلاده لدى الأمم المتحدة يروج لمعاداة السامية في الأمم المتحدة عندما قارن الدولة اليهودية بحماس وأضاف أن “المقارنة التي أجراها [كريستوف] هيوسجن بين تصرفات إسرائيل وإرهاب حماس تضر بالتضامن مع الكيان الصهيوني وهي للأسف تميل إلى تعزيز معاداة السامية المرتبطة بإسرائيل “وأن “ألمانيا يجب ألا تكون مصدرا لمعاداة السامية المرتبطة بالكيان الصهيوني”. وقال إن “المهزلة السياسية” في الأمم المتحدة “لا يمكن الرد عليها إلا بالرفض” فيما يتعلق بنمط التصويت في ألمانيا , وكان بيكر يرد على تقرير صحيفة “واشنطن بوست” الحصري ومفاده أن منظمة حقوق الإنسان “مركز سيمون فيزنتال” صنفت هيوسجن في المرتبة السابعة في قائمتها لعام 2019 لأسوأ حوادث اندلاع حوادث معادية للسامية ومعادية لإسرائيل وأوضح بيكر وهو أيضًا رئيس المنظمة المؤيدة للكيان الصهيوني “الجمعية الألمانية الإسرائيلية : إن “إدراج السيد هيوسجن على قائمة مركز فيزنتال هو أكثر من مجرد بطاقة صفراء لسلوك ألمانيا التصويتي في الأمم المتحدة”وقالت المفوضة: “يجب على ألمانيا أن تظهر المزيد من التضامن تجاه الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة وأن ترفض بشكل حاسم في المستقبل القرارات المناهضة للكيان” وأشار بيكر إلى إن “عدم رغبة الجانب الفلسطيني في إجراء مفاوضات جادة ورفض الجانب العربي لجميع خطط السلام الدولية السابقة يزيد من الضغط على الحكومة الإسرائيلية لحل القضايا الإقليمية ذات الصلة من جانب واحد”. . وهذا أمر مفهوم من وجهة نظري. كان من الممكن أن تكون هناك دولة فلسطينية لأكثر من 70 عامًا لو كانت الدول العربية قبلت ولم ترفض خطة التقسيم التي أصدرتها الأمم المتحدة عام 1947” وأضاف أنه “بدلاً من مد اليد التي كان ديفيد بن جوريون يمدها سلمياً للدول المجاورة في يوم إعلان استقلال إسرائيل عام 1948 أعلنت الدول العربية الحرب على الدولة اليهودية الفتية وقد فعلت ذلك في العام 1948” العقود التي تلت ذلك ليس للحكومة الإسرائيلية الحق فحسب بل من واجبها حماية مواطنيها وتأمين حدود البلاد” , وفي هذا قال راينر بريول نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية بحسب ما نقلته دويتشه فيله : “إن ربط هيوسجين بمعاداة السامية أمر سخيف”وقالت وزارة الخارجية الألمانية إن نمط تصويت هيوسجن تم تحديده باسم إدارة ميركل التي صوتت 16 مرة ضد إسرائيل في عام 2018 وصوتت 17 مرة ضد الدولة اليهودية في عام 2019 في الأمم المتحدة وقال مركز فيزنثال إن “ألمانيا في خضم فترة عامين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قام سفيرها لدى الأمم المتحدة كريستوف هيوسجن بأثار ضجة بسبب عدد الأصوات المناهضة للكيان الصهيوني حين أدلي بتصريحات ساوي فيها بين 130 صاروخا أطلقتها حماس الإرهابية على المدنيينالصهاينة في أسبوع واحد في شهر مارس مع هدم الدولة اليهودية لمنازل الفلسطينيين وعندها أعلن هيوسجن: “نعتقد أن القانون الدولي هو أفضل وسيلة لحماية المدنيين والسماح لهم بالعيش في سلام وأمن ودون خوف من الجرافاتالصهيونية أو صواريخ حماس” وأشار مركز فيزنثال في تبريره إلى أن صحيفة بيلد أكبر صحيفة منتشرة في ألمانيا “اتهمت هيوسجن في مقال افتتاحي بـ”الحقد المحض” ضد الدولة اليهودية”وتابع المركز وقال أن “هيوسجن أدلى بـ16 صوتا مناهضا لإسرائيل في الأمم المتحدة عام 2018 وامتنع عن التصويت مرة واحدة وفي عام 2019صوت لصالح تسعة قرارات مناهضة للكيان الصهيوني بما في ذلك قرار يصف أقدس المواقع في القدس بأنها “أرض فلسطينية محتلة” بينما امتنع عن التصويت ثلاث مرات وعارض قرارًا واحدًا فقط مناهضًا لهذا الكيان واختتم بالقول إن “المستشارة أنجيلا ميركل أعلنت في خطابها الشهير في الكنيست الإسرائيلي عام 2008: “أمن إسرائيل ليس قابلاً للتفاوض أبدًا بالنسبة لي كمستشارة ألمانية” ويبدو أن هيوسجن لم يحصل على المذكرة مطلقًا”.
لكن ولأسباب غامضة فقد تجاهلت المستشارة أنجيلا ميركل ووزارة خارجيتها بيكر والحكومة الصهيونية والمجلس المركزي لليهود في ألمانيا الذين حثوا جميعًا وزير الخارجية هايكو ماس على التوقف عن إدانة الدولة اليهودية في الأمم المتحدة كما ُيذكر أن ألمانيا إنضمت عام 2019 إلى الأنظمة التي تُوصف بأنها إستبدادية مثل جمهورية إيران الإسلامية في التصويت لصالح سبعة من ثمانية قرارات ضد الكيان الصهيوني فقد امتنعت برلين عن التصويت على القرار الثامن المناهض لإسرائيل .
فالموقف الالماني الأخير لحكومة ألمانيا بقيادة المستشار أولاف شولتس يختلف عن الحكومة السابقة له قليلاً والمُثير للتأمل أن الساحة الألمانية ليس مفتوحة بصفة مُطلقة للصهاينة فقد نشر موقع The Trumpet في 18 ديسمبر2020فتحت عنوان : ” هل يتعاون الديمقراطيون الاشتراكيون في ألمانيا مع كارهي الكيان الصهيوني؟ ” فكانت الإجابة : ” أن الأحزاب السياسية الرئيسية في ألمانيا تقليديا تزعم أنها حليفة وثيقة للكيان الصهيوني ومع ذلك فإن منظمة الشباب التابعة للحزب الاشتراكي الديمقراطي، Jusos تتعاون مع كارهي الكيان الصهيوني ففي المؤتمر الفيدرالي لـ “Jusos” في 28 نوفمبر2020 مرر المشاركون اقتراحًا يعبر عن التضامن مع منظمة فتح الشباب الفلسطينية المتطرفة وأثنوا على المجموعة باعتبارها “منظمة شقيقة” وقبل عامين فقط وفي مظاهرة لشباب فتح في الضفة الغربية ارتدى الأعضاء أحزمة ناسفة وهمية ودعوا إلى القتال ضد الكيان الصهيوني .
كذلك وفي مقال بعنوان “شباب الحزب الاشتراكي الديمقراطي يظهرون تضامنهم مع كارهيالكيان الصهيوني” تساءلت صحيفة بيلد بشكل واضح : “هل لدى اليسو مشكلة معاداة السامية؟ … شباب فتح ينكر حق الكيان الصهيوني في الوجود ويهدد بشن هجمات إرهابية وينشر محتوى معاد للسامية على شبكة الإنترنت ألا يعلم فريق الجوسو من هم كارهي الكيان الصهيوني الذين يتضامنون معهم؟” وأوضح موقع Bild.de أن شعار شباب فتح هو خريطة لإسرائيل بألوان السلطة الفلسطينية ومن وجهة نظرهم، “لا توجد دولة يهودية هنا” وبعد انتقادات شديدة من الجمعيات اليهودية حاول الاتحاد وحزب الديمقراطيين الأحرار رئيس منظمة Jusos السابق ونائب رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي، كيفين كونرت توضيح الأمرفأعلن كونرت أن فريق Jusos يعمل مع شركاء من الكيان الصهيوني وفلسطينيين وأنشأوا مركز ويلي براندت (WBC) في القدس لهذا الغرض في عام 1996, ولكن كما يكشف البحث الذي أجرته صحيفة بيلد عن مركز ويلي براندت فإن “الذي يدعي أنه مكان اجتماع لـ”الأطراف ذات التوجهات السلمية” ويريد “المساهمة في السلام في المنطقة” يوظف أعداء لدودين للكيان الصهيوني” .
ومع وضع هذا في الاعتبار ينبغي التدقيق بشكل وثيق في موقف الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الحكومة الألمانية ففي عام 2017 أهان وزير الخارجية الألماني ورئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي زيجمار جابرييل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وكان جابرييل قد خطط لزيارة إسرائيل وحذره نتنياهو من أن الاجتماع مع الجماعات المنتقدة للحكومة التي تصنف الجنود الإسرائيليين على أنهم مجرمي حرب سيكون بمثابة كسر للصفقة لكن جابرييل التقى بمجموعة كسر الصمت فاضطر نتنياهو إلى إلغاء لقاءه مع جابرييل.
واحتفل السياسيون ووسائل الإعلام الألمانية بعودة جابرييل من الكيان الصهيوني وكتبت مجلة شبيجل أونلاين: “سيجمار جابرييل عاد إلى برلين الأسبوع الماضي منتصرا وتم تهنئته في كل مكان على أدائه وأُعتبر أن سلوك وزير الخارجية كان “مثالياً” , كذلك ومنذ انضمت ألمانيا إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كعضو غير دائم في يناير2020 قدمت الحكومة الألمانية نفسها على أنها مؤيدة للكيان الصهيوني في الذكرى السبعين لانضمام هذا الكيان إلى الأمم المتحدة وأعرب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس عن أسفه لـ “المعاملة والإقصاء الأحادي الجانب” للدولة اليهودية في لجان الأمم المتحدة وخلص ماس عضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى أنه لا ينبغي التشكيك في أمن إلكيان الصهيوني “في أي مكان ولا من قبل أحد” , ولكن كما أشارت صحيفة Bild.de في شهر مايو2020: فـ “على الرغم من التصريحات الرائعة التي أصدرها ماس بالوقوف إلى جانب الكيان الصهيوني فقد دعمت ألمانيا مرارًا وتكرارًا القرارات السابقة التي بادر بها أعداء إسرائيل”فألمانيا، التي يُفترض أنها واحدة من “أقرب حلفاء إسرائيل”، لا تتفق بشكل أساسي مع سياساتها الحالية .
كذلك فالحكومة الألمانية السابقة كانت لها مواقف مُضادة للصهاينة ففي زيارته لإسرائيل في 10 يونيو2020 أعرب وزير خارجية ألمانيا ماس عن عدم موافقته على خطة إسرائيل لضم 30% من الضفة الغربية وقال في تغريدة على تويتر : “تحدثنا أيضًا عن عملية السلام في الشرق الأوسط وأبلغت زميلي بالكيان الصهيوني بمخاوفنا الصادقة والجدية بشأن عواقب الضم نحن نقف مع شركائنا في الاتحاد الأوروبي من أجل التوصل إلى حل الدولتين عن طريق التفاوض والمقبول من الطرفين”.
في 16 مارس 2021استقبل الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير نظيره الإسرائيلي رؤوفين ريفلين في مقر إقامته في شلوس بلفيو في برلين وناقش الجانبان من بين موضوعات أخري علاقة ألمانيا بإسرائيل وتحدث شتاينماير عن ثقة الكيان الصهيوني بجمهورية ألمانيا الاتحادية ووصفها بأنها “فرحة كبيرة ومسؤولية كبيرة”وأشار إلى أن الكثير قد تغير في الشرق الأوسط منذ التقى السياسيان العام الماضي وأعرب عن دعمه “لحل الدولتين” باعتباره أفضل طريق للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وشدد شتاينماير وريفلين على الهدف المشترك المتمثل في وقف طموحات إيران النووية حيث قال الرئيس الألماني للصحفيين: “إننا نشارك إسرائيل مخاوفها الأمنية”وعلى الرغم من أن ريفلين قال إن المعاهدات الأخيرة التي وقعها الكيان الصهيوني والدول العربية المجاورة قد أثارت الآمال في أن المعتدلين سينتصرون إلا أنه قال إن العكس هو الحال في إيران – حيث يبدو أن المتشددين يتصاعدون مرة أخرى – “يجب على المجتمع الدولي أن يتحدث بشكل حاسم ويقف بلا هوادة”ضد إيران نووية” مضيفا: “إننا نعتمد على أصدقائنا في أوروبا”.
في 19 مايو 2021 قالت وزارة الداخلية الألمانية إنه وسط القتال بين الكيان الصهيوني والفصائل الفلسطينية المسلحة فقدحظرت ألمانيا ثلاث جمعيات متهمة بالتبرع لجماعة حزب الله المدعومة من إيران , والجمعيات الثلاث التي تم حظرها هي “Deutsche Libanesische Familie” و”Menschen für Menschen” بالإضافة إلى “Gib Frieden” التي تم حظرها بالفعل في 15 أبريل 2020 .
في 14 يناير 2024 وعلي قاعدة التماهي مع الموقف الأمريكي الداعم بصفة مُطلقة وبغير قيد أو شرط للصهاينة وحرب الإبادة والحصار علي غــزة أُعلن عن مشاركة ألمانــيـــا في حلف حراس الإزدهار الذي دعت إليه الولايات المتحدة لمواجهة خطر مهاجمة الحوثيين القطع البحرية الصهيونية أو التي تتجه لتموين الصهاينة في ميناء إيلات بخليج العقبة رداً علي الحصار الصهيوني لـغـــزة وقد قال رئيس لجنة الدفاع بالبرلمان الألماني إنه من المتوقع أن تشارك ألمانيا في مهمة بحرية للاتحاد الأوروبي لحماية الملاحة في البحر الأحمر تلك التي سيوافق عليها وزراء خارجية الاتحاد هذا في يناير 2024 .
ما تقدم يوضح أن دعم ألمانيا للكيان الصهيوني الآن ليس فقط في الإعلام الألماني بل إن له قاعدة أيضاً في البرلمان الألماني مع أن الحكومة الألمانية السابقة لم تتبن مـوقف فـــج كالموقف الألماني الحالي , وعليه فلا يمكن إعتبار المساندة الألمانية الحالية للصهاينة في محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية مفاجأة بقدر ما تعبر عن إنسياق وتماهي ألماني أعمي مع سياسة الولايات المتحدة المُضللة من حرب غـــزة والقضية الفلسطينية فكيف يستقيم أن تتحدث واشنطن عن حل الدولتين وهي تمون العسكرية الصهيونية بالأسلحة والذخيرة في آن واحد فهذه المساندة الألمانية تجسد الإزدواجية في المفاهيم السياسية والقانونية الألمانية بنفس القدر الذي تلقي الضوء علي مساحة الضلال والتضليل في الجسد السياسي والإعلامي والتشريعي الألماني .
إن الذي يثير التأمل ثم الإعجاب والإحترام لدول كناميبيا وجنوب أفريقيا أن هذه الدول تربطها علاقات مصلحية بالغرب وبألمـــانيــا كما في حالتي نايمـــيبــا وجنوب أفريقيا , ورغم ذلك تسمح لهم حالة الإلتصاق بالمبادئ أن ترفع عقيرتها ضد ألمـــانيا وغيرها إن هي حادت عن المعتيار القيمي المعهود عند بني آدم فألمانيا علي سبيل المثال وليس الحصر أعلن في 16 نوفمبر2023 أنه من المقرر بناءها محطة تجريبية للهيدروجين الأخضر ومحطة للتزود بالوقود لاكتساب رؤى علمية حول رفع مستوى تقنيات الهيدروجين الأخضر ولضمان مستوى أمان عالٍ لاقتصاد الهيدروجين في ناميبيا وذلك مع الوكالة الألمانية الاتحادية لتصنيع المواد وتقدم الوزارة الاتحادية للتعليم والبحث في ألمانيا أكثر من 10 ملايين يورو لتطوير المصنع التجريبي للتنظيف بالقرب من خليج والفيس كما قدمت ميزانية للمشروع تزيد عن مليون يورو لشركة BAM وقال رئيس سلامة مكونات BAM البروفيسور الدكتور إنج توماس بولينجهاوس الذي يقود الجانب الألماني من المشروع إن برنامج البحث المشترك سيحدد مواد مبتكرة لخطوط النقل الملحومة وأنظمة الأنابيب وصهاريج التخزين التي من شأنها تعزيز سلامة واستدامة الهيدروجين الأخضر التقنيات وفي هذا الإطار دعت شركة Cleanergy BAM ومعهد ناميبيا للهيدروجين الأخضر بجامعة ناميبيا (UNam) للتعاون كشركاء بحثيين ومن المتوقع الانتهاء من المحطة التجريبية بقدرة 5 ميجاوات والتي ستكون بمثابة أرض اختبار لإنتاج الهيدروجين ومعالجته بالإضافة إلى المكونات والبنية التحتية المرتبطة به في غضون عشرة أشهر وتتمثل المهمة في قيادة تحول الطاقة الخضراء في ناميبيا من خلال أن تصبح المنتج الأول للهيدروجين الأخضر وتقليل انبعاثات الكربون ودفع النمو الاقتصادي باستخدام محطة الطاقة الشمسية التابعة لشركة Olthaver & List وخبرة CMB.TECH في تقنيات الهيدروجين والأمونيا ., كذلك فقد أُعلن في 19 نوفمبر 2023 أن بنك التنمية الألماني المملوك للدولة KfW وافق على إقراض جنوب إفريقيا 9 مليارات راند (حوالي 540 مليون دولار) لمساعدة البلاد في التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة يعد هذا التمويل جزءًا من شراكة التحول العادل للطاقة الأوسع التي جمعت 160 مليار راند (حوالي 9.6 مليار دولار) منذ إنشائها في عام 2021 وتؤكد الشراكة على الجهد العالمي لتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحاجة الملحة لمعالجة تغير المناخ .
وفي تناقض صارخ مع موقف نامبيا المناصر للقضية الفلسطينة والداعم لموقف جنوب أفريقيا في قضية إبادة الفلسطينيين حرب غــزة بل وإنتقادها وتشهيرها بمصداقية ألمانيا في مساندتها لوجهة النظر الصهيونية في محكمة العدل الدولية نجد أن دولة يختلقون أهمية مزيفة كاذبة لها ولدورها في الشرق الأوسط مع إنها ليست إلا جوال متنقل مــُــتخم بأموال البترول كالسعودية التي ليست بمملكة ولا هي عربية بدليل أنها في الوقت الذي تساند فيه ألمانيا الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية بإعتبارها إحدي الدول الموقعة علي معاهدة الإبادة الجماعية نجد أن متحدث باسم الحكومة الألمانية يُعلن في 10 يناير 2024 أن ألمانيا ستستأنف تسليم الأسلحة إلي السعودية وهي عبارة عن 150صواريخ IRIS-T وكانت محظورة بسبب محظورة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في عام 2018فقد أجاز مجلس الأمن الاتحادي الألماني الصفقة في ديسمبر 2023 وفقا لوثيقة من وزارة الاقتصاد اطلعت عليها رويترز مما يؤكد تقريرا سابقا لمجلة شبيجل الإخبارية , ويجدر بالإشارة إلي أنه يتم إطلاق صواريخ IRIS-T التي تنتجها شركة صناعة الأسلحة الألمانية Diehl من قبل طائرات يوروفايتر السعودية وأوضح مصدر أمني إن الدفعة الجديدة التي لم يتم تسليمها بعد تهدف إلى تجديد المخزون السعودي الذي استنزف خلال السنوات الماضية مضيفا أن الصواريخ استخدمت في الآونة الأخيرة أيضا لإسقاط طائرات مسيرة أطلقت من اليمن الذي يسيطر عليه الحوثيون وفي تحول كبير في السياسة قال كل من المستشارة أولاف شولتس ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك في الأسبوع الأول من يناير2024 أن الحكومة في برلين لن تقف بعد الآن في طريق الخطط البريطانية لبيع طائرات يوروفايتر إضافية إلى الرياض التي لا يُعتد أبداً بكفاءة جيشها ولا بإستقلال قرارها الذي تتناوب القوي الكبري حالياً علي خطب ود المال السعودي وليس الدور كما يتوهمون ويعمدوا إلي إيهام الآخرين عن طريق إعلام مخمور بوجوده وواقع الحال أنه وهم وسراب لمن يعتقدون أن المال يصنع أدواراً ودولاً حقيقية يُخشي بأسها والدليل أن هذه السعودية لم تجرؤ علي مواصلة الحرب لمنازلة الحوثيين الرابضين جنوبها , كل ما إستطاعته هو المشاركة الوقحة في حصار غزة علي التوازي مع إضعاف مصر , ولذلك لم يجرؤ الإعلام السعودي الموجه والمُدار بقسوة علي ذكر الدور الناميبي في دعم موقف جنوب أفريقيا ووضع مصداقية المانيا الداعمة للصهاينة في حرج وضيق بالغين .
تــــعــــلــــيـــق :
لم تطلب دولة عربية أو غير عربية أو أي أحد ولا طلبت جامعة الدول العربية الكسيحة ولا الإتحاد الأفريقي الذي يراسه أحد أخلص أتباع العميل الفرنسي رئيس تشاد المغدور أدريس ديبي من نــامـــيبيا أن تقوم بالتشهير موضوعيا بالموقف الألماني المساند للصهاينة في القضية التي رفعتها لدي محكمة العدل الدولية جنوب أفريقيا المجاورة لناميبيا بل لقد كان الوازع الإنساني الذي إفتقده الحكام العرب هو رائد ناميبيا في التشهير العلني بالموقف الألماني الداعم للصهاينة بإستخدام القاعدة المنطقية الشهيرة وهي ” أن فاقد الشيئ لا يمكن أن يعطيه ” , فالمانيا سبق لها أن إقترفت أول مذبحة موثقة أعترفت بها وأقرت بتعويض لناميبيا وهي المذبحة ذائعة الصيت التي أرتكبتها في مستهل القرن العشرين وبالتالي يكون دعمها ذاك للصهاينة في نظر أعضاء محكمة العدل الدولية لا يخرج عن كونه دعم قاتل أثيم لقاتل أثيم آخــر وبالتالي فسيقر في ضمير المحكمة أن قتلة يبررون جريمة إقترفها قتلة آخرون وهو أمر طبيعي ومتوقع وهو ما يثبت والحالة هذه ودون أدني شك أن جريمة الإبادة الجماعية التي أقدم الصهاينة علي إقترافها ما هي إلا تكرار لجريمة الإبادة التي إقترفها الألمان سابقاً لشعب ناميبيا وكان الأجدر بالصهاينة أن يبحثوا عن من يدعمهم و صفحته غير مُلطخة بدماء الأبرياء كالألمان لكن رفاق القاتل لابد أن يكونوا من القتلة وشذاذ الآفاق فمن يُرافق المجرمون إلا أصحاب السوء وأصحاب الطوية السيئة , ولقد جاء الدعم الناميبي كأفضل ما يكون الدعم من دولة تقدمت للدفاع عن المظلوم غير آبهة بما يمكن أن تخسره أو حتي تظفر به فكانت في موقفها هذا كمن يطبق حرفياً آية القران الكريم التي تقول : “وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ” , والآية الأخري التي تقول : ” قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ” , أي أن ناميبيا أدارت ظهرها لبعض مصالحها مع ألمانيا في سبيل منازلة الباطل والوقوف بشجاعة إلي جانب الحق , الحق الذي تتمزق أجساد أتباعه في غــزة بالسلاح والذخيرة الأمريكية وتتمزق أرواحهم بصمت وهوان ومذلة أولي أمر العرب .
جلب الموقف النامـــيبي مزيداً من الخــزي إن لم يكن الــعار لمعظم الحكام الـــعرب ولسلطة رام الله ولمحمود عباس وجماعته تحديداً فـغـزة تُباد وهو باسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لا يلوي علي شيئ , وبالعكس فقد أكسب نامبيا إحتراماً وتقديراً كبيراً من دول وأفراد كثر لم يكن من الممكن لدبلوماسية متواضعة كديبلوماسية نامبيا أن تحظي بها في وقت قصير نتيجة الموقف الناميبي الداعم للحق الفلسطيني والذي شان المــانــيا الداعم غير الفطن والأحمق للكيان الصهيوني , وعرف العالم أن للحق أناس ودول تذود عنه فقط لأنهم مجبولون علي فطرة إحقاق الحق فلقد طبقت نامبيا عملياً وواقعياً الآية الكريمة التي تقول : ” جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ” , مع أنه كان الأولي والأجدر بالعرب الذين نزل القرآن الكريم بين ظهرانيهم أن يتشبث أولي الأمر فيهم بآيات القرآن الكريم .
عندما فتحت نـــامـــيبيا النار علي ألمانيا القوة المُستعمرة السابقة لها وشهرت بالإبادة التي إقترفتها للناميبيين في مستهل القرن العشرين فهي قد قدمت ملفاُ إضافياً لمحكمة العدل الدوليه لم تكن تتوقعه لا ألمانيا ولا أقرانهم الصهاينة عن إبادة الجنس البشري التي أقدمت عليها دولة كألمانــيــا تدعي التحضر والديموقراطية وترفع عقيرتها لو كان الموضوع موضوع حقوق الإنسان فدولة كألمانيا يمتنع عليها التعرض لشؤن حقوق الإنسان في العالم كله فهي دولة آثمة لانها قامت بإبادة ما لا يقل عن مائة ألف ناميبي وهي تمعن في بيان وإستعراض قابليتها وجاهزيتها لتكرار نفس الفعلة عندما أيدت وتؤيد الصهاينة في إبادتهم للفلسطينيين في غزة عام 2023 وحتي اليوم أي أن ألمانيا لم تردعها الذكريات الإليمة فإشتاقت لرؤية ولقاءآخرين كالصهاينة يقومون بما قامت هي به سابقاً فهم زملاء الـشـر .
كان الأولي بالجامعة العربية و/ أو السلطة الفلسطينية القابعة مع فيلق التنسيق الأمني المقدس أو أي دولة عربية من التي تدعي ريادتها الأفريقية أن توفد وفداً أو حتي تبعث برسالة شكر للرئاسة الناميبية لموقفها الداعم والمشرف لجنوب أفريقيا ولـغـزة بالتالي لولا أن هذه الدول بموقفها المخجلة مما يحدث في غزة فقدت حتي الأهلية لفعل ذلك ولأن هذا لن يحدث فالمتوقع – وهذه أول خـــســـارة – بعد مواقف جنوب أفريقيا ونامبيا أن تتحول ريادة وقيادة العمل الأفريقي الدبلوماسية إلي جنوب أفريقيا وناميبيا فمواقفهما الإيجابية مما يحدث في غـزة ستعمل علي تناقص المصداقية الدبلوماسية العربية في أفريقيا وهي نتاج طبيعي لتراجع بل وهزيمة وتقهقر الدبلوماسية العربية في مــيــدان غــزة الذي تركوه أولي الأمر العرب لمجموعة من المجرمين القتلة المسلحين من الصهاينة ورئيس خرف لإدارة معظمها من شذاذ الآفاق الصهاينة .
إن حـــرب غـــزة أظــهــرت مدي هشاشة المحيط الذي تدور فيه رحي الصراع في غـــزة وأظهرت أيضاً تهافت وضحالة المؤسسات والمنظمات العربية والأفريقية وكيف أنها كالرسوم الكرتونية مظهر بلا مضمون أو محتوي , إن أمور كثيرة في المنطقة والعالم ستتغير بعد أحداث غـــزة وإن غــداص لــنــاظـــره قـــريـــب .
الـــــــســــفــــيـــر : بــــــلال الــــمـــصـــــري –
حصريا المركز الديمقراطي العربي – الـــقـــاهــــرة تحريــراً في / 23 ريــنــايـــر 2024