شرخ في بنيان الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ECOWAS
عقد مجلس الوساطة والأمن التابع للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ( ECOWASأو CEDEAOبالفرنسية) التي تضم 15 بلد عضو بها بغرب أفريقيا جلسة إستثنائية في أبوجا / نيجيريا في 8 فبراير 2024 وضم هذا الاجتماع الاستثنائي لمجلس الوساطة والأمن على المستوى الوزاري وزراء الخارجية والدفاع من الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ونُوقشت فيه قضايا سياسية وأمنية في فضاء دول الجماعة التي تأسست عام 1975 لتعزيز التكامل الاقتصادي كما نُاقش الإجتماع أيضاً مسألة انسحاب مالي وبوركينا فاسو والنيجرمن هذه المنظمة وأُضيف إلي قضية الإنسحاب الثلاثي قضية الوضع الديموقراطي في السنغال بسبب تأجيل الانتخابات الرئاسية فيها نتيجة إلغاء الرئيس ماكي سال الشعب السنغالي في خطاب إلى الأمة قراره بشأن المرسوم2283/ 2023في 29 نوفمبر 2023 عن هيئة للانتخابات الرئاسية المقررعقدها في 25 فبراير 2024 مما أثار حنق معظم قطاعات المجتمع السنغالي , وفي الجلسة المفتوحة قال وزير الخارجية النيجيري يوسف توججارفي ملاحظاته : “إن اجتماعنا هنا اليوم يثبت لنا الفرصة لتقييم التحديات بعناية قرار الحكام العسكريين لمالي والنيجر وبوركينافاسو الانسحاب من ECOWAS بشكل تعسفي مع كل الآثار المترتبة على حياة شعوبهم , ومن نافلة القول أننا أقوى معًا: كمجتمع فنحن نعرض فقط قيمنا المشتركة وسوق أكثر جاذبية ويمكننا أيضًا التعامل بشكل أكثر فعالية مع تلك التحديات المشتركة التي تتجاوز الحدود الوطنية : تغير المناخ والتطرف العنيف والهجرة والجريمة المنظمة على سبيل المثال لا الحصر” .
لكن تظل قضية الإنسحاب الثلاثي لبوركينافاسو ومالي والنيجر هي الأكثر خطورة علي الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا , فهذا الإنسحاب الذي أعلنه القادة العسكريين للدول الثلاث في 28 يناير2024 قد يؤدي لشرخ يتسع مع الزمن بفعل بعض التداعيات السياسية بغرب أفريقيا وبعض الخلافات الثنائية بين دول الجماعة وهو إنسحاب طالبت الدول الثلاث أن يكون فورياً – بالمخالفة لقانون تأسيس الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا – وهي كتلة إقليمية حيث تمثل الدول الثلاث المُنسحبة 15% من سكان المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا أي ما يقرب من نصف مساحتها وتتمتع بإمكانات اقتصادية كبيرة إن تأثير إنسحاب تحالف دول الساحل AES الذي يضم هذه الدول الثلاث على الناتج المحلي الإجمالي الإجمالي للإيكواس ضئيل للغاية مما يؤكد استقرار الكتلة وقدرتها على التكيف في مواجهة الديناميكيات الإقليمية ومع ذلك فإن هذه الخطوة قد تضع حداً لعقود من الأخوة التي كانت موجودة في الكتلة الإقليمية , ولذلك وفي 30 يناير2024 أصدر الاتحاد الأفريقي إشعارا رسميا نُشر على موقعه على الإنترنت يدعو إلى الحوار بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS) وثلاث دول أعضاء – بوركينا فاسو ومالي والنيجر وأعرب الاتحاد الأفريقي الذي يدعم مساعي الإيكواس لاستعادة الديمقراطية عن أسفه العميق إزاء إعلان الانسحاب وأكد على الحاجة إلى بذل جهود تعاونية للحفاظ على وحدة الإيكواس وتعزيز التضامن الأفريقي , كما دعا رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد في بيان رسمي نشره على موقعه الإلكتروني إلى تكثيف الحوار بين قيادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والدول الثلاث وأعرب عن استعداد الاتحاد الأفريقي للمساعدة في هذه العملية ففي 29 يناير2024أخطرت بوركينا فاسو ومالي والنيجر رسمياً مفوضية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بقراراتها بالانسحاب ووفقاً لأحكام معاهدة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا يتعين على الدول الأعضاء الراغبة في الانسحاب تقديم إشعار كتابي مدته عام واحد وهذا يعني أن الخروج الفعلي من الكتلة المكونة من 15 عضوًا قد يستغرق بعض الوقت مما قد يتيح مجالًا للمفاوضات .
علي أي حال فبعد فشل دعواتها المتكررة للعودة إلى الكتلة شكلت الدول الثلاث في سبتمبر 2023 تحالفًا يعرف باسم “تحالف دول الساحل” سعيًا لمساعدة بعضها البعض ضد التهديدات المحتملة بالتمرد المسلح أو العدوان الخارجي وذلك إثر تهديد المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا الثلاث المُنسحبة بالغزو وخاصة للنيجر التي بعد انقلاب 26يوليو2023 فيها علقت الـ ECOWAS جميع المعاملات التجارية معها وجمدت أصولها في البنك المركزي الإقليمي وكذا أصول الدولة والمؤسسات الحكومية في البنوك التجارية وعلقت جميع المساعدات المالية مع بنوك التنمية الإقليمية وهذا ليس كل شيء فقد ألغى البنك المركزي الإقليمي أيضاً إصدار سندات بقيمة 30 مليار فرنك أفريقي (51 مليون دولار) للنيجر في سوق الديون الإقليمية لغرب إفريقيا وبالإضافة إلى ذلك قطعت نيجيريا إمدادات الطاقة عن البلاد على خط بيرنين- كيبي بقدرة 80 ميجاوات بينما علقت ساحل العاج واردات وصادرات السلع النيجيرية وتم فرض حظر تجاري ومالي مماثل على مالي وبوركينا فاسو بشكل متساوٍ ردًا على الانقلاباتبهما.
رداً علي الموقف العنيف من ECOWAS شكلت مالي والنيجر وبوركينافاسو في سبتمبر2023تحالفاً فيما بينهم وقال هذا التحالف في الاتفاقية التي تلزم الدول الثلاث أيضًا بالعمل على منع أو تسوية التمردات المسلحة داخلها: “إن أي اعتداء على سيادة وسلامة أراضي طرف أو أكثر من الأطراف المتعاقدة سيعتبر عدوانًا على الأطراف الأخرى” , وقال التحالف في الاتفاقية التي تلزم الدول الثلاث أيضًا بالعمل على منع أو تسوية التمردات المسلحة داخلها: “إن أي اعتداء على سيادة وسلامة أراضي طرف أو أكثر من الأطراف المتعاقدة سيعتبر عدوانًا على الأطراف الأخرى” , وقال القائد العسكري المالي عاصمي غويتا على صفحته الاجتماعية : “لقد وقعت اليوم مع رئيسي دولتي بوركينا فاسو والنيجر على ميثاق ليبتاكو- جورما لإنشاء تحالف دول الساحل بهدف إنشاء إطار للدفاع الجماعي والمساعدة المتبادلة” وبعد حوالي ثلاثة أشهر، أكد رؤساء وزراء الدول الثلاث في مؤتمر صحفي مشترك في نيامي، عاصمة النيجر، التزامهم بالمستقبل المشترك “من الآن فصاعداً نقول سواء كنت من مالي أو النيجر أو بوركينا فاسو لدينا نفس المصير وقال رئيس وزراء بوركينا فاسو أبولينير يواكيم كيليم دي تامبيلا في المؤتمر الصحفي : “إننا سندخل معًا”. وأضاف: “الأمر متروك لنا للسيطرة على مصيرنا”. وفي تقديرهم الخاص فإن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تصرفت بسوء نية من خلال إخراجهم من المنظمة التي كانوا جميعاً من الأعضاء المؤسسين لها في عام 1975وقالوا إن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “انحرفت عن مُثُل آبائها المؤسسين وروح النزعة الأفريقية”.
أثارت بعض منظمات المجتمع المدني في فضاء الجماعة الإقتصادية لغرب أفريقيا إيكــواس مخاوف بشأن انسحاب الدول الثلاث من المنظمة وفي رسالة موجهة إلى رئيس هيئة رؤساء دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا الرئيس النيجيري بولا تينوبو قالت منظمات المجتمع المدني إن انسحاب هذه الدول يشكل تهديدًا مباشرًا للجهود التعاونية المطلوبة لمكافحة التحديات الأمنية الإقليمية وقالت على وجه التحديد إن مالي والنيجر لهما أهمية حاسمة في الحرب ضد الإرهاب والتمرد نظرا لموقعهما الجغرافي وطبيعة التهديدات الأمنية عبر الحدود “تلعب هذه البلدان وخاصة مالي والنيجر دورا حاسما في الحرب ضد الإرهاب والتمرد نظرا لموقعها الجغرافي وطبيعة التهديدات الأمنية عبر الحدود وجاء في الرسالة جزئيًا: “إن خروجهم من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لا يضعف إطار الأمن الإقليمي فحسب بل يترك نيجيريا أيضًا أكثر عرضة لامتداد عدم الاستقرار والأنشطة الإرهابية من هذه البلدان المجاورة” .
إن الدول الثلاث التي إنسحبت وُوجهت بفعل ضغوط خارجية (فرنسا والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي) بردود فعل عنيفة وليست متدرجة من قبل الـ ECOWAS ولم تحاول جماعة ECOWAS أن تقيم وتقدر الأوضاع الداخلية الهشة والمنذرة بالخطر داخل هذه الدول المُنسحبة مما إنعكس علي قدرة الإنقلابين علي إستعادة التوازن الداخلي بكل منها فالحكام الذين إنقلبوا عليهم كانوا حكام تبع ووكلاء للخارج وفاسدين وفي النهاية لا يملكون قاعدة شعبية داعمة لهم فلم يبك عليهم أحداً إلا القوة الإستعمارية كحالة فرنسا مع رئيس النيجر بازوم , ففي مالي على سبيل المثال والتي أصبحت أول دولة تضربها موجة الانقلابات التي استمرت في الانتشار عبر غرب أفريقيا انهار الانتقال المخطط له إلى حكومة منتخبة ديمقراطيا في عام 2022 بعد انقلاب أغسطس 2020 الذي أطاح بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا وقد قام الجيش بعد ذلك بتركيب حكومة مدنية على أمل إجراء الانتخابات في غضون عامين المقرر إجراؤها في 27 فبراير 2022 لكن الانقلاب الثاني في مايو 2021 حطم تلك الخطة وحتى بعد أشهر من الضربة الثانية وصف رئيس وزراء مالي شوجيل مايجا الموعد النهائي في فبراير 2022 بأنه غير واقعي وقال: “من الأفضل أن يكون لدينا بضعة أسابيع أخرى أو حتى بضعة أشهر أخرى” بدلاً من حدوث أزمة أخرى بعد الانتخابات مثل تلك التي أدت إلى سقوط الرئيس كيتا ومنذ ذلك الحين تغير طول الفترة الانتقالية عدة مرات وفي نهاية ديسمبر 2021 وبعد “مشاورة وطنية” اقترح رئيس مالي المؤقت عاصمي جويتا تمديدها لمدة خمس سنوات وتم تقليص هذه المدة لاحقاً إلى عامين تحت ضغط من الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وقد لا يكون تعهد جويتا بإجراء الانتخابات هذا الشهر قابلاً للتحقيق في ظل التطورات الأخيرة , وقد جادلت الدول الثلاث التي يقودها المجلس العسكري مرارا وتكرارا بأنها تريد استعادة الأمن قبل تنظيم الانتخابات في الوقت الذي تكافح فيه للتعامل مع التمرد الجهادي المرتبط بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية في بلدانها المختلفة وقال القادة العسكريون في النيجر إنهم يريدون حكومة لمدة تصل إلى ثلاث سنوات للانتقال إلى حكومة منتخبة ديمقراطيا وكان كابتن بوركينا فاسو إبراهيم تراوري الذي أطاح بالمقدم بول هنري سانداوجو داميبا في سبتمبر 2022 قد قال في البداية إنه يريد احترام هذا الجدول الزمني لكنه غير رأيه فيما بعد وقال عندما سئل عن إجراء الانتخابات بعد عام: “إنها ليست أولوية سأقول لك بوضوح الأمن هو الأولوية”.
قال توراي رئيس مفوضية ECOWAS في 5 فبراير2024أنه لا يوجد أساس حقيقي للأسباب التي قدمتها الدول لسحب عضويتها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وأضاف أنها لم تفكر في تداعيات هذا القرار على مواطنيها وأضاف قوله :”أن القرار المتسرع بسحب العضوية من الإيكواس لم يأخذ في الاعتبار شروط انسحاب العضوية من الإيكواس على النحو المنصوص عليه في معاهدة الإيكواس المعدلة لعام 1993″ , علي حين يرد بعض المراقبين هذا الإنسحاب الثلاثي إلي شكاوى الحكومات الثلاث ضد المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التي ترجع إلي إعتبارهم أن العقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على مالي ثم النيجر في أعقاب الانقلاب العسكري بهاتين الدولتين”غير قانوني وغير شرعي وغير إنساني وأن هذه العقوبات فُرضت بتحريض من “قوى أجنبية”واسبب الآخر للإنسحاب هو أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا قد أوقفت دعمها لحربهم ضد الإرهاب وانعدام الأمن وقد تدهورت العلاقات بين الجماعة الإقتصادية لدول غرب أفريقيا منذ الانقلابات في مالي (2020 و2021) وبوركينا فاسو (2022) والنيجر (2023) عندما بدأت الجماعة في الحديث عن تدخل عسكري (بتحريض فرنسي) والتلويح بتعليق العضوية وفرض عقوبات بداتها نيجيريا بقطع الإمداد الكهربائي للنيجرولم يتوفر إجماع ولا قدرة علي التدخل العسكري لكن الجماعة إستطاعت التوصل إلي قراربتعليق عضوية هذه الدول في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا مما أدي بهذه الدول الثلاث إلي إنشاء تحالف دول الساحل في سبتمبر 2023 فقد جاءت تهديدات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ( إيكواس) ضد النيجر بنتائج عكسية تماماً إذ وقعت الحكومات العسكرية في ثلاث دول أفريقية التي خلعت جميع زعمائها المدعومين من الغرب في السنوات الأخيرة إتفاقاً في 16 سبتمبر2023نص على مساعدة بعضها البعض فرديا أو جماعيا في حالة وقوع أي عدوان خارجي أو تهديد داخلي لسيادتها ووفقاً لهذا الإتفاق الثلاثي فإن “أي اعتداء على سيادة وسلامة أراضي طرف أو أكثر من الأطراف المتعاقدة سيعتبر اعتداء على الأطراف الأخرى” , ويأتي هذا الإتفاق الثلاثي بعد أن اضطرت باريس إلى سحب قواتها من مالي بعد التوترات مع حكومتها العسكرية في عام 2020 وفي وقت سابق من هذا العام انسحبت فرنسا أيضًا من بوركينا فاسو بعد أن أمرها الحكام العسكريون في البلاد بالمغادرة كما يأتي هذا الإتفاق الثلاثي علي خلفية إلغاء قادة الانقلاب في النيجر الاتفاقيات العسكرية التي سمحت للقوات الفرنسية بمحاربة الجهاديين في منطقة الساحل مما أعطى القوة الاستعمارية السابقة (فرنسا التي تروج وتضخم وتزرع أحياناً الإرهاب لسويغ بقاءها في غرب أفريقيا) شهرًا واحدًا فقط لسحب قواتها البالغ عددها 1500 جندي لكن فرنسا تجاهلت هذا الإنذار وكذا المطالبة بمغادرة سفيرها مُبررة هذا الموقف برفضها الاعتراف بسلطة القيادة الجديدة , لكن الكولونيل أمادو عبد الرحمن المتحدث باسم الحكومة في نيامي قال في بيان أذيع على شاشة التلفزيون إن”فرنسا تواصل نشر قواتها في العديد من دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في إطار الاستعدادات للعدوان على النيجر والذي تخطط له بالتعاون مع تجمع إيكواس” .
إن قرار الإنسحاب الذي إتخذته النيجر وبوركينافاسو ومالي قرار يحظي بشبه إجماع من شعوب الدول الثلاث ومؤسساتها التشريعية والإقتصادية (عارض تحالف منظمات نداء 20 فبراير 2023 من أجل إنقاذ مالي الانسحاب) ويروج الإعلام الغربي والفرنسي خاصة أن قرار الإنسحاب كان بحاجة إلي المشاورة الشعبية غافلين عن مظاهرات الجماهيير في النيجر ضد الوجود الفرنسي في النيجر وحصار شعب النيجر للسفارة الفرنسية في نيامي ثم الإذعان الفرنسي لرغبة قادة الإنقلاب العسكري وشعب النيجر في طرد السفير الفرنسي وكذا الحال في بوركينافاسو ومالي التي تجرع شعبها المر من الوجود العسكري الفرنسي , وفي النهاية يُعتبر هذا الإنسحاب بداية حدوث شرخ في بنيان الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS) ردا على تهديد المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بالتدخل وفرض العقوبات ونبذ الجماعة الدول الثلاث في التعاملات الدبلوماسية والإقتصادية , صحيح أن الإنسحاب الفوري مستحيل التنفيذ من الناحية المادية ولا يتوافق مع المعاهدة الحاكمة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إذ تنص المادة 91 على أن الانسحاب يصبح نافذاً بعد مرور سنة على الإخطار الرسمي وكانت السابقة الوحيدة هي خروج موريتانيا في ديسمبر 2000 بعد أن قدمت البلاد إشعاراً في ديسمبر 1999وخلال فترة الإخطار يتعين على الدول التي تطلب المغادرة أن تحترم التزاماتها تجاه الكتلة , ومع ذلك ففي الواقع أن الجماعة الإقتصادية لدول غرب أفريقيا شأنها شأن الإتحاد الأفريقي تعاني من إزدواجية المعايير فهما لم يتعاملا مع الإنقلابات العسكرية بنفس المعيار فقد قامت ECOWAS بقمع بعض الإنقلابات العسكرية وتغاضت عن إنقلابات اخري فإنقلاب الجابون الذي جري في صباح الأربعاء 30 أغسطس عقب إعلان لجنة الانتخابات فوز الرئيس علي بونجو أونديمبا بولاية ثالثة في 29 أغسطس2023 عُومل بنعومة ولطف ولم يتم التصدي له بنفس عنف الإجراءات التي إتخذتها ECOWAS في مواجهة إنقلاب النيجر الذي وقع في 26 يوليو 2023, ففي حالة إنقلاب تشاد والذي تم فيه التحايل علي الدستور نجد إزدواجية واضحة للمعايير وضَرَبَ الإتحاد الأفريقي عَنْهُ صَفْحاً ففي 14 مايو 2021 قرر مجلس السلم والأمن PSC التابع للاتحاد الأفريقي عدم فرض عقوبات على تشاد وسلطاتها الجديدة , ذلك أنه منذ بدء الانتقال العسكري بعد وفاة الرئيس التشادي إدريس ديبي إيتنو في 20 أبريل 2021تعرضت السلطات العسكرية التشادية الجديدة للتهديد بتعليق عضوية تشاد بالإتحاد الأفريقي بسبب إنتهاكها لدستور تشاد الذي يتضمن نصاً يرتب عملية إنتقال السلطة في حال شغور منصب رئيس الدولة بالوفاة أو بالعجز بحيث تؤول السلطة لمدة مُؤقتة مداها 40 يوم لرئيس البرلمان يجري بعدها إنتخابات رئاسية وهو ما تجاوز عنه المحلس العسكري الذي أعلن عن تولية السلطة لأبن الرئس الصريع إدريس ديبي بدون إعتبار للنص الدستوري ذا الصلة مُكتفياً بتفويض السلطة من تلقاء نفسه من واقع بيان أصدره المجلس العسكري التشادي أدعي فيه شرعيته وتضمن هذا البيان تشكيل مجلس عسكري أعلي إنتقالي يتولي السلطة في البلاد لفترة 18 شهراً يجري خلالها تنظيم إنتخابات مما يعني أن الوضع القائم في تشاد هو وضع لشبه إنقلاب عسكري أو Quasi-Putsch وهو وضع لنقطة مُتوسطة تقع ما بين الإنقلاب الدستوري والإنقلاب العسكري مما يتوجب الإدانة لكن هذه الإدانة لم تتحقق من الإتحاد الأفريقي الذي يتولي رئاسته مواطن تشادي هو موسي فقيه أحد رجالات الرئيس الصريع إدريس ديبي أهم عملاء فرنسا في غرب أفريقيا التي ساندته مراراً عسكريا لمواجهة إنقلابات عسكرية من المعارضة التشادية , وهذا التباين الواضح في مسلك الإتحاد الأفريقي و ECOWAS مرده مصالح ومعايير القوي الكبري وتحديداً فرنسا بإعتبار تدهور علاقاتها بالنيجر فالإنقلاب بها كان أحد أهم أهداف التخلص من النفوذ والتخريب الفرنسي للبنيتين السياسية والإقتصادية بالنيجر (وطبعا في كل دول الفرانكفون الأفريقية) أما الانقلابات العسكرية أو”الانقلابات المؤسسية” من قبل الحكومات المنتخبة كما هو الحال في ساحل العاج وغينيا فمرت بسلام وهدوء وصاحبتهما تغطية إعلامية غربية / فرنسية مواتية لأن المصالح الغربية بهاتين البلدين لم يمسهما قادة الإنقلاب بهما , وهذا التباين الصارخ لا يمكن في إعتقادي أن يتيح للدول الثلاث : بوركينا فاسو ومالي والنيجر فرصة للتراجع فموقف ثلاثتهم الثابت هو أن إنسحابهم ليس بهدف الضغط والتفاوض بل هو إنسحاب يمليه الأمن القومي للدول الثلاث فـ ECOWASلا يعدو وأن يكون إلا “بورصة لمصالح ونفوذ القوي الكبري” وتحديدا أهمهم فرنسا والولايات المتحدة والصين وروسيا , وتأكيداً لثبات قيادات الإنقلابات في الدول الثلاث المُنسحبة فقد تم تأجيل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في مارس ويوليو 2024 في مالي وبوركينا فاسو إلى أجل غير مسمى , ولذلك ونظراً لإستناد قادة إنقلاب الدول الثلاث لقاعدة شعبية داعمة ومؤيدة فمن الممكن أن تؤدي مراجعة سياسات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إلى إعادة الدول الثلاث إلى مجموعة ECOWAS منعاً لمزيد من الانسحابات مُستـــقـبلاً كما قد تكون هذه الإنسحابات مقدمة لخروج محتمل من الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا وهذا التطور من شأنه أن يكون أكثر ضررا بالنسبة للدول الثلاث وبقية الاتحاد , وأتوقع في ضوء ضعف بنيان ECOWAS إعادة جماعة إيكواس النظر في استخدام العقوبات العشوائية ضد مالي في عام 2022 والنيجر منذ يوليو 2023 والتي تعتبر محل نزاع قانوني وتؤثر بشكل رئيسي على المدنيين في ضوء عدم فعاليتها فهذه الدول شأن غـــزة تستطيع المقاومة ويمارس الغرب معها سياسة المساعدة الــمــُدارة لتحقيق مصالح غربية / فـرنـسيـة , والمُثير للتامل إدعــاء ECOWAS أن الإنسحاب الثلاثي يُعرض الإستقرار الإقليمي للخطر مع أن كل هذه الدول الأعضاء في ECOWAS تعلم يـقـيـناً أن التدخلات الغربية هي وليست إنسحابات هذه الدول الثلاث هو السبب الرئيسي لعدم الإستقرار الإقليمي .
في ديسمبر2023 وخلال زيارة عمل لموسكو قام بها رئيس وزراء النيجر علي ماهامان لامين زين طلب من الروس إنشاء قاعدة عسكرية روسية , وأوضحت وزارة الخارجية الروسية في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني أن تعاونها العسكري الفني مع الدول الإفريقية يهدف بالدرجة الأولى إلى تسوية الصراعات الإقليمية وربما وقف انتشار التهديدات الإرهابية ومحاربة الإرهاب المتزايد في القارة ( نفس الأسطوانة المشروخة التي لا يملوا منها) وتفيد التقارير أن استراتيجيتها بشأن أفريقيا تتطلع إلى بناء قواعد عسكرية في القارة , والطريق الآن أصبح ممهداً لروسيا التي إستفادت من أخطاء فرنسا ومن عدم وضوح رؤية الإتحاد الأوروبي فهاهي النيجر قد ألغت كافة مهمات بعثة بناء القدرات المدنية التابعة للاتحاد الأوروبي التي تم إنشاؤها في عام 2012 الأمر الذي أدى إلى توترات سياسية متزايدة بين النيجر والاتحاد الأوروبي بعد انقلاب 26يوليو 2023) .
التأثير الاقتصادي لــقرار الإنسحاب الـــثـــلاثي :
اعتبارًا من عام 2023تم تعليق عضوية بوركينا فاسو حاليًا في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ويقدر عدد سكانها 22,1مليون نسمة وتشمل مواردها الطبيعية الذهب والمنجنيز والحجر الجيري والرخام والفوسفات ويمكن للأراضي الصالحة للزراعة الشاسع التي لم تعتمد بعد الزراعة الآلية أن تضمن الاكتفاء الذاتي الغذائي للبلاد بشكل كامل كذلك تم خروج مالي والنيجر من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ومالي هي ثامن أكبر دولة في أفريقيا حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 21.9 مليون نسمة في حين يبلغ عدد سكان النيجر أكبر قليلا نسبيا من 22.5 مليون نسمة وتعتبر بوركينا فاسو ومالي والنيجر من بين أفقر البلدان في العالم وهي بلدان غير ساحلية ويشكل هذا أحد أكبر المساوئ حيث قامت الإيكواس بتعزيز عقوباتها هذه المرة بإصدار أوامر بإغلاق الطرق الجوية المجاورة بالإضافة إلى الحدود لحملهم على مراقبة واحترام بروتوكولات الإيكواس والنشاط الرئيسي في مالي هو الزراعة ويعد القطن أكبر محصول تصديري في البلاد ويتم تصديره غربًا في جميع أنحاء السنغال وساحل العاج وقد خففت في السابق تطبيق قوانين التعدين مما أدى إلى تجدد الاهتمام الأجنبي والاستثمار في صناعة التعدين بالإضافة إلى ذلك يتم استخراج الذهب في المنطقة الجنوبية من مالي وتمتلك مالي ثالث أعلى إنتاج للذهب في أفريقيا (بعد جنوب أفريقيا وغانا) .
أما النيجر فتحدها نيجيريا وبنين من الجنوب وبوركينا فاسو ومالي من الغرب ثم تشاد وليبيا والجزائر وبنظرة عامة فهي ضعيفة إقتصادياً ويبلغ متوسط عدد السكان 22.5 مليون نسمة وتنتهج النيجر سياسة خارجية معتدلة وتحافظ على علاقات ودية مع الغرب والعالم الإسلامي وكذلك دول عدم الانحياز وحتى عام2023 حافظت على علاقة خاصة مع فرنسا القوة الاستعمارية السابقة ويركز اقتصاد النيجر على محاصيل الكفاف والماشية وبعض أكبر رواسب اليورانيوم في العالم وفي عام 2021 كانت النيجر المورد الرئيسي لليورانيوم إلى الاتحاد الأوروبي تليها كازاخستان وروسيا .
إنسحاب النيجر من إيكواس ينذر بتداعيات خطيرة علي نيجيريا تلزم الأخيرة بالتعامل مع النيجر علي المستوي الثنائي والتخلي عن إطارECWAS فهو سيلزمها بتناول علاقاتها الأخوية والتاريخية مع النيجر في سياق متوتر ، فمن الناحية الاقتصادية ينبع نهر النيجر من النيجر وإذا قامت تلك الدولة بإقامة سدود على منبع نهر النيجر فسيتم تدمير أو التسبب في التأثير سلباً في الطاقة الكهرومائية لنيجيريا (تقوم نيجيريا بتعطيل عما سد كانداجي بالنيجر) وأشير إلي أنه من المهم التحسب والحذر فعلاقة نيجيريا بالنيجر شديدة الإرتباط والتشابك ديموجرافياً وإقتصادياً ودينياً بالطبع كما أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا أصبحت الآن موضع تساؤل وهذا قد يعني بداية نهاية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وما يحدث تحت قيادة تينوبو رئيس نيجيريا كرئيس أيضاً للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ليس في صالحه ولا لصالح نيجيريا .
تقع بوركينا فاسو والنيجر ومالي غير الساحلية داخل منطقة الساحل الصحراء وهي المنطقة شبه القاحلة الشاسعة في أفريقيا التي تفصل الصحراء الكبرى من الشمال والسافانا الاستوائية من الجنوب وتعتبر هذه الدول أرض الفرص الضخمة بقدر ما هي مليئة بالصداع البيئي فهي تتمتع بموارد بشرية وطبيعية وفيرة وتوفر بلا أدنى شك إمكانات هائلة لتحقيق النمو السريع ولكن هناك أيضا تحديات عميقة الجذور سياسية وأمنية تؤثرسلبا على الرخاء والسلام. باختصار تحتاج هذه البلدان إلى هيكل سياسي جيد التنظيم وسياسات تنمية استراتيجية جيدة إلى جانب التكنولوجيا الحديثة لتسريع أهداف التنمية المستدامة على النحو المنصوص عليه في أجندة الاتحاد الأفريقي 2063.
ستخســرالإيكواس ما لا يقل عن 45 مليار فرنك أفريقي سنويًا من مساهمات المجتمع سنويا إثر قرار الإنسحاب الثلاثي والتوقف عن دفع مساهماتهم وفق تقدير أعلنه في 4 فبراير2024 الوزير المكلف بالاقتصاد والمالية البوركينابي أبو بكر ناكانابو أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) , وبعد الإنسحاب أنشأت بوركينا فاسو ومالي والنيجرفي 16 سبتمبر2023 ما أسموه بتحالف دول الساحل للدفاع عن بعضها البعض وتعزيز التنمية وأوضح في حديثه عن بلاده إلى أن انسحاب بوركينا فاسو من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لن يكون له تأثير يذكر على تجارتها الخارجية ويرجع ذلك أساسًا إلى ضعف تجارتها مع الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وخارج اتحاد غرب أفريقيا وأن : “خروجنا من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا من حيث التأثير على التجارة الخارجية ليس كبيرا بما فيه الكفاية وأشار إلى أن منطقة الإيكواس تضم 15 دولة عضو من بينها 8 دول داخل الاتحاد النقدي لغرب إفريقيا (UMOA) بما في ذلك بوركينا فاسو وأضاف أن الصادرات في عام 2023 وصلت إلى 14% مع منطقة الإيكواس بما في ذلك أقل من 3% مع الدول غير الأعضاء في غرب أفريقيا مثل غانا , وقد دخل صندوق النقد الدولي علي خط الأزمة داخل ECOWAS فنجده وكانه إكتشاف يحذر من صدمة اقتصادية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو بعد انسحاب المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ويضيف : أنه قد يؤدي انسحاب مالي والنيجر وبوركينا فاسو من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إلى ارتفاع تكاليف التجارة وتصاعد المخاطر الأمنية المحتملة وقد يعيق الإنسحاب من ECOWASحرية حركة السلع والخدمات والأشخاص عبر الحدود مما يؤثر على النمو الاقتصادي والعلاقات التجارية الإقليمية , فإنسحاب الدول الثلاث من ECOWAS يلقي الظلال على القطاع المصرفي في مالي والنيجر وبوركينا فاسو فالبنوك الإقليمية الأكبر قد تتغلب على العاصفة وتتوقع الشركات التابعة المحلية انخفاضًا في جودة الأصول وربحيتها وعلى الرغم من التأثير اللازم على المعاملة المالية الإجمالية لـ ECOWAS إلا أن الاستقرار الاقتصادي قد يستمر في الدول الثلاث المُنسحبة .
وقد رفع صندوق النقد الدولي العلم الأحمر إلى مالي والنيجر وبوركينا فاسو في إشارة إلى الضربة الاقتصادية المحتملة بعد انسحاب هذه الدول الثلاث من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ECOWASإذ يري الصندوق أن خروج هذا الثلاثي من الكتلة الاقتصادية الإقليمية المصممة لتعزيز التكامل الاقتصادي بين ناخبيها يمكن أن يؤدي إلى صدمات اقتصادية كبيرة لإقتصادياتهم كما أن دول غرب إفريقيا ومعظمها أعضاء في ECOWAS قد تواجه زيادة في الحواجز التجارية بما في ذلك الرسوم الجمركية والحواجز غير الجمركية مما يؤدي إلى زيادة التكاليف على الشركات والمستهلكين , وقد سلط مدير الإدارة الأفريقية في صندوق النقد الدولي الضوء على الآثار السلبية على هذه الدول غير الساحلية مشيرًا إلى أن الخروج سيؤدي إلى ارتفاع الاحتكاك التجاري وارتفاع تكاليف المعاملات وهو وضع ضار لاقتصادات هذه البلدان بالإضافة إلى أن مغادرة أو الإنساب من الجماعة الإقتصادية لغرب أفريقيا قد تؤدي إلي تكثيف التحديات الأمنية في فضاء CEDEAO وربما إلي عزل التحالف مما يشكل مخاطر اقتصادية وأمنية , وكلام مدير الإدارة الأفريقية صندوق النقد صحيح إلي حد ما خاصة وأن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا لم تترك حيزاً كافياً لمنع رد الفعل العنيف الصادر عنها خاصة عند التعامل بخشونة ظاهرة في حالة إنقلاب النيجر بدفع فرنسي حتي وصل الأمر إلي المواجهة المباشرة التي تكاد وأن تخلو من الدبلوماسية وأنتهي الأمر بأن فرض ECOWAS عقوبات صارمة وحتى التهديد باستخدام القوة , ولقد إتفق قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا مبدئياً في ديسمبر2022في العاصمة النيجيرية أبوجا علي إنشاء قوة إقليمية هدفها التدخل ليس ضد الجهاديين فحسب وإنما في حال وقوع انقلابات أيضا كتلك التي شهدتها المنطقة في العامين الأخيرين ووفقاً لما أعلنه مسؤول كبير في منظمة ECOWAS فإن إنشاء هذه القوة الإقليمية يأتي على خلفية عجز الجيوش الوطنية في احتواء توسع انتشار الجهاديين وكثرة الانقلابات بالمنطقة . (إن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس” كانت مصرة على التدخل عسكريًا في النيجر إذا لم يلب المجلس العسكري الذي تولى السلطة بالنيجر المطالب التي صاغتها المنظمة في نهاية القمة التي عقدت في أبوجا يوم الأحد 30 يوليو2023 لكن لنتذكر حالة سيراليون فقوات ايكوموج ECOMOG مجموعة المراقبة الخاصّة بدول الجماعة الاقتصادية لغرب إفريقيا المشكلة من قوات افريقية للإيكواس لم تستطع مواجهة قوات الجبهة الثورية الموحدة بزعامة فوداي سانكوح لذلك قد بات واضحا ان المنظمة الافريقية لم تعد تشكل الاطار الفعال لمعالجة الصراعات التي تدمي القارة السمراء , وكانت تجربة الفاشلة لكن كانت هناك أخري ناجحة فقد تمكنت قوة ايكوموج آنذاك من منع الرئيس الليبيري تشارلز تايلور من الاستيلاء على مونروفيا مما أدى لانتهاء الحرب عن طريق المفاوضات وإجراء الانتخابات بدلا من ذلك) , وفي الحالة الراهنة بشأن إنقلاب النيجر إستمر التوتر حتي أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا قالت في 8 فبراير2024أن قرار الدول الأعضاء الثلاث : مالي وبوركينا فاسو وجمهورية النيجر سحبت عضويتها في الكتلة ليس له أسباب حقيقية وكل ما في الأمر أن قرار الإنسحاب سيكون له إنعكاس سلبي على مواطني الدول الثلاث .
هناك أثر نقدي تالي لقرار الإنسحاب الثلاثي من الــ ECOWAS فقد تتخذ الدول الثلاث التي شكلت تحالف الساحل أو (Alliance des États du Sahel (AES قراراً أخطر في تقديري لكنه هذه المرة موجه لفرنسا علي نحو خاص وسيلحق بإقتصادها إنهياراً ملموساً ويضعفه أيما إضعاف , ففي 11 فبراير2024 وفي حديث لتليفزيون النيجر الوطني أشار الجنرال النيجيري عبد الرحمن تياني رئيس المجلس العسكري الحاكم في النيجر إلى أن الدول الثلاث في تحالف دول الساحل تدرس التخلي عن فرنك الاتحاد المالي الأفريقي دون تقديم مزيد من التفاصيل واحتمال إنشاء عملة مشتركة مع بوركينا فاسو وفي إشارة إلى الفرنك الأفريقي قال أن “العملة هي خطوة للخروج من هذا الاستعمار”, وتابع الجنرال فقال “أن النيجر ومالي وبوركينا فاسو – وهي ثلاث مستعمرات فرنسية سابقة وتجتمع حالياً معاً ضمن تحالف دول الساحل – “لديها خبراء [ماليون]” وأضاف :”في الوقت المناسب سنقرر “وأضاف أن : “العملة هي علامة على السيادة” ودول AES “منخرطة في عملية استعادة سيادتها الكاملة” مؤكدا : “لم يعد هناك أي شك في أن دولنا هي البقرة الحلوب لفرنسا” ومع ذلك لم يقدم الزعيم النيجيري تفاصيل حول إمكانية توقيت إتخاذ هذا القرار أو موعد طرح العملة الجديدة المستقبلية للتداول , إن فكرة ترك فرانك CFA وإصدار عملة مشتركةيتبعها تلقائياًالإنسحاب من كتلة UEMOA ، تلك المنظمة النقدية المسؤولة عن فرنك CFA والتي تنتقدها الدول الثلاث المُنسحبة باعتبارها عملة سياحية جديدة تعيق التنمية الاقتصادية لدولهم وإذا قررت النيجر وبوركينافاسو ومالي حقًا إنشاء عملة مشتركة جديدة فقد تكون الخطوة المنطقية التالية هي – كما أشرت – الانسحاب من UEMOA ومنظمة أو كتلة فرضت أيضًا عقوبات اقتصادية ضد هذه الدول الثلاث ومن الأهمية بمكان أن نلاحظ أن الموقف يتغير بسرعة ويمكن أن تؤدي التطورات اللاحقة تغيرا جيوبوليتيكية في غرب إفريقيا بفعل تعقد العلاقات بين القضايا السياسية والاقتصادية والنقدية في المنطقة مع تداعيات محتملة على الاستقرار السياسي والتحالفات الإقليمية .
علي وجه العموم لايزال تحالف دول الساحل AES يفكر في إنشاء عملة مشتركة لهذه البلدان الثلاثة بل ويقال إن هذه العملة الجديدة يمكن أن تسمى “الساحل” , ومن المهم أن نعلم أنه في خضم الأزمة القائمة بين الجماعة الإقتصادية وتحالف دول الساحل تعتبر المشكلة الكبرى ليست في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا بل في سلوك البنك المركزي لدول غرب أفريقيا الذي جمد جميع حسابات الخزانة النيجيرية بالفعل .
تعليقاً علي إمكانية إتخاذ الدول الثلاث المُنسبة قرار إصدار عملة بديلة عن فرنك الإتحاد المالي الأفريقي Franc CFA قال الخبير النقدي الفرنسي/ أوليفييه فالي المستشارًا الفني لصندوق النقد الدولي لدول الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا وكان مقره في باماكو وعمل في نيامي : ” من الممكن أن تقرر الدول الثلاث في تحالف دول الساحل الجديد (AES) الانفصال عن فرنك الاتحاد المالي الأفريقي والبنك المركزي لدول غرب إفريقيا (BCEAO) ولكن دون مغادرة المنطقة الجمركية للاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا (UEMOA) , (أكد رجل الأعمال الكاميروني ويليام إيلونج في مقابلة مع راديو فرنسا الدولي (RFI) وجون أفريك في 12 يناير2024 أن “80% وربما حتى 90٪ من الشباب الأفارقة يعتقدون أننا بحاجة إلى التخلص من الفرنك الأفريقي) ولذلك فإن دول تحالف الساحل الثلاث مُستندة في تفكيرها التحرر والخلاص من أسر الفرنك الأفريقي الذي تمص من خلاله فرنسا خيرات دول منطقة الفرنك الأفريقي التي طالما أبدت رغبتها في هذا الخلاص منذ زمن طويل والذي رفضته غينيا (فرنك المستعمرات الفرنسية في أفريقيا) إبان عهد الرئيس الراحل أحمد سيكوتوري عام 1958 وأصدر عملة وطنية أسماها سيلي ووضع علي إحدي فئاتها صورة الرئيس الغاني كوامي نيكروما مما أثار حنق ديجول الذي لا أعلم لماذا يتصوره البعض في عالمنا العربي وفي مصر بطلاً وهو شخصية إستعمارية الفكر لا يعتنق قيم العدالة والإنصاف إلا لو كانت لصالح فرنسا , لكن من المهم أن أشير إلي أن قرار إستبدال الفرنك الأفريقي بعملة محلية وطنية لا شك أنه قرار مكلف وصعب لكن لابد منه لإيقاف النهب الفرنسي لمقدرات هذه الدول الثلاث وغيرها وقد يري البعض أن قرار ثوري كهذا لا ضرورة له فالفرنك الأفريقي تتوفر له حالياً خاصيتان هامتان هما أنه (1) يوفر إستقرار نقدي ثم (2) أن له قابلية للتحويل مما يجعله من الأصول المرغوبة من قبل رجال الأعمال والتجار الذين لا يهتمون كثيرًا بالخلافات المتعلقة بهذه “الآثار الاستعمارية” لكن قد يكون الفرنك الأفريقي ملاذ آمن لنيجيريا ولغانا بسبب انهيار عملتيهما النايرا والسيدي في السنوات الأخيرة , ويُلاحظ أنه في أعقاب إنقلابات مالي والنيجر العسكرية قرر قادة ECOWAS منع وصولهما إلى البنك المركزي الإقليمي والسوق المالي من خلال إنشاء الاتحاد النقدي وفي وقت لاحق سمحت ECOWAs لمالي لاستعادة الوصول لكن قبول النيجر لا يزال محظورًا .
الـــــتـــــقـــــديــــر :
إن الشرخ الذي حدث في ECOWAS كان نتيجة الضغط الديبلوماسي الفرنسي الذي مورس علي هذا التجمع ففرنسا دفعت ECOWAS لكي يفرض عقوبات عدة علي النيجر مستودع اليورانيوم الذي تستغله فرنسا لمايزيد عن 45 عاماً بسعر بخس ويمون أكثر من 48 مفاعل نووي لتوليد الطاقة لفرنسا وطلب الرئيس الراحل Mamadou Tandja عام 2009 مراجعة عقود إستغلال مجموعة AREVA المملوك معظمها للدولة الفرنسية نظراً لإنخفاض سعر التوريد فما كان من فرنسا إلا أن دبرت إنقلاب عسكري في18 فبراير2010 قاده ضابط صغير مغمور ثم إجريت إنتخابات بعد عام وسلمت السلطة لأحد منتسبي النفوذ الفرنسي ويدعي Mamadou Issofou الذي حافظ علي ثبات أسعار توريد يورانيوم النيجر بل وأتاح أراضي بلاده للتدخل العسكري الفرنسي وسمح بإقامة قواعد عسكرية فرنسية و3 قواعد أمريكية للطائرات بدون طيار وأصبح الجيش الفرنسي مُتحكماً في أداة الحكم بالنيجر وأستشاط الضباط المخلصين غيظاً وحنقاً علي النفوذ الفرنسي فكان إنقلاب 26 يوليو2023 الذي أراد تجمع ECOWAS إحباط جهوده ومعاقبته علي تحرير النيجر من ربقة التسلط الفرنسي فكان طبيعياً أن يمضي العسكريين في النيجر في طريق تصفية كل أشكال الوجود الفرنسي في بلادهم , وفي تقديري أن هذا الخطأ الذي أرتكبه تجمع ECOWAS بالإنحياز لفرنسي والإتحاد الأوروبي في منازعة قادة إنقلاب النيجر الذين أطاحوا بالرئيس محمد بازوم تلميذ الرئيس السابق Mamadou Issofou النجيب في عمالته للفرنسيين والأمريكيين وللروس أيضاً كلف تجمع ECOWAS إحداث شرخ كبير قد يؤدي لشروخ أخري للــ ECOWAS قد تؤدي لتفككه وكان الأحري بـ ECOWAS أن تتقصي أسباب الإنقلاب – وهي في الواقع – تعلم علم اليقين أن الرئيس غير المأسوف عليه بازوم فتح أراضي النيجر للفرنسيين وغيرهم لإستباحتها ولمختلف جيوش الغرب لإعادة إستعمار النيجر ذات الموقع الجغرافي البالغ الأهمية في وسط أفريفيا وقلب الصحراء الكبري , وقد كلف تماهي ECOWAS مع نهج الغرب في التعامل مع إنقلابات النيجر وملي وبوركينافاسو التي خرجت جميعها عن أيدي الفرنسيين والأمريكيين حدوث هذا الشرخ الذي ينذر بشروخ أخري قد تحدث خاصة مع تكوين قادة الإنقلاب في الدول الثلاثة تحالف في 26 سبتمبر 2023 أطلق عليه اسم تحالف دول الساحل قد تنضم إليه بعض الدول التي قد تنفصل أو تخرج من الــ ECOWASلكن لابد أن يحذر قادة التحالف الجديد من إنضمام دول كتوجو وبنين واقعة في قبضة النفوذ الفرنسي لأن إنضمامهم في هذه الحالة سيكون إختراق فرنسي للتعرف عن كثب علي مجريات عمل التحالف الجديد وتفجيره من الداخل .
أري أن خروج أو إنسحاب النيجر ومالي وبوركينافاسو يمثل فرصة مهمة لـ ECOWAS لمراجعة أطرها وسياساتها وممارساتها لجعل المنظمة مُستقلة وذات فعالية بإبعادها عن النفوذ والممارسات الخارجية الضاغطة من القوي الكبري وأسوأهم فرنسا التي لن تقلع عن بث سمومها في السياسات الأفريقية ويمكن أن يخلق هذا النهج شروطًا لإعادة البلدان الثلاث إلى الكتلة الإقليمية وهو ما إستبعده , فحتي لو حدث ذلك فسيكون لصالح ECOWAS نفسها أما الإنسحاب الثلاثي فسيستمر وقد لا تعود هذه الدول إلا إذا مورست عليها ضغوط إيجابية من نيجيريا مثلاً ومُنحت حوافز وضمانات سياسية بإحترام الواقع الداخلي بكل من الدول الثلاث المُنسحبة .
قوضت المعايير المزدوجة المضاعفة لـ ECOWAS مصداقيتها في المنطقة فالإنقلاب شبه العسكري في مالي وتولية أبن الرئيس إدريس ديبي لم يكن إلا تحايلاً علي الدستور وباركه الإتحاد الأفريقي و ECOWAS وفرنسا والولايات المتحدة وكنتيجة لم يعد الأمر مُقتصراً علي معني الإزدواجية في المعايير بل تجاوزه ليكون الأمر مُتعلق مباشرة برضي قوة كفرنسا وقوة أخري كالولايات المتحدة الأمريكية .
إن الإنسحاب الثلاثي يعد بمثابة إدانة للإيكواس فهومؤشرً على عدم التماسك داخل المنظمة والسؤال الذي ينبغي علينا أن نطرحه على أنفسنا أيضاً هو: هل كانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا حقاً هيئة إقليمية فعالة ؟ وأعتقد أن أكبر خاسر فيما حدث من تفكك داخل ECOWAS كانت نيجيريا التي فقدت جزءاً من ريادتها وقيادتها لــ ECOWAS فلم تعزل نفسها عن الدبلوماسية الفرنسية المــُدانــة من شعوب غرب أفريقيا , بصراحة لا تستطيع نيجيريا فعل ذلك كون فرنسا والولايات المتحدة وآخرين دائمي التدخل في شؤونها وذلك تحت ذريعة مواجهة بوكو حرام في شمال البلاد وتوقفت عن مواجهة تمرد آخر في دلتا النيجر جنوب نيجيريا , كل ما في الأمر نشأ عن تفضيل الحل الأمني العسكري علي الحل الإجتماعي / السياسي مع أنصار بوكو حرام وهي جماعة دعوية إسلامية وعملوا علي إستفزاز أنصارها وأتباعها فرفعوا السلاح دفاعاً عن أنفسهم في وجه الحكومة الفيدرالية وقادت تمرداً واسع النطاق علي الدولة النيجيرية المتخمة بالفساد هذا بالإضافة إلي التحريض الغربي والكنسي الدائم .
قالت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إن الدول الثلاث “أعضاء مهمون في المجموعة” وإن الكتلة “لا تزال ملتزمة بإيجاد حل تفاوضي للمأزق السياسي”وتشير الهيئة كذلك إلى أنها تلقت حتى الآن إخطارًا رسميًا من الدول بشأن انسحابها من الكتلة , ولا أعتقد في ذلك طالما ظلت العقلية المهيمنة داخل ECOWAS مُسيطراً عليها من قبل القوي الكبري كفرنسا والولايات المتحدة(AFRICOM) والأفكار المُسبقة لقادة دول ECOWAS التي تخلط مفهومي الإرهاب والسيادة ببعضهما البعض , ولقد وفرت الدول الثلاثة المُنسحبة الجهد علي ECOWAS فقدمت حلاً يسيراً للمأزق السياسي الذي أصطنعته ECOWAS فأعلنت الدول الثلاث المُنسحبة قيام تحالف دول الساحل في سبتمبر2023
أنتجت العقوبات الشديدة التي فرضها ECOWAS نتيجة ضئيلة فيما يتعلق بإلزام الدول الثلاث بتسليم السلطة إلى السلطات المدنية بل إنها أيضاً عرضت للخطر المفاوضات المتعلقة بالجدول الزمني للانتخابات والذي لم تظهر الحكومات العسكرية ميلاً يذكر لتنفيذه وتزامن ذلك مع نكوص الرئيس ســـال في الــســنغال عن مواعيد الإنتخابات التي ستُجري هناك مع أن السنغال بها ديموقراطية مُستقره ولم تحدث بها إنقلابات عسكرية (ليس لقوة الديمواقراطية بل لأن الرئيس الراحل Léopold Sédar Senghor الذي تولي السلطة في السنغال من 1960 حتي 1980 وهو عميد العملاء لفرنسا قام بتفريخ قيادات سياسية مُلتزمة بالولاء لفرنسا) مما أوقع ECOWAS في حرج فإضطرت لوضع الحالة السنغالية علي طاولة النقاش لكن دون تلويح بفرض عقوبات أو أي شيئ سلبي.
في التقدير أن قرار الإنسحاب من الــ ECOWAS سبقه قرار أكثر ضرورة وأكثر فاعلية للتوجه الإستقلالي للدول الثلاث المُنسحبة عن التأثير والسطوة الفرنسية هذا القرار هو علي وجه الإجمال قرار تنظيف مساحة السيادة بهذه الدول الثلاث من النفوذ والسيطرة الفرنسية بطرد وتصفية الوجود العسكري الفرنسية أفراد وقواعد وإلغاء الإتفاقات العسكرية والأمنية المعقودة مع فرنسا ومراجعة عقد إستغلال فرنسا ليورانيوم النيجر والذي ظل ظالماً خاسراً للنيجر وكذا الحال في سلع أخري في حالتي مالي وبوركينافاسو .
سيعقب قرار الإنسحاب من ECOWAS قرار آخر أبلغ ضرراً لفرنسا وللرابطة المشتركة بين ECOWAS وبين هذه الدول الثلاثة , هذا القرار هو قـــرار الإنسحاب من كتلة الفرنك الأفريقي Franc CFA فهذا القرار ذا طبيعة مادية مؤثرة فسينشأ عنه إنفصال إقتصادي ومالي تام بين هذه الدول الثلاث وبين فرنسا التي لخطورة النتائج المُترتبة علي إتخاذ هذا القرار تعمل من الآن إما لتدبير إنقلابات عسكرية خاصة في النيجر أو محاولة التظاهر بالإنضباط ورباطة الجأش الديبلوماسي لوضع بدائل للتعاطي مع أزمتها مع الدول الثلاثة المُنسحبة فإنسحاب هذه الدول مــصـــيـبــة لفرنسا أكثر من كونها مــصـــيــبة لـ ECOWAS .
إن هذه التطورات التي بدأتها الدول الثلاث : النيجر ومالي وبوركينا فاسو بتصفية الوجود العسكري الفرنسي وتبعته بالإنسحاب من إيكواس ثم ربما تتبعه بالإنسحاب من كتلة الفرنك الأفريقي Franc CFA كلها تطورات ذات صلة بفشل ونهاية سياسة Françafrique التي إتبعتها فرنسا لزمن طويل مع مستعمراتها السابقة .
إن نشأة المنظمات والتجمعات والكتل الإقليمية ككتلة ECOWAS وIGAD و اتحاد المغرب العربي (UMA) والسوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا (الكوميسا) وتجمع دول الساحل والصحراء (CEN-SAD) مجموعة شرق إفريقيا (EAC) والجماعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا (ECCAS) مجموعة شرق إفريقيا (EAC) والتجماعات النهرية كسلطة نهر النيجر وغيرهم كلها أضعفت أو تقاطع جهدها وبعض أهدافها مع نفوذ وجهود منظمة الوحدة الأفريقية من بعدها الإتحاد الأفريقي الذي سيشهد بالقطع نزاع أو إشتباك ديبلوماسي داخله بين هذه الدول الثلاثة المُنسحبة من ECOWAS , وقد تقوم دول ECOWAS بعرقلة مصالح وتعاملات الدول المُنسحبة الثلاثة مع الإتحاد الأفريقي خاصة في ضوء ضعف قيادات هذا الإتحاد وهو الضعف الذي يختلف منسوبه بين قيادة وأخري لكنه وصل لذروته في قيادة موسي فقي التشادي لمفوضية الإتحاد الأفريقي الذي قد يتدخل بشكل ما وبدفع غير مباشر من نيجيريا وفرنسا لإعادة النيجر ومالي وبوركينافاسو لحاضنة ECOWAS وفي تقديري أن الوقت متأخر فقد كونت الدول الثلاثة تحالف دول الساحل وهي علي مسافة قصيرة من إتخاذ قرار أكثر إيلاماً لفرنسا وهو الإنفصال عن كتلة Franc CFA الذي طالبت منذ تسعينات القرن الماضي دول أخري في غرب أفريقيا تعمل به السلطات الفرنسية السياسية والنقدية المعنية بإعادة تقويم إرتباطه بالفرنك الفرنسي ثم باليورو لكن بلا طائل .
إنسحاب مالي والنيجروبوركينافاسو من الجماعة الإقتصادية لدول غرب أفريقيا ECOWAS سيتبعه تداعيات أخري سلبية فيا يتعلق بالجسور السياسية والإقتصادية الفرنسية التي مدتها فرنسا مع هذه الدول وربما التي مع دول أفريقية أخري في المستقبل مثل وكالة التعاون الفرنسي و منظمة الفرانكفونية الدولية فهي أداة إختراق ثقافي ثم سياسي لاحقاً للدول الأفريقية الفرانكفونية فهي مــفرخــة لتكوين الكفاءات Stuffing ذات الولاء لفرنسا والتي تُستخدم لإنتاج السياسيين وقادة الفكر الــمـــوالين لفرنسا في الدول الأفريقية .
الــــــســــفـــــيـــــر: بـــــــلال الـــــمـــــصـــــري –
حصريا المركز الديمقراطي العربي – الــــقــــاهـــــرة / تـــحـــريــــراً في 14 فـبـرايـــر2024