التصعيد الإيراني الإسرائيلي وتأثيره على منطقة الشرق الأوسط
اعداد : هبة خالد جمال عبدالرازق – باحثة دكتوراه، كلية الدراسات الإفريقية العليا، جامعة القاهرة
- المركز الديمقراطي العربي
مقدمة:
تمثل العلاقات بين إيران وإسرائيل واحدة من أكثر العلاقات توتراً في الشرق الأوسط تاريخياً، وكانت هناك عداء شديد بين البلدين نتيجة لاختلاف السياسات والأيدلوجيات، وتعتبر إيران إسرائيل وجودها على الأراضي الفلسطينية المحتلة اعتداءاً على الشعب الفلسطيني، وتدعم الجماعات المسلحة المناهضة لإسرائيل بينما تنظر إسرائيل لإيران باعتبارها تهديداً أمنياً كبيراً، بسبب برنامجها النووي وتمويلها لجماعات مسلحة في المنطقة.
ومع إعلان اليهود في عام 1948 تشكيل الدولة الإسرائيلية، وبناءاً على تصويت الأمم المتحدة طلبت إسرائيل العضوية، ولكن البلدان العربية لم تقبل بتصويت الأمم المتحدة وشنت حرباً ضد الدولة الإسرائيلية الجديدة، وكانت إيران محايدة في تلك الحرب، ولكن بعض الإسلاميين منهم آية الله كاشاني بدأوا دعاية ضد دولة إسرائيل، وكان يروج آية الله إلى إرسال مقاتلين للحرب إلى جانب الفلسطينيين(1).
وقد شهد تاريخ العلاقات بين إيران وإسرائيل عدة تطورات متنوعة على مر السنين، في الفترة ما قبل الثورة الإيرانية 1979كانت إيران وإسرائيل بينهم علاقات تعاون في بعض الجوانب وخاصة في مجال الأمن، وكانت هذه العلاقات تستند إلى مصالح مشتركة مع الولايات المتحدة وضد العدو المشترك الاتحاد السوفيتي، وبعد الثورة الإيرانية وتأسيس نظام إيران الإسلامي في عام 1979، تدهورت العلاقات بين البلدين بشكل كبير، حيث بدأت إيران تنتقد إسرائيل بشدة وتقف إلى جانب القضية الفلسطينية، بينما اعتبرت إسرائيل إيران تهديداً رئيسياً لأمنها.
وتصاعدت التوترات الإيرانية الإسرائيلية في الفترة الأخيرة على عدة مستويات من التصريحات من جانب كلا الطرفين، وعلى الرغم من توتر العلاقات بينهم وليس بالجديد فإن هناك عدة تغيرات وسياقات إقليمية دفعت إلى التساؤل عن دوافع التصعيد بينهما حالياً، وما إذا كانت تلك التوترات تؤشر إلى مرحلة جديدة من التصعيد بين إيران وإسرائيل على قواعد جديدة ترسيها إيران هذه المرة وتحاول إسرائيل التصدي لها(2).
وفي هذه الورقة البحثية سنوضح عدة محاور منها، طبيعة العلاقات الإيرانية الإسرائيلية، ثم توتر العلاقات وتصعيدها وأثرها على منطقة الشرق الأوسط.
المحور الأول: طبيعة العلاقات الإيرانية الإسرائيلية
كانت العلاقات بين طهران وتل أبيب في ظل النظام الملكي وثقية وسلمية، حتى أن البلدين دافعا عن بعضهما البعض سياسياً، وعلى الرغم من إن إيران عارضت في البداية تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، وعضويتعا في الأمم المتحدة عام 1949، ولكن تحت قيادة الشاه محمد رضا بهلوي، اعترفت إيران بإسرائيل كدولة ذات سيادة في عام 1950، ومع ذلك تباطئت العلاقات الثنائية بين البلدين في أوائل الخمسينيات، وبعد الانقلاب الذي دبرته وكالة الاستخبارات الأمريكيةCIA والاستخبارات البريطانية MI6 في عام 1953، واستعاد الشاه السلطة وأصبح أقرب حليف للولايات المتحدة، وكذلك الصديق الرئيسي لإسرائيل في المنطقة(3).
وتمثل العلاقات الإيرانية الإسرائيلية حالة جدلية، فالجغرافيا والمصالح الواقعية دفعتا البلدين قبل الثورة الإيرانية إلى التقارب، فكلاهما أقلية في منطقة تملؤها أغلبية عربية، ومن الممكن لإيران التخلي في أي وقت عن قضايا العرب، والتركيز على الهوية العرقية والثقافية الفارسية المغايرة للعرب، أما إسرائيل فمن صالحها أي مزيد من الشرعية والاعتراف والقبول الدولي(4)، ونجد أن العلاقة بين إسرائيل وإيران في الشرق الأوسط تطورات وتحولات جذرية خلال 5 عقود، حيث كانت الدولتان حليفتين وصديقتين يربطهما تعاون وعلاقات قوية على مستويات متعددة استمرت 30 عاماً.
يتمثل نشأة نظام إيراني بعد الثورة يعادي إسرائيل ويدعم حركات المقاومة علناً، بل ونشأة حركات مقاومة لإسرائيل تؤمن بنظرية ولاية الفقيه، كحزب الله الشيعي وحركة الجهاد الإسلامي السنية، الأمر الذي دفع العلاقة بين البلدين نحو التنافر لأسباب أيديولوجية وبنائية، ففي الوقت الذي تدفع فيه الجغرافيا والواقعية البلدين نحو التجاذب، يتنافر البلدان بفعل الأفكار المهيمنة على السياسة، متمثلة في فكر ولاية الفقيه والفكر الصهيوني، وبذلك تتمثل جدلية علاقاتهما، وعلى الرغم من هذا التنافر لم يمنع البلدين من الالتقاء على مصالح مشتركة، كما حدث إبان الحرب العراقية الإيرانية حين عقد الطرفان صفقة عسكرية مشهورة باسم” إيران كونترا” (5).
المحور الثاني: التصعيد الإيراني الإسرائيلي
يعتبر التصعيد الإيراني الإسرائيلي موضوع في غاية الاهتمام حيث يتصل بتاريخ النزاع الطويل بين البلدين، حيث تشهد العلاقة بين إيران وإسرائيل تصاعداً من خلال التدخلات العسكرية والتوترات في المنطقة، حيث تعتبر إسرائيل إيران تهديداً رئيسياً لأمنها بسبب دعم إيران لحركات المقاومة في المنطقة وبرنامجها النووي، وتصاعد العنف بين الجانبين يتضع من خلال الاستهدافات والضربات المتبادلة، فعلى سبيل المثال إسرائيل تشن ضربات جوية على مواقع في سوريا ترتبط بإيران أخرها ضرب السفارة الإيرانية في دمشق، بينما تقوم إيران بدعم الميليشات الموالية لها في لبنان وحركات المقاومة لشن هجمات ضد إسرائيل.
وفي الثالث عشر من إبريل شنت إيران ووكلاؤها ثلاث موجات من الهجمات ضد أهداف إسرائيلية باستخدام أسراب من الطائرات الانتحارية بدون طيار، بما في ذلك طائرات شاهد-136 بدون طيار هجومية أحادية الاتجاه، وصواريخ كروز أرض- أرض، كما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الحرس الثوري الإيراني أطلق عمليته في مدينة كرمانشاه في محافظة كرمانشاه، ودوكوه في محافظة هرمزكان غربي إيران، وزعمت إيران أيضاً أنها أطلقت صواريخ باليستية في الهجوم، لكن لم يتم تأكيد هذه المزاعم، وفي بيان رسمي للحرس الثوري الإيراني إن الهجوم جاء رداً على الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من إبريل، والتي أسفترت عن مقتل كبار قادة ومسؤولي فيلق القدس التابع للحرس الإيراني(6).
وأطلقت إيران نحو 100 صاروخ بالستي متوسط المدى وأكثر من 30 صاروخ كروز، ومالايقل عن 150 مسيرة هجومية باتجاه إسرائيل ليل السبت المضاي، وأحصى الجيش الإسرائيلي من جهته أكثر من 350 مقذوفاً، وقال إن 99 في المئة منها دمر قبل أن يصل إلى هدفه، ودمرت سفينتان أمريكيتان موجودتان في المنطقة هما” يو إس إس أرلي بيرك” و” يو إس إس كارني” ستة صواريخ، قبل أن تتدخل طائرات وتدمر بدورها أكثر من 70مسيرة إيرانية، وأسقطت بطارية صواريخ باتريوت صاروخ كروز بالقرب من مدينة أربيل العراقية في كردستان، فيما دمرت القوات الأمريكية صاروخاً بالستياً كان معداً للإطلاق، وسبع مسيرات على الأرض قبل إطلاقها في مناطق يمنية يسيطر عليها الحوثيون “وفق سنتكوم”(7).
وهذا التصعيد قد يثير مخاوف دول المنطقة والمجتمع الدولي بشكل عام، حيث قد يؤدي إلى تصاعد المواجهات واشتعال نزاع أوسع النطاق، وتتميز العلاقة بين إيران وإسرائيل بالتوترات السياسية والعسكرية، وتعود هذه التوترات إلى عدة عوامل من بينها:
- الصراع على النفوذ الإقليمي: تتنافس إيران وإسرائيل على النفوذ في المنطقة الشرقية، مما يزيد من التوتر بينهما.
- الخلافات الدينية والإيديولوجية بين النظام الإيراني الشيعي والحكومة الإسرائيلية اليهودية جزءاً من جذور التوتر بين البلدين.
- دعم إيران لجماعات مسلحة: تتهم إسرائيل إيران بدعم جماعات مسلحة مثل حزب الله في لبنان وحركة حماس في قطاع غزة، مما يزيد من التوتر بينهما.
- الأمن القومي والذري: تشكل البرامج النووية الإيرانية تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي.
المحور الثالث: تأثير التصعيد الإيراني الإسرائيلي على منطقة الشرق الأوسط
أثار التهديد الإيراني بالرد على إسرائيل جراء الهجوم الذي طال قادة عسكريين إيرانيين في دمشق، مخاوف كبيرة من نقل الصراع إلى مستويات مختلفة باندلاع حرب مباشرة بين الطرفين، خاصة مع تصاعد مستوى التوتر بين طهران وتل أبيب في الآونة الأخيرة.
يمثل التصعيد بين إيران وإسرائيل تهديداً خطيراً لاستقرار منطقة الشرق الأوسط، ويؤثر على العديد من الجوانب من بينها:
- تصعيد النزاعات المحلية: قد يزيد التوتر بين إيران وإسرائيل من احتمال وقوع صدامات محلية في المناطق المتنازع عليها مثل سوريا ولبنان.
- تهديد للأمن الإقليمي: قد يؤدي التصعيد العسكري بين البلدين إلى تهديد أمن المنطقة بأسرها وزيادة خطر الانزلاق نحو صراع إقليمي.
- تعقيد الجهود الدبلوماسية: يصعب حل النزاعات عبر الحوار والتفاوض في حالات التوتر الشديد بين الدول، مما يجعل السبل الدبلوماسية لحل الأزمات أكثر صعوبة.
- تأثير على الاقتصاد: قد يؤدي التوتر بين إيران وإسرائيل إلى تقليل الاستثمارات والتجارة في المنطقة، مما يؤثر على النمو الاقتصادي والاستقرار الاقتصادي.
- زيادة التطرف والإرهاب: يمكن أن يستغل المتطرفون والجماعات الإرهابية التوتر بين إيران وإسرائيل لتنفيذ هجمات إرهابية وزيادة أنشطتهم في المنطقة.
- التأثير على الصراعات الإقليمية: تعتبر إيران وإسرائيل لاعبين رئيسين في الصراعات الإقليمية مثل الحرب في سوريا والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهما يؤثران بشكل كبير على نتائج هذه الصراعات.
ختاماً: إن العلاقة بين إيران وإسرائيل إحدى أكثر العلاقات توتراً وتعقيداً في الشرق الأوسط، وتتطلب جهوداً دولية لتخفيف التوترات وتعزيز الحوار والتفاهم بين البلدين، و نجد أن إسرائيل تعارض بشدة سياسة إيران الخارجية وبرنامجها النووي، وإن إيران وإسرائيل في صراعات مناطقية مشتركة في منطقة الشرق الأوسط مما يضطرها أحياناً إلى التعاون على نحو محدود، ومع تغير الديناميات الإقليمية والدولية قد يظهر فرص جديدة لتحسين العلاقة بين إيران وإسرائيل، ولكن في الفترة الأخيرة ازداد الوضع سوءاً نتيجة للتوترات التي تحدث بينهم وشن الهجمات المتبادلة سواء عن طريق التصريحات أو على أرض الواقع، فمن ناحية إسرائيل شنت هجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق مما أسفر عن مقتل عدد من القادة العسكريين الإيرانيين، وأشار ذلك إلى خرق المواثيق الدولية، وتوعد طهران بمعاقبة إسرائيل وإطلاق عدد كبير من الصواريخ والطائرات المسيرة نحو تل أبيب، ومنذ ذلك وضعت إسرائيل في حالة تأهب قصوى وأعلنت الولايات المتحدة إرسال قوات إضافية إلى الشرق الأوسط. والورقة البحثية تقترح عدة سيناريوهات كالآتي:
السيناريو الأول: تصاعد التوترات العسكرية
يمكن أن يؤدي التصاعد بين الطرفين إلى تصاعد التوترات العسكرية، مما قد يتسبب في نشوب صراع مسلح بينهم، وقد يزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.
السيناريو الثاني: هجمات سيبرانية وتهديدات إرهابية
يمكن لكل طرف أن ينتقم من الأخر عن طريق هجمات سيبرانية على البنية التحتية الرقمية للطرف الأخر، وقد يلجأ أيضاً إلى دعم جماعات إرهابية لتفيذ هجمات استفزازية ضد الطرف الأخر.
السيناريو الثالث: محادثات التسوية
قد تلجأ الأطراف إلى المحادثات والتفاوض لحل النزاع بطريقة دبلوماسية دون اللجوء إلى التصعيد العسكري، ومع خفض التصعيد يكون هذا السيناريو الأرجح لتجنب المنطقة من حرب إقليمية كبيرة.
المراجع:
- آرش عزيزي،” إسرائيل وإيران: أعداء أم أصدقاء”، تاريخ النشر 26 إبريل ، تاريخ الدخول15 إبريل، متاح على الرابط https://2u.pw/TrSwvfuv
- هدى رؤوف،” التصعيد الإيراني- الإسرائيلي أخيراً… الدوافع والسياقات”، تاريخ النشر 3 يونيو 2023، تاريخ الدخول 14 إبريل 2024، متاح على الرابط https://2u.pw/zIgVpqE5
- إسرائيل وإيران.. رحلة التحول من الصداقة إلى العداء في 5 عقود، تاريخ النشر 13 إبريل2024، تاريخ الدخول14 إبريل ، متاح على الرابط https://2u.pw/Ocjx0NRC
- حسين سنا،” كيف نفهم العلاقات الإيرانية الإسرائيلية”، تاريخ النشر 27يونيو 2021، تاريخ الدخول 15 إبريل 2024، متاح على الرابط https://2u.pw/JfjTKoEK
- المرجع السابق.
- مركز تريندز للبحوث والاستشارات(إدارة البحوث)،“حدود وتأثيرات التصعيد الإيراني الإسرائيلي المتبادل”، تاريخ النشر15 إبريل2024، تاريخ الدخول 15 إبريل 2024، متاح على الرابط https://2u.pw/Zp3Qm8Gz
- الجيش الإسرائيلي يقول إنه تصدى لهجوم إيران عبر تحالف يتشكل لأول مرة، تاريخ النشر 15 إبريل2024، تاريخ الدخول 15 إبريل 2024، متاح على الرابط https://www.bbc.com/arabic/live/cnkevnz8wqet