دولة كـــــوســـــوفــــو مـــقـــابـــل دولــة فــلـــســـطـــن
اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر
خـــلفــــيـــة تـــاريـــخــيـــة :
في متاهة البلقان لا يستطيع المرء أن يحدد أين موطن كل جذور الصراع في البلقان فمواضعها محيرة وخلافية ومع ذلك يمكن القول بأن معاهدة فرساي (1919) والمعاهدات التي تلتها موضع مختار للبداية فهذه المعاهدات أدت إلى إذلال ألمانيا وتشويهها وإبادةها الاقتصادية في حين تم تقطيع أوصال النمسا-المجر ونشأت من أحشائها دول جديدة لكن الحدود اتسعت أيضاً فبدأ التنافس بين مملكة الصرب والكروات والسلوفينيين الجديدة المتمركزة حول السيطرة على البحر الأدرياتيكي وقد أثارت هيمنة الصرب داخل المملكة الجديدة ردود فعل الشعوب الأخرى وعلى رأسها الكروات تم تغيير اسم الدولة إلى يوغوسلافيا لكن المشكلة لم تكن في الاسم بالضبط فمنذ عام 1945 أصبحت جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية وكانت الدول الفيدرالية هي صربيا (مع مناطق الحكم الذاتي في كوسوفو أو كوسوفو وفويفودينا) وكرواتيا وسلوفينيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود وجمهورية سكوبيي والتي كانت تسمى مقدونيا ولقد سعت صربيا دائمًا إلى إيجاد منفذ إلى البحر ومن الشرق تم حظره من قبل بلغاريا وفي الجنوب اليونان و إلى الغرب الإمبراطورية النمساوية المجرية التي غزت دالماتيا بأكملها وبإلحاح من الإمبراطورية اتجهت صربيا منذ عام 1878 نحو بحر إيجه في محاولة للاختراق عبر مقدونيا التي كانت لا تزال تحت الاحتلال العثماني ولكن منذ عام 1903 عندما اعتلى الكاراجورجي العرش غيرت اتجاهها وتضاعفت مساحتها الإقليمية على حساب الإمبراطورية النمساوية المجرية بعد إنشاء مملكة يوغوسلافيا بعد الحرب العالمية الأولى وأثار كل ما فعله الصرب إزعاج النمسا وإيطاليا حيث استولت الدولة الجديدة على الأراضي المتنازع عليها وأصبحت دالماتيا بأكملها مملوكة للنمسا منذ عام 1868ومنذ عام 1918 أصبحت تابعة لكرواتيا في الجزء الأكبر منها وسلوفينيا في الجزء الأصغر باستثناء زادار وبعض الجزر التابعة لإيطاليا بعد ذلك تم احتلال كرواتيا عام 1102 من قبل المجريين ثم شكلت جزءًا من الإمبراطورية النمساوية المجرية حتى عام 1918عندما أصبحت عضوًا مؤسسًا للمملكة اللاحقة وكان لإيطاليا اعتراضات كثيرة على هذه المملكة وأولها على فيومي وهو ميناء في منطقة كرواتي فكانت فيومي تابعة للإمبراطورية النمساوية المجرية منذ عام 1868 وفي عام 1918 استولى عليها الكاتب المغامر دانوتشيو وأعلنها مدينة حرة واعترفت معاهدة عام 1920 بهذا الوضع ونسبت المدينة آخير من عام 1924إلى إيطاليا وبعد الحرب العالمية الثانية استولت عليها يوغوسلافيا وكان الاعتراض الإيطالي الثاني يتعلق بمدينة تريستا التي كانت حتى عام 1918جزءًا من الإمبراطورية النمساوية المجرية ومنذ عام 1918 استولت عليها إيطاليا وفي الحرب العالمية الثانية احتلها الألمان ومع نهاية الحرب أطلق الحلفاء سراحها وفي عام 1945، كانت تسمى المنطقة الحرة وفي عام 1954 تم تقسيمها بالتساوي بين الإيطاليين واليوغوسلافيين وكانت سلوفينيا العضو المؤسس الثالث للمملكة السابقة جزءًا من الإمبراطورية النمساوية المجرية حتى عام 1918 ويبلغ عدد سكانها 2 مليون نسمة بينما يعيش 480 ألف سلوفيني آخرين وفقًا للإحصاءات القديمة في إيطاليا و40 ألفًا في النمسا كما كانت البوسنة والهرسك ملكية تركية حتى عام 1878عندما تم التوقيع على معاهدة القديس ستيفن واحتلها النمساويون في نفس الوقت وضموها عام 1908 فيما حاول الصرب الرد دون جدوى ولكن منذ عام 1918 أصبحت جزءًا من المملكة الجديدة والجبل الأسود هي المنطقة الوحيدة في الاتحاد التي لم يكن لديها العديد من المعاملات مع النمسا لقد كانت هيمنة حتى عام 1910 ومملكة حتى عام 1918 عندما أُعلن خلع الأسرة الحاكمة وانضمت البلاد إلى مملكة يوغوسلافيا المنشأة حديثًا وفي عام 1944 سُميت الأراضي الجنوبية التي احتلتها صربيا في حروب البلقان بجمهورية مقدونيا الشعبية (ثم الاشتراكية) وعاصمتها سكوبيي وكانت الشريك السادس للاتحاد وهكذا تحول الاسم الجغرافي إلى اسم وطني وعمد صرب المنطقة إلى المقدونيين .
بالنسبة لتيتو البادئ بهذا البناء الفسيفسائي المُسمي يوغسلافيا كان الهدف هو وضع أسس دولة مستقبلية تشمل مقدونيا اليونانية وتراقيا بالإضافة إلى بلغاريا (أو على الأقل منطقة بيرين البلغارية) داخل يوغوسلافيا والهدف النهائي هو إنشاء اتحاد فيدرالي في منطقة البلقان على غرار الاتحاد السوفييتي ولقد أرست التحركات السكانية التي فرضها الأساس لمشاكل المستقبل لكن وفاة تيتو الكرواتي وتفكك الاتحاد السوفييتي وسقوط الاشتراكية القائمة في أوروبا وتعزيز المجموعة الاقتصادية الأوروبية وتفاقم العداءات الوطنية داخل الاتحاد كلها عوامل أدت في النهاية إلى تفكك يوغوسلافيا فبإلحاح ألماني أعلنت كرواتيا استقلالها لأول مرة في 15يونيو 1991وبحلول ذلك اليوم كانت كرواتيا تحصل على 70% من دخل الاتحاد من السياحة و25% من الصناعة و23% من التجارة لكن الصرب الذين انتقلوا إلى كرواتيا كان رد فعلهم أن اندلعت الحرب الأهلية وفقدت الدولة الجديدة في الأشهر الستة المقبلة ثلث أراضيها وبعد عشرة أيام من كرواتيا في 25 يونيو 1991 أعلنت سلوفينيا أيضًا استقلالها وهناك استمر القتال بضعة أيام وفي الأشهر التالية أعلنت البوسنة والهرسك وجمهورية مقدونيا المصطنعة استقلالهما مما خلق مشاكل جديدة لصربيا التي أصبحت عزلتها الآن حقيقة وبدفع من الصرب الذين يعيشون في الجمهوريات الفيدرالية السابقة حاولت صربيا إعادة تشكيل يوغوسلافيا (“الصغيرة” كما أطلقوا عليها) وأعلنت أن الاعتراف الدولي بالدول الجديدة كدول مستقلة من شأنه أن يخلف آثاراً سلبية على السلام في منطقتها وطالما ظلت مقدونيا المصطنعة تعمل ضمن إطار صربيا ويوغوسلافيا فإن الاسم الذي أطلق عليها لم يكن ذا أهمية حقيقية ومع ذلك ومنذ أن انفصلت عن صربيا وبرزت كدولة مستقلة منفصلة أصبح اسمها مناسبة لتجديد مخاوف اليونان من تهديد مستقبلي على حدودها وتهديد لسلامة أراضيها حيث أن مقدونيا التي يحلم بها تيتو تتحدث أيضًا اللغة اليونانية وهي مقدونيا الوحيدة التي كانت موجودة بالفعل وهكذا بدأت اليونان معركة دبلوماسية من أجل عدم الاعتراف بهذه الجمهورية تحت اسم مقدونيا وفي مجلس وزراء خارجية المجموعة الاقتصادية الأوروبية في بروكسل (1991/12/16)، نجحت اليونان في وضع ثلاثة شروط كشروط للاعتراف بالدولة الجديدة وكان أحد الشروط هو عدم تهديد حدود الدولة العضو وبالنظر إلى أن اسم “مقدونيا” يخفي مطالبات سكوبيي الإقليمية ضدها فقد نجحت اليونان في عدم الاعتراف بهذه الجمهورية في قمم المجموعة الاقتصادية الأوروبية المقبلة وقد أعلنت أهم الدول خارج المجموعة الاقتصادية الأوروبية أنها ستنسجم مع المجتمع في هذا الشأن. وفي السابع والعشرين من يونيو/حزيران 1992، اتخذت قمة المجموعة الاقتصادية الأوروبية (الاتحاد الأوروبي الآن) في لشبونة قراراً أكثر واقعية : فهي لن تعترف بدولة تحمل مصطلح مقدونيا في اسمها وما كان الصرب يطالبون به هو عدم الاعتراف بالدولة الجديدة إلا بعد أن يجدها شركاء يوغوسلافيا السابقون فيما بينهم ولكن بناءً على طلب ألمانيا اعترف الاتحاد الأوروبي بكرواتيا وسلوفينيا في 14 يناير 1992وبعد شهر أي في 15 فبراير 1992 اعترفت قمة الاتحاد الأوروبي في لشبونة بالبرتغال بكرواتيا وسلوفينيا كدولتين مستقلتين وأجلت اتخاذ قرار بشأن البوسنة والهرسك وجمهورية سكوبيي وكانت النتيجة تجدد القتال في كرواتيا وفي جلسة الاتحاد الأوروبي الجديدة في البرتغال في 6 أبريل 1992 تم الاعتراف أيضًا بالبوسنة والهرسك كدولة مستقلة وكانت النتيجة اندلاع حرب أهلية على الفور في البلاد على ثلاث جبهات: المسلمون والكروات والصرب الذين يقاتلون كل منهم وغيرها في مجازروفي 27 أبريل شكلت صربيا والجبل الأسود التي كانت تتبعها دائمًا يوغوسلافيا الثالثة (المملكة الأولى والثانية الاشتراكية) على أمل الحصول على اعتراف دولي بأنها الدولة الخلف للمملكة السابقة وفي 24 مايو 1992 انفتحت جبهة جديدة في يوغوسلافيا السابقة التي عانت طويلاً: انتخبت كوسوفو رئيساً وبرلماناً فيما وصفه الصرب بانتخابات غير قانونية وكانت كوسوفو منطقة تتمتع بالحكم الذاتي في صربيا بها 92٪ من المسلمين الناطقين باللغة الألبانية وهكذا دخلت ألبانيا اللعبة لصالح كوسوفو وتركيا لصالح البوسنة والهرسك وسكوبيه وألبانيا وبمبادرة من الولايات المتحدة قرر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي اتخاذ إجراءات ضد صربيا والجبل الأسود الموالين لها وهذه التدابير لم تنجح ففي نهاية المطاف لم تكن صربيا الرسمية هي التي كانت تقاتل في البوسنة والهرسك وأمضت السنوات الثلاث التالية مع احتدام القتال على الأراضي البوسنية ومحاولة المجتمع الدولي الرسمي فرض الهزيمة النهائية على الصرب وبعد إعادة انتخابه بنسبة 56.21% من الأصوات في20 ديسمبر 1992 بدأ رئيس صربيا سلوبوتان ميلوسيفيتش الابتعاد التدريجي عن صرب البوسنة وكرايينا و أوقف الجيش اليوغوسلافي المشاركة في العمليات في البوسنة واقتصر “الأشرار” على بالي مقر صرب البوسنة ووُصف زعيمهم رادوفان كاراديتش بمجرم حرب ووُصف سلوبوتان ميلوسيفيتش بأنه عامل سلام في الوقت نفسه تم تعزيز الجيش الكرواتي بأسلحة ألمانية حديثة وتدريبه على يد أمريكيين متخصصين واستمر الانتظار الدموي حتى صيف عام 1995وجاء الهجوم الكرواتي في لمح البصر وعاصفة في أواخر يوليو 1995وتحت النظرة الباردة لسلوبوتان ميلوسيفيتش اجتاح الكروات مدينة كرايينا ومحووا كل ما بدا صربيًا وبحلول أوائل أغسطس أصبحت جمهورية كرايينا الصربية شيئاً من الماضي كما كان حال السكان الصرب هناك وتم طرد أولئك الذين لم يذبحوا وفي الخريف بدأت محادثات السلام في البوسنة وتم تعيين ميلوسيفيتش ممثلا للصرب حيث كان كارادزيتش مطلوبا وأدت المحادثات في دايتون بالولايات المتحدة بين الصرب من جهة والكروات والمسلمين من جهة أخرى إلى اتفاق باريس (15 ديسمبر 1995) الذي اعترف بدولة صربية في البوسنة وأعطيت سراييفو للمسلمين وأحرق الصرب منازلهم قبل مغادرتهم , قل صدفة أم لا فإن فصل الحلول الجذرية لم يترك ولاية سكوبيي سالمة ففي نوفمبر 1995تمكنت اليونان وجمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة (جمهورية مقدونيا اليوغسلافية الشهيرة التابعة للأمم المتحدة) من الاتفاق على “كل شيء ما عدا الاسم”و تم تغيير علم الدولة كما تم رفع الحظر المفروض على سكوبيي ومع ذلك توقفت أي تحفظات للدول الأوروبية على الاعتراف بالدولة عن التطبيق وفي أبريل 1996 اعترفت يوغوسلافيا أيضًا بإسكوبية تحت اسم مقدونيا وشهدت اعتراف ألمانيا بها على الفور وتبعتها الدول الأخرى ببساطة وكان رفع الحظر من قبل الأمم المتحدة بمثابة المكافأة لسياسة ميلوسيفيتش لكن التحدي جاء من خصومه في الداخل فمنذ مارس1997 بدأ كرسي ميلوسيفيتش يصدر صريراً خطيراً ولقد استغرق الأمر من الأميركيين عامين ونصف فقط لتحويل “ميلوسيفيتش الطيب” إلى “ميلوسيفيتش السيئ” ففي كوسوفو كان هناك ممثل “معتدل” ورائع لـ “الألبان” وحزب اتحاد كوسوفو (UCeKa) وهو منظمة ثورية مفترضة كانت تحلم بإعادة تشكيل ألبانيا الكبرى التي أنشأها الغزاة الإيطاليون بعد عام 1941 ولم يكتف الأمريكيون بإلقاء اللوم على سلوبوتان ميلوسيفيتش والصرب لشنهم حملة تطهير عرقي في كوسوفو فقد تم إخفاء غارات مرتزقة جيش تحرير كوسوفو على القرى الصربية وعمليات القتل الجماعي وظهرت عمليات القتل الجماعي “للألبان” على يد الجيش الصربي بينما تدفقت موجات من اللاجئين الصرب والألبان في كل اتجاه وانضمت جميع الدول الأوروبية تقريبًا إلى حملة عزل ميلوسيفيتش و بحلول أوائل عام 1999 كانت شيطنة ميلوسيفيتش قد اكتملت وقام الأمريكيون بتعبئة الناتو فبدأ القصف الجوي لصربيا في 24 مارس 1999دون أي قرار مسبق من الأمم المتحدة وعلى الرغم من خلاف الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الصين وروسيا واشتبك الأمريكيون وحلف شمال الأطلسي في هجمات ليلية ضد يوغوسلافيا بالطائرات والصواريخ وكان المبرر هو الحماية المزعومة للناطقين الألبان في كوسوفو لكن المدن الصربية والعاصمة بلجراد تأثرت أيضا كل يوم وأوضح الناتو والأمريكيون أن جميع الضربات التي نفذوها كانت موجهة إلى “أهداف عسكرية” وقد أطلقوا على المدنيين الذين قتلوا اسم “الخسائر الجانبية”وفي 31 مارس وبينما كان حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة يواصلان القصف أسر الصرب ثلاثة جنود أمريكيين كما تمكنوا من إسقاط طائرة “تحقيق” أمريكية “غير مرئية” مما عزز معنوياتهم وكانت أوروبا تراقب كل هذا ببرود أو لامبالاة لكن إرتفع صوتها في اليونان .
في الفصل قبل الأخير من حرب يوغوسلافيا التقى ضباط حلف شمال الأطلسي والصرب في التاسع من يونيو في كومانوفو بسكوبيي واتفقوا على كيفية سحب القوات اليوغوسلافية من كوسوفو ونشر قوة حفظ سلام دولية هناك تفاجأ الأمريكيون برؤية آلة الحرب الصربية بأكملها تغادر سالمة وعلى مدى أشهر أعلنوا كل يوم عن تدمير الدبابات الصربية وأحياناً المضادة للطائرات وتبين أنهم عندما ضربوا “أهدافاً عسكرية” أصابوا دمى وبأمر من الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي خافيير سولانا توقفت الهجمات ضد صربيا في 10 يونيو بينما قرر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة دخول قوة لحفظ السلام إلى كوسوفو وفي صربيا وصل خبراء تقييم الأضرار بينما بدأ العد التنازلي لسلوبوتان ميلوسيفيتش وفي 24 سبتمبر 2000 أجريت انتخابات لرئاسة الاتحاد وتأخر إعلان النتائج وبعد يومين أصدرت اللجنة الرسمية حكمها : 48% للمعارضة و41% لميلوسيفيتش وأعلن أنه سيتم حل المشكلة من خلال انتخابات الإعادة التي حددتها اللجنة في 8 أكتوبر وزعمت المعارضة أنها حصلت على 57% مقابل 35% لميلوسيفيتش وأطاحت انتفاضة شعبية في 5 أكتوبر في بلجراد بميلوسيفيتش وتحولت إلى انتفاضة سلمية في مرحلة ما بعد الاستعمار وبدلا من إعادة الانتخابات أعلنت المؤسسات هزيمة ميلوسيفيتش وانتصار زعيم المعارضة الموحدة فويسلاف كوستونيتشا في الانتخابات الرئاسية السابقة وبشكل تلقائي بادر الاتحاد الأوروبي إلى رفع العقوبات المفروضة على صربيا في حين اعترفت روسيا والولايات المتحدة بكوستونيتشا وتمت دعوة اليونان للعب دور الوساطة وفي 19 يناير 2001 وقع الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته بيل كلينتون كآخر عمل في رئاسته أمرا تنفيذيا برفع جميع العقوبات الأمريكية المفروضة على يوغوسلافيا السابقة وفي الأول من إبريل عام 2001 ألقي القبض على الزعيم الصربي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش بتهمة ارتكاب جرائم اقتصادية وسياسية وكانت هناك محاولة سابقة لاعتقاله قبل يومين لاقت رد فعل من قيادة الجيش وطالب الأمريكيون والأوروبيون بتسليمه “لمحاكمته في لاهاي” وقد رفضت المحكمة الدستورية لصربيا الطلب وتمت عملية اختطاف سلوبوتان ميلوسيفيتش في 28 يونيو 2001 وتم تسليم الزعيم الصربي القوي إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وفي اليوم التالي أعلن استقالة رئيس وزراء صربيا وانسحاب حزب الرئيس كوستونيتشا من الائتلاف الحاكم بينما أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن مساعدات بقيمة 1.25 مليار دولار وفي 4 فبراير 2003تم تحويل ما تبقى من جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية إلى اتحاد صربيا والجبل الأسود وفي 28 ديسمبر من العام نفسه حصل حزب صديق ميلوسيفيتش القومي المتطرف فويسلاف سيسيلي على المركز الأول في الانتخابات بنسبة 27.5% (و81 مقعدًا في البرلمان المؤلف من 250 مقعدًا) بينما انتخب معتقل لاهاي سلوبوتان ميلوسيفيتش نائبًا مع حزبه تجمع الأحزاب 7.6% و22 مقعدا وظل حزب كوستونيتسا الذي احتل المركز الثاني بنسبة 17.6% و53 مقعدا قويا وتم حل اتحاد صربيا والجبل الأسود في يونيو 2006 مع استقلال الجبل الأسود بعد استفتاء , وأخيراً أسدل الستار على سلوبوتان ميلوسيفيتش في 11 مارس 2006 ففي ذلك اليوم لفظ أنفاسه الأخيرة في سجون المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي حيث كان معتقلا متهماً بارتكاب جرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية لدوره في الحروب في عام 2006 في كرواتيا والبوسنة (1991-1995) وكوسوفو (1998-1999) وفي انتخابات 11 مايو 2008 ظهر ائتلاف تاديتش القومي كحزب أول حيث حصل على 38.7% (103 من أصل 250 مقعدًا) وتلاهم الحزب الراديكالي الصربي (SRS) بنسبة 29.1% (77 مقعدًا) وائتلاف كوستونيتشا بنسبة 11.3% (30 مقعدًا) والحزب الاشتراكي الصربي (الذي أسسه ميلوسيفيتش) بنسبة 7.9% (20 مقعدًا) والحزب الليبرالي الصربي بنسبة 7.9% (20 مقعدًا) والحزب الديمقراطي الليبرالي بنسبة 5.2% (13 مقعداً) وينتخب مجريو فويفودينا 4 نواب ومسلمو سنجق 2 وألبان جنوب صربيا 1 وبعد شهرين في 22 يوليو 2008 ألقي القبض أيضاً في بلجراد على رادوفان كارادزيتش المطلوب لارتكابه جرائم حرب في البوسنة (من قبل قوات الأمن الصربية، كما أُعلن) وقد تم بالفعل نقله إلى لاهاي لمحاكمته .
الــــتـــطـــور الأخــــيــــر في أزمــــة كوسوفو :
وافقت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا PACE في 16 أبريل 2024على اقتراح رئيسته دورا باكويانيس (ثيودورا “دورا” باكوياني سياسية يونانية ووزيرة خارجية سابقة وهي حالياً عضو بالبرلمان اليوناني) الوارد بتقرير يوصي بالموافقة علي قبول كوسوفو عضواً بها أي اكتساب مكانة الدولة بأغلبية 131 صوتاً مؤيداً و29 معارضاً وامتناع 11 عضواً عن التصويت الذي جري في جلسة عامة إستغرقت ثلاث ساعات من النقاش وأكثر من 65 مداخلة في مدينة ستراسبورج شرقي فرنسا , وقبل هذا التطور كان كياني كوسوفو والقبارصة الأتراك يتمتعان بمركز المراقب في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا وستكون كوسوفو عضو بعد موافقة مجلس الوزراء الأوربيين عليه (هناك 46 دولة أوروبية من أصل 49 دولةأعضاء بمجلس أوروبا) ويُذكر أن ممثلي قبرص جيورجوس لوكيديس من حزب AKEL وكريستيانا إيروتوكريتو من حزب DIKO ناضلا لمنع ذلك القرار وكذلك نينا كاسيماتي (سيريزا) من الجانب اليوناني صوتوا ضد التقرير وامتنع أليكسيس تسيبراس وجورج باباندريو عن التصويت , كما من المهم الإشارة إلي أن السيدة باكويانيس والوفد اليوناني لدى الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا قد زاروا قبرص مؤخرًا وأجروا مناقشات مع كل من الحكومة والبرلمان خلال المناقشات تم تأكيد النهج المتبع , لكن النائبة دورا باكويانيس رئيسة الوفد اليوناني التي قدمت إقتراح عضوية كوسوفو في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا تراجعت عن موقها إذ صرحت لصحيفة “بوليتيس” في 24 أبريل 2024 وقالت “أنه لا يمكن الربط بين قضية قبرص وقضية كوسوفو بأي شكل من الأشكال، فهما قضيتان مختلفتان وأشارت باكويانيس أنها تعرضت لهجمات اليمين المتطرف وأن رئيس الإدارة القبرصية اليونانية نيكوس هريستودوليديس يعلم جيدا أن الأمر لا علاقة له بقبرص وفي إشارة إلى قرار محكمة لاهاي ذو الصلة قالت باكويانيس إنه ليس من الممكن الربط بين قضية قبرص وقضية كوسوفو بأي شكل من الأشكال ففي قبرص هناك احتلال تركي لا علاقة له بتاريخ كوسوفو” وأن رأيها يتطابق مع رأي بلادها التي لا تعترف بكوسوفووشددت باكويانيس أيضًا على أن التقرير الخاص بكوسوفو يتعلق فقط بحقوق الإنسان , وحول مسألة ما إذا كان من الممكن أن تؤدي الأجندة الإيجابية في العلاقات التركية اليونانية إلى تسريع حـــل المشكلة القبرصية ذكرت باكويانيس أن ذلك قد يكون مفيدًا من حيث الأجواء لكنهم بعيدون عن الحديث عن القضايا الأساسية في العلاقات التركية اليونانية ففي نهاية المطاف لا يمكن أن تكون هناك علاقات تركية يونانية بدون قبرص وهذا ما قاله رئيس الوزراء اليوناني أيضًا .
مع الإعتبار لما قالته دورا باكويانيس رئيسة الوفد اليوناني فإن حكومة قبرص (اليونانية) تخشي بصفة خاصة من أن يشكل قبول كوسوفو عضو بالجمعية البرلمانية سابقة لدى جمهورية قبرص التركية المنفصلة عن جمهورية قبرص(اليونانية) في قبرص خاصة في الوقت الذي كثفت فيه أنقرة جهودها للارتقاء بالدولة بهذه الجمهورية الواقعة شمال الجزيرة المُقسمة منذ عام 1974 لكن تقرير باكويانيس أثار سلسلة من الانتقادات وحتى الهجمات ضد باكويانيس نفسها خاصة من الجانب القبرصي وفي الوقت نفسه نأى قصر مكسيموس(الرئاسة اليونانية) ووزارة الخارجية بأنفسهما عن التقرير حتى أنهما أعلنا أن اليونان ستمتنع عن التصويت على مستوى وزراء الخارجية وأكد المسؤولون اليونانيون موقف البلاد الثابت بعدم الاعتراف بإعلان استقلال كوسوفو من جانب واحد، مشددين على أن اليونان تظل ملتزمة بمبادئ سياستها الخارجية ولن تغير موقفها إلا إذا تغيرت الحقائق التي تدعمه وعلى الرغم من ردود الفعل العنيفة دافعت باكويانيس عن مواقفها قائلة إن التقرير لا يتناول مسألة وضع كوسوفو أو ما إذا كانت تشكل دولة و أن التقرير يركز على حقوق الإنسان وتنفيذ العدالة داخل كوسوفو لكن قبرص التي شهدت انقسامها وصراعاتها الخاصة مازالت وستظل تتمسك بموقف عدم الاعتراف بكوسوفو مشيرة إلى ضرورة الحفاظ على القانون الدولي وسلامة أراضيها وعلى الرغم من الصعوبات فلا تزال كوسوفو تأمل في أن تعترف بها اليونان حيث يشير المسؤولون إلى تحسن العلاقات بين البلدين وإحدى نقاط الخلاف الحاسمة هي التشابه المحتمل بين كوسوفو وقبرص إذ يزعم معارضو الاعتراف بكوسوفو أن هذا الاعتراف يمثل سابقة خطيرة للحركات الانفصالية لكن المؤيدون يشيرون إلى التمييز الذي أجرته محكمة العدل الدولية في لاهاي بين القضيتين مشددين على أن استقلال كوسوفو لم ينتهك القانون الدولي والآن يمكن القول أن المناقشة الدائرة بشأن الاعتراف بكوسوفو ليست جديدة في ظل المخاوف بشأن تأثيرها على المصالح اليونانية والمشكلة القبرصية لأن هناك إمكانية لاستغلال الوضع من قبل الإدارة القبرصية التركية مما سيزيد من تعقيد القضية القبرصية برمتها فقضية الاعتراف بكوسوفو تظل معقدة وحساسة بالنسبة لكل من البلدين، اليونان وقبرص في ظل الحجج القوية التي يقدمها الجانبان ومن المتوقع أن يستمر الحوار .
رد فـــعـــلي صـــربـــيــا وكـوسـوفـو :
صـربـيـا /
كان أول رد فعل علي هذا التطور الأوروبي الذي غيــر وضـعـية كـوسـوفـو من وزير خارجية صربيا إيفيكا داتشيتش الذي صرح وقال :”لأول مرة في التاريخ، يقترح انضمام مجلس أوروبا إلى شيء ليس دولة ولا يستوفي الشروط الأساسية في مجال حقوق الإنسان والحريات بل على العكس من ذلك فقد رفضت كوسوفو منذ أحد عشر عاماً تشكيل اتحاد البلديات الصربية وهو التزامها الدولي وما فتئت تنفذ سياسة الإرهاب والتطهير العرقي ضد الشعب الصربي وأضاف قوله : ” بهذا القرار الذي فرضته الدول القوية يتم تقويض أسس مجلس أوروبا والنظام القانوني الدولي
كذلك هاجم الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش وزيرة الخارجية اليونانية السابقة دوراس باكويانيس بشراسة غير مسبوقة بسبب تغير موقف السيدة باكويانيس فيما يتعلق بإدراج دولة كوسوفو في مجلس أوروبا وقال الرئيس الصربي خلال كلمته المثيرة في القصر الرئاسي 18 أبريل 2024 : ” اسمحوا لي أن أقول لدورا باكويانيس : عار عليك ما فعلته فأنا شخصياً أعرف من أعطاك الأمر بمكالمة هاتفية فقمت بتغيير بلاغك إن بعض الناس لديهم عمود فقري والبعض الآخر رخو !” .
إعتبر الإعلام الصربي كذلك التغيير في موقف السيدة باكويانيس وبالتالي الحكومة اليونانية خاطئاً تماماً , ويعتبر أن موضوع كوسوفو والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا وراءه أصابع المانية وألبانيا الكبرى .
يروج الجانب الصربي أنه حتى يوم 5 مارس 2024 كانت السيدة باكويانيس تصر على مطلبها الأولي وهو أيضاً مطلب المجتمع الدولي بأن تستوفي حكومة كوسوفو ثلاثة معايير أساسية من أجل الحفاظ على الآمال من منظور أوروبي على النحو التالي :
1- إعادة حكومة كوسوفو جميع أصول جميع الأديرة الصربية المقدسة في كوسوفو والأسهم الموجودة في الأديرة التي تنتمي إليها .
2- إنشاء اتحاد البلديات الصربية في مناطق كوسوفو التي يشكل فيها السكان الصرب أغلبية تصل إلى 99% .
3- إلغاء قانون المصادرة وإعادة جميع الأصول المسروقة من كوسوفو إلى السكان الصرب في كوسوفو .
لكن بعد أسبوعين فقط أي في 20 مارس 2024 قدمت السيدة باكويانيس اقتراحًا جديدًا في اجتماع المؤتمر البرلماني لمجلس أوروبا وبذلك تجاوزت مواقفها التي يراها الصرب علي أنها منسجمة مع القانون الدولي والمكتسبات الأوروبية معتبرة أن التنفيذ الجزئي للشرط الأول فقط أي إعادة 24 هكتارًا من الأرض إلى دير فيسوكي ديتشاني الصربي الأرثوذكسي يكفي بالنسبة لها للتنازل وإعطاء الضوء الأخضر لانضمام كوسوفو إلى مجلس أوروبا
علي صعيد آخر لكنه مُرتبط بوضعية كوسوفو أيضاً أعلن أن البلديات الصربية الأربع في شمال كوسوفو (كوسوفسكا ميتروفيتشا، ليبوسافيتش، زفيتشان، زوبين بوتوك) قد عادت إلى التصويت في الانتخابات الاستثنائية التي تقرر إجراؤها يوم الأحد 21 أبريل 2024 وهذه الإنتخابات إستفتاء على إقالة رؤساء البلديات الأربعة المتنازع عليهم وغير الشرعيين الذين تولوا مناصبهم في اليوم التالي للانتخابات الإدارية السابقة التي قاطعها السكان الصرب في البلديات بشكل كامل , إن التصويت الذي كان سيسمح من حيث المبدأ بإقالة رؤساء البلديات المتنازع عليهم وبالتالي إجراء انتخابات جديدة لانتخاب رؤساء بلديات جدد تمت مقاطعته في هذه الظروف أيضًا من قبل صرب كوسوفو , وعموماً فقد تزامن مع موافقة الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا PACE في 16 أبريل 2024على اقتراح قبول كوسوفو عضواً بها واكتساب مكانة الدولة , حدوث تطور آخر في كوسوفو نفسها وهو تطور كان متوقعاً فقد فشل الاستفتاء على عزل رؤساء البلديات الألبان في أربع بلدات ذات أغلبية صربية في شمال كوسوفو في 21 أبريل 2024 وذلك بسبب مقاطعة الأغلبية الصربية وبسبب آلاف الصرب الذين غادروا كوسوفو والقوائم الانتخابية “المضخمة” وغير المحدثة وبالتالي لم تتجاوز نسبة المشاركة فيه 3% وهذ الإستفتاء كان سبباً في اندلاع أعمال العنف في هذه المنطقة التي تحظى فيها الأغلبية الصربية بدعم بلجراد وندد رئيس كوسوفو بالمقاطعة وأرجع ذلك أساسًا إلى “الضغط من بلجراد” كما انتقد فيوسا عثماني في بيان صحفي “مرة أخرى تدخل صربيا بشكل غير قانوني في العملية الانتخابية في دولة أخرى” , وقالت اللجنة الانتخابية المركزية في مساء 21 أبريل 2024أن 253 ناخباً فقط من أصل 45 ألفاً أدلوا بأصواتهم في الاستفتاء الذي أجري وأعلن رئيس لجنة الانتخابات المركزية كريشنيك رادونيكي أن التصويت فشل بسبب عدم وجود مشاركة كافية وأنه لكي تكون الانتخابات صحيحة يجب أن تكون نسبة المشاركة أكبر من 50% من الناخبين وتهدف المقاطعة الصربية الجديدة للإنتخابات إلى حرمان بريشتينا من سلطتها على المناطق الشمالية من البلاد , لكن هذا الفشل ذو أبعاد أكبر من أحلك التوقعات ومع عواقب لا يزال من الصعب فك شفرتها لكنها بالتأكيد سلبية للغاية والتخبط هو التعريف الأمثل للاستفتاء الذي أجري في 21 ابريل 2021 في شمال كوسوفو بأغلبية صربية وهو إستفتاء شعبي دعا – بناء على طلب الصرب في المنطقة- إلى إقالة رؤساء البلديات من أصل ألباني المنتخبين في أبريل 2023 فقط بسبب المقاطعة الصربية للتصويت، والتي كانت بمثابة فتيل التوترات الخطيرة للغاية التي حدثت خلال العام ونصف العام الماضيين , وفي رد فعل السلطات الحكوميو في كوسوفو علي هذه الإنتكاسة قال رئيس كوسوفو فيوسا عثماني إن اللوم في فشل الاستفتاء يقع “فقط على عاتق صربيا التي تدخلت للمرة الألف بشكل غير قانوني في العمليات الانتخابية” في كوسوفو المستقلة وأوضح رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي أن السماح بتنظيم الاستفتاء على إقالة رؤساء البلديات غير المعترف بهم من قبل الصرب كان “أحد الشروط” لرفع العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على بريشتينا لقد فعلت بريشتينا ما عليها وعلي بروكسل أن تفي بوعودها , وعلي كل حال فسوف تتصاعد التوترات في شمال كوسوفو المضطرب منذ أشهر في أعقاب الانتخابات المحلية التي فاز بها رؤساء البلديات من أصل ألباني بسبب المقاطعة الصربية وتم انتخاب رؤساء البلديات الذين كانوا موضوع الاستفتاء في أبريل 2023 خلال الانتخابات البلدية التي قاطعها صرب كوسوفوالذين نزلوا إلى الشوارع لمنع أعضاء مجلس المدينة الجدد من القيام بمهامهم وأصيب الكثيرين , والحقيقة أن العلاقات بين بريشتينا والأقلية الصربية في شمال كوسوفو والتي تدعمها وتمولها جزئياً بلجراد متوترة ومشوبة بالمخاوف منذ إعلان الاستقلال في عام 2008 ففي سبتمبر2023 أثار مقتل ضابط شرطة من كوسوفو واكتشاف قوة كوماندوز مدججة بالسلاح مكونة من الصرب مرة أخرى المخاوف من حدوث تصعيد عنيف .
تعليقاً علي هذه الإنتخابات قال لرئيس فيوسا عثماني ” إن صرب كوسوفو اختاروا عدم استغلال فرصة التصويت بسبب الضغوط من صربيا ولقد حدث هذا بشكل أساسي بسبب الضغوط التي مارستها بلجراد والتي نفذتها القائمة الصربية والهياكل الإجرامية غير القانونية مرة أخرى تدخلت صربيا بشكل غير قانوني في العملية الانتخابية في دولة أخرى مرة أخرى انتهك كوسوفو أمام الشركاء الدوليين” وقال رئيس الوزراء ألبين كورتي “كنا نأمل في تحقيق نتيجة أخرى لكن كوسوفو أوفت بالتزاماتها”، فيما دعا إلبرت كراسنيكي، وزير الحكم المحلي الاتحاد الأوروبي إلى رفع الإجراءات المفروضة على كوسوفو عقب تصاعد التوترات الصيف الماضي , في الوقت نفسه قالت السفارة الأمريكية في بريشتينا لصحيفة جازيتا إكسبريس إن التصويت تم وفقًا للمتطلبات القانونية لكوسوفو وبما يتماشى مع الإطار القانوني ولجنة الانتخابات المركزية .
بالنسبة للإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وهما من أكثر الأطراف الدولية فعالية وبالتالي تدخلاً في أزمة كوسوفو فقد أعربت المفوضية الأوروبية والولايات المتحدة عن وجهات نظر مختلفة حول نتائج الاستفتاء الذي أجري يوم 21 أبريل 2024لتغيير رؤساء البلديات الألبانية في أربع بلديات ذات أغلبية صربية في شمال كوسوفو فالولايات المتحدة تقبل بقاء رؤساء البلديات في مناصبهم وأوضحت الولايات المتحدة، في بيان أصدرته في 21 ابريل أنه “لا يوجد قرار للناخبين باستدعاء رؤساء البلديات”وقد تم انتخاب رؤساء البلديات الحاليين وما زالوا في مناصبهم وفقا للإطار القانوني لكوسوفو”في حين يرفض الاتحاد الأوروبي التعليق ويؤكد أن التصويت ليس كافياً للحد من التوترات .
كـــــوســــوفــــو/
في الاجتماع الذي عقد في بروكسل في14 سبتمبر 2023صرح رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي أنه لا يمكنه السماح بتشكيل اتحاد البلديات الصربية دون اعتراف فعلي مسبق من الجانب الصربي وأنه لا يستطيع أن يقدم لهم القهوة دون فنجان وقال كورتي في مؤتمر صحفي عقده في بريشتينا: “الاعتراف الأول بحكم الأمر الواقع لأن الإطار القانوني لإنشاء اتحاد البلديات هو دستور كوسوفو وليس الدستور الصربي”وأن بلجراد مهتمة بشكل أساسي بالصلاحيات التنفيذية لاتحاد البلديات الصربية وأكد أن حكومته لن تمنح مثل هذه الصلاحيات لمؤسسة حكم ذاتي محلية مُعرباً عن استيائه من موقف المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي ميروسلاف لايتشاك مشيرًا إلى أنه ينسق بشأن العديد من القضايا خلال المفاوضات مع رئيس صربيا ألكسندر فوتشيتش .
انتهت الجولة الجديدة من الحوار بين بلجراد وبريشتينا التي عقدت في 14 سبتمبر2023 على أعلى مستوى سياسي في بروكسل وفشل الجانبان في الاتفاق على خريطة الطريق المتعلقة بتنفيذ الخطة الأوروبية لتطبيع العلاقات بين صربيا وكوسوفو التي اقترحها الممثل الأعلى للسياسة الخارجية جوزيب بوريل ولايتشاك ويتوخى الاقتراح أن تبدأ بريشتينا عملية إنشاء اتحاد البلديات الصربية بينما تبدأ بلجراد في الوقت نفسه في الوفاء بالتزاماتها .
طلب رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي خلال حديثه في المنتدى الاقتصادي السابع في دلفي باليونان في 22 أبريل 2024 اعتراف اليونان بكوسوفو وفي إشارة إلى علاقات بريشتينا مع أثينا أشار السيد كورتي إلى ما يلي: “لدينا اتصالات وتعاون جيدان مع اليونان وليس لدى مواطني وحكومتي كوسوفو واليونان قضايا مفتوحة لذلك هناك جسر يجب علينا عبوره إنه الوقت المناسب لليونان للاعتراف بكوسوفو وقبل ذلك وخاصة بعد أن نتمكن من زيادة تعاوننا الاقتصادي وقال أن اليونان زعيمة إقليمية ويمكنها مساعدة كوسوفو في الحصول على المزيد من الاعتراف” .
مــــوقفي اليــونـان وقــــبـــرص :
ترى اليونان وبالطبع قبرص أن إعلان كوسوفو دولة من جانب واحد ينتهك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة في حين ينبغي اتخاذ قرار مشترك بين البلدين وبالطبع تعتبر اليونان وقبرص أن قرار المؤتمر البرلماني لمجلس أوروبا PACE في 16 أبريل 2024يشكل سابقة سلبية بالنسبة للقضية القبرصية فهو اعتراف بدولة قامت بعد التدخل العسكري (الانفصال) فالموقف الدائم للسياسة الخارجية لليونان بشأن قضية كوسوفو كان ولايزال هو عدم الاعتراف بإعلان استقلال كوسوفو من جانب واحد لكن لليونان مع ذلك مكتب إتصال في بريشتينا معتمد لدى بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو وتعترف اليونان أيضاً بجوازات سفر كوسوفو ولا تتخذ موقفًا عدائيًا تجاه مواطني كوسوفو ولا تعارض جهود الاتحاد الأوروبي لتطبيع الوضع فهو في جوهره أمــر يريده الجميع تقريبا .
صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية القبرصية تيودوروس جوتسيس لوكالة الأنباء القبرصية في 18 أبريل 2024 أن قبرص تظل متمسكة بمواقفها الثابتة بشأن قضية كوسوفو وردا على طلب للتعليق على موافقة الأغلبية في الجلسة العامة للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا على الرأي ذي الصلة بشأن موضوع انضمام كوسوفو إلى مجلس أوروبا أشار السيد جوتسيس إلى أن قبرص لا تزال قائمة متسقة مع مواقفها الدائمة “الملتزمة تماما باحترام سيادة جميع الدول وسلامة أراضيها”وأضاف : لذلك ” فقبرص لا تعترف بالاستقلال المعلن من جانب واحد من كوسوفو”وأشار إلى أن “موقفنا هذا تم التعبير عنه في مجلس أوروبا من خلال مواقف ممثلي قبرص في الجمعية البرلمانية وهي قضية أثيرت أيضا خلال مناقشة العام الماضي عندما صوتنا ضدها أيضا”وفي الوقت نفسه قال السيد جوتسيس إن قبرص تؤيد بشكل كامل الحوار بين بلجراد وبريشتينا الذي يجري تحت رعاية الاتحاد الأوروبي .
في الواقع أن قرار الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا PACE في 16 أبريل 2024 بقبول اقتراح دورا باكويانيس بالموافقة علي قبول كوسوفو عضواً به أي اكتساب مكانة الدولة بأغلبية 131 صوتاً مؤيداً و29 معارضاً وامتناع 11 عضواً عن التصويت كان مثاراً لغضب جمهورية قبرص اليونانية التي مازالت تكافح بإدوات محدودة خطر وجود جمهورية في شمال الجزيرة المُقسمة منذ الغزو التركي للجزيرة في يوليو1974التي أعلنت في 15 نوفمبر1983وتري جمهورية قبرص اليونانية في حالة كوسـوفو في ومحاولة دمجها في أوروبا كدولة وضعاً مشابهاً لما تريد تركيا أن تفعله بجمهورية شمال قبرص التركيا وتقديمها للمجتمع الدولي كدولة ذات سيادة , وبالتالي تردد جمهورية قبرص اليونانية أن أي حكومة يونانية لم تفكر حتى الآن في المضي قدمًا في الاعتراف غير المباشر بانفصال كوسوفو عن الهيئة الوطنية الصربية لأنه والحالة هذه علي أوروبا والمجتمع الدولي أن يقبل “شرعية” الطلب التركي بالاعتراف بالدولة بجمهورية شمال قبرص التركية” فالحالتين متطابقتين والكثير من السكان في شمال قبرص من أصل تركي كما ان الكثير من سكان كوسوفو من أصل ألباني , ونيقوسيا تري في حالة ما تم في المؤتمر البرلماني لمجلس أوروبا متطابق لما تحاول تركيا أن تفعله لجمهورية شمال قبرص التركية فلا يوجد فرق بين غزو تركيا لشمال قبرص وانفصال جزء وطني من جمهورية صربيا من قبل قوى أجنبية هي حلف شمال الأطلسي ويري القبارصة اليونانيين أن هناك ثمة فرق في القوة التي تدخلت لإنشاء الكيان الجديد سواء أكان هو كوسوفو أو جمهورية شمال قبرص التركية ففي الواقع أنه في حالة شمال قبرص كانت تركيا هي القوة المتدخلة التي صنعت الكيان الجديد بتدخلها العسكري في الجزيرة في يوليو/ أغسطس 1974وتقسيمها إلي كيانين واحد للقبارصة اليونانيين وآخر للقبارصة الأتراك فتركيا بموجب معاهدة زيوريخ قوة “ضامنة” وتدخلت لإنقاذ القبارصة الأتراك من عسف القبارصة اليونانيين وبالتالي كانت لديها القدرة القانونية على الغزو لذلك قررته إبان عهد الرئيس التركي سليمان ديميريل وفي حالة كوسوفو قام حلف شمال الأطلسي ناتو بغزو منطقة البلقان (صريبا) وإستخلاص كوسوفو , لكن السيدة دورا باكويانيس قالت في إحدي مداخلاتها “أن الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس يعلم جيدا أن القضية لا علاقة لها بقبرص”- في إشارة إلى قرار محكمة لاهاي – فهو قال بوضوح إن قضية قبرص وقضية كوسوفو لا يمكنهما أبدا أن تكونا متشابهتين بأي شكل من الأشكال أو أن تكونا مرتبطتين ففي قبرص لدينا احتلال لدينا غزو وهذا لا علاقة له بتاريخ كوسوفو وهذا هو أيضًا موقف محكمة لاهاي” .
يعارض الحزب الشيوعي اليوناني بشدة انضمام كوسوفو إلى مجلس أوروبا وأطلق نيرانه علي الحكومة كما أدان بشدة الحرب التي شنتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي في يوغوسلافيا وتفككيكها وإنشاء محمية كوسوفو والدعوةالاعتراف بها وأوضح الحزب أنه وفي الآونة الأخيرة بذلت محاولات لدمج كوسوفو في مجلس أوروبا وفي هذا الصدد تتحمل حكومة الجمهورية الجديدة باليونان مسؤوليات كبيرة وأشار الحزب إلي أنه في الواقع وبالنظر إلى اجتماع مجلس أوروبا في 16 أبريل في ستراسبورج حيث تم التصويت على انضمام كوسوفو أم لا أرسلت نائبة الحزب الشيوعي اليوناني ليانا كانيليس ممثلة الحزب في مجلس أوروبا الرسالة التالية إلى أمانة الوفد اليوناني :
“بما أنني غائبة لأسباب صحية عن هذه الجلسة لمجلس أوروبا وقضية كوسوفو التي ستتم مناقشتها غداً 16/4/24 فمن المهم للغاية بالنسبة لي ولحزبي أن يكون رفضي أي ضد التصويت والتسجيل فيرجى استبدالي فقط بعضو مناوب زميل فهو الذي سيكون له نفس التصويت السلبي مثل السيدة قاسماتي التي أكدت لي ذلك وإذا لم يكن ذلك ممكنا لأي سبب من الأسباب فليظل موقفي فارغا حتى لا يتغير تصويتي السلبي “.
مع ذلك تظل اليونان تري أن تصويت الجمعية البرلمانية ليس مُلزما وأنه سيتخذ القرار النهائي بشأن دمج كوسوفو من قبل مجلس وزراء مجلس أوروبا في الفترة المقبلة إلا أن هذا القرار يكشف النقاب عن الارتباطات السياسية والمناخ السائد في أوروبا وبالتالي فإن الاقتراح الذي قُبل لا علاقة له بالاعتراف بصفة نهائية بكيان دولة كوسوفو فالمجلس لا يملك مثل هذه السلطة لكنه يوُفــر المناخ السياسي المناسب للإعتراف المحتمل بها ويعد مجلس أوروبا أقدم منظمة في القارة القديمة تهدف إلى التكامل الأوروبي والدفاع عن حقوق الإنسان وهي المــســألة التي تشكل نقطة احتكاك وتوتر دائمة بين صربيا وكوسوفو ومن ناحية أخرى فبريشتينا اعتبرت دائماً أن حقوق سكانها الذين غالبيتهم من الألبان قد انتهكت بوحشية من قبل الإدارة الصربية في حين تواصل بلجراد اعتبار كوسوفو مقاطعة صربية انفصالية وأن من حقوق الصرب الذين يعيشون هناك ومعظمهم من الصرب في الجزء الشمالي من كوسوفو يجري التحايل عليها , وفي ظل هذه الخلفية التاريخية والسياسية تم قبول الاقتراح الذي تقدمت به السيدة باكوياني بشأن انضمام كوسوفو إلى مجلس أوروبا وكانت النتيجة أن احتفلت قيادة كوسوفو بـ “الإنجاز” فيما كان رد فعل حكومة صربيا هو “العنف اللفظي” وقد نالت السيدة باكويانيس وبالتالي اليونان نيران كثيفة وردود فعل قوية من الدبلوماسية الصربية فوصفت ممثلة صربيا بيليانا بانتيتش بيلجا المقررة باكويانيس بأنها “منافقة” وأن صربيا مع أنها “دولة صغيرة إلا أنها لن تستسلم أبدا” والحقيقة هي أن السياسة الغربية في البلقان كانت دائما يرسمها ويمليها سعيها الدؤوب لإزاحة النفوذ الروسي عن المنطقة خاصة بعد انهيار التحالف الشرقي أدى هذا المسعى وتفكك يوغوسلافيا وسلسلة الأزمات السياسية والإقتصادية المُتتالية في البلقان .
أدى استقلال كوسوفو / بريشتينا من جانب واحد في عام 2008 إلى جعل كوسوفو كجزء كبير من الأراضي الصربية الجنوبية والتي كانت تخضع بالطبع للحكم الذاتي الإداري خارج السيادة (الوطنية) الصربية بحكم الأمر الواقع ووفقاً للجانب الصربي فقد كان يسكنها عدد كبير من السكان من أصل صربي وضمير صربي الذين أصبحوا تلقائياً فيما بعد أقلية بحكم الأمر الواقع (فيما تشير أرقام مختلفة إلي أن كوسوفو 97% من سكانها متحدثين بالألبانية) وهي الحقيقة التي لم تتوقف أبداً عن خلق التوترات بين السكان المحليين في المنطقة وبين بلجراد وبريشتينا ومنذ أبريل 2013قامت كوسوفو وصربيا بتطبيع علاقاتهما مع إبرام اتفاق بروكسل الذي اعترفت بلجراد بموجبه ببريشتينا باعتبارها السلطة الحاكمة الشرعية التي تمارس السلطة الإدارية في كوسوفو بينما ضمنت في الوقت نفسه وضع الأقليات المعترف به أي السكان الصرب الأصليين في المنطقة ومع هذا التطور أصبح من الممكن لكلا الجانبين بدء عملية انضمامهما المستقلة إلى الاتحاد الأوروبي (يعتبر اعتراف صربيا بكوسوفو شرطا لانضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي ولا تزال بلجراد تصر على أنها لن تعترف أبدا بمقاطعتها السابقة) يليها تبادل ضباط الاتصال بين البلدين في يونيو 2013 ومع ذلك في نوفمبر 2018 مرت العلاقات بين صربيا وكوسوفو بأزمة حادة أخرى عندما فرضت بريشتينا ضريبة استيراد بنسبة 100٪ على جميع المنتجات الصربية لكن تم سحب اللائحة أخيرًا في 1 أبريل 2020 وفي 30 سبتمبر 2021 في بروكسل أبرم الطرفان (بلجراد وبريشتينا) اتفاقية جديدة تم التفاوض بشأنها من خلال المساعدة المباشرة من الاتحاد الأوروبي وبموجبها فإن كلا الطرفين وكذلك أطراف ثالثة مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية توقعوا أن تنجح هذه الخطة على الفور وأن تعمل على تهدئة قضية الاحتكاك الجزئية ولكنها كانت تتوقع أيضاً على نطاق أوسع أن تعمل على تحفيز المواجهة التي دامت عقوداً من الزمن بين صربيا وكوسوفو وبالتالي تسهيل طريقهما إلى عضوية الاتحاد الأوروبي وعلى وجه التحديد وافقت كوسوفو على سحب وحدات الشرطة من الاتحاد الأوروبي نقاط عبور حدودية على حدودها الشمالية مع صربيا (نقاط العبور المشتركة يارينجي/جارينجي وبرنجاك/بيرنياكي بالتزامن مع افتتاح الحواجز الصربية في المنطقة من أجل إنهاء المواجهة المتزايدة بشأن لوحات ترخيص المركبات) والتي تصاعدت بالفعل – لفترة – بشكل ملحوظ بل إن ذلك دفع سلطات القوة المتعددة الجنسيات التابعة لحلف شمال الأطلسي والمتمركزة في كوسوفو إلى تكثيف دورياتها في المنطقة لمدة أسبوعين وأخيرًا اتفق الطرفان على التنفيذ المؤقت (لفترة أولية مدتها 6 أشهر حتى يتم اعتماد ترتيب أكثر ديمومة ومقبول بشكل عام) نظام الملصقات المطلوبة لكل جانب على لوحات ترخيص المركبات (” إتباع التدابير ” ومن أجل تهدئة الوضع على الأرض ستطبق الأطراف نظام الملصقات على النحو المتفق عليه في إطار الحوار الذي ييسره الاتحاد الأوروبي كحل مؤقت حتى يتم الاتفاق على حل دائم واعتبارًا من أكتوبر 2021 بدأت فترة الستة أشهر الأولية حتى أبريل 2022 من الإجراءات المتفق عليها حيث يمكن للمركبات ذات لوحات الترخيص أحادية الجانب القيادة على جانبي لوحات الأرقام الموجودة بعد تركيب ملصقات خاصة تغطيها العلامات الحرجة عليها أي رمز العلم والاختصار المكون من حرفين للبلد ومع ذلك في هذه العملية لم يكن تطبيق الشروط بصدقية ولا تزال القضية مستمرة…. كذلك هناك معركة سياسية تجري في كوسوفو بشأن الإنتخابات البلدية في أربع محليات للصرب ، وجاء رد الإتحاد الأوربي علي هذه القضية في سؤال وجهه أحد أعضاء البرلمان الأوروبي حول ما سيتم فعله فيما يتعلق برفض كوسوفو إنشاء مجتمع من البلديات الصربية وهو الأمر الذي أكد الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل بشأنه على الإتحاد الأوروبي يشجع بريشتينا على إنشاء مجتمع من البلديات الصربية بموجب اتفاق بروكسل لعام 2013 لكنه لا يستطيع “إجبار” كوسوفو على القيام بذلك .
إن كوسوفو كيان سياسي قانوني قائم وهي دولة معترف بها من قبل ما يقرب من نصف النظام الدولي أي من قبل 119 دولة لكن الدول الأوروبية مثل اليونان وإسبانيا وقبرص ورومانيا وجميع دول البريكس مع استثناءات قليلة (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) وأمريكا اللاتينية (بما في ذلك المكسيك) ومعظم دول شرق آسيا والدول الإسلامية الهامة مثل الجزائر وتونس والأردن وإيران والعراق وعمان وإندونيسيا لا تعترف بكوسوفو كدولة أي ككيان سياسي دولي مستقل وذو سيادة علاوة على ذلك قامت أكثر من 20 دولة بسحب اعترافها السابق ومن المنظور القانوني الدولي والجيوسياسي الأوسع فإن مسألة الاعتراف بكوسوفو كدولة مستقلة وذات سيادة أم لا يمكن أن تقدم العديد من الخصائص المميزة الجديرة بالملاحظة بل ينبغي تقييمها ووزنها وفقًا لذلك في سياق إشكالي أوسع للتركيب الجيوستراتيجي الضروري المطلوب لدولة مثل الجمهورية الهيلينية اليونانية وجمهورية قبرص بصفة ثانوية لصياغة رؤيتها الإستراتيجية حول ما إذا كان ينبغي عليها المضي قدمًا في الاعتراف بـكوسوفو أو البقاء ضمن مجموعة الدول التي أعلنت أنها لا تنوي الاعتراف بها لأسباب تتعلق بمصالحها الوطنية بسبب العلاقة التاريخية مع صربيا منذ حروب البلقان إلى الحرب العالمية الثانية خاصة :
– أن الحكم الذاتي بكوسوفو كان خاضعاً في البداية لتنظيم مؤقت من قبل الهيئة العليا للنظام القانوني الدولي أي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من خلال القرار الشهير 1244/1999 وفي الواقع وحتى اليوم في جميع المراجع الرسمية للبلاد باسمها (كوسوفو) لدى الهيئات أو المؤسسات الدولية يتم ذلك باستخدام علامة النجمة (أي تحفظ قانوني) مع الحاشية التوضيحية التي تقول ” هذا الاسم ” “تخضع لتحفظات على مواقف الوضع وتتماشى مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1244/1999 ورأي محكمة العدل الدولية بشأن إعلان استقلال كوسوفو التي ينظم وضعها القانوني قرار مجلس الأمن 1244(1999) وهو قرار ملزم .
– أدى الاستقلال اللاحق في عام 2008 إلى تقسيم المجتمع الدولي وأثار تفكيرًا مكثفًا داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة ونتيجة لذلك وجهت الجمعية العامة الطلب ذا الصلة المعروف إلى محكمة العدل الدولية فيما يتعلق بشرعية النتائج المترتبة على المبادرة الانفرادية ذات الصلة التي اتخذتها سلطات كوسوفو .
– رأت محكمة العدل الدولية بدورها في قرار أدى إلى مزيد من الانقسام في المجتمع الدولي (ولكن في المقام الأول من حيث نظرية القانون الدولي) أن العمل الانفرادي المعني لا يتعارض مع القانون الدولي مما ينقض إلى حد كبير ثم التفسير التقليدي للمبدأ الأساسي للقانون الدولي فيما يتعلق باحترام السيادة الوطنية للدول والحرمة ذات الصلة (التغيير غير العنيف لحدود الدولة دون موافقتها) وكذلك مبدأ تقرير المصير للشعوب بشكل أساسي (والتي لا تتم شرعيتها إلا في الداخل إذا لم يتم استيفاء الشروط المطلوبة المعروفة) أي دون التسبب في تقسيم وتشويه السلامة الإقليمية للدول.
– من أجل استيعاب ردود الفعل المتوقعة حرصت محكمة العدل الدولية على التأكيد على أنه على الرغم من ابتكار الرأي المعني فإن عناصره لا ينبغي أن تشكل إطارا فقهيا ملزما بشكل حاسم لمواصلة إدارة القضايا المماثلة لأنه في جميع الأحوال تحتفظ هذه القضية باستقلالها ولكن أيضًا ولأن الخصائص النوعية لقضية كوسوفو تمثل خصائص مهمة مقارنة بقضايا أخرى مماثلة لمطالبات الأقليات في جميع أنحاء العالم فإن التوجيه التفسيري يمنع من ناحية الاستنساخ الفقهي الأعمى لنتائج الرأي ومن ناحية أخرى يعمل أيضًا بمثابة تقويض بامتياز للنظام القانوني الدولي لأنه يشجع على التدهور الذاتي لقيمة السوابق القضائية وللمحاكم الدولية كمرجع لصياغة حكمها المستقبلي .
– على الرغم من أن المجتمع الدولي كان منقسمًا تقريبًا بشأن الاعترافات الدولية فمن الجدير بالذكر أنه تم سحب 20 اعترافا بكوسوفو كدولة وهو رقم مثير للإعجاب ولكنه غير عادي إلى حد كبير فسحب الاعتراف الدولي الذي سبق أن أعلنته الدولة رسمياً لا يتوقف عن إدراجه ضمن الحقوق السيادية للدولة وعلى الرغم من أنه لا يحظره القانون الدولي صراحةً إلا أنه يظل سلوكاً للدولة لا يتوفر في كثير من الأحيان في الممارسة الدولية وهذا مما يسبب أيضًا عدم الاهتمام من وجهة نظر النظرية الدولية بدراسة مثل هذه القضية بشكل موسع من حيث جوانبها القانونية الدولية ومع ذلك فمن الناحية الجيوسياسية يتم تقييمها على أنها حقيقة ذات أهمية خاصة لعملية الاعتراف بكوسوفو ولكن أيضًا وفي حالات محتملة أخرى ذات صورة مماثلة لأنها تشير إلى حقيقة أن المبادرة الأحادية الجانب لاستقلال كوسوفو عن صربيا تشكل ديناميكية على الأقل في المرحلة الحالية .
قبرص – كوسوفو / الموقف اليوناني الأخــيــر :
عند دراسة حالة كوسوفو فإن مسألة مواقف اليونان وموقف السياسة الخارجية اليونانية في هذا الصدد تأتي حتما إلى الواجهة خاصة فيما يتعلق بالموقف المقابل للولايات المتحدة والتي منذ تفكك يوغوسلافيا والعملية العسكرية في كوسوفو ضد القوات الصربية (ربيع 1999) لم تقلل من اهتمامها بهذه القطعة المهمة من فسيفساء البلقان بل يمكن القول إلى حد ما أنه يمكن أيضًا وصف كوسوفو بأنها ” قبرص البلقان” بمعنى أن كــوســوفــو أهم قنوات الاتصال التي تربط بحر إيجه برا أي شرق البحر الأبيض المتوسط مع وسط وشمال البلقان ثم مع أوروبا القارية كما تعتبر قبرص مركز العبور الذي يربط مخرج قناة السويس بشرق البحر الأبيض المتوسط عبر وصلة بحرية ومع القراءة الأرضية فهي نقطة تقاطع القارات الثلاث الإفريقية ونهاية آسيا الصغرى والشرق أوسطية لآسيا ونهاية البلقان لأوروبا لذلك فمن وجهة نظر جيوسياسية، فإن حالتي كوسوفو وقبرص بالإضافة إلى الارتباط الوثيق مع الأغلبية والأقليات السكانية التي ينقسم إليها مجتمعهما لديهما أيضًا أوجه تشابه جيوسياسية واضحة وهي عناصر تصنفهما في دوائر متداخلة متعددة الأطراف وهو أمر يثير اهتمام العديد من الدول الأخرى بما يتجاوز الأطراف المباشرة وذات الصلة (أي صربيا – كوسوفو – ألبانيا، واليونان – تركيا) .
فيما يتعلق باهتمام ومواقف الولايات المتحدة واليونان بشأن مستقبل كوسوفو يشار إلى أنه في اجتماع على مستوى وزارة الخارجية (الثالث على التوالي) للحوار الاستراتيجي الثنائي بين اليونان والولايات المتحدة عُقد في واشنطن يوم 21 أكتوبر 2019 وأتيحت الفرصة لنيكوس ديندياس وأنتوني بلينكن – من بين آخرين – للاتفاق مما يؤكد التزام دولتيهما الثابت بفهم إقليمي مشترك لمنظور التكامل الأوروبي الأطلسي لغرب البلقان وكوسوفو ومن الطبيعي أن يتضمن هذا الفهم ما يلي : ” تواصل الولايات المتحدة واليونان دعمهما القوي للتكامل الأوروبي الأطلسي في غرب البلقان بما في ذلك كوسوفو وتؤكدان على أهمية البدء بشكل عاجل في مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي لكل من ألبانيا ومقدونيا الشمالية وفقًا لقرارات الاتحاد الأوروبي ” . الشروط المحددة كذلك فالتأكيدات المعنية والتي ترتبط أيضًا بموقف أثينا الصارم – على الأقل حتى الآن – بشأن مسألة “عدم الاعتراف” باستقلال كوسوفو يتردد صداها أيضًا في المواقف الراسخة الآن للسياسة الخارجية اليونانية كما يتجلى ذلك على الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية اليونانية أو كما عبروا مجددا بمناسبة اللقاء الذي عقد في فبراير 2024 بين رئيس الوزراء اليوناني ك. ميتسوتاكيس والرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش على الرغم من الشائعات الشديدة عن حدوث تغيير في موقف أثينا ومن الجدير بالذكر أنه بالإضافة إلى اليونان هناك أربع دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي (سلوفاكيا وإسبانيا ورومانيا وقبرص) تحافظ على نفس الموقف المتمثل في عدم الاعتراف باستقلال كوسوفو .
فيما يتعلق بحالة قبرص فإن هذا يدل على أن مصطلح الأقلية وهو خلافي مابين القبارصة الأتراك واليونانيين القاطنين في الجزيرة القبرصية (في هذه الحالة بمعنى مجتمع الأقلية السكانية) فهو لا يزال يحتل جوهر القضية وإنعكاسه عليها برمتها إن لم يكن في المجال البحري (حيث تبقى مجال المطالبات المتعلقة أساسًا بتعيين حدود المناطق البحرية للاستغلال الاقتصادي) ففي المجال الإقليمي وكان من السمات المميزة رد الفعل الفوري للحكومة التركية (وزارة الخارجية التركية) على تغريدة حديثة تمامًا وجديرة بالثناء لوزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس بمناسبة الذكرى 48 السوداء للمرحلة الثانية من الغزو المسلح التركي لقبرص عام 74 في عملية “أتيلا” وفي رسالة بالحساب الرسمي لوزارة الخارجية التركية تكرر توضيح سبب هذا الغزو ألا وهو أنه كان ينبغي لتركيا التدخل في قبرص لوقف إراقة الدماء والعنف ضد القبارصة الأتراك .
واضح أن موقف اليونان (وبالطبع قبرص أيضًا) الذي لم يتغير حقيقة حتى الآن فيما يتعلق بعدم الاعتراف باستقلال كوسوفو فقط فهو يرتبط بشكل واضح بالحساسية التي لدى البلدان الأخرى بنفس الموقف السلبي مع عناصر القلق التي تنبع بشكل معقول من الأقلية فبالنسبة لليونان فإن القضية المتعلقة بقضايا الأقليات في تراقيا وفي حالة قبرص شمال الجزيرة حيث القبارصة الأتراك (الذين من الصعب وصفهم بالأقلية فهم حوالي 40% من مجمل سكان قبرص) هي السبب الرئيسي وعلى وجه التحديد للغزو التركي لقبرص في يوليو وأغسطس 1974 ومنذ الإعلان عن وجود جمهورية قبرص التركية عام 1983وهي تبحث عن الإعتراف الدولي دون جدوي كحالة كوسوفو التي يسرت لها الولايات المتحدة ذلك الأمر فحصلت علي أكثر من 100 إعتراف بها كدولة ( قامت الولايات المتحدة كذلك بجهد ديبلوماسي كبير لتوفير الإعتراف الدولي لدولة جنوب السودان التي وفرت لها أمريكا الرعاية بدعم تمرد الجنوب المسلح ثم التفاوض في كينيا لإجبار حكومة السودان علي الإنفصال الذ حدث برعاية أمريكية في 11 يوليو)2011 فيما لم تفعل نفس الشيئ في حالة جمهورية قبرص التركية المُعلنة تحت اسم “الجمهورية التركية لشمال قبرص” ومع الأخذ في الاعتبار ما ورد أعلاه بشأن فتوى المحكمة في لاهاي بشأن موضوع استقلال كوسوفو فيمكن القول أن الحكم المعني فرض بلا شك تفسيرا قانونيا لم يكن حتى الآن مقبولا من حيث المضمون وفقاً لنظرية القانون الدولي للقبول القانوني للأعمال الانفرادية الفردية للاستقلال دون موافقة الدولة , لكن وفي كل الأحوال وبعيداً عن لاهاي فإنه من الواضح أن سابقة كوسوفو إذا تحقق احتمال الاعتراف بها في نهاية المطاف فستشكل سابقة سلبية لا لبس فيها لبعض الدول كحالتي كوسوفو وقبرص أو المجتمع السكاني الآخر في أي دولة ما وهذا أمر من شأنه أن يتعارض مع السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية من وجهة نظر الشريك الآخر .
في ضوء كل ما سبق فإن أي تحرك محتمل أو تغيير في الموقف الثابت لليونان فيما يتعلق بعدم الاعتراف بكوسوفو لا ينبغي اعتباره إلا بمثابة انقلاب جيوسياسي وهو الاختيار الذي لا تستطيع الدولة الهيلينية أن تقبله في ظل الوضع الجيوسياسي التاريخي الحالي , ومع ذلك يبقي إحتمال تغيير اليونان لموقها من الإعتراف بكوسوفو وارداً وقائماً بفعل الضغوط الأمريكية والتحركات الأوروبية للإتحاد الأوروبي خاصة وأن موقف اليونان من القضية القبرصية خاضع لسياسة الأنمر الواقع التي تفرضها تركيا بوجودها العسكري في شمال قبرص التركية التي أكد رئيس جمهوريتها أرسين تتار مؤخراً أن وجودها بضمانة تركيا وأن جمهورية شمال قبرص جزء من العالم التركي .
بالنسبة لليونان وهي دولة معنية بكل ما يحدث في البلقان فهي منطقة الإهتمام التقليدي اليوناني لأن اليونان جغرافياً لصيقة بهذه المنطقة ولذلك فإن المصلحة الوطنية لليونان تملي بوضوح عدم اعتراف اليونان بكوسوفو (مع أن هناك علاقات تاريخية بين اليونان وصربيا إلا أن الأخيرة قد اعترفت بأسم مقدونيا وأطلقته علي جمهورية مقدونيا الشمالية وهي منطقة يُطلق عليها اليونانيون أسم سكوبيي وعٌقد إتفاق بين اليونان ومقدونيا بشأن الأسم الجديد) إلا أن أثينا تتعرض لضغوط من كل من واشنطن والاتحاد الأوروبي للقيام بذلك ضد مصالحها الوطنية ويبدو أن القيادة الحالية للبلاد في اليونان تسير في هذا الاتجاه دبلوماسيا دون أن تحصل على أدنى عائد منظور أو آني , والواقع أنه مما لا شك فيه أن إنجازات سياسية ودبلوماسية قد تحققت في كوسوفو مما قد مما يبررالاعتراف بها من قبل اليونان وستعتبر صربيا تصرف اليونان علي هذا النحو بمثابة ضربة سياسية قاصمة وسينطبق الأمر نفسه على جمهورية القبارصة اليونانيين/ نيقوسيا لكن في هذه الفترة اشتدت الضغوط حيث ترى الولايات المتحدة وألمانيا أنه بعد اتفاق بريسبا قد حان الوقت لإغلاق قضية كوسوفو التي تظل جرحا مفتوحا في جسد يوغوسلافيا السابقة .
يُلاحظ أن الموقفين الأمريكي والألماني يحددان إلي حد كبير التقدم والتأخر في ملف كـوسـوفـو بصفة عامة والحركة الأوروبية فيه فمثلاً في12 مارس 2024 أعرب وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون الأوروبية والأوراسية جابرييل إسكوبار المبعوث الأمريكي الخاص لغرب البلقان من بروكسل عن قلقه الشديد إزاء حقيقة “عدم سماع صوت الولايات المتحدة وأعرب السيد إسكوبار عن استيائه من حقيقة أن حكومة كورتي في كوسوفوتواصل استهداف السكان الصرب دون الامتثال للشروط التي حددها لها المجتمع الدولي وبعد ثلاثة أيام أي في 15 مارس قام بنفسه بزيارة مناطق في كوسوفو ذات حضور قوي للسكان الصرب المضطهدين من قبل حكومة كورتي مثل بيتش ودير فيسوكي ديتشاني الصربي , وعودة إلي ما فعلته السيدة باكويانيس فالجانب الصري يعتقد أن الألمان هم من يقفون وراء تغيير موقفها ولو أني أعتقد أن ملف كوسوفو يتم التنسيق بشأنه بين الأمريكيين والألمان والإتحاد الأوروبي ..
إن قضية كوسوفو من أحد زواياها قد اختزلت إلى قضية سياسية كبرى تتجاوز الخلاف بين بريشتينا وبلجراد و تمارس فيها ألمانيا بالدرجة الأولى والولايات المتحدة ثانياً نفوذهما للقبول بتشكيل مجلس أوروبا والهدف النهائي هو إبعاد احتمالية التغلغل الروسي في المنطقة , فقد ركزت دوائر مجلس أوروبا اهتمامها على قضية حقوق الإنسان وشددت على أن كوسوفو اليوم مثل ترانسنيستريا (دولة انفصالية معترف بها دوليًا كجزء من مولدوفا) تمثل “ثقوبًا سوداء فيما يتعلق بحقوق الإنسان وسيادة القانون ويسعى مجلس أوروبا إلى وضعها تحت مظلة المجلس الأوروبي” وهو الأمر الذي سيفيد أيضًا في الدفاع عن حقوق الصرب في كوسوفو , ومن المهم الإشارة إلي أنه من بين المشكلات في كوسوفو مشكلة دير القديس سافا وهو نصب تذكاري وطني رمزي للصرب يتنازع فيه الصرب مع الألبان على أراضيهم (التي تبلغ مساحتها الإجمالية 24 هكتارًا) ولا تزال قضايا المصادرة غير القانونية للممتلكات الصربية والاعتراف باتحاد البلديات الصربية في شمال كوسوفو معلقة فبينما يطالب الجانب الصربي بحل القضيتين قبل المضي قدما في قبول كوسوفو يرى المجلس الأوروبي أن الأمور ستكون أسهل بكثير تحت إشراف آليات المحكمة الدولية لحقوق الإنسان .
إن ما حدث بشأن كـوسـوفـو في ستراسبورج شرقي فرنسا ما هو إلا رجع للصدي للذي يحدث بين أوكرانيا وروسيا ففي خلفية ما حدث في أبريل 2024 مسلسل من الإنهيارات المُتتابعة بدأت بإنهيار الإتحاد السوفيتي بتفككه في 26 ديسمبر 1991 وبعده إنهيار الإتحاد اليوغسلافي في فبراير 2003 الذي نتج عنه تفكك وحداته واهمها صربـيـا والجبل الأسود وكرواتيا والبوسنة والهرسك وكوسوفو ذات الغالبية الألبانية التي أُعلن عن قيام دولتها في قلب صربيا وإعلان استقلالها عام 2008واعترفت بها101 دولة من أصل 193 دولة أعضاء في الأمم المتحدة فيما تعتبرها بلجراد حتي اليوم مجرّد مقاطعة ذات حكم ذاتي وأخيراً الحرب الأوكرانية / الروسية التي بدأت في 24 فبراير 2022نتيجة للغزو الروسي للأراضي الأوكرانية وهي الحرب الدائرة حتي يومنا هذا بسبب إعلان أوكرانيا عن رغبتها في الإنضمام إلي منظمة حلف شمال الأطلسي وهو ما عبرت القيادة الروسية صراحة عن رفضه ومواجهته بكل الوسائل صراحة لأنها تعتبر أوكــرانــــيــأ دائماً جزءاً من مجال نفوذها فلروسيا كالولايات المتحدة والصين تطلعاتها الإمبريالية أيضاً وقد تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2008علنًا وبشكلٍ صريحٍ ومباشرٍ ضد عضويّة أوكرانيا في الناتو .
الأمــــم الــمــــتحــــدة :
قدمت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في كوسوفو كارولين زيادة التي ترأس أيضًا بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو (UNMIK) إحاطتها نصف السنوية لمجلس الأمن في نيويورك في 21 ابريل2024 وكانت إحدى الملاحظات الرئيسية المشتركة في تقريرها هي عدم الرضا عن مستوى التقدم المحرز من خلال الحوار السياسي وتأثيراته المباشرة على الوضع الأمني وأضاف التقرير أن مستوى عدم الثقة لا يزال للأسف مرتفعا ويجب معالجته وفي الواقع مازالت الأزمة مستعرة بين قيادتي بلجراد وبريشتينا التي يبدو حلها بعيد المنال بشكل متزايد بسبب المسافة التي تفصل بين مواقف كل منهما كما يتأخر الحوار بسبب التغييرات في طاقم العمل والتباطؤ الحتمي في المفاوضات المرتبطة بالانتخابات الأوروبية والأمريكية المقبلة , وتحدثت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في كوسوفو في وقت سابق عن الانتكاسات الأخيرة التي أعاقت الجهود المبذولة لبناء الثقة بين المجتمعات العرقية في كوسوفو من خلال الحوار السياسي مشددة على أهمية التنفيذ الكامل للاتفاقات التي ييسرها الاتحاد الأوروبي وأنه ينبغي للأطراف مواصلة السعي من أجل المشاركة البناءة والتسويات العملية وأكدت مجددًا أن “التنفيذ الكامل للاتفاقيات التي ييسرها الاتحاد الأوروبي أصبح أولوية ملحة بشكل متزايد من أجل المساعدة في التخفيف من سلسلة الأزمات المستمرة التي ضربت كوسوفو وأن الحوار بحسن نية والتواصل والتفاهم المتبادل يمثل الطريق للمضي قدمًا وقالت إن التقدم يأتي من الإجراءات المتخذة مع الاستعداد للتوصل إلى حلول وسط وقد تم لفت الانتباه الدولي بشكل خاص إلى الحادث الأمني الخطير الذي وقع في قرية بانجسكا/بانجسكي في شهر سبتمبر 2023 .
قال الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش في جلسة مجلس الأمن التي عُرض فيها تقرير الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في كوسوفو ” إنه إذا كان الصرب قبل عامين يشكلون أكثر من 7.5% من سكان كوسوفو فإنهم الآن يشكلون ما بين 3% و4% فقط وأشار إلى أن هذه سياسة ينتهجها من يدعون أن الديمقراطية هي هدفهم الوحيد وأتهم بريشتينا بعدم احترام الالتزامات التي تم التعهد بها بموجب الاتفاقيات الموقعة حتى الآن بوساطة الاتحاد الأوروبي بدءاً بإنشاء مجتمع البلديات ذات الأغلبية الصربية في كوسوفو وزعم فوتشيتش أنه بدلاً من فرض العقوبات تتم مكافأة “ملكة كورتي” باستمرار من قبل المجتمع الدولي من خلال تحرير التأشيرات والتقارب مع منظمة حلف شمال الأطلسي واحتمال الانضمام إلى مجلس أوروبا وغيره من المنظمات الدولية ورد عليه رئيس كـوسـوفـو فيوسا عثماني قائلاً ” أنه قبل المضي قدمًا مع مجتمع الصرب يجب أولاً احترام بعض الشروط المهمة جدًا بدءًا من حل الهياكل الموازية غير القانونية التي تحتفظ بها في كوسوفو” ثم كرر عثماني الاتهامات الموجهة إلى صربيا وقيادة بلجراد بالمسؤولية عن “جرائم بشعة” وعن مذابح فظيعة خلال الصراع المسلح في الفترة 1998- 1999 أرتكبت على يد “النظام الاستبدادي” لسلوبودان ميلوسيفيتش .
قال سفير الصين لدي الأمم المتحدة فو كونغ في الجلسة المخصصة لمناقشة تقرير الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في كوسوفو كارولين زيادة بشأن كوسوف أن التوتر في شمال كوسوفو يزداد باستمرار كما يتم التحقق بشكل متكرر من وقوع حوادث عنف ولقد أعلنت سلطة كوسوفو عن حدوث فوضى على نطاق قيمة الصرب وتم تنفيذ عمليات عنف ضد الصرب لأنها أدت بشدة إلى تقويض الحياة الطبيعية للسكان الصرب وتسببت في تدهور وتوتر وأن الجانب الصيني مُنشغل بشدة بكل ما في الأمر ويسعى إلى سلطة كوسوفو من أجل إلغاء قراراتها الطوعية والإجراءات الأحادية الجانب التي تثير التناقض والتغذية والصراعات .
وعلي هامش حضور الرئيس الصربي هذا الإجتماع لمجلس الأمن حول كوسوفو إجتمع معه الممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا وناقشا معاً التنسيق الثنائي بشأن كوسوفو وقالت البعثة الدبلوماسية الروسية لدى الأمم المتحدة في بيان عبر قناتها على تطبيق “تليجرام” إن المسؤلين “تبادلا وجهات النظر حول مجموعة واسعة من القضايا الثنائية والدولية الملحة مع التركيز على الوضع في البلقان” ووفقا لهذه الوثيقة أكد نيبينزيا وفوتشيتش “تصميمهما على مواصلة تعزيز العلاقات الروسية الصربية وشددا على ضرورة تنسيق أعمالهما في سياق حل قضية كوسوفو في منتديات الأمم المتحدة”.
كذلك أدلي الرئيس الصربي فوتشيتش في 22 ابريل 2024 بتصريح بعد جلسة مجلس الأمن التي تم خلال فيها تقديم ومناقشة تقرير دوري نصف سنوي عن عمل بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو وميتوهيا إلى الأمين العام أنطونيو جوتيريش فقد قال فوتشيتش: ” إن هناك ثمة سيناريوهات غير متوقعة ذات عواقب وخيمة في علاقات بلادي مع كوسوفو فلقد حان الوقت لكي نفهم أنه إذا كان شعب كوسوفو وميتوهيا لا يستطيع الاعتماد على الأمم المتحدة سواء كحكم موضوعي أو كشخص لمنع الهندسة العرقية الماكرة في بريشتينا فإنني أخشى أن يقودنا هذا إلى احتمال حدوث سيناريوهات لا يمكن التنبؤ بها ولهذا السبب نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى أمم متحدة قوية وذات مبادئ والوضع في كوسوفو وميتوهيا يوفر فرصة جيدة للمنظمة العالمية لتعزيز سلطتها الدولية , فيما أكد أمين عام الأمم المتحدة جوتيريش أنه على الرغم من بعض التقدم في تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها بوساطة الاتحاد الأوروبي إلا أن التوترات بين بلجراد وبريشتينا تزايدت ولا يزال الوضع الأمني في شمال كوسوفو هشا وفي الوقت نفسه أكد أنه على الرغم من الضغوط الدبلوماسية فلم يتم إحراز أي تقدم نحو إنشاء اتحاد البلديات الصربية وأعرب عن قلقه بشأن تنفيذ القواعد الجديدة بشأن معاملات الدفع والتي كما ذكر تؤثر على الاقتصاد والحقوق الاجتماعية للمواطنين الصرب وغيرهم من الطوائف التي لا تنتمي إلى الأغلبية ودعا جوتيريش إلى إجراء مناقشة عاجلة حول القضايا المفتوحة ضمن الحوار الذي يتوسط فيه الاتحاد الأوروبي لضمان حماية حقوق جميع المجتمعات المتضررة والفئات الأكثر ضعفا.
الموقـــف الـراهـن للإتحاد الأوروبي :
اتفق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المجتمعون في لوكسمبورج يوم 22 أبريل2024 على تعديل جزء رئيسي من الوثيقة التي تتناول مفاوضات انضمام صربيا إلى الاتحاد الأوروبي والمعروفة بالفصل 35ويعني هذا التغيير أن بروكسل ستجمد عملية انضمام صربيا إلى الكتلة إذا لم تنفذ اتفاق تطبيع علاقاتها مع كوسوفو فالشرط الأساسي الذي يتعين على صربيا أن تلتزم به هو أن تكف عن عرقلة جهود كوسوفو للانضمام إلى المنظمات الدولية الرئيسية وقد اتخذت كوسوفو خطوات دبلوماسية للانضمام إلى الأمم المتحدة ومجلس أوروبا والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي منذ إعلان استقلالها عن صربيا في عام 2008 الذي ترفضه بلجراد باعتبارها عضواً في الأمم المتحدة وهي أي بلجراد تخشى أن يؤدي قبول مشاركة كوسوفو في هذه المؤسسات إلى الاعتراف ضمناً بدولتها ومع وصول الوضع إلى طريق مسدود فقد أضاف وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ما يسمى باتفاقية أوهريد إلى الفصل 35 والذي يهدف إلى “تطبيع” العلاقة المضطربة بين صربيا وكوسوفو منذ ما يقرب من ثلاثة عقود من الزمن ويقول الأوروبيين أنه لا ينبغي لصربيا أن تتجنب عرقلة طموحات بريشتينا في الانضمام إلى المنظمات الدولية فحسب بل يتعين عليها أيضاً أن تعترف بالوثائق الإدارية الرسمية الصادرة عن حكومة كوسوفو مثل لوحات الترخيص وجوازات السفر التي تحمل الرموز الوطنية لكوسوفو لكن الحكومة الصربية رفضت مثل هذه القضايا بشكل منهجي منذ حرب عام 1999 مع حلف شمال الأطلسي وهو ما أدي إلى تقسيم كوسوفو , وعلي كل حال فالشروط التي فرضها الاتحاد الأوروبي في 22 إبريل2024 توجد لغزً سياسي لبلجراد وتضع قيادتها السياسية والمجتمع الصربي برمته أمام معضلة مؤلمة: فإما أن تبدأ عملية بطيئة وتقدمية للاعتراف بكوسوفو أو أن تنسى الأمر برمته وتنسي أيضاً الأمل على المدى المتوسط لعضوية الاتحاد الأوروبي والنتيجة النهائية هي أن كوسوفو حققت مؤخراً نجاحاً سياسياً نسبياً , ففي 16 أبريل 2024 وافقت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا على توصية بجعل كوسوفو الدولة العضو السابعة والأربعين الأمر الذي أثار غضب بلجراد مما دعي الرئيس الصربي فوتشيتش للقول إنه “إذا انضمت كوسوفو إلى مجلس أوروبا، فإن صربيا مستعدة للتشكيك في عضويتها في مجلس أوروبا” وقد أجرت صربيا مناورات عسكرية ضخمة على حدودها مع كوسوفو لإظهار خيبة أملها العميقة إزاء قرار منظمة حقوق الإنسان التي تتخذ من ستراسبورج مقرا لها وكذلك في ديسمبر 2023صرح الرئيس الصربي فوتشيتش بأنه “لا يعتقد أنه من الممكن إدراج اتفاقية أوهريد في الفصل 35 لأن ذلك يعني إغلاق باب (الاتحاد الأوروبي) على صربيا بحكم الأمر الواقع” ووفقا لاستطلاع أجرته مؤسسة إيبسوس في أبريل 2022 كان عدد الصرب الذين عارضوا عضوية الاتحاد الأوروبي أعلى من أولئك الذين يؤيدونها لأول مرة وأظهر هذا الاستطلاع أن أغلبية الصرب يعتقدون أن الاتحاد الأوروبي متخلف في التوسع مع تردد الكتلة في قبول أعضاء جدد ويبدو أن افتقار الصرب إلى الثقة في بروكسل يعكس بعض الحقيقة , كذلك كشف استطلاع حديث أجرته مؤسسة IPSOS بالتعاون مع يورونيوز في مارس 2024 أن غالبية الناخبين في الاتحاد الأوروبي يعارضون المزيد من توسيع الاتحاد وقد تدهورت العلاقات بين صربيا والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وسط الغزو الروسي لأوكرانيا منذ عدم انضمام بلغراد إلى عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد موسكو. وتنظر العواصم الغربية إلى كوسوفو باعتبارها مصدرا محتملا لعدم الاستقرار في قلب أوروبا .
من بين أبرز الحقائق في أزمة صـربـيـا وكـوسـوفـو هي :
(1) أن بلجراد وبريشتينا لا تثقان ببعضهما البعض ويخشى كلاهما تقديم تنازلات قد يخونها نظيرهما .
(2) أن ضمان تحقيق هدف إقامة دولة لكوسوفو يتم من خلال تواجد فعال وعملي لمنظمة حلف شمال الأطلسي بدعم سياسي للاتحاد الأوروبي .
(3) أن كوسوفو في البلقان كالكيان الصهيوني في الشرق الأوسط كل منها لازم وضروري لإستراتيجية الغرب في مواجهة والإحاطة بروسيا أو غيرها من أعداء الغرب الحاليين أو المحتملين .
أن المقاربة الغربية والأمريكية بصفة رئيسية لقضيــة كـــوســـوفــو أراها ذات علاقة مباشرة وغير مباشرة بعدة قـضـايـا أخري كالــتالي :
أوكـــــرانــيــا :
– صرح نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الصربي إيفيتسا داتشيتش في 23 أبريل 2024 بأن موقف أوكرانيا من التصويت على انضمام كوسوفو إلى مجلس أوروبا قد يغير من موقف صربيا من وحدة أراضي أوكرانيا وأضاف قوله أن أوكرانيا فاجأت صربيا بشكل غير سار بموقفها في التصويت على انضمام كوسوفو غير المعترف بها إلى مجلس أوروبا لأن “التاريخ الكامل للنزاع الأوكراني مبني على قضية السلامة الإقليمية لأوكرانيا” , وقال داتشيتش “كما تعلمون ما هي الجهود التي نصوت عليها في المقام الأول بسبب مشكلاتنا مع سلامتنا الإقليمية لإدانة انتهاك السلامة الإقليمية لأوكرانيا في جميع القرارات وقد امتنعوا عندما يتعلق الأمر بوحدة أراضينا عن التصويت ويجب أن أقول إن السياسة الخارجية تقوم على المعاملة بالمثل وهذا بالطبع سيؤثر على موقفنا بشأن السلامة الإقليمية لتلك الدول التي تصوت ضد وحدة أراضينا” وتابع داتشيتش فقال: “إن علينا حماية وحدة أراضي أوكرانيا أو البوسنة والهرسك ونحن ندمر مصالحنا الوطنية لأننا بهذه الطريقة ندمر علاقاتنا مع روسيا أما هم فيمتنعون عن التصويت؟ حقا لا أفهم هذا وأشار وزير الخارجية إلى أن مجلس أوروبا قد تغير بعد انسحاب روسيا منه وشكر داتشيتش كل من صوت ضد قبول كوسوفو في مجلس أوروبا بما في ذلك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي : إسبانيا وقبرص ورومانيا .
– أن حالة كـــوســـوفو إلي حد كبير تكرار جيوسياسي / جيوإستراتيجي لحالة أوكــرانــــيــا لكنه مختلف قليلاً عن الحالة الأوكرانية لأن حـــالـة كـــوســـوفـــو تكشف تناقضات السياسة الأمريكية فالولايات المتحدة التي سعت إلي العـــبث في مكونات الإتحاد اليوغسلافي التي تناثرت بعد إنهياره في 2003وجذبها إلي الإتحاد الأوروبي وإبعادها كلها أو بعضها عن دائرتي النفوذين الروسي والصربي (هناك16 إتفاقية توأمة بين مدن روسية وصربية كما أن روسيا وصربيا علاقتهما علاقة حلف طبيعي منذ القرن19) ورغم أن صربيا إدانت رسميا الهجوم الروسي علي أوكرانيا إلا أن هذا الهجوم يحظى بإشادة كبيرة في أوساط الشعب الصربي فصربيا تدين علناً تدين غزو روسيا لأوكرانيا لكنها ترسل في الـسر أسلحة إلى كييف بينما ترفض من ناحية أخرى المشاركة في العقوبات الدولية ضد روسيا لذلك ولأسباب أخري تدعم موسكو النزعة القومية الصربية في البلقان وتعلن أنها ستتدخل في البلقان إذا دعي الأمر لذلك .
– بعد الغزو الروسي لأوكرانيا بدت أوروبا على استعداد لتغيير موقفها بسرعة تجاه البلقان فبينما يحشد الاتحاد الأوروبي جهوده لمساعدة أوكرانيا فإنه يريد أيضًا الحفاظ على الاستقرار في منطقة تحجبها كل من روسيا والصين وخاصة في بلجراد مع احتفاظ صربيا بعلاقاتها التجارية مع موسكو وأن تكون أيضًا مركزًا لتجاوز العقوبات الغربية.
– تتولي روسيا والصين في كثير من الأحيان الدفاع عن بلجراد وعلى هذا فقد أصبحت قضية كوسوفو بمثابة الذريعة لسياسة بوتن أولاً في شبه جزيرة القرم ثم في دونباس بأوكرانيا فبلجراد ترعى الطموحات الأوروبية ولكنها لا تستطيع أن تتخلى عن الأقليات الصربية ومن شأن عضوية الاتحاد الأوروبي أن تساهم في تعزيز المؤسسات الديمقراطية وحماية الحقوق الأساسية وتعزيز حكم القانون في جميع أنحاء منطقة البلقان لكن الحرب في أوكرانيا قلبت الخطط والأولويات .
– أن الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيين وفي مقدمتهم المانيا يحاولون تعويض خسارتهم النسبية في صراعهم مع روســـيــا في الجبهة الأوكرانية بفتح جبهة كــــوســــوفــو وإستخلاصها من براثن صربيا الواقعة في دائرة النفوذ الروسي ورغم أنها دائــــرة فرعية إلا أنها إستراتيجية وخطرة فهي في منطقة تعد تاريخياً من مناطق الإلتهاب في الجسم الجغرافي الأوروبي لعلهم يحسمون تحقيق الهدف الإستراتيجي الذي يسعون وتسعي إليه الولايات المتحدة بصفة خاصة وهو إخـــتراق لمـــنـــطقة نـــفـــوذ اخري لروســــيــا هي صربــيا الحـــلــيــف الــطــبــيــعي لروســيـا في وكوسوفو كالخنجر في قلب يوغسلافيا السابقة واقعة قريباً من حدود اليونان الشمالية وهو سبب وجيه لكي تهتم اليونان فكوسوفو بالنسبة لها تعتبر من أخطر بؤر التوتر العرقي في البلقان وتشعر اليونان بالخطر حالياً لأنها تُلاحظ غيوم الحرب على حدودها الشمالية حيث توجد بؤرة توتر عرقي في البلقان أعني كوسوفو ويقوم الصرب والألبان في بلجراد وبريشتينا ببناء ترساناتهما من الأسلحة ويتبادلون اللوم في الوقت نفسه ويري اليونانيين أنه يجب أن تظل ثابتة في سياستها الوطنية الدائمة بشأن قضية كوسوفو بإعتبارها تهم وتعني أمن الهيلينية في بلادهم وفي قبرص .
كـوسـوفو من الوجهة السياسية مــهـــيـئة للتعامل مع السياسات الأمريكية بإيجابية فهي مثلاً لم تتباطئ في أدانة الغزو الروسي علي أوكرانيا منذ اليوم الأول مع رفضها أي محاولة للمقارنة أو الربط بين ما حدث في كوسوفو وما يجري حاليا في أوكرانيا , وقد شدد رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي خلال حديثه في المنتدى الاقتصادي السابع في دلفي في22 أبريل 2024 على أنه “لا توجد مقارنة بين ربيع 99في كوسوفو وربيع 2022 في أوكرانيا وأوضح أنه يجب أن تنتهي الحرب في أسرع وقت ممكن ولهذا السبب يجب علينا مساعدة الأوكرانيين وعلينا أن نساعدهم في نضالهم التحرري والحرب هناك سننهي عندما تفوز أوكرانيا ولا أرى أي طريقة أخرى لإنهاء هذه الحرب سوى الهيمنة الكاملة على أوكرانيا”.
كــــوســـوفــو وحلــــــف شــــمـــال الأطــــلـنـطـي :
إن أحد أهم أسباب التدخّل والجدية الغربية من أجل فصل إقليم كوسوفو عن صربيا يكمن في العداء الذي يكنّه الغرب لبلجراد كونها حليف طبيعي لروسيا منذ بداية الــقرن الـ19هذا بالإضافة إلي الكنيسة الصربية هي وكنيسة روسيا تنتميان معأ للكنيسة الشرقية الرومية أو البيزنطية , وتمثّل صربيا أهمية جيوسياسية بالنسبة لروسيا فموقع صربيا في قلب البلقان يمنح روسيا موطئ قدم استراتيجي في المنطقة ومن خلال تنمية العلاقات الوثيقة مع صربيا تستطيع روسيا اكتساب النفوذ والحفاظ على وجودها في منطقة البلقان التي يُنظر إليها باعتبارها مفترق طرق حاسم بين أوروبا والشرق الأوسط , ولهذا فإن دعم الولايات المتحدة لانفصال إقليم كوسوفو عن صربيا يهدف لمزيد من الإضعاف لصربيا واحتوائها بحكم أنها حليف طبيعي لروسيا ويُطلق الإعلام الــصـــربي علي كـوسـوفـو مُسمي : “محمية حلف شمال الأطلسي ” وفي أحوال أخري تُسمي : ” مملكة المخدرات والدعارة” , وبعيداً عن وجهة نظر الإعلام والشعب والقيادات الصربية فالواقع أن الولايات المتحدة كما إستزرعت الكيان الصهيوني ليكون قاعدة برية لها في قلب الشرق الأوسط لمواجهة الإتحاد السوفيتي ثم الإتحاد الروسي بعد تفككه في تخوم روسيا الجنوبية البعيدة نسبياً فإنه أستزرع كـوسـوفـو في قلب البلقان – بغض النظر عن المنطلقات القومية لكوسوفو – ليقترب أكثر من روسيا ولذلك إقامت الولايات المتحدة قاعدة عسكرية هي الأكبر لها في أوروبا على أراضي إقليم كوسوفو لتشكّل قاعدة للنفوذ الأميركي في البلقان كمنطلق لتوجيه ضربة لروسيا من ناحية الجنوب وهي تعمل تحت مظلة القيادة العسكرية الأمريكية لأوروبا , ولذلك تدعم الولايات المتحدة بقوة تطلّعات كوسوفو للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي فباعتبارها عضواًمحتملاً في منظمة حلف شمال الأطلسي فإن كوسوفو ستساهم في أمن واستقرار الحلف في منطقة البلقان فضلاً عن ذلك فإن تعزيز التكامل الأوروبي الأطلسي في كوسوفو ينسجم مع الهدف الأوسع للولايات المتحدة المتمثل في تعزيز نفوذها في شرق أوروبا فالهدف الإستراتيجي الغربي هو فصل إقليم كوسوفو أولاً ثم ضمه لكتلة الأطلنطي لاحتواء ثم محو النفوذ الروسي في البلقان في إطار أوسع مدي هو محاصرة روسيا وعزلها عن القارة الأوروبية , والوجود العسكري الأميركي في إقليم كوسوفو جزء من قوة “كفور”وهي قوة تابعة للناتو تعمل منذ العام 1999 كقوة حفظ سلام في الإقليم إضافة إلى ذلك فإن هنالك عدداً غير معلن من القوات الأميركية منتشراً في الإقليم ويتخذ من قاعدة بوندستيل مقراً له ولا تعترف الولايات المتحدة رسمياً أن لها قاعدة عسكرية لها في كوسوفو .
بناء علي ما تقدم فكوسوفو منطقة إستقطاب إستراتيجي كونها موضع صراع بين الإستراتيجات الأمنية / العسكرية للغرب ولروسيا مع دعم قوي ثانوية كصربيا وبعض دول الإتحاد الأوروبي ذات الإهتمام .
قال رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي في حديث له علي هامش منتدي دلفي في 22 أبريل 2024 إنه لا يوجد بديل للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي وقال إن “الاتحاد الأوروبي هو أهم مشروع للسلام والازدهار – ليس فقط في أوروبا – منذ الحرب العالمية الثانية” مؤكدا أن “أوروبا قارتنا والاتحاد الأوروبي هو مصيرنا” وشدد السيد كورتي على أن انضمام دول غرب البلقان الست إلى الاتحاد الأوروبي سيسهم في تعزيز الأمن الأوروبي وأضاف أن هذا سيكون مفيدًا للطرفين لأنه سيساهم في “أن يصبح الاتحاد الأوروبي أوروبا ومنطقة غرب البلقان هي أوروبا”. الاتحاد الأوروبي” وفيما يتعلق بالمحادثات بين بريشتينا وبلجراد أشار إلى أنها “ليست سهلة ولكن يجب أن تستمر” لافتا إلى أنها صعبة لأنه من ناحية أخرى “لم يتم الاعتراف بجرائم نظام ميلوسيفيتش في الماضي” ومن ناحية أخرى ” لم تبد صربيا ندمها أو ندمها على هذه الجرائم” وقال “إن عدم الاعتراف باستقلال كوسوفو وعدم الاعتراف بجرائم ميلوسيفيتش وجهان لعملة واحدة .
الـــقــضــيـة الـــقـــبرصـــيـة :
أدت موافقة الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا PACEفي 16 أبريل 2024على اقتراح رئيسته دورا باكويانيس وهي وزيرة خارجية اليونان السابقة ونائبة في برلمان اليونان حالياً علي قبول كوسوفو عضواً به وبالتالي الإعتراف بها كدولة من قبل الدول الأورووبية أعضاء الجمعية البرلمانية أدت هذه المــوافقة التي جاءت بإقتراح من وزيرة خارجية سابقة لليونان أي أنها علي علم وإطلاع كاف بالقضية القبرصية وعلاقتها المتشابكة مع أزمات منطقتي شرقي المتوسط والبلقان , أدي هذا القرار إلي تجديد إثارة مـخاوف القبارصة اليونانيين من أن يؤثر قرار كهذا أي قبول كـوسـوفو كدولة عـضو في بنيان القضية القبرصية كما يراه القبارصة اليونانيين وقد يؤدي كنتيجة إلي إنشاء سـابـقة تبني علي أساسها تركيا بناء منطقي يوفر قبولاً لدمج جمهورية قبرص التركية الـمـُعلنة من جانب واحد في 15 نوفمبر 1983أيضاً في الجسم الأوروبي شأنها شأن كوسوفو المُعلنة أيضاً من جانب واحد في 17 فبراير 2008 , ويستعيد الساسيين القبارصة اليونانيين تجربة إنفصال التي تلاها إنفصال كوسوفو عن صربيا فقد كانت الحكومة الموالية للغرب تؤيد ذلك في ذلك الوقت لكن جزءًا كبيرًا من الناس اختلفوا واعتذروا في النهاية للصرب …..هكذا يدعي الصرب والقبارصة اليونانيين(تجدر الإشارة إلى أن كلا من مواطني كوسوفو والقبارصة الأتراك يتمتعون بمركز مراقب في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا كذلك تم تحديد الشروط والأحكام لقبول كوسوفو في مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا وقد تم استيفاء هذه الشروط جزئيا) ولهذا السبب صوت الوفد القبرصي ضد ضم كوسوفو إلى مجلس أوروبا معترضا بشدة على قرار الوفد اليوناني في المنظمة , وهنا يبدو الأمر أكثر وضوحاً أنه بعيداً عن مسألة “دعم” كوسوفو من قبل اليونان فإن المشكلة الأكبر الآن أظهرت اليونان وقبرص لأول مرة في معسكرين متعارضين وبسياسات مختلفة بشكل مكثف و يحدث ذلك بالرغم من أحد أعضاء الوفد اليوناني صرح أثناء إنعقاد الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا وقال : ” إن الوفدان اليوناني والقبرصي يعملان كوفد واحد في معظم الحالات وأن الأطراف لها مواقف مختلفة في كل من اليونان وقبرص ولكن عندما نقاتل من أجل مشكلة قبرص وعندما نقاتل من أجل مبادئنا وقيمنا تتوقف أي خلافات ونعمل كمجموعة واحدة لديها ما يكفي من الأصوات”وأشار إلى أن الوجود المستمر لأعضاء الوفدين في مجلس أوروبا جعلنا من أقوى المجموعات في مجلس أوروبا ” .
الـــــــتـــــقــــديـــــر :
من المؤكد أن منطقة البلقان تتضارب فيها مصالح القوي الكبري وتحديداً الولايات المتحدة وروسيا ولا يبشر هذا التصويت بتطور سلس للأمور في البلقان لكنه في التقدير النهائي إختراق أمريكي للسياسات الأوروبية لمصلحة حلف شمال الأطلنطي في النهاية فالنفوذ الأمريكي في ملف كــوســـوفـــو ليس أمراً مبالغ فيه والإشارات مُتعددة منها مثلاً أنه في شهر أكتوبر2023 وفي إحدي الأزمات التي تضمنها ملف أزمة كـوسـوفـو إتصل الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش بوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن وأخبره ألا يقلق فصربيا تسحب جزءا من جيشها الذي حشدته على الحدود مع كوسوفو بعد حادثة 24 سبتمبر2023 عندما خيمت قوات شبه عسكرية صربية مسلحة في دير بشمال البلاد وبدأوا بإطلاق النار على رجال شرطة كوسوفو .
إن موافقة الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا PACE في 16 أبريل 2024على اقتراح رئيسته دورا باكويانيس والذي يوصي بالموافقة علي قبول كوسوفو عضواً بها أي اكتساب مكانة الدولة بأغلبية 131 صوتاً تطور ينقل أزمة كـــوســـوفــو لمستوي مرتفع جديد رغم أنه لا الموافقة على تقرير لجنة باكويانيس ولا حتى قبول كوسوفو في مجلس أوروبا يشكل إيهما إعترافاً نهائياً بكـوسـوفـو كدولة إلا أن هذا التطور يُعد مؤشر على مدى تعقيد الوضع وبدء إنتقاله لمرحلة مختلفة وجديدة فالخطوة التالية هي إحالة الأمر إلى مجلس وزراء مجلس أوروبا الذي سيقرر ما إذا كان سيتم قبول كوسوفو “كطرف” فهذا كل شيء حيث أن المؤتمر البرلماني لا يملك صلاحية الاعتراف بكيان دولة ما , وكانت محصلة موافقة المؤتمر البرلماني لمجلس أوروبا أن أدي إلي تكرار الإحتكاك بين صربيا وكوسوفو وصدام علني كان مكتوماً لفترة سابقة بين اليونان وصربيا بسبب الموافقة على تقرير اللجنة التي ترأستها النائبة اليونانية دورا باكويانيس والخاص بإدراج كوسوفو في مجلس أوروبا وأمام ردود الفعل المكثفة للدبلوماسية الصربية أعلن وزير خارجية اليونان بعد أيام من الصمت أن “كلاً من تقرير لجنة السيدة باكويانيس وقرار الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا” إيجابي أيضًا لقبول كوسوفو لكنهما غير ملزمين وسيكون قرار لجنة مجلس الوزراء الذي سينعقد في 16 مايو2024 والذي ستتغيب اليونان خلاله ملزما فيما لو حظي بأغلبية الثلثين .
لـذلـك ففي تقديري أن الــيــونـــان وبداعي المصلحة القومية العُليا وإزاء الضغوط الأمريكية والأوروبية المختلفة قد تصل لقرار حاسم قريباً بشأن الإعتراف بكوسوفــو كدولة , خاصة وأن هذا الإتجاه ليس مُستحدثاً بين دول يوغسلافيا السابقة ففي10 أكتوبر2008أُعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية المقدونية لوكالة فرانس برس ان صربيا قررت طرد سفير مقدونيا في بلجراد الكسندر فاسيليفسكي اثر قرار سكوبيي الاعتراف باستقلال كوسوفو وقبل ذلك بأيام بلجراد انها طلبت من سفير مونتينيجرو أو جمهورية الجبل الأسود كذلك مغادرة صربيا بعد اعتراف بلاده باستقلال كوسوفو .
إن كوسوفو تتوفر لها الآن الظروف الدولية لأقامة وإستخلاص دولة لها من براثن صـــربـــيــا وروسيا المستنزفة عسكرياً وسياسياً في الحرب مع أوكرانيا , فهي الآن ادني ما تكون من تحقيق هذا الهدف الذي كان عزيزاً من سنوات خلت .
إســـقاط السلوك الأمريكي في كوسوفو علي حالة فلسطين :
أن الجهد الذي تبذله الولايات المتحدة وبمعونة ألمانية / أوروبية لفصل كوسوفو قاب قوسين أو أدني من أن يُتي بثماره لانه جهد منظم وتدريجي وتتوفر له أسباب موضوعية لتحقيق الهدف النهائي منه وهو إقامة دولة أوروبية جديدة منضمة لحلف شمال الأطلنطي يؤهلها موقعها الإستراتيجي في قلب البلقان من تهديد النفوذ الروسي في عموم البلقان بل تهديد روسيا ذاتها ونظراً لكون إقليم كوسوفو إمتداد طبيعي وديموجرافي لجمهورية ألبانـــيــا المطلة علي البحر الأدرياتيكي النافذ لشرق البحر المتوسط لذا فهي وتركيا بصفة أكبر يمكنهما إحكام الرقابة والسيطرة وتهديد الحركة البحرية الروسية .
هذا الجهــد في فصل كوسوفو وإقامة دولة بكوسوفو ذات سيادة ومستقلة عن صـــربــيـا (حليف روسيا) الذي تبذله الولايات المتحدة وأهم حلفاءها أي ألـــمــانيا بصدق واخلاص وجدية لا تبذله مطلقاً في سبيل إقامة دولة فلسطينية حتي علي أرض فلسطين المتبقية للفلسطينيين في غــزة والــضفة الـغربــية وفقاً لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة , وهذه المفارقة تؤكد لكل من ألقي السمع وهو شهيد علي أن كلام الإدارات الأمريكية المتتابعة منذ قرار تقسيم فلسطين مروراً برؤية بوش عام 2005 وإنتهاء بإعلان بايدن عن أن إدارته مع حل الدولتين الذي ما فتأ الكيان الصهيوني يعلن رفضه إياه كلها إعلانات تخديرية أو تـمــويـــهـــية توفر للكيان الصهيوني أفضل مناخ لملء المتبقي من الأرض الفلسطينية بالمغتصبات التي يطلقون عليها مُسمي إقتصدي هو المستوطنات , فهذه الإعلانات الأمريكية الكاذبة الخادعة مستهدف منها تخديــر الشعوب والنخب المنتمية لجاهلية العرب قبل البعثة المحمدية (عليه الصلاة والسلام) وتسليح حكام العرب السفهاء محدودي التعليم والثقافة بمنطق ظاهره السعي مع الأمريكيين لإقامة دولة فلسطينية ليس لها أي صلة بالواقع وباطنه إعانة الصهاينة , ولا أدل علي كل ما تقدم ذكره من الإعتراض الأمريكي Veto علي القرار الذي قُدم لمجلس الأمن مؤخراً لإقامة الدولة الفلسطينية …. هكذا وبصفة فاضحة .
إن الجدية والإنهماك الأمريكي المادي الملموس في حالة إقامة دولة في كوسوفو يؤكد أن الأمريكيين لو أرادوا إقامة وفرض حل الدولتين في فلسطين لفعلوا ذلك بالتأكيد لكن الكيان لايريد وهم أيضاً لا يريدون ومتابعة للتصرفات الصهيونية والأمريكية المتوالية منذ بدء عملية طوفان الأقصي النبيلة الباسلة في 7 أكتوبر 20924 والتي أسقطت الأقنعة تؤكد ذلك تماماً . وكل ما يشير إليه السلوك السياسي الأمريكي في البلقان في حالة كـوسـوفـو يدمغ الولايات المتحدة بالنفاق السياسي مع العرب وما دورات الحوار الإستراتيجي التي تجري مع بعض الدول العربية إلا تمويه camouflage رخيص متهافت لموراة السؤات العربية / الأمريكية أمام الجماهير فهي في الحقيقة جلسات لإدارة الأنظمة لا أكثر . كذلك فحالة السلوك الأمريكي في إقامة دولة في كوسوفو يبرهن علي أن التفاوض الفلسطيني لابد له أن تدعمه القوة المسلحة فتلك هي اللغة المباشرة المفهومة للأمريكيين ولأذنابهم الصهاينة فلأول مرة لا يستخدم الأمريكان بكثافة كلمة الأرهاب في وصف قتال المقاومة الفلسطينية الإسلامية في غزة لسبب بسيط هو أن ضربات المقاومة أفقدت الأمريكان والصهاينة معاً ذاكرتهما وأجبرتهما علي التعامل مع واقع فرضته عليهما المقاومة لأول مرة ولم يعهداه , مرة أخيرة أؤكد أن حالة إقامة دولة في كوسوفو تؤكد أن الولايات المتحدة لو أرادت أن تكون هناك دولة للفلسطينيين حتي علي ما تبقي من أرضهم لفعلت ذلك بسهولة وبقوة ذلك أن هناك بالفعل قرارات من الشرعية الدولية أي من ألأمم المتحد تدعم هذا الحق الفلسطيني لكن الولايات المتحدة لا هي ولا الصهاينة بالطبع تريدان للفلسطيينيين دولة إستنادا علي نصوص توراتية زائفة وقوة عسكرية صهيونية ثبت أنها بفعل طوفان الأقصي منذ 7 أكتوبر2024 وحتي اليوم قوة صبية أغرار دست المقاومة الإسلامية أنوفهم النجسة في رغام غـــزة .
الــــــســـــفـــــيـــــر : بــــــــلال الــــمـــــصـــــري –
حصريا المركز الديمقراطي العربي – الــــقـــاهــــرة / تــحــــريــــراً في 24 أبـريـل 2024