التحالف المغاربي الجديد الجزائر- ليبيا- تونس ALT – هل سيكون البديل لمنظمة إتحاد المغرب العربي؟
اعداد : بوطالب محمد أمين، جامعة معسكر بالجزائر، تخصص علوم سياسية، باحث في الشؤون السياسية والدولية، مشارك في العديد من الملتقيات والمشاريع الدولية والوطنية.
- المركز الديمقراطي العربي
بداية جديدة أم بعث لمشروع قديم:
تأسس إتحاد المغرب العربي في 17 أكتوبر 1989، بعد محطات ديبلوماسية عديدة بين دول الإتحادـ، لتنتهي بالإعلان الرسمي عن تأسيس الإتحاد بإعلان مراكش بالمغرب. قدم المشروع آنذاك وجهات نظر تكاملية بين دول المنطقة في مجالات عدة، خصوصا في المجال الاقتصادي على غرار إنشاء منطقة للتبادل التجاري الحر سنة 1992 ومشروع الإتحاد الجمركي الذي كان مزمع تجسيده بحلول سنة 1995 إلى جانب إنشاء سوق مغاربية مع سنة 2000 إلا أن هذه المشاريع تعطلت بتعطل إجتماعات الإتحاد بدءً من سنة 1994.
اكتست فكرة الإتحاد المغاربي، أهمية بالغة لدى صناع القرار وشرائح كبيرة من مجتمعات الدول المغاربية، نظرا للأهمية الإستراتيجية للاتحاد وقدراته الكامنة في تحقيق مستويات عليا من التنمية والتعاون نظرا لإشتراك الأمم المغاربية في ذات الخصوصيات الهوياتية والقيمية والتاريخية بالإضافة إلى تنوع الموارد مما يسمح بخلق إتحاد تعاوني قوي على غرار الإتحاد الأوروبي ودول التعاون الخليجي.
خلقت الظروف السياسية الخارجية على غرار نزاع المغرب وجبهة البوليساريو المطالبة بوقف سياسة المغرب التوسعية نحو أراضيها وفي ظل سياسة الجزائر الخارجية القائمة على مبادئ أول نوفمبر 1954 التي تنادي بحق الشعوب في تقرير مصيرها ومكافحة كل أشكال الإستعمار ودعم الحركات التحريرية بالإضافة إلى الظروف السياسية والأمنية الداخلية في دول المنطقة برمتها، نوعا من عدم التوافق والقطيعة خصوصا بين الجزائر والمغرب وغلق الحدود بينهما مما صعب من تطور وتجسيد مشاريع ورؤى هذا الإتحاد.
محاولة جديدة لتفعيل التكامل الإقليمي المغاربي:
احتضنت العاصمة التونسية تونس يوم 22 أفريل2024، قمة مصغرة بين الدول المغاربية الثلاث: تونس، الجزائر وليبيا، التي تضمنت مشاورات بين قادة الدول حول مختلف الملفات السياسية والأمنية والإقتصادية، قمة كان مخطط لها منذ قمة الغاز التي تم انعقادها في الجزائر في مارس المنصرم والإتفاق حول أن تكون بداية المشاورات بخصوص هذا التكتل من قصر قرطاج وأن تكون هذه القمم دورية كل ثلاثة أشهر، كما اثار غياب كل من المغرب وموريتانيا العديد من التساؤلات خصوصا فيما يتعلق بالجانب الموريتاني كونه يملك علاقات ديبلوماسية طيبة مع بقية الدول المغاربية خاصة مع الجزائر بالإضافة لموقع الإستراتيجي والذي يجعل من موريتانيا دولة تنتمي إلى منطقة الساحل الإفريقي ودولة مغاربية معا إلا أن العديد من الخبراء والسياسيين ينظرون إلى غياب موريتانيا عن هذه القمة بالرغم من موافقتها عليها محاولة للحفاظ على التوازن في علاقتها مع الجزائر والمغرب. تجدر الإشارة إلى أن القمة الثلاثية في تونس شهدت غياب أي تمثيل دبلوماسي لجمهورية الصحراء الغربية في إشارة ودليل واضحين، أن مساعي هذه القمة مبنية على إيجاد حلول مستعجلة لمختلف القضايا التي تشهدها المنطقة وتحقيق نهضة إقتصادية تكاملية بعيدا عن ادعاءات غير مؤسس لها على أنها قمة تستهدف إقصاء دور المغرب في محيطها الجيوسياسي أو كما وُصِفت ” قمة تآمرية ضد المغرب ” فيما تبقى قضية الصحراء الغربية قضية تخص المغرب وجهورية الصحراء، قضية أممية.
منطلق تنموي في ظل ظروف جيوسياسية متآزمة:
تعيش منطقة المغرب العربي على وقع تهديدات وتحديات صريحة لها تداعيات ملحوظة على الأمن القومي للدول المغاربية، في ظل المعضلة السياسية والأمنية التي تعرفها دول منطقة الساحل الإفريقي والتي جعلت منها بؤرة ومنطلق للعديد من أنواع التهديدات الأمنية اللاتماثلية بمختلف أبعادها ومستوياتها وتعتبر هذه التهديدات، تهديدات مركبة ومرتبطة عضويا ذات مستوى عبر وطني وإقليمي حتى، يصعب على دول الساحل والمغرب العربي التعامل معا بشكل منفرد تشكل عائقا أمام الجهود التنموية المنتهجة من طرف دول المنطقة وتتمثل أبرز التهديدات الأمنية في ما يلي:
- إنتشار الجماعات الإرهابية على طول منطقة الساحل الإفريقي.
- تزايد نشاط الجماعات الإجرامية والجريمة المنظمة.
- الهجرة الغير الشرعية للأفارقة نحو دول المغرب العربي كدول عبور ومقصد.
بالعودة للوضع السياسي، فإن منطقة الساحل تعيش على وقع وضعية سياسية متآزمة، نتيجة لأزمات داخلية في دول الساحل والمتمثلة في:
- أزمة بناء الدولة.
- ضعف الأنظمة السياسية بدول المنطقة وعدم قدرتها على تحقيق الأمن والإستقرار والتنمية مما أضعف مشروعيتها.
- أزمة الهوية والإندماج والصراعات العرقية والإثنية.
بالإضافة إلى التوتر السياسي بين دول المنطقة على غرار الفتور الدبلوماسي بين كل من مالي والنيجر وبوركينافاسوا من جهة ودول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إيكواس ECOWAS. في خضام هاته الأوضاع وباعتبار منطقة الساحل الإفريقي من بين أهم المناطق الجيو-استراتيجية في العالم، فإنها شهدت العديد من التدخلات الأجنبية من الجانبين الأمني والسياسي بإعتبار أن التحديات التي تواجهها المنطقة ذات تأثير عبر-إقليمي، ما من شأنه إنتقال ذات التحديات إلى الفضاء الأور-متوسطي، إلى أن هذه التدخلات ساهمت بشكل كبير في تفاقم المعضلة السياسية والأمنية في المنطقة وتحولها إلى منطقة صراع على النفوذ والمصالح بين الدول الكبرى خصوصا مع تراجع الدور الفرنسي في المنطقة مقابل تعاظم النفوذ الروسي والصيني وإمتعاض الولايات المتحدة الأمريكية من هذه التحولات الجيوسياسية.
حلف ALT بين المتوقع والمأمول:
ينظر الكثير من الخبراء والمحللين السياسيين، إلى هذا التكتل الجديد على انه أحد الميكانيزمات القادرة على التأسيس لتكامل إقليمي نامي قوي وموحد وذلك بالنظر لقدرات دول الحلف الاقتصادية وأدوارها في المنطقة للمحافظة على السلم والإستقرار ومكافحة التهديدات اللاتماثلية وخفض حدة المعضلة السياسية بالإضافة إلى تشارك الرؤى بين الدول الثلاث حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية على غرار القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وقد تمخض عن هذا الاجتماع بيان ختامي تطرق إلى مجموعة من النقاط الأساسية في مختلف الجوانب وكانت كلآتي:
الجانب السياسي الأمني: أكد البيان الختامي للقمة على رفض الدول الثلاث القاطع، للتدخلات الأجنبية السياسية والأمنية وعدم إحترام السيادة الداخلية لدول الساحل الإفريقي خصوصا ليبيا والنيجر ومالي بالإضافة إلى دعم جهود التعاون مع مختلف التجمعات والمنظمات الإقليمية والدولية لتحقيق الأمن والإستقرار في المنطقة كما أكد البيان على أهمية إنتهاج سياسات ناجعة في سبيل مكافحة التهديدات الأمنية التي من شأنها تهديد أمن وسلامة دول وشعوب الساحل والمنطقة المغاربية، بشكل تكاملي بين هذه الدول في إطار ما يعرف بالأمن الإقليمي المركب والجماعة الأمنية المرنة والتي يمكن لها التنسيق الأمني لمحاربة الجماعات الإجرامية النشطة بشكل يحفظ سيادتها وحدودها الوطنية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية كما أورد البيان دعم دول التكتل، للحلول السلمية للخروج من الأزمة السياسية والأمنية التي يعيشها السودان ودعم التعاون العربي-الإفريقي في هذا الملف.
الجانب الاقتصادي: إتفق الأطراف الثلاث من خلال ما أورده البيان، على ضرورة دفع سبل التعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول الثلاث لمواجهة التحديات والأزمات الاقتصادية العالمية وبذل المزيد من الجهود لتأمين أمنها المائي والطاقوي والغذائي وتعزيز الإستثمارات الكبرى المشتركة على غرار مشاريع إنتاج الحبوب والعلف وتحلية مياه البحر خصوصا بعد الهزة الدولية التي تعرض لها سوق الحبوب عقب الحرب الروسية-الأوكرانية بالإضافة إلى إنشاء خطوط الربط الكهربائي بين الدول الثلاث، إلى جانب الدعوة بالتعجيل في تطوير وتحسين الحركية الفردية والتجارية بين الدول الثلاث.
الجانب المجتمعي -الحضاري: أوضح البيان المشترك بين الدول الثلاث، على التأكيد على ضرورة التعاون العلمي والتكنولوجي بين الدول الثلاث من خلال برامج التبادل الطلابي وتعزيز التعاون بين المعاهد الوطنية في الدول الثلاث بالإضافة إلى دعم جهود الحفاظ وتنمية وتشجيع الموروث الحضاري المشترك.
يتوقع من هذا الحلف أن يأسس لإعادة نظر في العلاقات الإقليمية خصوصا مع المنظمات والشراكات الأورو-مغاربية على المستويات السياسية والأمنية والإقتصادية، فعلى المستوى السياسي والأمني يمكن للدور المنتظر من دول الحلف في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة الغير الشرعية، أن يساهم في تراجع التدخلات الأوروبية في المنطقة سياسيا وعسكريا خصوصا من خلال فرنسا، أما على الصعيد الاقتصادي فوجود دولتين مثل الجزائر وليبيا بإمكانه أن يكون بديل روسيا الطاقوي بالنسبة لأوروبا، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي رابح- رابح مع دول الضفة الشمالية وتعزيز حوار شمال-جنوب وعلى ضوء هذا يمكن يعاد النظر في العديد من الاتفاقيات المشتركة بين دول الضفتين كتجمعيين الإتحاد الأوروبي – إتحاد ALT مما يعزز موقف الدول المغاربية أكثر خصوصا في الحوار 5+5 والشراكة الأورو-متوسطية.