الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

سيناريوهات تقسيم السودان: العوامل والتداعيات المحتملة

إعداد :  نورا محمد جاد – المركز الديمقراطي العربي

 

مقدمة:

تشهد الأراضي السودانية في الوقت الحالي أزمة إنسانية غير مسبوقة نتيجة للتصعيد بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فقد أجبر على إثرها نزوح ما يقدر بنحو 6.7 مليون شخص، وهو ما يعد وفقاً لوكالات الإغاثة “أكبر أزمة نزوح على مستوى العالم”. وقد دفع تفاقم التصعيد في الفترة الأخيرة، عقب سقوط “ود مدني” في أيدي قوات الدعم السريع، العديد من المحللين السياسيين إلى الجزم بحتمية تقسيم السودان، باعتباره “مسألة وقت” فحسب. وفي هذا الإطار، تستهدف هذه الورقة البحثية تحليل الدوافع والعوامل التي تؤيد احتمال تقسيم السودان إلى دولتين بين مجلس السيادة السوداني وقوات الدعم السريع، فضلاً عن التداعيات الناجمة عن احتمالية التقسيم.

أولا: عوامل تقسيم السودان:

أيد كثير من المحللين السياسيين سيناريو تقسيم السودان إلى دوليتين تضم كل منهما حكومتها الخاصة وذلك للعوامل التالية:

  • تلويح قائد قوات الدعم السريع بتشكيل حكومة في مناطق سيطرته: هدد قائد قوات الدعم السريع “محمد حمدان دقلو”، بتشكيل سلطة بمناطق سيطرته عاصمتها الخرطوم، إذا قام خصومه في الجيش بتعيين حكومة تصريف أعمال بمدينة “بورتسودان” شرقي البلاد. مما يعد مؤشراً على تخطيط الطرفين لتعديل البنية السياسية للسودان وفقاً لمناطق سيطرة كل طرف.
  • ظهور تقسيم فعلي عقب سقوط “ود مدني”: كان لسقوط “ود مدني” أحد الدلالات التي تدفع بتقسيم مرتقب للسودان، حيث سيطرت قوات الدعم السريع على معظم الخرطوم وأجزاء كبيرة من دارفور، وسيطر الجيش السوداني، بقيادة الفريق أول “عبد الفتاح البرهان”، على منطقة آمنة نسبياً في “بورتسودان” على ساحل البحر الأحمر. وعليه، فقد ظهر نوع من التقسيم الواقعي على الأرض في السودان، حيث يسيطر الجيش على الشرق والشمال الشرقي، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على معظم مناطق العاصمة وغرب البلاد.
  • تعثر المفاوضات بين قوات الجيش والدعم السريع: فشلت المساعي الدولية والأممية والإقليمية، منذ اندلاع الحرب في أبريل من العام الجاري وحتى الآن، في حث الطرفين على وقف هذا الصراع بشكل مستدام، على الرغم من الإعلان عن عشرات الهدن سابقاً، والتي لم تلبث أن تستمر لفترات طويلة. وفشلت جهود المفاوضات بين الطرفين لعدة أسباب، من ضمنها تمسك الجيش بخروج عناصر الدعم السريع من منازل المواطنين في العاصمة الخرطوم، وتمسك الدعم السريع من ناحية أخرى بإنشاء مرتكزات لعناصره في العاصمة بعد خروجهم من منازل المدنيين. فضلاً عن تعثر توصيل المساعدات إلى مناطق الصراع، إلى جانب الفشل في وقف الحرب الإعلامية بين الطرفين باعتبارها تمثل أحد عوامل استعادة الثقة.
  • مفاقمة التدخل الخارجي للتصعيد بين الجانبين: أصبح الصراع في السودان أكثر تعقيداً مع استمرار تدخلات القوى الخارجية لدعم مصالحها، ما جعل السودان ملعب رئيسي للتنافس الدولي. وفي هذا الصدد يعاني مجلس السيادة السوداني، بقيادة البرهان، من سعى كثير من الدول الإفريقية المحيطة، مثل إثيوبيا وكينيا، لتعزيز موقف الدعم السريع، وإضعاف شرعية البرهان، وتجلى ذلك على سبيل المثال في اجتماع قمة الإيجاد الذي عقد في إثيوبيا، إضافة إلى دور قوات فاغنر الروسية إلى جانب قوات الدعم السريع، حيث تسعى روسيا لنقل ساحة التنافس مع الغرب من الملعب الأوكراني إلى القارة الإفريقية، عبر تعزيز نفوذها في إفريقيا كبديل استراتيجي للنفوذ الغربي.
  • الصراع على الثروات والمعادن السودانية: تحتل السودان المرتبة الثانية في إنتاج الذهب في إفريقيا، والثالثة في إنتاج النحاس على مستوى القارة، فضلاً عن وجود معادن أخرى مثل اليورانيوم والكوبالت، وغيرها من المعادن التي تدخل في صناعة التكنولوجيا الحديثة. وقد ارتأى الكثير من المحللين السياسيين أن المحرك الرئيسي الدافع لاستمرار الحرب في السودان هو بدافع الصراع على الثروات المعدنية بالأساس. وتشهد السودان الآن نزاعاً بين الشركات الأوروبية والأمريكية والصينية والروسية على حقوق التنقيب عن المعادن، وفي هذا الإطار فقد ساندت قوات فاجنر الروسية الشركات التعدينية التابعة لها في السودان وتحالفت مع الدعم السريع لتأمين مصالح تلك الشركات، وهو ما أسفر عن إطالة أمد الحرب حيث عززت قوات فاجنر الإمكانات العسكرية لقوات الدعم السريع ونتج عن ذلك استخدام الدعم السريع مضادات أرضية متقدمة، وطائرات مسيرة، وبنادق قنص حديثة، ضد قوات الجيش السوداني، وكلها أسلحة تخص قوات فاجنر.

ثانياً: التداعيات المحتملة لتقسيم السودان إلى دولتين:

يطرح تقسيم السودان إلى دولتين عدة تداعيات أمنية وسياسية ليس فقط بالنسبة للسودان وإنما تتفاقم التداعيات إلى حد يشمل دول الجوار والإقليم بأكمله فضلاً عن تداعياتها العالمية، ومنها على سبيل المثال:

  • تهديد الأمن والسلم الدوليين: من المحتمل أن يُشكل تقسيم السودان تهديداً أمنياً غير مسبوق على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية، حيث يتوقع محللون سياسيون فرارعشرات الملايين من السودانيين عبر القارة والبحر الأحمر هرباً من انزلاق البلاد إلى عنف الميليشيات العرقية. وفي الوقت نفسه، فإن الجماعات الإسلامية المتطرفة التي ترهب حاليا منطقة الساحل المجاورة سوف تنجذب إلى المشهد غير الخاضع للحكم في السودان، مما يجعل في الواقع سيناريو تقسيم السودان مثيراً للاضطرابات الأمنية على نطاق واسع، فضلاً عن التوترات والصراعات المحتملة مع الدول المجاورة مثل مصر وتشاد وجنوب السودان، نتيجة للنزاعات الحدودية والتنافس على الموارد والحقوق المائية.
  • استحالة تحقيق الديمقراطية مجدداً للشعب السوداني: سعى الشعب السوداني إلى وضع نهاية لنظام عمر البشير، ونظامه الأمني الذي مكّن الحكومة المركزية من الاحتفاظ بالسلطة لمدة 30 عامًا مع إبقاء بقية البلاد منقسمة وتحت التهديد، وذلك في محاولة متعثرة لإرساء حكم مدني ديمقراطي. ومع تقسيم السودان وتشكيل حكومتين مختلفتين، فإن حلم الحكم المدني الديمقراطي يصبح أشبه بالمستحيل، خاصة تحت حكم مرتزقة الدعم السريع التي ستستمر في قمع حريات السودانيين ونهب ثرواتهم عنوةً.
  • ظهور مأزق جديد أمام تحقيق الشرعية: يطرح سيناريو تقسيم السودان إلى حكومتين العديد من التساؤلات حول الشرعية، فبأي حكومة سوف يعترف المجتمع الدولي؟ وعلى صعيد المواطن السوداني، فكيف سيقرر الاختيار بين الحكومتين لتلبية احتياجاته كالزراعة، أو الاقتراض من البنوك، وجواز السفر، والرواتب؟ كل هذه التساؤلات تُبرز أن تقسيم السودان سيطرح الكثير من التحديات الغير مسبوقة والتي تجعل الوضع أكثر تعقيداً.
  • احتمالية اندلاع حرب أخرى بين الدولتين الناشئتين: على الرغم من أن البعض يعتبر أن تقسيم السودان إلى الدولتين يُعتبر حلاً فعالاً لوقف القتال بين الأطراف المتحاربة، إلا أنه لا يوجد ضمان لذلك في الواقع، فقد يلجأ أحد الفريقين بعد تقسيم الدولتين إلى الهجوم على أراضي الطرف الأخر ومحاولة الاستيلاء عليها، مما يُنذر بأن سناريو التقسيم لا يطرح حلاً مستداماً في الواقع بل أنه قد يتولد عنه المزيد من التقسيم، خاصة في ظل تنامي النفوذ الخارجي لقوات الدعم السريع مما قد يدفعها إلى الاستيلاء على كافة الأراضي السودانية وعدم التقيد بتقسيم محدد.

خاتمة:

وإجمالاً، فقد دعمت الكثير من الأدبيات تقسيم السودان إلى دولتين لكل منهما حكومتها الخاصة تحت لواء مجلس السيادة السوداني وقوات الدعم السريع، وذلك في ضوء عدة عوامل تعزز من هذا الاحتمال من ضمنها: إخفاق جهود المفاوضات بين الأطراف المتحاربة، وتنامي التدخل الخارجي، والصراع على الثروات التعدينية السودانية، فضلاً عن دلالات ظهور تقسيم فعلى عقب سقوط “ود مدني” على أيدي قوات الدعم السريع. وفي هذا الصدد، أوضحت الدراسة أن التقسيم يطرح الكثير من التداعيات التي تهدد الأمن الإقليمي والعالمي، فضلاً عن تأثيرها على المستقبل السياسي للشعب السوداني. وفي هذا الإطار، يذكر أن تعقد المشهد الحالي في السودان وتفاقم التحديات أمام سيناريو التقسيم إلى دولتين قد دفع بعض المحللين إلى ترجيح احتمال “بقاء الوضع على ما هو عليه” في السودان تماماً مثلما هو الحال في ليبيا واليمن. وتتفاقم الأزمة الحالية في السودان في ظل مستقبل مجهول وغامض في كل السيناريوهات!

قائمة المراجع:

أولاً: المراجع العربية:

  • حمدي عبدالرحمن حسن، السيناريو الليبي: السودان بين شبح التقسيم والفوضى، مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية، 23/12/2023.

https://acpss.ahram.org.eg/News/21076.aspx

  • خالد محمد على، سيناريو التقسيم: ما مستقبل الحرب في السودان؟، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، 12/8/2023.

http://tinyurl.com/yqyqsd7c

  • تعثر المفاوضات بين الجيش والدعم السريع..وهذه الأسباب، العربية، 4/12/2023.

http://tinyurl.com/yrfafpab

  • “سيناريو الحكومتين” في السودان يثير مخاوف تقسيم ويُنذر بإطالة أمد الحرب، الشرق، 19/9/2023.

http://tinyurl.com/yvd7xg86

ثانياً: المراجع الأجنبية:

  • Cameron Hudson, “Avoiding the ‘Libya Scenario’ in Sudan”, Csis, 2023.

https://www.csis.org/analysis/avoiding-libya-scenario-sudan

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى