الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

ما يواجه الأسرى في سجون الاحتلال قبل وبعد 7 أكتوبر

بقلم : د. عقل صلاح – كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

تناقش هذه المقالة قضية الأسرى في السجون الإسرائيلية، ومما لا شك فيه تعتبر هذه القضية من القضايا المركزية عند الشعب الفلسطيني، لما قدمه الأسرى من تضحيات كلفتهم حريتهم وحياتهم، فهذه القضية التي دخلت كل بيت فلسطيني وعانى منها الشعب على مدار أكثر من سبعة عقود، حيث عمدت إسرائيل منذ قيامها على أرض فلسطين إلى فتح العديد من السجون وزجت بعشرات الآلاف من الفلسطينيين والعرب بها، وعملت على استصدار وإقرار كافة القوانين والسياسات العنصرية والقمعية لاستهداف الأسرى للنيل من عزيمتهم وثنيهم عن مواصلة الكفاح ضدها. فمنذ بداية اعتقال أول أسير فلسطيني وحتى اليوم، وهي تبتكر وسائل وأساليب للتضييق على الأسرى في زنازينهم وتعذيبهم وقتلهم، وحديثًا بدأت تمنح ممارساتها الإجرامية الصبغة القانونية من خلال تشريع سلسلة من القوانين التي تستهدف الأسرى على جميع الصعد، وهذه القوانين التي تم إقرار غالبيتها تصاعدت وتيرتها في السنوات الست الماضية.

وتجدر الإشارة إلى أن إدارة مصلحة السجون تتعمد حرمان الأسرى من أبسط الحقوق التي نصت عليها كافة المواثيق الدولية وهي حقهم في العلاج، من خلال سياسة الإهمال الطبي المتعمد، حيث استشهد مئات الأسرى داخل سجون الاحتلال، أو بعد الإفراج عنهم بفترة وجيزة بسبب الإهمال المتعمد؛ فجميع الأسرى الذين أفرج عنهم من السجون الإسرائيلية أوضاعهم الصحية وحالتهم النفسية توضح حجم التعذيب والتجويع الممنهج الذي يتعرض له الأسرى، الذي ينبع من سياسة الانتقام منهم. فمنذ فتح السجون الإسرائيلية لم يشهد الأسرى أسوأ من هذه الأيام، حيث تقوم إسرائيل بالاستفراد بهم وذلك في ظل الصمت الدولي، وعدم وجود رد فعل حقيقي من قبل القيادة الرسمية الفلسطينية لانتهاكات الاحتلال تجاه الأسرى.

وفي هذا الإطار، كشفت القناة 12 العبرية عن رسالة لرئيس جهاز الشابك الإسرائيلي رونين بار في تموز2/يوليو2024، تفيد بأن الاحتلال يعتقل 21 ألف أسير فلسطيني، وهو رقم أعلى بكثير من الرقم الرسمي المعلن في 31 آذار/مارس 8600، على الرغم من أن المعيار يسمح بسجن 14500 فقط، وحذر بار من الاكتظاظ داخل السجون، وقد يتعرض أيضًا كبار المسؤولين الإسرائيليين لخطر “المحاكم الدولية”. وهاجم بار بشدة سلوك وزارة الأمن القومي ورئيسها إيتمار بن غفير المسؤولة عن السجون، ودعا إلى إلغاء مختلف التدابير التي تصب بالإضرار بأوضاع الأسرى الفلسطينيين.

نتيجة لذلك استشهد مئات الأسرى داخل سجون الاحتلال أو بعد الإفراج عنهم بفترة وجيزة بسبب الإهمال الطبي المتعمد، مما يؤكد على أن الاحتلال جعل من السجون مكانًا لنشر الأمراض التي تلاحق الأسرى بعد تحررهم وتسبب لهم الوفاة. فقد ارتقى 257 شهيدًا منذ سنة 1967 وحتى الأول من آب/أغسطس2024، ومنذ السابع من أكتوبر استشهد 20 أسيرًا وهذا المعلن عنه رسميًا؛ بالإضافة إلى المئات من أسرى القطاع حيث بدأت إسرائيل بالاعتراف التدريجي باستشهاد 48 أسير من أسرى القطاع منهم 36 أسير في سجن سديه تيمان لوحده ولكن الرقم أكثر بكثير من الذي أعلنت عنه إسرائيل في 30تموز/يوليو2024.

وعليه، ارتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة المحتجزة جثامينهم في الثلاجات ومقابر الأرقام إلى 29 أسيرًا، منهم 11 أسيرًا شهيدًا جثمانه محتجزًا قبل السابع من أكتوبر، في حين 18 أسيرًا شهيدًا جثمانه محتجزا بعد السابع من أكتوبر؛ وهذه الأرقام للشهداء المعلن عنهم رسميًا، فالعدد أكثر من ذلك ولا علم للمؤسسات الرسمية والحقوقية الفلسطينية والمنظمات الإنسانية الدولية عن أماكن دفن العشرات من أسرى القطاع من قبل سلطات الاحتلال.

فالشهادات المروعة للأسرى المفرج عنهم تؤكد طبيعة الممارسات الخطيرة في السجون التي قادها بن غفير الذي داس على جسد الأسير المحرر معزز عبيات في 4 ديسمبر/كانون الأول 2023 خلال وجوده في سجن عوفر، وأفرجت سلطات الاحتلال عن عبيات، وقد ظهر بجسد هزيل وكان يتحرك بصعوبة، وأكد أنه تعرض لتعذيب شديد داخل سجن عوفر؛ بالإضافة إلى الاعتداءات الجنسية على الأسرى فالشهادات حولها تقشعر لها الأبدان. بإضافة إلى كل ما ذكرناه، فإن أربعة آلاف معتقل هم رهن الاعتقال الإداري تحت ذريعة ما يسمى بوجود (ملف سري)، وبحسب المؤسسات المتخصصة فإن هذا العدد لم يحصل فعلياً في التاريخ، منهم النساء والأطفال.

ومن هذا المنطلق أصدرت عائلات الأسرى الفلسطينيين في 6أيار/مايو2024، بيانًا جددت مطالبتها المجتمع الدّولي لحماية الأسرى ووقف الجرائم المروعة التي ترتكب بحقّهم، فهم يواجهون جرائم ممنهجة غير مسبوقة بمستواها الحاصل اليوم، وهي تمس بمصيرهم وحقوقهم وكرامتهم، عبر جملة من السياسات الخطيرة الممنهجة التي اتبعتها إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية بحقهم ومنها: استخدام الاحتلال سياسة التجويع، وحرمان الأسرى من الوجبات الغذائية، وتوفير وجبات قليلة جداً غير صحية وغير كافية، سياسة التعذيب الممنهجة جسدياً ونفسياً، التي يمر بها الأسير منذ لحظة اعتقاله، وخلال التحقيق، ومن خلال اقتحام الزنازين، والضرب، إلى جانب سياسة التفتيش العاري المذلّة، داخل الزنازين.

ولا يفوتنا أن ننوه إلى أن تضحيات ونضالات الأسرى منذ سنة 1967 ضد إدارة مصلحة السجون حققت الكثير من الإنجازات داخل السجون. لكن الأمر الخطير في هذه المرحلة يتمثل في إقدام مصلحة السجون على إنهاء دور الحركة الأسيرة، حيث أصبحت مصلحة السجون هي الجهة التي تشرف على السجون من الألف إلى الياء وهذا يضرب بعرض الحائط كل الحقوق المعترف بها دوليًا للأسرى. كل ذلك يتطلب من الجهات الرسمية توفير الحماية الدولية للأسرى وفتح الملف الطبي للأسرى من خلال العمل على الإفراج عن كافة الأسرى المرضى من ذوي الحالات الصحية الخطيرة، وتشكيل لجنة تقصي حقائق من الدول الأطراف باتفاقية جنيف أو مجلس حقوق الإنسان لزيارة السجون والاطلاع على معاملة إسرائيل للأسرى، ومدى تطبيقها للمعايير الدولية في تقديم الرعاية الصحية، وتفعيل دور منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر الدولي في زيارة الأسرى المرضى ومتابعة أوضاعهم الصحية، ومطالبة المحكمة الجنائية الدولية بالإسراع بفتح تحقيق حول استشهاد المئات من الأسرى بسبب التعذيب والإهمال الطبي وعدم تقديم العلاجات اللازمة لهم والاعتداءات الجنسية التي لا يمكن سرد الشهادات الصادمة للأسرى سواء المفرج عنهم أو للمحامين، ومساءلة ومحاكمة المسؤولين الإسرائيليين عن هذه الجرائم.

ولابد من التأكيد على أن الحركة الأسيرة في السجون دعت في بيان صادر عنها في 12تموز/يوليو2016 السلطة للعمل على نقل ملف الأسرى إلى محكمة الجنايات الدولية، ومجلس حقوق الإنسان، والأمم المتحدة بهدف تجريم الاحتلال، وفضح ممارساته وانتهاكاته اليومية بحقوق الأسرى. فمنذ هذه الدعوة وحتى اليوم لم تحرك السلطة ساكنًا، على الرغم من تورط إسرائيل في سياسة قتل الأسرى واعترافها بقتل العشرات من أسرى قطاع غزة. وهنا يبرز السؤال ماذا تنتظر السلطة الفلسطينية للتوجه إلى محكمة العدل الدولية لاستصدار فتوى حول المركز القانوني للأسرى وفق القانون الدولي والإنساني، وذلك لتحصين الصفة القانونية للأسرى كمحميين وفق اتفاقيتا جنيف الثالثة والرابعة، والإسراع في التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية وإحالة قضايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل بحق الأسرى.

أما حول دور مؤسسات حقوق الإنسان والمطلوب منها، الضغط على الاحتلال وتذكيره باتفاقية جنيف الرابعة حول توفير الرعاية الصحية الكاملة للأسرى والحفاظ على حياتهم، ابتعاث مندوبين طبيين لمتابعة الحالات المرضية الصعبة وعمل الإجراءات الطبية اللازمة، وتنظيم بعثات طبية دائمة لتوثيق الحالات المرضية والأمراض بين الأسرى والتوصية بالإفراج عن الأسرى الذين يعانون أمراضًا سريرية ومزمنة، وتوفير المستلزمات الطبية والعلاجات اللازمة بشكل دائم وإدخالها للأسرى.

ولا مناص من تسليط الضوء على قضية الأسرى، واستنفاذ كل جهد سياسي وحقوقي وقانوني وإنساني، والضغط على المحاكم الدولية للتحقيق في جرائم وانتهاكات الاحتلال ضد الأسرى، كما لا يمكن إغفال دور الإعلام في التعريف بقضية الأسرى ونقل روايتهم ونشر معاناتهم وما يتعرضون له من قتل متعمد وجرائم متواصلة. إن هذه الجرائم، تنتهك بشكل فظيع قرارات الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف الأربع وميثاق المحكمة الجنائية الدولية واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية حماية الطفل وغيرها من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية مما يضع دولة الاحتلال كدولة معادية للثقافة والقيم الإنسانية العالمية.

تعقيبًا على ما سبق، المطلوب من السلطة الفلسطينية تدويل قضية الأسرى قانونيًا ودبلوماسيًا، وذلك من خلال استخدام كافة الآليات الدولية لعزل ومقاطعة ومحاسبة إسرائيل، إلا أن هذه الركيزة لم تستخدم كما يجب من قبل القيادة الفلسطينية. فإسرائيل غير معنية بحل ملف الأسرى، ولعل تملص إسرائيل من إطلاق سراح الدفعة الرابعة والأخيرة من أسرى ما قبل أوسلو والتي كان من المقرر الإفراج عنهم في 29آذار/مارس 2014 والتي كان من ضمنها الأسير المفكر وليد دقة الذي استشهد في 7 نيسان/ أبريل 2024، ومازالت إسرائيل تحتجز جثمانه أكبر دليل على ذلك.

3/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى