الشرق الأوسطتقارير استراتيجيةعاجل

مــــصـــر : جـــبــهـــات مــفـــتوحــة أخــــطـــرهــم جـــبـهــة النـــيــــل – نـــتائــج مـــحــتمـــلة لتصديق جـــنوب الـــســودان علي إتفـاق عـــنـتـيـبـي

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

أعلن جنوب السودان أن الجمعية التشريعية الوطنية الانتقالية صدقت بالإجماع على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل Cooperativ Framework Agreement (CFA)  في 8 يوليو 2024)التي دعيت دول النيل العشر للتوقيع عليها وتـــُعــرف بإتفاق عنتيبي التي طــُرحت لتوقيع الدول النيلية عليه بدءاً من تاريخ إرساءه عام 1999ووقعته 6 دول حتي اليوم وهي إثيوبيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وبوروندي وجنوب السودان ويمهد التصديق الطريق لدخول اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل حيز النفاذ بعد ستين يومًا من إيداع جنوب السودان تصديقه لدى الاتحاد الأفريقي، كما هو منصوص عليه في المادة 42 , وهذا التصديق الذي أجلته جنوب السودان غير مرة  تطور فارق وخطوة ذات بعد إستراتيجي لها تداعيات حاسمة علي الموقفين المصري والسوداني في إستراتيجيهما النيـلـيـة فمصادقة جنوب السودان مــبــدئـــيـاً ستعـمـل على تعزيز موقف المساومة لدول المنبع بل أكـثـر من ذلك فـهـي ستعمل أيضاً على تغيير ديناميكيات مناقشات مياه النيل ومشروع سد النهضة وهي في نفس الوقت تتوافق مع الإستراتيجية الإثيوبية النيلية ولذلك أشاد بها رئيس الوزراء آبي أحمد ووصفها بأنها “تاريخية” فهذا التصديق الذي عزز مالموقف القانوني للإتفاق عنتيبي يمثل انتصارًا دبلوماسيًا لإثيوبيا في سعيها الطويل الأمد إلى ما تزعم أنه حوكمة عادلة لمياه النيل وتحدي للهيمنة التاريخية لدولتي المصب مصروالسودان اللتان تتحفظان علي بعض مواده وهي :

  • – المادة المُتعلقة بمبدأ الحقوق المكتسبة والاتفاقيات التاريخية .
  • – المادة المُتعلقة بمفهوم الأمن المائي .
  • – المادة المُتعلقة بشرط الإخطار المسبق  .
  • – المادة المُتعلقة بآلية اتخاذ القرارات  .

لذلك لم توقع لا مصر ولا السودان هذه الإتفاقية لكن فيما يتعلق بالكونجوالديموقراطية وكينيا فعدم تصديقهما (وليس توقيعهما) متعلق بأسباب أخري وكانت عـمـلـيـة الـتـصـديـق على اتفاقية الإطار الشامل(عنتيبي) قد بدأت في يونيو 2013حيث تولت إثيوبيا زمام المبادرة تلتها رواندا في أغسطس من نفس العام ثم صادقت تنزانيا على الاتفاقية عام 2015 فأوغندا عام 2019 فبوروندي عام 2023 وأخيراً جنوب السودان وكانت إثيوبيا تـأمـل أن تُصادق كينيا الدولة التي وقعت هذه الإتفاقية فتصديقها كان يعتبر حاسماً لدخول الاتفاقية حيز التنفيذ لكن كينيا لم تمض قدماً تاركة لجنوب السودان مهمة التصديق على هذه الاتفاقية وبالتالي  فالوضع القانوني فيما يتعلق بالتصديق مازال غير مكتمل حيث لم تُصادق بعد كل من مصر والسودان وكينيا والكونجوالديموقراطية .

إن توقيع جنوب السودان بعد طول تردد – لأسباب مختلفة – على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل Cooperativ Framework Agreement (CFA) يـُعـد ضربة إضافية وجهتها إثيوبيا لـمـصر بعد ضربة الإتفاق الإثيوبي مع ما يُسمي بجمهورية أرض الصومال والذي بموجبه ستقيم إثيوبيا قاعدة بحرية لها علي مساحة 20 كم مربع بجوار ميناء بربرة القريب من مدخل البحر الأحمر , وتجدر الإشارة إلي أهمية جنوب السودان الإستثنائية في سياسة مـصـر النـيـلـيـة فمن بين المشروعات المائية التي طمحت مصر في تنفيذها في جنوب السودان إستكمال مـشـــروع شـــق قناة جونجلي

أكدت إثيوبيا بإستمرارها في بناء سد النهضة أن الرفض المصري لإتفاق عنتيبي كان عملاً صــائــبـاً فعندما وضــع رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زينـاوي في2 إبريل 2011 حـجـر الأساس لبناء سد النهضة الإثيوبي الكبير الذي يقع على النيل الأزرق في منطقة بني شنقول – جوموز في البلاد إزداد إقتناع مـصـر ب،سـوء نية إثيوبيا فالسد عبارة عن مـــشروع ســـيــاسي غرضه النهائي تـهـديد أمن مـصـر الـمـائي وصرح الرئيس المصري آنذاك محمد مرسي بغضب أنه في حين أنه لم يكن “يدعو إلى الحرب” مع إثيوبيا فإن “أمن مصر المائي لا يمكن انتهاكه على الإطلاق” وأن “كل الخيارات مفتوحة”، وأن المصريين لن يقبلوا بأي مشاريع على نهر النيل تهدد سبل عيشهم  .

في مايو2024 أبلغت وزارة الموارد المائية والري في جنوب السودان رسميًا لجنة حوض بحيرة فيكتوريا أنها تنوي الانضمام إلى الدول النهرية الأخرى – تنزانيا وأوغندا وكينيا وبوروندي ورواندا – كأعضاء في اللجنة التي تأسست في عام 2003 وأشار جنوب السودان إلى أنه يسعى إلى إطلاق العنان لمشاريع البنية الأساسية الكبرى وموارد التنمية وكذلك الحد من الفيضانات وقد تلقى ممثلو مبادرة حوض النيل ولجنة حوض بحيرة فيكتوريا الدعم من اتفاقية الأمم المتحدة للمياه للمشاركة في ورشة العمل لتبادل الخبرات التعاونية الغنية من منظمات أحواض النيل الخاصة بهم وتحديد توافقهم مع الاتفاقية وتحديد أوجه التآزر من أجل التنفيذ المتبادل التعزيز  .

في إطار مشروع الاتحاد الأوروبي : “تعزيز الانضمام إلى اتفاقية المياه” بهدف دعم الانضمام إلى اتفاقية المياه وتنفيذها وبالتالي تعزيز التعاون في مجال المياه عبر الحدود والإدارة المستدامة والسلمية للموارد المائية المشتركة عُقدت في جنوب السودان ورشة عمل في الفترة من يومي 18 و19 يوليو2024 من أجل تعزيزعملية الإنضمام لإتفاقية الإطار التعاوني لحوض النــيــل Cooperativ Framework Agreement (CFA) وشارك في هذه الورشة أكثر من 80 مشاركًا من مختلف الوزارات والمنظمات الإقليمية ومنظمات الأحواض والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني وذلك بالدعوة إلي الانضمام إلى اتفاقية حماية واستخدام المجاري المائية العابرة للحدود والبحيرات الدولية (اتفاقية الأمم المتحدة للمياه) التي تشكل إطارًا قانونيًا وحكوميًا عالميًا فريدًا من نوعه للإدارة المستدامة لموارد المياه العابرة للحدود والتي تخدمها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا وفي هذا الساق أكد وزير الموارد المائية والري في جنوب السودان بال ماي دينج أن جنوب السودان”تقع في قلب حوض النيل الذي تعتبر مياهه عابرة للحدود بطبيعتها” وأن “كوننا جزءًا من هذه الاتفاقية العالمية سيفتح لنا فرصًا هائلة لا يمكن قياسها ” , وقد ألقت هذه الورشة الضوء علي اتفاقيات الأمم المتحدة العالمية للمياه (اتفاقية الأمم المتحدة للمياه لعام 199واتفاقية الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية لعام 1997(اتفاقية الأمم المتحدة للمجاري المائية) والعديد من مبادرات التعاون في مجال المياه عبر الحدود القائمة والتي تعد جنوب السودان بالفعل جزءًا منها أو في طور الانضمام إليها ودعا وزير الموارد المائية والري في جنوب السودان على وجه التحديد “شركاء التنمية ووكالات المانحين إلى دعمنا في بناء القدرات في تنفيذ هذه الاتفاقية من أجل […] إضافة قيمة إلى معرفتنا الحالية بإدارة المياه العابرة للحدود والحوكمة”.

وصف القائم بأعمال سفير الاتحاد الأوروبي في جنوب السودان السيد لوثار جاشكي انضمام جنوب السودان إلى الاتفاقية بأنه “لحظة تاريخية”، حيث سيكمل انضمام جنوب السودان إلى الاتفاقية مبادراته الجارية بشأن التعاون في مجال المياه عبر الحدود وسلط الضوء أيضًا على الأهمية التي يوليها الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال المياه عبر الحدود كأداة للسلام والأمن والاستقرار وقد مهدت الورشة الطريق أمام عمل واعد لتعزيز التعاون في مجال المياه عبر الحدود وإدارتها على المستوى الوطني والإقليمي وعلى هذا النحو فإن تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة للمياه سيعتمد على المبادرات القائمة والعمل الذي قام به جنوب السودان بالفعل بالتعاون مع الشركاء الفنيين والماليين ذوي الصلة .

مع ذلك من الجدير بالذكر الإشارة إلي أن اتفاقية الإطار التعاوني تتجاوز اتفاقية الأمم المتحدة للمجاري المائية حيث تتضمن “المجتمع ذي المصلحة المشتركة لدول حوض النيل في نظام نهر النيل” كمبدأ عام (المادة 3 فقرة 9) وبذلك تؤكد هذه الاتفاقية أن جميع دول حوض النيل تشترك في مصلحة في مجرى النيل وأن هذه المصلحة المشتركة تشكل نوعًا من المجتمع كما تؤكد اتفاقية الإطار التعاوني على “المساواة التامة” في حقوق جميع دول حوض النيل في استخدام النيل فضلاً عن ” استبعاد أي امتياز تفضيلي لأي دولة من دول حوض النيل فيما يتعلق بالدول الأخرى وبعبارة أخرى تعترف اتفاقية الإطار التعاوني بأن كل من دول حوض النيل المنبع والمصب تحتفظ “بحقوق متساوية” في استخدام مجرى النيل بغض النظر عن أي درجة سابقة من تطوير النيل أو استخدامه كما تتضمن اتفاقية الإطار التعاوني مفهوم تقاسم المنافع ضمن مبدأ الاستخدام العادل والمعقول (المادة 4) فاتفاقية الإطار التعاوني تركزعلى زيادة ” حزمة المنافع ” من مجاري مياه النيل من خلال التعاون المؤسسي على مستوى حوض النيل وتفترض الاتفاقية تقاسم جميع منافع مجرى النيل من خلال زيادة المنافع للنهر من النهر وخفض التكاليف بسبب النهر وزيادة المنافع خارج النهر ومن اللافت للنظر أن اتفاقية الإطار التعاوني تذهب إلى أبعد من ذلك حيث تمنح هيئة من هيئات مفوضية حوض نهر النيل مجلس الوزراء صلاحية اتخاذ القرار بشأن “صيغ تقاسم التكاليف والمنافع من جانب دول حوض النيل فيما يتصل بمشاريع مشتركة معينة داخل حوض نهر النيل” (المادة 24 فقرة 16) كما تنص اتفاقية الإطار التعاوني على إنشاء لجنة حوض نهر النيل كهيئة مؤسسية تعمل على تعزيز وتنسيق التعاون بين دول الحوض فيما يتصل بحوكمة النيل ومن المقرر أن تتمتع لجنة حوض النيل المقترحة بمجموعة واسعة من القدرات بما في ذلك جمع البيانات وإدارتها وتحديد القياسات المثلى لاستخدام المياه ووضع القواعد، وحل النزاعات (المواد 7 و8 و24 و30) من المفترض أن اتفاقية الإطار التعاوني قد تدخل حيز التنفيذ وبالتالي قد يمكن تنفيذها عملياً , لكن دخولها حيز التنفيذ من شأنه أن ينتج عنه وجود مؤسستين متوازيتين على مستوى حوض النيل فوفقاً للمادة 30 من اتفاقية الإطار التعاوني، فإن مجلس حوض النيل سوف يخلف الدول التي ليست طرفاً في اتفاقية الإطار التعاوني (ولا تخطط لأن تكون طرفاً فيها) في جميع حقوقها والتزاماتها وأصولها وبما أن مصر والسودان ترفضان التوقيع على اتفاقية الإطار التعاوني، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ” ماذا سيحدث للحقوق والالتزامات التي تقع تحت مظلة مبادرة حوض النيل للدول التي ليست طرفاً في اتفاقية الإطار التعاوني (ولا تخطط لأن تكون طرفاً فيها) ؟” وتوقع  د . سلمان م. أ. سلمان (سوداني) أن “هذا الوضع … سوف يثير بعض القضايا القانونية الصعبة ويزيد من تفاقم النزاعات القائمة بشأن اتفاقية الإطار التعاوني” واقترح أن “الوسطاء وواضعي اتفاقية الإطار التعاوني لم يأخذوا في الاعتبار أو يتوقعوا حدوث هذا الوضع” ورغم أن إنشاء مجلس حوض النيل دون الدول الأعضاء في مبادرة حوض النيل من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم النزاعات القائمة بشأن اتفاقية الإطار التعاوني فإن العواقب القانونية المترتبة على هذا الوضع واضحة فبموجب القانون الدولي لا تنطبق تداعيات المادة 30 إلا على الدول الأطراف في اتفاقية الإطار التعاوني ومبادرة حوض النيل أما بالنسبة للدول الواقعة في مجرى النهر والتي ليست أطرافاً في اتفاقية الإطار التعاوني فإن المادة 30 غير ذات صلة وسوف يكون من الضروري إبرام اتفاق آخر بين الأعضاء المستقبليين في هيئة حوض النيل الشمالية ودول المصب لنقل حقوق والتزامات وأصول مبادرة حوض النيل الشمالية إلى هيئة حوض النيل الشمالية وفي تأكيد لهذا صرح المستشار القانوني لمشروع اتفاقية الإطار التعاوني البروفيسور ماكافري : “يبدو الوضع القانوني واضحاً بما فيه الكفاية أما كيف سيتطور هذا الوضع فهو سؤال آخر فبين الدول التي ليست أطرافاً في اتفاقية الإطار التعاوني السارية فإن النظام القديم سوف يحكم علاقاتها وينطبق الشيء نفسه على العلاقات بين تلك الدول والدول الأطراف في اتفاقية الإطار التعاوني ولن يحكم علاقاتها إلا بين الدول التي هي جميعاً أطراف في اتفاقية الإطار التعاوني السارية” كما أنه إذا لم تحكم اتفاقية الإطار التعاوني العلاقة بين دول حوض النيل الواقعة في المنبع والمصب فلن تمارس هيئة حوض النيل وظائفها على النحو اللائق على سبيل المثال فالمادة 26من اتفاقية الإطار التعاوني هيئة حوض النيل تمنح سلطة اتخاذ “قرارات ملزمة بشأن تحديد الاستخدام العادل والمعقول للمياه في كل دولة من الدول المشاطئة مع مراعاة العوامل المنصوص عليها في المادة 4 الفقرة 2” (المادة 24 فقرة 12) وفي تحديد الاستخدام العادل والمعقول للمياه في الدول الأعضاء قد تقوم هيئة حوض النيل بإعادة تخصيص مياه النيل أو السماح بتطوير مشاريع استهلاك المياه في دول المنبع ومع ذلك ونظراً لأن مجرى مياه النيل قد تم تخصيصه بالفعل من قبل دول المصب وتدعي إثيوبيا ومن يظاهرونها أن اتفاقية 1959 لم تترك قطرة مياه واحدة لدول المنبع لذلك فإن قرار هيئة حوض النيل من شأنه أن يؤثر سلباً على مصالح مصر والسودان ونظراً لعدم وجود أهمية قانونية لاتفاقية الإطار النقدي الشامل بالنسبة لمصر والسودان فإن الهيئة الوطنية للإصلاح الزراعي والثروة السمكية ستجد صعوبة بالغة في ممارسة معظم وظائفها بفعالية  .

رغم أن اتفاقية الإطار التعاوني تشكل خطوة مهمة نحو الإدارة التعاونية لمجرى مياه النيل فإن قدرتها على تعزيز التعاون على مستوى حوض النيل تعتمد على إشراك جميع دول حوض النيل ولا شك أن دخول اتفاقية الإطار التعاوني حيز النفاذ يشكل تطوراً بارزاً بالنسبة لدول المنبع ومع ذلك فإن ضمان مشاركة مصر والسودان يظل أمراً بالغ الأهمية لتحقيق الإدارة المستدامة لمجرى مياه النيــــل .

من الوجـــهـة الــمـــبـــدئـــيـة فقد يؤدي تصديق جنوب السودان على اتفاقية الإطار التعاوني إلى خسارة محتملة للنفوذ المتناقص لمصر علي  دول حوض النيل التسع بإستثناء إثيوبيا  مما قد يضطر مـصـر إلى تبني نهج أكثر تعاونًا وتكيفًا في علاقاتها مع دول المنبع والحوض بما في ذلك بشأن سد النهضة وعلى الرغم من التأثيرات المحتملة للتصديق الأخير فمن المتوقع أن يكون تنفيذ اتفاقية الإطار التعاوني الشامل وتأسيس لجنة حوض نهر النيل عملية تدريجية ومعقدة في ظل التحديات المستمرة والمقاومة من جانب بعض البلدان ومن الممكن أن يؤثر الانتقال نحو إطار أكثر إنصافًا وتعاونًا لإدارة مياه النيل بشكل كبير على مفاوضات سد النهضة الأمر الذي يتطلب تعديلات في الاستراتيجيات والتنازلات المــُتبادلـة استجابة للديناميكيات الإقليمية الجديدة .

ربما كان أو يكون هناك سعي مصري لتشكيل تحالف إقليمي يضم باقي دول الحوض التي لم توقع على عنتيبي وهي الكونجـو الديمقراطية وإريتريا أو تلك التي وقعت ولم تصادق عليها وهي كينيا يمكن أن يتسع ليضم السودان وبعض دول الجوار الإثيوبي التي تشهد علاقات متوترة مع أديس أبابا في الآونة الأخيرة مثل الصومال وجيبوتي ويمكن القول إن مصر أمام فرصة تاريخية لمحاولة تشكيل تحالف إقليمي بقيادتها يضم دول الجوار الإثيوبي مستغلة حالة السخط العام لدى هذه الدول من الاتفاق الأخير لأديس أبابا مع أرض الصومال في يناير2024 للحصول على مساحة 20 كيلو متر في محيط ميناء بربرة لمدة 50 عاما مقابل الاعتراف بجمهورية أرض الصومال وحصولها على حصة من شركة الخطوط الجوية الإثيوبية ومن ممارسات أبي أحمد بصفة عامة لا سيما بعد هيمنته بصورة شبه مطلقة على مقاليد الأمور بعد الانتخابات الأخيرة عام 2021 والتحول من سياسة “صفر مشاكل” التي انتهجها في عامه الأول من الحكم ” 2018 ” إلى سياسة إثارة المشاكل مع دول الجوار عبر سعيه لفرض الهيمنة الإثيوبية في الإقليم لذا ربما يكون المدخل الأول لمصر في هذا الشأن هو تقويض التحالف الذي أسسته إثيوبيا عام 2018 مع كل من الصومال وإريتريا لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي وتعزيز التنمية الاقتصادية ونفس الأمر بالنسبة لإريتريا التي ترى أن هذا الاتفاق لن يأتي فقط على حساب موانئها التي تستخدمها إثيوبيا في عملية التصدير” مصوع وعصب” لكن وهذا هو الأهم تخشى من إمكانية قيام أبي أحمد بمحاولة الاستيلاء على ميناء عصب من جديد في ظل طموحاته التوسعية من ناحية وبعد البيان الصادر من الحكومة والذي يري أن أديس أبابا فقدت منفذها إلى البحر” المنفذ الإريتري” نتيجة “خطأ تاريخي وقانوني” في إشارة إلى الموافقة عام 1991 على استفتاء استقلال أسمرة عن أديس أبابا لذا وحسب البيان فإن “الحكومة الإثيوبية تعمل منذ سنوات “لتصحيح هذا الخطأ” ومما يزيد من تعقيد العلاقات بين الجانبين رفض أسمرة اتفاق بريتوريا الذي وقعته إثيوبيا مع جبهة تــجــراي في نوفمبر 2022 لوقف الحرب وما تردد من دعم أسمرا لجبهة فانو الأمهرية في حربها الأخيرة ضد النظام علاوة على بداية التقارب “مجددا” بين إريتريا ومـــــصـــر , لذا فإن مصر يمكن أن تستغل هذه التطورات في محاولة تشكيل هذا التحالف مع كل من الصومال، وإريتريا وربما مهدت زيارة الرئيس الصومالي الأخيرة للقاهرة في يناير 2024 والدعم المصري للصومال وكذلك زيارة وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري لأسمرة بعد انتهاء زيارة الرئيس الصومالي لها مباشرة وتصريحاته بأن إثيوبيا “باتت مصدراً لبث الاضطراب في محيطها الإقليمي” مؤشرا على إمكانية حدوث تقارب بين الدول الثلاث حول رفض هيمنة إثيوبيا التي تحاول إقناع نيروبي بالتصديق على الاتفاقية والدخول إليها عبر فكرة التكامل الإقليمي والعوائد من المشاريع الإقليمية المشتركة ومنها مشروع إنشاء خط سكة حديد كهربائي عالي السرعة “مشروع لابست-(Lapsset) “الذي يمتد من لامو الكينية حتى أديس أبابا وجوبا بتكلفة ضخمة تقدر بـ13 مليار دولار وعائد سنوي يقدر ب 12% ويتم البحث الآن عن مصادر للتمويل من المؤسسات الدولية المانحة  .

إن جـــنـوب السودان من أهم دول حوض النيل التي تعول عليها مصر في سياستها النيلية الأوسـع مـدي خاصة في مشروعات الإستفادة من فواقد مياه النــيـــل (كمشروع إستــــناف شق قناة جونجلي) ولبيان هذه الأهمية يـحسـن الإشارة إلي المركز المائي والنيلي في جنوب السودان وهو كـمـا يـلي :

الــــــنــــيـــل في جــــنـــوب الـــســـودان :

نــــــيــــــل ALBERT :-

يُعرف نهر النيل من مخرج بحيرة ALBERT وحتي بلدة Nimule بولاية شرق الإستوائية بجنوب السودان بنيل ALBERTوتقابل مياهه في طريقها بعض المستنقعات في وسطه وعلي جانبيه , كما تصب فيه بعض روافد السيول , ومن مخرج البحيرة إلي Nimule وهي مسافة تُقدر بـ 156 كم يجري النهر بإنحدار متوسط قدره 2سم لكل كيلو متر .

بـــحـــر الــجـــبـــل :-

عندما يصل النهر إلي Nimule فإنه يأخذ مُسمي بحر الجبل والذي تنحدر مياهه فوق شلالات FULLA وBIDEN وعند مقياس الرجاف أي علي بعد 156 كم من   مجموع  يكون مجموع سقوط المياه 155 متر , ويصب في بحر الجبل عدة روافد لمخرات السيول يقدر متوسط تصرفاتها السنوية مقدرة عند منجلا 4,8 مليار متر مكعب / سنة , وبإعتبار الفاقد من مخرج بحيرة ALBERT  إلي Mangella حوالي 5% , فإن متوسط التصرف السنوي عند مخرج بحيرة  ALBERT وهو 26,5 مليار متر مكعب , يُقدر عند Mangella بحوالي 25,2 مليار متر مكعب / سنة , وبإضافة مياه السيول وهي 4,8 مليار متر مكعب يكون مجموع التصرف السنوي المتوسط بـ Mangella 30 مليار متر مكعب .

تخترق مياه بحر الجبل Mangella لتصل إلي منطقة السدود ويفقد من التصرف المار بـ Mangella حوالي 50% ويصل إلي ملكال عن طريق مجري بحر الجبل ومجري بحر الزراف  ما مجموعه في المتوسط  15 مليار متر مكعب/ سنة .

مــنــطــقــة ســدود بــحر الـجــبــل :-

يبدأ تكاثف الحشائش المختلفة ومن اهمها نبات البردي وأم صوفة يتخللهما البوص والهايسنت من شمالي بلدة Mangella بالبر الأيمن للنهر , كما تعترض هذه الحشائش المجري نفسه علي شكل جزر كبيرة , ثم تظهر في مساحات شاسعة علي أحد أو كلا الجانبين , وفي الحبس الشمالي لبلدة  Mangella مباشرة يهبط منسوب المياه المتوسطة من 440 إلي 425 عند  علي مسافة 74 كم من Mangella أي بإنحدار قدره 20سم كيلو تقريباً .

تنتشر المستنقعات في الجهة الغربية من النهر علي مدي 67 كم هي المسافة بين تومبي وبور ويخترق هذه المسافة نهر العالياب الذي يسحب مياهه من الجهة اليسري لبحر الجبل شمالي تومبي ويصب فيه ثانية عند نقطة تبعد حوالي 16 كم من تومبي , وفي شمالي بور يتجه مجري النهر للغرب ويبدأ تكاثف المستنقعات في الجهة الشرقية للنهر ويبدأ ظهور اليابسة من جهة الغرب , وبعد حوالي 50 كم شمالي بور تتسرب مياه بحر الجبل عن طريق عدة مداخل , ثم تتجمع أخيراً في فرع مستقل يُعرف باسم نهر الآتم , ويستمر هذا الفرع جارياً مُخترقاً المستنقعات الشرقية , ثم يقترب تدريجياً من اليابسة جهة الشرق , ثم وبعد 80 كم من الفم يجري نهر الآتم مُتاخماً بلدة جونجلي علي الجانب الأيمن , ثم يتجه بعد ذلك إلي بحر الجبل حيث يصب فيه من خلال عدة مصبات آخرها يبعد حوالي 200 كم من فم نهر الآتم وحوالي 120 شمالي جونجلي .

تتسرب مياه من نهايات نهر الآتم تتجه نحو الشمال وتتجمع هذه المياه مع مياه أخري مُتسربة من بحر الجبل نفسه من جانبه الأيمن في مجري يتجه نحو الشمال يُعرف ببحر الزراف الأعلي ثم بزيادة كميات هذه المياه تدريجياً مع مياه خيران آتية من الجهة الشرقية تتجمع لتشكل المصدر الرئيسي لإيراد بحر الزراف  .

هناك عدة خيران جانبية تتسرب إليها المياه من البر الأيسر لبحر الجبل ومن أهم هذه الخيران أو القنوات قناة بيك التي تأخذ مياهها من عند الكيلو 325 من بحيرة نو , ثم تصب ثانية في بحر الجبل بإتجاه ما يُسمي بقطوع الزراف عند الكيلو 295 من بحيرة نو  .

يُقدر متوسط سطح مستنقعات بحر الجبل بين خطي عرض 15/5 و 30/59 حوالي 7200 كم مربع , ويفقد النهر في هذه المساحة من المستنقعات نصف إيراده بالتسرب وبالتبخر والنتح معاً .

حـــوض بـــحـــر الــغـــزال :-

يتاخم هذا الحوض حدود جمهورية جنوب السودان مع جمهورية الكونجو الديموقراطية حيث توجد مرتفعات ينبع منها الأحباس العليا لأنهر تباري وياي والنعام ومريدي والتنج وروافد نهر السيوي أحد فرعين رئيسيين لنهر الجور  , ومن جهة الجنوب الغربي لهذا الحوض توجد الحدود بين جمهورية جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطي  ومن هناك تنبع روافد نهر البوشيري وهو الفرع الثاني لنهر الجور ثم نهر البونجو والروافد العليا لنهر لول والروافد الجنوبية لبحر العرب , أما من جهة الشمال فنجد حوض نهر بحر الغزال تحده الميول الجنوبية مارا التي تنبع فيها الروافد الشمالية لبحر العرب .

تُقدر مساحة حوض بحر الغزال بحوالي 526,000 كم مربع , كما تُقدر مساحة المستنقعات به بنحو 40,000 كم مربع ويبلغ معدل متوسط الأمطار علي الحوض 9, 0 تقريباً في العام , ويُقدر معدل التبخر بنحو 2,0 متراً في العام .

أهم أنهر هذه المنطقة :-

  • 1- بحر العرب وتبلغ مساحة حوضه 210,000 كم مربع وهي عبارة عن النصف الشمالي من الحوض المجمع لأفرع بحر الغزال , وهذا النهر في نهايته الجنوبية التي يجري فيها شرقاً تجاه مستنقعات بحر الغزال , تتكون برك تكاد تكون غير مُتصلة ولا توجد أرصاد لهذا النهر في روافده العليا .
  • 2- نهر لول ويُقدر تصرفه السنوي في المتوسط حوالي 4,3 مليار متر مكعب في السنة عند بناملل .
  • 3- نهر بونجو وهو الفرع الجنوبي لنهر لول ويُقدر متوسط تصرفه السنوي نحو 0,7 مليار متر مكعب .
  • 4- نهر الجور وهو أهم روافد هذه المنطقة ويُقدر متوسط تصرفه السنوي عند بلدة واو نحو 5,3 مليار متر مكعب .
  • 5- نهر تونج وينبع من جنوب الحوض ويُقدر متوسط تصرفه السنوي نحو 1,1 مليار متر مكعب .
  • 6- نهر جل وينبع في جنوب الحوض ويُقدر متوسط تصرفه السنوي نحو 0,4 مليار متر مكعب .

يبلغ متوسط التصرف السنوي لهذه الأفرع الست حوالي 11,8 مليار متر مكعب ومعلوم انه تصب جميعاً في مستنقعات بحر الغزال الذي يعبر في طرقه لمصبه ببحيرة نو منطقة من المستنقعات تضيع فيها كل مياهه أو تكاد بحيث لا يصل منها للنيل الأبيض إلا حوالي 0,5 مليار متر مكعب / سنة , وهناك نهران آخران هما نهر النعام ونهر ياي ينبعان من جنوب الحوض لكنهما يتجهان في نهايتهما نحو بحر الجبل , ويُقدر متوسط التصرف السنوي لنهر النعام حوالي 0,5 مليار متر مكعب والتصرف السنوي لنهر ياي بحوالي 2,0 مليار متر مكعب وذلك عند بلدة موندري حيث تضيع المياه في المستنقعات المُتاخمة لبحر الجبل من الجهة الغربية شمال بلدة شامبي , وبالإضافة إلي ما تقدم توجد روافد أخري تتجه أيضاً نحو بحر الجبل وتضيع مياهها هناك في مُستنقعاته , ويُقدر مجموع تصرفاتها السنوية حوالي 0,8 مليار متر مكعب .

علي وجه الإجمال يبلغ متوسط مجموع تصرفات روافد منطقة بحر الغزال  في السنة ما لا يقل عن 15,1 مليار متر مكعب , تضيع كلها في المُستنقعات ولا يصل منها اانيل الأبيض إلا نحو نصف مليار فقط في السنة .

كذلك من الضروري أيضاً الإشارة إلي الـــنــيـل كأصل من الأصول المائية ومركزه لدي كل دولة نــيـليـلة علي حـدة :

المساحة الكلية بالكيلو متر المربع لكل دولة من دول حوض النيل :

بوروندي 27,834 – رواندا 26,340- تنزانيا 945,090- كينيا 580,370 – الكونجو الديموقراطية 2,344,860 – أوغندا 235,880- إثيوبيا 1,100,010 – إرتريا 121,890- شمال السودان  1,861,484 كم² – جنوب السودان  644,329 كم²(شمال السودان  مع جنوبه 2,505,810 تقريباً – مصر 1,001,450 .

مساحة الجزء من الدولة الواقع بحوض النيل بالكيلو متر المربع :

بوروندي 13,834- رواندا 19,876- تنزانيا 84,200- كينيا 46,229- الكونجو الديموقراطية  22,143 – أوغندا 231,366- إثيوبيا 365,117- إرتريا 24,921- السودان ككل إذ تبلغ مساحة حوض النيل الأزرق السوداني حوالي 111237 كيلومتر مربع أي ما يعادل 5.89٪ من إجمالي مساحة السودان (قبل إنفصال جنوب السودان)  – مصر  326,751  .

نسبة مساحة الجزء من الحوض بالدولة من مساحة حوض النيل الإجمالية :

بوروندي 0,4% – رواندا 0,6%- تنزانيا 2,7%- كينيا 1,5% – الكونجو الديموقراطية0,7% – أوغندا  7,4% – إثيوبيا 11,7% – إرتريا 0,8% – السودان 63.6% (قبل إنفصال جنوب السودان  )  63,6%- مصر 10,5%  .

نسبة مساحة الجزء من حوض النيل بالدولة من مساحة الدولة الإجمالية :

بوروندي 47,6% – رواندا  75,5 % – تنزانيا 8,9% كينيا 8,0% – الكونجو الديموقراطية 0,9% – أوغندا 98,1% – إثيوبيا 33,2% – إرتريا 20,4% – السودان 63.6% (قبل إنفصال جنوب السودان) – مصر  32,6%  .

بالنسبة لجنوب السودان فلم تبد دولة جنوب السودان إعتراضاً علي الإتفاق الإطاري بل صرح وزير مواردها المائية غير مرة أن بلاده ستوقعه في أقرب فرصة , لكن وفي موقف مغاير نشر موقع Nyamilepedia في 26 يناير 2017 تصريحاً أدلي به Peter Garang Malual المستشار بوزراة المياه والري لجنوب السودان ألقي فيه باللوم علي إثيوبيا بسبب الأزمة الحالية لمياه النيل , وأتهم إثيوبيا ببناء سد النهضة علي النيل بدون إذن مصر , مُضيفاً قوله ” إن مصر لها الحق لحماية مصالحها في النيل وهو ما تفعله البلاد الأخري بالمنطقة , وعلي إثيوبيا ألا تلوم جنوب السودان بسبب هذه المشكلة ” , وفي نفس الوقت  فنحن نرصد تعزيز إثيوبيا وجنوب السودان لعلاقاتهما فيُشار في هذا الصدد إلي أن هناك طرق من المُخطط إنشاؤها تربط إثيوبيا وجنوب السودان علي محور Gambella-Pagak-Palouge مع المحور الثاني الذي يربط Dima-Raad-Boma-Bor , وإتصالاً بشبكة المصالح التي تتكون حالياً بين إثيوبيا وجنوب السودان تمثل مشروعات الطرق الداعم الرئيسي لها , فقد صرح وزير شئون رئاسة جنوب السودان Mayiik Ayii, Gai أثناء هذه زيارة للرئيس Kiir لإثيوبيا في فبراير 2017 بقوله ” إن إنشاء الطريق يتزامن مع إقامة مصفاة لتكرير بترول جنوب السودان في ولاية أعالي النيل مُمولة من شركات سويسرية وأمريكية وتبلغ طاقتها 100,000 برميل بترول / يوم ” , وهناك إتفاقيات الجديدة وقعها الرئيس Kiir في زيارته تلك منها إتفاق بإنشاء طريقين يربطان البلدين هما طريق Boma, Bor, Dima and Raad وطريقPagak, Gamebella  , Palouge ستمولهما الحكومة الإثيوبية في الغالب , وبالتالي فكما تري لا روابط إتصالية لوجيستيكية بين جنوب السودان والعالم العربي حتي من خلال السودان الذي لا تربطه بجنوب السودان غير طرق العداء ذات الإتجاهين , ومن غير المُتوقع في المستقبل المنظور تعبيدها بالأسفلت حتي تتحرك عليها حياة شعبين كانا شعباً واحداً لولا التمرد الذي يعد Salva Kiir من كبار معتنقي عقيدته  وكذلك ولبيان ديناميكية التحرك الإثيوبي في فضاء دول حوض النيل نجد مثلاً أن الموقف الإثيوبي من الحرب الأهلية بجنوب السودان يتسع ليشمل القوتان المتصارعتان في جنوب السودان (الرئيس سلفا كير ونائبه ريك مشار) وهو موقف يختلف عن الموقف المصري المُنحاز بوضوح لنظام Salva Kiir , ولذلك إستطاعت إثيوبيا برعاية من رئيس وزرائها Hailemariam Desalegn بإعتبار عضوية بلاده في تجمع Intergovernmental Authority on Development أو ما يُعرف إختصاراً IGAD إدارة المفاوضات بين طرفي هذه الحرب مدعومة من الإتحاد الأفريقي  وذلك حتي تم التوصل إلي إتفاقية أديس أبابا وتوقيع طرفي الحرب عليها في 17 أغسطس 2015 , والواقع أن إثيوبيا دفعها إلي ذلك عدة دوافع مُرتبطة ببعضها البعض أولها  تأكيد الدور الإقليمي المُتميز لإثيوبيا في القرن الأفريقي علي نحو خاص , وثانيها الحرص علي إستقرار قوة التأثير المتبادل لإثيوبيا والسودان فيما يتعلق بدولة جنوب السودان , ثالثها خفض الأثر السلبي الناتج عن إستمرار تصاعد الحرب بالجنوب لما لذلك من تأثير علي معادلة الأمن القومي الإثيوبي خاصة في شقها الديموجرافي , إذ أن أعداد من قبيلة Murle لجأت إلي إثيوبيا وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي Desalegn, on Monday في 18 أبريل 2016عبر بيان مُتلفز أن القوات الإثيوبية ستتعقب مسلحين من قبيلة Murle للمناطق التي أتوا منها في جنوب السودان لإنقاذ 100 طفل إثيوبي في قبضة هؤلاء , وأشارت الأنباء الواردة من أديس أبابا أن أبناء قبيلة  Murle عبروا حدود جنوب السودان مع إثيوبيا وأغاروا علي 13 قرية إثيوبية بولاية Gambella الإثيوبية سكانها إمتداد ديموجرافي لقبيلتي  Anyuak و Nuer *(التي ينتمي إليها Riek Machar خصم رئيس جنوب السودان Salva kiir) , وقد أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي إتصالاً بذلك عن إتصالاته مع رئيس جنوب السودان kiir للقيام بعمليات عسكرية مُشتركة علي الحدود المشتركة لمواجهة إرهاب الجماعات المسلحة من  قبيلة Murle  وهكذا كان الأمر علي الحدود الأوغندية و الكينية والكونجولية مع جنوب السودان .

طيلة الحرب بين الحكومة السودانية التمرد الجنوبي المُسلح 1955 – 2005 تاريخ توقيع إتفاقية السلام الشامل بين الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان بزعامة جارانج إحتفظت مصر بصفة متقطعة بعلاقة ما مع التمرد الجنوبي المسلح مصروتطورت هذه العلاقات أكثر فأكثر بعد إعلان إستقلال جنوب السودان عن شماله في 9 يوليو 2011 وذلك خصماً من علاقات مصر بالسودان التي هوت تدريجياً إلي وهدة سحيقة منذ ما بعد 1990 لأسباب تتعلق معظمها بالإختلاف في هوية النظامين بالقاهرة والخرطوم والنزاع علي حلايب وأسباب أخري مُشتقة من هذين السببين , ولقد أضاف سد النهضة رافداً جديداً إنطلاقاً من هذين السببين إضافة إلي وجود فريق لا يُستهان به في الري السوداني وفي أوساط الساسة السودانيين يري أن إتفاق 1959 غير عادل بل وفي غير مصلحة السودان , لكن فيما يتعلق بالتحرك الدبلوماسي المصري في دول الحوض الإستوائي لنهر النيل أي في أوغندا وبوروندي ورواندا وكينيا و تنزانيا فالأمر مختلف كثيراً فهناك ثمة مساحة أكبر للحركة المصرية لكن الخلاف يثور في مدي تأثيرها علي  مساهمة هذه الحركة في التأثير علي أزمة سد النهضة التي موقعها إثيوبيا المُنتمية للحوض الشرقي للنيل  .

ظل الجنوبيين في الفترة الإنتقالية المترتبة علي إتفاق السلام الشامل مع حكومة السودان الموقع في نيروبي عام 2005 متحفظين علي إستئناف مشروع قناة جونجلي , فقد أدلي السيد / Joseph Dawyer  وزير الري في الحكومة الإنتقالية لجنوب السودان بتصريح لجريدة الشرق الأوسط الصادرة في لندن في 6 أغسطس  2009 أشار فيه إلي ” أن تحفظاتنا ( علي مشروع قناة جونجلي) يتركز في آثاره السياسية والإقتصادية والبيئية , ونحن بإستطاعتنا التغلب علي هذه المسائل بمزيد من الفهم بين الجانبين ” مُوضحاً قوله” إن الإتفاق بشأن مشروع القناة وُضع بمعرفة الحكومة المركزية في الخرطوم ومصر ولم يكن لجنوب السودان كلمة بشأنه , وأن هذا المشروع كان أحد أسباب نشوب الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب عام 1983 ثم أن المشروع بحاجة إلي دراسة جدوي حديثة وأن ذلك يجب أن يتم بمعرفة وزارته ” ونفي الوزير في مابلته الصحفية أن يكون هناك ثمة وفد مصري سيأتي لزيارة موقع قناة جونجلي وذلك رداً علي تقارير تشير إلي أن وزارة الري المصرية كونت لجنة للنظر في إمكانيات إستئناف العمل بالمشروع .

تــصـديق جــــنـــوب الــســـودان علي اتفاقية الإطار التعاوني لإدارة مياه النيل  ليس مـفـاجـئـــاً  :

صرح وزير المياه والري لجنوب السودان Paul Mayom Akech لمحطة إذاعية محلية بجنوب السودان في 20 مارس 2013 بأن جنوب السودان لا تعترف وتؤكد أنها لن تعترف بمضمون إتفاق 1929 بين مصر وبريطانيا , فقد كنا ضمن السودان آنئذ وليس لنا كلمة في هذا الشأن , واليوم نقول , ليس لنا صلة بهذا الإتفاق ” وأضاف ” لقد إنضممنا إلي مبادرة دول حوض النيل وأمامنا طريق طويل للإنضمام للإتفاق الإطاري للتعاون ” ثم قال ” إن مصر والسودان والكونجو الديموقراطية رفضوا التصديق(يقصد التوقيع) علي هذا الإتفاق لأسباب ترجع إلي مخالفة هذه الإتفاق لإتفاق 1959″ . وبناء علي هذا التصريح المُبكر الذي صدر بعد عامين من إعلان دولة جنوب السودان فإن الموقف المتوقع لجنوب السودان هو الإنضمام للإتفاق الإطاري التعاوني لدول حوض النيل Cooperative Framework Agreement إن عاجلاً أو آجلاً في ضوء عدم إعتراف جنوب السودان بإتفاق الإنتفاع الكامل بمياه النيل المُوقع بين مصر والسودان في 8 نوفمبر 1959 والذي يعد سبباً رئيسيا تبرر به مصر والسودان رفضهما للإتفاق الإطاري بالإضافة إلي أن دعم مصر سياسياً وعسكرياً لنظام الرئيس Salva Kiir Mayardit في الحرب الأهلية الدائرة مع خصومه منذ 15 ديسمبر 2013 وللآن تمنعه من إتخاذ خطوة لا ضرورة لها الآن لكن هذه الخطوة حتمية لأن البنك الدولي كان داعماً لمبادرة الرؤية المُشتركة لدول حوض النيل التي تضمنت وضع إتفاق الإطاري التعاوني CFA وسيتيح هذا الإنضمام المتوقع دعم البنك الدولي لمشروعات الري بجنوب السودان لاحقاً .

في 20 يونيو2013 نــُشـــر أنه من المقرر أن يوقع جنوب السودان على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل Cooperativ Framework Agreement (CFA)  وأنه من المرجح أن يتم التوقيع والتصديق على هذه الاتفاقية   المعروفة أحيانًا باسم اتفاقية عنتيبي في قمة مياه النيل في جوبا في غضون هذا الأسبوع (وهو مالم يتم) وقال بول مايوم أكيك وزير الري والموارد المائية في جنوب السودان في وقت سابق من الأسبوع إن توقيع الاتفاقية “أمر لا مفر منه” وصرح أكيك في مؤتمر صحفي  منذ أيام : “بدأت عملية الانضمام إلى الاتفاقية على جميع مستويات أجهزة الدولة في جنوب السودان” وأشـار أكيك إلي إن جنوب السودان سينفذ الاتفاقية بمجرد تصديق البرلمان عليها مـُضيفاً    أن جنوب السودان سيستفيد من الاتفاق باستخدام مياه نهر النيل لبناء مشاريع من شأنها أن تجلب النفع لبلاده .

في 3 مارس 2021 أُعــلـن أن حـــكومة جنوب السودان مازالت تدرس اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل Cooperativ Framework Agreement (CFA) وتستعرض تداعياتها ومنافعها علي جنوب السودان قبل الموافقة علي التصديق عليها .

في لقاء تم في جوبا بجنوب السودان في 2 أبريل 2021بين وزير الري والموارد المائية في جنوب السودان Manawa Peter Gatkuoth  وبين سفير إثيوبيا لدي جنوب السودان نبيل مهدي أشار الوزير الجنوب سوداني إلي أنه سيتم  التصديق قريباً على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل بمجرد افتتاح البرلمان .

نـــــُشـرفي 7 ديسمبر2023 أن مجلس النواب في جنوب السودان بدأ في مناقشة الإطار المؤسسي لمبادرة حوض النيل وإحالتها للجان المعنية بالشؤن الخارجية والأراضي والتشريع والعدل لدراستها قبل التصديق عليها .

رغم أن إثيوبيا كغيرها تدرك أن جنوب السودان ليست باللاعب المؤثر في سياسات حوض النيل إلا أنها توليها إهتماماً خاصاً لأسباب أمنية خاصة في ضوء أن هناك درجة ما من عدم الإستقرار الداخلي بإثيوبيا وهذا مما دفع بإثيوبيا إلي البحث عن وإيجاد وسائل لإدارة تدفقات اللاجئين بسبب الحرب الأهلية المُستعرة بجنوب السودان منذ 2013 ففي منطقة Gambella الإثيوبية وحدها يوجد 288,000 من هؤلاء معظمهم من النوير قبيلة خصم الرئيس Salva Kiir , وكذلك بسبب حرص إثيوبيا علي عدم ترك جنوب السودان بالكامل في مدي الإهتمام السياسي المصري , ذلك أن ترك جنوب السودان بعيداً عن إهتمام إثيوبيا يتيح الحركة الحرة لمصر في جوبا ومن ثم ضمها للدول الحليفة أو علي الأقل المؤيدة لمصر في حوض النيل , ومن هذا المنطلق قام رئيس الوزراء الإثيوبي Haile Mariam Desalegn في هذا الإطار وفي إطار تنشيط العلاقات الثنائية ومتابعة تطبيق إتفاق السلام الموقع في أديس أبابا في أغسطس 2015 بين رئيس جنوب السودان Salva Kiir والمعارضة المُسلحة بقيادة Riek Machar , قام Desalegn بزيارة لجنوب السودان في 28 أكتوبر 2016 إستغرقت يوماً واحداً ألقي خلالها كلمة أمام الجمعية التشريعية الوطنية بجوبا أشار فيها إلي “أن بلاده لن تؤيد جماعة تخوض معارك مُسلحة أو أيا كان ممن إختاروا مسار الحرب , ولذلك فنحن لن نسمح لأي حركة مُسلحة تسلب السلام من منطقتنا سواء أكانت في إثيوبيا أو جنوب السودان , وسوف يكون هناك تعاوناً بين الجيشين الأإثيوبي والجنوب سوداني , ولقد وافق الرئيس الجنوب سوداني علي إيفاد رئيس أركان الجيش لأديس أبابا بسرعة وسيتفقون هناك علي التعاون المُشترك لتأمين الحدود وما وراءها” , وقد تضمنت كلمة رئيس جنوب السودان Salva Kiir Mayardit الإشارة إلي ” أننا ناقشنا مسائل علي جانب كبير من الأهمية خاصة الثنائية منها ووقعنا عدة مذكرات تفاهم , وفي المجال الأمني وافقنا علي أن أي منا لن يسمح لأي قوة سلبية إستخدام أراضينا لشن أنشطة عدائية , وسيكون الطريق مفتوحاً أمام السلع الإثيوبية للدخول لأراضينا , وبدلاً من توجهنا لأماكن بعيدة لبيع بترولنا فسوف يحصل عليه الإثيوبيين منا , خاصة وأننا الآن في سبيلنا لإقامة مصفاة تكرير ” , ويُذكر أن هناك 5 مشروعات لإقامة طرق بين جنوب السودان وإثيوبيا تمول الأخيرة إثنان منهم من خلال قرض إثيوبي لحكومة جنوب السودان , وهناك أيضاً إتفاق بخصوص التجارة والبترول الجنوب سوداني  , في إطار خشية جنوب السودان من دور إثيوبي سلبي فيما يتعلق بوضعية رئيس جنوب السودان Salva Kiir قام Kiir بزيارة رسمية إستغرقت يوماً واحداً لإثيوبيا في 30 مايو 2018 رافقه فيها مفاوض عملية السلام بجنوب السودان وبعض الوزراء , وكانت هذه هي الزيارة الأولي لرئيس جنوب السودان لإثيوبيا بعد إستقالة رئيس الوزراء الإثيوبي  Hailemariam Desalegnفي فبراير 2018, وتأتي أهمية الزيارة بسبب إخفاق الجولة الثانية في مايو 2018 للمنتدي عالي المستوي لتنشيط  “عملية السلام بجنوب السودان أو High Level Revitalization Forum , وذلك بعد أن رفض طرفي الحرب الأهلية مُقترح المُشاركة في السلطة التي وضعتها منظمة IGAD , وكان من المُفترض عقد جولة أخري لمنتدي تنشيط عملية السلام في جنوب السودان بإثيوبيا إلا أن الأحداث الناتجة عن الموقف السياسي المُضطرب بإثيوبيا قبل إستقالة Desalegn أجلت الإنعقاد وأقترح عقدها إما في جيبوتي أو كينيا أو أوغندا .

لكن هناك ثمة تصريح أدلي به رئيس وزراء إثيوبيا السابق Hailemariam Desalegn نُشر علي مــوقــع today ngبتاريخ 30 أبريل 2018 أعتبره كاشفاً عن الرؤية الإثيوبية الحقيقية لوضعية ودور الرئيس الجنوب سوداني  Salva Kiirفي الحرب القائمة بجنوب السودان , فقد أشار Desalegn في تصريحه إلي حاجة جنوب السودان إلي تخلي رئيسها Salva Kiir عن السلطة كي يتيح للبلاد وجه جديد لقيادتها , وأن الأمر يبدو واضحاً بصفة مُضطردة في أن إتفاقيات السلام التي بين حكومة جنوب السودان والجماعات المُتمردة أصبح من غير الممكن إحترامها  , وقال ما نصه ” إن الإتفاقيات وُقعت لكنها أبداً لم تُنفذ ولقد رأيت أن هناك ثمة إتفاقيات أكثر منها يمكن أن تُوقع , لكني لم أعتقد أنها الأخري ستُنفذ كما يثبت التاريخ ذلك ” , وما قاله رئيس وزراء إثيوبيا السابق يثبت أن إثيوبيا لم تكن لتثق في رئيس جنوب السودان Salva Kiir ليس فيما يتعلق بإتفاق أديس أبابا الذي وقعه مع خصومه في الحرب الأهلية بأديس أبابا في أغسطس 2015 فحسب بل أيضاً في الإتفاقيات ومذكرات التفاهم المُوقعة بينه وبين إثيوبيا .

إن دخــــول اتفاقية الإطار التعاوني حيز التنفيذ من شأنه أن يخلق حقائق جديدة بالغة الأهمية لا يمكن لمصر والسودان ولا ينبغي لهما أن يتجاهلاها أو يقللا من شأنها فسوف تتيح إتفاقية الإطار التعاوني أو إتفاق عنتيبي إنشاء مفوضية حوض النيل لتحل محل مبادرة حوض النيل بتفويض أوسع وأكثر تفصيلاً وسلطة ووضوحاً واعترافاً من جانب مجتمعات المياه والمساعدات الإنمائية العالمية كما أن دخول اتفاقية الإطار التعاوني حيز التنفيذ من شأنه أن ينهي الجدل الأكاديمي الطويل والعقيم حول المعاهدات الاستعمارية المتعلقة بحوض النيل وبالتالي فمن مصلحة مصر والسودان الانضمام إلى اتفاقية الإطار التعاوني والعمل بروح التعاون مع دول حوض النيل الأخرى لإدارة حوض نهر النيل وتقاسمه وتنميته وحمايته وبعد كل شيء وكما ذكرنا أعلاه فإن اتفاقية الإطار التعاوني مبنية على غرار اتفاقية المجاري المائية للأمم المتحدة التي أقرتها أكثر من مائة دولة في عام 1997ودخلت حيز التنفيذ منذ عام 2014  .

 رؤية الولايات المتحدة للصراع علي مياه الــــنـــيل :

اليوم ونحن نتابع الدور الأمريكي في أزمة سد النهضة بين مصر التي تعد – كما يحلو للمسئوليين الأمريكيين وبعض المصريين أن يصفوها علي أنها حليف الولايات المتحدة – لا نري ما سبق أن رأيناه في أزمة تمويل السد العالي التي إنتهت بسحب الولايات المتحدة وبريطانيا والبنك الدولي لتمويلهم للسد , وكان هناك تنسيق مُعلن بين هذه الأطراف الثلاث في إتخاذ هذا الموقف , ولابد من الإشارة هنا إلي وجود إختلافات بين حالتي أزمتي سد النهضة الإثيوبي والسد العالي المصري فبينهما سبعين عاماً علي الأقل تغيرت خلالها السياسات الدولية وألوان نسيج السياسات الدولية والإقليمية , لكن يبقي أن الأمر الثابت والمُشترك بين الحالتين هو الأمن المائي المصري والأمن الإقتصادي الإثيوبي كما أن مصر في الخمسينات كان لها دور إقليمي مؤثر علي صعيدين هما الأفريقي والشرق أوسطي أما الآن فقد فقدت مصر أو تكاد دورها علي هذين الصعيدين وأصبحت للأسف لا يُخشي بأسها إذ لم يعد لها بأس فها هي تطلب من دولة كالإمارات العربية أُسست كدولة عام 1970 أن تتدخل في أزمة سد النهضة فيما تعلم مصر أن إستثمارات الإمارات و السعودية وغيرهما من دول الخليج في إثيوبيا من الكثافة بحيث لا يمكن ترجمتها كقوة ضغط لصالح مصر بل إن ترجمتها الصحيحة أنها تفضيل إستثماري خليجي لإثيوبيا وعزوف عن الإستثمار في مصر , تلك هي الترجمة المُبسطة للأمر , لذا من المُحال أن يكون لدي الإمارات أو غيرها نية للإستجابة لرغبة مصرية للضغط علي الإثيوبيين فعندما تفقد دولة بأسها لا يُخشي جانبها .

سبق أن كتب ونــشـــر  john waterburyالرئيس الأسبق للجامعة الأمريكية ببيروت ورئيس مركز الدراسات الدولية وخبير النيل المعروف مقال في دورية BROWN JOURNAL OF WORLD AFFAIRS عدد شتاء / ربيع 1997 تحت عنوان : هل الوضع الراهن بحوض النيل قابل للإستمرار ؟ وذكر فيه ” أنه منذ 1959 ومصر والسودان إستخدما بصفة حصرية مياه النيل بموجب إرتباطهما بإتفاقية الإنتفاع الكامل من مياه النيل 1959 وتعاملا من خلالها مع التحديات التي تواجه هذا الإستخدام ومنها أن البرلمان الإثيوبي في عام 1966 فوض الحكومة لبناء سدين متعددا الأغراض- مُضيفاً قوله- أن هذا الوضع الراهن شكل لصانعي السياسة الأمريكية معضلة غريبة خاصة وأن الولايات المتحدة إرتبطت منذ منتصف السبعينات بعلاقات وثيقة مع مصر لدفعها قدماً في عملية سلام الشرق الأوسط مع إسرائيل كسباً لصديق إستراتيجي في الوقت الذي تسعي فيه الولايات المتحدة للحيلولة دون حدوث المجاعات والحروب الأهلية وإنهيارات الدول في منطقة القرن الإفريقي وأن السؤال الذي يُشار إليه هو ما إذا كانت إثيوبيا تتمتع بمركز مالي يمكنها من تنفيذ مشروعات ضخمة في الجزء من حوض النيل الذي يقع في أراضيها ؟ وأن الدولة الوحيدة التي تصر علي تغيير الوضع القائم هي إثيوبيا وهي مُهيأة للدخول في معارك دبلوماسية لإثبات حقها , ويبني الإثيوبيين موقفهم علي أساس أن متانة العلاقات المصرية الأمريكية لن تدوم عند إيجاد حل للمشكلة العربية / الإسرائيلية – وهو ما يحدث الآن – كما ستفقد مصر مكانتها بين الدول العربية , ومن ثم لن تلقي الدعم الذي تتلقاه من الولايات المتحدة وربما من الغرب عامة , يُضاف لذلك عدم قدرة النظام المصري علي الخروج من الكماشة الإقتصادية التي تُطبق علي عنقه بسبب تضخم القطاع العام وشيوع البطالة ووجود نظام عسكري ريعي RENT – SEEKING يؤجر خدماته , ويعتقد صانعي السياسة في إثيوبيا أن الإحتمالات قائمة بشأن حدوث مواجهة عسكرية مُستقبلاً مع مصر , وقد تضعف العلاقات بين مصر والولايات المتحدة التي لن تتخلي تماماً عن مصر التي تعتبرها الولايات المتحدة حليف إستراتيجي في منطقة إستراتيجية حيث تتوسط منابع النفط ولها حدود مع إسرائيل .

إن أزمة سد النهضة أحد الثمار المرة لمعاهدة السلام المصرية / الإسرائيلية التي أتت نتيجة هنــدســة إستراتيجية أمريكية  لم تحقق لمصر أمنا أو سـلامـاً أو مـــاء  .

عـــودة إلي جنوب السودان والقرن الأفريقي أُشـــيــر – في معرض بيان علاقات القرن الأفريقي – إلي أنه صدر إعلان في 30 يونيو 2015 يتضمن الإشارة إلي توصل جيبوتي وإثيوبيا وجنوب السودان والسودان إلي توافق بشأن تأسيس سلطة لوجيستيكية أو ما يُدعي Djibouti Corridor Authority والعمل بمبدأ المنفذ الحدودي ذا التوقف الواحد أو One Stop Border Post من أجل تسريع إنسياب السلع والأشخاص , وأتفقت هذه الدول علي أن تبدأ سلطة جيبوتي بنهاية 2015 بهدف تقدم وإضطراد الأنشطة الإقتصادية بهذه المنطقة بمد طريق لنقل السلع براً وبالبحر لهذه الدول الأربع , وسوف تسير هذه السلطة علي هدي لائحة السوق المشتركة للشرق والجنوب الافريقي COMESA , ولهذا فستمنح هذه الدول الأربع لبعضها البعض الحق في المرور وتيسير حركة السلع عبر منطقتهم , وستستفيد كل من إثيوبيا وجنوب السودان من ذلك بحيازة الحق في الوصول ببضائعهما للتصدير و/ أو للإستيراد عبر موانئ السودان وجيبوتي , وذلك علي غرار ما يتم فعلاً في حالة سلطة تنسيق مسار النقل والعبورالشمالية Northern Corridor Transit and Transport Coordination Authority التي تأسست عام 1985 وتضم كل من بوروندي والكونجو الديموقراطية وأوغندا ورواندا وكينيا حيث تتمتع الدول الحبيسة الأعضاء بهذه السلطة أيضاً بميزة الوصول وإستخدام ميناء Mombasa الكيني , كذلك يـُشـارفي هذا الصدد إلي أن هناك طرق من المُخطط إنشاؤها تربط إثيوبيا وجنوب السودان علي محور Gambella-Pagak-Palouge مع المحور الثاني الذي يربط Dima-Raad-Boma-Bor , وبالنظر إلي شبكة المصالح المُمتدة التي تتكون حالياً بين إثيوبيا وجنوب السودان تمثل مشروعات الطرق الداعم الرئيسي لها , لذلك صرح وزير شئون رئاسة جنوب السودان Mayiik Ayii, Gai أثناء هذه الزيارة الرئاسية بقوله ” إن إنشاء الطريق يتزامن مع إقامة مصفاة لتكرير بترول جنوب السودان في ولاية أعالي النيل مُمولة من شركات سويسرية وأمريكية وتبلغ طاقتها 100,000 برميل بترول / يوم ” .

قد تبدو هذه التطورات بعيدة عن مـوضـوع مياه الــنــيــل لكني أراها وثيقة الصلة والتأثير فهذه المشروعات اللوجيستيكية تحقق مصالح عليا وقيمة للتجارة والإقتصاد لهذه الدول ولما كانت جنوب السودان دولة حـــبـيـسـة جغرافياً فإن القيمة المضافة لهذه المشاريع عالية جداً وهي شديدة الحاجة إليها بطبيعة الحال فجنوب السودان ليس لها مشكلة مع المياه ولا الـنـيـل بالتحديد فلديها حصيلة مياه مطرية ومن النيل فميزانها المائي غالباً ما يـسـجـل فــائــضــاً

كل ما في الأمر أن جنوب السودان إستغل وضعه كدولة نيلية لأغراض الســـيـاســة مـع مـصـر حتي إنتهي إلي قرار الإنضمام لإتفاق عـنـتـيـبـي الذي ترفضه مـصـر والـسـودان , وأقل معني لهذا الموقف هو أن جنوب السودان (الذي يرفض وينتقد إتفاق الإنتفاع الكامل من مياه النيـل الموقع بين مصر والسودان عام1959) خرج بلا عودة من نـطـاق الــنـفــوذ المـصـري ووثق إنتمائه لمنطقة القرن الأفريقي .

تـــــقـــــديـــــر مــــــوقـــــف :

إبــــتــداء لابد من الإشارة إلي أن الأداء السياسي لمصر فيما يتعلق بقضية إنفصال جنوب السودان منذ بداية تفجر التمرد الجنوبي في جنوب السودان عام1955كان بالغ الضعف بشكل ملفت فمصر منذ إنفصال السودان عنها وإستقلاله في يناير1956أعلنت مراراً وفي كل مناسبة أنها تدعم وحدة أراضي السودان منذ إنطلاق أول شرارة للتمرد في جنوب السودان  بحامية توريت في أغسطس من عام 1955 وحتي توقيع حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان إتفاق السلام الشامل أو إتفاق نيفاشا في 9 يناير 2005 بنيروبي , ولكن وبالرغم من أن قادة التمرد الجنوبي في السودان كانوا طيلة هذه الفترة يعلنون أنهم يستهدفون تحقيق الإنفصال عن الشمال بدعاوي دينية وإقتصادية وبدعم غربي خاصة من الولايات المتحدة وبريطانيا بوسائل مختلفة منها نشاط المنظمات غير الحكومية ومجلس الكنائس العالمي , إلا أن هذا العداء السافر المُعلن للسودان وإستهداف تفتيت وحدته لم يستفز الدولة المصرية طيلة الفترة من 1981وحتي 2011 سوي بالقدر المتواضع الذي إرتضته وهو لا يتجاوز المتابعة المحسوبة وإصدار بعض البيانات التي تشير إلي أن مصر تدعم وحدة أراضي السودان لكن بلا فعل ميداني حقيقي مؤثر , وهو موقف يمكن وصفه بالسلبي وأحياناً بالمتهاون إزاء أخطر ما يتعلق في النهاية بالأمن القومي المصري فبمقارنة هذا الموقف الذي إنتهي بإنفصال جنوب السودان وإعلان إستقلاله في 9 يوليو 2011 بموقف مصر طيلة عهد الرئيس الأسبق / محمد أنور السادات  نجد أن السياسة المصرية خلال فترة الرئيس السادات التي كانت معنية تماماً بقضية الحرب مع الكيان الصهيوني وما تلاها من بدء عملية السلام التي إنتهت بتوقيع إتفاقية السلام المصرية الصهيونية في 26 مارس1979 ومع ذلك حرصت مـصـر آنـئـذعلي إيلاء قضية السودان برمتها علي صعيدي العلاقات الثنائية وقضية التمرد في الجنوب ما يوجب عليها إيلاءه من تفاعل بل وإنخراط ميداني وصل لحده الأقصي بتوقيع إتفاقية الدفاع المُشترك في 15 مايو 1976 والتي جمدها الصادق المهدي لدي توليه منصب رئيس وزراء السودان وكذلك منهاج العمل السياسي والتكامل الإقتصادي في 11 فبراير 1974 ثم ميثاق التكامل بين مصر والسودان في 12 أكتوبر 1985 , والذي جمده أيضاً رئيس وزراء السودان / الصادق المهدي مُستبدلاً إياه بميثاق الإخاء المُوقع عام 1987 , كما أنه ولأول مرة يتضمن تشكيل مجلس الوزراء المصري وزارة لشئون السودان وكان ذلك في تشكيل مجلس الوزراء الذي أُعلن في 25 أبريل 1974 حيث أُستحدثت وزارة جديدة لشئون السودان تولاها عثمان عدلي بدران ثم ضُمت فيما بعد في تشكيل وزاري تالي لوزارة الدولة لشئون الزراعة وشئون السودان برئاسة د / عبد العزيز حسين .

كان من الممكن أن تدع مصر جانباً البيانات والتصريحات المجوفة عن وحدة أراضي السودان وتستخدم بدلاً عن ذلك مركزها السياسي القوي نسبيا والذي صعد من أهميته لدي الولايات المتحدة الأمريكية وأتي ببعض الجوانب الإيجابية القليلة توقيعها لإتفاق السلام مع إسرائيل في 26 مارس 1979 ومن المعروف أن أمن إسرائيل يعتلي يسلم أولويات الإستراتيجية الأمريكية عالمياً , فهذه الإتفاقية كفلت تحقيق الأمن لإسرائيل بوساطة أمريكية بدأت في الحقيقة منذ إعلان الرئيس عبد الناصر قبوله لمبادرة وزير الخارجية الأمريكي / وليام روجرز في الأول من مايو 1970 , لكن للأسف كان هناك فصل موضوعي لدي صانعي ومتخذ القرار السياسي المصري بين قضية السلام مع إسرائيل وأمن مصر المائي والذي كان يمكن لو إستمر الإرتباط المصري بقضية السلام في السودان بنفس الوتيرة القوية التي كان عليها إبان عهد / السادات أن يؤثر ذلك في تداعيات الأحداث في السودان بمنع سيناريو الإنفصال  .

غلبة الطبيعة السياسية علي قرارات وتحركات وزارة الري المصرية   :-

كما تقدمت الإشارة فوزارة الري المصرية من أقدم الوزارات المصرية ومن أصولها الثمينة الخبرات المُتراكمة وكوادرها ذات المستوي الرفيع والتي كانت لا تُقارن بما تحوزه إثيوبيا من كوادر في ذات المجال , يؤكد ذلك مواقف كثيرة منها مثلاً إمبراطور إثيوبيا عندما إعترف بذلك ليبرر مع مبررات أخري  إعراضه عن مناقشة المُقترح المصري لإقامة خزان علي منابع النيل عند بحيرة تانا ” بسبب عدم إمتلاك حكومته ما يكفي من المعلومات والدراسات الفنية والإفتقار إلي توفر فنيين إثيوبيين ” ( مصر والصراع حول القرن الإفريقي 1945 – 1981 . د. محمد عبد المؤمن محمد عبد الغني . دار الكتب والوثائق القومية 2011 . صفحة 113 ) ولا نبتعد عن الحقيقة إن قلنا أن وزارة الري المصرية كانت تقوم من خلال كوادرها بدورها كاملاً في الفترة السابقة علي ثورة 23 يوليو في مساحة أوسع وبكثير من حرية الحركة لأن معظم دول حوض النيل كانت ترزح تحت ربقة الإستعمار البريطاني الذي كانت مصر تعتبر الأكثر أهمية لحركة إتصاله بحكم وقوع قناة السويس داخل أراضيها , وكان آخر إنجاز لها هو تلك الإتفاقية التي أبرمتها مصر مع بريطانيا عام 1953 والتي تبودلت بينهما بشأنها مذكرات الأولي بتاريخ 30 مايو 1949 والثانية في 20 مارس 1950 والثالثة في 16 يوليو 1952 والأخيرة في 5 يناير 1953 لإقامة سد عند شلالات Owen بأوغندا التي كانت تحت الإستعمار البريطاني وقتذاك , ولم يكن يكن تراجع دور وزارة الري حتي نهاية ثمانينات القرن الماضي راجعاً لقصور لدي متخذ القرار السياسي ولا لتقاعص وزارة الري المصرية أو كوادرها بل لأسباب مختلفة أهمها أن بريطانيا في مستهل الخمسينات تقلص دورها أو كاد في مصر فبعد الإطاحة بالحكم الملكي في 23 يوليو 1952 واصل الحكم العسكري مفاوضات الجلاء عن مصر والتي دارت بين صدقي باشا وبيفن ولم يصل الطرفان لإتفاق بشأن مشروع معاهدة تتضمن ذلك في 25 أكتوبر 1946 واستمرت المطالب المصرية بالجلاء في الفترة من 1946 حتي 1947 وجرت مباحثات بين رئيس الوزراء المصري والسفير البريطاني في مصر مستر رونالد كامبل في ديسمبر 1946 لكن المفاوضات تحطمت علي صخرة الصمود المصري بسبب الخلاف علي مسألة السودان حيث رأي البريطانيين عزل هذه المسألة عن قضية الجلاء عن مصر وهو ما رفضته مصر التي رأت الموضوعين كتلة واحدة إلي أن رفعت مصر مذكرة رسمية لسكرتير عام الأمم المتحدة في 25 يناير 1947 لتدويل القضية المصرية / السودانية وعرضها علي مجلس الأمن مطالبة بالجلاء العسكري البريطاني عن مصر والسودان , وأدت الضغوط المصرية التي كانت مستمرة بالتوازي مع مفاوضات الحكم الذاتي للسودان والتي إنتهت بتوقيع إتفاقية مصرية / بريطانية في 12 فبراير 1953 منحت السودان حكماً ذاتياً أدي بالتضافر مع العمل الدبلوماسي والمخابراتي البريطاني مع فريق من النخبة السودانية معارض للوحدة مع مصر إلي إنفصال السودان عن مصر نهائياً , كما كان لإستقلال معظم جدول النيل عن بريطانيا أثره تقلص مساحة المناورة المصرية في مجال الري مع هذه الدول التي سرعان ما أعلن بعضها عقب الإستقلال رفضه للإتفاقيات السابقة التي أبرمها البريطانيون بشأن النيل فقد أعلن رئيس تنزانيا / جوليوس نيريري عام 1964 مبدأه المعروف بأسمه والذي تضمن عدم الإعتراف بالإتفاقيات التي أبرمت قبل إستقلال بلاده ومن بينها إتفاق مياه النيل مايو 1929وأيدت إعلانه كل من أوغندا وكينيا وتأكد هذا الإعلان بتوقيع تنزانيا ورواندا وبوروندي إتفاقية نهرKagera  عام 1977 (طول هذا النهر 670 كم وينبع من بحيرة Rweru بمنطقة الحدود الرواندية / البوروندية / التنزانية ثم ينحني عند منطقة الحدود الأوغندية / التنزانية ليصب مياهه في بحيرة Victoria بأوغندا) وتضمنت الإتفاقية عدم الإعتراف بإتفاقية 1929 .

وبالرغم من هذا الماضي المُشرف والفعال لوزارة الري التي تتصدر عملية تحقيق أمن مصر القومي , إلا أنه أتي علي هذه الوزارة فترة أمتدت لثلاث عقود (عـهـد مـبارك) أصيبت فيها بحالة من التخبط والضعف إنعكست علي نطاق عملها وكذلك علي عملية إتخاذ القرار , وهو امر تعرض له الأستاذ مكرم محمد أحمد في مقال له بتاريخ 26 فبراير 2014 بجريدة الأهرام تحت عنوان ” لماذا تخلفت مدرسة الري المصرية ” حيث أشار إلي ” النقص الفادح في كوادر المُتخصصين في الموارد المائية والطاقة الهيدرومائية والتغيرات المناخية مما زاد من الحاجة إلي تحديث وتطوير  .

كانت إستراتيجية الأسرة العلوية الملكية في مصر (1805- 18يونيو1953)لأسرة العلوية إستراتيجية عمادها الأساسي تحقيق الأمن المائي لمصر ومن أدلة حماس الأسرة العلوية لتحقيق هذه الإستراتيجية وصف الأمير / عمر طوسون فتح مصر لمديرية خط الإستواء في جنوب السودان بأنه ” ألزم لمصر من الأسكندرية ” ( كتاب تاريخ مديرية خط الإستواء . الجزء الأول . تأليف الأمير عمر طوسون . المقدمة . مطبعة العدل شارع كنيسة الأمريكان نمرة 1 بالأسكندرية .1937)ولآخــر يوم للعهد الملكي في مصر ظلت حكومة الملك تناضل في مصر والسودان وفي مجلس الأمن الدولي في نيويورك للحفاظ علي عموم السودان ليس فقط من أجل النيل ولكن من أجل السيادة علي السودان ومصر كبلد واحد وفي هذا السبيل وقعت مصر مع بريطانيا في لندن معاهدة في 26 أغسطس 1936 إلي أن ألغتها في فى 8 يناير 1951 .

في تــقــديــري أن تصديق جنوب السودان اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل Cooperativ Framework Agreement (CFA)) في 8 يوليو 2024قـــد يترتب عليه علي وجـه الـتعـــيــيــن النتائج التالية:

1- أنه من أجل وضـــع إستراتيجية نيلية مـــســـتقـبـليـة هناك ضرورة لكي تـشـرع مــصـــر في إجـــراء عـــمـلية مراجعة وفـحـص شـــامـلة لسياستها النيلية السابقة للوقوف علي أوجه القصور والضعف في هذه السياسة أو في تطبيقها وهي عديدة للأسف , وفي مرحلة تالية يجب وضــع إستراتيجية طويلة المدي بشأن النيل مترافقة مع مجموعة من السياسات والسياسات البديلة المرتبطة بأهداف محددة تحكم تحركنا في قضية مياه النيل مع الوضع في الإعتبار أن مجال المناورة المُتاح أمام مـصـر قد ضـــاق ولذا يجب وضع سياسات لتوسيع هذه المجال إن أمكن .

2- لم تعد لــمـــصر مــصــالح يُخـــشي عليها في جنوب السودان فمدي تعاوننا المرتقب مع جنوب السودان في مياه النيل أصـــبــح مـحـدوداً بعد توقيع ثم تصديق جنوب السودان علي اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل فالأكثر ضـــرورة لـمصر – خاصة مع تدني قدراتنا المالية – تركيز تعاوننا مع شمال السودان فهم أهلنا نحن منهم وهم منا رغم كل شيء كذلك هم أبناء جلدتنا ومع الدول الأفريقية الأخري وفقاً لأهميتها في سياسة مصر المائية كما أن جنوب السودان سبق أن رفضت طلب مصري للتمركز في قاعدة علي أراضي جنوب السودان رغم دعم مصر المتواصل العسكري وغير العسكري لجنوب السودان , ولذلك أكــاد أقول أن الدافع أي دافع لمصر في التعاون من أجل تنمية جنوب السودان لن يعود علي مصر بأي فائدة فجنوب السودان إقتصادها رملي مهما رويته لا ينمو فيه زرع منتج .

3- أن سياسة التعاون الفني فيما يتعلق بمياه النيل التي أصـــرت مصــر علي إنتهاجها مع كل دول حوض النيل وهي إلي حد كبير سياسة صــائــــبــة لكنها كانت للأسف وفي الغالب ســيـاســة ذات إتجاه واحد هو مصـر , هذه السياسة لم يعد منطقياً من الممكن المضي فيها قدماً بعد تصديق جنوب السودان علي اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل وتكتل نحو 5 دول نـيـلـيـة خلف إثيوبيا التي هــنــدست هذه الإتفاقية التي ترفضها مصر والسودان , وأري أنه من المناسب ضرورة تعبئة رأي عام أفريقي من أجل دعم الموقف المصري في شأن مياه النيل برغم ضربة تصديق جنوب السودان علي إتفاق عنتيبي وهي التي كانت تعتبر بمثابة حليف لمصر أو هكذا إعتبرها البعض بناء علي نظرة قاصرة مبتسرة لمكونات والأساس الفكري لهذا الدولة القائمة علي فكرة التمرد ويدير شأنها متمرد سابق , وهذه التعبئة التي إقترحها تكون بإعادة توظيف خبراتنا الإستثنائية التي كانت مصر تنفذ بها سياسة التعاون الفني مع الدول النيلية في مجال الري والمياه لخدمة دول القارة الأفريقية عبر الصندوق التابع لوزارة الخارجية المصرية  مع التركيز علي الدول النيلية التي لم تصدق بعد أو لم توقع بعد(أو هما معاً) علي  اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل(CFA) وهم كينيا والكونجو الديموقراطية وأرتريا والدول النهرية الأفريقية الأخري مثل أنجولا ونامبيا وزامبيا والنيجر والسنـغـال وغـيــنـيـا وغيرهم  .

4- إتخاذ سياسات إحــتـرازية – وفقاً لما ينتهي إليه الأمـر – للــحــيلولة دون إقدام السودان بعد نهاية صـــراعه مع قوات الدعم السريع الدعومة من الإمـارات دون إتخاذ قرارين جري إثارتهما في السودان بصفة متقطعة كيلة عهد عمر البشير وهما قرار بإنسحاب السودان من إتفاقية الإنتفاع من مياه النيل الموقعة مع مصر بالقاهرة في نوفمبر1959 والقرار الثاني بالإنضمام لاتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل (CFA) فهناك أصوات معارضة في السودان لوجهات النظر المصرية في شأن مياه النيل وتري أن إتفاقية1959إتفاقية ظالمة للسودان كما يري آخرون أن الإنضمام السوداني لاتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل ضروري ومــلائم للسودان بل إنه تأخـــر .

5- إن تردد جنوب السودان في التصديق علي اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل لم يكن تردد من يرفض الإتفاقية لا لم يُقال ذلك في جنوب السودان , لكنه كان تردد من يقبل الإتفاقية ولكنه يريد إستخدامها كورقة يتلاعب بها بــمـــصـــر وهو ما كان وحدث للأسف منذ2010 حتي يوليو2024 فقد كان قرار تصديق قرار جنوب السودان علي اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل عملية إبتزاز إنتهت بعد أن إستنفذ جنوب السودان أغراضه من هذا الإبتزاز بالحسم الإثيوبي مع سلفا كير فدور إثيوبيا السياسي والأمني أقوي كثيراً من الدور المصري بكل صراحة فهكذا أثبتت الأحداث وهو الأمر الذي يدعو مـصــر أيـضـاً لتقييم وضع دورها اساسي وسياستها إزاء جنوب السودان مـسـتـقـبلاً وكذلك تقييم القدرات الأمنية لـمـصـر في جـنـوب السودان , هذا إذا كانت مــصــر تتطلع إلي حــماية مختلف مصالحها في جنوب السودان .

قرار جنوب السودان بالتصديق علي اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل (CFA) هزيمة واضحة لا لبس فيها لمصر التي بذلت جهوداً مخلصة لتنمية ومساعدة أبناء جنوب السودان وفتحت لهم الأبواب في مصر لكن هذه الجهود تنكر لها المتمرد السابق ورئيس جنوب السودان الحالي سيلفا كير ميارديت وهذه الهزيمة المنتفع الرئيسي منها هو إثيوبيا التي أصبحت بعد إتفاقها مع ما يُسمي بجمهورية أرض الصومال تتمتع بحيازة 20كم مربع في ميناء بربرة لإنشاء قاعدة بحرية إثيوبية قريبة من خليج عدن المؤدي لمضيق باب المندب بالبحر الأحمرالذي يؤدي في نهايته لقناة السويس أي أن إثيوبيا التي طرحت إتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل (CFA) ووقعتها للآن 6 دول نيلية وأنشأت بدون تشاور فني مع مصر والسودان أصبحت تتحكم وتسيطر علي المياه المالحـة والمـاه الـعـذبـة مـعاً .

الـــخـــطـــر الإثيوبي يتــعـامــد مع الــخــطر الصهــيوني علي مـــصــر والـــسودان فتزامن هـذين الـخـــطـــرين لا يجب النــظــر إلــيهما علي أنهما صـــدفـــة وبناء علي ذلك يجب علي الراشدين من ساسة مــصــر والــســودان البحث في والـــعــمــل علي دفع هذين الخطــرين ونبذ الخلافات التي لا شك أبداً في أنها بحسابات المخاطر لا تعد شـــيـــئــاً .

الــــــــــســــــفـــيــر : بـــــــلال الــــمــــصــــري –

حصريا المركز الديمقراطي العربي – الــقـــاهــــرة / تـــحــــريـــراً في 6أغـــســطـــس 2024

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى