الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

غزة من الحصار إلى الطوفان

بقلم : د. عقل صلاح – كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

إن الفرص السياسية ليست ثابتة لجميع التنظيمات، وإنما تختلف من حزب إلى آخر، إضافة إلى أن الفرص السياسية لا تمتلك نفس الأهمية للأحزاب في الدول فهي تختلف وفقًا لخصائص الحزب، وقد تختلف من وقت لآخر حتى للحزب نفسه. كما أن الفرصة السياسية لا ترتبط بخصائص الحزب فقط، وإنما ترتبط بالدولة وبالإطار الدولي والسياق البيئي المحيط بها، والتحالفات الدولية، ومدى انفتاح النظام السياسي أو انغلاقه. فالمتغيرات الداخلية (السياق الحركي) لقوة الحزب والقدرة التنظيمية والمالية والعسكرية، والمتغيرات الخارجية (السياق الدولي) لها دور في خلق الفرص السياسية للحزب في التحرك نحو استثمار الفرصة المتاحة أمامه؛ لذلك يجب الاسترشاد بها لفهم التغير في هيكل الفرص السياسية لحركة حماس.

إن حركة حماس معرضة للتغيير في أساليبها من وقت لآخر، نتيجة للتغيرات الداخلية والخارجية، فقد تستخدم طرق كالمشاركة في الانتخابات والنظام السياسي (المشاركة في الحكم) كما حصل معها في الانتخابات الثانية وفوزها الساحق 25كانون الثاني/يناير 2006، وتشكيل الحكومة العاشرة بقيادة الشهيد إسماعيل هنية التي استمرت منذ 27 آذار/مارس 2006 حتى 17 آذار/مارس 2007، كرد فعل على تغير فرصها السياسية. وبالتالي يمكن اعتبار حركة حماس حركة تأثير وتأثر في نفس الوقت، فهي إما أن تقوم بالتأثير وتغيير هيكل الفرص لصالحها أو أن تتأثر بالتغيير الحاصل في الهيكل وتتغير بناءً عليه.

وبناء عليه، لم يكن أمام حركة حماس كما قيل فرصة سياسية لكي تنتهزها، وإنما أدى الحصار على قطاع غزة الذي دام أكثر من عقد ونصف من قبل إسرائيل إلى انغلاق الفرصة السياسية أمام الحركة ووضعها أمام خيار العودة إلى الإعداد والتدريب والتحشيد والتجهيز العسكري، المتمثل في معركة الطوفان التي انطلقت في السابع من أكتوبر2024، فهي الفرصة الوحيدة التي كانت متاحة حينها أمام قيادة حركة حماس، وهي التي أبدع القائد يحي السنوار في استغلالها، وغير عبرها الموقف الدولي لصالح القضية الفلسطينية. فكانت ومازالت الفرص تتسع خلال الحرب المستمرة على القطاع، في الوقت الذي تضيق فيه أمام إسرائيل، وفي النهاية الفرصة التي تحدث عنها البعض بأن السنوار أضاعها بقيامه في السابع من أكتوبر لم تكن فرصة حقيقية للقطاع لفك الحصار وإطلاق سراح الأسرى في السجون الإسرائيلية، وإنما كانت في الحقيقة فرصة ثمينة لإسرائيل على حساب غزة التي تدفع ثمن استمرار الحصار المطبق عليها. فهذه النافذة أغلقها السنوار وبالتالي أغلق الفرصة أمام إسرائيل وفتح فرصة لعودة للعمل المقاوم للواجهة من جديد، ووجه ضربة قوية لإسرائيل وأمنها القومي وشطب صورة الجيش الذي لا يقهر، فقهرته غزة ومازالت توقع به الهزائم المتواصلة ولأمريكا التي كانت تنوي تصفية القضية الفلسطينية.

وفي العودة لدعاة مقولة أن السنوار أضاع ما يسمونه بالفرصة السياسية في القيام بالسابع من أكتوبر، فالعيش تحت نير الاحتلال أو التعايش معه والقبول في الوضع الراهن باستمرار الحصار في نظرهم فرصة سياسية للغزيين، وأن رفض سياسة الأمر الواقع من قبل السنوار يعني إضاعة فرصة سياسية. فهل يعني التنازل عن الحقوق والثوابت الوطنية فرصة للفلسطينيين أم هي فرصة حقيقية لإسرائيل وأمريكا؟!.

فهيكل الفرص السياسية للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل يوضح بجلاء أن الفرص السياسية التي كانت قديمًا متاحة لفلسطين بشكل عام ولقطاع غزة بشكل خاص هي نفسها الفرص السياسية المتاحة والتي كانت تهدف إلى تصفية قضايا الحل النهائي التي تم تأجيلها في مباحثات أوسلو وعلى مدار ثلاثة عقود من المفاوضات، والتي تمثل قضايا الحل النهائي التي دفعت بحركة حماس بالقيام في الطوفان:

القضية الأولى، المتمثلة في القدس: بدأت الإجراءات والسياسات الأمريكية من مدينة القدس، في ٦ كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٧، حيث اعترف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية للقدس في ١٤ أيار/مايو ٢٠١٨، مما فتح الباب أمام بعض الدول للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتم تهويد القدس وتدنيس المسجد الأقصى ومحاولة تقسيمه زمانيًا ومكانيًا، وزيادة حدة الاقتحامات للمسجد الأقصى.

أما القضية الثانية، التي تتجسد في الأسرى: فمنذ توقيع اتفاقية أوسلو وإسرائيل ترفض إطلاق سراح أسرى الأحكام العالية التي تصنفهم إسرائيل بأسرى المؤبدات مدى الحياة فتجاوزتهم الاتفاقيات وحتى أسرى ما قبل أوسلو تم التملص من تطبيق الدفعة الرابعة التي كان يجب إطلاق سراحهم في عام 2014 بناء على اتفاق فلسطيني إسرائيلي برعاية أمريكية مقابل عدم توجه السلطة الفلسطينية إلى المنظمات الدولية والجنائية، وكان من ضمنهم الشهيد الأسير وليد دقة وأكثر من عشرين أسيرًا؛ فحركة حماس وفي مقدمتهم القائد السنوار الذي قطع العهد للأسرى في التحرير وبعد رفض إسرائيل إطلاق سراح الأسرى مقابل صفقة تبادل جنود إسرائيليين لدى المقاومة مقابل إطلاق سراح أكثر من 500 أسير مؤبد؛ كان لابد من القيام في عملية اختطاف كبيرة من أجل إجبار إسرائيل على إطلاق سراح هؤلاء الأسرى في السجون الذي مضى على البعض منهم أربعة عقود، والممارسات الوحشية من قبل مصلحة السجون ضد الأسرى وكل هذه الممارسات التي بدأت بتفويض من قبل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير قبل السابع من أكتوبر بسنوات والتي مازالت مستمرة من خلال القتل والتجويع والاغتصاب للأسرى؛ وهذا ما فعلته حركة حماس بزيادة الغلة وهو المصطلح الذي أطلقه الشهيد هنية والذي قصد به زيادة عدد أسرى الاحتلال لإجباره على صفقة تبادل.

وتنصب القضية الثالثة، في الحصار على القطاع: فمنذ فوز حركة حماس في الانتخابات وتشكيل الحكومة الفلسطينية بقيادة الحركة، بدأت إسرائيل والعديد من الجهات المحلية والإقليمية والدولية في حصار قطاع غزة بجميع الوسائل والسبل حتى وصل لحد منع وصول الدواء وجميع المعاملات المالية من خارج القطاع، والذي شارف على العقدين تقريبًا؛ فلا يمكن للحركة والشعب الفلسطيني قبول الاستمرار في الحصار المطبق، الذي دمر كل مقومات الحياة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية؛ فكان السابع من أكتوبر ليقلب الطاولة على المجتمع الدولي بفك الحصار وإيجاد حل سلمي عادل للقضية الفلسطينية؛ فتم إعادة إحياء القضية الفلسطينية بعد موت سريري دام أكثر من عقدين وأصبح العالم يطالب بمحاكمة إسرائيل وإنهاء الاحتلال والتعاطف الدولي والتحشيد مع فلسطين وصل لمرحلة لم تمر بها القضية الفلسطينية ولعله أكبر دليل على هذا الموقف الدولي تجاه القضية الفلسطينية ما عبرت عنه تركيا من خلال الاستقبال الحافل للرئيس عباس في البرلمان التركي والتصفيق لفلسطين خلال جلسة خاصة بشأن فلسطين بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 15آب/أغسطس2024.

وتتمثل القضية الرابعة، في الاستيطان: من أجل ضم الضفة حيث توغل الاستيطان قبل السابع من أكتوبر في الضفة وتم فتح الشوارع الاستيطانية وتشريع البؤر الاستيطانية وعودة المستوطنات الخمس التي تم الانسحاب منها عام 2005 في شمال الضفة، وتقطيع أوصال الضفة بأكثر من 600 حاجز، وإغلاق مداخل القرى والمحافظات، وإطلاق يد المستوطنين في الاعتداء على الفلسطينيين سواء في حرق الممتلكات كما حصل مع قرية حوارة قبل السابع من أكتوبر وقرية جيت، وتم حرق المنازل والمركبات وقتل الشاب رشيد سدة في 15آب/أغسطس 2024، وغيرها وقتل الفلسطينيين وكل ذلك بحماية وحراسة الجيش الإسرائيلي.

وتتمحور القضية الخامسة، في تدمير المخيمات والقتل المتواصل، حيث عمدت إسرائيل ما قبل السابع من أكتوبر على استهداف المخيمات الفلسطينية في شمال الضفة من خلال سياسة القتل والهدم والتجريف للممتلكات الخاصة والعامة وتدمير البنية التحتية لعشرات المرات، لتشكيل جبهة مناهضة ضد المقاومة وضرب الالتفاف الشعبي حولها، فإسرائيل ما قبل السابع من أكتوبر وما بعده أوغلت في الدم الفلسطيني في الضفة؛ فكان لابد من التحرك في السابع من أكتوبر لتخسر إسرائيل قتلى وهذا ما حصل؛ فقد استطاعت المقاومة تكبيد الاحتلال ما لم يخسره منذ قيام دولة إسرائيل.

والقضية السادسة، تتلخص في اللاجئين: عملت الإدارة الأمريكية بعهد ترامب استهداف قضية اللاجئين، أحد أكثر المواضيع حساسية وصعوبة في قضايا الحل النهائي. فقد أوقفت في كانون ثاني/ديسمبر ٢٠١٨، نصف الدعم الذي كانت تقدمه للأونروا، والذي يقدر ب ٦٥ مليون دولار، وقررت في ٣١ آب/أغسطس ٢٠١٨، وقف تمويلها كليًا. واستهدفت إسرائيل الأونروا، من أجل تعطيل عملها في فلسطين.

وتتمثل القضية الأخيرة، في الدولة الفلسطينية والحدود والمياه التي تسيطر عليها إسرائيل، حيث صرح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في خطاب ألقاه في مؤتمر الجاليات اليهودية الأمريكية في ٢٤ تشرين الأول/نوفمبر ٢٠١٨، “يجب على إسرائيل الاحتفاظ بالمسؤولية الأمنية عن الضفة”، ووصف الكيان الفلسطيني المستقبلي الذي يقبل به بأنه أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي.

وعليه، تؤكد الأحداث والمعطيات والقضايا سابقة الذكر وغيرها من الممارسات الاحتلالية ضد الشعب الفلسطيني وحتى ضد السلطة الفلسطينية من خلال سحب جميع صلاحياتها ومنحها للمنسق الذي أصبح الرئيس الفعلي للضفة وسيطرت البلطجي بتسلئيل سموتريش وزير المالية الإسرائيلية على أموال المقاصة من خلال جملة من الاقتطاعات المستمرة من أموال الشعب الفلسطيني، بأنه لم يكن هناك فرصة سياسية لكي تقتنصها القيادة الفلسطينية في القطاع؛ وإسرائيل هي التي دفعت حركة حماس للقيام في السابع من أكتوبر بعد إغلاق جميع نوافذ الحياة الإنسانية في القطاع والضفة والسجون الإسرائيلية.

وفي المحصلة النهائية، الموقف الأمريكي فهو نفسه الموقف الإسرائيلي من جميع القضايا المركزية الخلافية، فالموقف الأمريكي نابع من الضغط على الفلسطينيين للقبول بما تطرحه إسرائيل، وهذا ما عبرت عنه الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وما يجسده الرئيس الأمريكي جو بايدن بالدعم المطلق لإسرائيل على جميع الصعد والمستويات، وتشكيل غطاء لممارسات إسرائيل الوحشية في القطاع والضفة، أما موقف المقاومة الفلسطينية فهو متمسك بالثوابت الوطنية وحرية الأسرى التي دفع ثمنها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الذي تم اغتياله في العاصمة طهران من قبل الموساد الإسرائيلي  في 31تموز/يوليو 2024، ومن قبله نائبه الشيخ الشهيد صالح العاروري الذي قتل على يد الموساد الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية ببيروت في 2 كانون الثاني/يناير 2024؛ بالإضافة إلى أكثر من 40 ألف فلسطيني قتلتهم أداة الحرب الإسرائيلية الأمريكية في القطاع، وجرح 100 ألف فلسطيني واعتقال 21 ألف فلسطيني وقتل المئات منهم في السجون الإسرائيلية وتدمير 80% من القطاع.

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى