الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

مراحل احتلال فلسطين المستمرة

بقلم : د. عقل صلاح – كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

تناقش هذه المقالة جميع المراحل الأساسية التي اعتمدتها الحركة الصهيونية في السيطرة على فلسطين، فدولة الاحتلال أقيمت على غالبية أرض فلسطين التاريخية، إضافة إلى استمرار الاحتلال بالتوسع الاستيطاني وتهويد القدس، والهدم والقتل والاعتقال وتشريد ملايين الفلسطينيين في الشتات، حيث لم تكتف بتشريدهم وإنما قامت بملاحقتهم في مخيمات الشتات واستهدفتهم وشردتهم للدول الغربية معتمدة على المقاول الداعشي، ومن قبله على جيش لبنان الجنوبي -عملاء إسرائيل- الذين نفذوا مجزرة صبرا وشتيلا من أجل طمس حق العودة.

فالتاريخ يعيد نفسه تجاه المخيمات الفلسطينية، ولكن هذه المرة على شكل كارثة بكل المعاني في القطاع والضفة، فمخيمات غزة تم تدميرها وقتل عشرات الآلاف من سكانها ومازالت الحرب متواصلة بنفس النهج الإرهابي وعلى نفس المنوال تم التعامل مع مخيمات شمال الضفة، فقد تم تدمير البنية التحتية والمنشآت العامة والخاصة وممتلكاتهم أكثر من عشرين مرة منذ سنة 2022. وهذا كله بمباركة من بريطانيا وأمريكا من أجل استمرار مخططات السيطرة والهيمنة على فلسطين. وهذا يقودنا لتفنيد المراحل السابقة والمراحل المتوقعة التي تعتمدها إسرائيل في السيطرة على فلسطين:

فالمرحلة الأولى المرحلة السرية والسلسة التي قام المستعمرون بها قبل نشوء الحركة الصهيونية الممتدة من سنة 1887إلى سنة 1898؛ وهذه تعد من أهم المراحل التي حسمت الرأي عند الصهيونية مع بدايتها في التوجه نحو فلسطين لتكون الوطن القومي لليهود.

أما المرحلة الثانية: المرحلة العلنية والمخططة والمنظمة بعد نشوء الحركة الصهيونية سنة 1904 وحتى سنة 1916؛ وهي مرحلة توجيه اليهود في العالم بأن عليهم التحضر للهجرة إلى فلسطين التي ستكون وطنهم الحقيقي وهذه المرحلة التي بدأت بها الحركة الصهيونية اختبار العالم ومراقبة المواقف والتأثير عليها وبناء على ما تقدم من مواقف دولية آنذاك.

وتتمثل المرحلة الثالثة في مرحلة الدعم الخارجي “وعد بلفور” من قبل بريطانيا وتبني المشروع الصهيوني رسمياً وتمتد منذ سنة 1917وحتى سنة 1947؛ إن وعد بلفور الذي منحته بريطانيا لليهود مهد لتأسيس دولة قمعية واستعمارية في المنطقة، والهدف من إقامة تلك الدولة الصهيونية كان تفتيت الوطن العربي، وأن تلك الدولة الصهيونية الآن أصبحت عبئًا ومصدرًا للإرهاب. إن الدولة القومية لليهود التي تم تأسيسها أضحت أداة لقتل الفلسطينيين وتشريدهم واغتصاب أراضيهم، وما وعد بلفور في الحقيقة إلا كارثة على الشعب الفلسطيني. لقد ثبت الانتداب البريطاني الكيان الصهيوني في فلسطين من خلال أربع منهجيات رئيسية؛ انتزاع الأراضي الفلسطينية، ودعم وتشجيع الهجرة اليهودية، والتشجيع والدعم للمشروعات الاقتصادية اليهودية، وقمع الشعب الفلسطيني. ويعتبر وعد بلفور البذرة الأولى التي أنبتت الاحتلال الذي مازال يزعزع استقرار المنطقة برمتها.

وتتجسد المرحلة الرابعة بالمرحلة الاحتلالية الأولى لفلسطين “النكبة” وإقامة الدولة الصهيونية في سنة 1948وحتى سنة 1966.  والتي بدأت في قرار تقسيم فلسطين في 29تشرين الثاني/نوفمبر 1947 الذي قسم فلسطين إلى دولتين، فقرار التقسيم ساهم في تفكيك الوطن الفلسطيني، وأرسى قواعد جديدة لتقسيم فلسطين، والقرار أعطى اليهود حق إقامة كيان قومي لهم على أكثر من نصف مساحة فلسطين، وذلك على حساب سكانها الأصليين. حيث خلق الوعد قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين فقدوا بيوتهم وأرضهم، بل وهويتهم الوطنية، ليتحولوا بأكثريتهم إلى مجموعات وكتل بشرية من اللاجئين؛ والتي مازالت قائمة ومازالت بريطانيا والولايات المتحدة تستهدف القضية من خلال استهداف منظمة الأونروا لإغاثة وتشغيل اللاجئين ومن خلال الدعم المطلق لإسرائيل في استهداف المخيمات الفلسطينية من خلال القتل وتدمير البنى التحتية للمخيمات لأكثر من عشرين مرة لتخلق حياة طاردة وهجرة طوعية من المخيمات المدمرة في شمال الضفة والقطاع.

وتتجلى المرحلة الخامسة بالمرحلة الاحتلالية الثانية لفلسطين “النكسة” وأجزاء من الوطن العربي في سنة 1967. وفي هذه المرحلة تمكنت إسرائيل من إكمال احتلالها لفلسطين وأجزاء من الأراضي العربية (المصرية والسورية والأردن ولبنان)؛ وعلى ما يبدو التاريخ يعيد نفسه من خلال المحاولات الإسرائيلية في بناء إسرائيل الكبرى من خلال تعويل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على انتخاب دونالد ترامب رئيسًا لأمريكا الذي يدعمه في سياسته تجاه القضية الفلسطينية وبسط السيطرة الإسرائيلية على الأراضي العربية.

وتصنف المرحلة السادسة بالمرحلة الاستيطانية المسعورة “مرحلة ضم الضفة الغربية” وهذا ترافق مع توقيع اتفاقية أوسلو سنة 1993ومازالت مستمرة مرحلة التوسع الاستيطاني وتتصاعد من خلال السيطرة على الأرض والاعتداء على الشعب الفلسطيني في القتل والحرق والممارسات الوحشية؛ وهذا ما يفعله سموتريتش الذي يعمل ليلًا نهارًا على توسيع الاستيطان ومنع قيام دولة فلسطينية؟!. يذكر أنه قبل أوسلو كان في الضفة أقل من 150 ألف مستوطن اليوم هناك مليون مستوطن تقريبًا.

المرحلة السابعة وهي العملية الاحتلالية المتمثلة في الاعتداء على المسجد الأقصى وتغيير الواقع الجغرافي والديني والديمغرافي وشطب أماكن العبادة للمسلمين في القدس، من خلال تهويد القدس من خلال “مرحلة إقامة الهيكل المزعوم”. حيث أعلن وزير الأمن القومي إتيمار بن غفير مؤخرًا في 26آب/أغسطس 2024، عن إقامة كنيس يهودي في المسجد الأقصى؛ فيما سماه جبل الهيكل، وهو الاسم الذي يطلقه اليهود على المسجد الأقصى. ولا بد من التأكيد على أن، “وعد ترامب” الوعد الثاني الذي جاء بعد قرن على وعد بلفور، ولكن هذه المرة جاء الوعد من أمريكا الذي يمنح القدس لإسرائيل من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأمريكية للقدس. لقد تكرر مشهد بلفور “الذي أعطى من لا يملك لمن لا يستحق”.

وجدير بالذكر أن الكونجرس الأمريكي أصدر هذا القرار في سنة 1995، وعلى مدار 22 عامًا قام الرؤساء الأمريكيين بتأجيل تنفيذه بصورة روتينية كل ستة أشهر. وإسرائيل منذ احتلالها لكامل أرجاء المدينة سنة 1967 عكفت على تعزيز هيمنتها على القدس، ووصلت المحاولات أوجها في سنة 1980 بإصدار “قانون أساس: القدس عاصمة إسرائيل.

وتهدف المرحلة الثامنة إلى تحويل الضفة إلى الـ 1948 جديدة؛ حيث تكون المحافظات الفلسطينية ضمن جيوب في الدولة الإسرائيلية وهذه التجمعات السكانية وسكانها من الدرجة الثالثة حيث لا توسع ولا بناء ومضايقات كما يحصل مع الفلسطينيين في الداخل المحتل، حيث تؤدي هذه السياسية إلى الهجرة الطوعية بسبب ممارسات الاحتلال المغلفة بالقانون الإسرائيلي العنصري والذي سينطلق من عمق قانون يهودية الدولة.

ولعل القرار الإسرائيلي ليس الأخير في هذا الصدد والمتمثل في سحب ما تبقى للسلطة الفلسطينية من صلاحياتها في المنطقة المسمية B، وغيرها من القرارات بتوسيع الاستيطان، والهدم في نفس المنطقة والتي قد تطول الآلاف من الوحدات السكانية الفلسطينية وهذا يعني حصر التواجد الفلسطيني في منطقة A، حسب التصنيف الأوسلوي؛ والأنكى من ذلك أن السلطة الفلسطينية لم تتخذ أي موقف يذكر لسحب ما تبقى لها من صلاحيات سياسية وحتى إدارية في الضفة وتحديد مهمتها بتقديم بعض الخدمات التي تثقل كاهل الاحتلال الإسرائيلي وبالتحديد التعليم والصحة؛ ولم تقم السلطة بالتنصل من التنسيق الأمني كما تنصلت إسرائيل من جميع بنود أوسلو ومراحلها، وتمسكت قيادة السلطة على الرغم مما يحدث في قطاع غزة من حرب إبادة وتجويع وحرق الضفة الغربية بالتنسيق الأمني؛ وهنا يبرز السؤال دائم الحضور ماذا تنتظر السلطة الفلسطينية لتحقيق المصالحة الفلسطينية -الفلسطينية، وقطع العلاقة مع إسرائيل من خلال تطبيق قراري المجلسين الوطني والمركزي؟!.

فعملية تسليح المستوطنين من قبل بن غفير، حيث تم تسليح أكثر من 200ألف مستوطن في الضفة الغربية حتى كتابة هذه المقالة والتسليح مستمر في العلن وعلى مرمى من نظر العالم من أجل القتل والاعتداء على الفلسطينيين من حرق وسرقة وعربدة؛ تؤسس لمرحلة عودة المجازر التي قامت بها الحركة الصهيونية مع بدايات إقامتها في فلسطين قبل وبعد 1948؛ وهذا ما يؤكده التسجيل الصوتي المسرب لبتسلئيل سموتريتش الذي يشغل منصب وزير المالية ووزير الإدارة المدنية بوزارة الحرب، حيث يؤكد أن المستوطنين سينفذون مجازر في الضفة. وفي 29آب/أغسطس 2024، نشر المستوطنون منشورًا يدعوا لتهجير أهالي الضفة ويقولون فيه للشعب الفلسطيني “ابحثوا عن مكان آخر للعيش نحن نمنحكم فرصة الهروب إلى الأردن الآن”.

وأخيرًا المرحلة التاسعة مرحلة الإعلان عن إسرائيل الكبرى وهذه المرحلة هي جوهر إعلان الرئيس الأمريكي السابق، والمرشح للرئاسة ترامب، عن توسيع حدود دولة إسرائيل بكون خارطتها صغيرة جدًا على حد قوله؛ وحقيقة هذا ما نفذ منه جزء من خلال نقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة ومن ثم الاعتراف بالقدس أنها عاصمة دولة الاحتلال ولا يوجد عنده مانع بضم الضفة الغربية مستقبلًا ومنح الجولان السوري المحتل لإسرائيل وجزء من غور الأردن وسيناء المصرية.

بعد كل ما سبق يعود السؤال الرئيس إلى الواجهة هل سيقود ذلك إلى انتفاضة جديدة؟ باختصار كل مقومات الانتفاضة الثالثة أصبحت موجودة وقائمة وتدفع لتوجه منطقي بأن الانتفاضة الثالثة في الضفة أصبحت ضرورة لإعادة الاعتبار للوطنية والخلاص من الاحتلال؛ فعملية الإخلاص تتطلب من السلطة وقف التنسيق الأمني؛ فلا يعقل أن تقول جريدة هآرتس العبرية في 29آب/ أغسطس2024، “الجيش الإسرائيلي يقول إن التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية لم يتضرر نتيجة عملية الجيش الواسعة في شمال الضفة”.

استنادًا إلى ما سبق، مطلوب من السلطة الفلسطينية التنصل من جميع الاتفاقيات التي لم تلتزم إسرائيل بأي منها وحل السلطة ليتحمل الاحتلال المسؤولية عن احتلاله ولا يقبل أن يبقى الاحتلال بلا ثمن بل يتربح من خلال سرقة كل موارد فلسطين وسرقة أموال المقاصة، فهذا هو الاحتلال الأول في العالم الذي يربح ولا يخسر ولا يتحمل حتى ثمن الرصاص الذي يقتل به الشعب الفلسطيني.

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى