الشرق الأوسطعاجل

الصراع على السلطة في السودان : جذور الازمة بين الجيش والدعم السريع

اعداد الاستاذ التدريسي : أحمد عبد السلام هورامي  – الجامعة المستنصرية / كلية العلوم السياسية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

 يشهد السودان منذ أبريل من العام 2023 واحدة من أعقد الازمات السياسية والامنية في تأريخه الحديث ، حيث تفجر الصراع المفتوح بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان ، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو ( حميدتي ) . هذا الصراع لم يكن وليد اللحظة بل هو نتيجة تراكمات سياسية وعسكرية منذ عقود ، تفجرت بعد الثورة السودانية عام 2019 وسقوط نظام عمر البشير .

جذور الازمة :

    تعود جذور الازمة الى سياسة نظام البشير في الاعتماد على المليشيات الموازية للجيش لضمان بقائه في السلطة ، فخلال حرب دارفور في مطلع الفية القرن الواحد والعشرين ، تم تشكيل قوات ( الجنجويد ) التي تحولت لاحقا الى قوات الدعم السريع ومنحوا في عهد البشير صلاحيات واسعة وإمتيازات مالية واقتصادية . وفي العام 2013 تم تحويل مليشيات الجنجويد الى قوة نظامية موازية بقرار من عمر البشير الرئيس السوداني آنذاك تحت مسمى ” قوات الدعم السريع ” ومنحت سلطات استثنائية. حيث كانت هذه القوات بمثابة ذراع عسكري موازي لحماية نظام البشير وحصلت على إستقلالية مالية عبر السيطرة على مناجم الذهب في السودان .

بعد سقوط البشير ، اصبح الدعم السريع لاعبا سياسيا وعسكريا مؤثرا وشارك في الحكم الانتقالي الى جانب الجيش والقوى المدنية ، كما ان حمديتي لعب دورا غامضا في الثورة بالمساعدة في إسقاط البشير ومن ثم المشاركة في قمع إعتصام القوى المدنية بعد الثورة في العام 2019 فيما عرف بإعتصام ( القيادة العامة ) مما اكسبه نفوذا ولكنه اكتسب عداء القوى المدنية في السودان ،  و سرعان مابدأت الخلافات تظهر بين البرهان وحميدتي حول تقاسم السلطة ومسألة دمج قوات الدعم السريع في صفوف القوات المسلحة . ومن ثم بدأ الخلاف في موضوع إعادة هيكلة الجيش بعد سقوط نظام البشير وكان الخلاف الابرز حول مدة وآلية دمج قوات الدعم السريع داخل القوات المسلحة ، حيث رفض حمديتي الانصهار السريع خشية فقدان نفوذه الواسع. لقد كان من جوهر الخلاف الذي انفجر في العام 2022 هو الاتفاق الإطاري بين القوات المسلحة والدعم السريع الذي تضمن دمج هذه القوات في صفوف الجيش في مدة اقصاها عامين فقط ، فيما رفض حمديتي بنود هذا الاتفاق بحجة ان العملية في دمج قوات الدعم السريع بالجيش تحتاج مدة تصل الى 10 سنوات .

وكان كلا الطرفين الوقات المسلحة والدعم السريع يسعيان للسيطرة على المرحلة الانتقالية مع محاولات حمديتي لتقديم نفسه كحامي للثورة فيما تمسك البرهان بصفته القائد العام للجيش والقوات المسلحة . كما ان الصراع على المصالح الاقتصادية كان حاضرا بقوة في المشهد السياسي السوداني ، اذ يسيطر الدعم السريع على قطاعات حيوية في الدولة مثل مناجم الذهب وشبكات التجارة مما زاد ممن حدة التنافس مع الجيش .

ان الصراع في السودان لم يقف على صراع حول النفوذ والمصالح فقط بل تعداها الى ان الصراع لم يكن داخل الحدود السودانية فقط بل كانت هناك تدخلات إقليمية ودولية ، حيث اتهمت تقارير مخابراتية غربية ان دولة الامارت العربية المتحدة وقفت الى جانب قوات الدعم السريع لإسباب إقتصادية و أمنية كما انها امدته بالسلاح والذخيرة وتصدير قوات مرتزقة من دول اخرى حسب التقارير . كما ان جمهورية مصر ساندت قوات الجيش السوداني بشكل علني بإعتباره المؤسسة الرسمية العسكرية في الدولة ، فيما حاولت القوى الغربية الى دفع الاطراف المتصارعة نحو وقف إطلاق النار لكن دون نجاح ملموس . ان التداخل الاقتصادي والسياسي في السوادن له اثره الكبير في الخلاف والحرب الحاصلة هناك ، اذ يسيطر الجيش على قطاعات اقتصادية واسعة وضخمة مثل القطاعات الزراعية والعقارات والبنية التحتية ، فيما يسيطر الدعم السريع على مانجم الذهب وشبكات التجارة الممتدة من ليبيا والامارات وحتى تشاد . حيث تمثل تلك الموارد عصب الاقتصاد السوداني ومن يسيطر عليها تكون له الغلبة في الصراع الدائر .

لقد سبب الصراع الدائر في السودان ازمة انسانية كبيرة حيث هناك اكثر من 10 ملايين نازح داخل وخارج السودان مع إنهيار شبه تام في الخدمات التعليمية والصحية والخدمية و وجود مجاعة باتت تهدد ملايين المواطنين مع تراجع المساعدات الدولية كما ان الحرب شهدت انتهاكات جسيمة من كلا الطرفين من القتل على الهوية و تجنيد الاطفال وحالات الاغتصاب الجماعي والاعدامات بدون محاكمات . كمان جولات الواسطات قد فشلت حتى الوقت الحالي في فرض هدنة دائمة ووقف لإطلاق النار ، وقد اصبحت السودان مهددة بإنقسام الى كيانات متناحرة بسبب إصرار كل طرف على تحقيق نصر عسكري على حساب الاخر .

السيناريوهات المحتملة

  • إستمرار الحرب حتى إنهاك احد الاطراف او تدخل إقليمي مباشر .
  • تسوية سياسية عبر وساطة إقليمة او دولية قوية تفضي الى ترتيب تقاسم السلطة ولو بشكل مؤقت .
  • تفكك الدولة وإنهيارها الى مناطق نفوذ عسكرية متناحرة وهو السيناريو الاخطر والارجح في الوقت الحالي .
  • قد يتنهي الصراع بتقاسم النفوذ الى مناطق نفوذ تابعة لقوات الجيش السوداني في الشمال والشرق من البلاد ، وفي مناطق الغرب الى الجنوب و منطقة دارفور لقوات الدعم السريع .

خاتمة

     ان الازمة السودانية ليست مجرد نزاع بين قائدين يمثلان مؤسستين عسكريتين مختلفتين بل هي إنعكاس لفشل تأريخي في بناء دولة مؤسسات ، كذلك فقد اصبحت العوامل الداخلية تتضارب مع المصالح الاقليمية والدولية ، وان إستمرار الحرب يعني تفكك الدولة مع مزيد من المآسي الانسانية وإنعدام الثقة بين المكونات المختلفة .

ورغم قتامة المشهد في السودان ، غير ان البلد يظل يمتلك مقومات النهوض من موقع استراتيجي حيوي وموارد طبيعية هائلة وثروة بشرية شابة يمكن ان تكون سببا في التغيير كما كانت سابقا عندما تم الاطاحة بنظام البشير ، ان عملية السلام في السودان لن تكون مجرد إتفاق على ورق بل ستكون عملية طويلة تتطلب مصالحة مجتمعية و مؤسسية حقيقية ، كما ان دور المجتمع الدولي سوف يكون حاسما في تقديم الدعم الانساني العاجل والدفع نحو خيارات السلام والمصالحة .

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطي العربي

مؤسسة بحثية مستقلة تعمل فى إطار البحث العلمي الأكاديمي، وتعنى بنشر البحوث والدراسات في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم التطبيقية، وذلك من خلال منافذ رصينة كالمجلات المحكمة والمؤتمرات العلمية ومشاريع الكتب الجماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى