مقاربات الأداء الأميركي في مواجهة داعش في العراق “بين تجليات المطالب وافاق المشاهد”
اعداد : د. سيف نصرت الهرمزي – مقرر قسم الدراسات الدولية\كلية العلوم السياسية- جامعة تكريت
- المركز الديمقراطي العربي
المقدمة :
عند البحث في تجليات الحرب على الإرهاب فان الوهلة الأولى لانطلاقها من قبل الولايات المتحدة الأميركية كانت بع احداث 11 أيلول 2001 وتعرض امنها القومي الداخلي للخطر الامر الذي هز هيبتها الدولية كقطب احادي في التراتبية الدولية .
وكانت احداث تدمير برجي التجارة العالمية والتعرض للبنتاغون الدافع لتهديد كافة الخصوم والبحث عن الية لمكافحة الإرهاب ذو التوجهات الدولية، ووجهت الاتهامات الى العراق وأفغانستان بعدهم دولاً راعية للإرهاب. فقررت الإدارة الأميركية التي يتربعها المحافظين الجدد دعاة الحرب احتلال العراق وأفغانستان وقد تم ذلك في عامي 2002-2003، وما يهمنا العراق موضوع بحثنا.
العراق قبل 2003 كان بعد من الدول المارقة في قائمة الدول الأكثر تهديداً على امن الولايات المتحدة الأميركية ومصالحها المنتشرة في المنطقة لاسيما بعد احتلال الكويت وضرب إسرائيل بصواريخ سكود الامر الذي عجل من وضع دوافع معلنة للحرب على العراق وهي ان العراق يدعم تنظيم القاعدة ويحاول مساعدتهم بأسلحة بيولوجية لتنفيذ هجمات ضد مصالحها فضلاً عن أسباب أخرى لسنا بصدد الخوض في تفاصيلها .
اولاً: الأداء الاستراتيجي في محاربة الإرهاب في عهد “بوش الابن”
فكان الأداء الاستراتيجي الأميركي لمكافحة الإرهاب هو الالية الخشنة –العسكرية عبر التدخل المباشر، ولكن قطف ثمار هذه الاستراتيجية لم تأتي اكلها لان (السحر قد انقلب على الساحر ) واصبح العراق ساحة كبيرة لجماعات مختلفة في الانتماء والتوجهات تدعمها اجندات داخلية وإقليمية لتقويض المشروع الأميركي وتحديداً في العراق، وتراكمت الخسائر الأميركية البشرية التي تعدت ال 6000 جندي واكثر من 30 الف جريح اما على المستوى المادي فقدرت تكلفة الحرب بأكثر من 3 ترليون دولار، اما النتائج فقد اصبح العراق من بلد خالي من الإرهاب الى بلد مصدر للإرهاب ما بعد خروج القوات الأميركية في نهاية عام 2011 ،( ) لان (الطعم-الحلوى) المتمثلة بالمشروع الأميركي الذي صرح بانه مشروع ديني وان احد الأهداف الرئيسة التي اعلنها “بوش الابن وتراجع عنها فيما بعد (بانها حرب صليبية ضد الإسلام) كانت الخطوة الأولى لجذب الفكر الجهادي والراديكالي والسلفي في العراق وتعزيزه في أفغانستان .
وبعد ان تراجع هيبة الولايات المتحدة الأميركية والقيم التي تنادي بها فضلاً عن اكتشاف زيف الادعاءات والدوافع المعلنة لاحتلال العراق ، فانه تبين بعد امتلاك العراق لأي أسلحة دمار شامل ولم يكن هناك ارتباط ما بين نظام “صدام حسين” والقاعدة بعد السيطرة على ملفات المخابرات العراقية الى جانب اختلاف العقيدة والمبادئ التي ينطلق منها الطرفين فالقاعدة يكفر حزب البعث ونظامه كما يكفر جميع الأنظمة التي لا تحكم بما انزل الله . وبعيداً عن هذه المنطلقات فان الفرادة القريبة من التاريخ تخبرنا بما الت اليه الحرب على الإرهاب وانقلاب (السحر على الساحر) ان صح التعبير ، فاصبح العراق وتبعته سوريا ودول أخرى من دولة خالية من الإرهاب نسبياً الى دولة مصدرة للإرهاب .
وبعد كل الانتقادات التي وجهت الى الاستراتيجية الشاملة للمحافظين الجدد في إدارة “بوش الابن” فان كل الارتدادات السلبية على اميركا والمنطقة فإنها كانت من الدوافع المبلورة للبحث عن أداء جديد يعيد بريق القيم الأميركية التي تقوم على الديمقراطية واحترام حقوق الانسان واستعادة هيبة الولايات المتحدة الأميركية بعد عمليات المقاومة وغيرها التي استنزفتها بشكل أدى الى فقدان الراي العام الداخلي الأميركي وجماعات الضغط وبعض اللوبيات التي تعد الساند للاستراتيجيات والسياسات الخارجية.
ثانياً : الأداء الاستراتيجي في محاربة الإرهاب في عهد “أوباما ” :
جاء الديمقراطيين في ظل إدارة “أوباما” للتعبير عن هذا التجديد وقد دعمهم بذلك مراكز وخزانات الفكر الأميركي لانتشال بلدهم من هذا المستنقع وجاءت الفكرة الرئيسة بالاستعانة بالقوة الناعمة لتعضيد القوة الخشنة العسكرية والصلبة الاقتصادية في محاربة الإرهاب وصولاً الى القوة الذكية التي تعد تعبير عن منسجم كلي لجميع مركبات القوة المادية وغير المادية( ) ، فمن اعلان “بوش الابن” بانها حرب صليبة على الإسلام الى اعلان “أوباما” بالحرب على الإرهاب بالتعاون مع الإسلام ضد التطرف ، وبالتالي عزل والتفريق ما بين المعتدل والمتطرف ، واستخدام وجذب المعتدل لمحاربة المتطرف ، بمعنى تقديم الدعم للإسلام المعتدل كما تسميه حكومات وجماعات دون التدخل بصورة مباشرة وهي افضل وسيلة ناجعة لأميركا فإنها لم تخسر جندي في هذه المعركة بل دعمت ذلك بالجندي الالكتروني المتمثل بتقوية وسائل التواصل الاجتماعي في تغذية الشعوب بالأفكار التراكمية وخلق فجوة كبيرة مجتمعية لتحقيق ماربها.
وبالفعل قد نجحت الولايات المتحدة الأميركية في بادئ الامر في تكوين ودعم الجماعات والعشائر السنية لمحاربة القاعدة والتنظيمات التي لا تؤمن بالعمل السياسي عبر قنوات الحكومة العراقية ، ولا نعدو الحقيقة بالقول بان مفكرو ومروجو السياسة الأميركية تنبهوا الى امر مهم قد اصابوا في كثير من ماربه بان وجودهم على الأرض في العراق يزيد من شرعية الجماعات الراديكالية ذات التوجهات العالمية ، لذا اضطلعت الولايات المتحدة الأميركية الى الانسحاب من العراق في نهاية عام 2011.
على الرغم من توسع الإرهاب في العراق بعد الاحتلال الأميركي الا انه قد تم تحجيمه بشكل كبير، ولكن غفلت الولايات المتحدة الأميركية الصراع السياسي الذي أدى الى انهيار المنظومة الأمنية ، او قد يكون اناه غضت الطرف عن ما يحصل بانتظار مرحلة جديدة لتنفيذ مخطط الفوضى الخلاقة الناعمة بعد الخشنة لإعادة تشكيل العراق وفق كانتونات طائفية وقومية وحتى عرقية وكذلك المنطقة ، وذلك من خلال (لببنة المنطقة بدلا من بلقنتها) ، فيما بعد ويمكن الوقوف بشكل متواضع على اهم نقاط التي أدت الى توسع الإرهاب واخفاق الأداء الاستراتيجي الأميركي في تقويض نفوذ الإرهاب في العراق والمنطقة ككل .
ثالثاً : أسباب تمدد العنف والعنف المضاد في العراق:
1- ان من بين اهم المشاكل التي ادت الى تفاقم الوضع الامني في العراق والتي ادت الى هذه الفوضى، حل الجيش العراقي والاجهزة الأمنية بعد احتلال العراق عام 2033 من قبل الحاكم الاميركي “بول برايمر” . اذ تسرب معظمهم بدون عمل مما خلق فجوة كبيرة وعزز من انتقالهم الى الجماعات المسلحة بمختلف فصائلها . وعزز من الفجوة ما بين شريحة كبيرة من الشعب والحكومة .
2- الانسحاب الاميركي الكامل من العراق والذي عارضه الجمهوريين ، اذ كان من الممكن الابقاء على قوات وقواعد اميركية كغيرها في المنطقة لتامين والحفاظ على بعض ثمار الاحتلال ، لاسيما وان هناك سياسات اقليمية تعمل ضد المشروع الاميركي وفي مقدمتها ايران وسوريا.( )
3- تسيس قانون اجتثاث البعث، هذا القانون جاء كسلاح دستوري استخدمه “المالكي” في اقصاء الخصوم والتهديد والتلويح به ضد من يعارضه ، والحقيقية انه هناك الكثير من القيادات البعثية موجودة في مراكز متقدمة وامنية في الحكومة العراقية.
4- الاعتقالات العشوائية من قبل قوات الاحتلال الاميركي ثم من قبل الأجهزة الأمنية وفق المادة (4) إرهاب ، كانت من اهم الأسباب لتوسع فكر(تنظيم الدولة الإسلامية )، لأسباب كثيرة منها ان معظم المعتقلين اعتقلوا بوشاية المخبر السري، وكثير ما تحدث الاعتقالات بجريرة الغير، وان الأشخاص الذين يعتقلون لسنوات طويلة يكونوا على استعداد لتقبل الفكر الذي ينصرهم ويدافع عنهم مهما كان نوعه وفعله بمرور الزمن، مما جعل من السجون والمعتقلات الرحم الذي تولد منه أفكار (القاعدة او ما يعرف اليوم تنظيم الدولة الإسلامية ) ، كما لا يفوتني ان اذكر ان هناك الكثير من الممارسات غير الإنسانية والالفاظ الطائفية والتعذيب من قبل بعض منتسبي في هذه السجون والمعتقلات أدت الى تعضيد هذا الفكر وتوسعه.
5- بعد نجاح الصحوات في تقويض القاعدة في المناطق السنية التي تعد الحاضنة لها ، قامت الحكومة العراقية بهيكلة الصحوات بصورة مختلفة منها وفق إجراءات حكومية وأخرى عن طريق اتهامهم بالإرهاب ، لان معظم هؤلاء كانوا ينتمون لجماعات مسلحة قارعة الاحتلال الأميركي آنذاك. هذا الاستبعاد أدى الى خلل وضعف في مواجهة (تنظيم الدولة الإسلامية) لانهم من نفس البيئة التي يعيشون فيها.
6- بعد خروج اخر جندي اميركي من العراق بعد 31\12\2011 بدا رئيس مجلس الوزراء العراقي والقائد العام للقوات المسلحة “نوري المالكي” بمحاربة خصومه وتصفيتهم وبالتحديد ما يعرف بـ(سياسيو السنة) والمناوئين له من (الشيعة) تارة اتهامهم بالإرهاب او الفساد وتارة اخرى بالاستبعاد .. منهم (طارق الهاشمي نائب رئس الجمهورية ، ورافع العيساوي وزير المالية واخرهم النائب في البرلمان العراق “احمد العلواني “. مما اثار حفيظة (المناطق السنية) وكانت الشرارة الاولى لانطلاق التظاهرات.
7- لم يتعامل “نوري المالكي” مع التظاهرات بالأساليب السياسية والحلول الدبلوماسية ، ولم يستجيب للمطالب ، بل بالعكس واجهها بالاتهام بالإرهاب والعمالة للخارج والاجندات الاقليمية ، بل وتمادى الامر الى استخدام القوة العسكرية كما في الفلوجة والحويجة والموصل. وهذا ما جعل من تنظيم داعش من استغلال الفرصة للتغلغل الى صفوف التظاهرات لتصب بالتالي لصالحه.( )
8- بعد سيطرت (تنظيم الدولة الإسلامية) على اجزاء واسعة من العراق -رغم ان بعض وسائل الاعلام تقول انهم (ثوار عشائر) – الا ان الحقيقية التي لمسناها على ارض الحدث، انهم اذا وجدوا على الأرض فانهم لا يشكلون سوى 10الى 15% في احسن الحالات، وليس هذا ما يعنيننا، وانما المهم الحلول العراقية في ظل ولاية المالكي التي قامت بنشر المليشيات والحشد الشعبي تحت ذريعة الجيش الرديف .. هذا الامر خلق عنف متزايد … مما صعب من الحصول على النتائج .. فان العنف الذي تستخدمه (الدولة الإسلامية) ضد الطائفة (الشيعية) ، يقابله عنف مضاد للطائفة (السنية)، فالقوات من الجيش المتبقي عندما تتقدم الى اي منطقة يسيطر عليها التنظيم مدعوم بالمليشيات يقوم بحرق البيوت وقتل الرجال تحت دواعي طائفية كما تقتل (الدولة الاسلامية) على اسس طائفية، وهذه دوامة لا تنتهي العنف والعنف المضاد، كما ان الفعل يترك اثراً اكثر من الفعل نفسه.
المحصلة من كل هذه النقاط ان (العرب السنة) هم الحلقة الاضعف في هذا الميدان، فهم بين اكثر من مطرقة والسندان، فمطرقة (تنظيم الدولة الإسلامية)، ومطرقة المليشيات، ومطرقة الاجهزة الامنية الحكومية، وسندان (سياسيو السنة) المتواجدين في الحكومة الذين لا يستطيعون حماية انفسهم، بل ان الكثير منهم يتاجر بقضاياهم لمصالحه الشخصية.. فكيف لهم ان يقدموا الحماية لمن صوت لهم.
ثالثاً : طبيعة التحرك الاميركي ضد الارهاب بعد اعلان الخلافة 14\6\2014:
كل هذه المتغيرات التي عصفت بالمنطقة واخرها العراق.. جعلت من الولايات المتحدة الاميركية تخرج عن صمتها وعن صفة الحرب عن بعد الى التدخل المباشر حتى في الحياة السياسية العراقية. ويمكن اجمال التحرك الاميركي بعد احداث العراق بالاتي:
- 1- صرح الرئيس “اوباما” ان التدخل في كردستان سيكون محدود عبر الضربات الجوية لحماية رعايانا. توسعت العمليات الأميركية الى خارج الإقليم بعد الاطمئنان من سياسة العبادي المعتدلة التي حصلت على تأييد محلي واقليمي ودولي.
- 2- اكد الرئيس “أوباما” ان الطلعات الجوية لن تتجاوز حدود اقليم كردستان. الا اذا تم تشكيل حكومة يكون (للمكون السني) تمثيل حقيقي . وقد حصل ذلك بالفعل بعد تشكيل الحكومة برئاسة العبادي.( )
- 3- اعطى الرئيس “اوباما” رسالة الى “حيدر العبادي” عبر اتصال مباشر، تؤكد على انه من الممكن التدخل في دعم الجيش العراقي، في حال استنساخه للتجربة الكردية في التعامل مع الأقليات والطوائف.
- 4- هدد الرئيس الاميركي “اوباما” بان على العراقيين-يقصد السياسيين- تشكيل حكومة تستطيع ان تخرجهم من هذا المستنقع والا (فالذئب على الباب). وهو ما دفع الجميع من مختلف المتنفذين في تحريك مجريات الساسة العراقية الى القبول بالحكومة وشروطها .
ومن الولايات المتحدة الاميركية لتحقيق الاستقرار وارضاء جميع المكونات. اما الجزرة التي هي الشق الثاني من القوة الذكية الأميركية تمثلت بالدعم العسكري عبر الضربات الجوية التي يمكن ان تقدمها لتوقف زحف –(تنظيم الدولة الإسلامية) وتضييق الخناق عليهم ، بل انه اكد انه مستعد لوضع خطة طويلة المدى لمكافحة الارهاب تبدأ من سوريا والعراق ، ولا يخفى على احد ان المقصود بالذئب (تنظيم الدول الاسلامية)، وهو يعطي صورتين: الأولى: لا اتفق معها لأنها لا تخرج عن دائرة نظرية المؤامرة ، التي تفسر بان هذا التنظيم هو صناعة أميركية تستخدمه متى ما تشاء ، وما يؤكد وجهة نظري برفض هذا التصور، ان هذا التنظيم يستهدف الجميع ولا يستثني احد تحت طائلة (من ليس معي فهو ضدي)، وحتى الجماعات السنية الأخرى، لاسيما بعد اعلانهم الخلافة واجبار الجماعات الأخرى على مبايعتهم او الحرب، كما ان الولايات المتحدة تتعرض مصالحها ورعاياها بين الفينة والأخرى للخطر، وكان اخرها قتل الصحفي الاميركي في نهاية شهر اب من عام 2014، والتهديد بقتل اخر اذا لم تتوقف من دعم الكرد عسكرياً، اما الصورة الثانية: وهي التي اميل اليها ان إدارة “أوباما” وفق رؤيتها منذ اول يوم من تسلم إدارة الحكم اكدت على سحب الجنود الأمريكان من العراق وأفغانستان ، بسبب الإخفاق العسكري في تحقيق مكاسبه لا بل انعكاساته السلبية في مختلف الصعد والذي اثر على الهيمنة الأميركية على النظام الدولي ، ومن هذه المنطلقات اكدت الإدارة الأميركية بعدم التدخل عسكرياً ضد أي توتر وان إدارة التغيير ستكون عبر القوة الناعمة وعن بعد ومن خلال الحلفاء الدوليين والإقليميين وهذا ما كان واضحاً في أدائه الاستراتيجي في الدورتين،( ) هذا الأداء الاستراتيجي بشكله الكلي ، أتاح وأعطى الفرصة للخصوم الدوليين والاقليمين وبالوقت نفسه عزز من قوة الفواعل من غير الدول منهم –تنظم الدولة الإسلامية – وغيرها الى التوسع والتمدد والتدخل، وهذا الفراغ ملئته تلك القوى التي تريد تقويض النفوذ الأميركي وتحقيق مكاسبها. انعكس في جوانب على هيبة الولايات المتحدة الأميركية، لا سيما في التأخر في استخدام القوة العسكرية او القيام بحظر جوي على المناطق التي يسيطر عليها القوى المعتدلة من المعارضة السورية منذ ان تحولت الثورة الى اشبه بالحرب الاهلية .هذه النقطة سأنطلق في تفسير وتحليل ما تحمله من معاني،(فالذئب)هي العصا التي استخدمها الرئيس الاميركي لتهديد من يتسلم الحكومة الجديدة في العراق بان يلتزم بما يتوافق وتطلعاتها.
والحقيقة ان المتتبع للأحداث في العراق وتواصل زحف تنظيم الدولة “داعش” يجد ان هناك تهاون اميركي اسبابه معروفة / اعلنها في اكثر من مناسبة الرئيس الاميركي “باراك اوباما ” بالقول بان هناك مطالب اذا لم تلتزم به الحكومة العراقية فأننا دعمنا سيبقى محدوداً عن الخطوط الحمر التي تهدد الامن ككل وهذه المطالب هي :
أ- إقرار قانون الحرس الوطني او الحرس الوطني السني وهو اشبه ما يكون بقوات البيشمركة، بمعنى ان يكون لكل محافظة قوة من أبنائها لتلافي المسائل الطائفية من جهة واستكمال لمسالة الكونفدرالية، وهو امر تتخوف منه الحكومة العراقية وترفضه ايران .
ب-إقرار قانون الأقاليم، هذا القانون موجود في الدستور العراقي لكنه تم رفضه، ويعتبر هذا القرار امتدادً لطرح نائب الرئيس الأميركي “جو بايدن” في حزيران 2013، مشروع يقضي بتقسيم العراق على شكل ثلاثة اقاليم (شيعي وسني وكردي)، وبحسب تسريبات من اشخاص يعملون مع الاستخبارات الأميركية ، فان المناطق سيكون تقسيمها كالاتي: إقليم السرايا (إقليم الأقليات في سهل نينوى) والاقليم الأحمر (الموصل) واقليم الانبار، وإقليم صلاح الدين يقتطع منه سامراء وبلد والدجيل، وإقليم كركوك العربية –يشمل الحويجة والرياض والرشاد، وكركوك الكردية تخضع تحت سيطرة إقليم كردستان ويُضم اليها طوزخورماتو ولكن يكون ادارتها بتنسيق مع القوى التركمانية.
ج- وقف دعم المليشيات الشيعية – الحشد الشعبي ورفض تواجد قاسم سليماني قائد فيلق القدس الايراني على الارض الذي يعد القائد الفعلي للـ (40) مليشيا المتواجدة على ارض المعركة، والبعض منها كانت تقاوم الوجود الاميركي ولها ارتباطات بإيران كعصائب اهل الحق وكتائب حزب الله العراق وجماعة الخرساني، والطلب الاميركي هو تحويل هذا الدعم الى القوات العراقية والعشائر السنية.( )
وبعد رفض الحكومة العراقية والتماطل في اقرار وتطبيق وتنفيذ هذين القانونين فان الولايات المتحدة الاميركية وبعد استنفاذ كل الوسائل صادقت لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الأمريكي على مشروع قانون للدفاع يخول بصرف 715 مليون دولار كمساعدات للقوات العراقية يتضمن حجب 75 من المساعدات عن بغداد ومنح أغلبها للكرد والسنة مباشرة، في حال عدم تطبيق الشمولية السياسية وإقرار الحرس الوطني وقانون الاقاليم ووقف الدعم للمليشيات الشيعية.( )
الخاتمة:
المشاهد المستقبلية على المدى القريب والمتوسط تشير الى ان الأداء الاستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية ستبقى تعتمد على (تكنيك التأخير) في القضاء على تنظيم الدولة (داعش)، وبخلافه فان كل ما تأكده الاستراتيجية الأميركية في العراق اضعاف (داعش) الى حد معين حتى يراعى فيها المطالب، وان التغيير الكبير اذا ما تم التزام حكومة العبادي بالنقطتين الرئيستين الانفة الذكر سيكون بشكل واضحاً الالتزام الأميركي وبصورة اكبر ، وسكون التدخل اكثر فاعلية في منع تقدم داعش واستهداف واستمكان كل تحركاته عبر استهداف تجمعاته، وبالتالي فان من يقول بصعوبة القضاء على (داعش) فان يتوهم لأنها وكما اسلفنا تخلصت من هؤلاء المجموعات التي كانت تنتشر في اوروبا و أمريكا لتلقي بهم في مساحات مكشوفة مثل العراق و سوريا وليس في بيئة و تضاريس يستحيل ويصعب القتال فيها مثل باكستان و أفغانستان و اليمن. ولا يخفى ان جميع الحروب الأميركية التي خاضتها تزيد من دعم شركات السلاح احد اللوبيات المهمة في صناعة القرار الأميركي، فضلاً عن دورها في دعم الاقتصاد الأميركي، وان جميع تكاليف الحرب على داعش مدفوعة الثمن ومن اغنى الدول النفطية العراق ودول الخليج العربي رغم رصد الولايات المتحدة الأميركية (4) مليارات دولار لمحاربة الإرهاب في الشرق الأوسط وتحديداً في العراق وسوريا .
ويكفي القول إن شركات صناعة الأسلحة الأمريكية حققت ارتفاعاً في أسهمها منذ إعلان التحالف الدولي ضد “داعش”، فشركة “لوكهيد مارتن” حققت ارتفاعاً قدره (9.3%) بعد ثلاثة أشهر فقط من إنشاء التحالف، وكذلك شركة “ريثيون” التي حققت ارتفاعاً بنسبة (3.8%)، وشركة “جنرال ديناميك” التي حققت ارتفاعاً بنسبة (4.3%).( )
ختاماً فان اميركا بكل اداوتها ما زالت تمسك بالعصا من الوسط فهي تعمل على مبدأ توازن العنف او الرعب في المنطقة ليكون
الجميع ينظرون اليها بمنظر المنقذ في محاربة الإرهاب الذي بذرته في المنطقة، وان تجفيف منابع التنظيم المادية والفكرية سيكون بالمخرجات الانفة الذكر، وبقناعتي الخاصة ووفق استقراء لجميع الاحداث في هذا الشأن ستكون جميع الأراضي خطوط حمر على التنظيم وان مقتل أبو بكر البغدادي سيكون ما قبل الانتخابات الأميركية نهاية 2016 ليكون النصر الذي حققه الاميركان بصورة عامة والديمقراطيين في إدارة “أوباما” بصورة خاصة لانهم على علم بأماكن تواجده فهناك العشرات من ال CIA في صفوف التنظيم، هذه الرؤية توصلنا الى قناعة بعيدة عن نظرية المؤامرة اننا نعيش خارج القرن وفق رقعة الشطرنج ثلاثية الابعاد وبلاعب واحد تنافسه دول أخرى تسعى للحصول على جزء من الفريسة او الحفاظ على المكاسب.
لقد نشرت هذه الورقة البحثية 30.05.2015 المركز الديمقراطي العربي