مفتاح الأبواب المغلقة لفهم الأمن وإستراتيجيته
إعداد الباحث / سيد العزازي – المركز الديمقراطي العربي
المقدمة:
إن الأمن في إطاره اللغوي هو نقيض الخوف، حيث يقال: أَمِنَ بمعنى سَلِمَ، وأَمِنَ البلد يعني اطمأن به أهله، يقول سبحانه وتعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) (سورة النمل: الآية 89). ولقد كان الأمن هو هاجس الإنسان منذ فجر التاريخ، بل إن علماء النفس يعتبرونه ضرورة من ضرورات الحياة ومتطلباتها، شأنه شأن الطعام والشراب وغير ذلك من الاحتياجات الأساسية. وبتقدم الحضارة، أصبح أمن المجتمع والدولة هو أساس أمن المواطن. وتقدم الأمن الجماعي (أمن القومي ) على الأمن الذاتي (أمن الفرد). وبتعدد احتياجات المواطن ومطالبه، وشعوره بالقهر عند حرمانه منها، ظهرت أهمية تأمين الدولة لتلك المطالب والاحتياجات، لينعم المجتمع بالأمن في الوطن. ويكمل مصطلح «الأمن»، مصطلح «الوطني»، وهي صفة للأمن، حتى يتحدد بالشكل المطلوب التطرق إليه. وبذلك، يكون مفهوم «الأمن الوطني» لغوياً: سلامة المكان، أي إنه المكان الذي يستقر فيه جمع من الناس، في سلام من دون خوف. وبهذا الفكر البسيط، يصبح مفهوم الأمن الوطني هو: «كل ما يبعد الأخطار عن مكان العيش وسبله». ويصبح تحديد هذه الأخطار وما يتأثر بها، هو المعضلة التي يجب البحث والدراسة فيها، لتحقيق السّلامة والأمن.
ثمة عوامل وأبعاد عدة تؤثر في الأمن وإستراتيجيه ، وأهمها البعد الاقتصادي، حيث العلاقة قوية بين الاقتصاد والأمن ، ويتضح هذا من اتجاه تعريف بعض المفكرين والأدباء وربط التنمية بالأمن، ومدى أهمية تأثير التنمية وحفاظها على الأمن، وأيضاً من كون قوة الاقتصاد الوطني أحد الثوابت لدعم للأمن واستقراره في الدولة. وتتمثل العلاقة غير المباشرة بين الاقتصاد والأمن القومي في تأثير البعد الاقتصادي على باقي أبعاد الأمن القومي، الأمر الذي يؤثر بدوره في الأمن الوطني للدول. فعلى سبيل المثال يتأثر البعد العسكري بمدى قوة الاقتصاد الوطني، الذي يؤثر بدوره في حجم الإنفاق على هذا القطاع في أي دولة. وإذا نظرنا إلى البعد السياسي فإن الاقتصاد عامل مهم في الحفاظ على النظام السياسي، كما أن الرفاهية والازدهار الاقتصادي من عوامل ثبات الدولة واستقرارها، إضافة إلى أن السياسة الخارجية للدولة ودورها الخارجي يقومان بشكل كبير على اقتصادها. وأما عن علاقة الاقتصاد بالبعد الاجتماعي فإن التعليم وجودته مرتبطان بالعنصر الاقتصادي، وهما من عناصر البعد الاجتماعي التي تؤثر في الأمن الوطني بشكل غير مباشر. وبالطبع هناك أيضاً تأثير البعد الاقتصادي في باقي الأبعاد الأخرى مثل البعد الثقافي، والجغرافي، والديموغرافي.
أهمية البحث:
تأتي أهمية البحث من مدي الفهم الصحيح لمعنى وقيمة الأمن القومي والتخطيط الاستراتيجي . فالأمن يعني “القدرة التي تتمكن بها الدولة من تأمين انطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية، الاقتصادية والعسكرية، في شتَّي المجالات في مواجهة المصادر التي تتهدَّدُها في الداخل والخارج، في السلم وفي الحرب، مع استمرار الانطلاق المؤمَّن لتلك القوى في الحاضر والمستقبل تخطيطاً للأهداف المخططة”.
من هنا فإن شمولية المعنى للأمن تعني أن له أبعادًا متعددة..أولها: البُعْد السياسي.. ويتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة.ثانيًا: البُعْد الاقتصادي.. الذي يرمي إلى توفير المناخ المناسب للوفاء باحتياجات الشعب وتوفير سبل التقدم والرفاهية له.ثالثًا: البُعد الاجتماعي.. الذي يرمي إلى توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذي يزيد من تنمية الشعور بالانتماء والولاء.رابعًا: البُعْد المعنوي أو الأيديولوجي.. الذي يؤمِّن الفكر والمعتقدات ويحافظ على العادات والتقاليد والقيم.خامسًا: البُعْد البيئي.. الذي يوفِّر التأمين ضد أخطار البيئة خاصة التخلص من النفايات ومسببات التلوث حفاظاً على الأمن.
المفهوم الشامل: – المبدأ الطبيعي هو البقاء للأقوى – لذا فإن إستراتيجية الأمن القومي هي عمليه وفلسفيه تخطيطية مشتركه لاستغلال جميع مقومات الأمة وقدراتها للوصل لأفضل خطة إستراتيجية توجه طاقات الأمة الرئيسية – الاقتصاد – مصادر الثروة – القوى البشرية – الموقع الإستراتيجي – الدفاع – التكنولوجيا – التراث الروحي والحضاري – السياسة – لتحقيق مستوى عال من القوة والهيبه القومية بشقيها الدفاعي والتعرضي
في هذا السياق أوضحت الأدبيات أن أسلوب الأمن القومي واستراتيجياته مهم جداً لفهمها لتحديد مستقبل الدولة بل والوطن الغربي بأكمله
مشكلة البحث:
تُبيَن الدراسات المعاصرة ما تشهده الأنظمة الدولية انقسامات في تعريفات الأمن وإستراتيجيته إلى جانب معاناتهما من الخلط في المعانى والتعريفات .
ولم يظهر المفهوم المعاصر للإستراتيجية العسكرية بوصفه علماً من العلوم بين عشية وضحاها؛ لأن صياغة أية مجموعة من المفاهيم لابد أن يسبقها تجميع الكثير من المعلومات فالإنسان ينتقل من الملاحظة والتجربة إلى النظرية في دارسته للكون
أهداف البحث:
تحديد مفهوم الأمن بجانب تعريف الإستراتيجية تعريف دقيق بالإضافة إلي التأكيد على مبأدى الإستراتيجية ففي الواقع،إن مبادئ الإستراتيجية لا يمكن تجاهلها لا على المستوى الاستراتيجي ولا على المستوى التكتيكي في الحرب أو في غيرها. فالمبادئ الإستراتيجية هي قواعد عامة تهدف للوقاية من مفاجآت العدو والتأكد من التفوق عليه في أية خطوة نختارها في التعامل معه. إن التاريخ يبين أن وضع مبادئ الإستراتيجية ثم التقيد بها في عملية صناعة القرار هي من أكبر الصعوبات التي واجهت عمل الإستراتيجيين في زمن الحرب و السلم. وعمليا هذا ما دفع العديد منهم للقول بأن تطبيق مبادئ محددة للإستراتيجية يختلف كثيرا عن صياغتها أو وضعها،حيث أنه من المستحيل التقيد الصارم بهذه المبادئ.
.
منهج البحث:
اعتمدت كباحث على المنهج التاريخي ـ التحليلي الذي مكّنني من دراسة الأمن والإستراتيجية بأنواعها ومبادئها ومميزاتها فضلاً عن اعتمادي على المنهج العلمي وبعض كتب أساتذة السياسة والدارسين في هذا المجال.
خطة البحث:
تتكون خطة البحث من ثلاثة فصول، يتعرض كل فصل إلى ثلاثة مطالب وكما يلي:
الفصل الأول : الأمن القومي والإستراتيجية، المفهوم و النظرية
_ تعريف الأمن والأمن القومي والأمن المعلوماتي
_ العلاقة بين الأمن المعلوماتي والأمن القومي
_ ركائز وأبعاد ومستويات الأمن.
_ الأمن القومي العربي بين النظرية والتطبيق
_ الدول الكبرى والأمن القومي العربي
الفصل الثاني : تعريف الإستراتيجية وأنواعها
_المبادئ العامة للإستراتيجية و أنواعها
_ أنواع الإستراتيجية
_أسس بناء الإستراتيجية
_النظريات الإستراتيجية و تطورها
الفصل الثالث : الإستراتيجية العسكرية كنموذج استراتيجي:
_ تعريف الإستراتيجية العسكرية:
_ أهداف الإستراتيجية العسكرية :
_ مبادئ الإستراتيجية العسكرية :
_ العوامل المؤثرة على الإستراتيجية العسكرية
الأمن القومي والإستراتيجية، المفهوم و النظرية
الأمن القومي:
على الرغم من الأهمية القصوى لمفهوم “الأمن” وشيوع استخدامه، فإنه مفهوم حديث في العلوم السياسية، وقد أدى ذلك إلى اتسامه بالغموض مما أثار عدة مشاكل، فلا يُعَدُّ اصطلاح “الأمن” هو أفضل المصطلحات للتعبير عن الأمن الوطني للدولة المعاصرة من ناحية، كما لم يتبلور المفهوم لكي يصبح حقلاً علميًّا داخل علم السياسة –منفصلاً عن علوم الإستراتيجية- تطبق عليه قواعد تأسيس النظرية، بدءاً من وضع الفروض وتحديد مناهج البحث الملائمة، واختيار أدوات التحقق العلمي، وقواعد الإثبات والنفي وإمكانية الوصول إلى نظرية عامة، وبالتالي الوصول إلى قانون يحكم ظاهرة “الأمن الوطني”.
ويعود استخدام مصطلح “الأمن” إلى نهاية الحرب العالمية الثانية؛ حيث ظهر تيار من الأدبيات يبحث في كيفية تحقيق الأمن وتلافي الحرب، وكان من نتائجه بروز نظريات الردع والتوازن، ثم أنشئ مجلس الأمن القومي الأمريكي عام 1974م، ومنذ ذلك التاريخ انتشر استخدام مفهوم “الأمن” بمستوياته المختلفة طبقًا لطبيعة الظروف المحلية والإقليمية والدولية.
أولاً: مفهوم الأمن
على الرغم من حداثة الدراسات في موضوع “الأمن” فإن مفاهيم “الأمن” قد أصبحت محددة وواضحة في فكر وعقل القيادات السياسية والفكرية في الكثير من الدول.. وقد برزت كتابات متعددة في هذا المجال، وشاعت مفاهيم بعينها في إطاره لعل أبرزها “الأمن القومي الأمريكي” و”الأمن الأوروبي” و”الأمن الإسرائيلي” و”الأمن القومي السوفييتي” قبل تفك
* وفي مجال التوصل إلى مفهوم متفق عليه “للأمن”، فإنه يجدر بنا التعرف على ذلك المدلول في إطار المدارس الفكرية المعاصرة.
** “فالأمن” من وجهة نظر دائرة المعارف البريطانية يعني “حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية”.
** ومن وجهة نظر هنري كسينجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق يعني أي تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه في البقاء.
ولعل من أبرز ما كتب عن “الأمن” هو ما أوضحه “روبرت مكنمارا” وزير الدفاع الأمريكي الأسبق وأحد مفكري الإستراتيجية البارزين في كتابه “جوهر الأمن”.. حيث قال: “إن الأمن يعني التطور والتنمية، سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية في ظل حماية مضمونة”. واستطرد قائلاً: “إن الأمن الحقيقي للدولة ينبع من معرفتها العميقة للمصادر التي تهدد مختلف قدراتها ومواجهتها؛ لإعطاء الفرصة لتنمية تلك القدرات تنمية حقيقية في كافة المجالات سواء في الحاضر أو المستقبل”.
ولعل أدق مفهوم “للأمن” هو ما ورد في القرآن الكريم في قوله – سبحانه وتعالى -: “فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِنْ جُوعٍ وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ”. ومن هنا نؤكد أن الأمن هو ضد الخوف، والخوف بالمفهوم الحديث يعني التهديد الشامل، سواء منه الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، الداخلي منه والخارجي.
مفهوم الأمن في النظام العربي:
قدرة الأمة العربية على الدفاع عن أمنها وحقوقها وصياغة استقلالها وسيادتها على أراضيها، وتنمية القدرات والإمكانيات العربية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، مستندة إلى القدرة العسكرية والدبلوماسية، آخذة في الاعتبار الاحتياجات الأمنية الوطنية لكل دولة، والإمكانات المتاحة، والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، والتي تؤثر على الأمن القومي العربي.”
يمكن القول: إن الفكر السياسي العربي لم ينتهِ بعد إلى صياغة محددة لمفهوم “الأمن القومي العربي” يواكب تحولات المناخ الإقليمي والدولي وتوازناته وانعكاسها على تصور وأبعاد هذا الأمن، وإن هذا الموضوع ما زال مطروحاً للتحليل ومفتوحاً للمناقشة رغم كل ما كتب عنه.
تعريف الأمن القومي:
يمكننا تعريف الأمـن القومـي بأنه ” تأمين سلامة الدولة من الأخطار الداخلية والخارجية التي قد تؤدي إلى إخضاعها لسيطرة أجنبية ”
ومفهوم الأمن يمكن أن يتعلق بأمن مجموعة من الدول المتحالفة أو المتعاونة أو المتعاهدة ، وليس بأمن دولة واحدة . ويطلق عليـه في هذه الحالة مصطلح (الأمن الإقليمي) . والمقصود به المخطط الاستراتيجي الذي تتفق تلك المجموعة على إتباعه لحماية أمنها في المحيط الدولي . وقد تُستعمل مصطلحات أخـرى ، مثل : الأمن الجماعي ، والدفاع الجماعي .
والواقع أن الأمة العربية تواجه اليوم عدواً واحداً برأسين : الصهيونية والامبريالية الغربية الجديدة . ولمواجهة هذا العدو يجب أن يكون للعرب نظام جماعي للأمن يقوم على عقيدة أمنية واحدة تتخطى مفهوم الأمن الوطني لكل دولة عربية .
ولعل الرأس الصهيوني المزروع والرابض في قلب الوطن العربي يشكل الخطر الأول والأكبر الذي يواجه ويؤرق الأمن القومي العربي . ويتجلى هذا الخطر حالياً في تفرّد أو انفراد إسرائيل باحتكار السلاح النووي في المنطقة العربية .
ويعني بذلك الأمن القومي : “القدرة التي تتمكن بها الدولة من تأمين انطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية، الاقتصادية والعسكرية، في شتَّي المجالات في مواجهة المصادر التي تتهدَّدُها في الداخل والخارج، في السلم وفي الحرب، مع استمرار الانطلاق المؤمَّن لتلك القوى في الحاضر والمستقبل تخطيطاً للأهداف المخططة”.
من هنا فإن شمولية الأمن تعني أن له أبعادًا متعددة..أولها: البُعْد السياسي.. ويتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة.ثانيًا: البُعْد الاقتصادي.. الذي يرمي إلى توفير المناخ المناسب للوفاء باحتياجات الشعب وتوفير سبل التقدم والرفاهية له.ثالثًا: البُعد الاجتماعي.. الذي يرمي إلى توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذي يزيد من تنمية الشعور بالانتماء والولاء.رابعًا: البُعْد المعنوي أو الأيديولوجي.. الذي يؤمِّن الفكر والمعتقدات ويحافظ على العادات والتقاليد والقيم.خامسًا: البُعْد البيئي.. الذي يوفِّر التأمين ضد أخطار البيئة خاصة التخلص من النفايات ومسببات التلوث حفاظاً على الأمن.
مفهوم أمن المعلومات:
تتعدد تعريفات أمن المعلومات وتتنوع حسب زاوية الرؤية، فنحن إذا نظرنا من زاوية أكاديمية سنجد أنه العلم الذي يبحث في نظريات وإستراتيجيات توفير الحماية للمعلومات من المخاطر التي تهددها ومن أنشطة الاعتداء عليها.
ولو نظرنا من زاوية تكنولوجية وفنية بحتة يمكننا تعريفه على أنه (الوسائل والأدوات والإجراءات المطلوب توفيرها لضمان حماية المعلومات من الأخطار الداخلية والخارجية)، ومن الزاوية القانونية نجد التعريف قد أخذ منحى آخر لكونه يركز على التدابير والإجراءات التى من شأنها حماية سرية وسلامة وخصوصية محتوى وتوفر المعلومات ومكافحة أنشطة الاعتداء عليها أو استغلال نظمها فى ارتكاب الجريمة المعلوماتية.
وبشكل عام يمكن القول إن أمن المعلومات هو تلك الرؤى والسياسات والإجراءات التى تصمم وتنفذ على مستويات مختلفة، فردية ومؤسسية ومجتمعية، وتستهدف تحقيق عناصر الحماية والصيانة المختلفة التي تضمن أن تتحقق للمعلومات السرية أو الموثوقية، أى التأكد من أن المعلومات لا تُكشف ولا يُطَّلع عليها من قبل أشخاص غير مخولين بذلك. والتكاملية وسلامة المحتوى أى التأكد من أن محتوى المعلومات صحيح ولم يتم تعديله أو العبث به، وبشكل خاص لن يتم تدمير المحتوى أو تغييره أو العبث به فى أية مرحلة من مراحل المعالجة أو التبادل، سواء في مرحلة التعامل الداخلي مع المعلومات، أو عن طريق تدخل غير مشروع. أما الاستمرارية فتعني توفر وإتاحة المعلومات أو الخدمات المبنية عليها لمستخدميها والمستفيدين منها والتأكد من استمرار توفرها والنظم التي تخدمها واستمرار القدرة على التفاعل معها والتأكيد كذلك على أن مستخدمها لن يتعرض إلى منع الاستخدام أو الحيلولة بينه وبين الدخول إليها، كما تعني أيضا ضمان عدم إنكار الشخص الذي قام بتصرف ما متصل بالمعلومات أو مواقعها أنه هو الذي قام بهذا التصرف.
واقع أمن المعلومات
إن “الفاتورة” الإجمالية لجرائم أمن المعلومات عالميا وعربيا في 2011 وحده تقدر بحوالي 388 مليار دولار أميركي(1)، أما التكلفة النقدية المباشرة لهذه الجرائم والمتمثلة في الأموال المسروقة ونفقات إزالة آثار الهجمات فتقدر بحوالي 114 مليار دولار. ومعنى ذلك أن القيمة المالية لجرائم المعلومات أكبر من السوق السوداء لمخدرات الماريجوانا والكوكايين والهيروين مجتمعين، والتى تقدر بحوالى 288 مليار دولار، وتقترب من قيمة السوق العالمية للمخدرات عموما والتى تصل إلى 411 مليار دولار، وأعلى من الإنفاق السنوي لمنظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة “اليونيسيف” بحوالى 100 ضعف، حيث تصل ميزانيتها الى 3.65 مليار دولار، كما تعادل هذه الخسائر ما تم إنفاقه خلال 90 عاما على مكافحة الملاريا وضعف ما تم إنفاقه على التعليم في 38 عاما.
وقد بلغ المعدل الزمني لوقوع جرائم المعلومات حول العالم 50 ألف جريمة واعتداء في الساعة، تأثر بها 589 مليون شخص، وهو رقم أكبر من عدد سكان الولايات المتحدة وكندا وغرب أوروبا مجتمعين، ويعادل 9% من إجمالى سكان العالم.
العلاقة بين الأمن المعلوماتي والأمن القومي:
يمكننا القول إن اتساع قضية أمن المعلومات وتطورها على هذا النحو الخطير عالميا وعربيا يعود إلى أمرين:
الأول: أن أغلب دول العالم -بما فيها الدول العربية- ترفع حاليا شعار التحول إلى مجتمع المعلومات والمعرفة، وتنفذ خططا واسعة النطاق لتحويل هذا الشعار إلى واقع، وفى خضم هذه الخطط يتم إنشاء سلاسل من قواعد البيانات القومية الكبرى، كما يجري تطوير شبكات الاتصالات ونشر الإنترنت عبر خطوط الاتصالات العادية والسريعة، وتتجه الأمور لتعميم خدمات نقل الصوت عبر بروتوكولات الإنترنت، وتنشط الدول في نشر مفاهيم وخدمات الحكومة الإلكترونية، وتصدر قوانين التوقيع الإلكتروني الذى يمهد الطريق صوب تفعيل أنشطة التجارة والأعمال الإلكترونية على نطاق واسع، وتتوسع فى مبادرات توفير الحاسب لفئات المجتمع المختلفة بالمنازل والمدارس وللمهنيين، كما تتبنى عشرات من برامج التنمية المعلوماتية المتكاملة فى مختلف الوزارات والهيئات والمؤسسات.
الثاني: أن تشييد بنية معلوماتية قومية واسعة المجال وتبني التوجه نحو مجتمع المعلومات نقل المجتمع والدولة والمؤسسات إلى مرمى المخاطر، وحتم عليها مواجهة التحديات الشاملة والواسعة النطاق فى أمن المعلومات، بمعنى أن تحديات أمن المعلومات فى مجتمع يمتلك بنية معلوماتية واسعة يجعله يواجه تهديدات فى أمن المعلومات تتسم بالشمول والاتساع وعمق التأثير وتنوع الأدوات وتعدد مصادر الهجوم وأدواته وغزارة الأهداف التى تشكل إغراء ومناطق جذب لمن يستهدفونه، فمخاطر أمن المعلومات فى عصر (مجتمع المعلومات) تضم مستويين:
الأول: مستوى تعقب وجمع المعلومات، ويشمل الوسائل التقليدية لجمع المعلومات التى تعتمد بشكل كبير على العناصر البشرية من الجواسيس أو ما يعرف بالطابور الخامس، ووسائل الاستطلاع الحديثة وفى مقدمتها الأقمار الصناعية التي تطورت بشكل كبير, حيث بلغت الصور والمعلومات الواردة منها حدا فائقا من الجودة والدقة لم تبلغها من قبل، كما يشمل هذا المستوى العديد من أدوات تعقب وجمع من داخل البنية المعلوماتية الأساسية للجهة المستهدفة ومنها “البوابات الخلفية” ويقصد بها الثغرات أو نقاط الضعف الأمنية التى توجد بشبكات ونظم المعلومات والبرامج المختلفة، و”الرقائق الإلكترونية” التي تعتبر الجزء الحيوي بجميع أجهزة التعامل مع المعلومات من حاسبات ومعدات بناء شبكات ووسائط تخزين وغيرها والتي يمكن استخدامها في تعقب وجمع المعلومات، وأدوات التلصص على شبكات المعلومات وعمليات الاعتراض.
الثاني: مستوى يستهدف إفساد وتعطيل المعلومات، وتستخدم فيه العديد من الأدوات كفيروسات الحاسب والاختراق المباشر لشبكات المعلومات والهجوم بفيض الرسائل والطلبات وهجمات الاختناق المروري الإلكتروني على نطاق واسع وغيرها.
وكما هو واضح فإن هذه الأخطار لا تتوقف عند كونها تهديدا لأمن المعلومات داخل شركة أو مؤسسة أو منشأة، بل تعد تهديدات جدية للأمن القومي للدول والمجتمعات ككل.
وبما أن مخاطر أمن المعلومات باتت ترقى إلى مستوى تهديد الأمن القومي ككل، فإن وسائل المواجهة والحماية لابد وأن تظللها منظومة أمن قومي، لأنه من الخطأ أن تكون الأخطار والتهديدات شاملة وربما منسقة ومخططة أحيانا ثم تأتي سبل ووسائل مواجهتها جزئية وعفوية وخالية من التخطيط وتفتقر للتنسيق والرشد، وقد قدمت اليابان نموذجا لهذا المستوى من التعامل مع أمن المعلومات حينما أعلنت منذ أوائل أكتوبر/تشرين 2005 ;البدء; ;في; ;تنفيذ; ;برنامج; ;شامل; ;على; ;مستوي; ;مؤسسات; ;وهيئات; ;الدولة; ;والشركات; ;الخاصة يستهدف; ;التدريب; ;علي; ;صد; ;الهجمات; ;الإلكترونية; ;الشاملة; ;بتنويعاتها; ;المختلفة;، ;سواء; ;بالفيروسات; ;أو; ;عمليات; ;القرصنة; ;والتلصص; ;والتجسس; ;الاقتصادي; ;أو; ;التخريب; ;الإلكتروني; ;أو; ;هجمات; ;تعطيل; ;شبكات; ;الاتصالات; ;والمعلومات;، وجاء هذا البرنامج التدريبي المستمر حتى ; ;في; ;إطار; إستراتيجية; ;متكاملة; ;لأمن; ;المعلومات; ;باليابان; ;تنفذها; ;الدولة; ;حماية; ;لاقتصادها;، وقد تزامنت مع المخطط الياباني مخططات مماثلة في عشرات الدول حول العالم.
وأخيرا لابد من الإشارة إلى أن إدارة المعلومات المتداولة داخل البنية المعلوماتية القومية بما يدعم الأمن القومي أمر يتطلب فهما ورؤية جديدة لأساليب ومناهج وأدوات تداول المعلومات بين أطراف المجتمع وبعضها البعض داخليا، وكذلك مناهج وأدوات وأساليب إدارة وتداول المعلومات بينها وبين الجهات الخارجية، كشركاء السياسة والتجارة والأعمال والتعليم والبحث العلمي والتصنيع…، وهذه قضية مهمة ومعقدة في آنٍ معا، ولا يصح تركها لاجتهادات أفراد ومؤسسات وخبراء من هنا وهناك مهما علا شأنهم وتجاربهم وقدراتهم، بل تحتاج جهدا مؤسسيا لن يتحقق على النحو المطلوب إلا عندما تتبوأ قضية أمن المعلومات مكانها الصحيح كركيزة أساسية للأمن القومي.
وفي إطار هذه الحقيقة يكون المفهوم الشامل “للأمن” من وجهة نظري هو:
“القدرة التي تتمكن بها الدولة من تأمين انطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية، الاقتصادية والعسكرية، في شتَّي المجالات في مواجهة المصادر التي تتهدَّدُها في الداخل والخارج، في السلم وفي الحرب، مع استمرار الانطلاق المؤمَّن لتلك القوى في الحاضر والمستقبل تخطيطاً للأهداف المخططة”.
ثانيًا: ركائز وأبعاد ومستويات الأمن.
على ضوء المفهوم الشامل للأمن، فإنه يعني تهيئة الظروف المناسبة والمناخ المناسب للانطلاق بالإستراتيجية المخططة للتنمية الشاملة، بهدف تأمين الدولة من الداخل والخارج، بما يدفع التهديدات باختلاف أبعادها، بالقدر الذي يكفل لشعبها حياة مستقرة توفر له أقصى طاقة للنهوض والتقدم.
* من هنا فإن شمولية الأمن تعني أن له أبعادًا متعددة..
أولها: البُعْد السياسي.. ويتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة.
ثانيًا: البُعْد الاقتصادي.. الذي يرمي إلى توفير المناخ المناسب للوفاء باحتياجات الشعب وتوفير سبل التقدم والرفاهية له.
ثالثًا: البُعد الاجتماعي.. الذي يرمي إلى توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذي يزيد من تنمية الشعور بالانتماء والولاء.
رابعًا: البُعْد المعنوي أو الأيديولوجي.. الذي يؤمِّن الفكر والمعتقدات ويحافظ على العادات والتقاليد والقيم.
خامسًا: البُعْد البيئي.. الذي يوفِّر التأمين ضد أخطار البيئة خاصة التخلص من النفايات ومسببات التلوث حفاظاً على الأمن.
هذا ويتم صياغة الأمن على ضوء أربع ركائز أساسية:
أولاً: إدراك التهديدات سواء الخارجية منها أو الداخلية.
ثانيًا: رسم إستراتيجية لتنمية قوى الدولة والحاجة إلى الانطلاق المؤمَّن لها.
ثالثًا: توفير القدرة على مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية ببناء القوة المسلحة وقوة الشرطة القادرة على التصدي والمواجهة لهذه التهديدات.
رابعًا: إعداد سيناريوهات واتخاذ إجراءات لمواجهة التهديدات التي تتناسب معها.. وتتصاعد تدريجيًّا مع تصاعد التهديد سواء خارجيًّا أو داخليًّا.
وللأمن أربعة مستويات:
أولاً: أمن الفرد ضد أية أخطار تهدد حياته أو ممتلكاته أو أسرته.
ثانيًا: أمن الوطن ضد أية أخطار خارجية أو داخلية للدولة وهو ما يُعبَّر عنه “بالأمن الوطني”.
ثالثًا: الأمن القُطري أو الجماعي، ويعني اتفاق عدة دول في إطار إقليم واحد على التخطيط لمواجهة التهديدات التي تواجهها داخليًّا وخارجيًّا، وهو ما يعبر عنه “بالأمن القومي”.
رابعًا: الأمن الدولي.. وهو الذي تتولاه المنظمات الدولية سواء منها الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي ودورهما في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
الأمن القومي العربي بين النظرية والتطبيق :
ومفهوم الأمن قابل للتطور والتغيّر ، يتأثر إلى حد كبير بالعناصر والعوامل المتغيّرة في العلاقات الدولية . وهو يخضع لبُعدٍ ذاتي ، أو تقدير استنسابي ، أو مزاج صادر عن صاحب القرار . فالأحداث الدموية التي كانت تجري في فلسطين ، في نيسان (إبريل) 1948 ، عُرضت على مجلس الأمن الدولي ، فلم ير فيها تهديداً للأمن الداخلي أو الدولي ، لأن العصابات الصهيونية كانت آنذاك تتلقى السلاح من القوى الغربية الاستعمارية وتصول وتجول بحرّيةٍ في البلاد وترتكب ما لا يوصف من المجازر . وعندما تغيّر الوضع ومال لمصلحة المقاومين العرب سارع المجلس ، بعد شهرٍ ، إلى إصدار قرار يصف فيه الأحداث المذكورة بأنها تهديد للأمن والسلام في العالم ، ويفرض على الأطراف المتنازعة التوقّف عن الأعمال الحربية ، ويعتبر الإخلال بذلك انتهاكاً لحرمة الأمن والسلام الدوليين يستوجب تطبيق أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .
وفكرة الأمن ترتبط بفكرة السلطة القادرة على التدخل لحماية الأمن وردّ التحديات الداخلية والخارجية . وأصبح للأسلحة المتطورة اليوم أثر بارز وحاسم في تغيير مفهوم الأمن ، بل جعل للأمن مفهوماً نسبياً ، لأنه يتعذر على أية دولة تحقيق أمن مطلق . ولا نبالغ إن قلنا بأنه لم يعد في إمكان أيّ بلد في الكون الإدّعاء بأنه في مأمنٍ من أي تدخّل خارجي .
والأمن القومي قد يعني أمن الدولة ، أو أمن الفئة الحاكمة في الدولة ، أي أمن السلطة التي تمثّل ، في معظم الأحيان ، مصالح طبقات اجتماعية أو تيارات سياسية في المجتمع .
وهناك فرق بين مفهوم الأمن القومي لدولةٍ أو أمةٍ معيّنة وبين مفهوم الأمن الدولي الذي يشمل دول العالم . قد يتوافق ويتعاون هذان النوعان من الأمن فيخفّفان من حدّة التوترات أو المنازعات الدولية ويساعدان على استتباب الهدوء والاستقرار في العالم . ولكن ذلك لا يُلغي احتمال نشوء تعارض أو تصادم بين النوعين .
ومفهوم الأمن ارتبط ، تقليدياً ، بمفهوم الدولة . فالحديث عن الأمن يوحي بأنه حديث عن الأمن القومي للدولة . ولكن مفهوم الأمن القومي العربي يختلف عن مفهوم الأمن الدولي ، كما يختلف عن المفاهيم الخاصة (إذا وُجدت) لأمن كل دولة عربية على حدة . إنه أمن إقليمي لدول تنتمي إلى أمة عربية واحدة تتخاطب بلغة واحدة ، وتمتلك تراثاً فكرياً وحضارياً مشتركاً ، وتتقاسم مصالح وتطلعات مشتركة ، وتواجه مصيراً مشتركاً ، دون أن يكون لهذه الأمة دولة أو سلطة واحدة . ولكن اعتزاز المواطنين العرب بالانتماء إلى أمة واحدة جعلهم ، رغم تعدّد مواقع السلطة في هذه الأمة وتنوّع الخلافات بين الأنظمة الحاكمة في دولها ، يؤمنون بوحدة الأمن القومي العربي المشترك والمتلاحم ، ويشعرون بوجود قضية أمن عربي واحد . وهنا تكمن فُرادة الأمن القومي العربي . ومن أجل تجريد هذا الأمن من هويته العربية ، وزعزعة أركانه ، وتشويه أهدافه ، كثُر استعمال مصطلح (الشرق الأوسط) ، وكثُر طرح المشاريع الرامية إلى إنشاء تكتلات إقليمية أو أحلاف عسكرية في المنطقة العربية بغرض إشراك إسرائيل فيها ، أو تطويق دول معينة لا تحظى برضا الولايات المتحدة .
يعتقد البعض أن الأمن القومي لدولةٍ أو أمةٍ ما يرتبط كلياً بقوتها العسكرية القادرة على صون أمنها من كل خطر . إن هذه القوة أو القدرة ليست وحدها التي تحمي الأمن ، فالأمن القومي يحتاج أيضاً إلى قدرات سياسية واقتصادية وعلمية . إن القدرة العسكرية هي جزء من كلّ . فليس في مقدور دولة تحقيق أمنها إذا كانت عاجزة عن تأمين الحد الأدنى من استقرارها الداخلي القائم على الحد الأدنى من العدالة والمساواة والتنمية . إن انتهاك الحقوق والحريات ، وغياب المبادئ الديموقراطية ، وشدة الظلم الاجتماعي ، والاستئثار بالحكم ، تؤدي ، في كثير من الأحيان ، إلى تعريض أمن الدولة للخطر . وبما أن العلاقة بين الأمن الداخلي والأمن الخارجي علاقة جدلية ، فقد يُسفر عدم الاستقرار الداخلي أحياناً عن حدوث تدخل خارجي من شأنه الإساءة إلى استقلال الدولة .
تأثر الأمن القومي بالتطورات العالمية والإقليمية:
لا يمكن فصل الأمن الوطني القطري لكل دولة عن الأمن القومي العربي ، كما لا يمكن تجريده من آثار التطورات والتحولات ، العالمية والإقليمية ، التي شهدها ولا يزال يشهدها النظام العالمي والنظام الإقليمي . ومن أهم هذه التطورات التي أثّرت إلى حد كبير في أوضاع الأمن القومي العربي :
1- التحوّل الجوهري في مضمون التفاعلات الدولية ، أو الانتقال من التفاعلات الإستراتيجية إلى التفاعلات الاقتصادية . وبعبارة أوضح : انتقال مفهوم الأمن من مستوى الدفاع ضد العدوان إلى مستوى تحسين ظروف الحياة والمعيشة للشعوب وتأكيد سيادتها على مواردها الطبيعية .
2- تحوّل الصراع ، بعد انتهاء الحرب الباردة وزوال التوتّر بين الشرق والغرب ، من صراع دولي إلى صراعات إقليمية ومحلية .
3- استقرار مفهوم جديد في المجال الأمني ، مفاده أن التنمية الشاملة ، والإنماء المتوازن اجتماعياً واقتصادياً ، والمشاركة الفعلية والعادلة في الحكم ، تشكل أبعاداً أساسية تُضاف إلى البعد العسكري في نجاح الأمن القومي .
4- بروز قيم جديدة في النظام الدولي ، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية البيئة . فقد أصبح بإمكان الأمم المتحدة ، خلافاً لما ورد في الفقرة السابعة من المادة الثانية من ميثاقها ، أن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول بحجة حماية تلك القيم . ونحن هنا أمام دور جديد للأمم المتحدة يُضاف إلى مهمتها الرئيسية في حماية السلام وحفظه .
5- حصول تطور في مفهوم الأمن الجماعي تجسّد في صيغة الأمن التعاوني ، وهي صيغة قريبة من مفهوم التحالف الدولي الذي أُنشئ في أثناء حرب الخليج الثانية بقصد تحرير الكويت . وهذا النوع من التحالف يقضي بدعوة دولة أو دول كبرى من خارج نظام إقليمي ما بغية التعاون مع الدول الإقليمية لمواجهة التهديدات التي يتعرض لها أحد أطرافه .
6- إقبال دول الجنوب ، أو دول العالم الثالث ، على شراء الأسلحة وتكديسها . وهذا يؤكد أن تلك الأسلحة معدّة للاستعمال عند الحاجة ضد القوى الداخلية ، فتزداد بذلك درجات القمع أو الإكراه الداخلي ، وتنتشر ظاهرة العنف والعنف المضاد . والملاحظ أن منطقة الشرق الأوسط تحتل ، على الصعيد العالمي ، المرتبة الأولى بين الدول في استيراد الأسلحة .
7- إبرام معاهدة الصلح بين مصر وإسرائيل في العام 1979 ، وما ترتب عليها من انشقاق عربي .
8- الغزو العراقي للكويت في العام 1990 ، وما تبعه من تشكيل قوات التحالف الدولي التي ضمت قوات عربية
9- المفاوضات الثنائية ، ومحاولات التسوية السلمية ، والتسابق على التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية ، وجميع المشاريع الإقليمية المطروحة لتنشيط أي نوع من التعاون بين الطرفين العربي والإسرائيلي ، وهي كلها محاولات تشكل خطراً على الأمن القومي العربي ، لأنها تؤدي إلى تفكيك أواصر الترابط بين الدول العربية ، وتُخرج إسرائيل من دائرة تهديد الأمن العربي .
10- اتساع قاعدة الجماعات الدينية المتطرفة ، المدعومة من الإمبريالية العالمية ، والهادفة إلى صرف الدول العربية عن الاهتمام بالتهديدات الخارجية لمواجهة التهديدات الداخلية . وقد زاد هذا الأمر من حدّة الشقاق العربي لانتشار اعتقاد (صحيح أو مبالغ فيه) بأن حكومات عربية معينة تتولى تمويل تلك الجماعات وتدريبها بقصد تهديد الاستقرار السياسي في بعض الأقطار العربية الأخرى .
أبعاد الأمن القومي
البعد العسكري
وهو أكثر أبعاد الأمن القومي فاعلية ووضوحاً، كما أنه البعد الذي لا يسمح بضعفه أبداً؛ لأنه يؤدي إلى انهيار الدولة وتعرضها لأخطارٍ وتهديدات عنيفة قد تصل إلى حد وقوعها تحت الاحتلال الأجنبي، أو إلغائها تماماً وضمها إلى دولة أخرى، أو تقسيمها إلى دويلات صغيرة، أو اقتسامها مع الآخرين، ويرتبط هذا البعد بباقي أبعاد الأمن القومي ارتباطاً وثيقاً؛ لأن ضعف أي من الأبعاد الأخرى يؤثر في القوة العسكرية ويضعفها، بينما قوة هذه الأبعاد تزيد من القوة العسكرية للدولة التي هي جوهر أمنها الوطني. ومن ناحية أخرى يتصف الميزان العسكري لأي دولة بالنسبية، فمكانة أي دولة ونفوذها يتغيران تبعاً لتغير موقعها في ذلك الميزان والمؤسسة العسكرية التي تملك القدرة والقوة التي يعتد بها.
البعد السياسي
يركز على السياسة الداخلية والخارجية والمؤسسات السياسية، فالسياسة الداخلية هي المتعلقة بالنظام السياسي وشكل نظام الحكم، وفي هذا الصدد فإن الرضا لدى الجماهير يؤدي إلى تحقيق درجة من التماسك والتعاون الداخلي مما يعزز الأمن القومي. أما البعد الخاص بالسياسة الخارجية فهو يركز على الجهد الدبلوماسي للدولة وإمكانياته وأسلوب استخدام الدولة لمصادر قوتها، والمنظمات الدولية، والرأي العام، وسياسات الدول الأخرى ذات المصالح الحيوية في المنطقة، ثم تأثير ذلك في قدرة الدولة على توضيح أهدافها للمجتمع الدولي. وهناك أيضاً المؤسسات السياسية التي تركز بدورها على اتجاهات القيادة السياسية وخبراتها، ومدى قدرتها على التأثير في الجماهير والتنظيمات السياسية، ودور وسائل الإعلام في شرح أهداف الحكومة، ثم تأثير ذلك في مدى قدرة الدولة على حشد الجماهير خلف سياستها.
البعد الاقتصادي:
ويقصد به التنمية وتحقيق الرفاهية، ويعتبر هذا البعد أن التنمية والأمن وجهان لعملة واحدة. وأن تأمين الموارد الاقتصادية الحيوية التي تحقق مستوى مناسباً من الاكتفاء لتجنب إمكانية الضغط عليها من الخارج. كما يعتبر أن الموارد القومية التي تخصص لتحقيق الأمن القومي لا تعد خسارة، حيث إن العائد الذي يعود على الدولة نتيجة لتحقيق أمنها هو عائد مجزٍ.
البعد الجيوبوليتكي الاستراتيجي:
فالطبيعة الجيوبوليتكية للدولة ذات أهمية قصوى بالنسبة إلى سياسات الأمن القومي، حيث إن العوامل الجغرافية تضيف إلى قوة الدولة ومركزها في النظام الدولي، ويتمثل تأثير هذا البعد في حجم وشكل الدولة الجغرافي، حيث يتم التعرف على حجم الدولة وشكلها، والعلاقة بين الحجم والشكل والعمق ومدى تأثيرها في تنظيم الدفاع عن العمق، والتماسك السياسي والاقتصادي والنقل والمواصلات. كما يرتبط هذا البعد أيضاً بالتضاريس من حيث مدى وجود موانع طبيعية، وحماية طبيعية في مناطق الحدود والمناطق الحيوية. وإلى جانب ما سبق، هناك أيضاً الموقع النسبي للدولة ومدى علاقتها بالدول المجاورة ومنافذها البحرية والبرية وتأثير ذلك في التجارة والنقل، وأهمية موقع الدولة بالنسبة إلى الدول ذات المصالح الحيوية في المنطقة.
البعد الديمغرافي:
يعد من الأبعاد المهمة، حيث إن تكوين وكثافة السكان وطبيعة موجات الهجرة تؤثر في الأمن الوطني، فالعوامل الاجتماعية الإيجابية تؤثر تأثيراً إيجابياً، وتجعل الدولة قادرة على مواجهة أي تهديدات داخلية وخارجية تمس الأمن الوطني. وأهم مؤشرات هذا البعد السكان من حيث العدد والنوع ومعدل النمو وتوزيع السكان الجغرافي والكثافة السكانية، وكلها عوامل تؤثر مباشرة في التنمية الاقتصادية والدفاع عن حدود الدولة، أي القوة العسكرية المتاحة للدولة. كما يرتبط بهذا البعد أيضاً مدى اندماج المجتمع وتماسكه وطبيعة الصراعات داخله وطبيعة تكونيه العرقي والمذهبي ومدى التوافق أو التنافر داخل هذا التكوين السكاني.
البعد المعلوماتي
تعد المعلومات واحدة من أبرز محددات توزيع القوى في العلاقات الدولية في السنوات الأخيرة، ونظراً إلى أهمية المعلومات المتعلقة بالأمن الوطني للدولة وسلامتها اعتادت الدول استبعاد مجموعة منها من نطاق المعاملات غير المباشرة، سواء داخل الدولة أو خارجها، وتفرض عليها نطاقاً من السرية والكتمان، وهذه المعلومات ذات الصبغة السرية هي: المعلومات العسكرية، وبعض المعلومات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والصناعية.
متطلبات الأمن الوطني
يتطلب الأمن القومي تمكين العلاقة وأواصر الثقة بين المواطن من جهة ومصالح الشرطة ومؤسسات القضاء من جهة أخرى. هنا تطرح مسألة تمركز أو مركزية القرار حول الأمن مقارنة لمفهوم اللامركزية والمحلية؛ فقد يتم تكريس البعد الوطني للأمن على حساب الأمن المحلي، أو تغليب البعد الوطني للأمن مع تقليص البعد الدولي. ولذا فإن تحقيق الأمن بين المواطنين يتطلب الحوار بين مصالح الأمن والعدل ومؤسسات المجتمع السياسي والمجتمع المدني الممثل من طرف الجمعيات والمنظمات غير الحكومية. كما أن انتشار الجريمة العابرة للحدود وتجارة المخدرات والتنظيمات الإرهابية وجرائم الإنترنت وغير ذلك، يحتاج إلى معالجات حديثة تراعي هذه المتغيرات، كما تستوجب تعاوناً بين الأجهزة المعنية والأفراد ومنظمات المجتمع المدني لمحاصرة هذه الظواهر، كما تتطلب كذلك تعاوناً دولياً وثيقاً لمكافحتها وتجفيف منابعها.
الأمن الوطني في عصر المعلومات:
لقد جعلت ثورة المعلومات من العالم قرية صغيرة تتأثر بشكل تفاعلي متسارع، ولم يعد الحديث عن قضايا معزولة على الصعيد الأمني أو السياسي أو العسكري مسألة واردة، وقد أدت الثورة الحاصلة في تكنولوجيا المعلومات إلى حدوث تحول نوعي هائل في الدراسات العسكرية والأمنية فيما يتعلق بتأثيرها على عمليات مترابطة تبدأ بجمع المعلومات وتحليلها، وصنع القرار، والتخطيط العسكري، كما اختلفت مصادر وأنماط تهديد الأمن الوطني في ظل ثورة المعلومات حيث أنها لم تعد مقصورة على الجواسيس التقليديين أو الأجهزة والمؤسسات التي تتلقف المعلومات المنشورة وتخضعها للبحث والتحليل أو غيرها من وسائل تهديد أمن المعلومات التي سادت طيلة قرون مضت، بل أصبح لها أوجه رقمية إلكترونية غير مسبوقة في شمولها وعمقها واختلافها واتساع نطاق تغطيتها وتعاظم أضرارها وذكاء منفذيها وتعقد آلياتها وتواصل هجماتها. قبل ظهور الأدوات الحديثة المعتمدة على تكنولوجيا المعلومات والإلكترونيات والاتصالات كانت هناك الوسائل التقليدية لجمع المعلومات التي تعتمد بشكل كبير على العناصر البشرية من الجواسيس ومجموعات الاستطلاع من عناصر المخابرات الذين يعملون داخل صفوف العدو من أجل نقل المعلومات اللازمة، ومع تطور تكنولوجيا المعلومات أصبح العملاء يقومون ليس فقط بإرسال معلومات، ولكن بمهام أخرى منها مثلاً وضع مستشعرات وأجهزة متقدمة جداً في الأماكن الحيوية والإستراتيجية، كما تسهم في تحديد الأهداف، والتصويب تجاهها بشكل أدق، كما أن هناك أيضاً تتبع المعلومات العلنية المتاحة من قبل العدو، وهي أداة تقوم على عناصر بشرية مدربة تستعين بالحاسبات وتكنولوجيا المعلومات في رصد ما تنشره هيئاته ومؤسساته المختلفة.
ويشير بعض الخبراء أن نسبة كبيرة من المعلومات المخابراتية المستخدمة عسكرياً تأتي من مصادر علنية. ولعل أبرز وسائل الاستطلاع الحديثة هي الأقمار الصناعية والرادارات العملاقة التي يمكنها التجسس على الاتصالات والتحركات المعادية كما تشمل المستشعرات وأدوات التصوير الجوي والطائرات بدون طيار. كما تزايدت العلاقة ما بين التكنولوجيا والأمن لارتباط الدول بها في عمليات الاتصال والإنتاج والخدمات بما يجعلها في الوقت ذاته تعتمد على أنظمة معلومات قد تكون هدفاً سهلاً للهجمات الإرهابية، ويتزامن هذا مع محاولة الإرهابيين المستمرة الحفاظ على تحديث أسلحتهم وإستراتيجيتهم، كما ظهرت الحروب الجديدة في سياق دولي يغلب عليه الطابع التكنولوجي، وذلك بخلاف الحروب القديمة بين الدول والتي كان هدفها تحقيق أكبر درجة من الضرر للخصم والاستخدام المنظم للقوة في مواجهة قوة أخرى، وهذه الحروب تتم داخل شبكات متعدية الحدود، والتي قد تشمل دولاً وأطرافاً أخرى من غير الدول، ويكون هناك عدم اعتماد كامل على المعارك العسكرية التقليدية، بل تأخذ صوراً للتنافس والصراع على المعطيات التكنولوجية. وقد أدت ثورة المعلومات إلى جعل تكنولوجيا المعلومات بمنزلة الجهاز العصبي للأجهزة الأمنية والأجهزة المعنية بالأمن القومي، الأمر الذي أدى إلى تغير في شكل التهديدات ونمطها.
أبرز التهديدات التي تواجه الأمن القومي العربي :
ـ احتمالات اندلاع حرب إقليمية وما ينتج عن ذلك من تأثيرات سلبية على الاقتصاد الوطني وحركة السياحة والتجارة.
ـ خلل التركيبة السكانية.
ـ التهديدات التي تواجه الهوية الثقافية للأجيال الناشئة.
ـ الهجمات الإلكترونية التي يمكن أن تتعرض لها البني التحتية والمنشآت النفطية.والمؤسسات الحكومية.
ـ بيئة الاضطراب الإقليمي الناجمة عن تنامي الطموحات النووية الإيرانية.
ـ غياب الاستقرار عن دول إقليمية مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن.
ـ خطر تنظيم القاعدة الذي تحول إلي داعش الدموية الإرهابية وكثرة فروع التنظيم وانتشاره في الدول العربية ومحاولته هدم وانهيار النظام الدولي بها وتحويلها إلي دويلات بتوجيه غربي صهيوني .
ـ تنامي معدلات البطالة بين شباب المواطنين، وتراجع نسب فرص العمل للمواطنين، على الرغم من المقدرة المتزايدة للاقتصاد الوطني على توليد فرص عمل جديدة.إلا أنة الظروف الحالية ليست مناسبة لنو إقتصادي مما يزيد الطينة بله.
ـ تحديات مجتمعية ثانوية تهدد الأمن المجتمعي مثل الإدمان، وانتشار المخدرات، وممارسات العنف بين الشباب، وكذلك العنوسة، والطلاق، والزواج من أجنبيات، وغير ذلك.
الدول الكبرى والأمن القومي العربي:
هل تسمح الدول الاستعمارية الكبرى ، المناصرة لعدونا القومي ، والمتلهّفة على نهب ثرواتنا ، والمتفقة على تدمير تراثنا ، وتشتيت شملنا ، وتشويه حضارتنا ، بتحقيق الأمن القومي في بلادنا ؟
إننا نشك في ذلك ، لأن إنجاز هذا المطلب الأمني ينطوي على تحقيق تعاون وتضامن وتفاهم بين الأقطار العربية ، ويُبشّر باحتمال قيام اتحاد عربي بينها ، وهذا ما تخشاه دول الهيمنة والسيطرة . ولذلك فإنها تسعى دائماً إلى استنباط أساليب تآمرية ، أو الترويج لمشاريع تفتيتيّه ، تستهدف الأمة العربية في وجودها الحضاري والإنساني ، وفي تطلعاتها إلى غدٍ أفضل . والسوابق شواهد .
ففي النصف الأول من القرن العشرين تجلّت هذه المخططات التآمرية في اتفاقيات سايكس – بيكو ، وإعلان وعد بلفور ، وفرض صكوك الانتداب ، ثم في اغتصاب فلسطين وإنشاء الكيان الصهيوني ، ومحاولات ربط الدول العربية بأحلاف عسكرية تضم العدو الصهيوني وتستبيح الأرض العربية . والغرض من كل ذلك تمزيق الأمة ، وبث الفتن الطائفية والعرقية بين أبنائها ، وتعزيز مكانة الكيان الإسرائيلي في المشرق العربي .
ما يرمي إلية نظـام ” الشرق الأوسط الكبير ” من تحقيق الأهداف الآتية :
1- طمس معالم الهوية العربية ، وإعادة تشكيل المنطقة العربية بالطريقة التي تلائم مصالح الإمبرياليين والصهيونيين .
2- ضم الكيان الصهيوني إلى عضوية جامعة الدول العربية بعد تغيير اسمها إلى : جامعة الشرق الأوسط ، واستعمال تعبير (قضية الشرق الأوسط) بدلاً من (القضية الفلسطينية) .
3- إغراق منطقة الخليج بالوافدين والمتسللين من غير العرب ، وتمكين هؤلاء ، بعد أن يشكلوا أكثرية السكان ، من السيطرة على مقدرات البلاد ، والتحكم في سياساتها وخياراتها ، وإنهاء ارتباطها بالعروبة .
4- فرض اتفاقيات إذلال وإذعان على بعض الأنظمة العربية ، أو تدمير القدرات العسكرية والإمكانات الإنمائية لبعضها الآخر ، أو تهديد معظمها بقطع المساعدات عنه ، أو تطويقه ، أو حصاره ، أو إلصاق تهمة الإرهاب به
5- تكثيف الوجود العسكري الأميركي في منطقة الخليج ، وتطوير التعاون العسكري الثنائي مع دول الخليج .
6- فصل المشرق العربي عن مغربه ، وإجهاض كل محاولة ترمي إلى تحقيق تكامل عربي أو التقاء إقليمي بين الدول العربية .
7- إشعال سلسلة متلاحقة من الحرائق الدينية والطائفية والعرقية في دول المنطقة كافة .
8- السيطرة على مقدرات الوطن العربي ، والاستيلاء على ثرواته الطبيعية ، وإكراه النوابغ من أبنائه على الهجرة وتقديم ثمرات أفكارهم لأعداء وطنهم .
9- تشجيع النزعة القطرية المتزمتّة ، وإجراء مفاوضات ثنائية مع العدو الصهيوني بغرض الاعتراف به ، وتقديم تنازلات عن الحقوق والمكاسب القومية دون حساب ، والانغماس في معضلات ومآزق من شأنها إلهاء العربي وإبعاده عن همومه وتطلعاته القومية .
10- تغييب الأمن القومي العربي ، أو الحيلولة دون تحقيقه ، تمهيداً لتصفية مقومات الوجود العربي .
نشأة الإستراتيجية و مفهومها الإستراتيجية، النشأة و التعريف:
سنحاول التطرق لنشأة الإستراتيجية كمفهوم و كممارسة عبر التاريخ، قبل ان نتناول في فقرة ثانية مختلف التعريفات التي أعطيت للإستراتيجية بدا من تعاريف المدرسة الغربية الى المدرسة الشرقية، فتعاريف المدرسة العربية.
نشأة الإستراتيجية في الـتأسيس و التكوّن:
لقد ظهرت في أثينا منذ القرن الخامس قبل الميلاد وظيفة ما يمكن أن نسميه المخطّط الإستراتيجي أو الحربي stratège . حيث “القبائل” تختار عشر ” استراتيجيين” أو مخططين. يؤسسون مدرسة يستطيع أحد من داخلها أن يفرض نفسه على الآخرين المتبقين. لكن جميع الأعضاء في هذه المدرسة ليدهم الإمكانية في قيادة الجيش أو جزءا منه، فاستراتيجي من بينهم يقود الجنود المسلحين في المناطق الريفية،وآخر مكلف بالدفاع عن الإقليم أو الدولة،واثنان آخران مهمتهما الدفاع عن الشواطئ،أما الخامس يهتم بتسليح الأسطول، والخمسة الآخرون يكون لديهم أعمال متعددة ومتغيرة. بعد الاسكندر الأكبر،مدرسة الإستراتيجيين ستتبدل وتتغير في المملكة الهيلينية،ولكن تبدل نحو التوسع على كافة أراضي المملكة مع ضعف في الأهمية لهذه المدرسة. ومع أن وظيفة الإستراتيجي يبدو أنها أصبحت مؤمنة ومضمونة،لكن فكرة الإستراتيجية بقيت غامضة.
أدرك اليونانيون مفهوم الإستراتيجية على أنها تعني الشمولية في التفكير والتصرف مع النظرة الواسعة بعيدة المدى , فقد عرفها قدامى اليونانيون بأنها (مجموعة القرارات الهامة المشتقة من عملية إدارية عالية التنظيم لاتخاذ القرار على أعلى المستويات في المنظمة ) . وأرجو من القارئ الكريم أن يدرك هذا المفهوم اليوناني القديم للإستراتيجية , لأنه سيكون مرتكزا قديما جديدا لمفهوم الإدارة الإستراتيجية .
انبثق مفهوم الإستراتيجية من الفكر العسكري بفعل ارتباطه مدة طويلة بالانتصارات او الإخفاقات العسكرية البحتة التي تحدث في ساحة المعركة .وبأستمرار التطور الانساني وتنامي القدرات البشرية والمادية تحققت فائدة مهمة من هذا المفهوم في المجال السياسي – الاجتماعي خاصة
تعريف الإستراتيجية:
يعد مصطلح الإستراتيجية من اكثر المصطلحات الشائعة والمتداولة . الا ان الكثير ممن تداولوا هذه الكلمة كانوا يجهلون معناها الحقيقي. فاشتقت كلمة إستراتيجية من الكلمة اليونانية (Strategos) ومعناها الحرفي قائد، وكانت تعني ايضا فن قيادة القوات وعرفت لمدة طويلة من الزمن على انها فن كبار القادة العسكريين، ثم انتقلت معرفتها من جيل الى اخر بحدود ضيقة . وبما ان القائد العسكري كان في الغالب الإمبراطور او الملك ، فمفهوم الإستراتيجية تباين لدى كل قائد او مفكر تبعا لتباين التكوين الفلسفي والفكري لكل منهم، فكان فن قيادة القوات العسكرية هو المعنى الذي انسجم مع مفهوم الإستراتيجية في العصور القديمة ويعود تاريخ الإستراتيجية الى كتابات المفكر الصيني سان تزو -الذي ارشد القادة العسكريين من خلال كتابه فن الحرب الى التخطيط في الحرب من اجل النصر ، وقد صاغ رأيه في الإستراتيجية بعبارة ذات دلالات هي ”تظاهر في الشرق واضرب في الغرب”.و عرفها بكتابه الشهير بأنها ”فن تنظيم الجيوش و تنسيق القوى ووضع الخطط العسكرية في المعركة و هي الخطة الشاملة”. وعرف كارل فون كلاوزفيتز الإستراتيجية بأنها استخدام الاشتباك وسيلة للوصول الى هدف الحرب.
وقد أصبح من الصعب تقديم تعريف شامل للإستراتيجية لأن الدلالات والمعطيات الظرفية متغيرة حسب المستجدات السياسية والعسكرية والاقتصادية في العالم وما تحكمه ساحة الصراع، ويشير أحد تعاريف الإستراتيجية الى أنها علم وفن توظيف القوى السياسية، والاقتصادية، والنفسية، وكذلك قوات الدولة العسكرية، أو مجموعة الدول لتقديم أقصى دعم للسياسات المتبناة أو المتخذة سواء في السلم أم في الحرب ويشير تعريف آخر لها بانها فن استخدام القوة للوصول إلى أهداف السياسة
إن كلمة إستراتيجية هي خطط أو طرق توضع لتحقيق هدف معين على المدى البعيد اعتماداً على التكتيكات والإجراءات الأمنية في استخدام المصادر المتوفرة في المدى القصير ، وعندما نسمع او نقرأ كلمة إستراتيجية فيخطر الى ذهننا التعبير العسكري لهذة الكلمة ولكنها الآن تستخدم بكثرة في سياقات مختلفة مثل الإستراتيجية العسكرية ، الإستراتيجية الوطنية ، الإستراتيجية التسوقية الي اخره.ويعود أصل الكلمة من اليونانية stratēgos، التي تعني الآمر العسكري في عهد الديمقراطية الاثنيية. وأريد ان استطرأ الآن الى نشأة( مفهوم الإستراتيجية) فهذا المفهوم ظهر نتيجة الي الحروب السابقة التي هي واحدة من الظواهر الحتمية في حياة الإنسان وبما انها كذلك فقد استحوذت -كسواها من فروع المعرفة الإنسانية- على اهتمام كثير من المفكرين والدارسين الذين حاولوا لوصول إلى استنتاجات ومبادئ وقوانين عامة لهذه الظاهرة المعقدة من خلال الدراسة المقارنة لتجارب الحروب الإنسانية على مختلف أنماطها. ومن هنا ظهرت المؤلفات في هذا المجال قبل أكثر من عشرين قرنا على يد بعض العسكريين الصينيين تلتها مؤلفات أخرى لعسكريين ومفكرين إغريق ورومان وعرب و أوروبيين تناولت جميعها بعض المفاهيم و المبادئ الأساسية والتفصيلية للحرب. مما نتج عنه نشوء فرع جديد من فروع المعرفة الإنسانية اصطلح على تسميته الفن العسكري او الفن الحربي.
يقول الإستراتيجي الصيني الشهير” Sun Zi”:” إن الأكثر تميزا من القادة بيننا هم هؤلاء الأكثر حكمة و الأكثر استشرافا و رؤية”. بعد عشرين قرنا من مقولته يأتي القانون العسكري الياباني متأثرا بشكل عميق بهذه المقولة و ليفرض على العسكريين ” العسكر يجب أن يعرفوا في نفس الوقت الفنون و النظريات العسكرية”. ثم يأتي “فريدريك الثاني ” في أوربا ليؤكد أن “قراءة الأدب و الرسائل الجميلة هي ضرورية لهؤلاء الذين في الحياة
العسكرية”.
إذا يمكن القول بأن : الإستراتيجية هي كلمة استخدمت أصلا في الحياة العسكرية وتطورت دلالاتها حتى أصبحت تعني فن القيادة العسكرية في مواجهة الظروف الصعبة وحساب الاحتمالات المختلفة فيها واختيار الوسائل الرئيسة المناسبة لها.
والتكتيك عبارة عن مجموعة من الخطط قصيرة الأجل المتتابعة التي تعتبر إستراتيجية عند تجميعها معا وفن تطبيق الاستراتيجيات هو التكنيك الذي يعد بمثابة الطريقة المثلي للتنفيذ.
فالإستراتيجية هي “مجموعة الأفكار والمبادئ التي تتناول ميدانا من ميادين النشاط الإنساني بصورة شاملة متكاملة ، وتكون ذات دلالة على وسائل العمل ومتطلباته واتجاهات مساراته بقصد إحداث تغييرات فيه وصولا إلي أهداف محدده. كما أنها أفعال أو مجموعة من الأفعال التي تهدف إلي تحقيق الأهداف المرسومة. وحيث إن الإستراتيجية معنية بالمستقبل فإنها تأخذ بعين الاعتبار احتمالات متعددة لإحداثه وتكون قابلة للتعديل وفقا للمستجدات. كما تحتل الإستراتيجية موقعا وسطا بين السياسة والخطة وتستخدم الإستراتيجية في الدراسات المعنية بأساليب التخطيط والتدبير والتنظيم.
وفي ما يلي تعريف الإستراتيجية لمفكرين سياسيين وعسكريين من المدرستين الغربية والشرقية وكذلك لمفكرين عرب .
المدرسة الغربية:
1- كلاوزفيتز : يعرف الإستراتيجية بأنها فن استخدام الاشتباك من أجل هدف الحرب .
2- ليتريه: هي فن إعداد خطة الحرب وتوجيه الجيش في المناطق الحاسمة والتعرف على النقاط التي يجب تحشيد أكبر عدد من القطعات فيها لضمان النجاح في المعارك .
3- فون درغولتز : هي التدابير الواسعة التي تستخدم في تحريك القوات الى الجهة الحاسمة في أكثر الظروف ملائمة ويمكن أن يسمى علم القيادة .
4- ليدل هارت: هي فن توزيع واستخدام مختلف الوسائط العسكرية لتحقيق هدف السياسة وسرعان ما أدرك ليدل هارت بأن تعريفه هذا لم يحط بجميع المفاهيم المتزايدة باستمرار في عددها وحجمها .
5- ريمون أرون : هي قيادة وتوجيه مجمل العمليات العسكرية ، أما الدبلوماسية فهي توجيه العلاقات مع الدول الأخرى على أن تكون الإستراتيجية والدبلوماسية تابعتين للسياسة .
6- أما المفهوم الأمريكي فقد عرف دليل ضباط أركان القوات المسلحة الأمريكية لعام 1959 الإستراتيجية بأنها فن وعلم استخدام القوات المسلحة للدولة لغرض تحقيق أهداف السياسة العامة عن طريق إستخدام القوة أو التهديد باستخدامها .
7- أندريه بوفر : هي فن استخدام القوة للوصول الى أهداف السياسة
وبعد أن إستعرضنا جملة من التعاريف الغربية للإستراتيجية سنتناول الآن تعاريف لمفكرين عنالمدرسة الشرقية :
1- لينين : الإستراتيجية الصحيحة هي التي تتضمن تأخير العمليات الى الوقت الذي يسمح فيه الانهيار المعنوي للخصم للضربة المميتة بأن تكون سهلة وممكنة.
2- ماوتسي تونك : هي دراسة قوانين الوضع الكلي للحرب .
3- كوزلوف : هي عملية خلق الوسائل العسكرية التي تمكن السياسة من الحصول على أهداف .
و من المدرسة العربية نعرض لتعريف كل من :
1- المدرسة المصرية : التي تعرف الإستراتيجية على أنها أعلى مجال في فن الحرب وتدرس طبيعة وتخطيط وإعداد وإدارة الصراع المسلح وهي أسلوب علمي نظري وعملي يبحث في مسائل إعداد القوات المسلحة للدولة واستخدامها في الحرب معتمداً على أسس السياسة العسكرية كما انها تشمل نشاط القيادة العسكرية العليا بهدف تحقيق المهام الإستراتيجية للصراع المسلح لهزيمة العدو .
2- المدرسة العراقية : تعرفها على أنها فن إعداد وتوزيع القوات المسلحة واستخدامها أو التهديد باستخدامها ضمن أطار الإستراتيجية العامة لتحقيق أهداف السياسة .
و من خلال ما سبق يمكن تحديد مفهوم الإستراتيجية المعاصرة في أربعة عناصر :
1_ انه يرتبط بأمن الدولة والمجتمع ، 2- ويعنى بتعبئة موارد المجتمع وتنظيمها وتوجيهها ،3_ وهو متغير ومتطور بتغير الظروف و الموارد والخيارات المتاحة،4_ ويتضمن في ثناياه عدد من الإستراتيجية المتخصصة التي تترابط وتتكامل فيما بينها لتحقق، كل في مجالها، أغراض الإستراتيجية العامة، وصولاً إلى الأغراض التي حددتها السياسة .وتميزت الإستراتيجية المعاصرة بتلاؤمها مع تغير طبيعة الحرب في اثر دخول الأسلحة النووية و الصاروخية في ميدان الصراع المسلح، وهو ما أدى إلي ظهور تغيرات جذرية في طرائق الحرب وفي تحديد الأغراض الإستراتيجية .
إستراتيجية الأمن القومي:
المفهوم الشامل: – المبدأ الطبيعي هو البقاء للأقوى – لذا فإن إستراتيجية الأمن القومي هي عمليه فلسفيه تخطيطية مشتركه لاستغلال جميع مقومات الأمة وقدراتها للوصل لأفضل خطة إستراتيجية توجه طاقات الأمة الرئيسية – الاقتصاد – مصادر الثروة – القوى البشرية – الموقع الإستراتيجي – الدفاع – التكنولوجيا – التراث الروحي والحضاري – السياسة – لتحقيق مستوى عال من القوة والهيبه القومية بشقيها الدفاعي والتعرضي.
السلام الاستراتجي:
المفهوم العام الطبيعي: معاهدة السلام وتفاهمات الحياد وعدم الاعتداء تبرم بين طرفين متماثلين في القوة توصلا لمرحلة قناعه وربما مصلحه توجب إنهاء حالة الحرب وفق شروط لا غالب ولا مغلوب ولا منتصر ولا مهزوم ودون شروط مسبقه – حيث أنها صفقه مرحليه تشبه لحد بعيد استراحة محارب – قد تنقلب في وقت ما إذا شعر أحد الأطراف بتفوق قدراته الذاتيه على الطرف الآخر الى حالة حرب – لذا يجب على كلا الطرفين عدم التفريط بامتلاك وتطوير سلاح الردع للقوة العسكرية.
الاستسلام: بعكس السلام الإستراتيجي تماما” حيث لا يوجد طرفين لا بل طرف واحد قوي يملي شروطه وآخر ضعيف لا حول له ولا قوه إلا أن يستلم ويصغي وينفذ.
السلام المصري والأردني مع إسرائيل – كامب ديفيد + وادي عربه: يقول د. كامل أبو جابر [ العرب يفتقدون لإستراتيجية الحرب والسلام مع إسرائيل ] ولذلك فهم مهددون باستمرار منها بالرغم من اتفاقيات ومعاهدات السلام – وعلى سبيل المثال والنكته يقول [ حدث وأن دعي الملك الراحل الحسين قادة أحزاب في إسرائيل بعد توقيع معاهدة وادي عربه لتناول طعام الإفطار وفي الطريق جوا” الى عمان عبروا نهر الأردن وفوقه بدؤوا الغناء وأنشدوا – نهر الأردن له ضفتين الأولى لنا والثانية لنا ].
وهذا دليل على أن السلام الإستراتيجي لم يتحقق مع إسرائيل لأنه ليس للعرب أي إستراتيجيه فالبوصلة العربية تائه في الصحراء.
وظائف الإستراتيجية
1- تشخيص الوضع الراهن وتحديد عناصره وعوامله الإيجابية والسلبية والعلاقات المباشرة وغير المباشرة بين هذه العوامل إيجابا وسلبا.
2- تحديد القوى والوسائل المتاحة واختيار الأكثر ملائمة من بينها.
3- تعبئة وحشد القوى والموارد اللازمة.
4- استغلال العوامل الإيجابية وإتاحة الظروف المناسبة لنموها.
5- تحديد العوامل السلبية ووضع الخطط والظروف الملائمة لحصرها.
6- توفير الشروط والظروف والتنظيمات المناسبة.
7- تنسيق استخدام العوامل والوسائل والظروف والقوى ووضعها في منظومة واحدة مترابطة تحقق التكامل والتفاعل.
8- مراعاة المواءمة مع المواقف المتغيرة والمرونة وفق الظروف المتجددة والقدرة على الحركة الواسعة بسرعة كافية.
المبادئ العامة للإستراتيجية و أنواعها:
سنتطرق في فقرة أولى من هذا المطلب للمبادئ العامة التي تتأسس عليها الإستراتيجية قبل ان نتناول في فقرة ثانية الأنواع التي يمكن تقسيم الإستراتيجية إليها و خصوصا الإستراتيجية المباشرة و الإستراتيجية غير المباشرة.
المبادئ العامة للإستراتيجية
في الواقع،إن مبادئ الإستراتيجية لا يمكن تجاهلها لا على المستوى الاستراتيجي ولا على المستوى التكتيكي في الحرب أو في غيرها. فالمبادئ الإستراتيجية هي قواعد عامة تهدف للوقاية من مفاجآت العدو والتأكد من التفوق عليه في أية خطوة نختارها في التعامل معه. إن التاريخ يبين أن وضع مبادئ الإستراتيجية ثم التقيد بها في عملية صناعة القرار هي من أكبر الصعوبات التي واجهت عمل الإستراتيجيين في زمن الحرب و السلم. وعمليا هذا ما دفع العديد منهم للقول بأن تطبيق مبادئ محددة للإستراتيجية يختلف كثيرا عن صياغتها أو وضعها،حيث أنه من المستحيل التقيد الصارم بهذه المبادئ.
إذا، هل يمكن وضع قواعد دائمة يمكنها قيادتنا لاسيما أثناء الحروب؟ إن البحث عن مبادئ إستراتيجية بدأ بشكل عملي منذ بداية تبلور الفكر العسكري الحديث. في بداية القرن السادس عشر كان ميكيافلي قد أعلن ذلك مسبقا :” لا يوجد علم لديه مبادئه العامة التي هي قاعدة لمختلف العمليات أو الممارسات التي نقوم بها”.هذا البحث عن المبادئ طُرح بشكل واضح من قبل المارشال Marmont:” نحن نكتشف مبدأ ثم نبحث فيما بعد عن أفضل وسيلة للوصول إليه أو تطبيقه فالمبادئ تكون معروفة، لكن العبقرية في تطبيقها وهنا يكمن فن الحرب”.
إن جميع التأكيدات حول عالمية المبادئ تصطدم بمسألة تتعلق بشكل مباشر بهذه المبادئ وهي تنوعها وتحولاتها الدائمة. فالمبادئ في علم الإستراتيجية تتغير من كاتب إلى آخر،وما هو أساسي عند هذا الكاتب ربما يكون هامشيا عند غيره. وهذا ما دفع العديد من المتخصصين للقول ،وهم يحاولون إيجاد حل لتحولات وتغيرات المبادئ، بأن المهم ليس إيجاد المبادئ ولكن المهم هو البحث عنها.
و تلازما مع ذلك فان وضع أسس ثابتة للإستراتيجية يتناقض مع طبيعة الحرب نفسها. فالحرب عمل متبدل ومتطور تتداخل فيه عوامل كثيرة فتغير من طبيعته ومقوماته ونتائجه، وليس ثمة إمكانية للوصول إلى قواعد حسابية ثابتة تحكم تلك العوامل، وتصلح لكل الحالات.
وعلى الرغم من ذلك حاول المنظرون الإستراتيجيون صياغة أسس وقواعد عامة للإستراتيجية، سميت بمبادئ الإستراتيجية، ويمثل مجموعها مختلف العصور والمدارس والعقليات التي صاغتها، ويمكن دمج هذه المجموعة فيما يلي: التعبئة، المناورة، السرعة، الحركة، تجميع القوى، حرية العمل، مطابقة الهدف مع الإمكانات، عدم إضاعة الهدف، متابعة الجهد، اختيار الموقع الأقل توقعا، استثمار موقع المقاومة الأضعف، إجبار الخصم على التبعثر بالتقرب غير المباشر، المفاجأة، تلاحم الجيش والشعب، الإعداد النفسي والحرب النفسية، الردع، اختيار مكان الضربة الرئيسية في المكان الحاسم، تحقيق تفوق القوى في المكان المحدد، تأمين الاحتياط الاستراتيجي للحفاظ على حرية العمل، الاقتصاد بالقوى الرد التدريجي، الرد المرن، وغيرها.
ويمكن القول إن هذه المبادئ على الرغم من تباينها ، صحيحة بصورة عامة، على أساس أن صحتها نسبية، وتتعلق بموقف معين، أو حالة معينة، ويمكن القول إن كلا من هذه المبادئ ينطبق على نموذج معين أو أكثر من النماذج الإستراتيجية، ولكن لا يجوز أخذها كأسس وقواعد مطلقة.
أنواع الإستراتيجية:
في هذا الإطار و بالنظر لتنوع الاستراتيجيات المختلفة والمتبعة على مستويات عدة سوف نقتصر على نوعين من الإستراتيجية وهي الإستراتيجية المباشرة في فقرة أول والإستراتيجية غير المباشرة في فقرة ثانية.
هي النموذج الحربي الذي يتسم بإرادة القضاء على الخصم بسرعة بواسطة المعركة وبهجوم يستهدف القضاء على ترتيبه الهجومي أو الدفاعي ومن حرب 1870 إلى الحرب الروسية اليابانية، كانت معظم الاستراتيجيات إستراتيجيات مباشرة ولم تكن حاسمة في الكثير منها. وهو ما برز خلال الحرب العالمية الأولى التي أستخدم فيها الهجوم المباشر المدعوم بالمدفعية والتي بينت إمكانية اختراق العدو عند ضعف معنوياته وخرج معظم القادة العسكريين بدرس قديم وهو أن هدف الحرب الحقيقي هو روح قادة الأعداء لا أجساد جنودهم وهكذا تبين ضعف الإستراتيجية المباشرة أو كلفة الإقدام عليها لما تنطوي عليه من مجازفة في ظل غياب معطيات أكيدة، مما جعل العديد من القادة العسكريين عبر التاريخ يلجأون إلى الإستراتيجية غير المباشرة لأنها حققت مكاسب مهمة.
إن التاريخ القديم والحديث حافل بأمثلة الإستراتيجية غير المباشرة وقد عرفت أنها نموذج يلعب فيه الطموح والصبر دورين أساسيين وأن من الواجب تفتيت الخصم ماديا ومعنويا وإزعاجه وزعزعة توازنه والاقتراب منه من اتجاهات لا يتوقعها قبل الإجهاز عليه إجهازا تاما.
كما حلل ” ليدل هارت” في كتابه الإستراتيجية وتاريخها في العالم، كل المعارك الحاسمة في التاريخ التي كسبت عبر الإستراتيجية غير المباشرة سواء في الحروب اليونانية أو البيزنطية، ويقسم هارت الهجوم الاستراتيجي إلى نوعين مادي ومعنوي فالأول سيستهدف القوات المعادية والثاني مركز تفكير هذه القوات. ويتمثل في أربعة أمور:
1- احتلال موضع2- تجاوز الحصون3- الاعتماد على العوامل النفسية أكثر من الإدارية4- خلق ثغرة في نقطة أشبه أن تكون مفصلا حساسا.
ويقال أن الشيوعيين من أكثر الناس تطبيقا لمنهج الإستراتيجية غير المباشرة في ظروف الصراعات الدولية التي يخوضونها ضد خصومهم.
كما أن المدخل غير المباشر في إدارة الصراعات الدولية يمثل أفضل إستراتيجية للحركات العسكرية أو الثورية التي قد لا تتكافأ في الإمكانيات مع قوة معادية وأن السبب في نجاح الشيوعيين أكثر في غيرهم مرده إلى تصوراتهم الأكثر شمولا عن الصراع ومعرفتهم الوثيقة بالعدو وإلمامهم بالمبدأ الاستراتيجي المتحكم في أنماط تفكير وسلوك العدو.
إن الإستراتيجية غير المباشرة إستراتيجية بالغة التعقيد ورهيبة الفعالية وتتميز بصفات ماكرة مخادعة لأنها أصلا غير مباشرة.
وتكمن هذه الإستراتيجية في حرية العمل التي تتيحها على حد تعبير الجنرال “أندريه بوفر”.
وهكذا تقلص استخدام هامش حرية العمل في العصر الذري ويرتبط بالخوف من الدمار المتبادل ومن الانتحار بطريقة ” الهاراكيري” نظرا للعوامل الآتية.
1- قيمة الردع النووي
2- ردود الفعل الدولية
3- الإمكانات المعنوية للخصم واحتمالات خضوعه للضغوط الدولية.
إن من نماذج الإستراتيجية غير المباشرة هي إبقاء العدو في حالة نشاط متواصل بشكل تهدد فيه أهدافه الحيوية ونقاطه الضعيفة، إذ للقيم المعنوية في كل صراع أهمية أساسية، غير أنه ليس الوحيد لأن العامل المعنوي والمادي مترابطان وهو ما تسميه وجهة النظر الروسية ” العامل المعنوي السياسي” عبر تضافر جهود الدولة والشعب وقدرة الدولة على التنظيم المادي والسياسي كي تحافظ على ارتفاع الروح المعنوية للجيش والشعب.
ويمكن تقسيمها بصيغة آخرة كالتالي:
1- الإستراتيجية العقلانية:
تستند هذه الإستراتيجية إلى الدراسة العلمية كما تفترض استعداد الناس المقصودين بها للاقتناع بمتطلباتها نظرا لموضوعيتها واستنادها إلى أصول التفكير العلمي المنطقي السليم. وهذه الإستراتيجية تعتمد على البحث العلمي وعلى تولى الكفاءات العلمية لوضعها، وللنهوض بمتطلباتها وقيادة حركة التغيير المنشودة منها، كما تعتمد على الأساليب الحديثة فى الإدارة والتنظيم.
2- الإستراتيجية التوجيهية:
يعتمد هذا النوع من الإستراتيجية على جذب اهتمام الناس المعنيين بها، واستثارة بواعثهم وكسب ثقتهم وشحذ إرادتهم وتعديل مواقفهم واتجاهاتهم وعواطفهم تعديلا يدفعهم إلى القيام بالأعمال المطلوبة منهم طواعية واختياراً بينما لا تنكر ما لدى الإنسان من ذكاء وعقلانية. وهى تعنى بالدعوة والإقناع وكسب الثقة وتنمية الروح المعنوية ويترتب على ذلك تمكينهم من المشاركة فى اتخاذ قرارات بشأنها وإشراكهم فى عملية وضع هذه القرارات والاعتماد على تعاونهم فى تطويرها كما تراعى هذه الإستراتيجية خصائص الثقافات والقيم الاجتماعية السائدة بين الناس فى مجالاتها.
3- الإستراتيجية السياسية الإدارية:
تعتمد على القوة النابعة من السلطة السياسية أو الإدارية وتفترض فى الناس المعنيين بها المطاوعة لمطالب السلطة واتجاهاتها ومتابعتهم للخطط والتوجيهات الصادرة عنها كما تعتمد أيضاً على التشريعات الحكومية وما يترتب عليها من توجيهات وتعليمات.
ويرى الكاتب أنه قد يكون لكل نوع من الاستراتيجيات مواضع ملائمة لكل تطبيق دون غيره ومن الأفضل أن تكون الإستراتيجية المعتمدة للتنفيذ يتكامل فيها الأنواع الثلاث من الاستراتيجيات والاستفادة من مزاياها وتجميعها فى الإستراتيجية المتبعة فى الهدف المراد تحقيقه وذلك على أساس علمى يمكن الرجوع إليه عند تنفيذ الإستراتيجية. حسب الغرض الموضوعة من أجله الإستراتيجية وبما يخدم تحقيق الهدف المنشود.
أسس بناء الإستراتيجية:
على الرغم من التأكيد على أن وضع أسس ثابتة للإستراتيجية يتناقض مع التغيرات الدائمة للطرق التكتيكية التى تتسم بسرعة التغير لمسايرة التطورات الحادثة سواء الداخلية منها أو الخارجية لكن يمكن القول أن القواعد والأسس تمثل الخطوط الأساسية التى يمكن إنتاجها فى بناء الإستراتيجية التربوية ومن بين هذه القواعد والأسس ما يلى:
1- ﺇن نقطة البدء فى بناء الإستراتيجية هى تحديد الأهداف بطريقة واضحة ومقارنتها بالوسائل والإمكانات مع ملاحظة ضرورة الملائمة بين الأهداف وطرق تحقيقها.
2- مراعاة أن تتسم الإستراتيجية بالمرونة مع القدرة على مواجهة ما ينشأ من تغيرات بعضها محتمل والبعض الأخر يرتبط بعامل التغير مع ملاحظة أن هناك عوامل طارئة يمكن أن تحدث لذا يراعى أن تكون الإستراتيجية دينامية ومرنة.
3- إن الإستراتيجية بناء عقلي تنظيمي يعمل على تحقيق الأهداف التى تضعها السياسة كما أنها تالية لها فى التنظيم لكنها ليست منفصلة عنها.
4- إن الإستراتيجية بجميع مستوياتها تسبق التخطيط ومن ثم فإنها لا تهتم بالتفصيلات الواجبة فى مجال التخطيط.
5- مراعاة أن تتسم الإستراتيجية بالشمول والتكامل فى علاقاتها بواقع إعداد المعلم بكليات التربية وغيرها من الاستراتيجيات التربوية.
وينبغي أن يُراعى الاستمرارية الإستراتيجية مع اعتماد كل مرحلة على المرحلة التى تسبقها وعلى أن يكون المدى الزمني مناسبا حتى يمكن التنبؤ بالتغيرات المتوقعة الحدوث.
وتأتي تعقيدات القرار الاستراتيجي من المفاضلة بين العناصر والأهداف فى إطار البدائل المتاحة ، كما يراعى تنظيم المنظومة الإستراتيجية فى إطار نسق واحد وتحريكه بما يحقق هذه الأهداف بحيث يتم ذلك فى أقل وقت ممكن وبأعلى كفاءة ممكنة دون أن يخل ذلك بالميزانية والتمويل المحدد لذلك .
كما أن الاعتماد على الأسس والقواعد الملائمة لبناء الإستراتيجية عند المفاضلة والاختيار بين البدائل المختلفة يزيد من فاعلية وكفاءة وضع الإستراتيجية المناسبة لتحقيق الهدف منها وتحقيق أعلى جودة ممكنة بما يتماشى مع معايير الجودة العالمية لتقويم المخرجات وتحسين الأداء ومن ثم فإن هناك ضرورة ملحة للارتقاء وبصورة مستمرة ووفق إستراتيجية محددة وذلك من خلال تكتيكات متلائمة مع نموذج الإستراتيجية المقترح للوصول إلى الهدف المنشود .
النظريات الإستراتيجية و تطورها :
يمكن أن تكون الإستراتيجية “فن” كما هي علم، وذلك أثناء تطبيقها وممارستها عمليا ،وبشكل دقيق هناك تمييز مثلا في المجال العسكري بين النظرية العسكرية و العمل العسكري:”كل قطاع،وكل مستوى في الحقل العسكري له هذين الجانبين،النظري والعملي”.إن كل نشاط أو فعل يكون مقادا من خلال القوانين،و المبادئ و الطرائق، وهذا الفعل أو النشاط يقام أولا من خلال النظرية. ثم يأتي الفعل والممارسة ليزيد من غنى النظري.
و في إطار هذا المبحث سنحاول التطرق الى مختلف النظريات التي أطرت ميدان الفكر الاستراتيجي قبل ان نتطرق الى تطور الإستراتيجية خلال القرن العشرين
النظريات الإستراتيجية:
1- نظرية المباريات :Game Theory
تعتبر نظرية المباريات من الناحية التحليلية شكلا من أشكال نظرية اتخاذ القرار لأنها تقوم بدراسة و تحليل تصرفات صناع القرار من حالات الصراع المختلفة أو بعبارة أخرى تصف الكيفية التي يتصرف بها الناس العقلانيون .rational people لانتهاج الخيارات الرشيدة عن المواقف الصراعية و التي تحقق لهم اكبر قدر ممكن من القيم او المكاسب و تجنبهم الخسائر بقدر الإمكان او على الأقل تقليصها إلى اقل حد ممكن ، بمعنى اخر فهي تركز على التعامل مع صراعات المصالح كما لو كانت مباريات في الاستراتيجية و كانت هذه النظرية قد عرفت في 1944 م من طرف اوسكار مور و جوننورمان في كيتابيهما نظرية المباريات و السلوك الاقتصادي إلا أنها بعد ذلك اثبتت صلاحيتها في المجال السياسي خاصة فيما يتعلق بالإستراتيجية و التخطيط للدفاع و اتخاذ القرارات السياسية الخارجية . و قد جاء بعد ذلك عدد من المفكرين أمثال هنري كاهن برنارد برودي هنري كسنجر رونالد برييان حيث طوعوا هذه النظرية للاستخدام في الصراعات السياسية بصفة عامة و في مشكلات الحرب و السلام بصفة خاصة و نظرية المباريات في ابسط معانيها هي دراسة الاستراتيجيات التي يتبناها الأطراف في مواقف النزاع.
2 – نظرية الردع /توازن الرعب النووي :Restraint Theory
الردع بمفهومه العام هو توافر القدرة التي تتيح إرغام الخصم من دون القيام بأعمال عدوانية و يعني إحباط الأهداف التي يتوخاها من ورائه تحت التهديد بإلحاق أضرار جسيمة به تفوق المزايا المتوقعة من وراء الأقدام على مثل هذه التصرفات ، و الردع في نظر الكثير من الباحثين يعتبر بمثابة المحصلة النهائية للتفاعل في العديد من العوامل و المتغيرات العسكرية و السياسية و الدعائية التي تضع الخصم في حالة نفسية يحجم معها عن تقبل المخاطرة و من ثمة فإن الردع الفعال هو المتعدد العناصر و الأشكال .
و هناك ثلاث عناصر رئيسية تشكل في مجموعها ما يمكن ان يعطي للردع فعالية و قابلية للتصديق و بالتالي تدعيمه:
1- توافر المقدرة على الثأر : من خلال الدعاية لهذه المقدرة لتأكيد فعاليتها للطرف الأخر كما يستطيع الكشف عن تفاصيل هذه القوة أو كشف النقاب عن أمور معينة تفيد الطرف الأخر بشكل مباشر أو غير مباشر في بناء تصور عنه ولان الردع لا يجوز أن يبقى سرا فهو يحتاج لنقل بعض المعلومات للطرف الآخر شريطة أن لا تخدم الخصم .
2- التصميم على استعمال هذه القدرة الثأرية في ظروف معينة بعيدا عن أي استعداد للمساومة أو التخاذل أو التراجع ذلك انه إذا أحس الطرف الثاني باستعداد الطرف الرادع للتراجع أو المساومة فانه يعتمد إلى ممارسة بعض الضغوطات و التصرفات التي لن تكون في مصلحة الرادع و من هنا يكون تأثير الردع ضعيف .
و هناك من الدول من تمتلك القدرة الثأرية لكنها تفتقر إلى التصميم في استخدامها نتيجة إيمانها بان الاذعان و التراجع للخصم اقل خسارة من المخاطرة في حرب انتحارية، إضافة إلى ضغط الحركات و التجمعات الوطنية المنادية بعدم استخدام الأسلحة النووية و عدم حل الصراعات بوسيلة الحرب المسلحة (المواجهة المباشرة) و هذا العنصر يمكن تطبيقه على علاقات الإتحاد السوفياتي و الولايات المتحدة الأمريكية خاص من جانب USSR الذي لجأ إلى المساومة للحصول على اتفاقيات الحد من التسلح .
3- أن الردع لا يصل إلى مستوى استخدام القوة و إنما يركز على أساس حشد عناصر القوة و التلويح أو التهديد بها لذلك هناك من يرى ان الردع هو تهديد جدير بالتصديق في تنفيذه . و قد اخذ الردع أهميته في إطار وجود السلاح النووي و هو ما يعرف الردع النووي أو توازن الرعب النووي balance of nuclear teror في ظل التطور الملحوظ كما و كيفا مع استبدال القنبلة الذرية إلى القنبلة النووية ، القاذفات الإستراتيجية و الصواريخ العابرة للقارات و الغواصات النووية
3- نظرية الاحتواء theory of containment (1945 – 1953 )
تعد هذه النظرية من النظريات الأولى للإستراتيجية الأمريكية في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية و قد أسسها و بلورها جورج كنان الدبلوماسي الأمريكي المتخصص في الشؤون السوفياتية و نفذتها حكومة الرئيس هاري ترومان و تعني في نظر صاحبها التعهد الشامل لمقاومة الشيوعية انى وجدت، و يراها العالم الاشتراكي مخططا لسيطرة عالمية أعدته الامبريالية الأمريكية و تقويضا من النظام الذي انبثق عن الحرب العالمية الثانية الذي يقوم على التوازن في العالمين الرأسمالي و الاشتراكي و نبذهما للحرب و تأكيدهما على مبادئ التعايش السلمي و جاء تعبير الاحتواء لأول مرة في مقالة كتبها جورج كينان في مقالة نشرت في مجلة الشؤون الخارجية foriegn afairs لسنة 1947 و جاءت في وقت حل التوتر بالعلاقات الأمريكية / السوفيتية محل التحالف فكانت الحاجة لإعادة تقويم السياسة التي يجب على الولايات المتحدة الأمريكية إتباعها إزاء الاتحاد السوفيتي سابقا .
كما ارتبطت سياسة الاحتواء بالتطورات الجذرية التي حدثت في موازين القوى الدولية نتيجة الهزيمة التي ألحقت بالنازيين و هو ما سمح للتنظيمات النوعية بالتواجد بين مختلف دول المجتمع الدولي و فرض روسيا الشمالية سيطرتها المباشرة على تلك الدول بوسائل القوة المسلحة من شرق أوروبا كما دفعت هذه المخاوف الكثيرة من دول أوروبا إلى الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية التي تمتعت باحتكار الأسلحة النووية آنذاك و محاربة المخططات التوسعية الجديدة للاتحاد السوفيتي في القارة الأوروبية.
و تمثل الإطار النظري لسياسة الاحتواء على إجراء تحليل شامل للأهداف الإستراتيجية السوفيتية و تحليل الطرق التي من خلالها ينظر الإتحاد السوفيتي للغرب الذين يعتبرونه العائق الرئيسي في وجه الشيوعية حيث يقول كنان : ان الإستراتيجية السوفيتية كانت في حالة جس نبض دائم و في مختلف الاتجاهات للحلقات الضعيفة مركز الغرب أو تلك التي كانت تشكل نزاعات قوى يمكن النفاذ منها و استخدامها كنقطة وثوب نحو إحداث تغيرات تتواءم و الأهداف البعيدة المدى لهذه الإستراتيجية و يضيف أن هذه الإستراتيجية كانت مرنة و لم تكن مقيدة بوقت محدد لبلوغ أهدافها و لم يكن لها تقييد في الوسائل التي يجب استعمالها لتحقيق الأهداف.
و قد اعتمدت سياسة الاحتواء عن تحقيق أهدافها التدميرية لإتحاد السوفيتي أربع افتراضات و استراتيجيات :
أ- الحرب الشاملة في حال هجوم على الولايات المتحدة أو أوروبا الغربية
ب- التفوق الجوي و مقدرته التدميرية تفوق تنفيذ أي إستراتيجية هجومية للاتحاد السوفيتي
ج – افتراض عدم المخاطرة باستعمال القوة .
د – الاقتصار من جانب الاعتماد على فرع واحد من فروع القوات المسلحة.
وبقيت فكرة استخدام القوة مرتبطة في أذهان الولايات المتحدة الأمريكية بالحرب الشاملة سواء للدفاع عن أوروبا من الهجوم الشيوعي و للدفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية من الهجوم المباشر و قد اتخذ التطبيق الفعلي لسياسة الاحتواء الكثير من الأحلاف و القواعد العسكرية في كل مكان و خلق الحلف الأطلسي الذي يعتبر القوة الضاربة و الرادعة للاتحاد السوفيتي، أما في آسيا فبدأ تطبيق سياسة الاحتواء بعد سلسلة من مواثيق التحالف و ترتيبات الأمن الإقليمي و قد ظهر ذلك جليا بعد الحصار الذي فرضه الاتحاد السوفيتي على برلين و الانقلاب الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا و الغزو الشيوعي لكوريا علما أن الولايات المتحدة الأمريكية سبق لها و أن أقامت ميثاق تبادل مع اليابان و كوريا الشمالية في 1953 و تعهدوا بالدفاع عن أي هجوم يقع من طرف الشيوعية و قام حلف جنوب شرق آسيا 1959 و حلف بغداد في الشرق الأوسط.
4- نظرية الانتقام الشامل : Massive Retaliation
هي نظرية بلورها جون فوستر دلاس ووزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية في الخمسينيات و التي اعتقد أنها ستكون بمثابة التصحيح لكل الأخطاء و نقاط الضعف التي أسفر عنها تطبيق سياسة الاحتواء ضد الإتحاد السوفييتي في المرحلة التالية على انتهاء الحرب المباشرة . و تقوم هذه النظرية على أن الطريقة الوحيدة لردع أي معتد هي أن يقنعه مقدما بان أعماله العدوانية ستجلب عليه انتقاما مروعا يجعله يخسر أكثر مما يكسب و من ثمة فان الهدف من تطبيق إستراتيجية الانتقام الشامل لن يقتصر على مجرد محاصرة الكتلة الشيوعية و تطويقها ( كما كان الهدف من سياسة الاحتواء ) و إنما كان يتجاوز ذلك إلى العمل على تحرير هذه الكتلة و تدميرها ، و هدفها هو حمل الخصم على الاستسلام و فرض إرادة النصر عليه .
و قد اخذت الاهتمام من طرف الرأي العام الأمريكي الذي رفض مبدأ الحرب المحدودة في مقابل تأكيد المبدأ الأمريكي ”الامتناع عن حرب أو الدخول في حرب شاملة” و كان ذلك ناتجا من تجربة الحرب الكورية ( 1950 – 1953 ) الفاشلة
و قد قامت هذه النظرية على ثلاث مقومات:
1 – تخفيض للقوات البرية الأمريكية و تقليص حجم الإنفاق العسكري
2 – بناء جدار عازل للكتلة الشرقية عن طريق الأحلاف – حلف بغداد وحلف جنوب شرق آسيا
3 – أي محاولة لانتهاك الشيوعيين( الإتحاد السوفييتي) لخط التقسيم الفاصل بين الكتلتين يشكل مبررا كافيا لدخول الولايات المتحدة في حرب شاملة ضدها.
لقد تعرضت نظرية الانتقام الشامل لأول اختبار عنيف لها أثناء حرب الهند الصينية 1954 و هو الاختبار الذي ثبت بعده أن التهديدات الأمريكية باللجوء إلى شن حرب شاملة بالأسلحة النووية لم تكن إلا من قبيل التهويل لذا فقدت قابليتها للتصديق كما أنها برهنت عدم قابليتها للحركة و التصرف في مواجهة الحروب المحدودة و النزاعات المحلية و أنها بالتجائها إلى التهديد بالحرب أذعرت حلفاء أمريكا حين أخفقت في إرهاب أعدائها و انتهت إلى حالة يرثى لها .
الإستراتيجية العسكرية كنموذج استراتيجي:
لم يظهر المفهوم المعاصر للإستراتيجية العسكرية بوصفه علماً من العلوم بين عشية وضحاها؛ لأن صياغة أية مجموعة من المفاهيم لابد أن يسبقها تجميع الكثير من المعلومات فالإنسان ينتقل من الملاحظة والتجربة إلى النظرية في دارسته للكون.
ولأن الحرب واحدة من الظواهر الحتمية في حياة الإنسان، واكبت مسيرته على هذه الأرض وكانت معلماً بارزاً في تاريخه الطويل، فقد استحوذت – كسواها من فروع المعرفة الإنسانية – على اهتمام كثير من الدارسين والمفكرين الذين حاولوا الوصول إلى استنتاجات ومبادئ وقوانين عامة لهذه الظاهرة المعقدة ويمكن القول بأن القرن الخامس الميلادي هو بداية المحاولات الأولى لتنظيم معلومات التجارب والخبرات المكتسبة، وظهرت عبارة “إستراتيجية” النابعة من تعبير “ستراتيجوس” الإغريقي الذي يعني “القائد” أو “قائد القوات”.
ولم يتحقق حتى القرن السادس عشر أي مزيد من الإسهام في صياغة الإستراتيجية العسكرية باعتبارها علماً حتى جاء مكيافلي الإيطالي في ذلك القرن وقام بمحاولات جادة للبحث في جميع القضايا المتعلقة بتسيير دفة الحرب ووضع كتاب “فن الحرب” الذي اعتمد فيه على تجارب القادة العسكريين القدامى.
ومع ذلك فإن التاريخ العسكري للغرب يحدد نصف القرن الثامن عشر كمستهل للعلم العسكري وذلك حين قام هنري لويد المؤلف العسكري الانجليزي بإعداد مجموعة من المفاهيم النظرية العامة ومبادئ الإستراتيجية العسكرية ومن ضمنها:مقدمة الكتاب الذي وضعه عن تاريخ حرب السنوات السبع.
تعريف الإستراتيجية العسكرية:
كما ذكرنا سابقاً بأن الكتّاب والمؤلفين لم يستطيعوا تحديد الهوية الصحيحة للإستراتيجية، وحيث إن لكل منهم وجهة نظره الشخصية ووجود الاختلاف بين مفاهيم هؤلاء الكتاب والمؤلفين فلا يوجد تعريف واضح لمعنى الإستراتيجية ووسائلها مما يوحى بأن مفهوم هذه الكلمة أو الاصطلاح لم يتبلور بعد في أذهان رواد الإستراتيجية ومفكريها.
ولكن سوف أورد بعض التعاريف التي يمكن أن تكون قريبة لمعنى الإستراتيجية حسب رأي أصحابها ومن هؤلاء كلاوزفتز حيث عرفها بأنها: (فن استخدام المعارك كوسيلة للوصول إلى هدف الحرب) أما بالنسبة لمولتكه فقد عرفها بأنها: “إجراء الملائمة العملية للوسائل الموضوعة تحت تصرف القائد للوصول إلى الهدف المطلوب” بينما عرفها ليدل هارت بأنها: “فن توزيع واستخدام مختلف الوسائط العسكرية لتحقيق هدف السياسة”(3) وأما الجنرال باليت فقد عرفها بأنها: “فن تعبئة وتوجيه موارد الأمة أو مجموعة من الأمم – بما فيها القوات المسلحة – لدعم وحماية مصالحها من أعدائها الفعليين أو المحتملين”.
أنواع الإستراتيجية العسكرية:
أولاً: الإستراتيجية العليا:
القيادة السياسية في الدولة هي التي تتولى الإستراتيجية العليا في حين تعتبر الإستراتيجية العسكرية هي نطاق النشاط العملي للقيادة العسكرية العليا، فالإستراتيجية العليا هي التي تقدر وتنمي وتحشد كافة الإمكانات والطاقات الاقتصادية والبشرية والعسكرية والمعنوية وسواها من قوى الضغط للتأثير على عزيمة الخصم ومعنوياته وإرادته لإجباره على الخضوع والتسليم وبالتالي تحقيق هدف السياسة، كما تحدد كافة المهام والأدوار لمختلف الاستراتيجيات العامة، وتؤمن توافقها وانسجامها، وتعالج كافة مراحل الصراع، وتؤمن التوافق بين شتى وسائط وأسلحة الصراع، وتنظم استخدامها وتوجيهها.
وتحتوي الإستراتيجية السياسية العليا على وجهين: أحدهما سياسي والآخر عسكري غير أن كلا الوجهين يشكل وحدة فكرية متجانسة ومترابطة ترمي إلى تحقيق أهداف موحدة ومحددة:
1- الوجه السياسي للسياسة العليا:
هو مجموع المبادئ ذات الصبغة السياسية التي تعالج المسائل المتعلقة بالصراع المسلح والتطور العسكري ككل وتشمل:
أ- الخواص السياسية المميزة للصراع المسلح وهي تشمل انعكاسات السياسة العالمية والإقليمية والمحلية على طبيعة الصراع المسلح.
ب – المحتوى الاجتماعي والسياسي للصراع المسلح وهو يشمل وجهة نظر الدولة تجاه آثار النظم الاجتماعية والسياسة القائمة لدى الطرفين على الصراع المسلح.
ج – اتجاهات التحضير للحرب وإدارتها.
د- اتجاهات إعداد الدولة للحرب اقتصادياً ومعنوياً.
ه – احتمالات تجنب الحرب أو قيامها وذلك بناءً على دراسة الأهداف السياسية والقومية للجانبين والعوامل السياسية التي تؤدي إلى احتمال قيام الحرب أو تجبنها.
و- إمكانيات عقد معاهدات سياسية – عسكرية لتوحيد الجهود السياسية والعسكرية تجاه هدف سياسي عسكري.
ز- العوامل السياسية التي تحدد بداية الحرب وسيرها وتوقفها وهي تعني دراسة للعوامل والشروط السياسية الإقليمية والعالمية التي تؤثر على تحديد بداية الحرب وسيرها وتوقفها.
ح – وجهة نظر الدولة بالنسبة لاستخدام الأسلحة الحديثة (كالسلاح الذري مثلاً).
2- الوجه العسكري للسياسة العليا:
هو مجموع المبادئ ذات الصفة العسكرية الخاصة التي تعالج المسائل المتعلقة بإعداد واستخدام القوات المسلحة في الحرب، وتحدد مجالات تطور فن الحرب بمستوياته الإستراتيجية والتعبوية والتكتيكية بالإضافة إلى تطوير نظام تزويد القوات المسلحة بالمعدات الحربية وتشمل:
أ- المعالم المميزة للحرب وتحديد الهدف الاستراتيجي للحرب، وشكل الحرب، وشكل المرحلة الافتتاحية.
ب – أساليب دراسة القدرات العسكرية للعدو المنتظر ومستوى استعداده للحرب.
ج – دراسة تأثير العوامل المؤثرة على شكل الحرب، ومنها: المفاجأة والمدى الزمني والمدى الجغرافي للحرب والأسلحة الإستراتيجية.
د – مطالب الكفاءة القتالية ومستوى الاستعداد القتالي للقوات المسلحة وتشمل وسائل إعداد الفرد المقاتل وتهيئة القوات بعناصرها المختلفة ومدى استعدادها القتالي عند الحرب.
ه – المسائل الأساسية في تنظيم وتطوير القوات المسلحة وتشمل قواعد البناء التنظيمي للقوات وأساليب تطويرها.
و – الأساليب الاستراتيجية لإدارة الحرب وتشمل الأفكار الاستراتيجية الحيوية المتضمنة لنظريات فن الحرب وتطبيقها على مستوياته المختلفة.
ز- التدابير الرئيسية لإعداد الدولة اقتصادياً ومعنوياً للحرب ويشمل الإعداد الصناعي والزراعي وإعداد الدولة كمسرح للحرب، والإعداد المعنوي والوقائي لجماهير الشعب.
الإستراتيجية العسكرية:
وهي تختص بمرحلة الصراع المسلح أي أن مداها ونطاقها محدودان بالحرب واستخدام الوسائل والإمكانات العسكرية لتحقيق هدف الإستراتيجية العليا معتمدة في ذلك على التقدير السليم والمواءمة الناجحة بين وسائلها وإمكاناتها وبين غاياتها، فالإستراتيجية العسكرية هي أداة الإستراتيجية العليا لإحراز النصر في ميدان القتال وتحقيق هدف السياسة وهي تتبع لها وتعمل وفق مخططها ومنهجها كما أنها(Cool تبحث في الأساليب والوسائل المتعلقة بالقضايا الآتية:
أ- طبيعة الحرب وفن إدارة الصراع المسلح – قواعد شن الحرب – طاقتها – مداها الزمني – مداها الجغرافي.
ب – الأهداف والمهام الإستراتيجية التي على القوات تنفيذها لكي تحدث تغييرات حادة في الموقف العسكري والسياسي عموماً أو في الموقف الاستراتيجي في جبهة القتال.
ج – كيف تبنى القوات المسلحة وكيف يتم تطويرها بحيث تستطيع تحقيق المهام والأهداف.
د – ما هو التوزيع المناسب للقوات جغرافياً وهو ما يسمى بالتوزيع الاستراتيجي وهو أمر حيوي لكي تستطيع القوات مواجهة الضربات المفاجئة للعدو أو مواجهة الفترة الأولية للحرب عامة ويرتبط بذلك أن يبحث أيضاً في الأسلوب الاستراتيجي لاستخدام القوات.
ه – مبادئ التخطيط الاستراتيجي للأعمال القتالية وأساليب إدارة الصراع المسلح.
و – نظام إعداد الدولة للحرب الذي يمنحها القدرة على ردع العدوان في أية لحظة وتحقيق النصر في أقل وقت ممكن، والصمود لحرب طويلة الأجل، والتقليل من الخسائر الناتجة من ضربات العدو والمحافظة على مستوى عال من الروح المعنوية وتصميم الشعب على تحقيق النصر في الحرب.
ز- دراسة الأمور المتعلقة باحتياجات القوات المسلحة في الحرب من إمدادات وصناعات حربية وطرق وخطوط مواصلات.
ح – القيادة الإستراتيجية للحرب التي سوف تسيطر باستمرار على إدارة الحرب.
ط – دراسة العدو من جميع النواحي العسكرية والاقتصادية والمعنوية والاجتماعية ودراسة أهدافه.
وتشترك الإستراتيجية العسكرية في تحديد وتقرير نمط الصراع، وهل سيكون هجوماً عنيفاً مباشراً أم غير مباشر أم دفاعياً مخاتلاً في حين تنفرد بالتحكم والتوجيه لمسيرة التكتيك بصفته تابعاً لها وواحداً من وسائلها التطبيقية العملية الحاسمة للوصول للهدف.
أقسام الإستراتيجية العسكرية أو ما يسمى ب (الفن العسكري):
يقسم الإستراتيجيون الغربيون الفن العسكري إلى فروع ثلاثة يرتبونها تنازلياً، وهي: الإستراتيجية الكبرى(العليا)، والإستراتيجية، والتكتيك . ويقابلها في المدرسة الشرقية الإستراتيجية، والفن التعبوي (العمليات)، والتكتيك وسوف نبين مفهوم هذه الفروع ومحتوياتها باختصار:
أولاً: الإستراتيجية الكبرى (العليا):
وهي تنسيق وتوجيه كافة مصادر ثروة أمة أو مجموعة من الأمم بهدف تحقيق الغاية السياسية للحرب.
والإستراتيجية الكبرى يجب أن تقدر الموارد الاقتصادية ، وكذا الموارد البشرية للدولة ، وتستغل القوة المعنوية في الأمة باعتبارها المصدر الحقيقي للصمود وإدارة القتال .
ثانياً: الإستراتيجية:
وهي فن توزيع واستخدام الوسائل العسكرية مثل القوات المسلحة والإمدادات لتحقيق أهداف السياسة.
ثالثاً: التكتيك:
وهو عبارة عن التدابير أو الترتيبات الخاصة بالقوات المسلحة وقيادتها والعمليات التكتيكية أثناء القتال الفعلي.
وخلاصة القول وبعبارة موجزة يمكن التمييز بين أفرع الفن العسكري كما يلي:
أ- الإستراتيجية الكبرى (العليا) تختص بالمسائل العليا أو (سياسة الحرب).
ب – الإستراتيجية هي التطبيق العملي للإستراتيجية العليا على المستوى الأقل وهو (قيادة الحرب) .
ج – التكتيك: هو التطبيق العملي للإستراتيجية على المستوى الأقل وهو(القتال الفعلي).
أهداف الإستراتيجية العسكرية :
تهدف الإستراتيجية إلى تحقيق هدف السياسة عن طريق الاستخدام الأمثل لكافة الإمكانات والوسائل المتوفرة ، وتختلف الأهداف من سياسة لأخرى، فقد لا يتحقق الهدف إلا بإتباع أسلوب هجومي لاحتلال أراضي الغير، أو بإتباع أسلوب دفاعي لحماية أرض الوطن ومصالح وقيم الأمة. وقد يكون الهدف سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً أو معنوياً وقد يكون صغيراً كاحتلال جزء من أرض دولة ما أو كبيراً كالقضاء على كيان تلك الدولة نهائياً ، وقد يكون من الضروري أحياناً للوصول إلى الهدف النهائي للسياسة تحديد وتحقيق عدد من الأهداف المرحلية التي يؤدي تحقيقها إلى إحداث تغييرات حادة وهامة في الموقف الاستراتيجي أو إلى توجيه الوضع الاستراتيجي باتجاه يؤدي حتماً إلى الهدف النهائي .
وسائل الإستراتيجية العسكرية:
تتباين الوسائل التي تستخدمها الإستراتيجية لتحقيق هدفها تبعاً للتباين في طبيعة وأهمية ذلك الهدف، وتبعاً للإمكانات والقدرات المتاحة، وللظروف والأجواء المحلية والدولية السائدة. فلقد كان بعض الاستراتيجيين القدماء مثل كلاوزفتز يرون أن الوسيلة العسكرية هي الوسيلة الوحيدة الحاسمة للوصول للهدف في حين يرى المحدثون منهم أن الحل العسكري أو وسيلة القوة العسكرية هي واحدة من الوسائل، وأن الأفضل عدم اللجوء إليها فعلاً إلا بعد عجز واستنفاذ الوسائل الأخرى من دبلوماسية وسياسية واقتصادية ونفسية عن تحقيق الهدف .
والاستراتيجية الناجحة هي التي تنجح في تحقيق وتأمين التوافق والتلاءم بين الوسيلة والهدف، وفي خلق التأثير النفسي الكافي لزعزعة ثقة الخصم بنفسه وتفتيت إرادته وعزيمته وحرمانه من حرية العمل مما سيؤدي حتماً إلى قبوله بالشروط المفروضة عليه، فمن الضروري عمل دراسة واعية للموقف بشتى جوانبه لمعرفة العدد المطلوب قهره وتمييز نقاط ضعفه الأكثر حساسية مع تحليل عميق للتأثيرات الحاسمة التي يمكن أن تحدثها الوسيلة المختارة ، وهذا يقتضي إنشاء مخطط استراتيجي يتضمن كافة الأعمال الممكنة وردود الأفعال المتوقعة عليها محلياً ودولياً لوضع الحلول المناسبة كي يكون المخطط مترابط الاجزاء وقادراً على مواجهة أية مفاجئات أو ردود فعل غير ملائمة .
مبادئ الإستراتيجية العسكرية :
لكل موقف إستراتيجية تلائمه ولكل دولة إستراتيجية تناسبها وتتلائم مع ظروفها وقد يكون اختيار هذه الإستراتيجية أو تلك صائباً في مكان وزمان معينين وغير صائب في زمان أو مكان آخر فالإستراتيجية تتأثر بعوامل الزمان والمكان وعقلية المخططين وظروف العصر وتقنيته وغير ذلك من العوامل، ولقد حدد كلاوزفتز مبادئ الإستراتيجية بثلاثة عوامل وهي:
أ- تجميع القوى.
ب – عمل القوى ضد القوى.
ج – الحل الحاسم عن طريق المعركة في الحقل الرئيسي.
ونلاحظ أن كلاوزفتز وهو العسكري الألماني يعبر من خلال مبادئه عن روح العسكرية الألمانية العنيفة التي تعتمد على القوة.
أما ليدل هارت فقدم ثمانية عوامل هي:
أ- مطابقة الجهد مع الإمكانات .
ب – متابعة الجهد وعدم إضاعة الهدف.
ج – اختيار الخط الأقل توقعاً.
د – استثمار خط المقاومة الأضعف.
ه – اختيار خط عمليات يؤدي إلى أهداف متناوبة.
و – المرونة في المخطط والتشكيل بحيث يتلاءمان مع الظروف.
ز – عدم الزج بكافة الإمكانات إذا كان العدو محترساً.
ح – عدم تسديد الهجوم على نفس الخط أو بنفس طريقة الهجوم السابق.
ونلاحظ أن ليدل هارت صاحب العقلية الإنجليزية عبر عن مبادئه بالعقلية المجبولة على الحرص والتي تسعى للحصول على الكثير بأقل الخسائر.
أما ماوتس تونج فقد حدد للإستراتيجية ستة عوامل تختلف في كثير عن سابقاتها هي:
أ- الانسحاب أمام تقدم العدو.
ب – التقدم أمام العدو المتراجع.
ج – إستراتيجية واحد ضد خمسة.
د – تكتيك خمسة ضد واحد.
ه – التمون من تموين العدو نفسه.
ز – تلاحم تام بين الجيش والشعب.
ونلاحظ عقلية ماوتس تونج الصينية المأخوذة من أفكار قدماء العسكريين والمفكرين الصينيين التي تعتمد على الإمكانات البشرية الهائلة وإمكانيات التقنية المحدودة.
أما لينين وستالين فوضعا ثلاثة عوامل هي:
أ- تلاحم معنوي بين الجيش والشعب في حرب شاملة.
ب – أهمية حماسة المؤخرات.
ج – ضرورة القيام بإعدادات نفسية قبل البدء بالعمل العنيف.
ونلاحظ أن المبادئ الروسية تهتم بقوة الشعب التي لا تقل عن القوة العسكرية من أجل الدفاع عن الوطن.
أما الإستراتيجيون الأمريكيون فوضعوا مبدأين فقط هما:
أ- ردع متدرج.
ب – رد مرن.
وقد استوحوا ذلك من ظروفهم في ظل أوضاع التوازن النووي في العالم.
ومن خلال استعراضنا للمبادئ الموضوعة سابقاً نلاحظ بالإضافة إلى اختلافها تأثر واضعيها بظروف بلادهم وعقائدهم وقيمهم العسكرية الموروثة وتأثر بعضهم بالأوضاع الخاصة التي واجهت كفاح بلادهم وبذلك فهي لا تشكل قوانين عامة يمكن تطبيقها بمجملها في جميع الظروف وعلى كافة الظروف وعلى كافة الحالات .
نستدل مما سبق آنفاً أن نظريات الإستراتيجية العسكرية عبارة عن الجزء الرئيسي من العلم العسكري (علم الحرب)، وهي تبحث في القوانين المميزة للصراع المسلح الحديث، أما التنفيذ العملي للمهام الإستراتيجية في ضوء قواعد نظريات الإستراتيجية العسكرية ونصائحها فينتمي إلى فن الحرب، ولهذا تعتبر الإستراتيجية العسكرية أيضاً أحد الأقسام الأساسية لفن الحرب. وعلى هذا يقسم فن الحرب الحديث إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي: الفن الاستراتيجي، الفن ألعملياتي، فن التكتيك (أو ما يطلق عليه اصطلاح “تعبئة”).
وكل قسم من أقسام فن الحرب يرتبط بالقسم الأعلى مستوى منه بصورة عضوية ويؤثر في مساره.
هنا لا بد من التنويه أن ظهور الأسلحة الصاروخية والنووية أدى إلى حدوث تغيير جذري على التصورات السابقة عن طبيعة الحرب، لأن الحرب الصاروخية النووية الحديثة استناداً إلى قدرتها التدميرية (التخريبية) الفائقة ومجالاتها الواسعة وحركيتها المميزة، لا يمكن أن تقارن مطلقاً مع أية حرب سابقة. فقد ازدادت رقعة الحرب الحديثة اتساعاً. كما أن المدى في وسائط إيصال القذائف النووية غير المحدود تقريباً، يعطي الحرب المعاصرة اتساعاً غير محدود أيضاً بحيث يلغي جميع الحدود The Borders بين الجبهات (جبهات القتال) والمؤخرات (المناطق الإدارية) ويبدل مفهوم مسرح الأعمال الحربية.
إن الإستراتيجية العسكرية في شروط الحرب العالمية (الكونية) الحديثة International War هي إستراتيجية الضربات (The Strikes) الصاروخية النووية العميقة المشتركة مع إعمال جميع أنواع القوات المسلحة بغية التأثير على العدو بآن واحد (انظر نظرية العملية الجوية البرية لعام 1982م) وكذلك النظرية الأطلسية (الصراع ضد الأنساق والاحتياطات المعادية لعام 1984م) وعلى مقدراته الاقتصادية وقواته المسلحة وتدميرها في كامل عمق أراضيه من أجل تحقيق غايات (أهداف) الحرب Targets of war في مهل قصيرة. ومن كل ما ذكر آنفاً يمكن القول أن الإستراتيجية العسكرية من حيث محتواها هي أعلى مجال من مجالات النشاط العسكري (Military Activity). وهي تعبير الجهاز العلمي لوجهتي النظر (النظرية والعملية) في بناء القوات المسلحة للدولة، واستخدامها الاستراتيجي في الحرب، وكذلك في مجال نشاط القيادة العسكرية العليا عند تنفيذ المهمات الإستراتيجية Strategic Missions)) في الصراع المسلح الحديث من أجل النصر على العدو.
3 المذاهب العسكرية الحالية السائدة:
على ضوء معطيات نظريات الاستراتيجية العسكرية من طبيعة الحرب المقبلة وأساليب خوض الصراع المسلح تتبنى القيادة السياسية للدولة، المذهب العسكري Militarty Doctrine)) حيث يعتبر المذهب العسكري تعبيراً للأفكار ووجهات النظر والقواعد المتعلقة بمسائل التقدير السياسي للحرب المقبلة، ونظرة الدولة للحرب، وتحديد طبيعة الحرب المقبلة، وإعداد البلاد للحرب من النواحي الاقتصادية والمعنوية، والمتعلقة بمسائل بناء القوات المسلحة وتحضيرها وأساليب خوض الحرب التي تتبناها الدولة. وعلى ضوء هذا المذهب العسكري يضع منظرو الاستراتيجية العسكرية، القواعد الأساسية الاستراتيجية العسكرية لدولة ما، أي أن الاستراتيجية هي وليدة (ابنة) المذهب العسكري.
وإن لكل مذهب عسكري وجهان مترابطان: الأول (سياسي اجتماعي) من أجل تحقيق أهداف الحرب المقبلة، والثاني (عسكري تقني) من أجل خوض هذه الحرب. وتحمل المذاهب العسكرية في الوقت الحاضر كما في الماضي في طياتها اختلافات في الأيديولوجية والمبادئ الإنسانية للإعداد السياسي والمعنوي والنفسي وأحياناً الإعداد الروحي (الديني). كما تحمل طابع الحرب المقبلة ومسائل بناء القوات المسلحة، وتحسين تجهيزاتها التكنولوجية بالإضافة إلى أساليب التطوير اللاحق لفن الحرب وطرق خوض الحرب. كما ترتبط المذاهب العسكرية ارتباطاً وثيقاً بالنظام السياسي للدولة وبالأعباء الملقاة على عاتقها في قطاع السياسة الخارجية والداخلية، وبالحالة الاقتصادية والسياسية والثقافية للبلاد، وتحدد المبادئ الأساسية للمذهب العسكري في دولة ما من قبل القيادة السياسية للدولة ولذلك فإن المذهب العسكري هو سمة من سمات الدولة.
نستنتج مما سبق ذكره أن لكل دولة من دول العالم المعاصر “حالياً” مذهباً عسكرياً خاصاً يستجيب للأهداف القومية والسياسية ويتلاءم مع إمكانيات هذه الدولة المادية والمعنوية، ولهذا نرى الآن مذهباً عسكرياً أمريكياً، ومذهباً عسكرياً روسياً، ومذهباً عسكرياً بريطانياً، ومذهباً عسكرياً إسرائيلياً. وقد لا يتسع معنا المجال لشرح كل مذهب على حده، بل سنكتفي بإلقاء الضوء على المذاهب العسكرية الغربية، والمذاهب العسكرية الشرقية، والمذهب العسكري الإسرائيلي الذي يسير على هداه الكيان الصهيوني المصطنع.
أ: المذاهب العسكرية الغربية:
تقوم وجهة النظر العامة للمدرسة العسكرية الغربية على أن الحرب ليست قتالاً بين العقائد أو المذاهب بقدر ما هي قتال من أجل تحقيق أهداف تخضع لظروف واتجاهات معينة. أي أن معتنقي هذه النظرية الغربية يضعون المصالح الحيوية للغرب فوق المبادئ الأخرى، ولو أنهم يلمحون في بعض الأحيان إلى فكرة الدفاع عن الحضارة الغربية والديمقراطيات المعاصرة المطعمة بالأفكار والأخلاقيات المسيحية، وينادون حالياً بشعارات الدفاع عن حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب وفرض سياسة النظام العالمي الجديد. وباختصار يمكن القول أن المذاهب العسكرية الغربية تجمع على مسألة تأمين مصالح الغرب في العالم.
ومن يدرس المذهب العسكري الأمريكي وتطوره، يدرك كيف انتقلت الإدارة الأمريكية من سياسة “من مواقع القوة” والتصدي للشيوعية سابقاً، و”التوازن على حافة الحرب” إلى اعتماد استراتيجية “الانتقام الجماعي” بعد امتلاك الأسلحة النووية، ثم انتقلت إلى استراتيجية “التجاوب المرن” عام 1961م بعد نجاح السوفيت آنذاك في تطوير الأسلحة الصاروخية والنووية، وبعد ذلك (الرد المرن) ثم الترويج لإستراتيجية “الردع الحقيقي” عام 1971م، ومن ثم استراتيجية “القوة الوحيدة” عام 1991م إثر انتهاء حرب تحرير الكويت.
على الرغم من وجود اختلاف ظاهري للنظريات الاستراتيجية الغربية حول المذاهب العسكرية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن جوهرها بقي ثابتاً من غير تبديل جوهري لأنها اعتمدت جميعها على القوة النووية في بناء وتنظيم القوات المسلحة الحديثة، وفرضها على البنية التنظيمية للقوات المسلحة، المتبدلة وفقاً للأفكار “التصورات الاستراتيجية” الغربية، وبناءً على تطور وسائط الصراع المسلح بحيث تكون هذه القوات في ذاك الحين قادرة على خوض الحروب النووية وغير النووية “التقليدية” الشاملة والمحلية. وأن تضم في تشكيلاتها قوات ضاربة (قوات التدخل السريع) متحركة وجاهزة للزج في أية منطقة في الكرة الأرضية.
ب: المذاهب العسكرية الشرقية:
كان السوفييت (قبل سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991م) يشترطون للمذهب العسكري الشرقي من وجهة نظرهم أن يُجيب على الأسئلة التالية:
@ من هو العدو الذي ستحاربه الدولة في الحرب المقبلة؟
@ ما هي طبيعة الحرب التي ستشترك فيها البلاد والقوات المسلحة؟ وما هي أهدافهما ومشكلاتهما في هذه الحرب؟.
@ ما هي القوات المسلحة الضرورية لحل المشاكل المطروحة؟
@ كيف يمكن أن يتم الإعداد للحرب؟
@ وبأية وسيلة سوف تُدار (تُقاد) هذه الحرب؟
والآن لا فائدة علمية مرجوة من دراسة تفاصيل وقواعد المذهب العسكري السوفييتي (السابق) بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط حلف “وارسو” وعدم وضوح المذهب العسكري الروسي الجديد الحالي.
ج: المذهب العسكري الإسرائيلي
يتميز المذهب العسكري الإسرائيلي عن غيره من المذاهب العسكرية الأخرى بتبنيه لتعاليم الدين اليهودي فيما يتعلق بشئون القتال والأمور المعنوية، ويلقن أفراد الجيش الإسرائيلي المعادي دروس التاريخ العسكري لليهود جنباً إلى جنب مع الدروس الحربية المستقاة من التاريخ العسكري العالمي الجديد والقديم. كما يدرس اليهود باهتمام بالغ استراتيجيات الحرب العالمية الأولى والثانية والحروب العربية الإسرائيلية أعوام 1948م، و1956م، و 1967م، 1973م، و1982م. ومعاركها والدروس العسكرية المستفادة منها.
وقد لا يتسع المجال هنا لذكر الأغراض الاستراتيجية الواجب تحقيقها والواردة في المذهب العسكري الإسرائيلي وكيف تطورت هذه الأهداف منذ عام 1948م إلى يومنا هذا، ولكن لا بأس من ذكر المفاهيم الاستراتيجية التي بنت عليها إسرائيل استراتيجيتها العسكرية العدوانية وهي: العنف، والأمن الذي تحرص عليه بالدفاع عن الأراضي المحتلة (وعدم التخلي عنها)، ونقل الحرب إلى أرض الخصم، وحتمية الحرب، لأن الحرب في نظر إسرائيل مهما كان لون الحزب الحاكم فيها هي الحالة الطبيعية، والسلم بنظرها هو فترة مؤقتة تستثمر من أجل التحضير لعدوان جديد والاستعداد للحرب. فهي تعتبر السلم وسيلة وليس غاية كما يعتبره العرب في مرحلة العملية السلمية الراهنة.
أقامت إسرائيل استراتيجيتها العسكرية على الأسس الاستراتيجية التالية:
1: الحرب الوقائية
واستباق الضربة والمبادأة في القتال للقضاء على الخصم (العربي) قبل أن يبدأ في القتال.
2: الردع
وذلك بمنع العرب من مباشرة القتال بأساليب مختلفة وتوسعت دائرة الردع الآن لتشمل الدول الإسلامية. وترفع الآن العصا النووية لتحقيق سياسة الردع والتخويف.
3: التفوق الاستراتيجي
ونقل المعركة إلى أرض الخصم وفرض سياسة الأمر الواقع وذلك بتحويل المكسب العسكري إلى أمر واقع مع مرور الزمن واستغلال الوضع الدولي وباشرت الآن الصناعة الصاروخية وغزو الفضاء والمساهمة في مشروع حرب النجوم المعروف.
خاتمة:
كذلك حاول المنظرون الإستراتيجيون صياغة أسس وقواعد عامة للإستراتيجية، سميت بمبادئ الإستراتيجية، ويمثل مجموعها مختلف العصور والمدارس والعقليات التي صاغتها، ويمكن دمج هذه المجموعة فيما يلي: التعبئة، المناورة، السرعة، الحركة، تجميع القوى، حرية العمل، مطابقة الهدف مع الإمكانات، عدم إضاعة الهدف، متابعة الجهد، اختيار الموقع الأقل توقعا، استثمار موقع المقاومة الأضعف، إجبار الخصم على التبعثر بالتقرب غير المباشر، المفاجأة، تلاحم الجيش والشعب، الإعداد النفسي والحرب النفسية، الردع، اختيار مكان الضربة الرئيسية في المكان الحاسم، تحقيق تفوق القوى في المكان المحدد، تأمين الاحتياط الاستراتيجي للحفاظ على حرية العمل، الاقتصاد بالقوى الرد التدريجي، الرد المرن، وغيرها.
ويمكن القول إن هذه المبادئ على الرغم من تباينها ، صحيحة بصورة عامة، على أساس أن صحتها نسبية، وتتعلق بموقف معين، أو حالة معينة، ويمكن القول إن كلا من هذه المبادئ ينطبق على نموذج معين أو أكثر من النماذج الإستراتيجية، ولكن لا يجوز أخذها كأسس وقواعد مطلقة.
يلاحظ مما تقدم إن الإستراتيجية هي العملية التي تمتد من الهدف إلى تحقيقه مرورا بالتطبيق العام ككل تاركة للتكتيك عملية المعالجة الجزئية فى التطبيق,ولكنها تحدد للتكتيك نظريته وتقوده ككل,كما تتلقى فعله الراجع. من هنا فان الحديث عن الإستراتيجية يتطلب تحديد الهدف الذي تعمل لتحقيقه والمجال الذي تعمل ضمنة/الزمان والمكان والظروف وموازين القوي.مع ضرورة تحديد الخطوط العريضة للإستراتيجية الأنسب ضمن وضع الحرب المعطاة,اى المفاهيم الإستراتيجية,والقوانين الأساسية لتلك الإستراتيجية.وابيض وضع خطة إستراتيجية عامة بناءا على التقويم السليم ووضع خطط ادني تناسب التكتيك والإستراتيجية.وضرورة مراعاة التنفيذ المباشر,,حيث بدون قيادات تنفيذية كفء وكوادر على المستوى التكتيكي يصبح من الصعب الحديث عن إنجاح أية إستراتيجية أو اى تخطيط أو كسب اى حرب مهما كانت الإمكانيات المادية والتقنية المتوفرة للتفوق على العدو.اى لابد من التوفر على قيادات ذات مهارة عالية لتحقق الانتصار لان التقويم للإستراتيجية يجب الا يقتصر على القوات العسكرية أو على الأسلحة المتوفرة فى اللحظة المعطاة فقط,لان هذه لن تستطيع إن تحقق النصر الا فى حرب سريعة,ولكن فى حرب طويلة الأمد مثل الحرب الأهلية الأمريكية او الحربين العالمية الأولى والثانية او حروب التحرير,وعلية يجب على التقويم الاستراتيجي ان يركز على كل ما يمكن توفيرة مستقبلا فى مراعاة حالة الحرب التقليدية بين دول من الطراز الامبريالي , التي يكون فيها الوضع سياسيي واقتصادي ومدني الخ وهذه مسالة قد أشار لها بتوسع المفكر كلازوقيتش.
المراجع:
1- دكتور/ زكريا حسين-أستاذ الدراسات الإستراتيجية– المدير الأسبق لأكاديمية ناصر العسكرية –مصر–
http://www.islamonline.net/arabic/mafaheem/2000/11/article2.shtml
2- الجيش العربي .. مفهوم الاستراتيجية
http://www.arabic-military.com/t34687-topic
3- شبكة أنا مسلم
http://www.muslm.org/vb/showthread.php?343070-%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9
4- الدكتور محمد نصر ابراهيم –الاستراتيجية (تعريفها – وظائفها – أنواعها – أسس بنائها)
http://kenanaonline.com/users/drnoshy/posts/269419
5- “الإستراتيجية والسياسة الدولية”، ، إسماعيل صبري مقلد،
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=102096
6- مركز راشيل كوري الفلسطيني لحقوق الانسان ومتابعة العدالة الدولية » الأبحاث القانونية
http://www.rachelcenter.ps/news.php?action=view&id=10294
7- العميد الركن إبراهيم إسماعيل كاخيا _ الإستراتيجية العسكرية المعاصرة والمذاهب العسكرية العالمية السائدة
http://vb.arabsgate.com/showthread.php?t=508479
8- مفهوم الإستراتيجية – وما هي إستراتيجية المعارضة العراقية ؟
http://www.zaqora.4t.com/Sitratigy.htm
9- من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A5%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9
10- مؤسسة الهدى للدراسات الإستراتيجية _ قسم فكر معاصر المجموعة الثانية
http://alhudamissan.com/index.php/2013-03-05-21-25-27/2013-03-05-21-25-48.html
11 – الاستاذ الدكتور محمد البخاري – تابع العلاقات الدولية
http://muhammad-2009.blogspot.com/2010/03/blog-post_5610.html
12- وكالة أنباء أطلس مفهوم الاستيراتيجية
http://anbaatlas.com/art-art/3710-2011-09-20-16-44-50.html
1-الدكتور محمد فاروق الهيثمي – في الإستراتيجية الاسرائيلية- – مركز الابحاث – 1968
2-اللواء محمد جمال الدين محفوظ – المدخل الى العقيدة والاستراتيجية العسكرية الاسلامية
.-الدكتور بطرس بطرس غالي – الابعاد الجديدة للأستراتيجية الدولية – مجلة السياسة الدولية
4-الجنرال بوفر – مدخل الى الاستراتيجية العسكرية –
5- ليدل هارت – نظرة جديدة الى الحرب –- الدار القومية للطباعة والنشر- ترجمة اكرم ديري – 1965م .
6- ماوتسي تونك – ست مقالات عسكرية –- دار الشعب للنشر – بكين – الطبعة الاولى – 1968م
7- أمين عطايا،” الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية وتطور مفاهيمها ( منذ 1948 حتى الآن)”، مجلة الوحدة، العدد 87، سنة 1991
8- أكرم ديري، آراء في الحرب الإستراتيجية وطريقة القيادة، الطبعة الثانية، سنة 1981،.
9- كلاوزفيتز – عن الحرب – المؤسسة العربية للدراسات والنشر-ترجمة سليم شاكر الإمامي– بيروت – 1997 م
10- ليدل هارت – الاستراتيجية وتاريخها في العالم- ترجمة الهيثم الأيوبي – دار الطليعة – بيروت – الطبعة الاولى –1967م .
11- ليدل هارت – الاستراتيجية وتاريخها في العالم- ص397 ترجمة الهيثم الأيوبي – دار الطليعة – بيروت – الطبعة الاولى –1967م .
12- ادور ميد ايرل – رواد الاستراتيجية الحديثة – الجزء الثالث –
13- الجنرال باليت – اصول المعرفة العسكرية –- الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر
14- كولمار فرايهر فون درغولتز – جنرال الماني شارك في الحرب العالمية الاولى – توفي في العراق ودفن في بغداد .
15- اكرم ديري والهيثم الايوبي – نحو استراتيجية عربية موحدة – دار اليقظة العربية
16- ليدل هارت – نظرة جديدة الى الحرب – ص25 – الدار القومية للطباعة والنشر- ترجمة اكرم ديري – 1965م .
17- ماوتسي تونك – ست مقالات عسكرية – ص9 – دار الشعب للنشر – بكين – الطبعة الاولى – 1968م .
18 الجنرال كرازيلفكوف – ضابط سوفيتي- مجلة السياسة الدولية – موضوع الاستراتيجية السوفيتية في العصر النووي – للدكتور اسماعيل صبري مقلد
19- المارشال سوكولوفسكي- ضابط سوفيتي كان رئيساً للأركان العامة للقوات المسلحة السوفيتية – الاستراتيجية العسكرية السوفيتية –
20- احمد داود سليمان – نظريات الأستراتيجية العسكرية الحديثة – ص42 – الطبعة الاولى – 1988م . – الموسوعة العسكرية- ج1– المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت – 1981م .
21 – سون تزو، فن الحرب، ترجمة رؤوف شبايك، يناير 2007، PDF
22- د. جمال سلامة علي : كتاب” تحليل العلاقات الدولية.. دراسة في إدارة الصراع الدولي”، دار النهضة العربية، القاهرة، 2012
32- د. إسماعيل صبري مقلد، الاستراتيجية والسياسة الدولية.. المفاهيم والحقائق الأساسية. مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1979
24- الجنرال بوفر – مدخل الى الاستراتيجية العسكرية – دار الطليعة – ترجمة اكرم ديري والهيثم الأيوبي – الطبعة الثانية – 1970م
25- العماد الدكتور مصطفى طلاس وآخرين , الإستراتيجية السياسية العسكرية , الجزء الأول الطبعة الأولى ,دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر ,(دمشق – 1991) . 2.عبد العزيز صالح بن حبتور , الإدارة الإستراتيجية ,الطبعة الأولى , دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة , (عمان – 2004 ) .