التصويت العقابي في الانتخابات البرلمانية القادمة
اعداد : الدكتور عادل عامر
تعيش بعض دول الحراك مغالطات من نوع آخر تدور حول نسبة المشاركة في الانتخابات، التي لا تُعبّر عن الحجم الحقيقي للمشاركة بما يُثبت الأغلبية والأقلية فنسبة كبيرة من الكتلة الانتخابية التي يحقّ لها التصويت لم تُشارك في الانتخابات عزوفًا، بسبب الإحباط أو قلّة الوعي بطبيعة المرحلة …الخ…. وهي تسعى اليوم لتنظيم نفسها في منظمات وأحزاب سياسية استعدادًا لاستحقاقات مقبلة.
إن الكتل التصويتية التي ستحصل عليها القوى السياسية في الانتخابات البرلمانية القادمة سيكون عاملاً أساسيًا فيها “التصويت العقابي لان أكثر التيارات المستفادة من ذلك التصويت هو حزب النور، و سيصب في صالحه نزول الإخوان وفلول الحزب الوطني المنحل، لأن ذلك سيدفع المواطنين لاختيار مرشحي النور لان النور في الفترة القادمة سيكون له كتلة في البرلمان لن تتجاوز الـ20%، وهي النسبة التي حصل عليها في انتخابات 2011، وهذا الحزب يتعامل بمرونة مع كل أزمة تقابله وهو ما يعني أنه سيتأقلم مع كل التضييفات التي تفرض عليه.
إن سياسات النخبة السياسية التي أفرزتها المرحلة الانتقالية السابقة علي انتخابات مجلس النواب القادم والتي وان حققت مكسبا أساسيا وهو حماية المسار الديمقراطي ومنع كل محاولات الانقلاب عليه فإنها لم تنجح بالقدر الكافي في تحقيق إشباع انتظارات كثيرة للناخب المصري والتي كانت تأمل في قطيعة جدية ونهائية مع المنظومة القديمة. استمرت المرحلة الانتقالية عامان والذي كان مناسبا ليس فقط لتقاليد المراحل التأسيسية بل أيضا لضرورات المرحلة التأسيسية في مصر بالذات حيث كان يمكن لو كان هذا الأفق واضحا من البداية أن يسمح بخطط إصلاح هيكلية سريعة تفرز بعض المكاسب الاقتصادية والاجتماعية وإصلاحات إدارية عاجلة تبدأ مقاومة الفساد والمحاسبة.
بلا شك فإن الأسباب الهيكلية للوضع الصعب الذي واجهته النخبة السياسية التي أفرزتها الانتخابات الماضية لا ترجع إلى مرحلة ما بعد الثورة بل ترجع إلى سياسات واستراتيجيات كارثية للنظام القديم الذي قامت عليه الثورة. العجز في الميزانية الذي بلغ آلاف المليارات يرجع فيما يرجع إلى دفع خدمات الديون التي حصل عليها النظام القديم ولكن أيضا خاصة “دعم الطاقة” المتفاقم والذي يرجع إلى سياسات طاقية قديمة تهاونت في مستوى العقود في استغلال جيد للموارد الطاقية المحلية ولم تنطلق بشكل مبكر في استراتيجيا الطاقة المتجددة. المشكل أن النخبة السياسية الجديدة كان عليها أن تواجه في نفس الوقت توقعات وانتظارات شعب قام بثورتي وحملة إعلامية ممنهجة حملت كل المشاكل ليس للأسباب الهيكلية القديمة والمرتبطة بالنظام القديم بل لمرحلة ما بعد الثورة. كل ذلك خلق صورة “الفشل الذريع” للنخبة الجديدة. وللعلم عامل المال هو في كل المعارك الانتخابية خارج مصر – سواء برلمانية أو رئاسية – له دوره دائماً.. أما عندنا في مصر فإن هذا العامل له تأثيره أيضاً طوال التاريخ سواء قبل 1952 أو ما بعدها حتى في ظل الحزب الواحد.. بل حتى حزب السلطة في السنوات التي سبقت 25 يناير، وهو الحزب الوطني المنحل، كان في بعض الأحيان يختار ضمن قوائم مرشحيه من يقدم للحزب تبرعات مالية مقابل ضمه لهذه القوائم.. وما حدث في 25 يناير و30 يونيه لا يلغي تأثير عامل المال.. فمازال المال يلعب دوراً أساسياً في الانتخابات البرلمانية حتى الآن، رغم أن القانون يلزم اللجنة القضائية بتحديد الحد الأقصى للإنفاق علي الدعاية الانتخابية ويلزم المرشح بعدم تجاوزه.
وربما يكون الذي تغير فقط بعد 30 يونيه الطريقة التي سوف ينفق بها المال في الانتخابات البرلمانية المقبلة.. فنحن لن نشاهد توزيع السلع الغذائية من زيت وسكر وبطاطس كما كان يفعل الإخوان دوماً من قبل، أو كما حاول الحزب الوطني المنحل محاكاتهم في الانتخابات البرلمانية عام 2010، وإنما سوف نشاهد صوراً أخري لإنفاق المال في المعركة الانتخابية ومن أجل جذب أصوات الناخبين، مثل الإنفاق علي تمويل خدمات يحتاجها الناخبون في الدوائر الانتخابية، مثل التبرع لبناء مدارس أو مساجد أو شق طرق أو عيادات ومستشفيات خاصة في تلك الدوائر الانتخابية التي يوجد في إطارها قري فقيرة أو أحياء شعبية ومناطق عشوائية في المدن.. كما سوف ينفق المال أيضاً علي تسهيل وصول الناخبين إلي مقار اللجان الانتخابية للإدلاء بأصواتهم ثم العودة إلي قراهم أو مناطقهم السكنية مرة أخري. . الانتخابات محطة تستأثر باهتمام المتتبع للشأن السياسي، وفرصة للباحثين في مجال علم الاجتماع السياسي، من أجل دراسة وفهم ظاهرة العزوف وتفسير دوافع التصويت العقابي، ومختلف المواقف المصاحبة للمزاجية التي يسلكها الناخب بمفرده داخل المعزل، وتخلق دينامكية تفتح منابر النقاش العامة. في ظل انتشار ثقافة استطلاعات الرأي، تتعدد زوايا القراءة من الوقوف على أنماط التصويت، إلى رصد لمحدداتها القانونية والتشريعية، وللزوايا المحيطة بعملية الانتخابات ككل مع مختلف الأطراف المتدخلة والمتداخلة فيها، إلى ظواهر الترحال وأشكال الحملات وتأثيرها في تشخيص معالم السلوك الانتخابي الذي ينبئ بنوايا التصويت لدى الناخبين، ومن ثم بالنتائج المحتملة والتي تتفاعل فيها عدة مكونات. وفي ظل النسبة العالية للأميّة وضعف الثقافة السياسية وعنصر المفاجأة الذي باغت الشعوب العربية، فإن السلوك الانتخابي لا يتحدّد أو ينبني كما في الأنظمة الديمقراطية التقليدية على عوامل اجتماعية – ديموغرافية ترتبط بالهويّة الحزبيّة التي تترسّخ منذ عهد الطفولة
وفقًا للبيئة الاجتماعية والتنشئة السياسية والتربية المدنية التي تسمح بقراءة صحيحة وواضحة للرهانات والبرامج، ولا يتحدّد ذلك السلوك بشكل عقلاني وفقًا للمكاسب والمنافع المتوقّعة من هذا المرشّح أو ذاك، بحيث يتم وضع الناخب وفقًا لخياراته الاقتصادية والسياسية بعيدًا عن العامل الإيديولوجي الذي يُعتبر في أغلب الحالات من أضعف محدّدات السلوك الانتخابي في الأنظمة الديمقراطية الراسخة، بسبب وجود عهود وعقود وتوافقات دستورية راسخة حول كل ما هو ثوابت توافق عليها الجميع ومع وجود مشروع مجتمع تمّ الاتفاق أيضًا على أسسه وطبيعته ومحدّداته، ولكنه يتحدّد وفقًا للعقل الجمعي والعصبية الدينية -الإيديولوجية التي أقصد بها توظيف الدين في السياسية أو وفقًا للعصبية الطائفية كما حدث في بعض مدن الصعيد في مصر عندما تحدّد السلوك الانتخابي لصالح السلفيين مقابل المسيحيين – الليبراليين ومن ثم تُصبح الديمقراطية خارج التوافق الحتمي حول العقود والدساتير مجرّد سوق سياسية إيديولوجية وضمانات وقائية من شرّ السلطة التعسفية.
كما يلعب ضعف المجتمع المدني والنقابات المهنية في ظل وجود كل هذه العوامل دورًا كبيرًا في هشاشة الأغلبية المنتخبة، حيث تقوم منظمات المجتمع المدني عادة بترسيخ التقاليد الديمقراطية والنضالية باعتبارها جماعات ضغط تقوم بدور فاعل في تضمين مطالب الفئات الشعبية في برامج الأحزاب والدفاع عنها، ومن ثمّ يُعتبر غيابها أو ضعف أدائها في المجتمع غيابًا للرقابة ولآليات ضبط عمل الأحزاب وإضعافًا للوعي والثقافة المدنية والسياسية للناخب الأمر الذي تنتج عنه أغلبيّة عدديّة لا أكثر.
وأخيرًا، يُعتبر صوت المرأة عاملاً مهمًّا جدًّا في تحديد مفهوم الأغلبيّة والأقليّة في المراحل الانتقالية، وفقًا لموقع المرأة في مجتمعات ودول الحراك فالسلوك الانتخابي للمرأة على مستوى القرى والأرياف قد يختلف عن سلوكها على مستوى المناطق الحضريّة والمدن، ففي الحالة الأولى غالبًا ما يتحدّد هذا السلوك وفقًا لاتجاه الرجل ربّ الأسرة، بينما يختلف الحال عن ذلك نسبيًّا في المدن، ومن ثمّ فإن محدّدات السلوك الانتخابي في دول الحراك تصبّ عمومًا لصالح الأحزاب التي تعيش فيها المرأة تبعيّة واضحة للرجل في قراراتها، ولكن يبقى ذلك كله خاضعًا لطبيعة المراحل الانتقالية،