مقالات

الإبتعاد عن التطرف الفكري وسلوك منهج الوسطية والاعتدال مسؤولية الجميع

بقلم : العلامة السيد محمد علي الحسيني

الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان

يتميز ديننا الحنيف بکونه دين العقل و المنطق و التدبر في الامور بروية و تأني قبل الحکم عليها، ولذلك فإننا نجد هنالك عددا کبيرا جدا من الآيات القرآنية الکريمة تدعو الانسان و تحثه على التفکير و التعقل و التدبر في مختلف الامور المتعلقة بذاته و بالواقع الموضوعي المحيط به و بالکون کله بمنتهى الهدوء.

الدعوة للتفکير و التدبر و التعقل، يتطلب بالدرجة الاولى و قبل کل شيء هدوء البال و السکينة لأنه لايمکن ابدا للإنسان أن يفکر بشکل صحيح وهو في حالة انفعال او عصبية، ولذلك فإن الآيات القرآنية بصورة خاصة و الدين الاسلامي بصورة عامة، دأب على مطالبة الانسان بعدم اتخاذه أي قرار إلا وهو في حالة هدوء و سکينة لأن عقلانية و منطقية القرار تحددها الحالة النفسية التي يکون عليها الانسان، ومن هنا فإن اتخاذ القرار في حالات الغضب و الانفعال تتأثر بالضرورة بتلك الحالات و تجعله قرارا غير سليم و العکس صحيح أيضا.

الاسلام مثلما هو دين العقل و المنطق و التفکير و التدبر في الامور، فإنه ولکي يکون الانسان المسلم ضامنا لتمکنه من ناصية الدين و عدم خروجه على القواعد و الضوابط الاساسية فيه، فإنه يجب أن يلتزم دائما حالة الهدوء و الاتزان و الروية عندما يريد اتخاذ أي قرار، لأن القرار المتخذ يحدد ماهية الانسان، وإن الانسان ولکي يکون متمکنا من نفسه و من جوارحه و جوانحه و ناجحا في السيطرة عليها و ترويضها، فإن الاساس المطلوب لمثل هذه الحالة هو أن يکون معتدلا و وسطيا في کل أموره الحياتية، ذلك أن الاعتدال و الوسطية يجعلان من الانسان متحکما في الکثير من الامور و الاهم من ذلك مقبولا لدى مختلف الاوساط الاجتماعية.

الرسول الاکرم”ص”، عندما قال في الحديث الشريف”خير الأمور أوسطها”، کما إن الآية الکريمة التي تقول:”وکذلك جعلناکم أمة وسطا لتکونوا شهداء على الناس و يکون الرسول عليکم شهيدا”، تٶکدان حرص الاسلام غير المحدود على قضية الوسطية ذلك أنه أمر بها فرديا و أمر بها اجتماعيا، وإن هذا هو أهم مايميز الدين الاسلامي و يمنحه الحيوية و المرونة و الخصوصية و التميز عن الاديان الاخرى.

الاعتدال والوسطية التي تعني عدم الغلو و المبالغة و التصرف وفق سياق محدد هو غير التطرف والغلو الذي يعني التصرف وفق سياق عشوائي غير محدد بالضوابط الشرعية والعقلانية لأن القرارات المتخذة في هذه الحالة”أي التطرف و الغلو”، تکون بالضرورة قرارات غير صائبة و تتسم بالعجالة و التسرع الناجمة أساسا من حالة الانفعال النفسي للشخص المتطرف، ومثلما أن الاسراف و الغلو في المسائل المادية قد نهى عنها الاسلام کما جاء في الآية الکريمة(کلوا و اشربوا ولاتسرفوا إنه لايحب المسرفين)، فإن التطرف والغلو هو أيضا وفق الميزان الشرعي إسراف وسوفان فکري يقود المرء لاتجاه هو غير الاتجاه الصحيح الذي کان يجب أن يسير فيه.

دعوتنا للوسطية و الاعتدال بوجه التطرف و الغلو الذي کما نراه جميعا و لأسباب مختلفة و متباينة يجتاح العالمين العربي و الاسلامي حيث تقوم أطراف و جهات معادية للأمتين العربية و الاسلامية بتوظيفها لصالح تحقيقها لأهداف و غايات خاصة معادية بالاساس للدين الاسلامي و للأمة الاسلامية جمعاء حيث أن غلبة التطرف و الغلو على أمتينا تجعل منه غير تلك الامة الوسط التي شرفها القرآن الکريم بها، ولذلك فإننا وجدنا من صلب واجبنا الشرعي هو التصدي لهذه الحالة المرضية المعادية لديننا الحنيف و عدم السماح لأعدائنا و المتربصين شرا بنا أن يتصيدوا في المياه العکرة من خلال الدعوة للعودة الى النبع الرقراق الصافي للإسلام والذي لايمکن أبدا أن يکدره التطرف و الغلو، وإننا بقدر مانبذل من جهود مختلفة مضنية من أجل اخواننا من شيعة العرب في سبيل توعيتهم من الاخطار المحدقة بهم من جانب نظام ولاية الفقيه و السعي لجعلهم في خدمة شعوبهم و أوطانهم، فإننا وبنفس القدر نعتبر انفسنا مسٶولين أمام اخواننا من أهل السنة و ندعو کي نعمل جميعا للنأي بأنفسنا و عوائلنا و کل من تربطنا به علاقة في الاسلام عن التطرف و التمسك بالوسطية و الاعتدال نهجا واسلوبا في کل الامور و قطعا عندما يبدأ الاعتدال فإن التطرف ينتهي.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى