البرامج والمنظومات الديمقراطيةالدراسات البحثيةالعلاقات الدولية

الربيع العربي في ظل التناغم والاختلاف بين أمريكا وروسيا (مصر وسوريا إنموذجاً)

اعدد الباحث : أنس الطـراونة – كاتب أردني ومحلل سياسي في العلاقات الدولية

  • المركز الديمقراطي العربي

تميزت هذه المرحلة بظهور عدة قضايا خلافية, ألقت بظلالها على مسار العلاقات بين روسيا وأمريكا, إذ انه ومع وصول فلاديمير بوتين للمرة الثالثة إلى سدة الحكم، لوح بخطوات قوية لسياسة روسيا الخارجية التي تنوي اتخاذها ضد “الشركاء الغربيين” بسبب ما يقومون به بما أسماه “الخطوات الانفرادية على الساحة العالمية، والتي لا تراعي رأي روسيا ومصالحها” حيث أكد بوتين “لا يجوز تحديد قواعد اللعب في الاقتصاد والسياسة الدولية من وراء ظهر روسيا، أو بمعزل عنها وعن مصالحها، مشيرا إلى أن التعاون الدولي طريق ذو اتجاهين” ، ومشدداً على السعي إلى التعاون البّناء والحوار في شأن قضايا مكافحة الإرهاب الدولي، والرقابة على الأسلحة، وصون الأمن العام, وألمح إلى أن الخطوات الانفرادية المشار إليها سلفاً سوف تلقى التقويم المناسب والرد المقابل (1).

روسيا اليوم، وهي تنهض من جديد، تسير باتجاه ترسيخ الوطنية الروسية والتذكير بمكانتها المفقودة، وتؤشر لاستعادة دورها الإقليمي والعالمي ضد الهيمنة الغربية وتحديداً الأمريكية، وفق صيغ جديدة متوائمة مع متغيرات ما بعد الحرب الباردة وأُسسها الأيديولوجية والاقتصادية, فلقد عمل بوتين وفريقه الحكومي المدعوم من حزب روسيا الموحد، والذي حقق نجاحا كبيراً في فوزه ب306 من المقاعد في انتخابات مجلس الدوما الأخيرة، كما قام على إضعاف وتقييد وضرب أسس النظام الليبرالي الذي حاول يلتسين تكريسه سياسيا واقتصاديا، والذي مهد الطريق لبيع روسيا للغرب وشركاته الكبرى و(مستثمريه)، وتحويل مفاصل النظام الاقتصادي والسياسي الروسي إلى محاور تخدم في حركتها الرأسمالية الاوليغارشية، وهوامشها من المنتفعين والمافيا السياسية وصائدي الثروات، الذين لا يتورعون عن فعل إي شيء في سبيل مصالحهم النفعية والأنانية (2).

قبل التحدث عن أهم محطات الخلافات بين الولايات المتحدة وروسيا حول الثورات العربية فلا بد من معرفة أهمية هذه المنطقة وموقعها الاستراتيجي لكلا البلدين, حيث تشكل منطقة الشرق الأوسط أهمية إستراتيجية كبيرة بالنسبة لكلا البلدين, فقد عملت روسيا على عدم التخلي عن التأثير فيها، ومناوأة الأحادية القطبية من خلالها, فلم تعد السياسة الروسية تجاه المنطقة الشرق أوسطية ترتكز على أسس تعاقدية قانونية ثابتة وواضحة، كما أنها لا تملك إستراتيجية واضحة، وإنما هي تمارس خليطاً من التصرفات المزعجة للولايات المتحدة الأمريكية حيناً، ولدوافع اقتصادية حيناً آخر(3) .

ولذلك ليس بمستغرب أن تشهد ملفات الشرق الأوسط الساخنة تبايناً واضحا في المواقف بين روسيا من جهة، والدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة من جهة ثانية، حيث أن هناك العديد من القضايا الخلافية, وما استجد في ضوء اندلاع الثورات العربية في اوآخر عام 2010م, أو التي تسمى بِـ (الربيع العربي) والتي بدأت من تونس, ومصر وليبيا, والثورة السورية.

إن الثورات العربية في الإعلام، بداية هي حركات احتجاجية سلمية ضخمة انطلقت في بعض البلدان العربية خلال أواخر عام 2010 ومطلع2011، متأثرة بالثورة التونسية التي اندلعت جراء إحراق محمد البوعزيزي نفسه ونجحت في الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي, وكان من أسبابها الأساسية انتشار الفساد والركود الاقتصادي وسوء الأحوال المَعيشية، إضافة إلى التضييق السياسي والأمني وعدم نزاهة الانتخابات في معظم البلاد العربية.

لا زالت هذه الحركة مستمرة, نجحت الثورات بالإطاحة بأربعة أنظمة حتى الآن، فبعد الثورة التونسية نجحت ثورة 25 يناير المصرية بإسقاط الرئيس السابق محمد حسني مبارك، ثم ثورة 17 فبراير الليبية بقتل معمر القذافي وإسقاط نظامه، وكذلك الثورة اليمنية التي أجبرت علي عبدالله صالح على التنحي أيضاً, وكانت أكبرها هي حركة الاحتجاجات في سوريا, تميزت هذه الثورات بظهور هتاف عربيّ ظهر لأول مرة في تونس وأصبح شهيرا في كل الدول العربية وهو “: الشعب يريد إسقاط النظام”، فالثورة التونسية جاءت احتجاجاً على الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردية فاندلعت بذلك الثورة التونسية، وانتهت في 14يناير عندما غادر زين العابدين بن علي البلاد إلى مدينة جدة في السعودية، واستلم من بعده السلطة محمد الغنوشي الوزير الأول السابق، فالباجي قائد السبسي, وبعدها بتسعة أيام، اندلعت ثورة 25 يناير المصرية تليها بأيام الثورة اليمنية، وفي 11 فبراير التالي أعلن محمد حسني مبارك تنحيه عن السلطة، ثم سجن وحوكم بتهمة قتل المتظاهرين خلال الثورة . وإثر نجاح الثورتين التونسية والمصرية بإسقاط نظامين بدأت الاحتجاجات السلميَّة في الوطن العربي المُطالبة بإنهاء الفساد وتحسين الأوضاع المعيشية بل وأحياناً إسقاط الأنظمة بالانتشار سريعاً في أنحاء الوطن العربي الأخرى، فبلغت الأردن والبحرين والجزائر وجيبوتي والسعودية والسودان والعراق وعُمان وفلسطين (مطالبة بإنهاء الانقسام بالإضافة إلى الانتفاضة الثالثة) والكويت ولبنان والمغرب وموريتانيا(4).

وفي 17 فبراير اندلعت الثورة الليبية، التي سرعان ما تحولت إلى ثورة مسلحة، وبعد صراع طويل تمكن الثوار من السيطرة على العاصمة في أواخر شهر أغسطس عام 2011، قبل مقتل معمر القذافي في 20 أكتوبر خلال معركة سرت، وبعدها تسلّم السلطة في البلاد المجلس الوطني الانتقالي, وقد أدت إلى مقتل أكثر من خمسين ألف شخص، وبذلك فإنها كانت أكثر الثورات دموية. وبعد بدء الثورة الليبية بشهر تقريبـاً، اندلعت حركـة احتجاجات سلمية واسعـة النطـاق في سوريا في 15 مارس، وأدت إلى رفع حالة الطوارئ السارية منذ 48 عاماً وإجراء تعديلات على الدستور، كما أنها أوقعت الكثير من آلاف القتلى ودفعت المجتمع الدولي إلى مُطالبة الرئيس بشار الأسد بالتنحي عن السلطة. وفي أواخر شهر فبراير عام 2012 أعلن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح تنحيه عن السلطة التزاماً ببنود المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية، التي كان قد وقع عليها قبل بضعة شهور عقبَ الاحتجاجات العارمة التي عصفت بالبلاد لعام كامل(5).

ومن هنا وبعد استرجاع لذاكرة الربيع العربي وأهمية الشرق الأقصى – عربياً لكل من روسيا وأمريكا , وبعد التحليل والإطلاع على مواقف كلتا الدولتين نجد تناغم واختلاف في المواقف لكِلا الدولتين الروسية والأمريكية تجاه ثورات الربيع العربي , نختصرها في مشهدين من مشاهد مسرح الربيع ألا وهما المشهد المصري والمشهد السوري حيث رصدناهم كالآتي :
أ- مصر:

ثورة 25 يناير:
استطاعت الثورة المصرية ثورة 25 يناير, وهي مجموعة من التحركات الشعبية ذات الطابع الاجتماعي والسياسي والديني الإطاحة بنظام محمد حسني مبارك حيث أجبرته على التنحي, وجاءت هذه التحركات احتجاجا على الأوضاع المعيشية والسياسية والاقتصادية السيئة وكذلك على ما اعتبر فسادا في ظل حكم الرئيس مبارك.

بالنسبة للموقف الأمريكي من الثورة المصرية فهو انتظر ما ستسفر عنه الأحداث بعد يوم 25 يناير, وكان أول رد فعل صادر في هذا الصدد عن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي أشارت إلى أن الأوضاع في مصر مستقرة, والأمر يتطلب إدخال بعض الإصلاحات, وهو ما يفسر تمسك الإدارة الأمريكية بمبارك, بالرغم من أن كلينتون أنكرت ذلك , والذي تميز بأمرين الأول تأخر الرد انتظاراً لما ستسفر عنه مجريات الأمور, والثاني تذبذب الموقف ما بين تأييد النظام, وتأييد الثورة, والمطالبة ببقاء النظام مع إدخال بعض الإصلاحات الإرضائية للشعب, وما بين رحيل النظام وإحداث حالة من الانتقال السلمي للسلطة, وحتى هذا الخيار شهد تذبذباً أيضا ما بين الرغبة في الرحيل بعد انتهاء مدة الأشهر السبعة المتبقية, وما بين الرحيل الفوري, كما دعا الرئيس الأمريكي إلى ضبط النفس ودعم الحقوق العالمية للمواطن, وانتقال السلطة سلميا.

وأما من جهة روسيا فدعت وزارة الخارجية الروسية السلطات المصرية إلى تأمين السلم الاجتماعي وإعادة الاستقرار إلى البلاد (6) .

ثورة 30 يونيو :
بعد ذلك جاءت ثورة 30 يونيو 2013 في مصر في محافظات عدة، نظمتها أحزاب وحركات معارضة ضد الرئيس محمد مرسي وحزب الأخوان المسلمين الذي ينتمي إليه, بعد سنة من استلامه الحكم في مصر, وهو أول رئيس مصري مدني في العصر الحديث, بعد ذلك أعلن وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي وقتها إنهاء حكم محمد مرسي، وتسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية العليا، المستشار عدلي منصور الذي رقى السيسي إلى رتبة المشير بعد ثمانية أشهر من ذلك, وهو ما يسميه البعض انقلاب عسكري على السلطة الشرعية, وفيما بعد ترشح عبدالفتاح السيسي إلى رئاسة الجمهورية وأصبح رئيس جمهورية مصر العربية الحالي .

أما ردة فعل الجانب الأمريكي من ثورة 30 يونيو فكانت أكثر وضوحاً من قبلها حيث صرح الرئيس الأميركي باراك اوباما مشدداً بأن الرئيس المصري محمد مرسي هو الرئيس المنتخب بشكل ديمقراطي في مصر، مبدياً مخاوفه من أن تشهد الاحتجاجات في مصر عنفا بين المتظاهرين, وشدد أوباما على التزام الولايات المتحدة بمساندة الديمقراطية في مصر وليس مساندة زعيم محدد ورفضه دعوة الرئيس المصري محمد مرسي للتنحي عن منصبه) 7).

ومع استنكار أمريكيا الإطاحة والانقلاب على محمد مرسي توترت العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر، كما تدهورت العلاقات المصرية الأمريكية بشكل واضح في أعقاب فض اعتصام أنصار الإخوان المسلمون بميداني رابعة العدوية ونهضة مصر في 14 أغسطس من العام ذاته، حيث جمدت أمريكا مؤقتا ما يعادل 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية السنوية التي تقدمها أمريكا للجيش المصري، من دبابات ومروحيات وصواريخ وطائرات مقاتلة (8).

ولكن فيما بعد تغير الموقف الأمريكي من مصر ونظامها برئاسة السيسي, حيث صرح المجلس القومي الأمريكي والبيت الأبيض يوم الاثنين الموافق 30/3/2015 بأن الرئيس أوباما أبلغ نظيرة المصري السيسي أنه تم رفع الحظر عن المساعدات العسكرية الأمريكية المفروضة منذ تشرين أول/ أكتوبر 2013 ويشمل طائرات إف 16 وصواريخ هاربون ومعدات دبابات إم1 إيه (9).

فالمجلس العسكري المصري إذاً أثر في مخرجات الثورة المصرية والحد من سيطرة الإسلاميين، بما يتماشى مع مصالحه والتي تأثرت من اعتماده ليس فقط على الولايات المتحدة، ولكن أيضا على مجموعة من دول الجوار التي ربما لا ترغب في رؤية أنظمة إسلامية في مصر بسبب تداعيات ذلك على الوضع الداخلي في دولهم (10).

أما الصعيد الروسي يمكن القول بأن هذا التوجه الأمريكي المتذبذب تجاه الأوضاع في مصر قد دفع صانعي القرار في كل من القاهرة وموسكو نحو التطلع للآخر كأفضل الخيارات المتاحة لتحقيق المصالح الوطنية لكل منهما في المرحلة الحالية وبعبارة أخرى، تلاقت مصالح القاهرة وموسكو على التعاون استجابة للمتغيرات الجديدة التي فرضها اللاعب الأمريكي على الساحتين الإقليمية والدولية (11).

تنظر روسيا لمصر على اعتبار أنها مركز صناعة القرار في الشرق الأوسط، رافضة كافة مساعي نقل مركز الثقل التقليدي للمنطقة إلى الأطراف الأخرى، وهى تؤكد هذه النظرة في كل المناسبات, وقد أبدت روسيا موقفاً مؤيداً لثورة 30 يونيو وما تلاها من تطورات في انتقال السلطة بما في ذلك كافة محطات خارطة الطريق حتى هذا اليوم، ومن هذا المنطلق فإن روسيا تؤيد عودة مصر بقوة إلى الساحة الإقليمية والدولية، وتدعم مشاركتها فى كافة المبادرات الإقليمية، وتقاوم أي محاولة لتهميش الدور المصري، وهو الذي وصل للمطالبة بضم مصر للرباعية الدولية لتفعيل دور الأخيرة (12).

فعلى الصعيد السياسي تبلور الزخم على هذا الصعيد في تبادل الزيارات بين مسئولين رفيعي المستوى على الجانبين، كان من أهمها زيارة وزير الدفاع المصري آنذاك المشير عبد الفتاح السيسي، ووزير الخارجية نبيل فهمي آنذاك إلى موسكو في بدايات عام 2014 حيث استقبلهما الرئيس فلاديمير بوتين. ومن ناحية أخرى تمت المباحثات خلال هذه الزيارة من خلال صيغة “2+2” وهى صيغة رفيعة جدا لا يطبقها النظام الروسي إلا مع عدد من الدول الكبرى في العالم مثل اليابان وفرنسا، ولا تتعدى قائمة الدول التي تتمتع بتلك الصيغة سبع أو ثماني دول في العالم (13).

كما قام الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي وقتها بزيارة روسيا منتصف أغسطس الماضي 2014، التقى خلالها نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وتوصلا لعدد من التفاهمات لتعزيز التعاون العسكري والتجاري والاستثماري بين البلدين (14).

وأما على الصعيد العسكري يربط المراقبون بين التقارب المصري الروسي والتوتر الذي شاب العلاقات بين مصر والولايات المتحدة منذ 30 يونيو، وقد تجلى ذلك بشكل واضح على الصعيد العسكري، فقد كانت مصر تحصل على مساعدات عسكرية قيمتها 1.3 مليار دولار سنويا من الولايات المتحدة منذ توقيعها لمعاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، بيد أن تلويح واشنطن المستمر بوقف هذه المساعدات دفع مصر إلى البحث عن مصادر أخرى وفتح آفاق جديدة للتعاون في هذا المجال، لا سيما مع روسيا التي تعد أنسب بديل لمصر لتنويع مصادر التسليح. وفي سبتمبر 2014، عسكرياً تم الإعلان عن صفقة وقعت بالأحرف الأولى بين مصر وروسيا لتزويد الأولى بأسلحة دفاعية بقيمة 3.5 مليارات دولار، إذ أعلن مدير الهيئة الفيدرالية الروسية للتعاون التقني العسكري الكساندر فومين، إن روسيا ومصر وقعتا بالأحرف الأولى صفقة أسلحة بقيمة 3.5 مليار دولار(15). وهذا ما تأكد خلال زيارة بوتين الأخيرة إلى مصر، والتي شهدت توقيع صفقة أسلحة قيمتها 3 مليارات دولار وعقدا لإنشاء محطة طاقة نووية.

تجدر الإشارة إلى أن الحديث عن التعاون العسكري الروسي المصري قد تضمن أيضا إشارات إلى تصريحات نُسبت لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف حول رغبة بلاده إقامة قاعدة عسكرية في مصر، بيد أن الخارجية المصرية نفت ذلك تماما، مؤكدة أن الجانب الروسي “يحترم تمامًا السيادة المصرية وسياسة مصر القائمة على رفض فكرة القواعد العسكرية الأجنبية على أراضيها، وأن التعاون بين البلدين يسير في إطار من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة (16).

اقتصادياً تكرر تأكيد الجانبان المصري والروسي في أعقاب 30 يونيو على وجود آفاق واعدة للتعاون بينهما في مشاريع ضخمة، كما أبدت روسيا استعدادها لصيانة المصانع المصرية التي سبق أن أسهم الروس في إنشائها في مصر، وبحث تمويل خطي المترو الجديدين، ومناقشة إنشاء صوامع روسية لتخزين القمح في مصر. أما في مجال التبادل التجاري فتجدر الإشارة إلى أن مصر لها ميزات تنافسية في التبادل التجاري مع روسيا سواء في صادرات الخضر والفاكهة وغيرهما، ورغم ذلك أقول لدينا إمكانات أكبر بكثير وخلال الأعوام القادمة ستتحسن هياكل الصادرات المصرية إلى روسيا في ظل المساعي المصرية للوصول إلى المواصفات القياسية العالمية. كما أن مصر لديها صناعات دخلت الأسواق الروسية مثل السجاد والسيراميك (17).

كما تم استئناف المشاورات الخاصة ببدء مفاوضات توقيع اتفاق تجارة حرة بين مصر ودول الاتحاد الجمركي الأورآسـيوي والذي يضم كلا من روسيا الاتحـادية وكازاخستان وروسيـا البيضـاء (بيلاروسيا) وذلك بعد توقف دام ثلاث سنوات. كما جرت فاعليات الدورة التاسعة للجنة المصرية الروسية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والفني، والتي عقدت على مدى 3 أيام بالعاصمة الروسية، خلال شهر مارس (2014), وفي ختام هذا الاجتماع تم توقيع بروتوكول تعاون في مجالات التجارة، الصناع، الاستثمار، النقل، البنوك، الاتصالات، الزراعة، الجمارك، الري، البنية التحتية، البيئة، البترول، النقل (18).
على صعيد متصل يبدو أن هناك تعاونا بين البلدين في مجالات الطاقة غير التقليدية؛ إذ اتفقت مصر في أبريل من عام 2014 الماضي مع روسيا على توريد احتياجات هيئة الطاقة الذرية من الوقود لتشغيل المفاعل النووي البحثي المصري الثاني، في ظل سعي مصر لتأمين الوقود النووي اللازم لأغراض البحوث، كما تم الاتفاق مع روسيا من خلال بروتوكول تعاون على تحديث وتطوير المفاعل النووي البحثي المصري الأول الذي كانت روسيا قد قامت بتصنيعه في نهاية الخمسينيات .

كما أعلن مجلس الوزراء في أبريل الماضي أيضا، عن إطلاق قمرا صناعيا جديدًا لأغراض التنمية من قاعدة باكي نور الروسية بكازاخستان, تجدر الإشارة إلى أن زيارة بوتين الأخيرة إلى مصر شهدت تركيزا على الأبعاد الاقتصادية، لا سيما وأن الرئيسين المصري والروسي, استعرضا إعدادات مصر للمؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ والتطلع لوجود مشاركة روسية فاعلة، وهو ما أكد عليه الرئيس الروسي، واتفقا كذلك على دفع العلاقات الاستثمارية وإقامة منطقة صناعية روسية في شمال عتاقة على محور قناة السويس, كم تم التوقيع علي مذكرات تفاهم لإقامة منطقة نووية في الضبعة، وأيضا في مجالات الاستثمار والغاز (19).

تؤشر قراءة خارطة المتغيرات الداخلية والخارجية في كلا البلدين إلى أن التوجه نحو التعاون بين القاهرة وموسكو يأتي متناغماً مع الاتجاه العام للأحداث في كل منهما، فعلى الجانب الروسي، يتوافق التقارب مع مصر مع “إستراتيجية الأمن القومي الروسية حتى عام 2020، والتي تدعو إلى تحويل روسيا المُنبعثة إلى دولة كبرى مجددا وإلى أن تكون إحدى القوى الخمس الأكبر اقتصاديا في العالم (20).
أما على الجانب المصري، فيمكن بقدر كبير من الأريحية الدفع بأن مصر كقيادة تبدو راضية عن الموقف الروسي من ثورة 30 يونيو, فالنظام السياسي الجديد بحاجة إلى حليف قوي يسانده على الساحة الدولية، وهو بحاجة إلى دولة عظمى يستورد منها ما يحتاجه من أسلحة وتسديد أثمانها على دفعات (21).

كما أن النظام الحاكم في مصر في بداية المرحلة الانتقالية كان بحاجة لغطاء دولي لتأمين عملية التحول الديمقراطي في مصر، ودعم خارطة الطريق، ومع توتر العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا أضحى لا بد للقاهرة من اللجوء إلى طرف آخر وهي روسيـا للتخفيف من هذه الضغوط (22).
من ناحية أخرى، تكرر تأكيد الجانبان ضرورة تفعيل آليات التعاون بينهما لاسيما فيما يتعلق باستعادة مصر لمكانتها السياحية بالنسبة للسياح الروس، فأعلنت وزارة السياحة المصرية أن الوزارة تستهدف جذب نحو 2.8 مليون سائح روسي سنويا، عبر السعي إلى الاستحواذ علي أكبر نسبة من السائحين الروس، الذين قد يغيرون وجهاتهم السياحية بعيداً من أوروبا خلال الفترة الحالية، على خلفية توتر العلاقات بين روسيا ودول الاتحاد الأوربي، والولايات المتحدة الأمريكية، جراء أزمة شبه جزيرة القرم الأوكرانية (23).

التهديدات الإرهابية في مصر وتحديداً في منطقة سيناء وما تلاها من تفجير الطائرة الروسية المنكوبة في المحيط المصري أدت إلى تعكير صفو المزاج العام الروسي- المصري وتحديداً على القطاع الاقتصادي – السياحي , حيث يرى خبراء أن الآثار السلبية المؤكدة لسقوط الطائرة الروسية ستنعكس سلبياً على البلاد، بعد إعلان روسيا وعدة دول أوروبية توقف رحلاتها السياحية إلى مصر، وما يترتب على ذلك من مزيد من الانخفاض في حصيلة البلاد من النقد الأجنبي، وربما تضاؤل تدفق الاستثمارات الأجنبية(24).

ب- سوريا
مما سبق نلاحظ تباين ومن ثم توافق بين الموقفين الروسي والأمريكي تجاه مصر وثوراتها, ولكن على العكس من موقف كلا الدولتين وترددهما من الثورات المصرية وما تبعهما من أحداث, إلا أن موقفهما من الثورة السورية تميز بالاختلافات الحادة, وذلك بسبب قوة العلاقات الروسية السوريـة .
كسابقتها من الثورات العربية بدأت الثورة السورية وتأتي كحلقة من حلقات الربيع العربي التي بدأت في تونس، ثم مصر، وليبيا، واليمن، وأتت الثورة السورية في بداية عام 2011 كاحتجاجات سلمية, كما تغير الشعار الأولي للاحتجاجات الذي تمثل في المطالبة بالإصلاح والتغيير، إلى المناداة بإسقاط النظام, وبدت السلطات السورية عاجزة عن إسكات صوت الاحتجاجات سواء عبر المعالجة الأمنية أو من خلال حزمة الإصلاحات التي أطلقتها القيادة السورية، حيث رفعت حالة الطوارئ في البلاد، وألغت محكمة أمن الدولة، وأعادت الجنسية لعدد من الأكراد السوريين، فضلا عن صدور قوانين في مجالات الأحزاب والأعلام والإدارة المحلية والانتخابات، وتوج هذا المسار الإصلاحي بإقرار دستور جديد للبلاد وسط وعود الحكومة السورية بأنها ماضية في طريق الإصلاح, وفي موازاة هذا الجهد الإصلاحي الرسمي راحت المعارضة السورية بدورها تنظم صفوفها وتنشط في سبيل حشد الدعم الدولي للثورة السورية، وجاءت أولى التعبيرات القوية للمعارضة من مدينة اسطنبول حيث أعلنت مجموعة من شخصيات المعارضة الليبرالية والعلمانية والإسلامية، عن تأسيس المجلس الوطني السوري، كما أطلقت معارضة الداخل هيئة التنسيق الوطنية , وبالتزامن مع هذا النشاط السياسي للمعارضة برزت محاولات لتأسيس نواة جيش معارض في مواجهة الجيش النظامي السوري المستبد، الذي راح يشارك بعمليات القمع ضد الاحتجاجات، وهو ما أدى إلى حدوث انشقاقات متوالية بدأت بالمقدم حسين هرموش الذي أسس كتيبة الضباط الأحرار، إلا انه اعتقل بعد أيام قليلة ليظهر اسم العقيد رياض الأسعد، الذي أعلن إنشاء الجيش السوري الحر الذي يضم جنودا وضباطا منشقين عن الجيش النظامي، وهو يعد الان بمثابة الذراع العسكري للمعارضة السورية، وثمة دعوات تطالب بتسليحه صدرت من السعودية وقطر، وبعض الدول العربية و الغربية (25).

حيث تكمن فلسفة جوهرة الثورة السورية في “تحرير الشعب من الاستعباد الداخلي بعدما حررته الثورة السابقة من الاستعمار الخارجي, وبالتالي مساواة الأفراد في ما بينهم بحيث يكون لهم جميعاً نفس الحقوق ونفس الواجبات” (26).

تحولت الثورة في سوريا إلى أشد الثورات العربية دموية ناتجة عن صراع مسلح بين النظام والمعارضة ألقى بتأثيراته على منظومة الأمن والاستقرار في المنطقة، لاسيما مع الدعوات المطالبة بالتدخل العسكري الدولي، على غرار الحالة الليبية التي سقط فيها نظام القذافي, ثمة معطيات في الحالة السورية تفرض سيناريوهات وخيارات للتدخل العسكري تختلف عن الحالة الليبية, فبرغم وجود تشابه بين النظامين السوري والليبي، وأسلوبهما في إدارة البلاد، فإن الخطوط الفاصلة في المجتمع السوري لا تتطابق مع التقسيم الجغرافي للبلاد، حيث لا توجد في سوريا منطقة مثل بنغازي الليبية، ليتمكن المعارضون من فرض سيطرتهم عليها واستخدامها كمعقل في حربهم مع النظام، كما حدث في الحالة الليبية، علاوة على أن الانشقاقات التي حصلت في الجيش السوري تقتصر في معظم الأحيان على عسكريين منخفضي الرتب من الطائفة السنية، ولم تمتد إلى الطائفة العلوية شديدة الولاء للرئيس الأسد وأسرته، بعكس الانشقاقات الهائلة التي حصلت في الجيش الليبي التي وصلت للرتب العسكرية الكبرى, إضافة إلى أن الانشقاقات اللبيبة شملت وحدات عسكرية كاملة بعتادها من الأسلحة الثقيلة، مما أعطى للمعارضة الليبية قوة ملموسة في مواجهتها مع نظام القذافي (27).

يضاف لما سبق عدم وجود منابع نفط في سوريا كتلك المتوافرة في ليبيا، وهو الأمر الذي لم يشجع العديد من الدول الأوروبية على المشاركة في التدخل العسكري في سوريا، ناهيك عن كفاءة القدرات العسكرية لسوريا، خاصة قواتها الجوية، مما سيجر القوات الدولية إلى حرب مكلفة ماليا وإنسانيا، تعجز الدول الأوروبية والولايات المتحدة عن تكبدها, علماً بأن المجتمع الدولي على رأسهم أمريكا تعهد أن لا يصمت إزاء برنامج الأسلحة الكيميائية السوري وتوعد بالرد العسكري الأمريكي على النظام السوري, الذي يشمل آلاف من القذائف المدفعية الأنبوبية والصاروخية الممتلئة بمواد مسببة للبثور شبيهة بغاز الخردل، إلى جانب آلاف القنابل المليئة بغاز الأعصاب “السارين” وربما غاز “في إكس”، الذي استخدم بعضها ضد المعارضة السورية, فضلاً عن رؤوس حربية من ذات النوع الثنائي والعنقودي المليئة بغاز الأعصاب, علما بأن سوريا تستمد قوتها العسكرية والدولية من روسيا (28).

تعود علاقات روسيا بنظام الرئيس السوري حافظ الأسد إلى عام 1970، إذ جعل سوريا تنحاز إلى معسكر الاتحاد السوفيتي, وتعززت العلاقات السورية الروسية بشكل كبير لترتقي إلى مستوى التحالف الاستراتيجي, ومن بعده استمرت العلاقات بعد تسلم ابنه الرئيس بشار الأسد السلطة, إذ ان سوريا تشكل بعدا مركزيا في الرؤية الإستراتيجية الروسية, ذلك ان القاعدة البحرية في طرطوس تشكل القاعدة الوحيدة لروسيا على شواطئ البحر الأبيض المتوسط, فسوريا تشكل أحد المداخل الأساسية لروسيا في الشرق الأوسط, وهي دولة مستوردة بشكل رئيسي للسلاح الروسي في المنطقة, فهناك عدة اعتبارات تؤثر على العلاقات الثنائية بينهما, كالمتعلقة بالوضع الدولي أو الرعاية الأمريكية – الروسية المشتركة, بهدف تحريك الوضع في المنطقة في غير مصلحة الولايات المتحدة, إذ ان الملاحظ بعد احتلال العراق بدأت روسيا في البحث عن دولة أخرى مناهضة أو معادية للولايات المتحدة من اجل ان تستمر لعبة المساومات التي كانت تتبعها الولايات المتحدة في إطار معادلة العلاقات الروسية- العراقية , الروسية- الأمريكية, لذا نلاحظ انها اتجهت إلى سوريا بعد خسارتها للعراق, (29).

فالقوة العالمية التي تحتاجها روسيا إلى استعادة الشرق الأوسط، هي في إبقاء موطئ قدم له في سوريا, إذ يرى أن سقوط الأسد يقوض إستراتيجيته بشكل كبير، ويضر بالمصالح الروسية في سوريا, إلا إذا وجه الولايات المتحدة إلى صراع آخر لفترة طويلة مكلفة في الشرق الأوسط(30).

وهناك عدة أسباب تشير إلى أن الولايات المتحدة قد لا ترغب في الانخراط في سوريا, في ضوء تجربتها في العراق وأفغانستان, ومن هنا، بدت أكثر ميلاً لتأجيل الضربة، بعد موافقة نظام الأسد، بدعم روسي، على إخضاع الأسلحة الكيماوية للرقابة الدولية, ….. لكن ( إذا أردنا أن نفهم الأزمة بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن سوريا، فمن المنطقي أن ننظر إلى الأزمة في سياق التاريخ الحديث ذلك أن القراءة السورية الأولى للأزمة الأمريكية – الروسية تميزت بـ”التسرع والتطير”، فسوريا ترى ‏أن حرباً باردة جديدة تقرع الأبواب، وأنها ستجد في موسكو قطباً دولياً قادرا على توفير مظلة ‏تحميها في مجلس الأمن أو على الساحتين السياسية والعسكرية, وأن الأزمة الجورجية كبوابة ستوفر إمكانية كبرى لها للعب على “التناقضات ‏الدولية” بين الأقطاب، كما حصل في سبعينات القرن الفائت والثمانينات، قبل أن يقع العالم في ‏قبضة الأحادية القطبية, وترى أن روسيا يمكن أن تكون “مشروع حليف” يساعدها في الخروج من أطواق ‏عزلتها، بل ويمكن استخدام ” ورقة التحالف الروسي السوري” لاستعجال الانفتاح الأوروبي ‏والأمريكي لاحقاً على دمشق) (31).

إن الموقف الأمريكي يظل مرتبطاً بالتحرك الروسي حيث أصبحت موسكو لاعباً مهما في الأزمة السورية ، إذ تمثل القضية السورية أهمية كبيرة لروسيا بسبب علاقاتها بنظام الأسد ونفوذها هناك, أما عن أهميتها للولايات المتحدة، فيتركز الأمر بصورة كبيرة على الأمور الأمنية للحفاظ على أمن إسرائيل واستقرار المنطقة, ويكمن التعاون بينهما في سوريا، في ضمان اكتمال نزع السلاح الكيميائي السوري والالتزام بقرارها، والوصول إلى تسوية سياسية لإنهاء الحرب السورية، بالرغم من أن ذلك صعب التنفيذ إلى حد ما, وذلك إلى اختلاف وجهات النظر الروسية- الأمريكية .

في الفترة الراهنة تشعر روسيا بكثير من الارتياح بسبب اقتراب واشنطن من وجهة النظر الروسية، وذلك بسبب سيطرة العناصر الجهادية على المعارضة السورية، فلا واشنطن ولا موسكو تريدان أن تكون سوريا ساحة لتدريب المتطرفين، الذين سيشكلون بالطبع خطرا كبيرا على كل من روسيا والغرب, وأنه إذا كان التعاون الأمريكي- الروسي فعالا ، فإن ذلك كاف لوقف الصراع، موضحة تأثير الأوضاع السورية في القوى الإقليمية، خاصة المملكة العربية السعودية وإيران، حيث سيؤثر الصراع فيهما أكثر من تأثيره على أمريكا وروسيا، فكلتاهما تسعي للوصول لأفضل النتائج التي تخدم مصالحهما (32).

كما أن الرئيس بوتين يرى أن قضية سوريا هي أهم معركة لها في البحر المتوسط لأنه بخروجها من هذه المياه فإنها تكون قد غادرت الشرق الأوسط كله بعد أن خرجت من ليبيا والعراق، ويثبت أن أهمية هذه المنطقة لروسيا فى تحرك الأساطيل واستعراض القوة البحرية من خلال تواجد الأسطول الروسي أمام الساحل السوري وتواجد الأسطول السادس الأمريكي وبعض سفن الأسطول الفرنسي والبريطاني في عرض المتوسط وأمام السواحل الليبية (33).
أما حول الموقف الروسي إزاء ما يجري في سوريا, فأن روسيا تمتلك مصالح ليست إقليمية فقط بل ودولية وأولويات في السياسة الخارجية, ومنها العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية, إذ ذهب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى القول” عندما تقول روسيا لا لمجلس الأمن فهذا يعني ان مصالح الأمن تتأثر بهذا القرار, وأخطاء القرارات الصادرة بخصوص ليبيا أضحت واضحة الآن للجميع”, ذلك ان المتتبع للسياسة الروسية في المنطقة يلحظ تغيراً, إذ عادت روسيا لتلعب دورا فاعلاً, وتتخذ مواقف واضحة في العديد من القضايا الدولية والإقليمية, في ضوء رياح التغير التي عصفت بالمنطقة, والتي أدت إلى إعادة ترتيب العلاقات الروسية – الأمريكية, بدأ من تونس في ديسمبر 2010م, وما تبعها من ثورات في ليبيا ومصر, إذ ان الظروف وفرت فرصا وتفرض تحديات ومواقف على روسيا تجاهها, ذلك ان الواقع يشير ان تطلعات روسيا وتوجهاتها ذهبت وفق خط وهيكل استراتيجي جديد, من خلال الاعتماد على المبررات السياسية والاقتصادية لتحقيق مصالحها وإعادة تعزيز وجودها في الساحة الدولية, بما يتيح لها فرص التوغل وبسط النفوذ في منطقة الشرق الأوسط, إذ ان الدور الروسي الذي برز في أروقة الأمم المتحدة تجاه النظام السوري كان بمثابة نقطة التحول في جوهر سياسة موسكو الخارجية وتعاطيها مع الأزمات الدولية الراهنة(34).

وبعد فشل مفاوضات جنيف2 والخروج من المؤتمر دون إي نتائج تذكر والذي عرف باتفاق الوزيرين الأميركي والروسي كيري – لافروف، أزعج الإدارة الأميركية التي كانت قد أبرمت اتفاقا مع روسيا حول الملف السوري والعديد من الملفات الأخرى، لكن التعنت الروسي أوقف تنفيذ أي تقدم سياسي، إذ فشلوا في التوصل إلى حل أنساني يتم عبره إدخال الدواء والمواد الغذائية إلى مدينة حمص السورية، لذلك كان كلام كيري واضحا”: لقد فشلنا في التوصل إلى حل، فالمشكلة ستكون في الجنوب الأوكراني”, لم تنتبه الدبلوماسية الروسية وتحديدا وزيرها سيرغي لافروف بان إفشال جنيف2 والعودة دون التوصل إلى اتفاق لحل الأزمة السورية سوف تدفع روسيا ثمنه غاليا، وبخاصة بعد أن كانت الإدارة الأميركية قد اعتمدت على موسكو في منطقة الشرق الأوسط كدولة كبيرة من الدرجة الثانية في حلحلة بعض الملفات الكبرى، وخاصة الملفين الكيماوي السوري، والنووي الإيراني, ذهب الروس بعيدا في تحليلهم الاستراتيجي، واعتبروا ان التراجع الأميركي في الشرق الأوسط هو نجاح لسياستهم التصعيديه والهجومية، واعتقدت روسيا أن خروج الولايات المتحدة من المنطقة سيمكنها من احتلال الموقع الأميركي, لكن فجأة أشعل الغرب نار جبهة الجنوب الغربي الروسي في أوكرانيا (35).

مع التحولات الأخيرة على الأرض في سوريا بعد الدخول الروسي القوي على الصعيد العسكري، تبرز معطيات جديدة تؤكد أن التحرك الروسي لم يكن تحركاً عبثياً غير مدورس بل كان بمثابة الإعلان عن خارطة طريق تبدأ عبر إعادة ترتيب موازين القوة العسكرية على الأرض وتنتقل لاحقاً لترتيب توازنات القوة السياسية , ومن المنطقي التفكير في أن تحول روسيا إلى ضابط إيقاع إقليمي ضمن ملف مكافحة الإرهاب يخولها لاحقاً أن تكون حجراً أساسياً في مجمل المعادلات السياسية في الشرق الأوسط , فتصدّر موسكو لمشهد مكافحة الإرهاب يمنحها تلقائياً فرصة لامتلاك زمام المبادرة ورسم معادلة الحل السياسي في سوريا. اللافت أيضاً أن ديناميكة وسرعة التحرك الروسي اليوم تشير الى وضوح الرؤية الروسية الساعية لانجاز حل سياسي في سوريا و قدرتها على ملئ الفراغ الذي خلفه غياب الإستراتيجية الواضحة لدى الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في السنوات الماضية. الرئيس الروسي بوتين ألمح في عدة جمل مفتاحيه إلى أن التدخل العسكري الروسي في الأراضي السورية لابد أن تفتح الباب لبدء عملية الحل السياسي , مما يعني أن هناك استحقاقات قادمة تتزامن مع الانجازات العسكرية الروسية على الأرض, كما قام أيضاً بوتين بدوره بالإتصال بقادة دول المنطقة “السعودية، تركيا، مصر والأردن” لاطلاعهم على فحوى الزيارة مما يعني أن الرئيس الروسي بدأ أيضاً في عملية بناء خلية إقليمية للحل تُبنى على تغيير مواقف بعض البلدان المعطلة للحل ودفع دول أخرى إلى تبني مواقف أكثر ايجابية ومن المتوقع أن تشهد المنطقة حراكاً دبلوماسياً كثيفاً على الصعيد الدولي والإقليمي لهذا من الطبيعي أن تظهر المرجعية الدولية المشتركة بين “روسيا والولايات المتحدة” مجدداً في العاصمة النمساوية فينا بعد أن ظهرت سابقاً في الدوحة , فوزير الخارجية لافروف ووزير الخارجية الامريكي كيري سيعقدان اجتماعات مشتركة مع نظيرهما التركي والسعودي “المعترضين على تفاصيل الحل السياسي” في محاولة جديدة لإقناع الطرفين بأن تغييراً في المواقف بات ضرورياً للجميع (36) .

المراجع والمصادر :
1- دياب , أحمد (2012م)، “عودة بوتين: تحديات وطموحات روسيا بعد انتخابات الرئاسة”، السياسة الدولية، العدد 188، المجلد، 47، (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، أبريل 2012)
2- جري, لمى مضر (2005م) “التغيرات الداخلية والخارجية في روسيا الاتحادية الفترة 1990- 2003, مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.
3- جريدة النهار اللبنانية، بيروت، عدد 14/ 12/ 2009.
4- موقع وزارة الخارجية الأمريكية، (2015) http://iipdigital.usembassy.gov/
5- بي بي سي،(2014م) ما مدى تأثير العقوبات الأوروبية والأمريكية على روسيا، متوفر عبر: www.bbe.co.uk/arabic.
6- هويدي، فهمي (2015م) نصف كوب الثورة الفارغ، متوفر عبر:Arabic.cnn.com
7- ذياب، أحمد (2009م)، أوباما وإعادة صياغة العلاقات الأمريكية الروسية, السياسة الدولية, عدد:175, المجلد:44
8- الزيات، آية (2013م) الاندبندنت: مصر تخطط لإعادة موازنة سياستها الخارجية، البديل.
9- الجزيرة نت , “أوباما يطلب حظر السلاح وتقديم المساعدات العسكرية لمصر” , 1/ابريل/2015 , متوفر على التالي :
http://mubasher.aljazeera.net/news/2015/03/2015331205757867251.htm
10- Cook,,S.A(2012) The Geopolitical of the changing Middle East, on the forum, Regional consequences.(www.cfr.org).

11- العنزي، علي، (2013م) مصر بيضة القبان، الحياة اللندنية.
12- درغام، راغدة، (2013م) تقاطع أوبكي- إسرائيلي- روسي-إيراني جديد، الحياة اللندنية.
13- وهبه، عبد اللطيف، البدري، محمد، (2014م) سفير مصر في روسيا لـ”الأهالي” علاقة مصر وروسيا لا تمر عبر واشنطن، الأهالي.
14- غريب، محمود،(2014م) وزيرا خارجية مصر وروسيا يحضران لزيارة بوتيين، القاهرة، متوفر عبر: /www.eremnews.com .
15- هيئة تحرير البيان،(2014م) صفقة تعاونية بين مصر وروسيا بـ3,5 مليار دولار.
16- سي إن إن،(2014م) مصر: روسيا ندرك رفضنا لقواعد عسكرية أجنبية، متوفر عبر:hHP://Arabic.cnn.com
17- وهبه، عبد اللطيف، البدري، محمد، (2014م) سفير مصر في روسيا لـ”الأهالي” علاقة مصر وروسيا لا تمر عبر واشنطن، الأهالي.
18- سليمان، محمد،(2014م) مصر وروسيا توقعان اتفاقيات تعاون في مجال اقتصادي، موقع مصراوي،26/3/2014.
19- هيئة تحرير بوابة الأهرام،(2014م) روسيا تزود مصر بالوقود النووي لمفاعلها البحثي الثاني، وتوافق على تحديث الأول.
20- محيو، سعد،(2012م) روسيا والربيع العربي” ارتباك وحيرة”swissinfo.ch.30.
21- رشيد، فايز،(2012م) مصر.. روسيا… هل يعود التحالف، صحيفة القدس العربي.
22- شينخوا، (2014م) زيارة السيسي إلى روسيا والتحول الاستراتيجي في علاقات مصر، وكالة الأنباء الصينية.
23- هيئة تحرير الحياة،(2014م) مصر تستهدف جذب(2,8) مليون سائح روسي إلى مصر خلال العام الخالي.
24-الجزيرة نت , 2015 , تداعيات أزمة “الطائرة الروسية” على مصر 17/11/2015 , متوفر على الرابط التالي :
www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2015/11/17
25- الشوقي، منذر، وعبدي، ابراهيم حاج،(2012م) الازمة السورية في عامها الأول بين الحلول السياسية والتسلح، متوفر عبر:arapic.pcople.com.cn
26- خليل ، سارة (2014) ، الملامح المتوقعة للعلاقات الأمريكية – الروسية في عام 2014 ، مجلة السياسة الدولية ، 8 يناير 2014 ، مقال مترجم للكاتبان ديمتري ترينين و أندروا ويس.
27- Hokayem , Emile (2012) Syria and its neigh bours survival global politics and strategy .Volum,54. Issue2.pp12-14.
28- هلال , رضا محمد (2013) “التداعيات المحتملة للتدخل الدولي في الأزمة السورية” , مجلة السياسة الدولية , العدد 194 , (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية)
29- الشيخ، نورهان، (2010م) التعاون الاستراتيجي الروسي- الإيراني.. البعاد والتداعيات، مجلة السياسة الدولية، العدد180، المجلد45.
30- ناصر زيدان، (2013م) “دور روسيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بطرس الأكبر حتى فلاديمير بوتين”، ط1، (بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون)
31- ناصر زيدان، مرجع سبق ذكره ,ص44
32- الطراونة , أنس (2015) “العلاقات الروسية الأمريكية في الفترة الرئاسية الثالثة للرئيس فلاديمير بوتين 2012-2014 ” رسالة علمية غير منشورة , جامعة مؤتة , 2015.
33- راندا موسى،(2013م)، “بين التوتر والتوازن: حسابات وقضايا العلاقات الروسية- الأمريكية”، السياسة الدولية، العدد 194، المجلد 48، (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية)
34- العزي، د. خالد ممدوح،(2015م) العلاقات الروسية- الأمريكية في ظل الصراع الجيوسياسي، جريدة المستقبل اللبنانية، العدد5004
35- العزي، مرجع سبق ذكره
36- السبايلة , د.عامر (2015) ” الأسد في موسكو وبوتين ينسج خطول الحل السياسي عبر التدخل العسكري , CNN بالعربي, متوفر على الرابط التالي

:http://arabic.cnn.com/middleeast/2015/10/22/russia-syria-conflict-diplomacy-opinion

 

أنس الطـراونة

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى