تظاهرات 26/ شباط في بغداد – قراءة تقييمية
اعداد : علي حسين سفيح – باحث بالشأن السياسي
شهدت بغداد يوم امس توافد الالاف من الشعب العراقي ومن اغلب المحافظات بغية مشاركتهم للتظاهر في ساحة التحرير وسط بغداد يوم الجمعة المصادف 26/2/2016, التي دعا اليها زعيم التيار الصدري السيد (مقتدى الصدر) صاحب المشروع الاصلاحي والذي طرحه قبل اسبوعين وقدمه لرئيس الحكومة السيد (حيدر العبادي), وكان الصدر جادا في تنفيذ ورقة الاصلاحات من قبل الحكومة وذلك من خلال تواجده في بغداد لكي يشرف على العملية الاصلاحية وقام باللقاء بعدد من المسؤولين العراقيين ومن ضمنهم السيد العبادي, وكان الصدر مصمم وعازم على قيادة التظاهرة المليونية حتى لا تسوف العملية الاصلاحية من قبل الحكومة او وقوف بعض الكتل السياسية بالضد من تطبيق الاصلاحات, لان وجود الصدر في التظاهر والنزول مع الشعب الى الشارع يمثل مصدر ضغط للحكومة ولجميع الرافضين للإصلاح .
وبعد متابعتنا لتظاهرة هذا اليوم وما لها من صدى محلي واقليمي وحتى دولي فلا بد لنا من تقييمها من الناحية الشكلية والمضمون وهي كالاتي :
اولا / التقييم من الناحية الشكلية :
- قيادة زعيم التيار الصدري للتظاهرة بنفسه, وهذا يعطي رمزية كبيرة للمتظاهرين وشرعية لمطالبهم الحقة , وهذه اول مرة في تاريخ العراق يقوم زعيم ديني وسياسي بقيادة تظاهرة كبرى في بغداد بالرغم من تدهور الوضع الامني فيها .
- الانضباط الجماعي للقاعدة الصدرية في الحفاظ على سلمية التظاهرة وتعاونهم مع القوات الامنية والالتزام بتعليمات زعيمهم .
- مشاركة عدد كبير من مكونات الشعب العراقي في هذه التظاهرة كـ(الاخوة من الطائفة السنية والاخوة المسيح وكذلك التيار المدني العلماني) وهذا يعطي انطباعا جميلا لوحدة العراق وجمع كلمتهم .
- كانت هتافات المتظاهرين وطنية عراقية وحدوية, لا حزبية وسياسية ضيقة.
- رفع العلم العراقي من قبل جميع المتظاهرين بدل من رفع رايات وشعارات حزبية حتى وان كانت صدرية .
- غياب وسائل الاعلام العراقية ولا سيما القنوات (الاسلامية – الشيعية) من التغطية الاعلامية للتظاهرة ؟ وهذا يدل على تسييس هذه القنوات حزبيا والتابعة لكتل سياسية معارضة لمشروع الاصلاح الحكومي او الصدري, ما عدا بعض القنوات التابعة للتيار الصدري والقنوات الاخرى كـ(السومرية والتغيير والرشيد ودجلة والعراقية) .
ثانيا / التقييم من ناحية المضمون :
القى السيد (مقتدى الصدر) كلمة مهمة وموجه الى الشعب العراقي والحكومة بشكل عام, والحشود المتظاهرة بشكل خاص, اذ تطرق الصدر في كلمته الى عدة نقاط مهمة منها :
- ان هذه التظاهرة ليس صدرية وانما هي معبرة عن صوت العراقيين وصوت المقاومين والشهداء والسجناء الابرياء والمهجرين والفقراء والمحرومين وصوت جميع المكونات وصوت السنة وصوت الشيعة, وان هذا الوصف بحد ذاته هو اصلاح ذاتي للفرد العراقي والتي تذوب من خلاله جميع التسميات والعناوين التي تساهم في تفرقة الشعب العراقي .
- اعلن الصدر براءته من الفاسدين حتى وان كانوا من التيار الصدري, وهذا يعني لا مكان للمفسدين مهما كانت عناوينهم الرسمية والسياسية, اذ ان محاربة الفساد والمفسدين احد اهداف التظاهرة .
- اعلن السيد الصدر بان لا احد في الحكومة يمثلني على الاطلاق وكل فرد فيها يتحمل مسؤوليته, وهذا تصريح واضح لسحب ثقة الصدر ودعمه عن الحكومة بأجمعها, ورفع الغطاء السياسي عن وزراء التيار الصدري لكي يحاسب المتهمين منهم .
- لمح الصدر بتحذيره لرئيس الحكومة وقال بانه على المحك, وان فترة الـ (45) التي اعطت للعبادي بمثابة الفرصة الاخيرة له, لان العبادي قد اعطي اكثر من فرصة لاجراء عملية الاصلاح الا انه توانا وشكل خيبة امل للعراقيين وللمرجعية وللصدر .
- عّد الصدر هذه التظاهرة بانتفاضة ضد الفاسدين وانطلقت اليوم وستستمر في الاسابيع المقبلة لحين استجابة الحكومة لمطالب الشعب وتحقيق اصلاحات جوهرية لا ترقيعية .
- الوجود الامريكي في العراق لم يكم في مأمن من كلمة الصدر والذي ندد بوجودهم وامتعاضه من تدخلهم في الشأن العراقي .
- وجه الصدر اصابع الاتهام لمسبب هذه الازمات والتحديات التي يمر بها العراق الى الحكومة السابقة ورئيسها نوري المالكي .
- تكلم الصدر ببعض العبارات (العامية) وليس الفصحى, وهي العبارات الدارجة لدى المجتمع العراقي لكي تصل رسالة التظاهرة اسرع الى نفوس العراقيين والتفاعل معها, وهذه التفاتة جيدة من الصدر الى المجتمع العراقي.
- قال الصدر في كلمته “اليوم نحن على اسوار الخضراء وغدا سيكون الشعب فيها ليستعيد حقوقها واحذركم من صرخة المظلوم فأنها لا محالة سوف ينتصر” وهذا تصريح ناري وصريح للحكومة وجميع المسؤولين المتواجدين في المنطقة الخضراء بان الشعب سيقتحم المنطقة الخضراء ويستعيد حقوقه من الفاسدين اذا لم تتأخذ الحكومة اجراءات بحقهم .
خلاصة المقال ان السيد الصدر قد القى ما في جعبته من امانة وابرء ذمته امام الله والشعب بعد ما سكتت جميع القادة السياسيين والدينين وهو جاد وعازم على تحقيق الاصلاحات بالطرق السلمية وسعى اكثر من مرة من مد يده للحكومة لعلها تستجيب لمطالب الشعب, اما كلمة اليوم له واطلاق تهديده المباشر لاقتحام المنطقة الخضراء, سيجعل جميع الكتل السياسية امام الامر الواقع في تحملها المسؤولية والوقوف مع رئيس الحكومة في تنفيذ اصلاحاته بعيدا عن تأثير الكتل السياسية عليه ان كان جاد “العبادي” في العملية الاصلاحية, لان الصدر اصبح ملزما امام الشعب وقاعدته الجماهيرية في تحقيق وعيده وانذاره للحكومة علما ان فترة الـ(45) بدأت بالعد التنازلي .
وعليه فان نجاح اي انتفاضة او تظاهرة لابد من توفر شرطين : 1-وجود قائد مؤثر يتمتع”بكارزمة ” يظهر للجماهير يقودهم بنفسه يؤثر ويتأثر به.
2-اهداف وطنية واضحة ومحددة للانتفاضة او التظاهرة.
ولا نغالي اذا ما قلنا ان كلا الشرطين متوفرة في تظاهرة اليوم : فالقائد موجود متمثلا بالسيد مقتدى الصدر الذي يتمتعبالكارزمية. اما اهداف التظاهرة فهي وطنية وشعبية بحتة ..
اما رئيس الحكومة (حيدر العبادي) فانا متأكد بانه لم يقف مكتوفي الايدي امام هذه الارهاصات والتحديات وامام العبادي عدة احتمالات اما انه سيشرع في العملية الاصلاحية الجوهرية لا الترقيعية ويكون حازم وجاد في مواجهة الكتل الرافضة للاصلاح , او امامه احتمال اخر هو تقديم استقالة جماعية للحكومة او يقوم بحل مجلس النواب والذهاب الى انتخابات مبكرة او سيقوم بتغيير جوهري في الحكومة ولكن على دفعات وليس دفعة واحدة …