محاكاه الإدارة الأمريكية للوسائل السياسية والاقتصادية والدبلوماسية للملف النووي الايراني
اعدد الباحث : أنس الطـراونة – كاتب أردني ومحلل سياسي في العلاقات الدولية
- المركز الديمقراطي العربي
تعد أزمة البرنامج النووي الإيراني واحدة من ابرز الأزمات الدولية التي تعمل الولايات المتحدة على مواجهتها في هذي المرحلة المهمة من التاريخ السياسي المعاصر , حيث كانت المرحلة أن تبعث أمل التغيير الجاد في إدارة الأزمات بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية بعد تولي الاداره الجديدة للحكم في البيت الأبيض (2009) التي عمل فيها الرئيس باراك اوباما وفريق عمله من الجيل الجديد على الترويج لشعار التغيير في إدارة شؤون الدولة داخلياً والتركيز الكبير على التعامل الدولي و سبل الأزمات التي تواجهها بعد اعتراف الأمريكيين أنفسهم بفشل الإدارة الأمريكية السابقة دولياً وانهيار سمعتها الدولية إلى أدنى مستوياتها.
إن إدارة هذه ألازمه الدولية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في ضل نظام الهيمنة , تطلبت الإستعانه بوسائل عديدة لغرض تحديد اتجاهات الأزمة وإيصالها إلى الهدف المنشود , سواء عن طريق التهدئة أم التصعيد , إذ تعد نفسها المسؤولة عن إدارة العالم وليس أزماته فقط , مما تطلب منها السعي لاستخدام وسائل مختلفة لخدمة الهدف , وقد يتم استخدام واحده منها دون الأخرى بحسب تطورات الأزمة وشدتها, مستندين على المبدأ الذي يقول بان هذه الأزمة الدولية عبارة عن سلسله من التفاعلات المتبادلة بين الولايات المتحد وإيران في صراع حاد دون مستوى الحرب الفعيلة .
وعلى هذا استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية المرتكزات (السياسية والاقتصادية ) التالية في إدارة أزمة البرنامج النووي الإيراني كالتالي :
الوسائل السياسية
وضعت الولايات المتحدة سياستها المتعلقة بإدارة الأزمات الدولية وفق استراتيجيه تقوم على خياري التسوية السلمي أو الحرب إذ تندلع الحرب بعد الفشل في التعامل وفق الطريقة المتعلقة بالتسوية السليمة التي تطلب الاتفاق مع الطرف الآخر في إيجاد حلول لتلك الأزمة عبر المفاوضات التي تنطلق بحضور طرف ثالث محايد سواء كان دوله أو منظمة دوليه أو غير ذلك كالوسطاء الدوليين بحيث تؤدي مجريات الأحداث إلى إمكانية حصول بعض المتغيرات التي ربما لم تكن موجودة في أذهان أطراف الأزمة القائمين على إدارتها .
وقد استند الموقف الأمريكي في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني على أسس تتمثل في الحفاظ على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط , وامن إسرائيل . واحتواء إيران لهذا لم تختلف السياسة الأمريكية تجاه البرنامج النووي الإيراني باختلاف الإدارات الأمريكية المتعاقبة .
فمنذ عهد إدارة الرئيس بوش (2001_2008) لم تتوصل الولايات المتحدة الأمريكية لأي طريقه تؤدي إلى حل هذه الأزمة , بل تفاقت يوماً بعد يوم جراء تعدد التوجهات الإيرانية سواء بالوسائل التقليدية الساعية لتوسيع ترسانتها العسكرية من اجل بسط نفوذها على الدول الجوار أو بالوسائل غير التقليدة مثل السلاح النووي وفرضه كأمر واقع , إذ دفعت أزمة البرنامج النووي الإيراني الولايات المتحدة الأمريكية للسعي إلى امتلاك وسائل وبدائل كثيرة تساعدها في التصرف حسب ما تقتضيه الحالة , ومن التكيف مع نوع الأزمة يدعمها في ذلك دورها المهيمن عسكرياً واقتصادياً وسياسياً , وتبرز في هذا المجال الوسائل السياسية التي استفادت منها الولايات المتحدة في إدارتها لأمة البرنامج النووي الإيراني , نتيجة إمكاناتها في السيطرة على اتجاهات الأزمة, فعمدت إلى استغلال تأثيرها في تحديد سبل إدارتها عبر وسائل فرعيه عدة منها :
1 . موقف المنظمات الدولية :
عمدت الولايات المتحدة الأمريكية في كثير من الأحيان إلى استخدام الأداة الدبلوماسية الأمريكية وسيلة لسيطرة على النظام الدولي , وقد بز هذا السلوك من أن منحت الولايات الأمريكية نفسها حق افتعال الأزمات الدولية وإدارتها بعد تجاوز سياستها لمبدأ مونرو الذي يشكل احد المحددات المهمة لمنع تدخلها في الشؤون الدولية خارج نطاق القارة الأمريكية , ثم جاء سقوط النظام الدولي ثنائي القطبية فتحولت السياسة الدولية إلى ملف كاشف ليس فقط لطبية الدور الذي يمكن للأمم المتحد هان تلعبه في النظام العالمي الجديد وحدوده وإنما لمصداقية المنظمة الدولية نفسها ومدى قدرتها على تطوير وتعديل مسار نظام دولي أصبح طاغياً وغير محتمل , لقد عملت الولايات المتحدة الأمريكية خلال إدارة الرئيس بيل كلينتون طوال العقد الأخير من القرن الأخير من القرن الماضي , على معالجة كل قضيه معالجة فرديه بحته لصالح الولايات المتحدة مع تنوع الأساليب من خلال الالتفاف على هيئة الأمم المتحدة بتوجيه ضربات إلى عدة دول .
لذلك قامت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن التي وصلت إلى السلطة عام (2001) بالتصرف منفردة على المسرح الدولي بطريقة توحي كأنها قررت أن تدير ظهرها كليهاً ونهائياً للأمم المتحدة وان تتعامل معها كأداة من أدوات سياستها الخارجية , ثم بدأت بالضغط على المنضمات الدولية من اجل الوصول إلى فرض سيطرتها الكاملة على تلك المنضمات بغية توظيفها لصالح سياستها المختلفة ومنها ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني إذ قامت بخرق ميثاق الأمم المتحدة وتعطيل المنظمة عن القيام بدورها في حل الأزمات الدولية, وإتباع سياسة التفريق والتمييز في معالجة الأحداث العالمية , ومارسة ضغوطاً على المنظمة بهدف إصدار قرارات جائزة تخضع لتفسير الأمريكي , وتعاملت مع الأمم المتحدة بمنطق الابتزاز تحت ذريعة الإصلاح والدعوة إلى تعديل ميثاقها , ودعت إلى تغيير هيكلة مجلس الأمن الدولي , والامتناع عن الوفاء بكامل التزاماتها المالية التي تبلغ نحو (25%) هي حصة الولايات المتحدة الأمريكية في ميزانية المنظمة الدولية حتى بلغ المتأخر من التزاماتها قبيل أحداث ( 11/9/2001) أكثر من (1.7) مليار دولار.
وقد سعت الولايات المتحدة إلى توظيف آليات قانونية تجاه البرنامج النووي الإيراني تم وضعها لإجبار إيران على احترام التزاماتها الدولية الخاصة بمنع الانتشار النووي وذلك بموجب خمسة قرارات لمجلس الأمن الدولي صدرت بين عامي (2006_2008) كما هو موضح في الملحق , التي توجب تعليق إيران لأنشطتها المتعلقة بتخصيب اليورانيوم , وتسمح بالتحقق المستقل من أهداف برنامجها النووي وذلك بعد أن تم إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن جراء فشل اجتماعات مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في التوصل إلى حل وسط يرضي جميع أطراف الأزمة خلال اجتماعاتها في (آذار 2006)
ولا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تصر على استخدام الأمم المتحدة خاصة مجلس الأمن الدولي باعتباره أداه دبلوماسيه مؤثره ذات قوه ملزمه للدول الأعضاء , في مسعى لتبرير قراراتها الخاصة بفرض الحصار الو الحظر , وتسمح لها بإعادة ترتيب الأوضاع الدولية رغم أن واجبات الأمم المتحدة تختص في حفظ النظام والسلم الدوليين إلا أنها أصبحت أداة بيد الولايات المتحدة الأمريكية لصياغة هيمنتها على النظام الدولي وسرعان ما وجدت الولايات المتحدة أنها مجبرة للتخلي عن غرورها المفرط والتحلي ببعض التواضع في طريقة تعاملها مع الأمم المتحدة خاصة مع انكشاف درجة انغماسها في الشأن العراقي بعد عام (2003) الذي كلفها كثيراً من الخسائر المالية والبشرية فبدأت تعود للأمم المتحدة بين الفينة والأخرى علها تجد مخرجاً ينقذها من مأزقها المستحكم ويحفظ مكانتها في العالم , وهذا ما عملت بموجبة الولايات المتحدة في تعاملها مع أزمة البرنامج النووي الإيراني من خلال توظيفها لقرارات مجلس الأمن الدولي لصالحها والصادرة بهذا الشأن .
- 2. التحالفات السياسية :
ترى الولايات المتحدة الأميركية ضرورة مقاومة التحديات الجديدة المهددة لمصالحها وأمن حلفائها , وذلك من خلال التعامل معها بخصوصية شديدة , لهذا فقد اعتمدت أسلوب إيجاد تحالفات سياسيه في التعامل مع أزمة البرنامج النووي الإيراني وذلك من خلال إتباعها للإجراءات التالية :
- عقد الاتفاقيات الأمنية مع دول الخليج العربي التي ربما تتحول فيما بعد إلى تحالفات عسكريه , من خلال تبادل الأدوار مع حلفائها وصول إلى إدارة أكثر فاعليه لهذه الأزمة بما يحقق الهدف من تلك التحالفات بعد أن أصبح الحلفاء معرضين لتهديد الإيراني نتيجة القرارات العسكرية المحتملة من برنامجها النووي.
2. دعم الحلفاء والأصدقاء العرب باعتبارهم ثقلاً مجابهاً ومضاداً للقوى الإيرانية إذ أن الولايات المتحدة تنظر إلى إيران أنها ليست مشكله أمريكية بالأساس , إنما هي مشكلة تحدي في المقام الأول لحلفائها وأصدقائها في الشرق الأوسط ومن ثم فأن المرحلة لاستراتيجياتها في مواجهة إيران سوف تركز على هذا الدعم ثم تنطلق
إستراتيجية المواجهة الأمريكية مع إيران التي ركز عليها “بيتر رودمان” الخبير المتخصص في السياسات الإقليمية بالشرق الأوسط والخليج العربي وكذلك بمنطقتي شرق آسيا وجنوبها , في مشروعه البحثي في بمركز “بروكينجر” الذي نشر تحت عنوان “مواجهة تحدي إيران الثورة : إستراتيجية المرحلة القادمة ” من ضرورتين هما :
أولا : حماية امن الخليج العربي من القدرات النووية الإيرانية المحتملة , عبر دعم سياسات الردع من اجل منع إيران _قدر الإمكان _ من تفعيل ساستها النووية كما تأمل.
ثانياً : إيجاد توازن جيوسياسي ونفسي بين إيران وحلفائها من الدول العربية (دول الخليج العربي ومصر والأردن) : وذلك عبر التقليل من ثقة الإيرانيين بأنفسهم من ناحية , وتضخيم ثقة حلفائهم العرب بأنفسهم من ناحية أخرى , وان إيجاد مثل هذا التوازن يحتاج إلى : ضغط اقتصادي اكبر وأوسع على إيران وتأييد اكبر للمجتمع المدني الإيراني .
- التنسيق الوثيق مع حليفها الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط الكيان الإسرائيلي , فقد نفذ الجيش الأمريكي وجيش الدفاع الإسرائيلي يوم (الاثنين 12 تشرين الثاني 2012) عملية إطلاق عدة صواريخ باتريوت من بطاريات امريكيه وإسرائيليه نصبت في “قاعدة بالماحيم” الجوي الإسرائيلية بالتزامن مع عمليات اعتراض وصواريخ سورية وإيرانيه أطلقت في اتجاه الأراضي الاسرائيليه.
وقد سبق لإسرائيل أن قامت بإعادة تجهيز قواتها العسكرية وتدريبها , مع القيام بمناورات عسكريه مكثفه بالذخيرة الحية على المعارك البرية وإجراء تدريبات لسلاح الجو الإسرائيلي على غارات بعيدة المدى قد تكون على الأرجح في إيران وأصبحت أولويات الولايات المتحدة وإسرائيل تقومان بتعزيز القدرات الاستخباريه داخل إيران من اجل تحديد أهداف الغارات الجوية وشن عمليات الداخلية لزعزعة الأمن والسعي لأثارت الخلافات الاثنيه والطائفية داخل إيران تحسباً وتحضير لحرب مقبله إن الأزمة الدولية القائمة الآن في الشرق الأوسط بين إيران من جانب , وأطراف دوليه كثيرة في العالم تقف في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في محاولة التصدي لتطلعات الإيرانية المتعلقة ببناء برنامج نووي لا تزال مخرجاته غير واضحة ,وقد فرضت هذه الأزمة على عواصم كثيرة في العالم العربي والإسلامي وقرارات مصيريه وهامه بدأت تساير طبيعة التحالفات السياسية القائمة بين الولايات المتحدة وتلك العواصم التي تتصاعد بعد تنتقل الأزمة إلي حالتها العنيفة , بحيث تصبح تلك القرارات والأحداث موثرة على البيئة الإقليمية والدولية بعد انتهاء الأزمة التي لا يعود العالم ومنطقة الشرق الأوسط إلى حالته قبلها وبموجب ذلك فان وصول الملف النووي لمجلس الأمن للبت فيه , وما يترتب على ذلك من تأثيرات استراتيجيه على منطقة الشرق الأوسط والتداعيات المختلفة جراء هذه الأزمة المستفحله, خاصة لو أخذنا بعين الاعتبار الاصطفاف التي يشهده مجلس الأمن في الآونة الأخيرة.
ثانياً : الوسائل الاقتصادية
إن تبلور التفكير الإيراني بالسير قدما تجاه أداء دور إقليمي كبير في منطقة الخليج العربي بالاعتماد على مكانتها ألاستراتيجيه في الشرق الأوسط , وقدراتها المحتملة من برنامجها النووي , دفع بالولايات المتحدة الامريكيه إلى البدء بالوسائل السياسية التي تناولناها سابقا , ومن ثم الانتقال إلى الوسائل ألاقتصاديه التي هي صلب هذا الموضوع , وهي وسائل وجدت لمنع إيران من تطوير قدراتها العسكرية – النووية , إذ تستعين الولايات المتحدة الأمريكية بالوسائل ألاقتصاديه الفاعلة من اجل التأثير في الدول الأخرى سواء من خلال تقديم المكافآت لمواقف المؤيدة لسياستها , عبر المعونات والمساعدات والقروض , والاتفاقيات التجارية , أو عبر المقاطعة الاقتصادية للشركات والمصالح المعنية للدول المقاطعة للسياسة الأمريكية , أو بدفع المنظمات الدولية والحلفاء إلى فرض حظر اقتصادي , مستعينه بالمؤسسات المالية والتجارية الدولية , وبما لا يجعل الولايات المتحدة مضطرة للتوجه نحو بدائل أخرى قد يكون من أهمها الخيار العسكري , على الرغم من التكاليف الباهضة لهذا الخيار.
لقد نظرت الولايات المتحدة إلى القدرات العسكرية والنووية الإيرانية على أنها تشكل السقف الأعلى للمشروع الاستراتيجي الإيراني تجاه مصالحها في الشرق الأوسط , وبأنها ستؤثر بشكل كبير على وجود أمريكا في منطقة الخليج تحديداً الغنية بالطاقة , حيث توفر هذه القدرات فرصه كبيرة لإيران لإلحاق الخسائر بالمصالح الأمريكية الإستراتيجية من خلال : استهداف القواعد الأمريكية في الخليج , واستهداف حقول النفط والغاز على ضفتي الخليج , كما نعد تلك القدرات عاملا مضافاً يخدم الإستراتيجية الايرانيه ويطور من حضورها الإقليمي , الذي تمكنت من فرضه دون غطاء نووي على المنطقة , ومن هنا تنطلق السياسة الايرانيه في محاوله لدفع الولايات المتحدة الأمريكية للبحث عن تفاهمات مع إيران في كافة برامجها للحفاظ على مصالحها , بما يجعلها مجبرة على تقاسم النفوذ بين البلدين في المنطقة , لكن هذا لم يحدث إلى الآن بفعل الرؤية الأمريكية للبرنامج النووي الإيراني , التي تسعى للسير قدما في خطوات مدروسة بغية عدم الوصول إلى النتيجة القائلة بضرورة تقاسم النفوذ مع إيران في منطقة الخليج العربي
ولهذا الغرض فقد اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة ذات شقين بهدف منع إيران من أن تصبح دوله نووية , إذ قامت على ما يلي :-
- تضييق العقوبات الاقتصادية على النظام السياسي الإيراني , وحاولت عزلها دبلوماسياً .
- عرضت الولايات المتحدة تحسين علاقاتها مع إيران نقابل تخلي إيران الثانية عن طموحاتها النووية , ولكن يبدو أن تلك الخيارات أصبحت بلا جدوى .
والبديل الأساسي الآخر هو شن عملية عسكرية على البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني , وهذه العملية من الواضح أنها ستكون مكلفة للغاية وربما لا تنجح , فقد حاولت الولايات المتحدة العمل على إبطاء التقدم الإيراني في مجالات الأسلحة النووية , من خلال فرض العقوبات الاقتصادية عليها وعزلها دبلوماسياً , لاعتقادها بأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى توفير الوقت اللازم لإيجاد حلول سلميه , أو يتم إجراء تغيير داخلي في النظام السياسي يمكن أن يجلب قيادة إيرانية أكثر اعتدالاً إلى سدة الحكم ,أو شن نشاطات تخريبية تحرف البرنامج عن مساره في المستقبل المنظور , ولكن لا حلول من تلك أثبتت أنها ناجحة : فالنظام الإيراني الحالي ظل مسيطراً بالرغم من كل الانتفاضات والحراكات الشعبية واستمرار الصراع بين رئيس الجمهورية وبين القائد الأعلى خامئني , والتقرير الأخير لوكالة الطاقة الذرية يفيد بأن الجهود لإفشال البرنامج النووي الإيراني لن تسفر عن شيء حتى الآن , وان ما يحدث على ارض الواقع هو أن إيران تزحف شيئاً فشيئاً لتقترب من عبور العتبة النووية .
ومن ابرز الوسائل الاقتصادية المستخدمة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في إدارتها لازمة البرنامج النووي الإيراني يتمثل في العقوبات الاقتصادية المتعلقة بتقليص المبادلات الاقتصادية , إذ ترى الولايات المتحدة بأن تلك العقوبات ستكون مؤثرة لان إيران تمتلك اقتصاد يعتمد في جانب كبير على المبادلات الاقتصادية في ضبط حركة قطاعاته الأساسية , وفي ظل تفاوت درجة الانفتاح التي تميز الأسواق الوطنية ومستوى اندماجها في الاقتصاد العالمي , لذا فان الاقتصاد الإيراني سوف يتأثر سلبياً بالعقوبات على مستوى الداخل المحلي الإيراني , وذلك في أشكال مختلفة مثل : ارتفاع أسعار المستهلكين وازدياد البطالة وخسائر أصحاب الأعمال وتقلص المعروض من السلع في السوق المحلية , نظراً لارتباط السياسة والاقتصاد ارتباطاً عضوياً , نجد التأثيرات السلبية في جانب الاقتصاد ترجمة مباشرة في جانب السياسة , إذ من شأن التداعيات الاقتصادية السلبية أن تمتد سلباً أيضا في حسابات الجدوى السياسية لصناع القرار في بلد كإيران , يما يؤدي إلى التأثير في سياستهم وتعديلها بالنهاية , ولأن النظام السياسي الإيراني بحاجه إلى قدر من التأييد الشعبي حتى يحفظ سلطته داخلياً , فإنّ عامل الرضا الشعبي دوراً لا يستهان به في توجيه السياسات , مهما كانت طبيعة النظام وتركيبته وتحالفاته الداخلية .
ومن أبرز أنواع العقوبات الاقتصادية التي تعرضت لها إيران من قبل الولايات المتحدة الأمريكية :
- العقوبات التجارية والاستثمارية :
مارست الولايات المتحدة الأمريكية أسلوب فرض العقوبات التجارية والاستثمارية ضد نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ عام (1996) بموجب قانون * داماتو : (* قانون داماتو : وهو القانون الذي وقعه الرئيس الأمريكي الأسبق , بيل كلينتون , يوم (5 آب عام 1995) , والمسمى بقانون داماتو نسبة إلى السناتور الجمهوري الفوتسي داماتو الذي تبنى هذا القانون وأقره الكونغرس الأمريكي في نهاية عام 1995 , حيث يفرض هذا القانون عقوبات على الشركات الأجنبية التي تتعامل في مجال النفط والغاز مع إيران وليبيا , وتزيد استثماراتها عن أربعين مليون دولار في العام ).
, وهو ما أكسب الاقتصاد الإيراني القدرة على التأقلم مع مثل هذه العقوبات التي استطاع الالتفاف عليها في حينه , وترى الولايات المتحدة الأمريكية بأن الاكتفاء بهذه العقوبات غير كافِ في المرحلة التي أعقبت إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي , لذلك سعت للعمل على تشديدها من خلال استصدار قرارات
جديدة من مجلس الأمن الدولي , أو من خلال إقناع حلفائها من الأوروبيين بتبني عقوبات مشددة خارج قرارات مجلس الأمن , كلما دعت الحاجة وفقاً للتطورات العملية لأزمة البرنامج النووي الإيراني , وذلك من أجل تشكيل صدمة للاقتصاد الإيراني , خاصة بعد تراجع عوائد النفط والغاز بشكل كبير , بغية إحداث أزمة داخلية للطاقة في إيران عن طريق وقف إمدادها بالبنزين .
وفي تموز 2012 حصلت تطورات جديدة في أزمة البرنامج النووي الإيراني حيث أصدرت الإدارة الأمريكية قرارات بتطبيق دفعة جديدة من العقوبات على إيران متهمة إياها بالمضي في تنفيذ برنامج نووي عسكري وتصدير الإرهاب , وتطبق العقوبات الجديدة على منظمات عسكرية إيرانية ومصارف وأفراد في الدولة , كما تم تجميد كل الحسابات الأمريكية لهذه الجهات ومنع المواطنين الأمريكيين من أي تعامل معها , وكذلك مارست الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطاً متزايدة على دول العالم لتخفيض تعاملاتها مع إيران , فنجحت في تخفيض صادرات إيران من النفط الخام بشكل كبير , مما أثر على إيراداتها المالية بشكل واضح , وتعهدت الولايات المتحدة الأمريكية بمواصلة الضغط على طهران لمنع الحكومة الإيرانية من امتلاك أسلحة نووية .
لم تقتصر فعل وتأثير العقوبات الاقتصادية الأمريكية على خفض إيرادات الحكومة الإيرانية فقط , بل بدأ واضحاً على الاقتصاد الإيراني بصورة عامة , بعد أن انخفضت قيمة الريآل الإيراني بصورة كبيرة حيث وصل إلى ” 12260″ ريالاً للدولار بالسعر الرسمي و عشرين ألف ريآل بسعر السوق السوداء , في وقت زاد فيه التضخم إلى نحو 20% , وارتفعت أسعار المواد الغذائية والخدمات , وفقد كثير من الإيرانيين وظائفهم , وطبقاً لأرقام مكتب الإحصاء الأوروبي هبط حجم التبادل التجاري بين أوروبا وإيران إلى النصف في عام واحد , ويعد الحظر النفطي واحد من أهم العقوبات التجارية والاستثمارية التي تواجهها إيران , إذ تشكل عائدات النفط الإيراني نحو 80% من عائدات الصادرات الإيرانية بصورة عامة , وحسب إحصائيات مؤسسة أبحاث الطاقة فإن إيران قد حصلت على عائدات تقدر بمائة مليار دولار من النفط الخام عام 2011 , مقابل عشرين مليار دولار سنوياً فقط قبل عشر سنوات , وطبقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية فإن هذه العائدات قد هبطت بنحو 40% هذا العام , بعد الشروع بتنفيذ عقوبات اقتصادية مالية أمريكية جديدة على طهران بالتزامن مع سريان الحظر النفطي الأوروبي على صادرات النفط الإيراني في تموز 2012 , إذ شكلت واردات الاتحاد الأوروبي في السنوات الماضية نحو خُمس صادرات إيران النفطية , وبما أن شركات التأمين الأوروبية تمثل جزءاً كبيراً من سوق التأمين على ناقلات النفط في العالم , فإن الحظر على عمليات تأمين ناقلات النفط الإيراني كان له أثر كبير أيضاً في فرض الحظر (زاهر, 2014) .
2 . العقوبات المالية :
تمثل العقوبات المالية التي فرضت على إيران أهمية كبيرة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها , على الرغم من أن حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين سيحتاجون إلى بذل المزيد من الجهود لكي يحتمل تأثيرهم على صنع القرار حول برنامج النظام النووي , إذ إن جولة العقوبات التي أعلنت عنها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا في عام (2011) على خلفية ما عرف بمؤامرة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت السفير السعودي على الأراضي الأمريكية , والتفاصيل الجديدة من قبل ” الوكالة الدولية للطاقة الذرية ” حول الأبعاد العسكرية للبرنامج النووي الإيراني , والمخاوف الإسرائيلية من أن نافذة العمل العسكري يتم غلقها , تمثل بداية مسعى دبلوماسي لتوسيع وتعميق عزلة إيران على النطاق الدولي .
وفي 21 تشرين الثاني لعام 2011 وكجزء من هذه الجهود الأمريكية تجاه أزمة الملف النووي الإيراني, فقد أعلن وزير الخزانة الأمريكي “تيموثي غايثنر” ووزيرة الخارجية “هيلاري كلينتون” عن فرض جولة جديدة من العقوبات الأمريكية , تشمل تدابير تتعلق بالمادة (311) التي تصف إيران كبلد يشكل ” قلقاً أولياً في مجال غسل الأموال” , وقدم الوزيران آنذاك وثائق داعمة لهذه المادة تشرح بصورة مفصلة مجموعة واسعة من السلوك غير المشروع والخادع , لافتة الانتباه إلى الدور الذي يمكن للقطاع المالي و”المصرف المركزي الإيراني ” أن يلعباه في دعم الإرهاب , وتسهيل انتشار الأسلحة النووية , وتنفيذ مخططات معقدة لتغطية المسارات التي يتبعها النظام , وفي اليوم نفسه , أعلنت كل من كندا وبريطانيا عن اتخاذ إجراءات مماثلة , أدت إلى تعزيز العقوبات بشكل ملحوظ من خلال منع قطاعاتها المالية من القيام بأي معاملات غير مرخصة مع إيران .
وللعقوبات المالية تأثيرات مهمة , إذ يمكن توقيع قبولاً دولياً أوسع للعقوبات المالية , كونها تستهدف أساساً مصالح الشرائح التجارية والصناعية العليا هناك , وبجانب تجميد الودائع الحكومية وودائع الشركات والأفراد الذين يحملون الجنسية الإيرانية , كما يتضمن هذا النوع من العقوبات تصعيب الشروط الخاصة بإعادة الجدولة للديون المستحقة على إيران , وهو ما يزيد من أزمة ديونها الخارجية ويضغط بشدة على صناعة القرار الاقتصادي فيها , وكذلك على احتياطاتها من العملات الصعبة , التي سوف تستهلك في دفع الفوائد والأقساط لسداد ديونها الخارجية , ولكن العقوبات المالية في حالة إيران لن تكون مؤثرة بالقدر الذي ربما تكون عليه في حالات دول أُخرى , إذ إنّ سعر النفط المرتفع منذ عام2005 جعل طهران تتبنى احتياطات نقدية كبيرة في مواجهتها النووية , نلك التي استعدت لها حتى قبل انتخاب محمود أحمدي نجاد في ذلك العام , كما أن طهران ليست زبوناً مستديماً على أبواب المؤسسات الدولية للإقتراض منها . صحيح أن الدول الصناعية السبع الكبرى منعت البنك الدولي من تقديم قروض لإيران , إلا أن الحجم الصغير لهذه القروض جعل الأبعاد السياسية والإقتصادية في أضيق الحدود بحيث لم تتجاوز الدلالات الرمزية لهذا المنع . وفي هذا السياق يمكن ملاحظة أنّ طهران لم تتقدم بأية طلبات للحصول على قروض من صندوق النقد الدولي.
إن العقوبات الاقتصادية على إيران من قبل الولايات المتحدة وحلفائها والمتعلقة بالعقوبات التجارية والإستثمارية وبالأخص الحظر النفطي , والعقوبات المالية على البنك المركزي الإيراني , سيعّقدان الأمور بالنسبة لطهران , لكن لا يغير ذلك جوهرياً الوضع الذي تواجهه , خاصةً إن أبرز زبائن إيران من الصين وروسيا والهند واليابان لا ينوون الالتزام بالحظر الغربي على إيران رغم الضغوط التي يتعرضون لها من الولايات المتحدة الأمريكية.
ثالثاً : الوسائل الدبلوماسية
أخيراً تم عقد إتفاقية أو صفقة مع إيران حول أزمة برنامجها النووي بواسطة الدول الكبرى الدائمة العضوية (مجموعة 5+1) والتي منها وأهمها الولايات المتحدة الأمريكية , لكن نظراً إلى المخاطر التي تحملها هذه ، لا بد من التدقيق بهذا الاتفاق الدبلوماسي مع إيران , لذا من المنطقي أن نؤجل الحكم إلى ما بعد ونرى كيف تفسر الإدارة الأمريكية جميع بنود الاتفاقية وكيف سيتم تنفيذها.
حينما تطلع إلى تفسير الإدارة الأمريكية الكامل للاتفاق النووي الإيراني وللملاحق المرفقة به، يبرز عدد من الملاحظات الممكنة في الوقت الراهن : أولاً، يبدو أن النتائج متسقة إلى حد كبير مع “اتفاق الإطار” الذي تم الإعلان عنه في 2 نيسان/إبريل , إذ تبقى أهم إنجازات “اتفاق الإطار” على ما هي عليه، أي: يجب أن يتم خفض عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة من 9500 في الوقت الحالي إلى 5060، كما أنه يجب تقليص مخزون إيران من اليورانيوم منخفض التخصيب من 10 آلاف كيلوغرام إلى 300 كيلوغرام. بالنسبة إلى الشرط الأول، لا بد من تحقيقه على مدى 10 أعوام، أما بالنسبة إلى الثاني فعلى مدى 15 عاماً , أما بالنسبة إلى عملية الرصد الواسعة لسلسلة التوريد بأكملها، من تعدين اليورانيوم وطحنه، وصولاً إلى تحويل الكعكة الصفراء وتخصيب سداسي فلوريد اليورانيوم، أو UF6، ستستمر لمدة 25 عاماً , كما يجب إزالة صلب مفاعل الماء الثقيل في آراك وإعادة تصميمه، ولن يُسمح لإيران بامتلاك أي قدرات على إعادة المعالجة , وسوف يكون الإيرانيون ملزمين بمراعاة “البروتوكول الإضافي” لـ “معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية” إلى الأبد.
وعملياً ، إن هذه القيود وعمليات التحقق المرتبطة بها تجعل من المستبعد جداً أن يتمكن الإيرانيون من تحويل المواد اللازمة لبرنامج سري أو أن يكونوا في وضع يمكنهم من تجاوز العتبة النووية عبر صناعة مواد للأسلحة النووية في أقل من عام، أي من ثمانية أعوام ونصف إلى 10 أعوام التي تطبق فيها القيود على عدد أجهزة الطرد المركزي وأنواعها. فمن دون السماح بإعادة المعالجة، يتم حظر مسار تحويل البلوتونيوم إلى قنبلة بشكل أساسي.
إن هذا هو الخبر السار، أما الخبر السيئ فهو أن الضعف الذي تعاني منه الصفقة، وبعض من تداعياتها الأكثر مدعاة للقلق، لا تزال قائمة على ما يلي :
أولاً : لا يتوجب على الإيرانيين تفكيك بنيتهم التحتية لتخصيب اليورانيوم، ويُسمح لهم على الأقل بمواصلة عمليات البحث والتطوير المحدودة لخمسة من نماذجهم المتقدمة من أجهزة الطرد المركزي، كما وسيتم السماح لهم ببناء برنامج نووي صناعي كبير بقدر ما يريدون بعد 15 عاماً، ففي تلك المرحلة، ستؤدي الصفقة إلى إضفاء الشرعية على الجمهورية الإسلامية كدولة على حافة العتبة النووية , فالفجوة ما بين كون الدولة على حافة العتبة النووية والقدرة على صناعة الأسلحة ستصبح صغيرة حتماً، ولن يصعب على الإيرانيين سدها.
ثانياً : ستخفف الصفقة من العقوبات بمجرد أن ينفذ الإيرانيون التزاماتهم النووية الرئيسية , “أي الحد من أجهزة الطرد المركزي والمخزون، وتوقيف تشغيل الجزء الأساسي من مفاعل آراك، وفرض نظام للتحقق من سلسلة التوريد” الأمر الذي من المرجح أن يستغرق حوالي ستة أشهر , ويعني ذلك أن إيران، بغض النظر عن كونها قادرة على بيع نفطها، ستستعيد إمكانية بلوغ ما يصل إلى 150 مليار دولار في الحسابات المجمدة في العام المقبل , وحتى لو استخدمت 90 في المائة إلى 95 في المائة من هذا المبلغ لتلبية احتياجاتها المحلية، من غير المعقول ألا يحصل “الحرس الثوري الإسلامي” على دفعة يمكنه استخدامها لأغراض عدوانية مع الميليشيات الشيعية في جميع أنحاء المنطقة, أما إذا شكك أحد في ذلك، فلينظر في كلام الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله، الذي سأل هذا العام في سياق خطابه: “إذا استعادت إيران هذا المال، فما الذي ستفعل به؟” ولم يترك هذا الأخير الإجابة للخيال إلى حد كبير إذ أكمل: “إيران، كدولة غنية وقوية… ستكون قادرة أكثر من أي وقت مضى على الوقوف إلى جانب حلفائها وأصدقائها وشعوب المنطقة، وخاصة المقاومة في فلسطين”. لذا لا عجب في أن يشعر القادة العرب والإسرائيليون بقلق شديد من أن يؤدي الاتفاق النووي إلى زيادة التهديدات التي تتربص بهم.
ثالثاً : بما أن الاتفاق يقوم بشكل أساسي على التخفيف من العقوبات مقابل الشفافية، فإنه يعتمد بشكل كبير على سماح الإيرانيين لممثلي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، على سبييل المثال , بالوصول إلى المواقع المشبوهة , فهل سيُسمح للمفتشين بالوصول إلى هذه المواقع متى أرادوا أو فقط عندما يسمح لهم الإيرانيون بذلك؟ وهل سيقف الإيرانيون، الذين يتحدثون عن “وصول منظم”، في مواجهة السبب المبرر لتفتيش الجيش أو “الحرس الثوري” أو المرافق العلمية؟ وهل سيتم تحويل كل تحدٍ ينشأ إلى مفاوضات؟
وبينما يقيّم الكونغرس الصفقة، لا بد للإدارة الأمريكية من معالجة كل واحدة من هذه الثغرات كما يلي :
أولاً : على سبيل المثال، يجب أن تعترف بخطر إيران كدولة على حافة العتبة النووية وأن تشرح كيف ستفرض الردع عبر التوضيح للإيرانيين والمجتمع الدولي بأنها لن تسمح لإيران بأن تصبح دولة تمتلك أسلحة نووية , وفي هذا الإطار أرى أنه يجدر بالإيرانيين أن يدركوا أن أي خطوة من هذا القبيل من شأنها أن تؤدي إلى استخدام القوة. وإذا تم اللجوء إلى ما هو أقل من القوة ستدرك إيران، عندما تصبح دولة على حافة العتبة النووية، أنه أصبح بإمكانها في الواقع مواجهة العالم بالأسلحة النووية في الوقت الذي تختاره.
ثانياً: تحتاج الإدارة الأمريكية إلى توضيح خططها لمواجهة الإيرانيين إذا بدأوا بدفق الأموال إلى “حزب الله” والميليشيات الشيعية الأخرى, كما ينبغي على إدارة أوباما أن تناقش الردود مع الأوروبيين، بما فيها العقوبات الاقتصادية المستهدفة، وأن تبدأ الآن بوضع خيارات مضادة مع الأصدقاء الإقليميين للولايات المتحدة ,العرب والإسرائيليين على حد سواء.
ثالثاً :على الإدارة الأمريكية أن تشرح السبب الذي سيحول دون تحويل آليات الاستجابة “التي تهدف إلى معالجة قضايا الوصول إلى المواقع أو الانتهاكات المحتملة” إلى مفاوضات جديدة يمكن أن تطول، مما يسمح للإيرانيين بتنظيف المواقع المشتبه بها أو الغش على الهوامش. إن توضيح النتائج التي لا يمكن العدول عنها حتى رداً على أصغر التجاوزات سيكون مهماً في هذا الصدد.
ومن الإنصاف القول إن العبء لا يقع فقط على عاتق الإدارة الأمريكية، بل أيضاً على عاتق أولئك الذين يدعون الكونغرس إلى عرقلة الصفقة وكأن هناك بديلاً سهلاً , يجب على المعارضين أن يشرحوا ما يحصل إذا تقبّل بقية العالم هذه الصفقة، وإذا قالت إيران إنها مستعدة لتنفيذه، وعمل الكونغرس بدوره على عرقلته , وهل سيعزف الإتحاد الأوروبي، الذي يلتزم صراحة بالاتفاق لرفع العقوبات بمجرد أن تستوفي إيران مسؤولياتها الرئيسية النووية، عن دعم الاتفاق لمجرد معارضة الكونغرس له؟ وهل يمكن بالفعل الإبقاء على العقوبات في ظل هذه الظروف، وخاصة إذا لم يزد الإيرانيون من عملية التخصيب وقالوا إنهم سيلتزمون بالصفقة . أم هل يمكن أن ترى الولايات المتحدة نفسها في عالم ينهار فيه نظام العقوبات، وتحصل فيه إيران على ربحها المفاجئ وتكون على بعد شهرين فقط من تجاوز العتبة النووية، مع رؤية محدودة لبرنامجها على أرض الواقع ؟ . ربما يكون الجواب لا، ولكن المشككين يحتاجون إلى شرح ما يمكن لواشنطن القيام به للتأكد من عدم التوصل إلى نتيجة مماثلة.
وباختصار، فإن “خطة العمل المشتركة الشاملة” تضع الإدارة الأمريكية ونقادها أمام بعض الأسئلة الحرجة , لذا يمكن للكونغرس أن يلعب الآن دوره بالضغط للوصول إلى الإجابات وتقييمها على حد سواء.