توفير الغذاء ودفع الاعداء – قراءة في هاتين السياستين
اعداد : علي حسين سفيح – باحث بالشأن السياسي
انطلاقا من عنوان المقال والذي لا نغالي اذا ما قلنا انه لا يقل شانا عن التعاريف التي اطلقت عن مصطلح (السياسة) والتي يمكن ان نعرفها بانها (قدرة المسؤولين في الدولة على توفير الغذاء للعباد ودفع الاعداء عن البلاد) اذ يتبادر في ذهن بعض القراء لهذا التعريف درجة البساطة والسلاسة ويمكن تحقيق ذلك في اغلب الدول, الا انه يحمل في طياته معاني كثيرة واجراءات معقدة وصعوبة تحقيقها بشكل كامل وشامل, لان من اهم اركان الدولة ومقوماتها ويجب توفيرها هو الغذاء والامن واللذان يعدان من العناصر الرئيسة لقوة الدولة وتطورها, اذ ركزت السماء على توفير هاذين العاملين من خلال سورة الايلاف التي جاء بها (الذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف) أي ان هذه الآية ارادات ان تلفت انتباه المجتمع الانساني الذي ينوي قيام دولة قوية بان (الغذاء والامن) هما حجر الاساس في بناء الدول .
وتأسيسا على ذلك سنوضح بشكل موجز اهمية توفير الغذاء ودفع الاعداء وذلك من خلال الاتي :
اولا – توفير الغذاء :
ان من اركان الدولة هو وجود شعب يعيش على اقليم معين له سيادة وهذا الشعب له احتياجات كثيرة ومتطلبات لا بد من توفيرها من قبل الدولة وعلى راسها (توفير الغذاء) وان الدولة ملزمة بتوفير ذلك وان الغذاء لا يأتي من فراغ وانما هناك اليات واساليب لانتاج الغذاء وكيفية استهلاكه وعدالة توزيعه وعمليه ادخاره وحزنه من قبل الدولة وهذه الاساليب والخطوات تحتاج الى سياسات وبرامج غذائية معقدة تعمل عليها الدولة وفي المقابل ليس كل الدول تمتلك جميع هذه الادوات والمقومات فمثلا عملية انتاج الغذاء والتي يكون مصدره الاساسي هو الزراعة والمياه والثروة الحيوانية فهناك دول تمتلك ارض خصبة فقط وليس لها مصادر مياهوالتي يعد اليوم (المياه) من المشاكل التي تعاني منها بعض الدول والبعض استخدمها كورقة ضغط على دول اخرى التي بحاجة الى موارد مائية او هناك دول لا تمتلك ثروة حيوانية, وهناك دول لها ارض خصبة وموارد مائية وثروة حيوانية الا انها تعاني من قلة اليد العاملة في البلد نفسه والتي يترتب عليها استقبال العمالة الخارجية وهذا بحد ذاته يحتاج الى سياسات تنظم هذه العمالة واندماجهم بالمجتمع وتوفير جميع مقومات الحياة لهم وذهبت بعض الدول الى منح اقامة طويلة الامد وتجنيسهم داخل الدولة لغرض الاستفادة منهم في الزراعة والصناعة والرعي وتقديم منتوج وطني يدعم الدولة على الرغم من الاثار الاجتماعية التي ستترتب داخل الدولة, لذا فعلى الدول ان تأخذ جميع هذه الامور والاثار بعين الاعتبار وهناك دول متوفرة عندها جميع الادوات لانتاج الغذاء الا انها بحاجة الى سياسات لتنظم عملية التصدير او الاستيراد وهذا يتم من خلال عملية عقد الاتفاقيات بين الدول واقامة علاقات دولية .
اما عملية استهلاك الغذاء وتوزيعه على افراد الشعب فأيضا بحاجة الى دراسة دقيقة لألية التوزيع بشكل عادل ومنصف وعدم التبذير والاسراف من قبل الدولة والشعب ولا بد ان يكون هناك خطط للخزن والادخار للاستفادة منها في ايام العوز والفاقة اذ ان جميع هذه الامور لا يمكن تحقيقها بسهولة وبدون وضع خطط لذلك وانما يحتاج الى الكثير من الخطوات والسياسات يشرعها وينفذها صناع القرار ذو اختصاص ومهنيين يتحملون مسؤولية توفير الغذاء للشعب لان الجوع والفقر له تبعات واثار سلبية على الدولة وامنها وسيادتها وسيعزز من عدم الاستقرار الداخلي المتمثل بالثورات والانتفاضات يقوم بها الشعب مطالبا بتلبية احتياجاتهم ضد الانظمة السياسية والحكومات وغالبا ما سمعنا بـ(ثورة الجياع) اما الاثار الخارجية فيتمثل من خلال هجرة ابناء البلد وبالتحديد الكفاءات بحثا عن لقمة العيش والذي يعد خسارة للبلد نفسه لأنه في هذه الحالة يعد بلد طاردا لأبنائه ومن الاثار الاخرى هو استغلال دول اجنبية لطبقات من المجتمع وتوظيفهم لصالحهم وتملي عليهم اجنداتهم مقابل توفير احتياجاتهم وتوفير فرص عمل لهم .
لذا فان عملية توفير الغذاء هي عملية (سياسية) بالمقام الاول وكل دولة يجب ان تتبنى (سياسة عامة للغذاء) وذلك للقضاء على الجوع والعوز وقطع دابر الاضطرابات الداخلية وتحقيق الاستقرار في الداخل والقضاء على الجريمة المنظمة التي تجد لها مسوغا مشروعا للقيام بأعمال غير مشروعا كالسرقة والسطو المسلح والقتل داخل المجتمع بدافع الحاجة الى الغذاء خاصة اذا لمسات بعض طبقات المجتمع بعدم وجود عدالة من قبل النظام السياسي بتوزيع موارده بشكل متساوي على كافة افراد المجتمع وكذلك للحد من الاثار السلبية من التدخل الخارجي في شؤون الدول الاخرى ويجعل هذه الدولة ارض خصبة لتنفيذ توجهات الدول الاخرى .
وهنا يأتي دور صانع القرار السياسي وحكمته في توفير الغذاء ومدى قدرته على النجاح في تحقيق هذه السياسية ويجب ان تكون مخرجاتها ملائمة للواقع, ولا ضير اذا استعانت دولة ما في جلب الخبراء والمستشارين من دول اخرى والاطلاع على تجاربهم والاستفادة منهم في حال خلو بعض الدول التي تعاني من نقص بالخبرات في هذا الشأن .
ثانيا – دفع الاعداء :
من اركان الدولة يجب ان تكون كاملة السيادة وغير محتلة من دولة اخرى وان تكون على أهبة الاستعداد لمواجهة أي خطر خارجي يهدد امن الدولة وسيادتها فضلا عن توفير الاستقرار الامني الداخلي للشعب وهذا بحد ذاته يتحاج الى الكثير من الخطط الاستراتيجية تتخذها الدولة لتوفير عنصر الامن متمثلا ببناء القوات المسلحة من ابناء البلد انفسهم وتدريبهم بشكل مهني وغرز روح الوطنية بداخلهم ويعلنون الولاء للدولة والشعب والدفاع عن اراضهم بكل تفاني واخلاص وبما ان الشعب له حقوق على الدولة من خلال توفير الحياة الكريمة والعيش الرغيد فبالمقابل عليه واجبات اتجاه البلد وهو الدفاع عنه والتضحية لاجله, لان أي دولة يكون امنها الداخلي والخارجي مهدد في أي لحظة اذا لم تتخذ اجراءات وخطط لأي طاري ينذر بالخطر المحدق بها . وهذا يرجع الى حكمة المسؤولين في التعامل مع الازمات والاضطرابات الداخلية والمخاطر والحروب الخارجية التي تهدد البلد والاحرى ان يكون العامل العسكري اخر ورقة يستخدمها صناع القرار بعد نفاذ الاساليب السلمية والسياسية وذلك لما للحروب من اثار سلبية على الدولة والشعب وما يترتب عليها من دمار وتخريب وتدهور العامل الاقتصادي والاجتماعي وزعزعت الاستقرار الداخلي .
لذا فان الدولة تكون ملزمة في توفير الامن الداخلي وردع الحركات الداخلية المخلة بالأمن والنظام العام وكذلك وحماية حدود البلد من العدو الخارجي لان الاضطرابات الداخلية ستخلق انتكاسة وخرق امني يلقي بضلاله على هيبة الدولة ويجعلها سهلة لسيطرة الدول الاخرى عليها خصوصا اذا انهارت المؤسسة الامنية داخليا لذا فنحن نركز على بناء اكثر من مؤسسة امنية رصينة ومهنية وتوزيع المهام عليها كوزارة الداخلية والامن العام والمخابرات التي تتولها حماية الامن الداخلي اما وزارة الدفاع وحرس الحدود والاستخبارات العسكرية التي تتولى حماية الحدود الخارجية ودفع الاعداء فضلا على تشكيل القوة الجوية والبحرية وهذا يحتاج الى بناء مؤسسات ضخمة وخطط استراتيجية تتبناها الدولة ورسم (سياسات عامةللأمن الوطني) وهذا يعتمد على اتفاقيات دولية ومعاهدات مع دول اخرى من خلال رسم الحدود والتدريب والتعاون المشترك . فضلا عن التعايش السلمي بين مكونات الشعب الواحد التي تسعى له الدولة وفسح المجال للتعبير عن الحريات وممارسة حقوقهم بشكل كامل بشرط عدم المساس بهيبة الدولة وعدم اثارة نعرات التفرقة بين افراد الشعب والعمل على تعزيز الروح الوطنية والمواطنة وذلك لقطع دابر بعض الجماعات التي تشرع لنفسها القيام ببعض الاساليب التي تزعزع الامن الداخلي ودفع العدوان الخارجي وردعهم .
وبعد ان استعرضنا بشكل موجز عن اهمية الغذاء ودفع الاعداء اتضح لنا ان الدولة لا يمكن ان تنهض ولا تستقر الا من خلال توفير الغذاء للشعب ودفع الاعداء عن البلاد ويتم ذلك من خلال بناء دولة مؤسسات تعنى بتحقيق ذلك وتتبنى سياسات عامة وحكيمة وواقعية للغذاء والامن لان قوة الدولة وهيبتها من قوة اقتصادها وقوة امنها واي تزعزع في هاتين العنصرين فيعني ذلك تزعزع وتعضض في قوة الدولة وضعفها امام الدول الاخرى .