الثورة الكوبية والقيادة السياسية “فيدل كاسترو”
إعداد الباحثة : ايناس صبري – المركز الديمقراطي العربي
مقدمة:
“لا يستطيع المرء ان يكون متاكدا من ان هناك شيئا يعيش من أجله الأ أذا كان مستعد للموت فى سبيلة “
هكذا يقول المناضل الثورى العالمي أرنستو تشى جيفارا الذي اعتبره فلاسفة عصره وفى مقدمتهم الفرنسيان (جان بول سارتر) و (سيمون دى بفوار) التجسيد الحى للعالم المثالى والقائد المناضل الذى كان أحد أركان ثورة التحرير من النظام الديكتاتورى الغاشم الذى كان يرأسه (باتيستا ) ونظرا لما تمتلكه الحركات الثورية فى مختلف العصور من الهيبة والجاذبية تمت صناعته وبناءه وتراكمه نتيجة تضحيات الالاف من أكثر الناس نيلا وبذلا وعطاء ونكران ذات فى سبل قضية سامية وهدف نبيل يحقق السعادة للجميع ولا يبنى امجادا شخصية لذلك غالبا ما تبتلى هذة الحركات وعلى طول تاريخها بالعوالق والطفيليات لا تريد أن تكون جزءا من زيتها الغير منظور الذى ينير طريق الأنسان بدون ضجيج نحو العدالة والمساواة والحرية. فموضوع البحث له أهميةً كبيرة خصوصاً في الوقت الراهن حيث يشهد العالم تغيرات وتحولات جذرية تتمثل في العولمة من ناحية، فهي تدعو إلى إلغاء الحدود السياسية والاقتصادية وجعل العالم قرية واحدة هذا الأمر يأتي لصالح الدول الاستعمارية التي تسعى إلى زيادة أرباحها وتحقيق مصالحها على حساب الدول والشعوب الفقيرة فهي لا تنظر إلى خصوصيات وإمكانيات هذه الدول وانهيار المنظوة الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتى من ناحية ثانية هذا الأمر أدى إلى انهيار التوازن الدولي ، هذا التوازن الذي كان قائماً بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأميركية، حيث أطلقت الولايات المتحدة الأميركية يدها لتتدخل في شؤون جميع الدول ، وتسيرها حسب مصالحها خارقةً المواثيق والقوانين الدولية التي تنص على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وتفرض عقوبات على الدول التي تعارض سياستها، والأمثلة كثيرة على ذلك. فلا بد من مواجهة هذين الأمرين اللذين يمسّان حقوق الشعوب وتلغي حضاراتها. كان لا بد من لفت الأنظار إلى الثورة الكوبية التي تعتبر مثالاً لجميع دول العالم الثالث لتحذو حذو كوبا في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية ومواجهة العولمة ومن أجل الحصول على الاستقلال الكامل . فاستطاعت كوبا الحصول على استقلالها بالاعتماد على الشعب الكوبي وحده الذي أمدّ هذه الثورة بجميع الإمكانيات المادية من أجل نيل الاستقلال ، فلم تُقدِم أية دولة على تقديم المساعدات العسكرية أوالمادية للثورة الكوبية قبل انتصارها ، وهي اليوم تعتبر مثالاً نظراً لأنها لا تسمح للتدخل الأجنبي أكان سياسيا أم إقتصاديا في شؤون كوبا الداخلية . وبالرغم من الأزمات التي تعرضت لها كوبا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي المموّل الرئيسي لاقتصاديات بلدان العالم الثالث ، ولكنها استطاعت تخطي الأزمة والمحافظة على استقلالها.
وعلى هذا فأن دراسة الثوره الكوبية التى أنتجت لنا قيادة سياسية ناضلت من أجل الحفاظ على حرية مواطنيها وحقوقهم السياسية والأقتصادية والأجتماعية ,لها دور كبير فى دراسة أثر هذة القيادة السياسية الناتجة على النظام السياسى الحالى فى جمهورية كوبا ,ففديل كاسترو هو أحد أضلاع مثلت النضال الثورى فى كوبا (فيديل كاسترو _اخوه راؤول كاسترو_وأرنستو جيفارا) والذى تولى الحكم بعد انتصار الثورة عام 1959 وتنحى عن الحكم لأخيه راؤل كاسترو عام 2008 لظروف مرضه التى مر بها آنذاك .
المشكلة البحثية
بعد خمسين عاما فيديل كاسترو لم يعد رئيسا للدولة لكن اصبح الكوبيون يعانون من مضاعفات ثقل الإرث الذي تركه لهم فالمشكلة مع هذا البلد ليس حصار أميركيا و حسب و إنما الحضارات الكثيرة الموجودة في البلد : الحصار الثقافي و الحصار المهني و حصار الحريات في التلاقي و الحصار على الإبداع لدى الكوبيين وحلم الذهاب إلى أميركا الشمالية الأمبريالية يداعب أفق خيال آلاف الكوبيين الذين هاجروا على متن السفن كثيرون منهم فقدوا حياتهم عندما كانوا يهمون بحياة أفضل تلك التي لم يعرفها أبدا ثوار البلد .فالاحتفالات بالثورة فى الاعوام الاخيرة لم تكن بزخم الاحتفالات السابقة حيث كانت تجرى بوجود قائد الثورة فيدل و بحضور عدد كبير من قادة العالم أما هذة الذكرى فتم الغاء الاحتفالات التقليدية بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية و ثلاث أعاصير متتالية عصفت بالجزيرة ولم يشارك اي من قادة اليسار في اميركا اللاتينية في احتفالات سانتياغو دي كوبا لكن بعضهم اشاد بالثورة وبزعيمها التاريخي فيدل كاسترو امثال ايفو موراليس (بوليفيا) ودانيال اورتيغا (نيكاراغوا) , وقال الرئيس البوليفي “مضى خمسون عاما على تحرر الشعب الكوبي من الامبراطورية الاميركية وتحولت كوبا وشعبها وقادتها الى رمز لتحرير شعوب العالم” ومن هنا نتسأل هل ترتبط أنماط القيادة السياسية بأشكال متنوعة من النظم السياسية؟ وبعبارة أخرى ما هي طبيعة العلاقة بين نمط القيادة السياسية وشكل النظام السياسي ودينامياتة وأبنيتة؟
تساؤلات الدراسة :
ويتفرع من هذا السؤال اسئله فرعيه كالآتى :
- ما هى طبيعة النظام السياسى والقيادة السياسية فى كوبا؟
- كيف اثرت القيادة السياسية ( آل كاسترو ) على النظام الداخلى؟
- كيف اثرت الثورة الكوبية والتحرر من الامبرالية على النظام السياسى فى كوبا ؟
- ما هى اهم انجازات الثورة الكوبية على المستوى الاقتصادى والاجتماعى ؟
- كيف تمكن كاسترو من العبور بكوبا فى ظل الازمة الاقتصادية التى عانت منها ؟ والى اى مدى تأثرت كوبا بانهيارالاتحاد السوفيتى ؟
- الى متى ستستطيع كوبا الصمود ؟
الأهمية البحثية
موضوع البحث له أهميةً كبيرة خصوصاً في الوقت الراهن حيث يشهد العالم تغيرات وتحولات جذرية تتمثل في العولمة من ناحية، فهي تدعو إلى إلغاء الحدود السياسية والاقتصادية وجعل العالم قرية واحدة هذا الأمر يأتي لصالح الدول الاستعمارية التي تسعى إلى زيادة أرباحها وتحقيق مصالحها على حساب الدول والشعوب الفقيرة فهي لا تنظر إلى خصوصيات وإمكانيات هذه الدول وانهيار المنظوة الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتى من ناحية ثانية هذا الأمر أدى إلى انهيار التوازن الدولي ، هذا التوازن الذي كان قائماً بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأميركية، حيث أطلقت الولايات المتحدة الأميركية يدها لتتدخل في شؤون جميع الدول ، وتسيرها حسب مصالحها خارقةً المواثيق والقوانين الدولية التي تنص على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وتفرض عقوبات على الدول التي تعارض سياستها، والأمثلة كثيرة على ذلك. فلا بد من مواجهة هذين الأمرين اللذين يمسّان حقوق الشعوب وتلغي حضاراتها. كان لا بد من لفت الأنظار إلى الثورة الكوبية التي تعتبر مثالاً لجميع دول العالم الثالث لتحذو حذو كوبا في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية ومواجهة العولمة ومن أجل الحصول على الاستقلال الكامل فاستطاعت كوبا الحصول على استقلالها بالاعتماد على الشعب الكوبي وحده الذي أمدّ هذه الثورة بجميع الإمكانيات المادية من أجل نيل الاستقلال ، فلم تُقدِم أية دولة على تقديم المساعدات العسكرية أوالمادية للثورة الكوبية قبل انتصارها ، وهي اليوم تعتبر مثالاً نظراً لأنها لا تسمح للتدخل الأجنبي أكان سياسيا أم إقتصاديا في شؤون كوبا الداخلية . وبالرغم من الأزمات التي تعرضت لها كوبا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي المموّل الرئيسي لاقتصاديات بلدان العالم الثالث ، ولكنها استطاعت تخطي الأزمة والمحافظة على استقلالها.
الأهمية العملية:
- التعرف على الأطار النظرى والمفاهيمى لمفهومى القيادة السياسية والنظام السياسى.
- القاء الضوء على الثورات التحريرية فى دول العالم الثالث ونتاجها للقيادات السياسية المؤثرة فى الأنظمة السياسية .
- أظهار السمات القيادية التى تحلى بها بعض القادة والزعماء والذين أثروا على المفاهيم العالمية للنضال والقيادة السياسية.
- تعتبر الثورة الكوبية امثل النماذج التى أثمرت زعماء اثروا فى الأنظمة السياسية فى العالم مثال فيديل كاسترو وراؤل كاسترو.
- توضيح بعض المفاهيم مثل النضال والثورة والأمبرالية والقيادة .
تقسيم الدراسة
- الفصل الأول:
الأطار النظرى والمفاهيمى للقيادة السياسية والنظام السياسى.
- المبحث الأول :مفهوم القيادة السياسية وخصائص القائد السياسى.
- المبحث الثانى:مفهوم النظام السياسى وأركانة (الجهات الرسمية).
2)الفصل الثانى:
الثورة الكوبية ونتاجها للقيادة السياسيةالفعالة فى النظام الكوبى.
- المبحث الأول: أحداث الثورة الكوبية وعوامل اندلاعها.
- المبحث الثانى: القيادة السياسية (فيديل كاسترو كنموذج).
الفصل الاول (تمهيدى)
الأطار النظرى والمفاهيمى للقيادة السياسية والنظام السياسى
لاشك أن الوقوف على تعريف واضح محدد ودقيق لأية ظاهرة من الظواهر يعتبر امراً مهما ،كما أنه يعتبر ضرورة لتقدم البحث العلمي في كافة المجالات، فالاختلافات في الآراء والمواقف، ومن ثم الاختلافات في التطبيق ما هي الا نتاج الاختلافات في تحديد مفاهيم الظواهر والاشياء، ومدلول الكلمات والمصطلحات ، ومن شأن أفراد المجتمعات الانسانية أن يختلفوا في فهمهم ومفاهيمهم نتيجة لاختلاف بيئات وخبرات وقدرات كل منهم وتباين تأثر كل منهم بهذه البيئات والخبرات، وإذا كان ذلك مقبولاً من عامة الناس، فإنه ليس كذلك بالنسبة للباحثين والعلماء وقادة الفكر لأن مثل هؤلاء يجب ان يحصلوا على مفاهيمهم من الحقائق الثابتة والمعبرة عن الجوهر الحقيقي للأمور والاشياء التي يرغبون بوضع مفهوم لها، وليس من حق أي من هؤلاء ان يعتمد على تصوره هو لمفاهيم الاشياء ومدلول الكلمات والمصطلحات، بل يجب ان يكون موضوعياً في تحديده لتلك المفاهيم وأن يعمل على الوقوف على الحقيقة وحدها ومن مصدرها، فالحقيقة لا تتعدد وهي ليست نسبية.
فإذا تناولنا الفكر الاداري المعاصر لنقف منه على تعريف ومفهوم القيادة السياسية والنظام السياسى ، فسوف نواجه بالعديد من التعاريف والمفاهيم، حتى أن البعض يرى أنه ليس من السهل الوقوف على تعريف واضح محدد.
وبالرغم من هذا العدد المتزايد من الأبحاث والدراسات، فإن الفكر الإداري المعاصر مازال يفتقر لوجود مثل هذا التعريف الواضح الذي يلقى اجماعا عاما، بل إن Stogdill يذهب لأبعد من ذلك، حيث يرى أن الفكر الإداري المعاصر يضم تعريفات عديدة للقيادة والنظام ، وأن هذه التعريفات يكاد عددها يساوي عدد الأشخاص الذين حاولوا تعريفها، وبالرجوع الى هذه التعريفات يتضح لنا مدى صعوبة الوصول لتعريف واضح ومحدد للقيادة مثلا ينال اجماعا عاما ولاشك أن هذه الاختلافات إنما تعكس اختلاف المنطلقات الفكرية لرجال الفكر الإداري المعاصر في تعريفهم للقيادة.
مما لا شك فيه أن تعدد وتباين وتزامن نظريات القيادة الإدارية في الفكر الإداري المعاصر قد أدى الى اختلاف وتباين المنطلقات والانتماءات الفكرية الإدارية المعاصرة تبعاً للنظرية التي اتبعها كل منهم، ومن ثم فلقد جاءت تعريفاتهم لحقيقة القيادة الإدارية والنظام السياسى انعكاساً لاختلاف وتباين النظريات التي انحاز اليها كل منهم.
المبحث الاول
مفهوم القيادة السياسية وخصائص القائد:
القيادة كظاهرة هي في اللغة من فعل “قود” والقود عند العرب هو السير في المقدمة ويقال: يقاد الدابة من أمامها ويسوقها من خلفها، فإن مكان القائد في المقدمة كالدليل والقدوة والمرشد.
إلا أن محاولات تعريف القيادة بين الباحثين والدارسين تكشف عن عدم وجود تعريف جامع مانع لمفهوم القيادة بل قد وجد جيمس ماكريجور بيرنز أنه يوجد 130 تعريف بشأن القيادة، ووفقًا له فإن القيادة: عملية تعبئة تبادلية reciprocal process of mobilizing لأشخاص لهم دوافع وقيم سياسية واقتصادية وأخرى متنوعة، في إطار من المنافسة والصراع، لتحقيق أهداف مرجوة لكلًا من القادة والتابعين.
ومن أكثر التعريفات التي كشفت عنها قراءة العديد من الدراسات الغربية بشأن القيادة شيوعًا هو “القدرة على التأثير على الآخرين”، وهي بذلك تتضمن ثلاثة عناصر، هي :
1) أن القيادة ظاهرة جماعية، إذ لا يوجد قادة دون تابعين.
2) القادة: هم أولئك الذين يستخدمون نفوذهم وقوتهم ليؤثرون على سلوك وتوجهات الأفراد من حولهم لإنجاز أهداف محددة .
3) الهيراركية: يعكس وجود قادة نوعًا من الهيراركية التي قد تأخذ الشكل الرسمي أو غير الرسمي.
وفي محاولات أخرى لتعريف القيادة تأتي الدراسات بالتمييز بينها وبين الإدارة أو بين القادة والمديرين، تؤكد أن الحديث بشأن القيادة هو حديث أبدي قديم قدم التاريخ بينما الحديث عن الإدارة لم يبدأ إلا في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر وأن القيادة تعد فرعًا من فروع علم الإدارة، وتميز بين الإدارة والقيادة من حيث إهتمامات كل منهما :
- الإدارة :عملية تهتم بـالتخطيط وإعداد الميزانية، – التنظيم والتوجيه، – الإشراف والرقابة.
- بينما القيادة :عملية تهتم بـتحديد رؤية العمل، – حشد التابعين نحو هذه الرؤية، – التحفيز وشحذ الهمم.
- المديرون: يركزون على الوضع الحاضر ويعملون على الحفاظ على هذا الوضع القائم، – يعملون على تنفيذ السياسات والإجراءات دوان ابداع غالبًا، – يعتمدون على سلطتهم الوظيفية
- أما القادة: يركزون على محاولات رؤية المستقبل، – يحفزون التغيير ويخلقوا ثقافة قائمة على القيم المشتركة، – يعتدون على قدراتهم الشخصية.
أما بشأن تعريف القيادة في الدراسات العربية والإسلامية فقد ارتبطت في أغلبها بالتمييز بينها وبين الإدارة كما جاءت في بعض الدراسات الغربية أو بالحديث عن القيادة السياسية بشكل خاص أكثر منه الحديث عن القيادة بوجه عام وهو ما ينقلنا إلى محاولات تعريف القيادة السياسية.اما فيما يخص موضوع البحث محل الدراسة فسوف نتناول بشكل موضوعى فى الفصول التالية القيادة السياسية فى دولة كوبا واثرها على النظام السياسى الداخلى فى الدولة.
تعريف القيادة السياسية
لقد بات توضيح مفهوم القيادة و تحليله والإحاطة به أمرا في غاية الأهمية ، نظرا للتباعد الكبير الذي يصل أحيانا حدود التناقض بين اطاره النظري و تطبيقاته العملية . فالقيادة كلمة قد يساء فهمها و بالتالي ممارستها او التنظير لها . و بالرغم من كثرة التعريفات التي تناولتها الا أن أشهر تعريفان تناولاها هما :
- الأول : القيادة تعني القدرة على التأثير في الآخرين من أجل تحقيق الأهداف المشتركة . مما يعني أنها عملية تواصل بين القائد أو المدير و مرؤوسيه حيث يتبادلون المعارف و الاتجاهات ، ويتعاونون على إنجاز المهام الموكلة إليهم .
- الثاني : يذهب الى أن القيادة في التفسير العلمي هي عملية تاريخية مبدعة تجعل التاريخ حدثاً متسلسلاً في دينامية تحولية اجتماعية بنيوية . و هناك اتجاه آخر في علم الاجتماع يرى بأن القيادة لها الدور الحاسم في النشاط الواعي للناس.
وتمثل القيادة السياسية أحد تطبيقات القيادة كظاهرة حركية ترتبط بممارسة السلطة السياسية إلا أن هذا لا يمنع ارتباط السياسة بدرجة أو بأخرى بالتطبيقات الأخرى لظاهرة القيادة ( القيادة الاجتماعية والقيادة الفكرية ، والقيادة الادارية).
ومحاولات تعريف القيادة السياسية شأنها شأن محاولات تعريف القيادة، من تعدد وغزارة الدراسات المطروحة بشأنها والتي واكبها تعدد في محاولات تعريفها ولذا لا يوجد تعريف محدد بشأن القيادة السياسية، ولكن يمكن أن نعرض لمحاولات تعريفها على النحو التالي :
– حدد العالمان “إبراهام زالزنك” و”دافيد مومنت” سبعة تعريفات أساسية لمفهوم القيادة السياسية: منها:
1) تولي المنصب السياسي الأعلى في الدولة.
2) هي ممارسة السلطة المفوضة من أعضاء الجماعة.
3) هي تفاعل بين نوايا واعية للقيادة مرتبطة بسلوكه القولي والفعلي وبين أشخاص آخرين يتصرفون بالفعل بما يتفق مع هذه النوايا عن رغبة واقتناع.
4) مبادرة السلطة وصنع القرارات.
5) تحقيق مباديء وقيم مثاليات الجماعة السياسية وهنا يجب على القائد أن يجسد في سلوكه الفعلي هذه المباديء والمثاليات مما يتيح له مكانة متميزة في قلوب الجماعة ويبرر حقه في القيادة والتوجيه.
6) القدرة على المبادرة وتسهيل تفاعل اعضاء الجماعة.
7) قدرة القائد على أن يجعل الآخرين يتبعونه
ويقدم ايضا د. جلال معوض تعريفًا للقيادة السياسية بأنها :
براعة وقدرة القائد –وبمعاونة النخبة السياسية- في تطويع الموقف لمقتضيات القيم والأهداف العليا التي تسعى إليها الجماعة السياسية.
وبهذا فإن القيادة السياسية عنده ليست ظاهرة فردية ترتبط بشخص القائد ولكنها في حقيقتها ظاهرة جماعية أساسها التفاعل بين أكثر من عنصروهم: القائد والنخبه السياسية والموقف والقيم
- القائد: هو العنصر الأول والأكثر أهمية وخطورة وتأثيرًا في العملية القيادية وهذا ليس لمكانته المتميزة على قمة النظام السياسي فحسب ولكن أيضًا لتنوع وخطورة الوظائف التي يؤديها في حياة الجماعة السياسية وتطورها. وحتى ينجح القائد في قيادته وتوجيه الجماعة نحو أهدافها وقيمها يجب أن يجمع بين خصائص وقدرات ذاتية وبين قدرة على تطويع خصائصه الذاتية وأساليبه في الحركة والتعامل بما يتفق مع خصائص ومقتضيات كل موقف من المواقف التي تواجه الجماعة. ويجب أن يدرك القائد أيضًا في أداء وظائفه أهمية خلق الترابط بين قراراته وسياساته وأساليبه وبين قيم ومثاليات الجماعة بحيث يصير أداة التعبير عن تلك القيم والمثاليات التي تشكل جوهر الضمير والوعي الجماعي، وعلى القائد أن يدرك أيضًا أن عملية القيادة أساسها الاقناع لا القهر وانها عملية تفاعل ومشاركة.
- النخبة السياسية: هي جماعة محدودة العدد يملك اعضاؤها من الاعوان والاتباع القدرة على التأثير السياسي سواء بمعنى المشاركة بالفعل في صنع السياسات والقرارات أو بمعنى التأثير على القائد لمنعه من اتخاذ سياسات وقرارات معينة لا تخدم مصالح النخبة أو مصالح الجماعات المرتبطة بها. والعضوية في النخبة السياسية لا تقتصر على شاغلي المناصب العليا في النظام السياسي بل تضم ايضًا ما عداهم من افراد يملكون ركائز أخرى- غير المنصب الرسمي- للتأثير السياسي. والنخبة السياسية ليست بالضرورة جماعة متجانسة متماسكة مندمجة بل قد تتصف بالانقسام والتنافس والصراع بين اعضائها خاصة في ظل دور القائد في اذكاء وتعميق هذه الانقسامات والصراعات انطلاقًا من مبدأ “الصراع المتوازن Balanced conflict” أو بعبارة أخرى ” فرق تسد” حتى تصير للقائد الكلمة الأولى والأخيرة في العملية السياسية.
- الموقف: تواجه الجماعة السياسية في تطورها وانتقالها من وضع لآخر ومن مرحلة إلى أخرى مواقف ترتبط بها مشكلات تفرز أزمات معينة تعترض طريق الجماعة في سعيها نحو تحقيق أهدافها. وهنا تأتي وظيفة أو دور القائد بمساندة النخبة السياسية في وضع حلول لهذه المشكلات والازمات ونظرًا لأن لكل موقف خصائصه يفرض ذلك على القائد براعة التحرك باستخدام آساليب معينة تتفق مع مقتضيات مواجهة كل موقف.
- القيم: لا تنفصل عن ثقافة وحضارة وتراث المجتمع، وهذا المضمون الثقافي والحضاري والتراثي للقيم هو المنطلق الحقيقي لآية مواجهة ناجحة لمشكلات المجتمع. وبذلك يمكن القول أن قدرة القائد على فهم واحترام القيم عند تقييم المواقف وتحديد وترتيب الاهداف واختيار الوسائل واتخاذ القرارات مصدر مهم لشرعية القائد. كما يرتبط ذلك بثقة القائد في الذات القومية التي تتحدد وتنبع من هذه القيم الثقافية التاريخ.
القائد السياسى وخصائصة
القائد هو شخص يحتل موقعاً بارزاً ويمارس دوراً محورياً بالنسبة إلى تابعيه، وله باع طويل من النفوذ بينهم والسيطرة عليهم. والقيادة هي ممارسة السلطة والتأثير في نطاق علاقة اجتماعية معينة، وتكون لفرد في الجماعة أو أكثر، يحوزون القدر الأكبر في تسيير الأنشطة والتحكم في المعلومات واتخاذ القرارات. وقد تكون القيادة حاجة نفسية عند بعض الشعوب، أو لدى شعوب في بعض الظروف(مثل فيديل و راؤل كاسترو) ، حيث يتماهى الناس في شخص الزعيم، يصدقونه ويتبعون خطاه. ويختلف نوع التماهي أو سببه أو تبريره من مجتمع إلى آخر، ففي المجتمعات الإقطاعية ينظر إلى القائد باعتباره “السيد المطاع” وفي المجتمعات الحديثة يرونه إما واحداً منهم، ينتمي إلى خلفيتهم الاجتماعية ويؤمن بأشواقهم إلى العيش الكريم ويحمل مطالبهم ويسهر من أجل تحقيقها، وإما أنه شخص ذكي بارع في فعل كل ما يجلب لهم منفعة.
خصائص القائد السياسى :
- ان يملك الانسان ويتمتع بخصائص فريده وقدرات ذاتيه لا تتوافر في غيره تعبر عن النبوغ والاسثناء والتميز من قبيل:
- الذكاء والفطنة
- سعة الافق والقدرة على التفكير : التدبر وحسن التصرف
- البلاغة وحلاوة اللسان : الفصاحة وحسن التعبير
- الخطابة والقدرة على جذب انتباه المستمعين
- الثقافة والمعرفة وحسن الاعداد
- القدرة على المناورة والخروج من الاحراجات والمآزق
- القدرات الابتكارية (ابتكار الافكار والحلول )
- الثقة بالنفس و الميل للتسامح
- القدرة على اتخاذ القرار في التوقيت المناسب
- القدرة على الاقناع لاسيما في القضايا الخلافية
- القدرة على تحمل المسؤولية
- القدرة على تكوين فرق العمل
- القدرة على تطويع قدراته الذاتيه بما يتفق مع خصائص ومقتضيات المواقف التي تواجه الجماعة او المجتمع .
- الايمان بان القيادة تعني الثقة والاقتناع والحوار وليس القهر والمناورة والخداع
- الايمان بان القيادة تعبر عن حالة من التفاعل بين الفرد (القائد) وبين الجماعة (النخب السياسية والثقافية والاجتماعية والجماهير)
- خلق الترابط بين القرارات والوسائل والسياسات وبين قيم المجتمع الذي يتحرك فيه القائد .
المبحث الثانى
النظام السياسى واركانة
- مفهوم النظام السياسى :
هناك اختلافات واسعة حول تعريف النظام السياسي Political system خصوصا بعد ان اصبح بديلا للدولة في التحليل السياسي لفترة من الزمن. ولذا فالنظم السياسية أصبح ينظر إليها على أنها نوع من الأنظمة الاجتماعية تتمثل في شكل مؤسسي وقانوني يسمى بالدول في الغالب،ولذا يسميها موريس دروفرجي بالمجتمعات الكلية، أي هي النظم الاجتماعية التي تندمج فيها وقد تخضع لها سائر التنظيمات والمجموعات الاجتماعية الفرعية الموجودة على إقليم معين تطورت هذه النظم الاجتماعية الكلية أو هذه النظم السياسية عبر التاريخ من القبيلة إلى الدول المدينة، إلى الأشكال الامبراطورية للدول، مرورا بالنظم الاقطاعية إلى نمط الدولة الأمة في بداية
عصر النهضة في أروبا، ويرى دروفرجيه أن الشكل الأخير من الدول يمثل المثال النموذجي في التحليل المعاصر لدراسة النظم السياسية المعاصرة وهذا يثير مشكلة الفرق بين الدولة والنظام السياسي. فالنظام مفهوم مجرد هو آل متكون من أجزاء مترابطة يؤدي التغيير في أحدها إلى التغير في بقية الأجزاء ومجمل النظام. ولذا فالكلام عن النظام الاجتماعي يشمل النظام السياسي، ليشير إلى مجموعة من الأفعال المتبادلة يين الأفراد والتي تشكل مجموعة من الأدورا الثابتة، هذا هو التعريف الواسع الذي اعطاه تالكوت بارسونز للنظام الاجتماعي، لآنه يرى ان أساس النظام الاجتماعي هو نسق الفعل الاجتماعي للأفراد، أما الأدوار فهي الأفعال والسلوكيات المتوقعة والمرسومة لكل فاعل في إطار العلاقات الاجتماعية المتبادلة بين الأفراد. وحسب بارسونز فكل نظام يتكون من أنظمة فرعية، فالنظام السياسى هو أحد النظم الفرعية للنظام الاجتماعي يتميز بخصائص السيطرة والهيمنة والتوزيع بالنسبة للأنظمة الاجتماعية الاخرى.
- تعريف دافيد إيستن: يعرف النظام السياسي أو النسق السياسي بصفة أدق بأنه “جزء من نظام أشمل هو النظام الإجتماعي وأن هناك علاقة تأثير متبادلة ما بين النظامين وإن محور النظام الاجتماعي هو النظام السياسي الذي يعد أكثر الأجزاء تطوراً وأكثرها تأثيراً في حياة أية دولة ” .
- تعريف فيبر: له تعريف مشهور حول السلطة بأنها احتكار العنف بوسائل شرعية
تعريف جابريال الموند: يعرف النظام السياسي بأنه ” نظام للتفاعل في جميع المجتمعات المستقلة، ويقوم بوظائف التوحيد والتكيف في الداخل، ويمارس هذه الوظائف باستخدام القسرالمادي أو بالتهديد باستخدامه، سواء كان استخدامه شرعيا أو شرعية غير تامة. ، فالنظام السياسي هو القيم الشرعية على أمن المجتمع، والصانع الشرعي لما يحدث فيه من تغير”
- تعريف روبرت داهل: يعطي تعريفا للنظام السياسي اوسع من سابقيه، فهو يرى بأن النظام السياسي هو أيه مجموعة من البشر تتسم بالثبات والانتظام في صلاتها الانسانية والتي تنطوي على علاقات السلطة والحكم والولاية”.
ويعد ايضا مفهوم النظام السياسي من أكثر المصطلحات إستخداما في أدبيات السياسة والعلاقات الدولية في الكتابات العربية والأجنبية على حد سواء. ووفقا للمفهوم التقليدي كان يقصد بالنظام السياسي أشكال الحكومات المختلفة التي تباشر السلطة في المجتمعات الإنسانية وكانت دراسة النظم السياسية تتركز في تحديد شكل الدولة ونوع الحكومة ولا تتعدى البحث في في مجالات نشاط السلطة والجوانب الإجتماعية والاقتصادية لهذا النشاط، ولهذا يرى البعض أن النظام السياسي أُستخدم بدلالة القانون الدستوري تقليديا حيث أن كل منهما تتركز الدراسة فيه على نظام الحكم من الناحية القانونية المجردة، حيث يرد الترادف بين النظام السياسي والحكومة حيث أن الحكومة بمفهومها الواسع ماهي إلا ممارسة السلطة في جماعة سياسية معينة وعلى هذا الأساس فإن الأخذ بهذا التعريف يؤدي الى حصر موضوعات النظم السياسية أساسا في الجانب العضوي أو الشكلي للسلطة بعيدا عن الخوض في أهداف السلطة ومجالات نشاطها بل الخوض فقط في القوانين الدستورية التي تنظم السلطة.ولهذا نشأ المفهوم الحديث للنظام السياسي حيث أن النظم السياسية لم تعد تُنفذ نشاط السلطة في الحدود الضيقة التقليدية بل أصبحت تتدخل في شتى المجالات الاقتصادية والإجتماعية والفكرية وبهذا أصبح هناك تحولاً بل وانقلاباً في المفهوم التقليدي للنظام السياسي فأصبحت الدراسة تنصب على مجالات نشاط السلطة لا شكلها فقط وأصبح شكل الحكومة عنصر من بين عناصر للدراسة، والسبب الأساس في تطور مفهوم النظام السياسي هو إتساع دائرة نشاط السلطة وعملها وإمتدادها إلى أمور لم تكن تتناولها سابقا. كذلك هناك من يرى النظام السياسي بأنه نظام إجتماعي وظيفته إدارة موارد المجتمع إستنادا إلى سلطة مخولة له وتحقيق الصالح العام عن طريق سن و تفعيل السياسات، وفي صورته السلوكية هو تلك المجموعة المترابطة من السلوك المقنن الذي ينظم عمل كل القوى والمؤسسات والوحدات الجزئية التي يتألف منها، أي كل سياسي داخل أي بناء إجتماعي في صورته الهيكلية هو عبارة عن مجموعة المؤسسات التي تتوزع بينها عملية صنع القرار السياسي وهي المؤسسات التشريعية والتنفيذية و القضائية، ويقصد بالنظام السياسي تلك الأدوار في النسق السياسي الوطني التي تكمن فيها سلطة إتخاذ القرارات الملزمة .
- أركان النظام السياسى :
النظام السياسي يشير إلى نشاطات وعمل المؤسسات التي تمثل مكوناته، وتمثل نشاطات تلك المؤسسات آليات عمل النظام السياسي ومن خلالها تتحدد أسس صنع السياسة وكيفية التوصل إلى القرار بصيغته النهائية ومن خلال التوافق بين المؤسسات، وكلما كان هناك توازن وتفاعل بين مؤسسات النظام السياسي كلما كان القرار السياسي أكثر قدرة على النجاح وأكثر قابليه للتطبيق وأكثر تقبل من عموم المجتمع، وآلية عمل النظام السياسي من خلال مؤسسات المختلفة هي التي تشكل السياسة العامة للدولة، فالسياسة العامة تمثل أداء وفاعليه النظام السياسي ونشاطات مؤسسات، فهي تمثل مخرج من مخرجات النظام السياسي، لذلك عرف النظام السياسي بأنه (مجموعة المؤسسات التي تتوزع بينهما آلية التقرير السياسى والنظام السياسي يعمل من خلال مجموعة من المؤسسات الرسمية التشريعية والتنفيذية القضائية، حيث تعكس العلاقة بين تلك المؤسسات الكيفية التي يقوم بها النظام السياسي في أداءه وظائفه وصنع سياساته العامة.
ومن اركان النظام السياسى:
- الدستور
يعرف الدستور بأنه نسق أو جسد المبادئ الأساسية طبقا له تتشكل وتحكم أمة أو دولة أو نظام سياسي وهو أيضا يشير إلى مجموعة قواعد متفق عليها تصف تنظيم حكومة بلد ما وتعتبر مجموعة القواعد تلك، القواعد الأساسية التي تحكم طريقة اتخاذ القرار، وتضع أدوار صنع السياسة وتقسمها إقليميا ووظيفيا وما شابه ذلك… ويضع (الدستور) شروط السباق السياسي، حيث يسعى الأفراد والجماعات للتأثير في السياسات بالعمل ضمن إطار تلك الأحكام . ففي غياب مجموعة شرعيه من الترتيبات لبلورة القضايا، ودراستها، ومناقشتها، ثم اتخاذ قرار من بين عدد من وجهات النظر، فان الحكومة قد تنهار، وقد تتخذ القرارات بالقوة.
ويعد وجود الدستور علامة بارزه على حداثة ألانظمه السياسية واستقرارية مؤسساتها، لان وجود الدستور يمثل الخطوة الأولى نحو بناء المؤسسات الديمقراطية .فالدستور له أهميه كبيره كونه يحدد مجموعة من المسائل الرئيسية، مثل العلاقة بين السلطات، وحقوق المواطنين وواجباتهم، وضوابط تعديل الدستور وإجراءاته.. ويعتبر احترام أحكام الدستور شرطا ضروريا لإسباغ المشروعية على القوانين والأحكام القضائية. ووجود الدستور له دور كبير في مراقبه أعمال الحكومة وآلية صنع السياسة العامة فالمنهج المعتاد في وصف الحكومة هو بالرجوع إلى دستورها… فالدستور الأمريكي، على سبيل المثال، يعطي المحكمة العليا السلطة النهائية في تقرير ما يمكن للحكومة أن تفعله أو لا تفعله . ويعمل الدستور في أي نظام سياسي وفقاً لأيديولوجية سياسية تعكس المبادئ والقيم التي يتبناها النظام السياسي وانعكاس تلك الإيديولوجية في صنع السياسات العامة من خلال علاقتها مع المجتمع ونوعية الثقافات السياسية التي يتبناها ذلك المجتمع وآلية عمل المؤسسات الرسمية وتطبيقها لأيديولوجية النظام السياسي .
- السلطة التشريعية :
تقوم السلطة التشريعية على توافر مجموعة الوظائف الأساسية في إطار النظام السياسي، ومن أهم تلك الوظائف هي سن التشريع، وضع الدستور وتعديله، الوظيفة الانتخابية، الوظيفة المالية، الوظيفة التنفيذية، الوظيفة القضائية، وظيفة التحقيق، ونشر وكشف عن المعلومات ,ولعل أداء السلطة التشريعية للوظيفة التنفيذية والقضائية في الدول المتقدمة قد يشير إلى حالة تنازع الاختصاص والتدخل في عمل مؤسسات النظام السياسي، ألا انه لا يعني ذلك بقدر ما يعني الرقابة والأشراف على عمل السلطتين التنفيذية والقضائية من اجل أحداث نوع من التوازن والترابط في عمليه صنع السياسة العامة .
- السلطة التنفيذية :
تذهب الفكرة التقليدية في تحديد الدور الصحيح للسلطة التنفيذية إلى أن المهمة الأولى لها هي أن تتولى تنفيذ القوانين والأشراف على الإدارة وليس من مهمتها أن تضع سياسة الدولة ورغم كون السلطة التنفيذية ليس من مهمتها تشريع ووضع سياسة الدولة لان ذلك محصور في السلطة التشريعية، ألا أن دور السلطة التنفيذية في غالبية الأنظمة السياسية واضح ومؤثر، فإليهما ترجع عملية اتخاذ القرار باعتبارها مرحلة نهائية للقرار من خلال رئيس السلطة التنفيذية (رئيس دولة، رئيس وزراء).
ويبرز دور السلطة التنفيذية في السياسات العامة في عملية صنع السياسة العامة، خصوصا في إطار السياسة الخارجية والعسكرية، حيث دورها في غالبية الأنظمة السياسية أن لم يكن جميعها بارز بشكل كبير .
ولا يقتصر دور السلطة التنفيذية في مجال رسم السياسة العامة الخارجية، فهي أيضا لها الأهمية الأولى في العملية السياسية، فقد تحزم كمدافع عن بعض المصالح المحددة، كأن يدعم الرئيس مطالب تتقدم بهما مجموعة أقليات أو أحد قطاعات العمل، أو أن يدعم رئيس الوزراء مصالح المتقاعدين ومناطق أصابها الكساد، ويتحدث أعضاء الوزارة عادة عن مصالح معينة، مثل العمل، الزراعة، الأقليات ويمكن لهم أن يلعبوا دورا حيويا كمجمعين للمصالح في أثناء سعيهم لإيجاد ائتلافيات تحبذ تشريعاتهم، والسلطة التنفيذية، عادة، هي أهم بنية في صنع السياسة، فهي عادة تباشر سياسات جديدة واعتمادا على تقسيم السلطات التنفيذية والتشريعية، يكون لها جزء هام تتبناه، وتشرف السلطة التنفيذية أيضا على تنفيذ السياسات ويمكنها أن تحاسب المسؤولين التابعين على تنفيذها.
- السلطة القضائية :
هي سلطة الفصل في المنازعات المعروضة أمامها. وهي ثالث سلطات الدولة. ويشاركها السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية هي فرع الدولة المسؤول عن التفسير الرسمي للقوانين التي يسنها البرلمان وتنفذها الحكومة. وهي المسؤولة عن القضاء والمحاكم في الدولة ومسؤولة عن تحقيق العدالة. كما أنها مسؤولة عن مسيرة وتقاليد القضاء في الدولة ومصداقية القوانين التي تطبقها.
يلعب جهاز القضاء دور هام في تقييم ومراقبة وتفسير السياسات العامة أو من خلال مراجعة النصوص أو تعديلها حين تفرض عليهم لتقديم المشورة، سواء تعلق الأمر بمضمون السياسة العامة أو تطبيقها، وتكتسب المحاكم هذا الدور من خلال سلطاتها القضائية، فالمراجعة القضائية عادة من سلطات المحاكم التي تقرر من خلالها دستورية وشرعية النصوص وعدم تعارضها مع القوانين العادية.
الفصل الثانى
المبحث الأول
الثورة الكوبية :
انتخب “توماس استرادا بالما” كأول رئيس لكوبا في عام 1906، إلا أنه واجه تمرداً مسلحاً من قبل قدامى المحاربين في حرب الاستقلال الذين انتصروا على القوات الحكومية الهزيلة.تدخلت الولايات المتحدة واحتلت كوبا، وعيّنت تشارلز إدوارد ماغون حاكما لمدة ثلاث سنوات. لسنوات عديدة بعد ذلك، عزا المؤرخون الكوبيون الفساد السياسي والاجتماعي في البلاد لحكم ماغون.أعيد الحكم الذاتي في عام 1908، عندما انتخب خوسيه ميغيل غوميز رئيسًا، لكن الولايات المتحدة واصلت التدخل في الشؤون الكوبية. في عام 1912، حاول حزب استقلال السود إقامة جمهورية مستقلة سوداء في مقاطعة أورينتي، ولكن المحاولة تم قمعها من قبل الجنرال مونتياغودو، وأوقع عدد كبير من الضحايا.
استمر الحكم الدستوري حتى عام 1930، عندما علق “جيراردو ماتشادو موراليس” الدستور. خلال فترة ماتشادو، جرى تنفيذ برنامج وطني اقتصادي مع تنفيذ العديد من المشاريع الرئيسية للتنمية الوطنية، بما في ذلك “كاريتيرا سنترال” وهو طريق رئيسي يربط أرجاء الجزيرة و”إل كابيتولو” (مقر الحكومة الكوبية). تضعضع حكم ماتشادو في أعقاب انخفاض الطلب على تصدير المنتجات الزراعية بسبب الكساد الكبير، الذي تزامن مع هجمات قدامى المحاربين أولاً، وفيما بعد من قبل المنظمات الإرهابية السرية.
خلال إضراب عام وقف فيه الحزب الشيوعي إلى جانب ماتشادو، قام الضباط الكبار في الجيش الكوبي بنفي ماتشادو وتنصيب كارلوس مانويل دي سيسبيديس كيسادا، ابن مؤسس كوبا (كارلوس مانويل دي سيسبيديس)، رئيساً. في 4-5 أيلول / سبتمبر من عام 1933، أطاح انقلاب بدي سيسبيديس، وتشكّلت أولى حكومات رامون غراو. كان من بين الأحداث البارزة في هذه الفترة العنيفة، حصاري فندق ناسيونال دي كوبا وقلعة أتاريس. استمرت هذه الحكومة 100 يوم، لكنها أرست نزعات متطرفة جذرية في المجتمع الكوبي، ترفض تعديل بلات. في عام 1934، استبدل الجيش وفولجنسيو باتيستا غراو بـ”كارلوس منديتا”.
انتخب باتيستا أخيراً رئيساً ديمقراطياً في انتخابات عام 1940، ونفذت إدارته إصلاحات اجتماعية كبرى. كما وصل العديد من أعضاء الحزب الشيوعي لمناصب عالية في ظل إدارته. كما وضع أنظمة اقتصادية عديدة وسياسات مؤيدة للاتحاد.انضمت إدارة باتيستا رسميًا إلى صفوف الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، معلنة الحرب على اليابان يوم 9 كانون الأول/ ديسمبر 1941، ثم ألمانيا وإيطاليا يوم 11 كانون الأول/ ديسمبر 1941. لم تشارك كوبا إلى حد كبير في القتال خلال الحرب العالمية الثانية، على الرغم من أن الرئيس باتيستا اقترح هجوماً أمريكياً لاتينياً مشتركاً للإطاحة بنظام فرانكو الدكتاتوري في إسبانيا.
- الحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في كوبا في ظل هيمنة الولايات المتحدة الأميركية عليها: (الدوافع وراء قيام الثورة )
أ- الحالة الاجتماعية :
كانت حقوق الشعب الكوبي الاجتماعية مهدورة في ظل هيمنة الولايات المتحدة الأميركية عليها ، وفي ظل النظام الديكتاتوري . لم يكن يوجد أي حق من حقوق الإنسان ، بل كان هناك التمييز الكبير بين الأسود والأبيض وبين الرجل والمرأة ، بالإضافة إلى أن الإنسان الكوبي لم يكن يتمتع بأي حق من حقوق الحياة. وكان هناك استغلال طبقي بين الطبقة الغنية التي تملك وسائل الإنتاج والأراضي الزارعية والطبقة الفقيرة التي تعمل عند المالكين ، بالإضافة إلى انعدام التقديمات الاجتماعية ، هذه الأمور أدت إلى انتشار الفقر والجوع والحرمان . وعدم وجود المدارس أدى إلى انتشار الأمية داخل الشعب الكوبي، بالإضافة إلى قلة عدد المساكن أدى كل هذا إلى التشرد ، وبسبب قلة التقديمات الطبية والنقص في المواد الغذائية أدى إلى تفشي الأمراض.
ب- الحالة الاقتصادية :
منذ اللحظة الأولى التي سيطرت فيها الولايات المتحدة الأميركية على كوبا، عمدت إلى جعلها سوقاً لتصريف منتوجاتها وعمدت إلى السيطرة على الاقتصاد الكوبي عامة؛ فاحتكرت تصنيع السكر ، وأخذت الشركات الأميركية الحق في التفتيش عن المعادن داخل كوبا، بالإضافة إلى سيطرتها على مصانع السيجار وغيرها من المصانع . إضافة إلى أن الأميركيين كانوا يسيطرون علىحوالى 75% من الأراضي الكوبية التي كان معظمها من الأراضي الزراعية.
من خلال هذا يمكن أن نلاحظ مدى قوة سيطرة الولايات المتحدة الأميركية على اقتصاد كوبا ، فخلقت نوعاً من التبعية الاقتصادية لكوبا.
ج- الحالة السياسية :
كان الوضع السياسي في كوبا كسابقَيه ، الاجتماعي والإقتصادي ، فقد هيمنت الولايات المتحدة الأميركية على كوبا بعد هزيمة الإسبان فقد أسقطت النظام الجمهوري وأقامت نظاماً ديكتاتورياًّ برئاسة باتيستا عن طريق انقلاب عسكري ، هذا الانقلاب الذي حدث في 10 آذار عام 1952 كُتب له النجاح دون سفك الدماء.
وكان هدف هذا النظام هو قمع الشعب الكوبي ومنعه من المطالبة بالاستقلال. والحكومة في ظل هذا النظام لم تقُمْ بأي عمل أو مبادرة تجاه شعبها.
ولم يكن هناك من وحدة وطنية في كوبا ، كان هناك فئتان : فئة مدعومة من أميركا عمل وفقاً لمصالحها ، وفئة أخرى هي أغلبية الشعب الكوبي الرافض لهذه السياسة ولهيمنة أميركا على بلاده. وفي هذا النظام الديكتاتوري مُنعت فيه حرية الصحافة والضمانات والحريات العامة. فقد كان يلاحَق كل عامل في مجال السياسة وقُمِعت الحركات الوطنية، مما أدى إلى استياء كبير لدى الشعب الكوبي، بالإضافة إلى فشل المحاولات الثورية ، وأهم هذه المحاولات هي المحاولة التي قام بها فيديل كاسترو مع عشرات الشبان تحت اسم الحزب الأرثوذكسي، والذي كان يهدف إلى قلب النظام الديكتاتوري بقوة السلاح. وبعد سنة من التحضير استطاع فيديل أن يدرب 150 شاباً ، واستطاع نقلهم ، سراًّ، من هافانا إلى سانتياغو دي كوبا من أجل الاستيلاء على مخازن السلاح في ثكنة مونكادا . فإذا لم يستطع الاستيلاء على الثكنة فقد قرر اللجوء إلى السييرا مايسترا وهي أعلى قمة جبلية في كوبا مليئة بالغابات الكثيفة وهي مخبأ أمين للثوار . وقد فشلت هذه المحاولة ونجا كاسترو بأعجوبة، فقد تم سَجنُه مع ثلاثين من رفاقه . ولكن ما أن أتت الانتخابات العامة وجاء المجلس الجديد صوّت على إطلاق سراح كاسترو مع رفاقه.
إن فشل هذه المحاولة الانقلابية بالإضافة إلى العوامل السابقة كانت الدافع الأساسي لانطلاق الثورة الكوبية التي انطلقت طامحةً إلى تحقيق الأهداف التالية:
- إنهاء الهيمنة الأميركية والحصول على الاستقلال الكامل .
- إنهاء النظام الديكتاتوري في كوبا.
- إعطاء الشعب الكوبي حقوقه المهدورة .
- أنطلاق الثورة :
أ- حملة غرانمّا.
بعد الاستعدادات من الانتهاء والتدريبات للانطلاق بالثورة رفع كاسترو الشعار الذي كان أضحوكة للصحافةالرسمية “عام 1956 سنكون أحراراً أو شهداء” تحت هذا الشعار انطلقت الثورة الكوبية ، في البداية تعرضت الثورة والثوار الكوبيون للكثير من المخاطر؛ فقد تعرضت الثورة للخيانة فبل انطلاقها عندما باع أحد الرجال حمولة من السلاح التي كانت للثورة ، كذلك ساوم على اليخت الذي كان من المفترض أن يُقِلّ الثوار إلى كوبا وعلى محطة للإرسال. فكانت هذه أول خيانة تعرضت لها الثورة الكوبية .
بعد هذه الأحداث بذل أعضاء 26 تموز نشاطاً محموماً صنعوا فيه يخت غرانماّ بسرعة مجنونة جُمعت فيه المؤن والسلاح والألبسة العسكرية، وبعد وصول أعضاء حركة 26 تموز إلى كوبا، بدأوا ينزلون إلى الأراضي الكوبية ، قام أحد العملاء الذي بعث برسالة إلى الجيش الباتيستي عن نزول الثوار إلى كوبا، وما أن بلغ الثوار بالتغلغل داخل المستنقعات حتى تعرضوا للهجوم من قبل الطيران ، فكان من الصعب ان يأتي بأي نتيجة، نظراً لكثافة الغابات التي كانت تحجب الرؤيا، لذلك بدأ الجيش بملاحقة الثوار، فكانت حالة الثوار مزرية “وها نحن على اليابسة ننزلق ونتعثر ضائعين ، جيشاً من الأخيلة والأشباح نتقدم وكأن آلة نفسانية غامضة تحركنا.لقد عانينا طوال سبعة أيام من الجوع ومن دوار البحر ، وهذه ثلاثة أيام رهيبة على اليابسة تضاف إلى تلك الأيام السبعة” كذلك تعرض الثوار لهجوم من قبل الطيران عندما كانوا يقطعون قصب السكر، كاد الطيران يقضي عليهم. وتعرضوا أيضا لكمين من قبل الجيش الباتيستي الذي أدى إلى إصابة عدد كبير منهم ، ومن بينهم جيفارا.
ب- تنظيم صفوف الثوار .
في ظل هذه الأحداث كان لا بد من تنظيم أفراد حركة 26 تموز من أجل الاستمرار في الثورة فقام فيديل بتنظيم وتوسيع المهام لهذه الحركة وقسّم أعضاءها إلى مجموعات فكان يوجد مجموعة في الغابات ولهذه المجموعة مهام عسكرية، ومجموعة تعمل على الاتصال بالمدن من مهامها القيام ببعض الاضطرابات والتحضير للإضرابات وإيصال أخبار الثورة إلى سكان المدن وحَمْل السكان إلى التعاطف مع الثورة. بعد تنظيم صفوف الثوار، بدأت الثورة تحصد نتائجَ مهمة ؛ فقد اعتمدت حركة 26 يوليو على شن حرب العصابات فحصدت انتصاراتٍ عدة ،فكانت تعمل على شن الهجوم على مواقع الجيش الديكتاتوري ، وخصوصاً على الثكنات العسكرية نظراً لأهمية المخازن الموجودة في هذه الثكنات ، وكانت هذه الثكنات من أهم مصادر تموين الثوار بالسلاح، فكانوا يأخذون السلاح الموجود داخل مخازن الثكنات وقد زادت أهمية الحرب ضد الثكنات عندما كبر عدد الثوار، فكان لا بد من إيجاد أسلحة للأعضاء الجدد فزاد الهجوم على الثكنات العسكرية. وقد استمر العمل الثوري على هذا النحو حتى استطاع الثوار من السيطرة الكاملة على جزء مهم من الأراضي الكوبية، وهي سييرا مايسترا .
عندما سيطر الثوار على سييرا حصل تبديل نوعي ، فقد أصبح هناك منطقة كاملة لا يستطيع الجيش الديكتاتوري المغامرة بدخولها خشية الالتقاء بالجيش الثائر، في هذا المرحلة كان الجيش الثائر يعيش مع باتيستا في جو من السلام المسلّح، فلم يعد قادة جيش باتيستا من الصعود إلى سييرا ولم تكن قوات الجيش المسلح تستطيع النزول من سييرا إلا في حالة واحدة هي التسلل بين صفوف الجيش الباتيستي ، وقد حاول باتيستا العمل على إنهاء الثورة من خلال عدة طرق، فقام بمحاولة عن طريق رئيس الحكومة عندما وجه دعوة لإحلال السلام، وقال: “لكل من يريد أن يستمع إلى باتيستا عليه الذهاب إلى سييرا إذا اقتضى الأمر بُغية إحلال السلام “.وعندما لم يلقَ رداًّ من الجيش الثائر صرّح باتيستا عن نواياه وقال بأنه ليس من الضروري الاتصال بفيديل أو العصاة لأن فيديل ليس في سييرا وبالتالي ليس هناك ما يدعو إلى الذهاب والتحدث مع عصابة من المجرمين.هذه النوايا التي صرّح عنها باتيستا والتي كانت تهدف إلى تكملةالحرب كانت نقطة الالتقاء الوحيدة بينه وبين الجيش الثائر.
ج- دخول الثورة ، مرحلة الصراع السياسي.
بعدما نجحت الثورة في السيطرة على سييرا وبعد الهدوء العسكري بين الطرفين، قام باتيستا بعدة محاولات سياسية من أجل الالتفاف على الثورة، فقد قام بتنظيم جولة للصحافيين فوق سييرا للإيهام بأنه لا يوجد ثوار في هذه المنطقة، وبأن سييرا لا زالت تحت حكمه ، ولكن هذه المناورة كانت مكشوفة ولم يُقنِع بها أحداً.
بعد هذه المحاولة قام باتيستا بمحاولة أخرى ، فبعد البيان الذي أصدره كاسترو الذي كان يحدد أهداف الثورة الكوبية حاول باتيستا أن يبعث بأحد رجاله للصعود إلى سييرا ومناقشه هذا البيان من أجل إنهاء الثورة الكوبية ، لكن البيان أعلن أيضاً أن الصعود إلى سييرا للمناقشة غير مجدٍ ، لأنه يمكن إيجاد من يمثل الثوار في هافانا أو المكسيك أو في أي مكان عندما يبدو ذلك ضروريا.بعد هذا البيان رفض باتيستا الاعتراف بسلطة سييرا محاولاً تقييد الحكومة الثورية المقبلة مسبقاً ، بالرغم من أن الحلّ الوسط لم يكن مرضياً من قبل الثوار إلا أنه كان ضرورياًّ للقبول به من أجل تنظيم الثورة مرة أخرى من جل الأستمرار فيها حتى النهاية.
الثورة في مرحلتها النهائية :
بعد فشل المحاولات التي قام بها باتيستا من أجل إنهاء الثورة التي باءت بالفشل قرر العودة إلى الخيار العسكري، وجهّز جيشاً من أجل السيطرة على المناطق التي كانت تحت حكم الجيش الثائر، وقد تنبّه كاسترو إلى هذا الأمر، وقام بتنظيم الثوار داخل سييرا وقام بالاتصال مع مجموعة السهل التي كانت تعمل داخل المدن من أجل القيام بالاضطرابات لإنهاء النظام الديكتاتوري. وقد استطاع كاسترو أن يضم معظم الأحزاب إلى جانبه في المعركة وهنا بدأت المراحل النهائية للثورة الكوبية وصارت هذه المعارك في عدة مراحل:
- اضراب 9 نيسان .
- معركة سانتا كلارا .
- الهجوم النهائى.
المبحث الثانى :
القيادة السياسية (فيديل كاسترو كنموذج )
- ولد فيدل كاسترو في الثالث عشر من أغسطس عام 1926، في مقاطعة أورينت جنوب شرق كوبا، لعائلة ثرية تشتهر بأعمال الزراعة وتجارة الأراضي، التحق بمدرسة داخلية يسوعية في مدينة سانتياغو، وانتقل في المرحلة الثانوية لمدرسة كاثوليكية في مدينة هافانا، ثم أكمل دراسته في جامعة هافانا حيث التحق بكلية الحقوق وتخرج منها عام 1950، بحصوله على درجة الدكتوراه في القانون.بعد التخرج بدأ كاسترو بممارسة المحاماة لمدة عامين، كان حينها ينوي الترشح في الانتخابات البرلمانية القادمة، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد تم إلغاء الانتخابات بعد قيام فولغنيسو باتيستا بانقلاب عسكري أطاح بنظام كارلوس بريو ساكاراس.
- وبدأت الحياة السياسية في كوبا تتخذ مجرى آخر.. عصر جديد في ظل نظام ديكتاتوري مدفوع من الولايات المتحدة الأمريكية، قيد حرية الصحافة والإعلام، وبات يلاحق المعارضين وكل من لا يعلن ولاءه للحاكم، ومن هنا دبت روح الثورة في كاسترو، حيث بدأ بتشكيل قوة ثورية لمهاجمة إحدى الثكنات العسكرية، إعلاناً لرفض سياسة باتسيتا القمعية، لكن محاولته باءت بالفشل، حيث أسفر الهجوم عن مقتل 80 من أتباعه، كما تم إلقاء القبض عليه هو وبعض أعوانه، وحكم عليهم بالسجن لمدة 15 عام، وبعد عامين فقط تم الإفراج عنهم في مايو 1955.
- سافر فيدل كاسترو إلى المكسيك بعد إطلاق سراحه، بهدف البعد عن عيون الاستخبارات الأمريكية المزروعة في مختلف أنحاء كوبا، وهناك اجتمع كاسترو برفاقه الثوريين وعلى رأسهم أخوه راؤول للتخطيط لثورة مسلحة بهدف إنهاء الهيمنة الأميركية على كوبا، وإسقاط نظام باتيستا الديكتاتوري، كما قام بتأسيس حركة 26 يوليو الثورية، التي كانت سبباً في لقائه بالمناضل تشي جيفارا، وبمرور الوقت نشأت بينهما علاقة صداقة قوية، ساهمت فيما وصلا إليه كلاهما.وفور الانتهاء من تجهيز الخطة والتدريب الكافي، أبحر كاسترو ورفاقه إلى كوبا لإشعال فتيل الثورة، وبالفعل لاقت مبادئ كاسترو الثورية تأييد شعبي هائل، كما انضم عدد كبير من أفراد القوات المسلحة الكوبية إلى جانب كاسترو، الأمر الذي ساعد كاسترو ورفاقه في إسقاط نظام باتيستا الحاكم المستبد الذي اختار الهرب بعد فشل محاولة بقائه في الحكم في يناير 1959.
- بعد الإطاحة بنظام باتيستا تسلم كاسترو مقاليد الحكم في البلاد، وسرعان ما تحولت كوبا إلى بلد تعتنق الشيوعية، الأمر الذي أثار غضب الولايات المتحدة فأبت إلا أن تفشل الثورة، وتنتزع الحكم من كاسترو بأي ثمن كان.
- حكم كاسترو البلاد قرابة الـ 50 عاماً، شهد فيها رحيل وصعود نحو 10 رؤساء أميركيين، جميعهم حملوا البغض والكره والعداء لفيدل، فقد حاولت المخابرات الأمريكية اغتياله 638 مرة وفقاً لما صرح به أحد وزراء كوبا مؤخراً، وتنوعت هذه المحاولات ما بين محاولة قتله من خلال القناصة، وما بين حشو سيجاره الخاص بالمتفجرات، ودس السم له في كأس البيرة، وغيرها الكثير من الطرق التي باءت جميعها بالفشل.
- التنحي
“إلى مواطني الأعزاء الذين شرفوني بانتخابي عضواً في البرلمان، أكتب إليكم لأقول إنني لا أتطلع ولن أقبل، وأكرر لا أتطلع ولن أقبل منصبي رئاسة مجلس الدولة ورئاسة أركان الجيش”.
وقال كاستروا في رسالته تلك: “سوف أخون ضميري إن أنا قبلت تحمل مسؤولية تتطلب الحركة والتفرغ والتفاني بشكل كامل، فأنا لست في حالة صحية تمكنني من بذل هذا العطاء”
في 18 فبراير 2008 فاجأ فيدل كاسترو شعبه والعالم أجمع، بإعلان استقالته من منصبي الرئاسة ورئاسة أركان الجيش في كوبا، مبرراً ذلك بمرضه الذي دام 19 شهراً، وأعلن ترك الحكم لأخيه -ووزير الدفاع آنذاك- راؤول كاسترو.انتهت رحلة فيدل كاسترو بعد ثبات نصف قرن بمواجهة أمريكا، التي أنهكتها محاولات إزاحته عن الحكم سواء بالاغتيال أو بأشكال أخرى، وبالرغم من تباين موقف الشعب الكوبي من فيدل كاسترو، إلا أنه يعتبر بطلاً وقائداً في أعين الأغلبية في كوبا.
وعاد الزعيم الكوبي إلى الأضواء الدولية مرة أخرى في الشهر الثامن من عام 2010 عندما ألقى خطاباً أمام جلسة استثنائية للبرلمان الكوبي حذر فيه الرئيس ألأمريكي من مغبة شن حرب نووية على إيران.
وفي شهر سبتمبر/أيلول من عام 2010، انتقد فيديل كاسترو الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بسبب ما وصفه بـ “مواقفه المعادية للسامية”
وفي شهر أبريل/نيسان 2011، ظهر فيديل كاسترو من جديد إلى جوار شقيقه الرئيس الحالي راؤول كاسترو في المؤتمر العام للحزب الشيوعي الكوبي الذي عقد في العاصمة هافانا، حيث قوبل الرجلان بترحيب حار من الأعضاء المشاركين في المؤتمر الذين لم يتوقعوا مشاهدة فيديل كاسترو.
وقد أدان فيدل كاسترو في الرابع والعشرين من شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2011 حلف شمال الأطلسي (الناتو) لدوره في الإطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي قائلا إن “هذا الحلف العسكري المتوحش قد أصبح أكثر أدوات القمع غدرا في تاريخ البشرية “.
وفي الخامس من شهر فبراير/شباط من عام 2013 حضر فيدل كاسترو حفل توقيع مذكراته التي صدرت في كتاب من نحو 1000 صفحة، وتضمن محطات أساسية في حياته منذ الطفولة إلى تصدره الثورة الكوبية، والفترة الطويلة التي أمضاها في رئاسة البلاد وزعامة الحزب الحاكم، بالإضافة إلى فترة مرضه وما بعد تنحيه عن الحكم.
ويُعرف كاسترو بين أفراد شعبه باسم “فيدل” أو “القائد”. ورغم أن العديد من الكوبيين يمقتون كاسترو بلا شك، إلا أن كوبيين آخرين أحبوه، فبالنسبة لهؤلاء فكاسترو هو كوبا وكوبا هي كاسترو .
الخاتمة:
“مطلوب زعيم ” تتداول هذة الجملة بين الشعوب التى تبغى الخلاص من القوى الاستعمارية الامبرالية ولكن الى الان لم تجد البشرية زعيما مناضلا كما كانفيدل كاسترو وارنتسو تشى جيفارا ولكن لنسقط الضوء هنا قليلا على ارنتسو تشى جيفارا هذا القائد الزعيم الطبيب المناضل ارجنتينى الأصل اسطاع ان يحرر الشعب الكوبى من حكم الطاغية باتيستا وسيطرة امريكا على الحكم فى كوبا ،فبفضل نضاله وشخصيتة القيادية الكارزمية استطاع ان يحرر الشعب بل لم يكتفى بالشعب الكوبى بل انتقل لبللاد اخرى فى أمريكا الاتنينه ليبث القوى الثورية فى نفوس الشعوب الخاضعة للاستعمار ولكن هنا انتصرت قوى الشر واستطاع احدهم تسليمه الى الجيش الامريكى ببولفيا فقاموا باعدامه رميا بالرصاص ,والعظيم فى هذا القائد انه لم يكن يبغى سلطة او منصب من وراء سعيه الدائم لتحرير الشعوب بل كان يسعى للحرية للعدالة للمساواة للسلام.
ان جيفارا وهما. لم يكن ينتمي إلى عائلة أو وطن أو أصدقاء ، كان ينمتي إلى الحب كان يحب الحرية ، والحرية ألم. كان يحب الثورة ، والثورة قلق. كان يحب عالم الفقراء والمظلومين وهذا العالم مأساة العالم لم يفهم جيفارا ، لم يفهم الثائر ولا الوهم ، اعتبره لصا ، مجرما ، شاذا ، رصاصة طائشة ، بندقية عتيقة ، تريد منافسة الأسلحة النووية. وحين قتله ، اعتقد نفسه انتصر عليه وانتهى الأمر ، ولكن الثائر وهم ، ولا يمكن الانتصار على الوهم ، يبقى خارج حدود الانتصار أو الفشل أو أية حدود أخرى ,ولم يسقط الوهم.