البرامج والمنظومات الديمقراطيةالدراسات البحثيةالنظم السياسي

تحليل الخطاب السياسي الأمريكي تجاه ثورات الربيع العربي”دراسة حالة ليبيا و سوريا”

دراسة حالة ثورتي ليبيا و سوريا الفترة "2008 – 2016 "

إعداد الباحثة : أسماء محمد يوسف عبد الله – المركز الديمقراطي العربي

إشراف : د.دلال محمود

تحليل الخطاب السياسي للرئيس باراك أوباما تجاه ثورات الربيع العربي دراسة حالة ثورتي ليبيا و سوريا الفترة “2008 – 2016 “

مقدمة :

شهد عام 2008 فوز المرشح الأمريكي باراك أوباما ليصبح الرئيس الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية، و قد تولى مقاليد الحكم في يناير 2009 و ذلك بعد ثماني أعوام من رئاسة جورج دبليو بوش الذي تميز بسياسته الخارجية التوسعية و الهجومية الى حد كبير، و خاصة بعد أحداث سبتمبر 2001 ، و قد تبني قضيتي نشر الديمقراطية و مكافحة الارهاب باعتبارها قضايا تخص الأمن القومي الأمريكي بشكل رئيس1، و بالتالي بعد أن صعد الرئيس باراك أوباما إلى سدة الحكم كان أمامه خيارين، أولهما أن يستمر في انتهاج السياسة الخارجية نفسها التي طبقها بوش بوجهها التوسعي و التدخلي، ثانيهما: أن يتبنى أوباما سياسة خارجية مختلفة تماماً عما سبقه، و أن ينتهج سياسة خارجية معتدلة تصلح ما أفسده بوش و خاصة في العلاقة مع العالم الاسلامي و الشرق الأوسط 2 .

في هذا الاطار يتعين علينا الإشارة الى أن عملية صنع قرار السياسة الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية لا ينفرد به رئيس الدولة، و إنما يتأثر بما تصدره مراكز الأبحاث الأمريكية و جماعات المصالح، بالاضافة إلى دور الكونجرس الأمريكي في هذه العملية، أما عن مراكز الأبحاث فتأثيرها يكون عن طريق ما تقوم به من أبحاث و ما تنتجه من أفكار تمد بها صانع القرار الأمريكي، و بالنسبة إلى جماعات المصالح .

أولاً : تنقسم جماعات المصالح إلى عدة تصنيفات هي الجماعات الاقتصادية، جماعات الهوية، جماعات القضايا السياسية، الحكومات الأجنبية.

ثانياً: تتعدد أشكال تأثير جماعات المصالح المتعلقة بالسياسة الخارجية فقد تكون من خلال التأثير على الانتخابات من خلال مرشحين تدعمهم أو من خلال ادارة الحملات الانتخابية، أو من خلال الجهاز التنفيذي بالعمل مع المسئولين داخله، أو من خلال أنها تؤثر على مرشحين داخل الكونجرس لاصدار تشريعات تدعم مصالحها، و قد تكون من خلال التأثير على الرأي العام بالدعوة الى تظاهرات .

أما عن الكونجرس فيشترك مع الرئيس في ثلاث سلطات أولاً: المعاهدات الدولية التي يشترط لأن يصدِق عليها الرئيس أن يحصل على أغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ و لكن يستطيع الرئيس أن يلجأ بدلاً من ذلك الى المعاهدات التنفيذية التي لا تتطلب موافقة الكونجرس، ثانياً: ما يتعلق بتعيين مسئولي السياسة الخارجية حيث يتم التصويت من قبل أعضاء الكونجرس على المرشحين للمناصب الرسمية من قبل الرئيس إلا أن الرئيس يستطيع سحب هذا التصويت، و أخيراً ما يتعلق بسلطات الحرب فقد يستغل الرئيس كونه – وفقاً للدستور – القائد الأعلى للقوات المسلحة و يرسل قوات أمريكية للحرب دون الأخذ في الاعتبار موافقة الكونجرس، و بذلك فإنه قد لا يوجد اتساقاً كاملاً بين الرئيس و الكونجرس في صنع قرار السياسة الخارجية .

(1) عزت ابراهيم،( جون جاديس أشهر مؤرخي الحرب الباردة و الاستيراتيجية الكبرى للأهرام : الولايات المتحدة تحتاج الى                      صياغة علاقة جديدة بدول المنطقة )،الأهرام، 24 يناير 2007 .

(2) فواز جرجس،أسس و مرتكزات سياسة أوباما الخارجية في ولاياته الثانية، مركز الجزيرة للدراسات، http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2013/01/201l       ، 31 -1- 2013، 10 -3- 2016.

على الرغم من ذلك يظل للرئيس الأمريكي الدور المحوري في السياسة الخارجية الأمريكية استناداً إلى عدد من العوامل منها السمات الشخصية التي يتميز بها، و مدى خبرتهم و ممارستهم في مجال السياسة الخارجية، لكن يبقى العامل الأهم هو ما سمي “النظام العقائدي للرئيس” أي نظرته الكلية و رؤيته للعالم  و مناطقه المختلفة، و تحديد الهدف من وراء اتباع سياسة خارجية بعينها، و من هذا المنطلق تبرز أهمية الحديث عن رؤية الرئيس باراك أوباما للعالم الخارجي فيما سمي “عقيدة أوباما” أو “مبدأ أوباما”، و على الرغم من أنه لم يضع لنفسه مبدأً إلا أنه من خلال خطاباته الرسمية و تصريحاته و السياسة الخارجية الفعلية التي يطبقها تم الحديث عن عقيدة لأوباما تتمثل في الاتجاه – بشكل أكبر – نحو أسيا و المحيط الهادي و دور محدود تجاه الشرق الأوسط، و التعامل مع القضايا و الأزمات الدولية في اطار تعاون عالمي و اللجوء الى الحلول الدبلوماسية، فالولايات المتحدة لا تنفرد بالتدخل في الصراعات و الأزمات الدولية، لأن أي قوة مهما بلغت من قوة و قدرة على احداث تغيير بالأمور فانها لن تستطيع وحدها التحكم في مجريات الأحداث في مختلف الأزمات الدولية3.

فيما يتعلق بالشرق الأوسط  يرى بعض الكتاب و الباحثين الأمريكيين أن الدور الأمريكي فيه بدأ يتراجع لصالح دورها في الشرق الأقصى4، و عليه فإن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه ثورات الربيع العربي اتسمت برد الفعل فقط، و لم يكن لها دور حاسم تجاه بعض الصراعات في المنطقة العربية و الشرق الأوسط، و بالنظر إلى حالتي الدراسة الأزمة في ليبيا، و الصراع السوري، فعلى الرغم من محدودية الدور الأمريكي في تسوية الصراع في سوريا و الوصول إلى حل للأزمة إلا أن الأمر اختلف فيما يتعلق بالثورة الليبية سواءً من تصريحات و خطابات للرئيس وُجهت للشعب الليبي نفسه أو للقذافي لحثه على التنحي أو من خلال السياسات المتبعة من التحرك من خلال الأمم المتحدة و حلف الناتو على الرغم من أن ذلك التحرك اُعتبر قيادة أمريكية من خلف الدول الأوروبية و تأكيداً لانحسار الدور الأمريكي في الشرق الأوسط 5، أما عن الصراع في سوريا فان الأمر قد اختلف عن القضية الليبية حيث التحرك الأمريكي تجاه سوريا لم يكن سريعاً وواضحاً منذ البداية و مرت بعدة مراحل حتى وصلت الى المواجهة مع النظام السوري في النهاية 6، و بذلك يمكن القول أن الادارة الأمريكية اختلفت في ادارة أزمتي ليبيا و سوريا سواء من خلال الخطابات الرئاسية أو التصريحات الرسمية و حتى في السياسات الفعلية .

(3)  David Rothkopf,The curse of Obama doctrine,Foreign Policy,September 3,2015, http://foreignpolicy.com/2015/09/03/the-curse-of-the-obama-doctrine-middle-east-arab-world/          ,March 10,2016 .

(4)عمرو عبد العاطي، الأمة المستغنى عنها : أزمة القيادة و السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، مجلة          

السياسة الدولية ، يناير 2014، http://www.siyassa.org.eg/NewsQ/3521.aspx  ، 11 -3-2016 .

(5)فواز جرجس ، أوباما و العالم العربي .. الاستمرارية و التغير، مركز الجزيرة للدراسات  ، 31 -1- 2013 ، http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2013/01/2013        ،  11 -3- 2016 .

(6)خليل جهشان ، العلاقات الأمريكية  السورية … سباق نحو الهاوية، مركز الجزيرة للدراسات ، 7 -8- 2011 ، http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2011/07/201172381411387995.html        ، 11 -3- 2016 .

  1. المشكلة البحثية :

تتمثل المشكلة البحثية في بحث و دراسة الخطابات الرئاسية الأمريكية في فترة ولايتي الرئيس أوباما و معرفة مدى الاتساق بين الخطابات الرسمية و السياسات الفعلية و المطبقة، و ذلك من خلال إلقاء الضوء على قضيتين من قضايا الربيع العربي هما الثورة الليبية و الثورة السورية، و النظر في أوجه الاختلاف و التشابه بين القضيتين و تناول الرئيس الأمريكي لهما، و ذلك على اعتبار أنهما في فترة زمنية متقاربة ببداية متشابهة و هي الانتفاضات الشعبية ضد النظام الحاكم، الا أنه هناك اختلافاً فيما وصلت إليه الأمور في الوقت الحالي، و ذلك في ضوء التعارض و الصدام بين الباحثين و الكتاب الأمريكيين حول السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط و الذي يدور حول انحسار الدور القيادي للولايات المتحدة الأمريكية و رؤيتها للعالم الخارجي .

و من هذا المنطلق يتمثل السؤال البحثي الرئيسي في : إلى أي مدى اتسقت الخطابات الرئاسية للرئيس أوباما مع سياسته الخارجية الفعلية المطبقة تجاه ثورتي ليبيا و العراق ؟

و ينبثق عن هذا التساؤل الرئيسي عدد من الأسئلة الفرعية التي تحاول الإجابة عليه كالأتي :

  1. كيف يتم صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكي بين الرئيس و الكونجرس ؟ و الى أى مدى تساهم جماعات المصالح و مراكز الأبحاث في التأثير على هذا القرار ؟
  2. كيف ساهم النظام العقائدي للرئيس أوباما في تحديد ملامح الخطاب الموجه تجاه القضيتين و تحديد السياسة الخارجية المتبعة تجاههما ؟
  3. ماهو الخطاب الرسمي للرئيس أوباما تجاه الثورة الليبية ؟ و ما السياسة الخارجية المترتبة عليه ؟
  4. ماهو الخطاب الرسمي للرئيس أوباما تجاه الثورة السورية ؟ و ما هي السياسة الخارجية المترتبة عليه ؟
  5. ما هي اوجه التشابه و الاختلاف بين القضيتين في التناول الأمريكي لهما؟
  6. أهمية الدراسة :

الأهمية العلمية: تتمثل في دراسة مدى الاتساق بين الخطاب الرئاسي الرسمي للرئيس أوباما و السياسة الفعلية المطبقة تجاه الربيع العربي و ذلك من خلال اكتشاف و تحليل الكيفية التي تتم بها صناعة القرار في السياسة الخارجية الأمريكية و إلقاء الضوء على السلطات المشتركة للرئيس و الكونجرس في السياسة الخارجية و مدى الاتساق و التعارض بينهما، و معرفة تأثير مراكز الأبحاث و جماعات المصالح على صنع القرار السياسي الخارجي بالولايات المتحدة الأمريكية، ذلك الى جانب اكتشاف كيف أثر النظام العقائدي للرئيس أوباما و رؤيته للعالم الخارجي على تناوله للقضيتين .

الأهمية العملية: تتمثل في جزء الدراسة المتعلق بتحليل الخطابات و بيان أبرز النقاط فيها و خاصة المتعلقة بالقضيتين محل الدراسة، و مقارنتها بالسياسة الفعلية تجاههما، و معرفة أوجه الاتساق و التناقض، بالاضافة الى اكتشاف و تحليل مدى أهمية منطقة الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ، مدى الاهتمام بها وفقاً للمصلحة الأمريكية .

  1. نطاق الدراسة :

النطاق الزمني: تتحدد الفترة الزمنية للدراسة بالفترة من 2008 الى 2016 حيث تبدو أهمية تلك الفترة من كونها بدأت بها رئاسة أوباما للولايات المتحدة الأمريكية حيث بدأت الفترة الأولى في أواخر عام 2008 و بدأت الولاية الثانية منذ عام 2012 و تنتهي في أواخر عام 2016، و تتميز تلك الفترة ببروز العديد من القضايا على الساحة الدولية، و حدوث تغييرات بمنطقة الشرق الأوسط و خاصة بالدول العربية حيث شهدت تتابع للثورات العربية ضد النظم الحاكمة بدءاً من تونس و مصر ثم ليبيا و سوريا و اليمن، و مازالت بعض تلك البلدان تعاني من عدم الاستقرار مثل ليبيا و سوريا التي لم يسقط بها النظام بعد .

  1. الدراسات السابقة :

تنقسم الدراسات السابقة الى ثلاثة مستويات :

1.المستوى الأول : صنع السياسة الخارجية الأمريكية و النظام العقائدي للرئيس و تناوله عدد من الدراسات على النحو التالي :

تشير الدراسة الأولى إلى نشأة مراكز التفكير الاستراتيجي في الولايات المتحدة الأمريكية و كيفية تأثيرها على عملية صنع القرار في السياسة الخارجية، و ترجع نشأتها إلى بعض الأسباب التي يتعلق بعضها بالمجتمع الأمريكي نفسه، و يتعلق بعضها الأخر بالنظام السياسي الأمريكي، فيما يتعلق بالمجتمع الأمريكي تشير الدراسة الى عدة تغييرات أدت إلى ازدياد مراكز التفكير الاستراتيجي و أهمها التغييرات التي تم إدخالها على النظام التعليمي و خاصة التعليم العالي و بروز مجالات دراسية تساعد على التفكير و بناء المعرفة، و كنتيجة لذلك تطورت المهن المرتبطة بالعلوم الاجتماعية، ذلك بالاضافة الى التغييرات في أسلوب الحياة الذي يتبعه الأفراد و ظهور الطبقة الوسطى، و فيما يتعلق بطبيعة النظام السياسي الأمريكي فتشير الى أنه يوجد انحسار في دور الأحزاب السياسية الأمريكية و في المقابل تنامى دور مراكز الأبحاث و اعتماد الادارة الأمريكية عليها بشكل كبير، إلا أنه لُوحظ تزايد مراكز التفكير الاستراتيجي عقب الحرب العالمية الثانية و يرجع ذلك –وفقاً للدراسة– إلى الحرب الباردة و الصراع الأيدولوجي بين الاتحاد السوفييتي و الولايات المتحدة الأمريكية و تنامي الاتجاهات الليبرالية و التوسع في انشاء مثل تلك المراكز، من ناحية أخرى تشير الدراسة الى مجالات تأثير هذه المراكز في صنع السياسة الخارجية الأمريكية و التي غالباً ما تكون عن طريق التواجد في الكونجرس و التأثير على أعضاؤه، تقديم الدعم و المشورة لأعضاء السلطة التنفيذية، التأثير على الحملات الانتخابية .7

و في الاطار نفسه تشير دراسة أخرى إلى دور المؤسسات غير الرسمية في السياسة الخارجية الأمريكية متمثلة في جماعات المصالح، وسائل الإعلام، النخبة الأكاديمية، فلا يمكن تهميش الدور الذي تلعبه جماعات

_________________________

(7)نسمة شريف محمود، الفكر الاستراتيجي الأمريكي تجاه العالم الإسلامي بعد أحداث 11 سبتمبر، (ماجستير) ، جامعة               القاهرة، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية ، 2010 .

المصالح في السياسة الخارجية الأمريكية و منها على سبيل المثال جماعات الضغط اليهودية أو اللوبي الصهيوني و التي قد يكون لها تأثير بسبب تواجد اليهود في أماكن انتخابية بالولايات المتحدة و تعد منظمة الايباك مثالاً لذلك، و هي ترتبط بالأساس بالكونجرس، و تتمتع بانخفاض عدد الجماعات الأخرى المنافسة لها، كما أنه باستطاعتها كسب التعاطف و التأييد من قطاعات مختلفة من المجتمع الأمريكي، أما عن وسائل الإعلام فإنها تستمد أهميتها من المناخ الديمقراطي الأمريكي، و هي تمثل الرأي العام –و قد تساهم أيضاً في تشكيله- الذي يهتم به صناع القرار بالولايات المتحدة، إلا أنها قد تخضع في كثير من الأحيان لتوجهات رأس المال الذي يديرها، أو بعض جماعات المصالح و مراكز الأبحاث، و فيما يتعلق بالنخبة الأكاديمية فترجع أهميتها الى وجود مؤسسات تعليمية و بحثية مهتمة بصنع السياسات العامة، إضافة الى تقلد بعض الأكاديميين المناصب السياسة المؤثرة في صنع السياسة الخارجية8.

و في إطار النظام العقائدي للرئيس تشير دراسة إلى ما يسمى ” مبدأ أوباما ” و الأصول الفكرية له، و يقوم هذا المبدأ على عدة مرتكزات، أولاً: القوة الأمريكية فالرئيس أوباما يدرك القدرة الهائلة للقوة الأمريكية، فهي غير مسبوقة و يعد تعرض الأمن القومي الأمريكي للتهديدات في اطار هذه القوة أمراً غير منطقياً، ثانياً: حدود الدور الأمريكي فالرئيس أوباما – وفقاً للدراسة – يدرك أهمية أن تنخرط الولايات المتحدة مع العالم، و أن لا تتبع طريق العزلة في التعامل معه، و يشير الى أهمية الدور القيادي للولايات المتحدة، على الرغم من ذلك فالولايات المتحدة مهما بلغت من قوة لا تستطيع أن تقف في وجه الأزمات الدولية منفردة و لكن لابد من وجود تعاون دولي بقيادتها، مع التأكيد على أن الخيار العسكري يمثل خياراً أخيراً بالنسبة لأوباما فهو يفضل الدبلوماسية عن العمل العسكري إلا في حالات الضرورة، ثالثاً: الدمج يؤدي الى الاعتدال و هنا يجدر الاشارة إلى قضيتين هما الاتفاق النووي الإيراني، و الإسلاميين في العالم العربي فقد اتبع الرئيس الأمريكي السياسة نفسها فيهما، و هي أن يتم دمج إيران في النظام الدولي حتى لا تلجأ الى سلوك عدواني، و أن يتم دمج الاسلاميين في السلطة حتى لا يلجأوا الى التطرف و الإرهاب، أما الشق المتعلق بالشرق الأوسط في مبدأ أوباما فهو يرتكز على تخفيض الوجود الأمريكي فيه نظراً للتكلفة المادية و البشرية المرتفعة لذلك كما حدث في غزو العراق9.

و في إطار علاقة الكونجرس بالرئيس تشير دراسة إلى علاقة الكونجرس بالرئيس أوباما في ظل وجود أغلبية جمهورية به، و استخدامها أدوات مختلفة كالتشريع و تنظيم جلسات استماع لمسئولين للضغط على الرئيس أوباما ، و كانت علاقة بين الكونجرس الأمريكي و الرئيس بشكل عام تقوم على مبدأ الرقابة و التعاون، فكل طرف

يراقب الأخر و يؤثر فيه، و تظهر مواطن تعاون بينهما كما تظهر مواطن صدام، و في الوقت الحالي تمثل قضيتي تنظيم داعش و الاتفاق النووي الإيراني و العلاقة مع إسرائيل ذلك التعاون و الصدام ، فعلى مستوى مكافحة

_________________________

(8) مروة محمد عبد العزيز، مراكز الأبحاث و تأثيرها على صنع السياسة الخارجية الأمريكية: دراسة حالة لأهم مراكز               الأبحاث في الولايات المتحدة الأمريكية، (ماجستير)، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية ، 2009.

(9) محمد كمال، مبدأ أوباما و سياسته الشرق أوسطية، مجلة السياسة الدولية، العدد 201، يوليو 2015، ص ص 72-79.

الإرهاب متمثلاً في تنظيم داعش مثلاً استطاع أوباما أن يستخدم تفويض الكونجرس الذي أعطاه لبوش في الحرب ضد تنظيم القاعدة، و من ناحية أخرى يعترض الكونجرس على سياسة أوباما تجاه التنظيم كونه يرفض عمل بري عسكري ضده، و يجدر الاشارة الى أن الصدام بين الرئيس و الكونجرس غالباً ما يكون في الفترة التي يتشكل فيها الكونجرس من أغلبية حزبية مختلفة عن الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس، إلا أن ذلك لا يعني أن يكون صداماً دائماً و انما تكون هناك مجالات للتعاون بينهما10.

  1. المستوى الثاني : الخطاب الأمريكي تجاه الثورة السورية و السياسة الفعلية المترتبة عليه و تتناوله عدداً من الدراسات على النحو التالي :

تشير الدراسة الأولى إلى أراء بعض الباحثين و المفكرين و تحليلاتهم حول خطاب الرئيس أوباما الموجه للأمة الأمريكية حول القضية السورية و الذي ألقاه عقب استخدام النظام السوري الأسلحة الكيماوية ضد المعارضين، و الذي طلب فيه من الكونجرس أن يناقش الموضوع المتعلق بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا، و بناءً على ذلك يرى الباحثون أن هذا الخطاب قد أوضح حقيقة تراجع دور الولايات المتحدة، حيث كان عليه الإسراع في مواجهة النظام السوري دون أن ينتظر موافقة الكونجرس أولاً ثم يبدأ بالتحرك مستخدماً في ذلك سلطته المستمدة من كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلا أن هذا الانتظار أوضح الى أى مدى كان الرئيس أوباما غير حاسماً و واضحاً في مواجهة النظام السوري11.

و في إطار العلاقات الأمريكية السورية تشير دراسة أخرى إلى الثوابت التي تحكم تلك العلاقة بشكل عام و التي تنظر اليها الولايات المتحدة بعين الاعتبار، و تتمثل في عدة قضايا منها: العلاقات السورية الايرانية و العلاقات السورية اللبنانية و العلاقات السورية الاسرائيلية، فالولايات المتحدة الأمريكية تخشى من حدوث تقارب سوري إيراني يعزز من نفوذ إيران في المنطقة و يهدد المصالح الأمريكية، و من ناحية أخرى تهتم الولايات المتحدة بوجود مجال للتفاوض بين سوريا و اسرائيل حول منظقة الجولان، أما فيما يتعلق بسوريا و لبنان فكانت الولايات المتحدة مع عدم التدخل السوري في الشأن اللبناني.

أما  عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الأحداث السورية الحالية فتشير الدراسة إلى عدد من المراحل التي مرت بها الولايات المتحدة الأمريكية في تناولها للأزمة السورية تبدأ بمرحلة المفاجأة ثم مرحلة التردد و مرحلة القفاز الحريري، ثم مرحلة الضغط المباشر و مرحلة المواجهة ، ففي مرحلة المواجهة تشير الدراسة إلى تعرض

 

_________________________

(10)محمد بسيوني عبد الحليم، الكونجرس و أوباما بين الصدام و التعاون، مجلة السياسة الدولية، العدد 200، أبريل 2015                       ، ص ص 170-173.

(11)brookings scholars respond to president obama’s speech on Syria, Brookings institution, September 12,2013,  http://www.brookings.edu/blogs/brookings-now/posts/2013/09/brookings-scholars-respond-to-president-obama-speech-on-syria, March 12,2016.

الإدارة الأمريكية إلى نوع من الصدمة جراء انتفاض الشعب السوري ضد النظام الحاكم، ظناً منها أن النظام السوري مختلف عن غيره من النظام الحكمة في المنطقة و أنه كان يمكنه السيطرة على الأوضاع، أما عن مرحلة التردد فقد شهدت تناقضاً بين البيت الأبيض و وزارة الخارجية الأمريكية و مجلس الأمن القومي و أصبح هناك اتجاهين أولهما:إبقاء العلاقات مع النظام السوري، ثانيهما : الانحياز للثورة السورية و الوقوف بجانب الشعب السوري، و تميزت تلك المرحلة بدرجة كبيرة من اللاحسم من قبل الادارة الأمريكية تجاه الموقف المتأزم في سوريا، أما عن المرحلة الثالثة – مرحلة القفاز الحريري – فهي تشير إلى التعامل المتساهل مع النظام السوري فقد تم فيها حثه على التوقف عن استخدام العنف فقط، أما المرحلة الرابعة – الضغط المباشر – فترتبط بالمرحلة الخامسة و هي مرحلة المواجهة فقد اتجهت فيها الادارة الأمريكية الى التصعيد و فرض حظر اقتصادي على بعض المسئولين السوريين و تجميد أصولهم و كان ذلك نتيجة لتدهور الأوضاع الى أن أعلنت في النهاية أنها تقف الى جانب الثورة السورية 12.

  1. المستوى الثالث : الخطاب الأمريكي تجاه الثورة الليبية و السياسة الفعلية المترتبة عليه و تتناوله عدداً من الدراسات على النحو التالي :

تشير الدراسة الأولى إلى أهمية الدور الأمريكي في الأزمة الليبية و ضرورة تدخلها، و تشير إلى أن الإدارة الأمريكية في ذلك كان أمامها خيارين أولهما أن يكون موقفها فردياً و تتدخل بمفردها، ثانيهما أن تقود تحالفاً دولياً في إطار تعاون أمريكي مع الدول العربية ممثلة في جامعة الدول العربية، و الدول الأوروبية ممثلة في الأمم المتحدة و حلف الناتو و هذا الخيار يتطلب وقتاً حتى يتم التحرك فعلياً تجاه الازمة إلا أنه الخيار الذي انتهجته الولايات المتحدة، و يرى الكاتب أنه في جميع الأحوال على الولايات المتحدة أن تلتزم في تدخلها في الأزمة الليبية بتحقيق أمنها القومي أولاُ، و أن تلتزم بتقديم المساعدات الانسانية بمساعدة عربية من مصر و تونس للشعب الليبي، و أن تتحرك وفقاً لرغباته، بالاضافة الى قطع العلاقات الدبلوماسية مع ليبيا و التوقف عن اعتبار النظام الليبي الممثل للشعب الليبي13.

و في هذا السياق تشير دراسة أخرى إلى الأسباب التى دفعت الولايات المتحدة للتدخل السريع في الأزمة الليبية من خلال تحليل الخطاب الصادر عن الرئيس الأمريكي باراك أوباما و الذي وجهه للشعب الأمريكي لاطلاعه على مجريات الأحداث في ليبيا، و قد أخذ كاتب المقال عليه ذكره للاعتبارات الأخلاقية فقط و القيم و الثوابت الأمريكية كعامل وحيد للتدخل في الأزمة الليبية، و اغفال الدوافع و الأسباب الاستراتيجية التي دفعت الى تكوين

مثل هذا التحالف الدولي للتدخل في الأزمة الليبية مثل وجود أسحلة دمار شامل في ليبيا، و سهولة وصولها الى

_________________________

(12) خليل جهشان ، مرجع سابق .

(13)Michael E.O’Hanlon, Paul Wolfowitz, United States must take lead on Libya, Brookings institution, February 26,2011,   http://www.brookings.edu/research/opinions/2011/02/26-libya-ohanlon, March 10,2016.

جماعات ارهابية و استعمالها ضد الولايات المتحدة 14.

تشير دراسة ثالثة إلى الربط بين السياسة الخارجية التي مارستها الادارة الأمريكية تجاه الأزمة الليبية و بين ما سمي ب “عقيدة أوباما” و في هذا الاطار استعان الكاتب برأي بعض الكتاب و المفكريين الذين يرفضون وصف السياسة الخارجية لأوباما بالعقيدة حيث أنها تقوم على رد الفعل فقط و ليس الدور الفعال و القيادي تجاه الأزمات الدولية و قد ظهر ذلك من خلال التحالف الدولي الذي – و إن كانت الولايات المتحدة هي التي دعت الى تكوينه – إلا أنهم أطلقوا على قيادتها له قيادة خلف الدول الأوروبية 15 .

  1. الإطار النظري :

أولاً : المفاهيم المستخدمة في الدراسة :

  1. مفهوم الخطاب

هناك اتجاهات مختلفة في تعريف الخطاب يندرج بعضها في إطار علم الألسُنية، و بعضها خارجه و علم الألسنية هو العلم المعني بدراسة اللغة و كيفية تمثيلها للواقع الثقافي و الاجتماعي و السياسي، و ينظر علم الألسُنية إلى الخطاب بالمفهوم الواسع على أنه ” كل إنتاج ذهني منطوق أو مكتوب يقوله الفرد أو الجماعة سواءً حقيقية أم اعتبارية – كالمؤسسات المختلفة – و هو قد يكون سياسياً أو اجتماعياً، تتم من خلال محادثة عادية أو مقابلة رسمية أو مقالاً مكتوباً أو رسالة أو وثيقة ” و بالتالي يمكن القول أن هذا التعريف قد شمل كل أنواع الخطاب فهو لم يتحدث عن الخطاب بكونه سياسياً فقط و إنما يتخذ أشكالاً مختلفة، و يحمل دلالات لكل مفهوم أو لفظ ذُكر فيه و ذلك مع ضرورة الأخذ في الاعتبار الظروف و السياق الذي قيل فيه .

داخل المدرسة الألسُنية ظهرت اتجاهات مختلفة في تعريف الخطاب، و لكن الاختلاف لم يكن حول تعريف المفهوم نفسه و إنما تعلق بتحديد مجاله و نطاقه و في هذا الإطار ظهرت الاتجاه البنيوي و انقسم في داخله إلى مجموعة إسهامات من “دي سوسير” إالى الشكليين الروس و الألسُنية التوزيعية و النظرية النحوية التوليدية التحويلية بالإضافة إلى المدرسة الفرنسية لتحليل الخطاب، كما ظهر اتجاهاً لما بعد البنيوية و تمثل في النظريات المتجهة إلى القارئ و الاتجاه الفينوسينولوجي و الاتجاه السيسيولوجي بالإضافة إلى الاتجاه التداولي أو البراجماتي في تعريف الخطاب، و ذلك بالإضافة إلى وجود اتجاهات أخرى خارج علم الألسُنية تربط مفوم الخطاب بالقوة                            _________________________

(14)       Marc A. Thiessen, Obama’s failure to explain our national interest in Libya, American enterprise institute, March 30, 2011, https://www.aei.org/publication/obamas-failure-to-explain-our-national-interest-in-libya/print/, March 13, 2016 .

(15)            Michael E.O’hanlon, Is Libya policy cornerstone of an Obama doctrine, Brookings institution, August 29, 2011, http://www.brookings.edu/research/opinions/2011/08/29-libya-obama-ohanlon, March 10, 2016 .

متمثلة في بعض المفكرين مثل ميشيل فوكو، عابد الجابري، و الحركة النسائية .

أما عن البنيوية فقد ظهرت بدايةً في فرنسا في الستينات من القرن الماضي و هي لا تهتم كثيراً بقائل النص

أو الخطاب فما يهمها هو الخطاب في حد ذاته  بغض النظر عن شخص قائله أو سياقه التاريخي، و كيفية استقبال الخطاب و التفسيرات المختلفة له و من أهم رواد هذه المدرسة هو “دي سوسير” الذي اهتم بنص الخطاب نفسه و أهمل قائله و الظروف التاريخية الملازمة له، و فرق بين اللغة ( اللسان ) و الخطاب إذ أن الأخير لا يعبر عن الارادة الإنسانية أو الذكاء، و اتجه إلى دراسة الخطاب في لحظة محددة من التاريخ بدون النظر إلى تطوره، أما الشكليون الروس فقد ظهروا في روسيا في أوائل القرن العشرين و يختلفون من حيث اهتمامهم بالسياق المحيط بقول الخطاب كعامل مهم في إدراكه و فهمه، إلا أنهم لم يعيروا قائل الخطاب أهمية، و كتطوير لذلك الاتجاه ظهر “اميل بنفينست” الذي اهتم بقائل الخطاب باعتباره يعبر عن نفسه و فكره من خلال ما يقوله في الخطاب، أما الألسُنية التوزيعية فترى أن الخطاب هو “مجموعة القواعد التي تربط بين الجمل مكونة القول أو الفعل”، و كتطويراً لها ظهرت النظرية النحوية التوليدية التحويلية الذي يربط بين اللغة و العقل الانساني فهي تعبر عن الإدراك، و أنها تتكون من مستويين أحدهما سطحي و الأخر عميق، اهتمت بالشخص المتكلم ليعبر عن نفسه و معلوماته في مواجهة المعلومات اللغوية لمتلقي الخطاب، أما المدرسة الفرنسية في تحليل الخطاب فهي تنظر إلى الظروف و السياق الذي قيل فيه الخطاب و الذي غالباً ما يؤثر على الخطاب، ويمكن القول أن البنيوية  تمثل اتجاهاً لتعريف الخطاب إلا أنها أغفلت النزعة الإنسانية و ابتعدت عن الاهتمام بمدلول الخطاب .

أما عن ما بعد البنيوية فهى أيضاً لم تهتم كثيراً بقائل النص و إنما انصب اهتمامها حول القارئ و فهمه للنص بغض النظر عن هدف قائل النص و ما يعنيه منه، و لذلك ظهرت النظريات المتجهة إلى القارئ و التي تركز بالأساس على طريقة تعامله مع النص و فهمه له، أما الاتجاه الفينوسينولوجي أيضاً يولي القارئ أهمية من خلال تعظيم فعل القراءة يفتح المجال لعلاقة بين القارئ و النص تنتج أبعاداً جديدة للخطاب، أما الاتجاه السيسيولوجي فيرتبط بنظرية الاتصال الحديثة بحيث أن مرسل الخطاب يحاول إضفاء دلالة معينة على النص تصل للمتلقي و يفهمها، و أما الاتجاه التداولي أو البراجماتي في تعريف الخطاب فهو ينظر إلى اللغة باعتبارها نشاطاً لفظياً له دلائل و رموز يستخدمها في تحقيق أهدافه و يعرف الخطاب على أنه “كل لغة متجلية في صورة تواصلية أو اجتماعية و هو وحدة متساوية للجملة أو أكبر منها مؤلفة من متوالية تشكل تشكل رسالة ذات بداية و نهاية” و بذلك يأخذ الخطاب وفقاً للاتجاه التداولي شكلاً تواصلياً.

أما عن تعريف الخطاب خارج إطار علم الألسُنية، فهناك اتجاهاً يرى أن الخطاب ليس مجرد نصوص و إنما يرتبط بالقوة التي تتم ممارستها من خلال إلقاء الخطاب، ومن أنصار هذا الاتجاه “ميشيل فوكو” الذي اهتم بالبعد التاريخي للخطاب فهو يرى أن الخطابات هي “مجموعة من المنطوقات تنتهي إلى تشكل واحد ، يتكرر على نحو دال في التاريخ بل على نحو يغدو معه الخطاب جزءاً من التاريخ” و هو يرى أن الخطاب هو الوسيلة التي تيت الوصول عن طريقها إلى القوة ، فلايوجد موضوعية في الخطاب فهو يراه عنف يمارس على الأشياء، و يرى “عابد الجابري” أن الخطاب هو بمثابة رسالة يحملها كاتبها أو قائلها إلى القارئ أو المتلقي وهو يعد مجالاً للاتصال فيما بينهما، أما عن الحركة النسائية فذهبت إلى أن هناك خطاباً ذكرياً و خطاباً أنثوياً يطغى الأول فيه على الثاني16.

ثانياً : الاقتراب المستخدم في الدراسة :

أداة تحليل مضمون كيفي للخطاب :

يعتبر تحليل المضمون من الأدوات المستخدمة في تحليل الخطاب، و قد يتخذ تحليل المضمون اتجاهين أحدهما اتجاهاً وصفياً يهتم بوصف المحتوى في ظاهره فقط، أما الاتجاه الأخر هو الاتجاه الاستدلالي و الذي يتعدى مرحلة الوصف إلى الوقوف على نتائج و استدلالات عامة من النص أو المحتوى، فنجد أنه لا يقتصر فقط على الإجابة على سؤال ماذا قيل و كيف قيل و لكنه يهتم بالإجابة عن من قال، ماذا قال، كيف قال، و لمن قاله، هل لفئة معينة دون الأخرى و هل هناك فارق بينهما، و لماذا قال، أي ما هو الهدف من الخطاب أو المحتوى، و في هذا الإطار ينقسم الهدف إلى قسمين ماهو معلن وواضح، و ماهو خفي، غير معلن، أي مسكوت عنه لايتم التوصل إليه إلا من خلال البحث و التحليل و لذلك تم استخدام أداة تحليل المضمون في الدراسة بالإضافة إلى بعض الأسباب الأخرى و التي تتمثل في:

  1. اعتماد الدراسة في شقٍ منها على الخطاب السياسي و تحليله للوصول إلى المسكوت عنه و ما يحمله نص الخطاب من أهداف غير معلنة في ثناياه
  2. تنظر الدراسة إلى سياق الظروف و الأحداث التي لازمت الخطاب ، و معرفة تأثر قائل الخطاب بها و مدى اتساقه معها .
  3. تهتم الدراسة بالجمهور الموجه إليه الخطاب ، هل هو لفئة بعينها أم للجماهير كافةً .

أما عن كيفية تطبيق أداة تحليل المضمون في الدراسة للتوصل إلى الهدف منها و هو دراسة و تحليل الخطابات الرسمية للرئيس الأمريكي أوباما و معرفة مدى اتساقها مع السياسة الخارجية المتَبعة، فإنه يتعين علينا الإجابة على الأسئلة السابق ذكرها: من قال ؟ ماذا قال ؟ كيف قاله ؟ لمن قاله ؟ لماذا قال ؟ فالقائل هو الرئيس باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الحالي، أما ما قاله فهي مجموعة الخطابات الرسمية الصادرة عنه بشأن قضيتي ليبيا و سوريا و هي العينة المستخدمة في الدراسة و تشمل :

  1. خطاب وقف العنف في ليبيا .
  2. خطاب للأمة الأمريكية عن تطورات الأزمة الليبية .
  3. خطاب أوباما في الأمم المتحدة حول الأوضاع في ليبيا .
  4. خطاب عن العملية العسكرية لحلف الناتو في ليبيا .

_________________________

(16) أميمة مصطفى عبود، قضية الهوية في مصر في السبعينات: دراسة في تحليل بعض نصوص الخطاب السياسي ،             (ماجستير) ، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية، 1993.

  1. خطاب عن مقتل القذافي .
  2. خطاب عن الأسلحة الكيماوية في سوريا .
  3. خطاب موجه للأمة الأمريكية عن تطورات القضية السورية .
  4. خطاب الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا .
  5. حوار الرئيس أوباما مع مجلة ذي أتلانتك.
  6. مؤتمرين صحفيين 2أكتوبر 2015، 26 أبريل 2016.
  7. خطابين عن تنظيم داعش في سوريا و العراق.

من خلال المقارنة بين طريقة إلقاء الخطاب في كل من القضيتين على حدة يتبين لنا الأسلوب الذي قيلت به الخطابات، ذلك بالإضافة إلى أهمية النظر في سياق الظروف و الأحداث الملازمة لأوقات إلقاء الخطابات، و ذلك مع ضرورة أن الإشارة الى العلاقات بين كلاً من سوريا و ليبيا و بين الولايات المتحدة لمعرفة الفوارق بينهما و بالتالي معرفة أسباب الاختلاف الأمريكي في الاهتمام بالقضيتين، و الوقوف على الأهداف الموجودة بثنايا محتويات كل خطاب و الأهداف المعلنة.

و فيما يتعلق بالجمهور الموجه إليه الخطاب، فإن الأمر يختلف بين كل خطاب و الأخر فبعضها موجه لفئة معينة كالمجتمع الأمريكي مثلاً، و هناك خطابات وجهت للمعارضين السوريين و الليبيين، و البعض الأخر وجه لأعضاء الأمم المتحدة، و قد يتضمن الخطاب الواحد في أجزاء مختلفة منه توجيهاً لأغلب تلك الفئات مجتمعة .

  1. تقسيم الدراسة :

مقدمة

الفصل الأول: صناعة القرار السياسي الخارجي الأمريكي

المبحث الأول: الدور المشترك للكونجرس و الرئيس أوباما في صنع قرار السياسة الخارجية .

المبحث الثاني: جماعات المصالح و مراكز الأبحاث كعوامل مؤثرة في القرار الخارجي الأمريكي .

المبحث الثالث: النظام العقائدي للرئيس أوباما .

الفصل الثاني: الدور الأمريكي في الأزمة الليبية

المبحث الأول: الخطاب السياسي الأمريكي تجاه الثورة الليبية .

المبحث الثاني: السياسة الخارجية الفعلية تجاه الثورة الليبية .

الفصل الثالث: الدور الأمريكي في الأزمة السورية

المبحث الأول: الخطاب السياسي الأمريكي تجاه الثورة السورية .

المبحث الثاني: السياسة الخارجية الفعلية تجاه الثورة السورية .

خاتمة:

الفصل الأول:

صناعة القرار الخارجي الأمريكي

المبحث الأول: الدور المشترك للكونجرس و الرئيس أوباما في صنع قرار السياسة الخارجية.

المبحث الثاني: جماعات المصالح و مراكز الأبحاث كعوامل مؤثرة في القرار الخارجي الأمريكي.

المبحث الثالث: النظام العقائدي للرئيس أوباما.

مقدمة:

إن صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية يكون مشتركاً بين عدة أطراف، فهو لايقتصر على رئيس الدولة فحسب، بل إن هناك مؤثرات أخرى تُساهم في صنع القرار الخارجي تتمثل أولاً في الكونجرس الأمريكي، ثم جماعات المصالح، و مراكز التفكير الاستراتيجي، فعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي يملُك القرار النهائي، إلا أنه يخضع لتأثير من الكونجرس و جماعات المصالح و مراكز الأبحاث، فعلى الرغم من أن الكونجرس لا يملُك اتخاذ قرارات السياسة الخارجية، و يقتصر دوره على الرقابة و وضع القيود على السلطة التنفيذية متمثلة في الرئيس، و على ذلك فإن له يشترك مع رئيس الدولة في عدة أمور تتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية، و هي التصديق على المعاهدات و الالتزامات الدولية، و تعيين مسئولي الوظائف العليا من وزراء الخارجية و السفراء، و سلطة البدء في الحرب خاصة  بعد إصدار قانون سلطات الحرب 1973، كما ينظر الكونجرس في المخصصات المالية المُستخدمة لتمويل برامج السياسة الخارجية بما في ذلك المساعدات و المعونات التي تقُدمها الولايات المتحدة للدول الأخرى، أما عن جماعات المصالح فتنقسم إلى جماعات اقتصادية و غير اقتصادية تهتم بشئون السياسة الخارجية التي تؤثر بشكل رئيس على مصالحها من خلال التأثير على أعضاء الكونجرس، و الحملات الانتخابية للمُرشحين، و فيما يتعلق بمراكز التفكير الاستراتيجي فإنها تؤثر على صنع السياسة الخارجية الأمريكية من خلال خمس وسائل رئيسية هي:أولاً: مراكز التفكير الاستراتيجي تعتبر مصنعاً للأفكار، ثانياً: تساهم في توفير عدد من الخبراء للعمل في المناصب الرسمية الحكومية، و يستطيعوا أن يتوجهوا مرة أخرى للعمل بتلك المراكز بعد انتهاء مدة عملهم، ثالثاً: تقوم بمهمة تثقيف المواطنين الأمريكيين و إعلامهم بشئون العالم حولهم و التي قد تمس حياتهم اليومية، رابعاً: تتبنى حوارات حول القضايا الجوهرية، خامساً: تقوم بمهمة التوسط في حل النزاعات.

و على ذلك يظل الرئيس الأمريكي هو محور السياسة الخارجية، و تؤثر على سياسته الخارجية عدة عوامل بالإضافة لما سبق ذكره تتمثل في مدى خبرته في مجال السياسة الخارجية، و السمات الشخصية للرئيس التي قد يكون لها تأثير على قراراته، و أخيراً النظام العقائدي للرئيس و هي رؤيته و معتقداته لدول العالم و التي غالباً ما تُستخدم إذا ما أردنا معرفة أسباب اتخاذه لقرار معين، و هنا يتم تسليط الضوء على النظام العقائدي للرئيس أوباما و رؤيته بالأخص لمنطقة الشرق الأوسط، و أهم التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية و التي تمثلت في الإرهاب و تغير المناخ – وفقاً للرئيس أوباما- و صعود دولة الصين استراتيجياً، و تدخل روسيا في الأزمات الدولية بشكل يتعارض مع الولايات المتحدة.

و بالتالي فإن الفصل يهتم بالأساس على كيفية صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية، و العوامل المؤثرة على هذا القرار متمثلةً في الكونجرس و جماعات المصالح و مراكز التفكير الاستراتيجي ، بالإضافة للنظام العقائدي للرئيس أوباما و تأثيره على السياسة الخارجية المُتبعة في ولايتيه.

المبحث الأول

الدور المشترك للكونجرس و الرئيس أوباما في صنع قرار السياسة الخارجية

يتميز الكونجرس الأمريكي بمكانة خاصة في عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية ، حيث إنه إلى جانب تكونه من مجلسين (مجلس الشيوخ و مجلس النواب)، فإنه يمارس دوراً رقابياً على السلطة التنفيذية ممثلة في الرئيس و قد يكون ذلك من خلال لجان تقصي الحقائق و جلسات الاستماع، بالإضافة إلى ضرورة النظر في الاعتمادات المالية المتعلقة بالسياسة الخارجية، فقد يلزم برنامجاً معيناً للسياسة الخارجية مخصصات مالية محددة يتعين على أعضاء الكونجرس النظر فيها و الموافقة عليها، إما رفضها و الاعتراض عليها 1، و قد حدد الدستور الأمريكي اختصاصات الكونجرس في مادته الأولى بالقسم الأول و التي تتمثل في: النظر في ترشيح الرئيس للتعيينات في المناصب الدبلوماسية مثل منصب وزارة الخارجية، و وزارة الدفاع، و السفراء و غيرها، ذلك بالإضافة إلى للإنفاق على وزارة الخارجية، و الموافقة على المساعدات الاقتصادية و العسكرية المُرسلة إلى الخارج 2، إلا أن ذلك لا يعني أن الكونجرس يقوم بصنع أو اتخاذ القرار النهائي في السياسة الخارجية بل إن دوره يشتمل فقط على على الموافقة أو الاعتراض ووضع القيود على تصرف السلطة التنفيذية، و ذلك عن طريق أن يكون للكونجرس رد فعل أو استجابة للموقف الصادر عن السلطة التنفيذية و تحليله3.

إن ذلك يرجع إلى طبيعة العمل السياسي الخارجي، فالسياسة الخارجية و الدبلوماسية تتطلب المرونة و سرعة اتخاذ القرارات، إضافةً إلى أن الخبرة الطويلة في مجال العمل بالسياسة الخارجية و الدبلوماسية يعد أمراً ضرورياً لصنع قرارات السياسة الخارجية، و هو ما قد لا يتوافر في أعضاء الكونجرس، ذلك إلى جانب ان الكونجرس الأمريكي يمثل الشعب الأمريكي بمختلف تركيباته، و ذلك يؤدي بطبيعة الحال إلى أن يمثل الكونجرس اتجاهات هؤلاء الأفراد و التي تكون متباينة إلى حد كبير، و بالتالي يكون من الصعوبة اتخاذ موقف موحد خاصة فيما يخص قرارات السياسة الخارجية، و على الرغم من ذلك لا يمكن القول أن الكونجرس يؤدي دوراً ضعيفاً في السياسة الخارجية الأمريكية، فالسلطة التنفيذية لا تبادر باتخاذ أهم قرارات السياسة الخارجية بدون الحصول على دعم من الشعب الأمريكي الذي يمثله أعضاء الكونجرس4، و لعل أقرب مثال على ذلك هو رجوع الرئيس أوباما للكونجرس و طلبه الموافقة على قرار بتوجيه ضربة جوية لمواقع في سوريا تابعة للنظام السوري عام 2013، بعدما

_________________________

(1)أبو بكر فتحي عواد، السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الجمهورية العربية السورية في الفترة ما بين 2001-2008،                (ماجستير)، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية، 2011، ص 24،25.

(2)منى حسين أحمد القلاف، السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه روسيا الاتحادية الفترة من 2000حتى2008،                  (ماجستير)، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية، 2012، ص ص 27-29.

(3) Lutfullah Mangi, role of congress and public opinion in US foreign policy making, Jstor, July 1995, http://www.jstor.org/stable/41393527, 10-04-2016.

(4) Ibid, http://www.jstor.org/stable/41393527

استطاعت الإدارة الأمريكية التأكد من استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية .

و على الرغم من أن الكونجرس ينفرد بسلطاته الخاصة في مجال السياسة الخارجية في أمور مثل التجارة مع الدول الخارجية و إصدار التشريعات و القوانين المرتبطة بالسياسة الخارجية، بالإضافة إلى سلطاته في الموافقة على المخصصات المالية اللازمة لتنفيذ برامج السياسة الخارجية إذ لابد من الحصول على موافقة الكونجرس بمجلسيه (الشيوخ و النواب) على الأموال المخصصة لتمويل برامج السياسة الخارجية كما أن له سلطة إدخل تعديلات على مشروعات تلك المخصصات المالية مثل إضافة بعضها أو تخفيضها مثلاً 5، ذلك إلى جانب دوره الرقابي على السلطة التنفيذية، فإن هناك بعض السلطات المشتركة بين الرئيس الأمريكي و الكونجرس في مجال السياسة الخارجية و من ذلك: المعاهدات الدولية، و تعيين المناصب الدبلوماسية العليا، و سلطات الحرب، فالدستور الأمريكي يمنح الرئيس سلطة التفاوض بشأن المعاهدات الدولية إلا أنه لابد من تصديق الكونجرس عليها و بأغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ، و بناءً على ذلك فإنه يمكنه رفض التصديق على معاهدةٍ ما أو تعديلها، و على ذلك فإن الرئيس قد يلجأ إلى ما يسمى الاتفاقيات التنفيذية و التي لا تتطلب موافقة الكونجرس، و على الرغم من أنها أُنشئت لتستخدم في الأمور البسيطة إلا أنه يتم استخدامها في كثير من الأحيان كبديل عن المعاهدات الدولية حيث إن الفارق بينهما لم يكن واضحاً 6.

أما تعيين الوظائف العليا فيكون ذلك من خلال أن يقوم الرئيس بترشيح الأسماء التي يراها مناسبة لذلك، بينما يرجع الحق في الموافقة أو عدم الموافقة على تعيينهم إلى مجلس الشيوخ، و ذلك وفقاً للمادة الثانية من الدستور الأمريكي، و فيما يخص سلطات الحرب فقد منح الدستور الأمريكي سلطة مطلقة للرئيس في إعلان الحرب على اعتبار كونه يمثل القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلا أن هذه السلطة مقيدة بفعل الكونجرس الذي يستطيع أن يُقيد استخدام القوات المسلحة خارج حدود البلاد، و ذلك وفقاً لقانون سلطات الحرب الصادر عام 1973، فقوفقاً لهذا القانون يمكن للرئيس أن يقوم بإرسال قوات إلى الخارج بشرط أن يقوم بإبلاغ الكونجرس بذلك في غضون 48 ساعة، و بذلك يكون أمامه 60 يوماً لإنهاء الحرب، قد يضاف إليها 30 يوماً إضافياً يقوم فيها بسحب قواته، و عليه أن يقوم بإبلاغ الكونجرس إذا استمر أكثر من تلك المدة، أما إذا حصل على موافقة الكونجرس منذ البداية فإنه يستطيع أن يستمر في الحرب لأكثر من تلك المدة 7.

و بذلك يمكن القول أن عملية صنع السياسة الخارجية هي سلطة مشتركة بين الرئيس و الكونجرس، يلعب

_________________________

(5)Lee H.Hamilton, congress and the presidency in American foreign policy, Jstor, 1988, http://www.Jstor.org/stable/40574495, 10-04-2016.

(6) معالي محمد لطفي، السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي من التسعينات حتى عام 2004،                 (ماجستير)، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية، 2011، ص ص 31-34.

(7) المرجع السابق، ص 33.

كلاهما دوراً مكملاً للأخر، و قد تنطوي العلاقة بينهما على مواطن للتعاون و أخرى للصدام، و يتوقف ذلك على الأغلبية الحزبية المسيطرة على أعضاء الكونجرس، و شخصياتهم، و درجة التوافق بينهم و بين الرئيس، و في حالة الرئيس أوباما خاصةً بعد فوز الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر 2014، فإن الكونجرس أصبح يتمتع بأغلبية جمهورية و هو ما أدى بدوره إلى اختلاف في التوجهات تجاه بعض قضايا السياسة الخارجية كتنظيم داعش و الأزمة السورية على سبيل المثال، فالرئيس أوباما كان عليه الحصول على تفويض جديد من الكونجرس لمواجهة تنظيم داعش، و ذلك على الرغم من اعتماده على التفويض الذي أعطاه الكونجرس لسابقه جورج دبليو بوش في مواجهة تنظيم القاعدة، ذلك إلى جانب انتقادهم للرئيس في تعامله مع الأزمة السورية، و ما قد ينعكس – نتيجة لذلك- على أمن الولايات المتحدة الأمريكية، و بالطبع يستخدم الكونجرس في ذلك ما له من صلاحيات و سلطات خاصة يتمتع بها من خلال استدعاء أعضاء من الإدارة الأمريكية، و إجراء جلسات استماع، من خلال لجنتي العلاقات الخارجية و الدفاع بمجلس الشيوخ 8.

 

_________________________

(8) عمرو عبد العاطي، تداعيات فوز الجمهوريين بانتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، مجلة السياسة الدولية،http://www.siyassa.org/NewsQ/4989.aspx ، 13-4-2016.

 

المبحث الثاني

جماعات المصالح و مراكز الأبحاث كعوامل مؤثرة في صنع القرار الخارجي الأمريكي

تمارس جماعات المصالح و مراكز الأبحاث أو التفكير الاستراتيجي عدة أدوار مهمة في مجال السياسة الخارجية، تستطيع من خلالها التأثير على القرارات الصادرة بشأن قضايا السياسة الخارجية، فجماعات المصالح تسعى إلى تحقيق أهداف معينة و تحقيق مصالح خاصة بأعضائها، و تقدم مراكز التفكير الاستراتيجي أبحاثاً بشأن قضايا السياسة الخارجية تؤثر على سياسات الإدارة الأمريكية.

أولاً: جماعات المصالح:

تعتبر جماعات المصالح منظمات تضم مجموعة من الأفراد يسعون للتأثير على السياسات التي تتخذها الحكومة، و يكون ذلك من خلال تركيزها على عدد معين من القضايا يسعون للتأثير على الحكومة في إطارها من خلال قيامهم بالضغط على عدد من المسئولين بالحكومة، أو من خلال التأثير على أعضاء الكونجرس لاستصدار تشريعات تهدف إلى تحقيق مصالحهم، أو من خلال التأثير على الرأي العام من خلال وسائل الإعلام، و تكون جماعات المصالح مسئولة أمام أعضائها، وهي تضم أفراداً لهم نفس الرؤى و الاتجاهات تجاه قضايا محددة، و يمكن الإشارة إلى عدد من الأنواع لجماعات المصالح تتمثل في جماعات المصالح الاقتصادية و التي يندرج تحتها المزارعين و العمال و رجال الأعمال، و جماعات المصالح غير الاقتصادية و التي يندرج تحتها الجماعات الدينية، و جماعات القضية الواحدة، و العمل السياسي، و جماعات المصالح الحكومية التي ترتبط بحكومات و ولايات المدن في الولايات المتحدة 9.

تتضمن جماعات المصالح الاقتصادية بعض الهيئات الممثلة لمصالح المزارعين مثل اتحاد مكتب الزراعة الأمريكي، و الجمعية الزراعية الوطنية، و المنظمة الوطنية للمزارعين، و غيرها من المنظمات التي تهتم بالأساس بمصالح المزارعين، ذلك إلى جانب بعض الجماعات التي تمثل العمال مثل اتحاد العمال الأمريكيين، و مؤتمر المنظمات الصناعية، و قد أصبحت جماعات المصالح الاقتصادية تتأثر بقضايا التجارة و الاقتصاد العالمي، و تأتي بعد ذلك جماعات المصالح غير الاقتصادية و التي تنقسم فيما بينها إلى جماعات دينية تهتم إلى جانب القضايا الاجتماعية بقضايا السياسة الخارجية كأمن إسرائيل، و الطاقة النووية، و جماعات العمل السياسي التي تهتم بالحملات الانتخابية و تمويل الانتخابات، ذلك إلى جانب جماعات القضية الواحدة و التي تركز بالأساس على قضية واحدة مثل حقوق الإنسان أو الانتشار النووي، أما عن جماعات المصالح الحكومية فتهدف إلى الحصول

_________________________

(9) لاري إلويتز، نظام الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، ترجمة جابر عوض، الطبعة الأولى، (القاهرة:الجمعية المصرية            لنشر الثقافة و المعرفة العالمية)، ص ص 90-93.

على منح مالية أو عقود من أجل التجديد أو التشييد10، و لا يمكن هنا إغفال اللوبي اليهودي بإعتباره جماعة من جماعات الهوية التي تهتم أساساً بأبعاد الهوية الدينية و الأثنية الذي يهدف بالأساس إلى إثارة القضايا المرتبطة بإسرائيل و أمنها و محاولة كسب التعاطف بشأن قضاياهم11.

و تؤثر جماعات المصالح بمختلف أنواعها في صنع السياسة الخارجية بأساليب مباشرة من خلال أولاً التأثير على أعضاء الكونجرس بمحاولة إقناع أعضاء الكونجرس بأن يصوتوا في اتجاه مشروعات قوانين من شأنها حماية مصالحهم و يمكنهم أن يقوموا بتقديم المساعدة لهم في وضع تلك المشروعات، إلى جانب تقديم التبرعات أثناء الحملات الانتخابية للمُرشحين من خلال اللجان المختصة بذلك داخل جماعات المصالح، أما الأساليب غير المباشرة فتكون من خلال الخطابات و البيانات، و الإعلانات في الصحف المختلفة، و البرامج التليفزيونية12.

ثانياً: مراكز التفكير الاستراتيجي:

تلعب مراكز التفكير الاستراتيجي دوراً هاماً في عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية، فمن خلالها يمكن تغيير توجهات الإدارة فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية و الأحداث العالمية، ذلك بالإضاف إلى أنها تساهم في تقريب الفجوة بين الأبحاث الأكاديمية التي تهتم بالنظريات بشكل أكبر و بين السياسات الحكومية التي يتعين عليها اتخاذ قرارات سريعة و فعالة، و هناك خمس وسائل رئيسية تقوم من خلالها مراكز التفكير الاستراتيجي أولاً: مراكز التفكير الاستراتيجي تعتبر مصنعاً للأفكار، ثانياً: تساهم في توفير عدد من الخبراء للعمل في المناصب الرسمية الحكومية، و يستطيعوا أن يتوجهوا مرة أخرى للعمل بتلك المراكز بعد انتهاء مدة عملهم، ثالثاً: تقوم بمهمة تثقيف المواطنين الأمريكيين و إعلامهم بشئون العالم حولهم و التي قد تمس حياتهم اليومية، رابعاً: تتبنى حوارات حول القضايا الجوهرية، خامساً: تقوم بمهمة التوسط في حل النزاعات13.

تمثل مراكز التفكير الاستراتيجي مصنعاً للأفكار باعتبارها تساهم في تكوين مفاهيم و أفكار جديدة، تمكِنها من إحداث تغييرات في توجهات صناع القرار الأمريكي، و إعادة ترتيب أولويات الأمن القومي، و تكون الفترة الملائمة لذلك خلال الانتخابات الرئاسية و التي تتغير معها برامج السياسة الخارجية، فتقوم بتوجيه المشورات للمرشحين، كما توفر مراكز الأبحاث عدداً من الخبراء للعمل في المناصب الرسمية الحكومية، و يعرف ذلك “الباب الدوار”، إذ أن مراكز التفكير الاستراتيجي توفر للمناصب الرسمية العليا عدداً من الخبراء للعمل بها، و بالتالي تسهم

_________________________

(10) المرجع السابق، ص ص 96-102.

(11) أبو بكر فتحي عواد، مرجع سابق، ص 28،29.

(12)رامي عبدالغني عبدالله، الموقف الأمريكي من الإسلام السياسي في الشرق الأوسط بعد أحداث 11سبتمبر، (ماجستير)،           جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية، 2010، ص 15،16.

(13) منذر سليمان، دولة الأمن القومي و صناعة القرار الأمريكي: تفسيرات و مفاهيم، المستقبل العربي، العدد 325، مارس  2006 ، ص 35.

في استبدال عدد ليس بالقليل من الموظفين في السلطة التنفيذية، و يمكن لهؤلاء بعد انتهاء عملهم أن يعودوا مرة أخرى للعمل بمراكز التفكير الاستراتيجي بعد انقضاء مدة عملهم بالمناصب الرسمية، و تمثل سوزان رايس في ولاية الرئيس أوباما مثالاً على ذلك إذ أنها تنتمي كانت لمؤسسة بروكنجز، و تعمل مستشارة للأمن القومي و مندوب الولايات المتحدة الأمريكية بالأمم المتحدة سابقاً، إلى جانب ذلك تساهم مراكز التفكير الاستراتيجي في تثقيف مواطني الولايات المتحدة الأمريكية من خلال إطلاعهم على القضايا و الأحداث العالمية التي أصبحت تؤثر بشكل رئيس على حياتهم اليومية خاصةً بعد انتشار العولمة، إلى جانب ذلك تتبنى مراكز التفكير الاستراتيجي حوارات حول القضايا الجوهرية فيما يعرف بجمع المحترفين إذ تؤمن مجالاً للتوصل إلى تفاهم مشترك، و تكون ما يعرف بجمهور السياسة الخارجية الذي يمثل القاعدة المؤيدة لأي مبادرة بالسياسة الخارجية، و التي تساعد على استمرارها، و أخيراً فإنها تتوسط في حل النزاعات من خلال أن تتدخل طرفاً ثالثاً بين طرفين متنازعين14.

و ترتبط مراكز التفكير الاستراتيجي بالمؤسسات الرسمية كمؤسسة الرئاسة، و الكونجرس، أما عن علاقتها بمؤسسة الرئاسة فتنقسم إلى ثلاث مراحل رئيسية، أولاً: مرحلة الحملات الانتخابية، ثانياً: مرحلة تولي السلطة، ثالثاً: مرحلة خروج الإدارة من السلطة، ففي مرحلة الحملة الانتخابية يكون المرشح الرئاسي في حاجة إلى من يقدك له الدعم الفكري، و لذلك يتجه إلى مراكز التفكير الاستراتيجي و تقدم له المشورة في القضايا التي ترتبط بالسياسة الداخلية و السياسة الخارجية، و يستطيع من ذلك أن يحدد برنامجه الانتخابي، و عادة ما يتجه إلى تلك المراكز المرشحون من قليلي الخبرة بمجال السياسة الخارجية، فتقدم لهم المساعدة و تضفي بعضاً من المصداقية على أفكارهم أمام جمهور الناخبين، و تستطيع مراكز التفكير أن تحصل على منافع من وراء ذلك بأن يصبح لها ثقل لدى الرأي العام، و تزيد فرصة خبراءها في الوصول إلى المناصب الرسمية بعد انتهاء فترة الانتخابات15، فيما بعد تأتي مرحلة تولي السلطة و تلجأ فيها الإدارة الجديدة إلى مراكز التفكير من أجل الحصول على  المشورة في المسائل الموجودة على الساحة، و الخيارات المختلفة للسياسة الخارجية و من ذلك اعتماد الرئيس ريجان على عدد من مركز التفكير الاستراتيجي المحافظة مثل معهد هوفر و مؤسسة هيراتيج، و معهد المشروع الأمريكي، ذلك بالإضافة إلى الخبراء المُقدَمين من تلك المراكز لشغل المناصب الرسمية، أما مرحلة الخروج من السلطة فيكون دور مراكز التفكير الاستراتيجي بتوفير فرصة للمسئولين الذين انقضت فترة عملهم للعودة و العمل بها16.

أما عن علاقة مراكز التفكير بالكونجرس الأمريكي، فإنه يلقى اهتماماً كبيراً من جانب مراكز التفكير نظراً

لما يتمتع به أعضاء الكونجرس من مسئولية عن عدد من الأمور الهامة كالتشريع، و اعتماد المخصصات المالية اللازمة لتمويل برامج السياسة الخارجية، إلى جانب التصديق على تعيينات السلطة التنفيذية، و التصديق على المعاهدات الدولية، و تؤثر مراكز التفكير الاستراتيجي على الكونجرس من خلال إقامة مكاتب داخل الكونجرس، و

_________________________

(14)إنجي مهدي، دور مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة، مجلة السياسة الدولية، العدد 199، يناير 2015، ص 39،38.

(15) مروة محمد عبد العزيز مصطفى، مرجع سابق، ص 87.

(16) نسمة شريف محمود شرارة، مرجع سابق، ص 168.

ترتيب اجتماعات بين أعضاء الكونجرس و بعض من خبراء المركز، إلى جانب لجان الاستماع التي تعقد داخل الكونجرس و يشترك بها خبراء تلك المراكز، و التأثير على قضايا معينة من خلال تقديم أوراق سياسية حولها17.

_________________________

(17) المرجع السابق، ص 164.

المبحث الثالث

النظام العقائدي للرئيس أوباما

يمثل النظام العقائدي للرئيس أهم معتقداته و تصوراته حول النظام العالمي، و أهم التهديدات التي تواجه دولته، و ماهي الاستراتيجية المثلى للتعامل معها، و تلك هي الأمور التي تساهم في فهم القرارت و السياسات التي يتخذها، و فيما يخص الرئيس أوباما فإن تصوراته حول النظام العالمي ترتكز على رؤيته للدول الأسيوية، و دول الشرق الأوسط.

أولاً: رؤية الرئيس أوباما للنظام العالمي:

في بداية ولايته الأولى وضع أوباما الأسس التي ترتكز عليها علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بدول الشرق الأوسط، ففي خطاب له 4 يونيو 2009 بجامعة القاهرة 18-موجهاً إلى دول الشرق الأوسط و العالم الإسلامي- أوضح عدداً من الأمور التي تعني بها الولايات المتحدة بالمنطقة، إضافةً إلى محاولته تحسين الصورة الأمريكية أمام العالم الإسلامي بعد ما يقارب العقد من تدهور تلك الصورة نتيجة لممارسات سابقه جورج دبليو بوش تجاه المنطقة، و السياسات المترتبة على استراتيجية مكافحة الإرهاب التي اتبعها، وبناءً على ذلك ارتكز حديث أوباما بجامعة القاهرة على عدد من القضايا التي تمثل أولوية لاهتمامات الولابات المتحدة بالمنطقة و كان أولها التطرف الديني، و قضية السلام الفلسطيني الإسرائيلي، و التسلح النووي، ثم الديمقراطية، و حرية الأديان، و حقوق المرأة، و التنمية الاقتصادية.

يرى أوباما أن محاربة التطرف لابد و أن تتم من داخل موطنه، فالمسلمين عليهم أولاً أن يرفضوا التطرف، و أن يقدموا سُبل التعاون المتاحة للولايات المتحدة للقضاء على تلك الجماعات المتطرفة، حيث إن وجود مثل تلك الجماعات لا يلحق الضرر فقط بالدول الغربية، و إنما وجودها يؤذي الدول العربية و الإسلامية أيضاً، و على ذلك فإن مواجتها لا يجب أن تقتصر على العمليات العسكرية فقط، و إنما لابد من وجود مجال للديمقراطية يمكن فيه تحقيق التفاهم المشترك، و مناخ من التنمية الاقتصادية، و لذلك سوف تحارب الولايات المتحدة التطرف و لكل بالتعاون مع الدول و المجتمعات الإسلامية.

أما عن القضية الفلسطينية فيرى أوباما أن كلاً من الطرفين قد لاقى الكثير من المعاناة في الماضي فالفلسطينيون قد عانوا لأكثر من 60 عاماً من التهجير من أراضيعم و العيش في مخيمات للاجئين بالضفة الغربية و غزة و قد عانوا من الإذلال الذي لحق بهم منذ أن بدأ احتلال أراضيهم و لذلك لن تتنازل الولايات المتحدة عن حقهم في أن يكون لهم دولة، و على الجانب الأخر ذكر ما تعرض له اليهود في الماضي من اضطهاد دام لقرون و

_________________________

(18) الخطاب متاح على الموقع التالي:

http://www.americanrhetoric.com/barackobamaspeeches.htm

خاصة في جمهورية الرايخ الثالث بألمانيا، و قد أكد على رفضه لاستمرار حكومة بنيامين نتنياهو في بناء المستوطنات، و استنكر ما يقوم به الفلسطينيون من أعمالاً إرهابية –وفقاً له- و بالتالي لا سبيل أمامهما سوى التفاوض من أجل التوصل إلى عملية سلام شامل بين الطرفين الفلسطيني و الإسرائيلي، تضمن التعايش بينهما.

أما فيما يتعلق بالدول المتبنية للتسلح النووي و حقوقها وواجباتها، فإن ذلك يرتبط بالأساس بعلاقة الولايات المتحدة الأمريكية مع إيران، و قد ربطتهما علاقات متوترة منذ الثورة الإسلامية، بسبب كون الإيران دولة راعية للإرهاب بالإضافة إلى احتجازها للرهائن الامريكيين، و فيما يتعلق ببرنامجها النووي فيرى أنه لا يحق لدولة أن تمنع دولة أخرى أو تفرض عليها أن لا تمتلك قوة نووية، إلا أنه في الوقت نفسه يرى أن تلك القوة يجب أن تُستغل فقط في الأغراض السلمية، و ذلك لأن وجود دولة تمتلك سلاحاً نووياً بالمنطقة سيكون من شأنه أن يؤدي إلى محاولة دول أخرى بالمنطقة امتلاك أسلحة نووية، و قد يتطور الأمر ليصبح سباقاً للتسلح النووي بالمنطقة، و هو ما يجب تفاديه.

و فيما يتعلق بالديمقراطية و التنمية الاقتصادية، فيؤكد الرئيس أوباما على ضرورة أن يتم تحقيق التكامل الاقتصادي بين دول الشرق الأوسط، و أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تدعم التنمية الاقتصادية من خلال الاستثمارات التي تقوم بها بالمنطقة، و يؤكد الرئيس أوباما أن الولايات المتحدة تدعم القيم المرتبطة بالديمقراطية من حرية الرأي و التعبير، و حرية اختيار ممثلين عن الشعب، و حرية الأديان، إذ يجب على دول الشرق الأوسط ان تضمن حماية الأقليات الدينية و أن توفر لهم مناخاً أمناً لممارسة شعائرهم الدينية بحريةٍ كاملةٍ، و يؤكد –إضافةً لذلك- على ضرورة احترام حقوق المرأة، و ضرورة ألا تفرض عليها القيود التى تحد من حريتها، فالأمم المتقدمة تمنح الفرص المتساوية لأفرادها رجالاً و نساءً على حدٍ سواء دون تمييز لأحدهم.

و أعقاب الثورات التي شهدتها دول المنطقة منذ أواخر عام 2010 و أول عام 2011 بدءاً بتونس و مصر ثم ليبيا و سوريا، ألقى أوباما خطاباً 19 مايو 2011 بوزارة الخارجية الأمريكية، أعلن أوباما أن الولايات المتحدة تدعم انتفاضات شعوب المنطقة و أثنى على سلميتها، بالإضافة على تأكيده مرة أخرى –كما في خطاب جامعة القاهرة- على أن الولايات المتحدة تدعم التحول الديمقراطي بالمنطقة، و الحقوق المختلفة المرتبطة بالديمقراطية، و أهمها احترام حقوق الإنسان، و حرية الرأي و التعبير، و قد عاد ليؤكد على ما يمثل أولوية في رؤية الولايات المتحدة لمنطقة الشرق الأوسط و هي القضايا المرتبطة بمكافحة التطرف و الإرهاب، و منع الانتشار النووي بالمنطقة، بالإضافة إلى الإشارة للقضية الفلسطينية مرة أخرى، و تأكيده على ضرورة ضمان أمن إسرائيل و التوصل إلى سلام عربي إسرائيلي، بالإضافة إلى بحث كيفية تحقيق تعاون اقتصادي مع دول الربيع العربي و خاصة مصر و تونس.

و نلاحظ هنا أن الرئيس أوباما في ولايته الأولى قد أبدى اهتماماً ليس بالقليل بمنطقة الشرق الأوسط، إلا أن ذلك قد تغير إلى حدٍ ما في ولايته الثانية إذ أنه في حواره بمجلة “ذي أتلانتك” الصادر في أبريل 2016 يتراجع أوباما عن اهتمامه بالمنطقة نظراً لما وصلت إليه الأوضاع في الثلاث سنوات الماضية، و انحراف الدول عن تحقيق أهداف ثورات الربيع العربي، فقد أوضح في الحوار أنه كان يهدف من وراء الخطاب الذي ألقاه بجامعة القاهرة أن يلفت نظر الدول الإسلامية إلى المشاكل التي يعانون منها بالفعل –و هي ليست إسرائيل بالأساس وفقاً له- فدول المنطقة تعاني من مشكلات في الحكم، و أن التيارات الإسلامية مازالت تعاني من أزمة إصلاح لتتكيف مع الحداثة، و لكن لم يؤدِ ذلك إلى نتائج إيجابية، و حتى بعد انتفاض الشعوب العربية عام 2011، إلا أنه –وفقاً للحوار- شعر بخيبة أمل و أدرك أن جهود الولايات المتحدة في تقليل الفجوة بين دول الشرق الأوسط و الولايات المتحدة لا تُفضي إلى شئ، و ها هي دول المنطقة تعاني أغلبها من وجود التطرف و انتشار الإرهاب، تعاني بعضها من الحروب الأهلية كسوريا و ليبيا –ووفقاً للرئيس أوباما أصبحت ليبيا فوضى عارمة لم ينجح التدخل الأمريكي في تحقيق استقرارها نظراً للانقسامات القبلية التي تعاني منها و الاقتتال الداخلي الدائر بها، و يفسر ذلك تزايد اهتمام الولايات المتحدة بالدول الأسيوية، إضافة إلى أن بعض تلك الدول في مرحلة قد قاربت على الوصول إلى أن تصبح قوة استراتيجية تمثل تهديداً للولايات المتحدة و خاصة الصين19.

يعني ذلك أن الولايات المتحدة تتجه إلى التركيز على دول القارة الأسيوية في علاقاتها الاقتصادية و الاستراتيجية، و يبدو أن الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في القارة الأسيوية برتكز على أبعاد ثلاثة: دبلوماسية، و اقتصادية، و عسكرية، يتمثل البعد الدبلوماسي في زيارات كبار الرسميين كالرئيس ووزراء الخارجية و الدفاع، و تدعيم العلاقات مع اليابان و كوريا الجنوبية، أما عن البعد الاقتصادي فإنه يشتمل على السعي لإنشاء منطقة للتجارة الحرة، أما عسكرياً فإن الولايات المتحدة تعمل على تزايد تواجدها العسكري في المنطقة، و تركيز أسطولها البحري على المحيط الهادئ، و يرجع السبب في ذلك إلى محاولة الولايات المتحدة ردع الصين بالإضافة إلى أنه يتوقع أن تستحوذ القارة الأسيوية على 50% من النمو الاقتصادي الدولي، فتخشى الولايات المتحدة أن تصبح دول القارة قوة اقتصادية عملاقة دون أن تشارك الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك20.

ثانياً: أهم التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية:

يرى أوباما – وفقاً لحواره مع مجلة “ذي أتلانتك”- أن أهم التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة هي مشكلة الإرهاب، بالإضافة إلى مشكلة التغير المناخي الذي سوف يتسبب في إحداث مشكلات كبيرة كالجفاف و المجاعات، و تفاقم الفقر و انتشار الأمراض، أما عن الدول التي تمثل تهديداً فتتمثل أولاً في الصين التي –وفقاً له- علاقتها تعتبر حرجة مع الولايات المتحدة فهي امامها خيارين الأول أن تلتزم بالصعود السلمي و الاندماج في النظام العالمي و تحمل مسئوليات الحفاظ عليه، و الثاني أن تخفق في ذلك و تضطر إلى اللجوء إلى الدولة القومية كمبدأ

_________________________

(19) Jefferey Goldberg, President obama’s interview with Jefferey Goldberg on Syria and foreign policy, the atlantic, april 2016, http://www.theatlantic.com/magazine/archive/2016/04/the-obama-doctrine/471525/, 30-04-2016.

(20)محمود محمد، أمريكا و التوجه الاستراتيجي شرقاً..الفرص و التحديات، مركز الجزيرة للدراسات، 25-2-2013، http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2013/02/2013224115219205491.html         , 12-4-2015.

تنظيمي، و ثانياً تمثل روسيا تهديداً للولايات المتحدة من حيث أنها دولة ضعيفة فهي تعاني من مشكلات ديمغرافية و اقتصادية تتطلب التغلب عليها، و يرى أن روسيا بدلاً من أن تنظر إلى تلك المشكلات فإنها تتجه إلى استعمال قوتها العسكرية لإظهار عظمتها، مثلما ف الأزمة السورية و الأزمة الأوكرانية.

ثالثاً: مبدأ أوباما و استراتيجيته:

و بناءً على ما سبق يمكن التوصل إلى ما يعرف ب”مبدأ أوباما”، و يتعلق أولاً بالقوة الأمريكية فالرئيس أوباما يرى ان الولايات المتحدة تتمتع اليوم بقوة كبيرة، و أن لديها درجة أمان تجعل من الصعب تعرضها إلى مخاطر من دول كإيران أو كوريا الشمالية إذ تبلغ ميزانية الدفاع الأمريكية600 مليار دولار، و على الرغم من ذلك يؤمن الرئيس أوباما بأن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تلعب دوراً قيادياً في النظام العالمي بدون وضع حدود على هذا الدور، و يرجع ذلك إلى أن الولايات المتحدة لا يمكنها التدخل في كل الأزمات و القضايا الدولية، و أيضاً الاعتماد على الدبلوماسية كخيار أول، و أن تكون القوة العسكرية هي الخيار الأخير لها في التدخل الخارجي، كما يؤمن بأن “الدمج يؤدي إلى الاعتدال” و تُطبق هذه الفكرة سواءً على التيارات أو الدول المتشددة و هو ما اتبعه مع إيران و كوبا كدول21.

 

_________________________

(21) محمد كمال، مرجع سابق، ص 70،71.

 

الفصل الثاني:

الدور الأمريكي في الأزمة الليبية

المبحث الأول: الخطاب السياسي الأمريكي تجاه الثورة الليبية.

المبحث الثاني: السياسة الخارجية الأمريكية الفعلية تجاه الثورة الليبية.

 

مقدمة:

بدأت الثورة الليبية في 17 فبراير 2011 كغيرها من الثورات في البلدان المجاورة لها و خاصة مصر و تونس، و في إطار مُتابعتها للتطورات الحادثة بالمنطقة اهتمت الولايات المُتحدة بالثورة الليبية منذ لحظاتها الأولى، و على الرغم من أنها كانت قد بدأت كثورة سلمية إلا أنه فيما بعد و كنتيجة لقمع كتائب النظام لها تحول الأمر إلى مواجهات بين قوات للمعارضة و كتائب النظام، و قد دفع ذلك الولايات المُتحدة الأمريكية إلى التحرُك من خلال الأمم المُتحدة، فتم إصدار قرار بحظر جوي، و حظر على توريد الأسلحة لأطراف النزاع في ليبيا سواء التابعة للنظام أو التابعة للمعارضة، و قد تَبِع ذلك تدخل حلف الناتو بليبيا لتطبيق هذا القرار، و أدى ذلك بعد عدة أشهر إلى سقوط القذافي.

إلا أن ليبيا لم تنعُم بالاستقرار الذي كان من المُفترض أن يتحقق بسقوط القذافي، حيث أدى الانقسام الشديد و الخلافات السياسية بين النخب الثورية إلى الاقتتال بين تلك الأطراف، و ذلك مع صعوبة التوصل إلى اتفاق حول حكومة موحدة تُرضي جميع الأطراف على الرغم من الحوارات السياسية التي تتم برعاية الأمم المُتحدة، و قد ازداد الأمر سوءاً بظهور تنظيم داعش بليبيا، و انتشاره بشكل سريع على الأراضي الليبية، و بالتالي لم ينتهِ الاهتمام الأمريكي بليبيا حتى بعد سقوط القذافي، خاصة و أنها باتت تُشكِل تهديداً أولاً على الدول المجاورة خاصة مصر و سوريا، التي كانت تمر بمرحلة التحول الديمقراطي في ذلك الوقت، و من ناحية أخرى تُمثل تهديداً بسبب موقعها الجغرافي الذي يجعلها قريبة من أوروبا، ما قد يؤدي إلى سهولة تدفُق إرهابيين إلى أوروبا و تزايد العمليات الإرهابية بها، و لذلك كان لابد للولايات المتحدة الأمريكية أن تستمر في مُراقبة تطورات الأوضاع في ليبيا.

 

المبحث الأول:

الخطاب السياسي الأمريكي تجاه الثورة الليبية

بالتزامن مع الثورة الليبية ضد نظام القذافي 17 فبراير 2011، أصدر الرئيس أوباما عدداً من الخطابات كرد فعل على الأحداث المتلاحقة كان للإدارة الأمريكية عدة خطابات في هذا الشأن، ففي 23 فبراير 2011 أعلن الرئيس أوباما أن الإدارة الأمريكية تقف بجوار الثوار الليبيين، كما أنها ترفض ما يُمارس من عنف ضدهم من قبل النظام الحاكم، بالإضافة إلى ذلك أكد أن أولويته –في بداية الثورة الليبية- هو حماية المواطنين الأمريكيين بليبيا في المقام الأول، ثم تأتي بعد ذلك حماية المبادئ و القيم التي تتبناها الولايات المتحدة، و قد اتجه أوباما إلى إدانة استخدام العنف بشكل كامل في ليبيا، حيث إن ذلك –وفقاً له- يمثل انتهاكاً واضحاً للتقاليد الدولية و الأحكام العامة للقانون الدولي، و بالتالي فقد أعلن استمرار الولايات المتحدة الأمريكية في دعم ما يعرف بالحقوق العالمية للشعب الليبي و التي تتمثل في الحق في الحصول على برلمان منتخب، وحرية التعبير، و أن يكون في استطاعة الشعب الليبي تقرير مصيره، تلك حقوقاً إنسانية لا يمكن التفريط فيها أو التهاون بشأنها.

و لذلك وجه الرئيس أوباما في خطابه دعوة إلى كافة الدول و الأمم لأن تجتمع على قلب رجلٍ واحدٍ، و أن تعلن مسئولية الجناة عما ارتكبوه من جرائم، و الوقوف بجانب الشعب الليبي و هو ما قد حدث إذ أدانت الأمم المتحدة العنف في ليبيا، و قد صدر عن الاتحاد الأوروبي و الجامعة العربية، و الاتحاد الأفريفي، و منظمة المؤتمر الإسلامي، بالإضافة إلى دول بمفردها، إدانة كاملة للقمع الذي يواجهه الشعب الليبي، و في هذا الإطار كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد طرح في خطابه هذا استعداد دولته للرد على هذا القمع الذي يُوجه من نظام القذافي من خلال عمل جماعي مشترك تقوده الولايات المتحدة، و يؤكد أوباما أن رياح التغيير التي تنتشر في الدول العربية ليست بفعل الولايات المتحدة الأمريكية، أو أي قوة خارجية، و إنما هي صادرة عن الأفراد أنفسهم.

إلى جانب ذلك كان أوباما قد ألقى خطاباً –استكمالاً لمتابعة الولايات المتحدة للتطورات التي تشهدها الثورة الليبية- في 18 مارس 2011، و كان هذا الخطاب موجهاً بشكل رئيس إلى أفراد الولايات المتحدة الأمريكية كوسيلة لإطلاعهم على مُستجدات الأمور في ليبيا، و قد حُمِل فيه القذافي و نظامه المسئولية كاملةً عما وصلت إليه الأوضاع في ليبيا فقد اختار تجاهُل مطالب المتظاهرين، و شن حملة عسكرية ضدهم، ذلك إلى جانب استمراره لعقودٍ طويلةٍ يعلن عن نيته لاستخدام القوة و رعايته للإرهاب ضد الشعب الأمريكي، من ناحية أخرى قام بعرض بعض الأمور التي استطاعت الولايات المتحدة تنفيذها بإرسال مساعدات إنسانية على الحدود الليبية، و مساعدة الكثير ممن شُردوا و اضطروا للفرار من أرضهم، و لذلك تم توجيه تحذير للقذافي ليكُف عن استخدام العنف و قتل المعارضين و إلا سوف يؤدي ذلك إلى إيقافه بالقوة، و محاسبته عما وصلت إليه الأوضاع في ليبيا، و يأتي دور الولايات المتحدة هنا –وفقاً له- كرادع للقذافي حتى لا يرتكب المزيد من القتل ضد المعارضين، و هو ما قد يُرتب بدوره أزمات إنسانية قد تمثل تهديداً على حلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة، و بالتالي تصبح القيم و المبادئ التي تتبناها الولايات المتحدة في خطر، و يتعرض القانون الدولي للانتهاك الصريح،  و لذلك كان لابد من تدخل الولايات المتحدة لحماية المدنيين أولاً ثم محاسبة النظام الليبي على جرائمه، و في هذا الإطار كان قد أعلن الرئيس أوباما عن القرار الذي استُصدِر من جانب الأمم المتحدة، ووافقت عليه الجامعة العربية بأن يتم استعمال قدر من القوة بشكل صريح لإيقاف القتل و تسهيل تطبيق حظر الطيران بالمنطقة، و حظر الأسلحة ضد نظام القذافي، و بناءً على ذلك فقد تم توجيه تحذير للقذافي بضرورة أن يقوم بوقف القتال، و إذا لم يلتزم بذلك فإن ذلك القرار سوف يُنفذ في الحال، و يجدر الإشارة أن الولايات المتحدة لا تقوم بذلك بمفردها و إنما تتحرك في إطار تحالف دولي تقوده، و يؤكد أوباما على أن الولايات المتحدة الأمريكية لن ترسل قوات برية إلى الأراضي الليبية.

و في خطاب ثالث تزامن مع العملية العسكرية لحلف الناتو في ليبيا 19 مارس 2011، أعلن الرئيس أوباما أنه قد قام بأمر القوات الأمريكية بالبدء في عملية عسكرية محدودة بليبيا، و ذلك بالتعاون مع المجتمع الدولي، و الذي استطاع مجتمعاً أن يصدر قرار 1973، و الذي أوصى بضرورة حماية أفراد الشعب الليبي، و قد لاقى إصدار هذا القرار من الأمم المتحدة موافقةً و تأييد من الولايات المتحدة، و الدول الأوروبية، و الدول العربية، و كان المجتمع الدولي قد أعطى للقذافي الفرصة للتوقف عن القتال و الشروع في الهدنة، و هو ما إن كان فعله كان سوف يتجنب التدخل العسكري ضده، إلا أنه رفض تلك الهدنة و استمر في انتهاك حقوق شعبه، و يؤكد أوباما أن أن خيار التدخل في ليبيا لم يكن سهلاً، و لكن لم يكن على الولايات المتحدة و حلفائها الوقوف مكتوفي الأيدي و هناك حقوقاً تُهدر في مكانٍ ما، و لذلك تحالفت الولايات المتحدة لتطبيق قوانين و قواعد النظام الدولي، و أكد أوباما مرة أخرى على أن الولايات المتحدة لن تتدخل برياً في ليبيا.

و في خطاب له 28 مارس 2011، تحدث أوباما عن أن استعمال القوة و العمل العسكري له الكثير من المخاطر و التداعيات، و يدرك ذلك الرئيس أوباما فهو لايريد تكرار ما حدث سابقاً في العراق، إلا أنه في الحالة الليبيةرأى تهديداً للقيم و المصالح الأمريكية، و كان لابد أن تتحمل الولايات المتحدة مسئولية حماية تلك القيم و المعتقدات، و كان – كما ذكر الرئيس أوباما من قبل- من أولوية الولايات المتحدة أن تحمى رعاياها الموجودين بليبيا و إخلاء السفارة الأمريكية ببنغازي، ثم بدأت في اتخاذ إجراءات أخرى في مواجهة قمع القذافي لمعارضيه بدايةً بتجميد أموال و أصول تابعة له و لأتباعه، ثم الدخول في تحالف و توسيع العقوبات عليه، بالإضافة إلى السعى لمحاسبته، لأنه فقد الثقة من أفراد شعبه، و بالتالي فقد شرعيته وعليه أن يترك الحكم، و بناءً على ذلك فقد اشتركت المعارضة الليبية، و الدول الأوروبية بالإضافة إلى الدول العربية الأخرى و الولايات المتحدة في تنفيذ قرار ينص على الحظر الجوي، لإيقاف هجمات النظام الجوية، بالإضافة إلى إجراءات أخرى لحماية المدنيين من حدوث مجزرة محتملة، عن طريق حلف الناتو و التي تمثلت في حظر الأسلحة و الحظر الجوي في المنطقة، للضغط على نظام القذافي و قواته، و في هذا الإطار يجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية لم ترسل قوات برية إلى الأراضي الليبية إلا أنها استمرت في تقديم الدعم الاستخباراتي و اللوجستي، بالإضافة إلى جهود البحث و المساعدة، و تحجيم اتصالات النظام، و يرى أوباما أن ليبيا بعد سقوط القذافي سوف تحتاج إلى وقت طويل للتوصل إلى حكومة شرعية متوافقة مع مطالب الأفراد، خاصة بعد فترة حكم دامت مدة 40 عاماً قامت بالأساس على الاستبداد و انهيار المؤسسات، و لكن لماذا تدخلت أمريكا من الأساس في الأزمة الليبية؟ وفقاً للرئيس أوباما فإن ليبيا كانت تواجه خطر انتشار العنف على مستوىً واسع و مخيف، و الولايات المتحدة تمتلك قدرة فريدة على وقف العنف من خلال من خلال التحالفات الواسعة التي تقيمها مع حلفائها، بالإضافة إلى تأييد أفراد الشعب الليبي لهذا التحالف أنفسهم، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة لم تكن لتقف مكتوفة الأيدي أمام تلك الانتهاكات للقانون الدولي و لحقوق الإنسان في ليبيا، و قد أدى تدخلها إلى منع حدوث مجزرة كبيرة في بنغازي، القدرة على السيطرة على الأوضاع قبل أن تتطور و يصبح هناك لاجئين بالألاف و هو ما يمثل عبئاً على الدول المجاورة و التي هي بطبيعة الحال حلفاء للولايات المتحدة الأمريكية، ووفقاً له أن استخدام قوة عسكرية برية سوف تؤدي إلى انهيار التحالف، و تحول ليبيا إلى عراقٍ جديد، و لذلك كان الخيار الأفضل هو العمل الجماعي في إطار تحالف دولي، و لا يعني ذلك أن التغيير الذي تشهده المنطقة يفعل الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى، و إنما هو بفعل الأفراد الذين يطالبون بحقوقهم و تدعمها الولايات المتحدة.

أما عن خطابه أمام الأمم المتحدة 20 سبتمبر 2011، بعد سقوط القذافي، و فيه يشيد أوباما بالجهود الدولية التي بُذلت في سبيل تحقيق هذا الهدف، و يؤكد على أن مثلما شارك المجتمع الدولي الشعب الليبي في التخلص من نظام القذافي، فإنه لن يتأخر في تقديم الدعم لهم للوصول إلى حكم ديقراطي يقوم على الحرية و السلام، و تتضمن مهمة الولايات المتحدة عدد من الركائز هي الأمن، و الجهد الإنساني، و التحول الديمقراطي العادل، و فيما يتعلق بالأمن يرى أوباما أن حلف الناتو سوف يستمر في الدفاع عن أفراد الشعب الليبي، بالإضافة إلى المحاولة للسيطرة على الأسلحة الثقيلة، لأنه بدون تحقيق الأمن فإن الديمقراطية لن تتحقق، ولن يتحقق نمو التجارة و الاستثمار، و يستمر الجهد الإنساني بتزويد الأماكن  منعدمة المرافق، بالمياة و الكهرباء و الغذاء، و مساعدة الضحايا على النهوض، و تسهيل إعادة عودتهم إلى عائلاتهم و أراضيهم، أما عن التحول الديمقراطي فيكون من خلال وضع خطة وقتية بقوانين جديدة، و دستور، و أحزاب سياسية، و مجتمع مدني قوي، و انتخابات حرة و نزيهة، و أعقب ذلك خطاباً في 21 أكتوبر 2011، تزامن مع مقتل القذافي، تحدث فيه أوباما عن انتهاء واحداً من أكثر حكام العالم طغياناً، بعد أن كانت الثورة على نظامه تعد شيئاً مستحيلاً، نتيجة لاعتقال المدنيين، و قتلهم، و سرقة ثروات البلاد، و رعاية الإرهاب و الدعاية له.

 

المبحث الثاني:

السياسة الخارجية الفعلية تجاه الثورة الليبية

في أثناء سلسلة من الثورات امتدت لتشمل الدول العربية، قامت الثورة الليبية في 17 فبراير 2011 على عدة أهداف تتمثل في: بناء دولة موحدة و مدنية، وضع دستور مُستمِد شرعيته من الثورة، و بناء المؤسسات الوطنية بما يضمن التعددية و تداول السلطة سلمياً، و حماية الأرواح و الممتلكات الموجودة بالدولة، و كغيرها من الثورات التي شهدتها المنطقة قُوبلت بالقمع22، و كانت الولايات المتحدة الأمريكية تُتابع الموجة الثورية التي تمر بالمنطقة، و نتيجة لارتفاع حدة الصدامات بين كتائب النظام و المعارضين، اتخذت الولايات المتحدة عدداً من الإجراءات للضغط على نظام القذافي، تمثل أولها في إصدار قرار بتجميد الأصول المالية للقذافي و من يعاونه، ثم تبِعَ ذلك سعي الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق الأمم المتحدة إلى إصدار قرار من شأنه حماية المدنيين في ليبيا، و قد حدث أن تم إصدار القرار 1973 الذي كان من شأنه فرض حظر جوي على ليبيا لمنع قصف المدنيين بالطيران، بالإضافة إلى حظر بيع الأسلحة و كان من المُفترض أن يشمل الحظر بيعها للمعارضة، و لكتائب النظام، و بطبيعة الحال كان لابد من قوة لتطبيق ذلك القرار، و تمثلت تلك القوة في حلف الشمال الأطلسي “الناتو”، الذي تدخل لتنفيذ ضربات جوية محدودة على مواقع و مدرعات تابعة لنظام القذافي، و يُجدر الإشارة هنا إلى أن هذا القرار كان مقصوداً منه حماية المدنيين فقط، و ليس التدخل من أجل الإطاحة برأس النظام23.

و كان الهدف المُعلن لذلك القرار المُستتبَع بعملية عسكرية محدودة أخلاقياً بالأساس تمثل في رغبة الولايات المتحدة و حلفائها في حماية الأفراد المدنيين من مجزرة كانت على وشك الوقوع في بنغازي، و هو ما يتعارض و قيم الولايات المتحدة الأمريكية، و يُحمِلها مسئولية التدخل باعتبارها الدولة الكبرى بالعالم و عليها أن تقوم بحماية قيم الحرية و الديمقراطية حينما ترى انتهاكها في منطقةٍ ما، بالإضافة إلى رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في حماية مصالح حلفائها في المنطقة و خاصةً الدول التي تقع بجوار ليبيا و هي مصر و تونس بالأساس باعتبارهما –في ذلك الوقت- كانتا في مرحلة التحول الديمقراطي، و وقوع مأساة إنسانية في ليبيا من شأنه أن يدفع بعدد كبير من اللاجئين للدولتين و يؤثر على العملية الديمقراطية بهما24، و كما سبق الذكر، لم يكن القرار 1973 متضمناً تغيير

_______________________

(22)ثورة17فبراير..الشعب يسقط الجماهيرية، الجزيرة.نت، http://www.aljazeera.net/encyclopedia/events/2016/2/23          ، 20-4-2016.

(23)حسين خلف موسى، الثورة الليبية و سيناريوهات المستقبل، المركز الديمقراطي العربي، https://democraticac.de/?p=536         ، 20-4-2016.

(24)Shibley Telhami,Libya action in US national interest, Brookings institution,28-3-2011,http://www.brookings.edu/research/2011/03/28-libya-telhami, 21-4-2016.

النظام بليبيا، إلا أنه يبدو أنه كان الهدف الرئيس لتلك العملية العسكرية فقد تمكنت ضربات أمريكية فرنسية من إلحاق الضرر بقافلة تابعة للنظام كانت تقِل أفراد تابعين للنظام بما فيهم القذافي و تم بعد ذلك التخلص منه بفعل قوات المعارضة، و على الرغم من تضمُن القرار وقف تدفُق الأسلحة للطرفين قوات المعارضة، و كتائب النظام إلا أنه قد وُجدَت أسلحة مُتقدمة تتدفق إلى المعارضة، بل إنه يمكن القول أن حلف الناتو كان  على معرفة بذلك الأمر و لم يُحرِك ساكناً، و ربما يكون ذلك هو ما قد أدى إلى تفاقم الوضع الحالي بليبيا25.

و يتعين علينا التساؤل هنا عن الأثار المترتبة على تدخل حلف الشمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها؟ و هل ساهم في مساعدة ليبيا في تحقيق أهداف ثورتها؟

بالنظر إلى الوضع الليبي بعد سقوط معمر القذافي، فإنه لم يصبح أفضل كثير مما كان عليه قبل الثورة، بل يمكن القول أن الأوضاع ازدادت سوءاً، فأصبح هناك حالة من الانقسام بين الأطراف المختلفة، و كل طرف يرى أنه الأجدر بالشرعية عن غيره، و انتشرت الأسلحة بشكل كبير ما أدى إلى حدوث اقتتال داخلي في ظل غياب مؤسسة حقيقية، تتمكن من جمع تللك الأسلحة و فرض النظام على المناطق المتفرقة بالبلد26، ذلك بالإضافة إلى تعدد الأطراف المتنازعة بين جماعات سياسية تحوي مجلس النواب المنتخب 2014 و الحكومة المؤقتة التي عينها، و المؤتمر الوطني العام الذي يرى أنه الشرعية الوحيدة، و الذي يدعم الجماعات الإسلامية، ذلك بالإضافة إلى الوحدات المسلحة التي تتمثل في اللواء حفتر و تسمى قواته بالجيش الوطني الليبي، بالإضافة إلى ألوية الزنتان و الصواعق التي تدعم السلطات المعترف بها دولياً، بالإضافة إلى ميليشيات فجر ليبيا التي يدعمها المؤتمر الوطني العام، بالإضافة إلى مجموعة أنصار الشريعة المُصنفة من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية كجماعة إرهابية، و غيرها من الجماعات المُسلحة27.

و قد مرت الأزمة الليبية بمراحل متعددة من الحوار بين الأطراف المتنازعة، و قد تم ذلك برعاية الأمم المتحدة، بداية بحوار غدامس 1 في سبتمبر 2014 و الذي جمع الأطراف المُعترف بها دولياً فقط، و قد تم عن طريق مبعوث الأمم المتحدة برناندينو ليون، و لم يُسفر عن أية نتائج لحل الأزمة إلا أنه تم فيه التمهيد لحوار جنيف في يناير 2015، و الذي دعت فيه الأمم المتحدة إلى مشاركة قيادات مدنية و اجتماعية للتوصل لاتفاق بشأن الأوضاع في ليبيا، إلا أن المؤتمر الوطني كان قد تخلَف عن الحضور لرفضه أن يُقام الحوار خارج ليبيا، ثم بدأت

_________________________

(25)Micah Zenko,the big lie about the Libyan war ,Foreignpolicy,22-3-2016           ,http://foreignpolicy.com/2016/03/22/Libya-and-the-myth-of-humanitarian-intervention,21-4-2016.

(26)زياد عقل، جذور الأزمة الليبية و أفاق التسوية السياسية، مركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتييجية، 17-5-                2015، http://acpss.ahram.org.eg/News.aspx?serial=227، 21-4-2016.

(27)من هم أطراف الأزمة الليبية؟، البي بي سي، 9-7-2015،         http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/07/150709-libya-key-players، 22-4-2016.

جلسة حوار أخرى هي غدامس 2 في فبراير 2015، و التي لم تُفضي إلى شئ سوى تعقيد الأمور أكثر مما هي عليه، فقد ازدادت المواجهات العسكرية و الصدامات مما أدى إلى فرض كل طرف شروطاً من غير الممكن الموافقة عليها بالنسبة للطرف الأخر، و يأتي بعد ذلك حوار الرباط بالمغرب في مارس 2015، و في ذلك الوقت كان تنظيم الدولة قد ظهر في لبييا، و على الرغم من أنه كان من المُتوقع أن يؤدي هذا الحوار إلى وقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة، و إيجاد توافق بين تلك الأطراف حول رئيساً لحكومة موحَدة، إلا أنه أيضاً لم يُفضي إلى شئ في هذا الإطار28، و هذا ينقُلنا إلى حوار الصخيرات في أبريل 2015 الذي قد وافقت أطراف النزاع التوقيع عليه بالأحرف الأولى في شهر يوليو من نفس العام، و قد أدى إلى التوافق بشأن حكومة وفاق وطني29، و على الرغم من أنها لم تلقَ تأييداً من كافة الأطراف، إلا أنها تظل الحل الوحيد لوضع حد لحالة الانقسام و الصراع الدائرة بليبيا، و على ذلك تظل مهمة تطبيق نتائج الحوارات السياسية بين أطراف النزاع على أرض الواقع تلقى الكثير من العقبات نتيجة للانقسام الشديد والاستقطاب30.

و قد زاد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا من تعقيد الأمور، فالتنظيم يسيطر بشكل سريع على عدد كبير من الأراضي في درنة و سرت، و حيث إن سرت تضم عدداً ليس بالقليل من الجماعات الإسلامية و الجهادية، فقد اكتسب التنظيم مزايا استراتيجية من وراء ذلك، حيث تم بها إنشاء جماعة أنصار الشريعة بعد انضمام الجماعات الإسلامية الموجودة بالمدينة إليها31، و لذلك عادت الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الغربية حليفتها للاهتمام مرة أخرى بليبيا، إذ يشكل موقعها الجغرافي –إلى جانب احتواءها على النفط- محور اهتمام تلك الدول بليبيا، حيث إن انتشار تنظيم الدولة في ليبيا من شأنه أن يهدد دولتي تونس و مصر، فالولايات المتحدة و الدول الغربية ترغب في تقديم المساعدة إلى تونس –وخاصة بعد الحوادث الإرهابية التي شهدتها- و وضع العقبات أمام تنظيم الدولة الإسلامية للوصول إلي مناطق بتونس، و مثلها مصر خاصة بعد مقتل 21 مصري على يد التنظيم      _________________________

(28)زياد عقل، مرجع سابق، http://acpss.ahram.org.eg/News.aspx?serial=227.

(29)خالد حنفي علي، هل يشكل اتفاق الصخيرات مدخلاً لإنهاء الصراع الليبي؟، مركز الأهرام للدراسات السياسية و                   الاستراتيجية، 29-7-2015، http://acpss.ahram.org.eg/review.aspx?serial=10238 ، 22-4-2016.

(30)عبد القادر فسوك، حكومة الوفاق الوطني الليبية: احتمالات النجاح و الفشل، مركز الجزيرة للدراسات، 17-4-2016،

http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2016/04/160417073136201.html         ، 23-4-2016.

(31)كيفن كايسي، ستايسي بولارد، استراتيجية الدولة الإسلامية في ليبيا، مركز كارنجي للسلام الدولي،20-3-2015، http://carnegieendowment.org/sada/?fa=59491         ، 23-4-2016.

ذلك بالإضافة إلى قرب ليبيا جغرافياً من إيطاليا، وهو ما قد يؤدي إلى فرار عدداً من الأفراد إلى هناك، و أيضاً هناك احتمال لتدفق بعض الإرهابيين إلى إيطاليا، و هو ما قد يمثل تهديداً بالنسبة لكافة الدول الأوروبية32، و بناءً على ذلك تتج الولايات المتحدة إلى شن ضربات عسكرية ضد أهداف و مواقع تابعة للتنظيم، إلا أن ذلك لا يُعد كافياً إذ يجب إنهاء حالة الانقسام فعلياً، و التي لا سبيل إليها سوي الحكومة الوطنية الموحدة و الذي كان قد نص عليها اتفاق الصخيرات، و إعادة فتح حوار بين الأطراف المتنازعة33.

 

_________________________

(32)         Dan De Luce, why Libya matters again, foreign policy,12-2-2016,              http://foreignpolicy.com/2016/02/12/why-libya-matters-again,30-4-2016.

(33) Issandr El Amrani, how much of Libya does the Islamic state control?, foreign policy,18-2-2016, http://foreignpolicy.com/2016/02/18/how-much-of- libya-does-the-islamic-state-control,30-4-2016.

 

الفصل الثالث:

الدور الأمريكي في الأزمة السورية

المبحث الأول: تحليل الخطاب الأمريكي تجاه الأزمة السورية.

المبحث الثاني: السياسة الأمريكية الفعلية تجاه الأزمة في سوريا.

مقدمة:

منذ خمس سنوات بدات الثورة السورية على نظام الأسد، إلا أنها الأن تحولت إلى حرب أهلية تشترك فيها أطراف دولة أخرى كروسيا و إيران و الولايات المتحدة، و خلال تلك المدة كانت قد حدثت بعض التطورات في الازمة السورية بدءاً باستخدام الأسلحة الكيماوية من قبل النظام السوري ضد المدنيين، و حدوث انشقاقات بين أطراف المعارضة أنفسهم خاصة بعد انضمام جبهة النصرة إلى تنظيم القاعدة، و إعلانها جماعة إرهابية، و لجوء عدد كبير من السوريين إلى دول عربية و دول أوروبية، و حتى إلى الولايات المتحدة، و قد اهتمت الولايات المُتحدة الأمريكية أن يكون للأزمة السورية حلاً سياسياً يُفضي إلى تكوين حكومة جديدة بشرط تنحي الأسد عن الحكم، و كانت الولايات المُتحدة قد أعلنت أنها لن تتدخل برياً في سوريا، حتى لا تُكرر نفس الخطأ الذي حدث في العراق و أفغانستان، إلا أن استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل النظام السوري قد جعل الولايات المُتحدة تُفكر في توجيه ضربات عسكرية ضد اهداف تابعة للنظام السوري، إلا أنها لم تقُم بذلك خاصةً بعد التوصل إلى حل دبلوماسي و ذلك بتدخُل من روسيا.

و بدون ذلك فإن الولايات المُتحدة تُقدم الدعم للمعارضة المُعتدلة بأسلحة غير ثقيلة لا تمكنها من حسم الصراع في سوريا لصالحها، كما تمدهم بالمُدربين العسكريين الذين يقومون بمهام التدريب فقط للمعارضة المعتدلة و ليس التدخل كقوات تحارب إلى جانب المعارضة، و مع ظهور تنظيم داعش بالمنطقة أصبح الاهتمام الأول للولايات المتحدة هو كيفية التخلص من هذا التنظيم و صد هجماته، التي باتت تُمثل تهديداً للأمن القومي الأمريكي و حلفائها الدول الأوروبية، كما يشكل تهديداً على حليفتها في المنطقة إسرائيل، و بالتالي نرى أن الولايات المتحدة قد اهتمت بأمور معينة في الازمة السورية منذ بدايتها أولها السعي للتوصل إلى حل سياسي للأزمة يضمن الوصول إلى تسوية الصراع بين الأطراف المُتنازعة، و ثانياً تسليط الضوء على تنظيم داعش و التحالف مع المجتمع الدولي من أجل صد هجماته و القضاء عليه.

 

المبحث الأول:

الخطاب السياسي الأمريكي تجاه الثورة السورية

يختلف تناول الإدارة الأمريكية للأزمة في سوريا عن تناولها للأزمة في ليبيا، ففي ليبيا كان التدخل سريعاً بدأ منذ الأشهر الأولى للثورة الليبية، أما الأزمة السورية فلم تشهد تدخلاً أمريكياً منذ لحظاتها الأولى، و قد ارتكزت خطابات الرئيس أوباما تجاه الأزمة السورية على عددٍ من الأمور أولها انتشار الأسلحة الكيميائية بسوريا، ثم تسليح المعارضة المعتدلة، بالإضافة إلى انتشار الجماعات الإرهابية و جماعات المعارضة المتشددة، ذلك بالإضافة إلى قضية اللاجئين.

كان الرئيس أوباما قد سُئل عن مسألة التدخل الأمريكي في سوريا، و تمثل جوابه في أن الولايات المتحدة تنتظر وجود خطاً أحمراً يتم تخطيه من قبل النظام السوري، و مع انتشار الأسلحة الكيميائية في سوريا عام 2013، أعلن الرئيس أوباما في مؤتمر صحفي أنه على الرغم من وجود الأسلحة الكيميائية يُعد أمراً خطيراً إلا أنه ينتظر الجهود الاستخباراتية التي تقوم بها الولايات المتحدة من أجل التوصل إلى معرفة في يد من تقع هذه الأسلحة، و من قام باستعمالها، و على ذلك فإن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يرى أن نظام الأسد كان قد فقد شرعيته حتى من قبل وجود ذلك النوع من الأسلحة، و أعلن أن الولايات المتحدة كانت قد اتخذت عدداً من الإجراءات بالاشتراك مع المجتمع الدولي بتقديم المساعدات الإنسانية للاجئين و المدنيين، و دعم المعارضة المُسلحة، بالإضافة إلى توقيع عقوبات على سوريا، و ذلك بغض النظر عن استعمال النظام السوري الأسلحة الكيميائية من عدمه، فالمجتمع الدولي عليه أن يفعل كل ما هو ممكناً لحماية الأفراد المدنيين بسوريا، و عاد ليؤكد أن استعمال الأسلحة الكيمائية سيمثل نقطة تحول في الأزمة السورية بالنسبة للمجتمع الدولي و ليس فقط الولايات المتحدة، فالقانون الدولي يمنع الدول من استعمال ذلك النوع من السلاح لما يمثله ذلك من إلحاق الأذى بعدد كبير من الأفراد، و لكن تحرُك الولايات المتحدة يقترن بمعرفة أولاً إذا ما كان قد تم بالفعل استعمال الأسلحة الكيميائية، و من الذي استخدمها ثم يتم اتخاذ القرار المناسب بهذا الشأن، إذ لا يجب أن يتم الدفع بالمجتمع الدولي للتحرك دون دليل واضح و قوي على إدانة النظام السوري.

فيما بعد أعلن الرئيس أوباما في خطاب له في 31 أغسطس 2013 أن التحقيقات الأمريكية قد أثبتت بالفعل استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية متسبباً في قتل ما يقارب الألف شخص بينهم أطفال، و أن ذلك يمثل تهديداً مباشراً لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، كونه يمثل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي أولاً، و ثانياً ما يمثله ذلك من تهديد مباشر لحلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة متمثلين في إسرائيل و الأردن و تركيا و لبنان و العراق، فإن استعمال الأسلحة الكيميائية في سوريا من شأنه المساعدة في وقوعها في أيدي الجماعات الإرهابية ما قد يؤدي إلى نتائج غير مُرحب بها، و بناءً على ذلك فإن الولايات المتحدة ترى ضرورة اتخاذ إجراءاً عسكرياً ضد أهداف للنظام السوري، و يكون الهدف من ذلك بالأساس هو ردع النظام السوري حتى لا يعاود استخدامها مرة أخرى، و أن يكون ذلك الإجراء العسكري محدود المدة و الهدف، و أن يشتمل الإجراء العسكري على الضربات الجوية فقط و ألا يتضمن تدخل بري على الأراضي السورية، فالدخول في عمل عسكري غير محدد من شأنه أن يؤدي إلى نتائج عكسية مثلما حدث في التدخل الأمريكي طويل الأمد في العراق و أفغانستان، و على الرغم من أن الرئيس أوباما باعتباره رئيساً للولايات المتحدة و القائد الأعلى للقوات المسلحة يمكنه اتخاذ ذلك القرار دون انتظار موافقة الكونجرس عليه، إلا أنه طلب من الكونجرس أن يتم إجراء نقاش حول الأمر و انتظار موافقة الكونجرس، و لذلك سوف يتم تزويد كل عضو في الكونجرس بأبعاد الازمة السورية و تداعياتها على الأمن القومي الأمريكي من الإدارة الامريكية، و يؤكد أوباما أن الأدلة التي استطاعت الولايات المتحدة التوصل إليها جديرة بالثقة، و لذلك لاحاجة إلى الانتظار حتى انتهاء تحقيقات الأمم المتحدة، فلابد من محاسبة الأسد و إعلانه مسئولاً عن استعمال الأسلحة الكيميائية، و سيكون القرار أكثر فعالية إذ تم بموافقة أعضاء الكونجرس علي ذلك، فالولايات المتحدة الأمريكية سوف تستمر في تقديم المساعدة للشعب السوري، و تقديم الدعم للمعارضة السورية المعتدلة، و مساعدة اللاجئين و السعي إلى حل سياسي للأزمة السورية يُسفر عن حكومة تحترم أفرادها.

و في خطاب موجه للشعب الأمريكي في 10 سبتمبر 2013، أورد فيه أن الثورة السورية على نظام بشار الأسد كانت قد تحولت – بعد عامين- إلى حرب أهلية ضارية، و كان على الولايات المتحدة الأمريكية أن تقدم المساعدات الإنسانية، و تدعم المعارضة المعتدلة، و تسعى إلى تحقيق استقرار سياسي من خلال إيجاد حل سياسي للأزمة، و لكنه أكد أن الولايات المتحدة قد قاومت الانسياق في عمل عسكري بري إذ لا يمكن وضع حد للحرب الأهلية السورية باستعمال القوة، بالإضافة إلى الخبرة السيئة الناتجة عن عِقد كامل من الحرب في العراق و أفغانستان، و لكنه يعود ليؤكد أن الوضع الأن يختلف ففي 21 أغسطس تم التأكُد من استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري مُتسبباً في قتل ما يقرب من الألف شخص بينهم أطفال، و يُعد ذلك انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي الذي حرَم استعمال مثل تلك الأسلحة، و لكن ما هو العمل الذي ستقوم به الولايات المتحدة و المجتمع الدولي في هذا الشأن؟

إن استعمال الأسلحة الكيماوية – كما ذكر الرئيس أوباما من قبل- يمثل انتهاكاً للقانون الدولي و تهديداً للأمن القومي الأمريكي، و إذا لم يكن هناك رادعاً لنظام الأسد فإنه لن يكُف عن استعمال تلك الأسلحة، ولن يكون هناك أسباب لإيقافها فيما بعد، بالإضافة إلى أنه يمكن بعد ذلك أن يقوم باستعمالها مستبدون أخرين، و تُهدَد المنطقة و حلفاء الولايات المتحدة بالأخص، و تؤدي إلى الدخول في حرب كيماوية يمكن تفاديها، و بالتالي فإن الولايات المتحدة من خلال ضربة جوية مُحددة الاهداف سوف تقوم بردع الأسد، و إظهار أن العالم لن يقف مكتوف اليدين بعد انتهاك القانون الدولي و الجهود التي بُذِلت من أجل تحريم الأسلحة الكيميائية، و ذ لك لايعني التوسع في استعمال القوة العسكرية، لأنه –وفقاً للرئيس أوباما- لم يأتِ إلى السلطة لكي يبدأ حروباً جديدةً، و بالتالي العملية العسكرية في سوريا ستكون محدودة من حيث الوقت و الأهداف بعكس الوضع في ليبيا و كوسفو، لن تتضمن تدخلاً برياً، ويجيب عن سؤال لماذا تتدخل الولايات المتحدة ضد الأسد في حينأن بعضاً من معارضيه هم أعداء لحقوق الإنسان؟

إن بعضاً من أعداء الأسد هم بالتأكيد أعداءاً لحقوق الإنسان و هم متطرفون، إلا أنهم سوف يتمكنوا من سوريا إذا أصبحت فوضى، و لكن إن أغلب المعارضة السورية و أفراد الشعب السوري يودوا أن يعيشوا بسلام، ذلك بالإضافة إلى أن الحكومة الروسية كانت قد أعلنت أنها تنضم  للتحالف الدولي لوقف استعمال الأسلحة الكيماوية في سوريا، و يُجدر الإشارة هنا إلى أن الرئيس أوباما قد طلب في هذا الخطاب من الكونجرس أن يقوموا بتأجيل التصويت على قرار الإجراء العسكري لحين الانتهاء من الإجراءات الدبلوماسية، إذ أنه في ذلك الوقت كان قد ذهب وزير الخارجية جون كيري لمقابلة نظيره الروسي للتشاور حول الأمر، بالإضافة لمشاورات بين الرئيس الروسي فلاديمر بوتين و باراك أوباما لوضع قرار لدى الأمم المتحدة لوقف استعمال الأسد للأسلحة الكيماوية.

و مع بدأ ظهور تنظيم داعش و استطاعته الحصول على أراضٍ في كلاً من سوريا و العراق، أعلن الرئيس أوباما في خطاب 10سبتمبر 2014 عن أن الولايات المتحدة تزيد من دعمها للقوات التي تُحارب هذا التنظيم برياً و يشمل ذلك إرسال مُدربين عسكريين و لا يعني ذلك إرسال قوات برية و إنما مجموعات لتدريب القوات المحلية التي  تُحارب التنظيم برياً و ذلك مع استمرار الضربات الجوية ضد أهداف تابعة للتنظيم سواءً في سوريا أو العراق، مع استمرار تقديم الدعم للمعارضة السورية المعتدلة، و يشير هنا أنه لا يتوقع أن يقوم نظام فقد شرعيته بإرهاب شعبه بمحاربة التنظيم الإرهابي، و هنا يؤكد أنه لا بديل أمام سوريا سوى الحل السياسي للأزمة، و في خطاب أخر في 11 فبراير 2015 أكد أوباما على كل ماسبق بالإضافة إلى الإشارة إلى ما تم تحقيقه ضد التنظيم و الذي تمثل في أكثر من 200 ضربة جوية على أماكن تجمعات تابعه له، و عدم تمكن التنظيم من السيطرة على مدينة كوباني السورية، بالإضافة إلى الإشارة إلى صدور قرار من الكونجرس حول داعش يتضمن استمرار حملة الضربات الجوية على أماكن التنظيم في سوريا و العراق، و استمرار دعم القوات المحلية في العراق و المعارضة المعتدلة في سوريا بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية للمتضررين في كلا الدولتين، و يستمر ذلك لمدة 3 سنوات.

و في مؤتمر صحفي 2 أكتوبر 2015، كانت روسيا قد بدأت التدخل بدعم نظام الأسد في الأزمة السورية، وُجه إلى الرئيس أوباما سؤالاً عن التدخل الروسي و هل سيكون له تداعيات على التحرك الأمريكي، و ما رد الفعل الأمريكي في حالة أن روسيا تستهدف محاربة جماعات من المعارضة و ليس فقط تنظيم الدولة الإسلامية؟ و في هذا الإطار رأى الرئيس أوباما أن استمرار الأسد في الحكم حتى الأن يرجع بشكل رئيس إلى الدعم المُقدم له من إيران و روسيا، و كان قد أعلن لنظيره الروسي أن الولايات المتحدة تؤيد الحل السياسي للأزمة و الذي يتضمن بالأساس تنحي الأسد عن الحكم، و فيما يتعلق بمحاربة تنظيم الدولة فإن روسيا و الولايات المتحدة يتفقا على ضرورة محاربة تنظيم داعش إلا أن روسيا لا ترى تفرقة بين مقاتلي تنظيم داعش و المعارضة السُنية المعتدلة و هو ما ترفضه الولايات المتحدة الأمريكية، و لذلك تُصر الولايات المتحدة على ضرورة رحيل نظام الأسد، و استمرار تقديم الدعم للمعارضة السورية المعتدلة، فالولايات المتحدة لن تتدخل في عمل عسكري بري بسوريا و لكنها لابد أن تستمر في الاتصال بالمعارضة السورية المعتدلة، حتى إن سقط نظام الأسد يكون هناك من يُمكن التفاوض معه، و في مؤتمر صحفي أخر عُقِد في هانوفر بألمانيا 25 أبريل 2016 بالتزامن مع المجزرة الواقعة بحلب، أعلن أوباما أن الولايات المتحدة تعتزم إرسال 250 مُدرباً عسكرياً أخر إلى سوريا بما فيهم القوات الخاصة، يتمثل وجودهم فقط في تزويد المعارضة المُعتدِلة بالتدريب و المساعدة اللازمة لمحاربة تنظيم داعش، و ذلك لايعني إنهاء طريق الدبلوماسية كحل للحرب الأهلية.

 

المبحث الثاني:

السياسة الخارجية الفعلية تجاه الثورة السورية

منذ بداية الثورة السورية، و الولايات المتحدة الأمريكية تتخذ موقفاً حذراً من التدخل في سوريا، إذا أن الرئيس أوباما يرفض التدخل في حرب أخرى مشابهة لما حدث في العراق و أفغانستان، و يرجع ذلك أيضاً إلى تأزم الموقف السوري إقليمياً، فالحرب السورية الدائرة تشترك فيها أطرافاً إقليمية كحزب الله و إيران بدعمهما النظام السوري، بينما تشترك تركيا و قطر بدعمهما المعارضة المُسلحة، و إذا تأزمت الأوضاع أكثر من ذلك فإن ذلك سوف يؤثر بشكل كبير على أمن إسرائيل و هو ما يهم الولايات المتحدة في المنطقة بالأساس و لذلك فهي لا تستطيع الانسحاب من الازمة السورية كليةً، من ناحية أخرى تخشى الولايات المتحدة من أن تقع سوريا في شرك الحرب الطائفية بعد سقوط نظام الأسد خاصة مع تسلح أطراف النزاع في سوريا، و وجود بعض التنظيمات الإرهابية بين المعارضة المُسلحة مثل جبهة النُصرة التي أنضمت إلى تنظيم القاعدة، ذلك بالإضافة إلى ظهور تنظيم داعش في سوريا و العراق، و لذلك نجد أن الولايات المتحدة تُفضل -في الأزمة السورية- الحل السياسي و التفاوض مع الاطراف الدولية و الإقليمية الأخرى المؤيدة و المعارضة للنظام السوري.

و كان الرئيس أوباما قد وضع للنظام السوري خطاً أحمر إذا ما قام بتجاوزه، تتخلى الولايات المتحدة عن موقفها الحذر من التدخل بالازمة السورية، و تتجه إلى التوسع في ردع نظام الأسد، و قد كان ذلك باستعمال النظام السوري للأسلحة الكيميائية، و كانت الاستخبارات الأمريكية قد توصلت إلى أن النظام السوري قد استخدم الأسلحة الكيماوية في قتل عدد كبير من الأفراد مُتسبباً في مجزرةٍ واسعة النطاق، و عليه استعدت الولايات المُتحدة لتوجيه ضربة عسكرية ضد أهداف تابعة للنظام السوري، و كان ذلك سوف يحدث بعد موافقة الكونجرس على طلب الرئيس بفتح نقاش حول تلك الضربة العسكرية، و يوضح ذلك أنه ربما كان الرئيس أوباما لا يريد أن يتحمل تبعات ذلك العمل العسكري بمفرده، فطلب موافقة الكونجرس باعتباره ممثلاً للشعب الأمريكي34، و كانت تتلك الضربة العسكرية بمثابة اختبار لمصداقية الرئيس أوباما و ما إذا كان بالفعل جاداً في اتخاذ قرار حاسم بشأن التدخُل في سوريا، و حسم الصراع الدائر هناك خاصة و أن استعمال تلك الأسلحة يمثل انتهاكاً صريحاً للقيم التي تزعُم الولايات المتحدة أنها تدافع عنها35، إلا أنه و بعد طلب الرئيس أوباما من الكونجرس تأجيل التصويت لحين استكمال الطريق الدبلوماسي،  تراجعت الولايات المتحدة عن تنفيذها بعد بين موسكو و واشنطن في 4 سبتمبر 2013 بجنيف، أسفر عن ضرورة ان يكشف الأسد عن مخزون سوريا من الأسلحة الكيماوية خلال أسبوع واحد من هذا التاريخ، و تدميرها قبل حلول شهر نوفمبر من هذا العام، و قد قبل الأسد بذلك، و انضمت سوريا إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة

_________________________

(34) صافيناز محمد أحمد، احتمالات الضربة العسكرية الأمريكية لسوريا:الأهداف و التداعيات، مركز الأهرام للدراسات             السياسية و الاستراتيجية، 2-9-2013، http://acpss.ahram.org.eg/Review.aspx?Serial=137، 1-5-2016.

(35) أسباب و أبعاد الضربة الأمريكية المحتملة لسورية، مركز الجزيرة للدراسات الاستراتيجية، 12-9-2013، http://studies.aljazeera.net/ar/positionestimate/2013/09/2013912112517721858.html     ، 2-5-2016.

الكيميائية، و أصبحت جاهزة لاستقبال منظمة حظر الانتشار لتساعدها في تنفيذ الاتفاقية36.

و فيما يتعلق بموقف الولايات المتحدة من المعارضة السورية؟، فهي تُفرق بين المعارضة السنية المُعتدلة، و بين المعارضة الإسلامية المتشددة، و يجدر الإشارة إلى أنه لحسم الصراع، و إحراز المعارضة السورية تقدماً على النظام السوري فإنها تحتاج إلى أنواع مُتقدمة من الأسلحة تُمكنها من تحقيق مكاسب على أرض الواقع، إلا أن الولايات المُتحدة و بعض الدول الغربية الأخرى كألمانيا و السويد ترفض تسليح المعارضة بأسلحة ثقيلة، و ذلك خشية من الكيانات الإسلامية المُتشددة الموجودة داخل صفوف المُعارضة السورية، و هو ما قد يكون له تداعيات فيما بعد سقوط الأسد ترتبط باحتمالية نشوب حرب طائفية بين الأطراف المختلفة بسوريا، بالإضافة إلى أن مثل تلك الأسلحة في يد جماعات من المتشددين من شأنه أن يؤثر على أمن المنطقة، و حلفاء الولايات المتحدة و خاصة إسرائيل37.

        و ما يؤكد وجود تنظيمات إرهابية في صفوف المعارضة السورية، هو انضمام جبهة النُصرة إلى تنظيم القاعدة، و إعلانها مبايعة أيمن الظواهري على السمع و الطاعة و الجهاد، و كانت الولايات المتحدة قد ادرجتها ضمن الجماعات الإرهابية، و يُعد هذا الامر في الحقيقة مكسباً بالنسبة لنظام الأسد، إذ أن يدعي منذ ذلك الوقت أنه يشن الهجمات على الجماعات الإرهابية التي تُهدد الدولة، و بناءً على ذلك يكون على الولايات المتحدة إما تسليح المُعارضة بنوعيها أسلحة تُمكنها من حسم الصراع الدائر منذ خمس سنوات لصالح الثورة السورية، أو ترك الأمر كما هو عليه، و يبدو أن الولايات المتحدة قد اتخذت من الخيار الثاني بديلاً إذ أنها تخشى في المقام الأول من سيطرة الجزء المُتشدد من المعارضة على مقاليد الأمور في سوريا بعد الأسد، و ما عظَم من تلك المخاوف هو وجود تنظيم داعش و تبنيه لفكرة الدولة الإسلامية38.

و لذلك سعت الولايات المُتحدة إلى توحيد المعارضة السورية، فأرادت أن يكون المجلس الوطني السوري أكثر تمثيلاً للقوى السياسية السورية، بالإضافة إلى أنها رأت أن المجلس الوطني السوري كان قد أصبح غير ممثلاً لتلك القوى السياسية و كان لابد من سحب الشرعية منه، حتى إذا ما انهار نظام الأسد تجد الولايات المٌحدة من يمكنها التفاوض معه39.

____________________________

(36) إيمان أحمد عبد الحليم، خيارات الأسد:مستقبل الأزمة السورية بعد اتفاق نزع الأسلحة الكيميائية، مجلة السياسة الدولية،                 8-10-2013، http://www.siyassa.org.eg/NewsQ/3290.aspx ، 2-5-2016.

(37) صافيناز محمد أحمد، المعارضة السورية بين الحوار و التسليح، مركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية،

http://acpss.ahram.org.eg/News.aspx?Serial=113 ، 4-5-2016.

(38) صافينازمحمد أحمد، جبهة النُصرة و تنظيم القاعدة..سوريا على خطى العراق، مركز الأهرام للدراسات السياسية و               الاستراتيجية، http://acpss.ahram.org.eg/Review.aspx?Serial=119 ،4-5-2016.

(39) صافيناز محمد أحمد، الولايات المتحدة و توحيد المعارضة السورية..لماذا الأن؟، مركز الأهرام للدراسات السياسية و             الاستراتيجية، http://acpss.ahram.org.eg/Review.aspx?Serial=107 ، 5-5-2016.

و على ذلك تتمسك الولايات المتحدة بالحل السياسي للأزمة السورية، و التفاوض مع الأطراف الدولية الأخرى في هذا الشأن، و قد بدأ ذلك بجنيف 1 الحوار الذي تم في 30 يونير 2012 و كان قد نص على ضرورة تكوين حكومة انتقالية لديها صلاحيات تنفيذية، و أن يشترك فيها أطرافاً من النظام الحالي و المعارضة بشرط تحقيق التفاهم المشترك بين الطرفين، و نص أيضاً على ضرورة أن يتمكن جميع الأطراف من المشاركة في الحوار، و القيام بإصلاحات دستورية و قانونية، بالإضافة إلى ضرورة وقف إطلاق النار40، و تلك هي المبادئ التي التي أعلن الطرفين الروسي و الأمريكي الاستناد إليها في جنيف 2، و قد تزامن مع هذا المؤتمر أن أصب موقف النظام السوري ضعيفاً على أرض الواقع، و لذلك ظهر دعم إيران و حزب الله للنظام السوري بشكل كامل في ذلك الوقت و هو ما يعني أن الوضع ميدانياً كان قد تغير، و بالتالي مطالبة النظام السوري لتغيير المبادئ المُتفق عليها في جنيف 1، ذلك بالإضافة إلى تراجع حلفاء المعارضة الإقليميين نتيجة لشئونهم الداخلية، و على الرغم من فشل تلك المحادثات إلا أنه يمكن القول أن الاتفاق الأمريكي الروسي قد شكل في ذلك الوقت نقطة هامة في الأزمة السورية41، إلا أن الوضع عاد للتعقيد مرة أخرى في مباحثات جنيف 3 حيث لم يكن هناك تأكيداً بمشاركة المعارضة السورية في المباحثات نتيجة لرغبتها في أن يُنفذ النظام السوري الفقرتين 12و 13 من القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة و الذي يتعلق بوصول المساعدات الإنسانية إلى كافة أرجاء سوريا، و الأفراج عن من احتجزهم النظام السوري، إضافة إلى ذلك رفض المعارضة مشاركة روسيا كطرف في الصراع الدائر و قصفها لمواقع في سوريا إلى جانب النظام السوري42، إلا أن الولايات المتحدة بالاتفاق مع روسيا كانت قد أعلنت عن بدء هدنة بين الأطراف المتنازعة في سوريا في فبراير 2016 لا تشمل جبهة النُصرة و تنظيم داعش، و على الرغم من ذلك لم يتوقف إطلاق النار، و استمرت أعمال العنف43.

_________________________

(40)أبرز نقاط خطة اجتماع جنيف حول سوريا  ،  الجزيرة.نت،                                   http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2012/7/1          / ، 6-5-2016.

(41)توافق المكرهين:استراتيجيةتجنب الفشل في سوريا، مركز الجزيرة للدراسات، 6-2-2014،

http://studies.aljazeera.net/ar/positionestimate/2014/02/201426124024876142.html      ، 6-5-2016.

(42)معضلة جنيف 3:مفاوضات سياسية دون توازنات عسكرية، مركز الجزيرة للدراسات،10-2-2016

http://studies.aljazeera.net/ar/positionestimate/2016/02/20162810575692422.html        ، 8-5-2016.

(43)بدء هدنة في سوريا نهاية الأسبوع برعاية أمريكا و سوريا، البي بي سي، 22-2-2016،

http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/02/160222_syria_usa_russia_truce_date    ،  8-5-2016.

أما بالنسبة لتنظيم داعش في سوريا، فقد استطاعت الولايات المتحدة تكوين تحالف دولي مكون من 65 دولة، و يشمل بالأساس حلفاء الولايات المتحدة من الدول الغربية و يضم دولاً عربية كالسعودية و العراق و قطر و الإمارات، و استطاع التحالف تنفيذ عدة غارات على أهداف تابعة للتنظيم، و كان قد اقتصر ذلك التحالف على القيام بما يؤدي إلى إلحاق الضرر بتنظيم داعش فقط، غير متضمناً لهدف الإطاحة بنظام الأسد، و ربما يعود ذلك إلى رغبة الولايات المتحدة في ذلك الوقت التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني و لذلك فقد أصرت على أن يكون هدف التحالف متمثلاً فقط في محاربة تنظيم داعش، و يؤكد ذلك أن الولايات المتحدة تتدخل في دول المنطقة وفقاً لما تُمليه عليها مصالحها44.

_________________________

(44) رابحة سيف علام، كشف حساب التحالف الدولي لقتال داعش: ما الجدوى؟، مركز الأهرام للدراسات السياسية و                  الاستراتيجية، 8-12-2015، http://acpss.ahram.org.eg/News.aspx?Serial=10263، 8-5-2016.

خاتمة:

بعد أن تم التطرُق إلى الكيفية التي يتم بها صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية، و العوامل المؤثرة على الرئيس الأمريكي في صنع سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى معرفة النظام العقائدي للرئيسكمحاولة لتفسير القرارات التي تصدُر عنه يتعين علينا الإجابة عما إذا كان الرئيس أوباما يتبع سياسةً خارجيةً متسقة مع خطاباته، و في الواقع لا يمكن القول أن السياسة الخارجية الأمريكية في ولايتي الرئيس أوباما تتعارض كليةً مع ما يقوله بخطاباته،  فبتركيز الضوء على قضيتي ليبيا و سوريا– و هما تشتركان في كونهما قد وصلتا إلى مرحلة الحرب الأهلية بعد ثورة شعبية أطاحت بالنظام في ليبيا و لم تُطِح به في سوريا- نُلاحظ الأتي:

أولاً: بالنسبة إلى ليبيا كانت الخطابات الصادرة عن الرئيس أوباما مُتزامنة مع الأحداث المُتلاحقة في ليبيا، وكان هناك اتساقاً بين الخطاب و السياسة الخارجية فيما يخص إصدار قرار عن طريق الأمم المُتحدة لحماية المدنيين من مجزرة محتملة و بالفعل قد تم إرسال المساعدات الإنسانية للمتضررين، إلا أنه ما يمثل انحرافاً للسياسة الخارجية عن الخطاب تمثل في الهدف نفسه من التدخل الدولي بقيادة الولايات المُتحدة في ليبيا، فعلى الرغم من أن الرئيس أوباما قد كرر أن هذا التدخل لا يشمل تغييراً للنظام، إلا أنه و بعد فترة ليست بالطويلة من تدخل حلف الناتو لتطبيق الحظر الجوي، و حظر توريد الأسلحة، قد ساهم الحلف في سقوط نظام القذافي بل فيما بعد تورط الحلف في استهداف سيارة تحمل القذافي و بعض من أتباعه، و نتج عن ذلك أن قامت المعارضة المسلحة بقتله خارج الإطار القانوني.

ثانياً: و فيما يتعلق بسوريا  فإن الولايات المتحدة كانت تتحرك سواءً في الخطابات السياسية للرئيس أوباما أو في سياستها الخارجية كرد فعل للأوضاع التي تحدث بسوريا،  ملتزمةً بما أعلنه الرئيس أوباما من أنه لن يرسل قوات عسكرية برياً لوضع حد للحرب الأهلية، بل يقتصر الأمر على تزويد المعارضة المسلحة بالأسلحة التي تمكنهم بالكاد من صد هجمات النظام السوري، و يثير ذلك تساؤلاً حول مصداقية الخطاب السياسي الأمريكي حين يتحدث الرئيس أوباما عن أن حل الأزمة في سوريا يكمن في تنحي بشار الأسد عن الحُكم، فما الذي يمكن أن تُقدمه الولايات المتحدة للمعارضة السورية سوى مساعدتهم في حسم الصراع لصالحهم، و التخلص من نظام بشار الأسد، إلا أنه يبدو أن الولايات المٌتحدة تخشى أن يسيطر تنظيم داعش على المنطقة في مرحلة ما بعد الأسد بالإضافة للجماعات الإرهابية الأخرى و التي من شأنها أن تُهدد حليفتها بالمنطقة إسرائيل، و حتى أثناء استعمال النظام السوري للأسلحة الكيميائية، و إعلان أوباما أن الولايات المتحدة لابد أن تقوم بردعه لتمنعه عن تكرار ذلك مرة أخرى، تراجعت الولايات المتحدة عن تنفيذ ذلك، إضافة إلى أنه كان أكثر ما يقلقها في الأمر هو وقوع الأسلحة الكيميائية في يد الجماعات الإرهابية، و استخدامها في حرب كيميائية بالمنطقة تُهدد مصالح حلفاء الولايات المُتحدة، و بالتالي أمنها القومي.

ثالثاً: تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية حينما يمس الأمر مصالحها بالأساس، حتى و إن أعلنت أنها تتدخل بدافع حماية حقوق الإنسان و القيم الأمريكية المتمثلة في الديمقراطية و حرية الرأي و التعبير و غيرها، و يُفسر ذلك تزايد اهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط في ولاية أوباما الأولى، و حتى ثورات الربيع العربي إذ بدت منحازة لتلك الثورات في البداية، إلا أنه سرعان ما تخلت جزئياً عن المنطقة على أساس أنها مشتعلة بالحروب و مصير بُلدانها غير معروف.

 

قائمة المراجع

أولاً: قائمة المراجع باللغة العربية:

  1. كتب

– لاري إلويتز، نظام الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، ترجمة جابر عوض، الطبعة الأولى، (القاهرة:الجمعية المصرية            لنشر الثقافة و المعرفة العالمية)، ص ص 90-93.

  1. دراسات

– فواز جرجس،أسس و مرتكزات سياسة أوباما الخارجية في ولاياته الثانية، مركز الجزيرة للدراسات، http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2013/01/201l       ، 31 -1 -2013، 10 -3- 2016

– عمرو عبد العاطي، الأمة المستغنى عنها : أزمة القيادة و السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، مجلة          

السياسة الدولية ، يناير 2014، http://www.siyassa.org.eg/NewsQ/3521.aspx  ، 11 -3- 2016

  • فواز جرجس ، أوباما و العالم العربي .. الاستمرارية و التغير، مركز الجزيرة للدراسات  ، 31 -1- 2013 ، http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2013/01/2        ،  11 -3- 2016 .
  • خليل جهشان ، العلاقات الأمريكية  السورية … سباق نحو الهاوية، مركز الجزيرة للدراسات ، 7 -8- 2011 ، http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2011/07/201172381411387995.html        ، 11 -3-2016 .
  • محمد كمال، مبدأ أوباما و سياسته الشرق أوسطية، مجلة السياسة الدولية، العدد 201، يوليو 2015، ص ص 72-79.
  • محمد بسيوني عبد الحليم، الكونجرس و أوباما بين الصدام و التعاون، مجلة السياسة الدولية، العدد 200، أبريل 201           ، ص ص 170-173.
  • عمرو عبد العاطي، تداعيات فوز الجمهوريين بانتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، مجلة السياسة الدولية،http://www.siyassa.org/NewsQ/4989.aspx ، 13-4-2016.
  • منذر سليمان، دولة الأمن الثومي و صناعة القرار الأمريكي: تفسيرات و مفاهيم، المستقبل العربي، العدد 325، مارس                2006 ، ص 35
  • إنجي مهدي، دور مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة، مجلة السياسة الدولية، العدد 199، يناير 2015، ص 39،38.
  •  محمود محمد، أمريكا و التوجه الاستراتيجي شرقاً..الفرص و التحديات، مركز الجزيرة للدراسات، 25-2-2013، http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2013/02/2013224115219205491.html , 12-4-2015.
  • حسين خلف موسى، الثورة الليبية و سيناريوهات المستقبل، المركز الديمقراطي العربي، https://democraticac.de/?p=536         ، 20-4-2016.
  •  زياد عقل، جذور الأزمة الليبية و أفاق التسوية السياسية، مركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتييجية، 17-5-                2015، http://acpss.ahram.org.eg/News.aspx?serial=227، 21-4-2016.
  • خالد حنفي علي، هل يشكل اتفاق الصخيرات مدخلاً لإنهاء الصراع الليبي؟، مركز الأهرام للدراسات السياسية و                 الاستراتيجية، 29-7-2015، http://acpss.ahram.org.eg/review.aspx?serial=10238 ، 22-4-2016.
  • عبد القادر فسوك، حكومة الوفاق الوطني الليبية: احتمالات النجاح و الفشل، مركز الجزيرة للدراسات، 17-4-2016،

http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2016/04/160417073136201.html         ، 23-4-2016.

  •  كيفن كايسي، ستايسي بولارد، استراتيجية الدولة الإسلامية في ليبيا، مركز كارنجي للسلام الدولي،20-3-2015، http://carnegieendowment.org/sada/?fa=59491         ، 23-4-2016.
  •  صافيناز محمد أحمد، احتمالات الضربة العسكرية الأمريكية لسوريا:الأهداف و التداعيات، مركز الأهرام للدراسات             السياسية و الاستراتيجية، 2-9-2013، http://acpss.ahram.org.eg/Review.aspx?Serial=137، 1-5-2016.
  • أسباب و أبعاد الضربة الأمريكية المحتملة لسورية، مركز الجزيرة للدراسات، 12-9-2013، http://studies.aljazeera.net/ar/positionestimate/2013/09/2013912112517721858.html، 2-5-2016.
  • إيمان أحمد عبد الحليم، خيارات الأسد:مستقبل الأزمة السورية بعد اتفاق نزع الأسلحة الكيميائية، مجلة السياسة الدولية، 8-10-2013، http://www.siyassa.org.eg/NewsQ/3290.aspx ، 2-5-2016.
  •  صافيناز محمد أحمد، المعارضة السورية بين الحوار و التسليح، مركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية،

http://acpss.ahram.org.eg/News.aspx?Serial=113 ، 4-5-2016.

  • صافينازمحمد أحمد، جبهة النُصرة و تنظيم القاعدة..سوريا على خطى العراق، مركز الأهرام للدراسات السياسية و               الاستراتيجية، http://acpss.ahram.org.eg/Review.aspx?Serial=119 ،4-5-2016.
  • صافيناز محمد أحمد، الولايات المتحدة و توحيد المعارضة السورية..لماذا الأن؟، مركز الأهرام للدراسات السياسية و             الاستراتيجية، http://acpss.ahram.org.eg/Review.aspx?Serial=107 ، 5-5-2016.
  • توافق المكرهين:استراتيجيةتجنب الفشل في سوريا، مركز الجزيرة للدراسات، 6-2-2014،

http://studies.aljazeera.net/ar/positionestimate/2014/02/201426124024876142.html      ، 6-5-2016.

  • معضلة جنيف 3:مفاوضات سياسية دون توازنات عسكرية، مركز الجزيرة للدراسات،10-2-2016

http://studies.aljazeera.net/ar/positionestimate/2016/02/20162810575692422.html        ، 8-5-2016

  •  رابحة سيف علام، كشف حساب التحالف الدولي لقتال داعش: ما الجدوى؟، مركز الأهرام للدراسات السياسية و                  الاستراتيجية، 8-12-2015، http://acpss.ahram.org.eg/News.aspx?Serial=10263، 8-5-2016.
  1. رسائل علمية

– نسمة شريف محمود، الفكر الاستراتيجي الأمريكي تجاه العالم الإسلامي بعد أحداث 11 سبتمبر، (ماجستير) ، جامعة               القاهرة، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية ، 2010 .

– مروة محمد عبد العزيز، مراكز الأبحاث و تأثيرها على صنع السياسة الخارجية الأمريكية: دراسة حالة لأهم مراكز               الأبحاث في الولايات المتحدة الأمريكية، (ماجستير)، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية ، 2009.

– أميمة مصطفى عبود، قضية الهوية في مصر في السبعينات: دراسة في تحليل بعض نصوص الخطاب السياسي ،             (ماجستير) ، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية، 1993.

– أبو بكر فتحي عواد، السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الجمهورية العربية السورية في الفترة ما بين 2001-2008،                (ماجستير)، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية، 2011، ص 24،25.

– منى حسين أحمد القلاف، السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه روسيا الاتحادية الفترة من 2000حتى2008،                  (ماجستير)، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية، 2012، ص ص 27-29.

– معالي محمد لطفي، السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي من التسعينات حتى عام 2004،                 (ماجستير)، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية، 2011، ص ص 31-34.

– رامي عبدالغني عبدالله، الموقف الأمريكي من الإسلام السياسي في الشرق الأوسط بعد أحداث 11سبتمبر، (ماجستير)،           جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية، 2010، ص 15،16.

4.مصادر أخرى

– عزت ابراهيم،( جون جاديس أشهر مؤرخي الحرب الباردة و الاستيراتيجية الكبرى للأهرام : الولايات المتحدة تحتاج الى                      صياغة علاقة جديدة بدول المنطقة )،الأهرام، 24-1 -2007 .

– ثورة17فبراير..الشعب يسقط الجماهيرية، الجزيرة.نت، http://www.aljazeera.net/encyclopedia/events/2016/2/23          ، 20-4-2016.

– من هم أطراف الأزمة الليبية؟، البي بي سي، 9-7-2015،         http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/07/150709-libya-key-players، 22-4-2016.

– أبرز نقاط خطة اجتماع جنيف حول سوريا  ،  الجزيرة.نت،                                   http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2012/7/1          / ، 6-5-2016.

–   بدء هدنة في سوريا نهاية الأسبوع برعاية أمريكا و سوريا، البي بي سي، 22-2-2016،

http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/02/160222_syria_usa_russia_truce_date    ،  8-5-2016.

ثانياً: قائمة المراجع باللغة الإنجليزية:

1.Documents

– President Obama’s speechs:

http://www.americanrhetoric.com/barackobamaspeeches.htm

2.websites

  • Jefferey Goldberg, President obama’s interview with Jefferey Goldberg on Syria and foreign policy, the atlantic, april 2016, http://www.theatlantic.com/magazine/archive/2016/04/the-obama-doctrine/471525/, 30-04-2016.
  • Shibley Telhami,Libya action in US national interest, Brookings institution,28-3-2011,http://www.brookings.edu/research/2011/03/28-libya-telhami, 21-4-2016.
  • Micah Zenko,the big lie about the Libyan war ,Foreignpolicy,22-3-2016           ,http://foreignpolicy.com/2016/03/22/Libya-and-the-myth-of-humanitarian-intervention,21-4-2016.
  •  Dan De Luce, why Libya matters again, foreign policy,12-2-2016,              http://foreignpolicy.com/2016/02/12/why-libya-matters-again,30-4-2016.
  • Issandr El Amrani, how much of Libya does the Islamic state control?, foreign policy,18-2-2016, http://foreignpolicy.com/2016/02/18/how-much-of- libya-does-the-islamic-state-control,30-4-2016.
4.5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى