القيادة الكاريزمية والتحول الديمقراطى دراسة حالة “عبد الناصر – ديجول “
اعداد الباحثة : هدير محمد عبد المنعم – المركز الديمقراطي العربي
المقدمة :
تلعب القيادة السياسية دور هام في الارتقاء بأوضاع الشعوب و دفع عجلة التنمية وهى ايضا المنوطة باتخاذ القرارات وذلك بمعاونة بعض المؤسسات فى الدول الديمقراطية , وعلى هذا فيتم تقييم أداء الزعماء والقادة من خلال معرفة مدى نجاح هذا القائد وذلك عن طريق قياس قدرته على تحقيق انجازات علمية واجتماعية و سياسية فى اطار العمل وفق مبادئ الديمقراطية. وتتمثل أهمية الزعامة الكاريزمية على وجه التحديد فيما تمتلكه من قدرة على التأثير فى الشعوب التى تقودها وذلك من خلال غرس بعض المعتقدات والأفكار فى هذه الشعوب أو توجيههم نحو سياسات بعينها, كما أنها لديها القدرة على ايهامهم بالعمل من أجل تحقيق المصلحة الوطنية . ونجد أن تلك الزعامات الكاريزمية تتواجد على حد سواء فى الدول العربية والغربية وكذلك الديمقراطية والاستبداية أو الشمولية ولكن ربما تحد هذه النظم الديمقراطية من سلطات الزعيم الكاريزمى وربما تكون على النقيض دافعا للاستبداد أو مزيد من الاستبداد بالنسبة للنظم الغير ديمقراطية.وعلى هذا ستتناول الدراسة الزعامة الكاريزمية والتحول الديمقراطى مع التطبيق على اثنين من الزعماء احدهما عربى وهو جمال عبد الناصر والآخر أوروبى وهو شارل ديجول وهذا باعتبارهما زعيمان يتمتعان بالشخصية الكاريزمية, كما أن فترة حكمهما متقاربة وأيضا عاصرا فترة الحرب العالمية,كما تعرضت بلدانهما للوقوع تحت الاحتلال فخضعت مصر للاحتلال البريطانى فى حين عانت فرنسا من الخطر والاحتلال الالمانى لها, وأيضا كان كلاهما له خلفية عسكرية فكلاهما كانا ضباط فى الجيش المصرى والفرنسى، وكلاهما ايضا وصل للسلطة بطرق غير ديمقراطية ففى حين وصل جمال عبد الناصر الى سدة الحكم بعد الاطاحة بمحمد نجيب الذى كان واحدا من ضمن الضباط الاحرار والذين كان من بينهم جمال عبد الناصر ايضا وهم من قادوا ثورة 23يوليو 1952 التى انهت عهد الملكية فى مصر.وكان وصول ديجول للسلطة راجعا الى الدور الذى لعبه فى تحرير فرنسا من الاستعمار الالمانى وقيادته حركة المقاومة والتى استطاع من خلالها تولى منصب رئيس الحكومة المؤقتة, ثم رئيس الجمهورية فيما بعد .
المشكلة البحثية :
تتمحور المشكلة البحثية حول دراسة القيادة وعلى نحو أكثر دقة القيادة الكاريزمية,والعوامل التى أدت الى وصول هؤلاء القادة الى سدة الحكم ودراسة العلاقة بين القيادة الكاريزمية والتحول الديمقراطي ومدى التأثير الذى يحدثه هذا النوع من الزعامة على مسار التحول الديمقراطي وتبين ذلك من خلال التطبيق على كل من عبد الناصر وديجول .
ومن ثم فإن السؤال الرئيس الذى تدور حوله الدراسة هو ” ماأثر الزعامة الكاريزمية على عملية التحول الديمقراطي خلال فترة كل من عبد الناصر وديجول؟”
ويتفرع من هذا السؤال الرئيسى عدد من الأسئلة الفرعية والتى تتمثل فى :
- ما تأثير الزعامة الكاريزمية على التعدد الحزبى؟
- ماهو تأثيرالزعامة الكاريزمية حرية الاعلام ؟
- كيف تؤثر الزعامة الكاريزمية على مؤسسات صنع القرار فى الدولة ؟
أهمية الدراسة :
الأهمية العلمية :
ترجع الأهمية العلمية لهذه الدراسة الى كونها تتناول موضوع شرعية الحكام الذين يتمتعون بالكاريزما وعلى وجه الخصوص عبد الناصر وديجول وعلاقة هذه الكاريزما بالتحول الديمقراطي وذلك فى ظل ندرة الأدبيات التى ركزت على هذا الموضوع فمعظم الادبيات الاخرى كانت عبارة عن مجموعة من السير الذاتية المكتوبة عن الشخصية أو أدبيات تناولت كيفية صعودهم للسلطة فقط.
الأهمية العملية:
تتمثل الأهمية العملية فى دراسة العلاقة بين الزعامة الكاريزمية والتحول الديمقراطي ومدى اختلاف هذا التأثير من البلدان العربية والبلدان الاوروبية وذلك من خلال التطبيق على كل من جمال عبد الناصر وشارل ديجول .
التحديد الزمانى :
تتراوح فترة الدراسة بين (1944-1970) حيث تبدأ من وصول ديجول الى السلطة وتنتهى عند انتهاء فترة حكم عبد الناصر بوفاته . حيث أصبح عبد الناصر رئيس الجمهورية عام 1956 وظل فى منصبه حتى وفاته عام 1970. أما ديجول تولى منصب رئيس حكومة مؤقت عام 1944 وترك السلطة ثم عاد اليها ثم تنحى عام 1969.
منهج الدراسة :
المنهج المقارن:
سنقوم باستخدام المنهج المقارن فى الدراسة حيث أن الدراسة تعتمد بالأساس على المقارنة بين كل من (جمال عبد الناصر– شارل ديجول ) لذا فيعد المنهج المقارن منهجا ملائما للدراسة ويمكن أن يثريها.
يعتبر المنهج المقارن وسيلة لبحث وتعليل الظواهر المختلفة وتقصى الجذور التاريخية عن طريق التحقق من التماثل أو الاختلاف فى النمط والأسلوب ، وان كان هذا لايمنع من التعرض للمشكلات الحديثة بمنهج مقارن كما هى الحال بالنسبة لمعظم الدراسات المعاصرة التى تكاد تنتمى بما تحويه من مادة ومشكلات الى حقل العلاقات الدولية . وعند تطبيق هذا المنهج ، يمكن تجميع الظواهر التى يتوافر بينها قدر كاف من التماثل ثم وضعها تحت عنوان ما ، وهو ما يعطى للمنهج المقارن دورا فى عملية تكوين المفاهيم . علاوة على ذلك فإن الكشف عن التباين بين الأشياء والظواهر وعقد المقارنات بينها يعتبر أساسيا لعملية التصنيف . أى أن أهمية المنهج المقارن بالنسبة لعمليتى الفكر والتعبير عنه تنبع من الدور الذى يلعبه فى التصنيف وتكوين المفاهيم . وهذا يعتبر من قبيل المقارنة أيضا التمييز بين أحداث معينة أو ممارسات أو وظائف أو مؤسساتأو شخصيات . كذلك فإنه عند القيام بعملية تنبؤ سواء على أساس قانون أو نظرية ثم مراجعتها على الحقيقة للتثبت من صحتها ، فنحن فى الحقيقة نقارن التوقع بالحدث. وغنى عن البيان أن الكشف عن أوجه التماثل والاختلاف عن طريق عقد المقارنات يزود الباحث بفكرة أوضح للأشياء والظواهر موضوع الدراسة وفهم أدق لمعنى الرموز المستخدمة.[1]
اقتراب القيادة السياسية :
على الرغم من أن هذا الاقتراب يركز على متغير القيادة السياسية الا انه يأخذ بعين الاعتبار السياقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية المحيطة بالقيادة. وتتعدد مداخل دراسة القيادة السياسية فهناك مدخل السمات الشخصية والذى ينظر الى القيادة على أنها مفتاح كل الألغاز و أنها صاحبة التأثير الأكبر في العملية السياسية وهناك مدخل المكانة الذى يركز على مدخل القائد داخل مؤسسات النظام والصلاحية المخولة له ثم المدخل البيئى والذى يركز على الموقف الذى يواجه القيادة ويربط بين القائد وبين البيئة الداخلية والخارجية التى تحيط به .[2]
هذا الاقتراب أيضا يبدو ملائما للدراسة حيث أنه سيساعدنا في معرفة السياقات المحيطة بالقائد والسمات الشخصية لهذا القائد والتى فى بحثنا سيكون التركيز فيها على الكاريزما وتأثير هذا على توجهاته وكذلك مكانة هذا القائد. وأيضا سيساعدنا في فهم اسباب تأثير هذه القيادة الكاريزمية على الجماهير.
الاطار المفاهيمى :
مفهوم القيادة السياسية :
وهى قدرة القائد السياسى بمعاونة النخبة السياسية في تحديد أهداف المجتمع السياسي وترتيبها تصاعديا حسب أولياتها واختيار الوسائل الملائمة لتحقيق هذه الأهداف بما يتوافق مع القدرات الحقيقية للمجتمع وتقدير أبعاد المواقف التى تواجهه واتخاذ القرارات اللازمة لمواجهة المشكلات والأزمات التى تفرزها هذه المواقف ويتم ذلك كله في اطار تفاعلى تحكمه القيم والمبادئ العليا .
وبهذا المعنى فإن القيادة السياسية ليست في جوهرها ظاهرة فردية تتعلق بشخص القائد الذى يمارس السلطة السياسية في المجتمع ومن ثم فالقيادة تتضمن عنصرين هما القائد والنخبة السياسية . والقيادة كعملية تضم الى جانب هذين العنصرين الموقف والقيم .
وهناك عدة تصنيفات للقيادة السياسية ابرزها التى تقوم على اساس الشرعية وقد صنفها ماكس فيبر الى ثلاثة انواع من السلطات وهى
- السلطة التقليدية : وهي التي تعتمد على قدسية التقاليد حيث يصل الحاكم الى سواء كان فرد أو جماعة الى السلطة بالوراثة وينظر له على أنه ابدى ويدين الافراد فيه بالولاء المطلق الذى تكرسه أنماط ثقافية تقليدية راسخة مثل مبدأ الحق الالهى المقدس للملوك. وكانت هذه السلطة سائدة في المجتمعات ما قبل الحديثة مثل المجتمعات البدائية والزراعية, كسلطة كبار السن ورجال الدين في بعض المجتمعات. وتقوم على تقديس التقاليد والأعراف الموروثة والمكتسبة وتتميز بالنزوع نحو الماضي , كما أنها ترتبط بأشخاص بعينهم.
- السلطة العقلانية أو القانونية : وهي لا تستند على الفرد وانما تقوم على تقوم على أسس قانونية أو رسمية وعلى العلاقات غير الشخصية والعلاقات الهرمية,فهى تعنى حكم القانون وليس الاشخاص وعليه فان اساس ولاء المحكومين للحاكم هو الايمان والاتفاق على قواعد العملية السياسية بغض النظر عن شخصية من يتولى الحكم . ويتضح هذا النوع من السلطة في التنظيمات المعقدة ذات الحجم الكبير والتي توجد في المجتمع المعاصر والتى تقوم على تدرج في المسؤوليات , والأدوار, والوظائف.
- السلطة الكاريزمية : وهي السلطة التي تتخذ شرعيتها من الزعامة الملهمة للحاكم ويعتقد الناس أنه القائد الملهم الذي يمتلك مهارات وقدرات شخصية خارقة أو فوق العادة وذلك بغض النظر عن واقع صفاته الحقيقية . فهؤلاء القادة يدعوا أن لديهم قدرات تختلف بل وتفوق المواطنين اعتمادا على بطولات, أو امتلاك سلطة دينية ما. [3]
مفهوم التحول الديمقراطي :
التعريف الاسمى :
التحول فى العربية هو الانتقال من حال الى حال آخر ويقابلها فى الانجليزية transitionوالتى تعنى ايضا الانتقال من مرحلة الى مرحلة اخرى او من حالة الى أخرى.اما فيما يخص الديمقراطية فهى مشتقة مناللغة اليونانية القديمة حيث تتكون الكلمة من مقطعين demos وتعنى الشعب و cratos والتى تعنى الحكم او السلطة وبذلك يكون المعنى اللفظى لمفهوم الديمقراطية هو حكم الشعب , وهناك التعريف الكلاسيكى للديمقراطية التى تعرفها على انها حكم الشعب نفسه بنفسه. اما التحول الديمقراطى فهو التحول من نظم سلطوية او شبه سلطوية الى نظم ديمقراطية او تشمل افراد وموضوعات أو مؤسسات لم تكن تشملهم من قبل وذلك خلال فترة زمنية محددة ويصاحب هذا قواعد واجراءات تنظم العلاقة بين كل من الحاكم والمحكومين حيث يكون لدى المحكومين القدرة على الرفض والقبول وكذلك يتمكنوا من مراقبة من فى السلطة ولكن هذا يكون بالطبع فى اطار الالتزام بقواعد القانون فعملية التحول الديمقراطى تغير من طبيعة توزيع وممارسة السلطة السياسية ويتم الاعتماد بشكل اكبر على الاختيار الشعبى الحقيقى وعلى المؤسسات السياسية التى تتمتع بالشرعية .
وهذه الفترة الزمنية التى يتم فيها التحول من النظام الغير ديمقراطى الى النظام الديمقراطى هى المرحلة التى يجرى فيها اكتمال تأسيس النظام الجديد ولكن عملية الانتقال هذه لاتحسم دائما الشكل النهائى لنظام الحكم فهى قد تؤدى تحلل وتفكك النظام السلطوى واقامة شكل من اشكال الديمقراطية وقد تؤدى الى العودة الى شكل من اشكال الحكم السلطوى وشبه السلطوى , لذا فهذه الفترة تكون مليئة بالصراعات وذلك فى محاولة لارضاء مصالح من يقودوا عملية التحول وارضاء مصالح من يمثلونهم.
وتمر عملية التحول الديمقراطى بعدة مراحل وهى
- انهيار وتفكك النظام السلطوى القديم
- اقامة نظام ديمقراطى
- التماسك او التدعيم للنظام الديمقراطى
- النضج الديمقراطى
التعريف الاجرائى :
إن لكل ظاهرة اجتماعية مؤشراتها التى عادة ما تكون هى الأساس للتعريف بتلك الظاهرة إلا أن تلك المؤشرات تختلف في ظهورها من مجتمع لآخر وذلك تبعا لاختلاف تكوينها واتجاهات حضاراتها و ايدولوجيتها وكذلك اختلاف الباحثين والمدارس التى تناولت هذا المفهوم ومن أهم المؤشرات التى اتفق عليها الباحثين في تعريف الديمقراطية
- التعدد الحزبى
- التداول السلمى للسلطة
- المشاركة السياسية الفاعلة
- احترام حقوق الانسان
- حرية الرأى والتعبير
- نزاهة الانتخابات
- الفصل بين السلطات
- فرض قيود دستورية على سلوك المسئولين
- احترام حقوق المرأه
- حرية الاعلام[4]
الاطار النظرى :
نظرية روستو للتحول الديمقراطى :
والتى یؤكد فيها روستو على أن التحول الدیمقراطي لا یرتبط بمحددات حتمیة تؤدي اليه وإنما يرتبط بمحددات احتمالیة. كما افترض ان عملیة التحول الدیمقراطي تمر بثلاث مراحل
المرحلة التحضیریة : بدایة الصراع بین النخب الحاكمة والمعارضة .
مرحلة التوافق المجتمعي علي التحول للدیمقراطیة .
مرحلة التعود : والتى تصبح فيها الممارسة الدیمقراطیة أمراً طبیعیاً .
ويرى روستو أن المرور بمرحلة من مراحل التحول لا یعني حتمیة الوصول للمرحلة التالیة . وأن نتائج عملیة التحول الدیمقراطي غیر أكیدة وتستمر لعقود . كما يرى أن الصراع السیاسي و التوافق المجتمعي شروط أساسیة للتحول .[5]
ويمكن تطبيق هذه النظرية على الحالات الدراسية التى نتناولها ففى حالة جمال عبد الناصر نجد أنه كان هناك صراع بين الملكية والضباط الاحرار والذى انتهى بانلاع ثورة يوليو 1952 والتى انتهت بسيطرة الضباط الاحرار على الحكم وانهاء الملكية واعلان الجمهورية .
اما فيما يتعلق بديجول فنجد انه كان هناك صراع بين بين رموز الجمهورية الثالثة (المارشال بيتان) وبين المعارضين وعلى رأسهم شارل ديجول والذى انتهى بسقوط الجمهورية الثالثة وقيام حكومة مؤقتة ثم الجمهورية الرابعة والتى اتسمت بعدم الاستقرار والذى ادى فى النهاية الى سقوطها وقيام الجمهورية الخامسة والتى تمتد منذ 1958 وحتى الآن .
الأدبيات السابقة :
قبل أن نستعرض الادبيات الخاصة بالتحول الديمقراطى لابد من ايضاح العوامل او الاسباب التى تؤدى الى التحول الديمقراطى وأنها تنقسم الى :
- عوامل داخلية
- عوامل خارجية
وتنقسم الاسباب الداخلية التى تؤدى الى عملية التحول الديمقراطى الى :
- انهيار قدرات النظام : فالنظام السياسى لدولة ما يتغير أو ينهار اذا كان التوازن الذى يمثله لم يعد معبرا عن الحقائق الاجتماعية والسياسية فى المجتمع, فالنظام السياسى هو التعبير عن حركة التفاعلات الاجتماعية بين الافراد وفئات المجتمع واستمرارية تلك التفاعلات هو ما يحول دون وقوع صدام بين المصالح المتصارعة للفئات الاجتماعية المختلفة أو طغيان مصالح احداها على الأخرى ومواجهة التحديات الخارجية التى توجه المجتمع ككل, وكذلك الصمود امام المطامع الخارجية الرامية الى الغزو فاذا عجزت قدرات النظام القائم عن القيام بتلك المهام فإن النظام يبدأ فى التداعى والانهيار من خلال عمل عنيف أو انقلاب عسكرى .
- العامل الاقتصادى : ويعد العامل الاقتصادى من العوامل ذات الأهمية القصوى فى أى تحول أو تغير سياسى فالعلاقة بين الاقتصاد والسياسة علاقة شديدة الترابط والتداخل, لذلك تثير جدلا واسعا عند مناقشتها فهناك جدل حول العلاقة بين التنمية الاقتصادية والتحول الديمقراطى فهناك من يرى ضرورة اسبقية العوامل الاقتصادية لتحقيق لتحقيق الديمقراطية ورأى آخر يرى ضرورة أسبقية العوامل الاقتصادية لتحقيق الديمقراطية, بينما توجد وجهة نظر اخرى ترى أنه ليس هناك ارتباط بين تحقيق الديمقراطية والاقتصاد .
ولكن رغم هذا الجدل فإن هناك اتفاق بين المدارس المادية الفكرية على أن العوامل الاقتصادية هى التى تحدد شكل المؤسسات السياسية من حيث الهيكل والوظائف, وأن التغيرات فى تلك العوامل يتبعها تغير فى وظائف وسياسات تلك المؤسسات .
- دور المجتمع المدنى : حيث يلعب دور مهم فى تدعيم مبادئ الديمقراطية ويهئ بيئة ملائمة لغرس وتنمية القيم الديمقراطية, وكذلك يلعب التعليم والصحافة والاعلام دور مهم فى رفع معدل النمو الثقافى للمجتمع مما يساعد فى خلق بيئة ملائمة لرفع فاعلية قوى المجتمع المدنى .
- التغيرات فى ادراك السياسة الخارجية : حيث تعتبر القيادة السياسية مسئولة عن عملية التماسك الديمقراطى وعن حماية الفرد من تعسف الدولة والتفاوض مع الجماعات التى تهدد عملية التحول للوصول الى أكثر صيغ التحول قبولا من المجتمع , كما يلزم – الى جانب توافر الشروط الاقتصادية والاجتماعية – رغبة القيادة السياسية فى التحول الديمقراطى .
الاسباب الخارجية وتنقسم الى :
- ضغوط الدول الكبرى : فقد تمارس الدول الكبرى والمؤسسات الدولية المانحة ضغوطا على الدول فتشترط على الدول التى تمنحها المساعدات المالية أو الفنية القيام باصلاحات سياسية .
وتعد الولايات المتحدة من أهم القوى التى تؤيد عملية التحول الديمقراطى وربما تمارس ضغوطا من أجل تحقيق ذلك ولكن اذا كان هذا التغير لايؤثر عليها سلبا ولا يتعارض مع المصالح الامنية والتجارية او السياسية الخاصة بها .
- اسباب اقليمية : وتتمثل فى ظاهرة الانتشار والعدوى, فنجاح التحول الديمقراطى فى دولة ما يشجع عليه فى دولة أخرى ويكون ذلك راجعا اما لتشابه المشكلات التى تواجههم أو للاعتقاد بأن التحول الديمقراطى هو الحل الامثل لمشكلاتهم .
وقد ازدادت أهمية ظاهرة الانتشار والعدوى مع الثورة التكنولوجية والعلمية وثورة الاتصالات بعد الحرب العالمية الثانية وازدادت حدتها فى الآونة الأخيرة مع التطور التكنولوجى الذى نشهده حاليا .
- الحرب أو التدخل الخارجى : وذلك من خلال فرض النظام الديمقراطى على نظام ما مثل اليابان بعد هزيمتها فى الحرب العالمية الثانية .
وقد يكون التحول نتيجة الوقوع فريسة الاحتلال كحالة العراق بعد احتلالها من الولايات المتحدة الامريكية .[6]
الادبيات التى تناولت التحول الديمقراطى
الأدبيات التى تناولت التحول الديمقراطي من حيث تأثير العوامل الخارجية
التحول الديمقراطى فى تركيا فى الفترة ما بين عام 1990- ديسمبر 2004[7]
التحول الديمقراطى فى المغرب ودور المؤسسة الملكية (1992 – 1998)[8]
التطور الديمقراطى و أثره على المشاركة السياسية فى مصر فى عهد مبارك[9]
التحول الديمقراطى فى دولة قطر 1995 -2004 [10]
وفى هذه الحالات حدث التحول الديمقراطى لان الديمقراطية اصبحت قيمة هامة فى منظومة القيم السياسية وكذلك نتيجة اتجاه العالم نحو التحول الى عالم اكثر ديمقراطية,واصبح تحول دولة نحو الديمقراطية يشجع دول اخرى الى القيام هى الأخرى بهذه الخطوة .
التحول الديمقراطى فى افغانستان والعراق 2001-2010 من منظور مقارن[11]
وهى تقوم على فكرة أن التحول الديمقراطى راجعا الى عوامل خارجية ولكن يختلف عما سبقه فى ان العامل الخارجى هو التدخل الخارجى حيث تدخلت الولايات المتحدة فى الدولتين .
ظاهرة التحول الديمقراطى فى أوغندا ( 1986 – 1996) دراسة تحليلية فى الاسباب والنتائج[12]
والتحول الديمقراطى راجعا فى هذه الدراسة ايضا الى عوامل خارجية ولكنها نتيجة لممارسة الضغوط على الدولة من قبل الدول والمنظمات المانحة الاوروبية وايضا من قبل الولايات المتحدة الامريكية .
الأدبيات التى تناولت التحول الديمقراطي من حيث تأثير العوامل الداخلية
التحول الديمقراطى فى موريتانيا 2005 – 2009[13]
التغير في القيادة السياسية والتحول الديمقراطى في النطم السياسية المصرية في التسعينات[14]
النخبة السياسية والتحول الديمقراطى فى البحرين ( 1992 – 2002)[15]
واعتمدت عملية التحول الديمقراطى فى الدراسات السابقة على عوامل داخلية ولكن الاولى اعتمد التحول فيها على آلية الانقلاب العسكرى , أما الثانية والثالثة فاعتمدا فى عملية التحول الديمقراطى على تغير القيادة السياسية فرحيل جيل من الحكام وتولى جيل آخر من الحكام ادى الى التوجه نحو مزيد من الديمقراطية .
الأدبيات التى تناولت القيادة
قبل أن نستعرض الادبيات التى تناولت القيادة لابد من ايضاح أن هناك عدة منظورات يمكن من خلالها دراسة القيادة والتى نتناولها فيما يلى :
- المنظور النفسى ( السيكولوجى ) : ويرتبط هذا المنظور بعلم النفس وخاصة علم النفس الاجتماعى والذى ينصب اهتمامه الرئيسى على الفرد فى الجماعات الصغيرة ويعتمد على المنهجية المخبرية التى تستخدم الاسلوب التجريبى.ويركز هذا المنظور على أهمية العلاقة والتفاعل بين الشخصية والبيئة وأهمية دور الاتباع فى تنظيم, وكذلك التمييز بين الاتباع الطوعى وغير الطوعى وأهمية الموقف فى العلاقة القيادية .
وتعد القيادة فى هذا الاطار مجرد وظيفة من وظائف الجماعة مثل المحاسبة الطباعة وحفظ المعلومات , وتشير دراسات لاسويل واريكسون للاهتمام بأثر العوامل الشخصية فى القيادة السياسية حيث اعتبر لاسويل أن القائد السياسى هو انسان يحول مشاكله الشخصية الى قضايا عامة, بينما يصور اريكسون القائد السياسى كشخص يجد الحل لمشكلاته الشخصية عن طريق تحويل أو تغيير وضع اجتماعى معين .
- المنظور الاجتماعى : يهتم هذا المنظور بالقيادة باعتبارها ممارسة القوة أو من خلال النفوذ فى التجمعات الانسانية مثل الجماعات والمنظمات والمجتمعات الصغيرة والامم وتشمل ممارسة القوة ثلاث وظائف هى تحديد أهداف المجتمع واغراضه وغاياته وايجاد الهياكل اللازمة لتحقيق الاهداف والمحافظة على تلك الهياكل وصيانتها .
- المنظور السياسى : يطرح هذا المنظور ثلاث تفسيرا لدراسة من هو الذى يغير التاريخ أو من الذى يحدث التاريخ ويتمثل هذا المنظور فى عدد من النظريات منها نظرية الرجل العظيم, نظرية النخبة, والنظرية التعددية أو الديمقراطية .[16]
الادبيات التى ركزت على السمات الشخصية للقائد
التغير في القيادة السياسية والتحول الديمقراطى في النطم السياسية المصرية في التسعينات[17]
الادبيات التى ركزت على دور المؤسسات
أثر التغير فى القيادة السياسية على السياسة الخارجية الايرانية تجاه دول مجلس التعاون الخليجى (1997 – 2009 )[18]
النخبة السياسية والتحول الديمقراطى فى البحرين ( 1992 – 2002)[19]
الادبيات التى تناولت عبد الناصر
الادبيات التى ركزت على شخصية القائد(عبد الناصر) والجانب النفسى
التحليل السياسى الناصرى : دراسة فى العقائد والسياسة الخارجية [20]
لمصر لا لعبد الناصر[21]
Nāṣir’sRôle and Legacy II: Marx, Weber and the Egyptian Revolution[22]
الادبيات التى تناولت ديجول
الادبيات التى ركزت على شخصية القائد والجانب النفسى
The Process of Personal Leadership: The Case of de Gaulle[23]
CHARLES DE GAULLE & THE FRENCH RESISTANCE: A Case Study on the Legitimacy and Contention of a Resistance and its Leader[24]
الفصل الأول : الزعامة الكاريزمية والتحول الديمقراطي فى عهد عبد الناصر
إن تمتع قائد أو حاكم دولة ما بالكاريزما بالطبع يسهل من عملية سيطرته على مقاليد الحكم حيث انه يستطيع من خلال ذلك القبول الذى يحظى به اقناع الجماهير بأفكاره وتعبئتهم تجاه قضية بعينها – سواء بالقبول أو بالرفض بناء على ما يقتضيه الموقف -, ولكن هذه الطاعة من قبل الشعب للقائد قد تيسر عملية التحول الديمقراطى ويمكن أيضا أن تكون عائقا أمامها .
وهذا ما سنحاول دراسته من خلال هذا الفصل , حيث سنعمل من خلال المباحث على استيضاح كيف اثرت الكاريزما التى تمتع بها عبد الناصر على عملية التحول الديمقراطى وذلك من خلال دراسة أثرها على كل من التعدد الحزبى والصحافة وكذلك مؤسسات صنع القرار, وذلك بعد تقديم نبذه تاريخية مختصره فى البداية لمعرفة التطور الذى أحدثه وصول عبد الناصر للحكم.
المبحث الاول : نبذة تاريخية
لقد شهد النظام المصرى قيام مجلس نيابى لاول مرة فى عام 1866 وذلك تحت اسم مجلس شورى النواب والذى كان مجرد هيئة استشارية وناضل الشعب من أجل الديمقراطية والذى اسفر عن اصدار دستور 1882 ولكن الاحتلال البريطانى أوقف العمل به الا ان نضال الشعب من أجل الديمقراطية استمر الى ان صدر دستور 1923 والذى نص على انشاء برلمان له اختصاصات تشريعية وله حق مساءلة الحكومة وسحب الثقة منها,كما أن دستور 1923 حقق تعددية سياسية حيث نشأت أحزاب متعددة , كما تألفت أول حكومة شعبية ديمقراطية فى ظل هذا الدستور وذلك برئاسة سعد زغلول فى 28 يناير 1924.
ولكن حدثت انتهاكات دستورية عديدة وذلك بداية من عام 1925 وظل الوضع هكذا الى ان صدر دستور جديد فى عام 1930 – وهو الدستور الذى اعتبر ردة عن التطور الديمقراطى الذى كان قد تحقق من خلال دستور 1923- حيث حد الدستور من سلطات البرلمان ودعم سلطة الملك , كما تعاقبت على مصر فى الفترة من 1923- 1952 عشر هيئات نيابية وهذا يدل على عدم الاستقرار النيابى اذ لم يكمل مجلس النواب مدته الدستورية الا مرة واحدة .
وفى عام 1939 عندما نشبت الحرب العالمية الثانية اعلنت مصر الاحكام العرفية وقامت بمصادرة الصحف والحريات وبدأت حملة من الاعتقالات , كما شهدت هذه الفترة ازمة كبرى حيث قابل السفير البريطانى الملك فاروق وطالبه باستدعاء مصطفى النحاس باعتباره زعيم حزب الاغلبية لكى يشكل الوزارة وكان الملك رافضا وذلك فى حين اصر النحاس على تأليف حكومة وفدية بحته ورفض الانذار البريطانى وهو ما أدى الى محاصرة الدبابات البريطانية لقصر عابدين لاجبار الملك على التنازل عن العرش ( فيما عرف باسمحادث 4 فبراير 1942),وعندما وافق فاروق على استدعاء النحاس لتشكيل الوزارة فتراجعت بريطانيا عن خلع الملك لانه اذعن لها واستجاب لمطالبها .
واتخذت حكومة الوفد قرارات واجراءات وطنية لدعم الحياة الديمقراطية وتحرير الوطن والمواطن واحترام الحريات والغاء الاحكام العرفية والرقابة على الصحف واغلاق المعتقلات وسمحت بالمظاهرات التى وصلت الى قصر عابدين وكانت تهتف بسقوط الملك والغى النحاس معاهدة 1936 فى اكتوبر 1951 وشجعت حكومة الوفد حركة الكفاح المسلح فى منطقة القناة وزودت الفدائيين بالسلاح وشجعت العمال المصريين العاملين فى المعسكرات البريطانية على تركها مع توفير العمل لهم ولم يكن الملك راضى عن هذه الاجراءات . وفى 26 يناير 1952 وقع حريق القاهرة وأعلنت الاحكام العرفية .
وكل هذه الاسباب الى جانب عدد من الاسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تضافرت معا أدت الى ثورة 23 يوليو 1952
فعلى المستوى السياسى : نجد أنه كان هناك حالة من السخط العام بسبب الاحتلال البريطانى وتجاوزات الاحتلال وتدخله فى السفارة البريطانية فى الشئون السياسية لمصر وعدم قدرة النظام على صد هذه التجاوزات او التخلص من هذا الاحتلال , كما كان عاجزا عن قيادة النضال المسلح ضده , وعانى النظام ايضا من الفساد , كما تعددت انتهاكاته للدستور , وتضاءلت شعبية الملك فاروق،هذا الى جانب الهزيمة فى حرب فلسطين فى عام 1948.
وعلى المستوى الاقتصادى : تفاقمت المشكلات الاقتصادية وزادت حدة الفقر وتردت الحالة الاقتصادية بوجه عام .
وعلى المستوى الاجتماعى : عانى الشعب من غياب العدالة الاجتماعية والتفاوت فى الطبقات واستحواذ الاقطاعيين على الاراضى .
وكل هذا ادى الى رغبة الشعب فى التمرد والثورة وادى الى اتخاذ الجيش قرار بالاتقلاب على هذا الحكم الفاسد ولكن ما سرع من هذه الخطوة هو حريق القاهرة الذى نشب فى 26 يناير 1952 وكذلك القرار بحل مجلس ادارة نادى الضباط فى 16 يوليو 1952 .
وقامت الحركة فى 23 يوليو 1952 وفى 26 يوليو اجبرت حركة الجيش الملك على التنازل عن العرش لابنه الامير احمد فؤاد الثانى وتوقيع وثيقة تنص على هذا التنازل وغادر الملك البلاد فى نفس اليوم .
وكان الهدف الرئيسى لحركة الجيش هى ازاحة الملك فاروق من السلطة ولكنها وضعت ستة مبادئ تهدف الى تحقيقهم وهى مبادئ منبثقة عن ارادة الشعب كان من بينهم اقامة نظام ديمقراطى وهذه المبادئ هى :
- القضاء على الاستعمار وأعوانه
- القضاء على الإقطاع
- القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم
- إقامة عدالة اجتماعية
- إقامة جيش وطني
- إقامة حياة ديمقراطية سليمة
ورغم تحقق الهدف الرئيسى الذى تحركت الحركة من أجله فإن الجيش لم يترك السلطة وأعلن جمال عبد الناصر فى خطاب له أن الحركة تنتوى البقاء فى الحكم . وقد كانت القوى الوطنية التقدمية مؤيدة لحركة الجيش وتدفعها نحو السلطة . وعلى هذا تم تشكيل وزارة برئاسة محمد نجيب فى 7 سبتمبر 1952 وتعيينه وزيرا للحربية والبحرية والقائد العام للقوات المسلحة وفى هذا الوقت الذى بدأ فيه الجيش بالاستيلاء الفعلى على السلطة بدأت حملة من الاعتقالات حيث أنه فى 7 سبتمبر 1952 صدر قرار باعتقال الزعماء السياسيين وذلك دون سند قانونى .
بعد ذلك عمل جمال عبد الناصر على التخلص من محمد نجيب والاستيلاء على السلطة فكان يجتمع بأعضاء مجلس قيادة الثورة فى منزله قبل الاجتماع الاسبوعى الذى كان يعقد بقيادة محمد نجيب وذلك حتى يصبح غير ذى أهمية ثم شن حملة تشويه ضد محمد نجيب مما اضطر نجيب لتقديم استقالته فى 23 فبراير 1954. وقبل مجلس قيادة الثورة استقالة محمد نجيب فى 25 فبراير 1954,كما قرر تعيين جمال عبد الناصر رئيس لمجلس قيادة الثورة ورئيس للوزراء وذلك فى 5 مارس 1954 .
وفى 17 ابريل عُين جمال عبد الناصر رئيسا للوزراء وقد استغل مجلس قيادة الثورة محاولة اغتيال جمال عبد الناصر فى 26 اكتوبر 1954 واصدر قرار باعفاء محمد نجيب من جميع المناصب التى كان يشغلها بدعوى تورطه مع الاخوان على ان يبقى منصب رئيس الجمهورية خاليا ويستمر مجلس قيادة الثورة فى تولى وادارة شئون البلاد بقيادة عبد الناصر .
وفى 16 يناير 1956 تم طرح الدستور الجديد للاستفتاء الشعبى وكذلك الاستفتاء على رئاسة جمال عبد الناصر للجمهورية وفى 25 يونيو 1956 تم حل مجلس قيادة الثورة وانتقلت سلطاته الى عبد الناصر باعتباره رئيس الجمهورية .[25]
المبحث الثانى : أثر القيادة الكاريزمية على التعدد الحزبى و حرية الاعلام فى عهد عبد الناصر
لقد شهدت الفترة التى سبقت ثورة 23 يوليو 1952 وجود عدد من الاحزاب السياسية ومن امثلة هذه الاحزاب
- الحزب الوطنى
- حزب الأمة
- الحزب الوطنى الحر
- حزب الاصلاح على المبادئ الدستورية
- الحزب المصرى
- حزب النبلاء
- الحزب الجمهورى
- حزب العمال
- حزب الوفد والذى كان صاحب الاغلبية
ولكن هذا التعدد فى الاحزاب لم يكن يعنى الديمقراطية حيث أنه لم يكن يسمح لحزب الوفد وهو صاحب الاغلبية بتشكيل حكومة بمفرده .
وقبل قيام حركة الجيش بقيادة الثورة سعى عبد الناصر لكسب مساندة الوفد – باعتباره حزب الاغلبية وله تأثير كبير على الرأى العام – والاخوان المسلمين , ولكنه بعد الوصول للسلطة عمل على القضاء على الاحزاب وقامبذلك من خلال ثلاثة مراحل :
المرحلة الاولى : رفعت هذه المرحلة شعار التطهير حيث دعا الاحزاب الى أن تقوم بعملية تطهير وكان الهدف من وراء ذلك هو أن يدب الخلاف فى صفوف الاحزاب وتنقسم على نفسها ويقوم بتعريتها أمام الرأى العام واستجابت الاحزاب بالفعل الى هذه الدعوة غير مدركة الهدف الذى كان وراء هذه الدعوة .
وأدت عملية التطهير هذه الى فصل بعض الاعضاء من الاحزاب وهو ما دفعهم الى التشهير بالاحزاب التى كانوا ينتموا لها , مما اضعف مكانة الاحزاب وأضر بمصداقيتها لدى الشعب .
المرحلة الثانية : إعادة تنظيم الاحزاب لذا قاموا باصدار قانون تنظيم الاحزاب فى 9 سبتمبر 1952 وذلك بعد التأكد من ضعف الاحزاب وتصدعها .
وينص القانون على أن من يرغب فى تكوين حزب سياسى عليه ان يقوم باخطار وزير الداخلية وللوزير الحق فى الاعتراض على تكوين الاحزاب خلال شهر من اخطاره, كما يلزم القانون الاحزاب باعادة تكوينها وفقا لاحكامه وايداع اموالها فى مصارف للصرف منها،كما تم القاء القبض على زعماء الاحزاب .
المرحلة الثالثة : حل الاحزاب والتى تعد نتيجة للمرحلتين السابقتين .
ثم فى 16 يناير 1953 اعلن حل الاحزاب السياسية ومصادرة جميع اموالها لصالح الشعب وحظر تكوين احزاب جديدة وقيام فترة انتقالية لمدة ثلاث سنوات .
وفى 13 سبتمبر 1953 صدر قرار تشكيل محكمة الثورة وكانت موجهة ضد الاحزاب والتنظيمات السياسية وخاصة حزب الوفد حيث كان اقوى الاحزاب واكثرها شعبية وكان المتهمون يواجهون المحاكمة دون تحقيق واستمرت جلسات محكمة الثورة من اول اكتوبر 1953 الى ابريل 1954 والتى بانتهائها كان معظم قيادات الاحزاب وعلى رأسهم قيادات حزب الوفد فى السجون وبهذا قضى على الاحزاب .
أما عن جماعة الاخوان المسلمين فقد كان لهم صلة قوية بالضباط الاحرار. وفى 23 يوليو 1952 اسهمت جماعة الاخوان المسلمين فى تأمين حركة الجيش ضد أى تدخل محتمل من بريطانيا ولكن عندما استشعر عبد الناصر تضخم الجماعة وزيادة قوتها وكذلك تزايد تصريحاتها بدورها فى مساندة حركة الجيش فى 23 يوليو خشى عبد الناصر أن تكون هذه ضغوط تمهيدا لاستيلاء الاخوان على السلطة لذلك ابتعد عن الجماعة فى اغسطس 1952 وعمل على الحد من قوتها , كما عمل على تعميق الخلاف الذى كان قد نشأ فى الجماعة على الغاء التظيم السرى من عدمه بأن جذب اليه عبد الرحمن السندى رئيس الجهاز السرى مستغلا خلافه مع المرشد العام للجماعة آنذاك حسن الهضيبى .
وفى 15 يناير 1954 اصدر مجلس قيادة الثورة قرار بحل جماعة الاخوان المسلمين وذلك بعد سنة من حل الاحزاب السياسية,كما اصدر مجلس قيادة الثورة بيانا وجه فيه اتهامات لجماعة الاخوان منها عدم تأييد الثورة والاتصال بجهات أجنبية وتشكيل اجهزة سرية وقد صاحب صدور البيان اعتقال المرشد العام حسن الهضيبى و450 عضو من الجماعة .
وفى المقابل اتهم الاخوان المسلمون جمال عبد الناصر ونظامه بأنه علمانى كافر واتخذوا جانب محمد نجيب وقادوا مظاهرات هتفت بسقوط عبد الناصر وذلك فى فبراير 1954, كما وضع الاخوان خطة لاغتيال عبد الناصر وهو يلقى خطابا فى ميدان المنشية بالاسكندرية فى يوم 26 اكتوبر 1954, ولكن فشلت محاولة الاغتيال مما ساعد عبد الناصر على استغلال هذه الحادثة فى توطيد حكمه والظهور امام الجماهير كبطل .
وقد اعلن عبد الناصر فى 23 يناير 1953 عن انشاء هيئة التحرير وهى هيئة سعى من خلالها الى اكتساب شرعية جماهيرية فى مواجهة القوى السياسية والحزبية المعادية له ولم يكن لها دور فعلى فى صنع القرار بل كانت مجرد أداة لتعبئة الجماهير وتم الغائها رسميا فى 2 ديسمبر 1957 وذلك لأنها فشلت فى ان تحل محل الاحزاب وفى ملء هذا الفراغ, كما تم نقل ملكية فروعها فى المدن والاقاليم الى الاتحاد القومى .[26]
اما فيما يتعلق بالصحافة فقد كان عبد الناصر يحاول السيطرة على الرأى العام ووعى الجماهير لذا عمل على احكام قبضته على الصحافة والرقابة على المواد الصحفية واستخدم لتحقيق هذا الهدف عدة وسائل تتمثل فيما يلى :
- الرقابة السابقة على النشر : حيث تم فرض رقابة عسكرية على الصحف الى جانب الرقابة المدنية وفى 25 يوليو 1952 صدر قرار يبين الكيفية التى ستتبع فى رقابة الانباء, ونص على أن اى مخالفة لما يشير به الرقيب الحربى تعرض الجريدة للمصادرة وذلك فى اول مخالفة واذا تكررت المخالفات فتتعرض للتعطيل لمدة تتناسب مع درجة المخالفة . وكان يتم رفع المواد التى يتقرر حذفها الى جمال عبد الناصر لكى يتعرف بنفسه على اتجاه الكاتب ويقرر اسلوب معاقبته , ولكن الغيت هذه الرقابة العسكرية فى 12 اغسطس 1952 وذلك لاحتجاج الصحفيين .
وفى 21 اكتوبر 1952 صدر امر عسكري يجيز للرقيب العام ان يقوم بفرض رقابة على صحيفة بعينها و على الرسائل التلغرافية لهذه الصحيفة وذلك لاعتبارات الأمن والنظام العام , ثم رفعت هذه الرقابة اسميا بمقتضى قرارات 5 مارس 1954 ولكنها فعليا ظلت مفعلة بسبب فرض الاحكام العرفية التى كانت تتيح للسلطة فرض الرقابة فى اى وقت وعلى اى شخص .
- الرقابة بعد النشر : وهى رقابة تالية على النشر سواء قبل التوزيع أو بعده فقبل التوزيع كانت تلجأ حركة الجيش الى مصادرة الصحف او تعطيلها لمدد غير محددة , كما قامت بالغاء الصحف بحجة عدم الانتظام فى الصدور مستندين فى ذلك الى نصوص قانون المطبوعات .
- ارهاب الصحفيين : وهى الوسيلة الثالثة للسيطرة على الصحف من خلال السيطرة على الصحفيين أنفسهم وذلك من خلال اللجوء الى الاعتقالات والمحاكمات والفصل من العمل والاستبعاد من ممارسة مهنة الصحافة .
- حل مجلس نقابة الصحفيين : وهى الوسيلة الاخيرة التى تم اللجوء اليها وكانت نتيجة لاصدار بيان تضمن المطالبة بالغاء الاحكام العرفية من أجل ازالة القيود المفروضة على الحريات والغاء الاحكام الصادرة عن طريق غير القضاء العادى وكذلك المطالبة بالافراج عن المعتقلين وتشكيل وزارة قومية . وهذه المطالب جعلت مجلس قيادة الثورة يصدر قرارا بحل مجلس نقابة الصحفيين وذلك فى 15 ابريل 1954 .
ولم يتم الغاء الرقابة تماما فى 20يونيو 1956 وذلك لاجراء الاستفتاء على الدستور الجديد وانتخاب رئيس الجمهورية .
ولكن عبد الناصرحاول مرة اخرى السيطرة على الصحافة من خلال ربط الصحف بالاتحاد القومى وذلك منذ عام 1958 حيث اصدر قرار ينص على انه يقتصر حق الترشح لعضوية النقابات المهنية على اعضاء الاتحاد القومى وهذا سيؤدى بالطبع الى سيطرة الاتحاد القومى على نقابة الصحفيين , كما قام بتشكيل لجنة للصحافة فى الاتحاد القومى تضم رؤساء تحرير الصحف وذلك من اجل تحقيق التعاون بين الصحافة والتشكيلات العليا للاتحاد القومى .
وكان عبد الناصر يريد تأميم الصحف ولكنه تراجع عن الفكرة – بعدما اقنعه هيكل بذلك – وقام بدلا من التأميم باصدار قانون تنظيم الصحافة والذى من خلاله يمكن لرئيس الجمهورية ان يباشر المهام التى يتوجب على التنظيم السياسى القيام بها وفقا للقانون مما ساعد على فرض رقابة صارمة على الصحف .
وقد نصت المادة (6) من قانون تنظيم الصحافة على أن يقوم الاتحاد القومى بتشكيل مؤسسات خاصة لادارة الصحف وأن يعين لكل مؤسسة مجلس ادارة يتولى مسئولية ادارة صحف المؤسسة , وعملية تعيين رؤساء واعضاء ادارات المجالس الصحفية او حل مجالس الادارة كان يقوم بها جمال عبد الناصر نفسه باعتباره رئيس الاتحاد القومى,كما كان يتوقف استمرار رؤساء او اعضاء المجالس الصحفية على مدى رضا الرئيس عن اعمالهم .
وكان يحظر انشاء صحف جديدة الا بعد الحصول على رخصة من الاتحاد القومى ، كما كان يحظر على الصحفيين ممارسة العمل الصحفى الا بعد الحصول على ترخيص بذلك من الاتحاد القومى واذا خالف الصحفيين ذلك يتم تعريضهم لعقوبة الحبس لمدة لا تتجاوز سنة ويتم تغريمهم غرامة لا تتجاوز خمسمائة جنية او التعرض لاحدى العقوبتين .[27]
المبحث الثالث : أثر القيادة الكاريزمية على مؤسسات صنع القرار فى الدولة فى عهد عبد الناصر
منذ تولى عبد الناصر رئاسة الجمهورية فى عام 1956 وحتى عام 1962 لم يكن هناك هيكل حقيقى لاتخاذ القرار . وقد كان النظام المصرى فى عهد عبد الناصر يقوم على مبدأين هما : دمج السلطات,وغلبة دور رئيس الجمهورية على السلطة التشريعية حيث كان عبد الناصر هو محور الحياة السياسية والدستورية طوال الحقبة الناصرية .
فعلى قمة هيكل اتخاذ القرار كان عبد الناصر وعدد محدود من المساعدين الذين كانوا يتمتعوا بتلك المكانة بحكم عضويتهم فى الهيئة التأسيسية للضباط الاحرار والذين كانوا يتلقواالمعلومات عن طريق القائد (عبد الناصر) وبالتالى فان معظمهم كان يتجه الى تأكيد تفضيلاته او حتى ما يعتقد انها تفضيلاته , لذا فكان عبد الناصر يتصرف بمفرده دون تشاور حقيقى مع باقى الاعضاء [28]
ولقد انقسمت مراكز صنع القرار فى عهد عبد الناصر الى ثلاثة وهم :
- المستوى الاول : مجلس الامة والاتحاد الاشتراكى والذى لم يكن له دور يذكر .
- المستوى الثانى : مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء ووزارة الخارجية والمؤسسة العسكرية و يبلغ اعضاء مجلس الرئاسة الذى تم انشاؤه فى 27 سبتمبر 1962 بناء على اعلان دستورى ويتكون من احد عشر عضوا بخلاف عبد الناصر الذى اختارهم لعضوية المجلس وكان سبعة منهم من اعضاء الهيئة التأسيسية للضباط الاحرار واثنان من رجال الصف الثانى من الضباط الاحرار واثنان من المدنيين المعروفين بالولاء للثورة وقد كانوا جميعا يدينون بالولاء المطلق لعبد الناصر ولا يعارضونه ولم يكن المجلس يمثل قيد على عبد الناصر او قراراته حيث كان لايشركهم فى صنع القرار وانما كان يحيطهم علما بالقرار قبل اعلانه للشعب مباشرة, بينما كان الصراع الحقيقى بينه وبين المؤسسة العسكرية التى يرأسها عبد الحكيم عامر .
- المستوى الثالث : وكان فى هذا المستوى عبد الناصر هو صانع القرار الوحيد,ومن الامثلة على ذلك انفراده بقرار تأميم قناة السويس وكذلك قرار الدخول فى اليمن .[29]
وبعد ان استعرضنا مستويات صنع القرار ننتقل الى دور مؤسسات الدولة فى صنع القرار
- أولا : السلطة التشريعية (مجلس الأمة )
لم تلعب السلطة التشريعية دورا يذكر فى اتخاذ القرار وخاصة اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية فكان لمجلس الأمة – الى جانب اضفاء الطابع الرسمى على مشروعات القوانين – مهمة القيام بنقل المطالب الشعبية الى الرئيس وشرح السياسات التى تبناها الرئيس للجماهير .[30]
وكان مجلس الأمة يقوم باضفاء الشرعية على قرارات الرئاسة والتعظيم من شأنها ، وفى بعض الاحيان كان مجلس الأمة يفوض كامل سلطاته للرئيس واستطاع عبد الناصر أن يجعل مجلس الأمة امتدادا للسلطة التنفيذية حيث طغت شخصيته على المجلس وذلك من خلال تحكم السلطة السياسية فى كل من يستطيع أن يرشح نفسه لعضوية مجلس الأمة وتوجيهها للأعضاء من خلال علاقة التنظيم السياسى الواحد بمجلس الأمة .
وقد كان عبد الناصر يتمتع بسلطات تشريعية واسعة كاقتراح مشروعات القوانين والاعتراض على القوانين التى وافق عليها المجلس بل واصدار قوانين فى حال لم يكن المجلس منعقدا, وقد بلغت نسبة القوانين التى اصدرها عبد الناصر دون مشاركة مجلس الأمة 82.1% من اجمالى التشريعات التى صدرت فى الفترة من 25 يونيو 1956 الى 28 سبتمبر 1970, وهذا يعد دليلا على ضآلة الدور الذى كان يلعبه مجلس الأمة فى صنع السياسة العامة ، كما كان لرئيس الجمهورية ايضا الحق فى حل مجلس الأمة والتحكم فى اجتماعاته غير العادية , لذلك كان يُنظر الى مجلس الأمة فى فترة حكم عبد الناصر على أنه فرعا من فروع الحكومة والذى تم تشكيله فقط لخلق انطباع بأن الجهاز التنفيذى لم يكن بدون رقابة .[31]
- ثانيا : المؤسسة العسكرية
كانت المؤسسة العسكرية هى المؤسسة الوحيدة التى لعبت دورا نشيطا فى عملية اتخاذ القرار فى الحقبة الناصرية . وقد احتل العسكريون المراكز الوزارية الكبرى والمواقع القيادية فى التنظيم السياسى والمؤسسات العامة ووزارة الخارجية , وكانت المؤسسة العسكرية تحاول دائما ان تثبت ان القوات المسلحة هى المؤسسة الوحيدة فى مصر القادرة على ان تقوم بحل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية , وقد تدخلت فى ادارة بعض المشروعات الاقتصادية .
ولقد كان تعيين عبد الحكيم عامر قائدا عاما للقوات المسلحة ونائب لرئيس الجمهورية الهدف الرئيسى منه هو ضمان ولاء القوات المسلحة للسلطة السياسية ولكن عبد الحكيم عامر استطاع أن ينشئ لنفسه شبكة مستقلة من الانصار الذين يدينون له بالولاء شخصيا , وقد تعاظم تأثير هذه الشبكة وامتد ليؤثر على سلطة عبد الناصر نفسه .
ومنذ مارس 1964 وحتى يونيو 1967 انتقلت السلطة الحقيقية الى يد المجموعة العسكرية بقيادة عبد الحكيم عامر ومساعده شمس بدران وذلك بالتعاون مع المخابرات العامة, كما دفعت هذه المجموعة عبد الناصر الى اصدار قانون الاحكام العسكرية عام 1966 والذى اعطى اختصاصات واسعة للقضاء العسكري فى العلاقات الاجتماعية التى يكون طرفا فيها العسكريون الحاليون او السابقون وأدى اصدار هذا القانون الى استشراء نفوذ المؤسسة العسكرية بشكل كبير مما حد من سلطات عبد الناصر نفسه فى اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة الداخلية , كما انه لم تكن هناك خطوط اتصال فعالة بين اعضاء المؤسسة العسكرية والمخابرات وبين جمال عبد الناصر سواء على مستوى نقل المعلومات اليه او على مستوى تنفيذ قراراته لذا كان عبد الناصر يرى ان المؤسسة العسكرية تعرقل قدرته على اتخاذ القرار , وكذلك الصراع الذى نشأ بين عبد الناصر وعبد الحكيم عامر كان له تأثير سلبى على فاعلية اجهزة اتخاذ القرار على كافة مستوياتها .[32]
خاتمة :
ويتضح مما سبق أن عبد الناصر قد استغل قبوله لدى الشعب وايمانهم بالثورة وتقديرهم للدور الذى لعبه فى الثورة , وحاول فرض نفوذه من خلال التخلص من الاحزاب والقضاء على الحياة الحزبية فى مصر, وكذلك فى فرض سيطرته على الصحافة لتشكيل وعى الجماهير وترسيخ فكرة الزعامة فى اذهانهم .
ويتبين أيضا أنه لم تكن هناك مؤسسات حقيقية لصنع القرار فى مصر وانما كانت شكل من اشكال اضفاء الشرعية على نظام الحكم, وكان صانع القرار الحقيقى هو الرئيس جمال عبد الناصر حيث كان محور الحياة السياسية – باعتباره قائد الأمة – وخاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية وذلك اعتمادا على الكاريزما التى كان يتمتع بها وقدرته على اقناع الشعب بأنه يتخذ القرارات الصائبة ويتضح هذا من خلال تعبير عبد الناصر نفسه عن دوره فى اتخاذ قرارات السياسة الخارجية حيث كان يقول ” أنا معتمد على الله وعلى ايمان هذا الشعب, وعلى أن هذه القرارات تحقق أمل وأمانى الشعب ” [33], بينما كانت المؤسسة االعسكرية تشاركه فى اتخاذ القرارات الخاصة بالسياسة الداخلية وان كان تدخلها كان بقدر ولفترات معينة .
ويمكن ان نتوصل من ذلك الى أن الكاريزما التى كان يتمتع بها جمال عبد الناصر كانت سببا فى عرقلة عملية التحول الديمقراطى .
الفصل الثانى : القيادة الكاريزمية والتحول الديمقراطي فى عهد ديجول
عندما يتولى أحد الزعماء الحكم فإنه يصبح من السهل عليه التلاعب برأى الجماهير ويسهل عليه تغيير توجهات الرأى العام وأفكار الشعب وخاصة اذا كان يتمع بالكاريزما. وقد كان شارل ديجول زعيما وطنيا يتمتع بالجاذبية وهذا راجعا الى الادوار التى لعبها سواء فى الحرب العالمية الثانية او فيما يتعلق بأزمة الجزائر كما سيتضح من خلال الفصل, كما سنعمل من خلال الفصل ايضا على الوقوف على اثر الكاريزما التى تمتع بها شارل ديجول على عملية التحول الديمقراطى فى فرنسا .
المبحث الأول : نبذة تاريخية
لقد شهدت الجمهورية الثالثة حرية الصحافة والحرية النقابية وحرية انشاء الجمعيات المدنية وفصل الكنيسة عن الدولة رسميا, كما شهدت الحركة الصناعية والتجارية ازدهارا كبيرا, ولكن على الرغم من ذلك فقد شهدت الجمهورية الثالثة عدم استقرار سياسى حيث كانت الحكومات لا تدوم طويلا, كما تقلص دور البرلمان حيث كان يفوض كامل اختصاصاته للحكومة . وكانت الحرب العالمية هى السبب فى انهاء الجمهورية الثالثة, وذلك بعد هزيمة القوات الفرنسية على يد المانيا النازية واجتياح القوات الالمانية لفرنسا فى يونيو 1940 وتشكيل حكومة فرنسية تابعة لها امتدت بين عامى (1940 – 1944), وهى حكومة فيشى .
وقد صوتت الجمعية الوطنية – المكونة من مجلس النواب ومجلس الشيوخ فى حكومة فيشى -على القانون الدستورى فى عام 1940 والذى تكون من مادة واحدة نصت على اعطاء السلطة الى حكومة المارشال بيتان وذلك لكى يقوم بوضع دستور جديد, ولكن بيتان اتخذ عدد من القرارات المؤقتة التى أنشأ من خلالها حكما مطلقا .[34]
وعُين شارل ديجول فى عام 1940وزيرا للحرب فى حكومة فيشى واثناء ذلك ذهب فى زيارة الى لندن ولكن عندما عاداكتشف أن رئيس الوزراء يسعى الى عقد هدنة مع المانيا فرفض هذه الهدنة مما جعله عرضة للاعتقال من قبل الحكومة الفرنسية لذا عاد ديجول مرة أخرى الى انجلترا ودعا الشعب الفرنسى من خلال اذاعة BBC البريطانية الى ان يقدم الدعم له فى نضاله ودعاه الى مواصلة القتال ضد الجيش الالمانى , وقاد حركة فرنسا الحرة مما عرضه للحكم عليه بالسجن غيابيا وكذلك حكم عليه بالاعدام بتهمة الخيانة العظمى .
وفى عام 1943 انتقل ديجول الى الجزائر وعمل فى اللجنة الفرنسية لتحرير الجزائر مما عزز من سلطته وشرعيته, وعندما حرر الحلفاء فرنسا عام 1944 كان ديجول هو ممثل سلطة فرنسا باعتباره زعيم حكومة فرنسا الحرة لذا فقام بتشكيل حكومة مؤقتة .[35]
ولكن قدم ديجول استقالته من رئاسة وزراء الحكومة المؤقتة عام 1946 وكان هذا اثناء اعداد الدستور الجديد وذلك اعتراضا منه على شكل الحكم الذى يصيغه الدستور الجديد حيث كان يسعى الى اقامة نظام رئاسى قوى تتمتع فيه السلطة التنفيذية بسلطات وصلاحيات كبيرة وهذا ما كان يخالف ما ينص عليه الدستور الجديد , وكان ديجول يرى أن بهذه الصيغة للدستور ستصبح السلطة التنفيذية فريسة للبرلمان .
ثم قرر بعد ذلك العودة للسياسة مرة أخرى ودعا الأمة للالتفاف حوله فى سعيه الى توحيد الفرنسيين والتخلى عن الاحزاب المنقسمة . وفى البداية كانت دعوته ناجحة وحصل مرشحى الحزب الذى أسسه ديجول على 40% من الاصوات فى الانتخابات المحلية عام 1948, ولكن القانون الانتخابى تغير مما كان له أثر سلبى على حزب ديجول وشعبيته , وهو الامر الذى دفع ديجول للتقاعد وترك الساحة السياسة .
وفى عام 1954 وبعد هزيمة حرب الهند الصينية والثورة الجزائرية كانت فرنسا منقسمة على نفسها من الداخل, كما كانت مؤسسة الجيش هى الأخرى منقسمة على نفسها بسبب المصالح فى الجزائر فكان هناك من يرى ضرورة الاستمرار فى الجزائر وهناك من يرى انه يجب اعطاء المستعمرات استقلالها وكان ديجول من اصحاب هذا الرأى حيث كان يرى انه مع الحرب الهند الصينية واستمرار النضال الجزائرى فأصبح من المكلف لفرنسا الابقاء على هذه المستعمرات, كما كان يرى ان الاستمرار فى شن الحروب الاستعمارية الواحدة بعد الاخرى سيؤدى الى تعميق الخلاف بين الفرنسيين . لذا فقد رأى ديجول أنه اذا حصلت هذه المستعمرات على استقلالها فسيتم القضاء على الانقسامات الداخلية .
وقد ثبتت وجهة نظر ديجول بعد أزمة 15 مايو 1958 والانقلاب المسلح فى الجزائر والتى تعد بداية ظهور الكاريزما الخاصة بديجول فأصبح يظهر وكأنه البطل المنقذ لفرنسا فإلى جانب أنه كان مناهض للفاشية وتحدى السلطة غير المشروعة لانقاذ فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية فإنه ايضا عمل على ايجاد حلول لازمة الجزائر . لذا طلب منه الرئيس رينيه كوتى فى 1 يونيو 1958 أن يتولى رئاسة الحكومة فوضع ديجول شروطا للقبول برئاسة الوزراء وهى:
- اعطاء سلطات خاصة للحكم فى الجزائر
- وكذلك صياغة دستور جديد للبلاد.
وبناء على هذا اعتمدت الحكومة النص الدستورى فى 3 سبتمبر وحصل على تأييد الشعب فى 28 سبتمبر 1958 وذلك من خلال اجراء استفتاء صوت فيه ثلثى الناخبين بالموافقة .
ثم انتخب شارل ديجول فى 21 ديسمبر 1958 رئيسا للجمهورية وتولى السلطة بشكل رسمى من رينيه كوتى فى 8 يناير 1959 .[36]
وباقرار الدستور الجديد ووصول شارل ديجول الى سدة الحكم وبهذا انتهت الجمهورية الرابعة والتى تعد الجمهورية الاقصر فى تاريخ فرنسا . والتى قد استطاعت ان تحقق نجاحا فى الجانب الاقتصادى بعد الحرب العالمية الثانية, كما استطاعت الربط بين الديمقراطية والعلمانية وهما السمتان اللتان ميزتا الجمهوريات السابقة واضافت اليهم الاهتمام بالبعد الاجتماعى من خلال حرصها على حقوق الانسان بشكل عام والمواطن بشكل خاص, لكنها بالطبع واجهت العديد من التحديات والمشكلات الكبرى التى أدت فى النهاية الى سقوطها ومن هذه التحديات: مسألة الاستعمار والحرب الجزائرية واعادة بناء الاقتصاد وافتقادها للديمقراطية الحقيقية , كما اتسمت بعدم الاستقرار حيث كان متوسط عمر الحكومة أقل من سبعة أشهر ما عدا اثنين من رؤساء الوزراء الذين استمرت حكوماتهم لأكثر من عام هما جاى موليه, وهنرى كويويل. [37]
المبحث الثانى : أثر القيادة الكاريزمية على التعدد الحزبى و حرية الاعلام فى عهد شارل ديجول
النظام الحزبى الفرنسى يتسم بالتعدد الحزبى, ولكن من خلال سيطرة كتلتين رئيسيتين أو تيارين أساسين متنافسين وهما تيار اليمين وتيار اليسار ويضم كلا منهما مجموعة من الاحزاب السياسية فتضم كتلة اليسار :
- الحزب الاشتراكي الفرنسيPS))
- الحزب الشيوعي PC))
فى حين تضم كتلة اليمين
- التجمع من اجل الجمهورية RPR))
- الاتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية UDF))
وذلك الى جانب عدد من احزاب الوسط .
والصراع بين هذه التيارات هو صراع ايديولوجى بالأساس. وكان هذا الصراع سببا فى تفتت الاصوات فى التصويت للانتخابات مما يترتب عليه تفتت من حيث توزيع مقاعد البرلمان فتكون النتيجة الحتمية لذلك هى أن معظم الحكومات الفرنسية كانت حكومات ائتلافية . فالنظام الحزبى لم يكن فى الواقع تعددى بقدر ما كان يتسم بالتفتت .
وهذا التفتت هو أحد أسباب ازدراء ديجول للأحزاب, فقد كان يحتقر الاحزاب السياسية لأنه كان يعتقد ان هذه الاحزاب هى السبب فى تقسيم الأمة, كما حمل الاحزاب مسئولية سقوط فرنسا فى عام 1940 ومسئولية الشلل السياسى الذى عصف بالبلاد طيلة فترة الازمة الجزائرية, كما أنه انتقدها بسبب دعمها لحكومة فيشى . وكان يرى أن الاحزاب السياسية تفتقد الرؤية بعيدة المدى وانهم مشغولون بأنفسهم وبتحقيق مصالحهم الخاصة وغير مكترثين بمصلحة الوطن .[38]
وعندما اضطر ديجول الى العمل مع الاحزاب عندما تولى رئاسة الوزراء تأكدت آرائه فيما يخص الاحزاب . وعندما اصبح رئيسا للجمهورية استعان فى تشكيل حكومته بالاحزاب القديمة ما عدا الشيوعيين.
وقد استطاع ديجول بالفعل أن ينظم صفوف اليمين ويحوله الى قوة سياسية فاعلة ومهيمنة على الحياة السياسية طوال فترة الستينات وهذا الاستقطاب بين أنصار التيار الواحد يحدث غالبا فى ظل وجود زعامات كاريزمية لذا فقد استغل ديجول ما يتمتع به من جاذبية لكى يوحد صفوف الامة .[39]
وكان ديجول قبل وصوله الى السلطة قد نظم التجمع الشعبى الفرنسى (RPF) والذى لم يطلق عليه اسم حزب وقد كان يتخذه كوسيلة للوصول للسلطة فيجتذب من خلاله دعم الاحزاب الاخرى ولكن دون الحاجة للمشاركة فى الحياة الحزبية . وقد انضم اليه المتدينون والاشتراكيون وغيرهم, كما ضم عدد كبير من اعضاء الاحزاب الاخرى حيث انسحبوا من احزابهم وانضموا الى التجمع . وقد كان يهدف ديجول من هذا التجمع الى
- محاربة الانفصاليين (الشيوعين) والحفاظ على الوحدة الوطنية .
- واعادة احياء بعث الدولة الفرنسية بسبب ما اصابها بعد الحرب العالمية الثانية والتى ادت الى عدم الاستقرار السياسى والمؤسساتى فى البلاد .
وقد حققت الحركة نجاحا فى البداية ولكنها بعد ذلك انقسمت على نفسها, فقد كانت قائمة بشكل اساسى على شخصية ديجول وعندما بدأ فى الابتعاد عنها تراجعت شعبية الحزب او الحركة كما كان يطلق عليها .[40]
وبناء على رؤية ديجول للاحزاب السياسية فقد كان من التعديلات التى اجراها عند توليه الحكم انه احدث تغييرات فى السياسة التقليدية لفرنسا لكى يحد من دور الاحزاب السياسية حيث ان اعطاء السلطة التنفيذية سلطات واسعة أدى الى سيطرة الرئيس على الحياة السياسية وكان على الاحزاب ان تعمل على التكيف مع هذه الاوضاع الجديدة, كما ادت هذه التغييرات الى القضاء على عدد من الاحزاب القديمة وظهور احزاب جديدة حلت محلها على الساحة السياسية الفرنسية , كما حظر على الوزراء ورؤساء الوزراء ان يكونوا أعضاء فى احزاب .[41]
ولم يكن ديجول يختار الوزراء لأنهم قادة احزاب الاغلبية بل وفقا لشخصيتهم, كما أنه كان يسمح لرؤساء الوزراء بالسيطرة على احزاب الاغلبية ولكن على الرغم من ذلك وعلى الرغم من رؤية ديجول وخبرته مع الأحزاب الا ان هذا لم يمنعه من تأسيس حزب حيث أسس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية فى عام 1958 .[42]
وفيما يتعلق بالاعلام فقد كان ديجول يدرك جيدا أهمية وسائل الاعلام المختلفة المقرؤه منها والمسموعة والمرئية حيث أنه استخدم اذاعة ال BBC البريطانية اثناء وجوده فى انجلترا ليبث بيانه الى الفرنسيين ليدعوهم لاستكمال النضال ضد الالمان مما كان له أثر كبير على الرأى العام الفرنسى .
وقد عقد ديجول حوالى سبعة عشر مؤتمرا صحفيا خلال عشر سنوات ما بين عام 1959 – 1969. ومع وصوله للحكم عام 1958 كان قد تفهم أهمية التلفزيون كوسيلة حديثة وانه يعد اسرع وأكثر تاثيرا من الراديو والمؤتمرات الصحفية لذا عمل على السيطرة عليه بشتى الطرق . وقد كان ديجول يعتقد أن التلفزيون ما هو الا أداه للحكومة تحقق بها اهدافها وليس مؤسسة يمكن من خلالها عرض وجهات النظر المختلفة . وعلى هذا فقد كان ديجول يكثر من ظهوره فى التلفزيون لنشر أفكاره حول الوضع السياسى سواء الداخلى أو الدولى .
ورفض ديجول ان يمنح التفلزيون حرية تغطية الاحداث ومناقشتها فقد كان يريد دولة قوية تسيطر عليها السلطة التنفيذية وفى هذا الاطار تكون مهمة التلفزيون نقل وترسيخ افكار السلطة. وقد تحولت الاذاعة والتلفزيون فى عهد ديجول الى ممثل للنظام, فقد كانا – الاذاعة والتلفزيون – يعتمدا اعتمادا كليا على الحكومة ويخضعا خضوعا كاملا لها.
ونجد أن ديجول عندما عاد الى باريس فى 26 اغسطس 1944 اصدر مرسوما يقضى بتأميم كل أنواع الاعلام من المكتوب والمسموع والمرئية,وكانت فرنسا هى الدولة غير الشيوعية الوحيدة التى لجأت الى التأميم . ولم يتم خصخصة الصحافة المكتوبة الا فى عام 1954 ولكن ظلت الحكومة محتفظة لنفسها ببعض من الهيمنة عليها.[43] كما أن دستور الجمهورية الخامسة الذى صدر فى عام 1958 لم يتضمن نصا خاصا لحرية الصحافة وهذا بخلاف دستور 1946 الذى كان يتضمن فى مقدمته مجموعة من المبادئ وكانت تشمل النص على الحريات العامة ومن ضمنها حرية الصحافة. وفى عام 1958 رفض ديجول مشروع قانون كان سيمنح الراديو والتلفزيون الفرنسى بعض الاستقلال والحرية. وفى 4 فبراير 1959 صدر قرار يؤكد على حفاظ الدولة على احتكار مجال البث, كما يؤكد على سلطة وزارة الاعلام على هيئة الاذاعة والتلفزيون.
وقد كانت هناك سيطرة تمارسها وزارة المالية على الاذاعة والتلفزيون حيث كان يتم الحصول بشكل مسبق على النفقات مع توضيح بنود انفاقها, وهو ما كان يمثل قيدا على حرية الاعلام. كما كانت وزارة الخارجية تتدخل فى بعض الامور هى الاخرى حيث منعت القناة الثانية من بث برامج الاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة للعملية العسكرية الفرنسية البريطانية فى السويس وذلك عام 1966 .
وكانت احدى طرق سيطرة الحكومة على الاذاعة والتلفزيون هو انها تصدر تعليمات وتوجيهات لهم بخصوص الاخبار والبرامج التى يتم اذاعتها, كما كان من الممكن أن يتم تأجيل البرامج أو الغائها, وكذلك منع الصحفيين من نقل الاخبار .
وفى عام 1962 رفض ديجول طلبات الاصلاح التى قدمت له من قبل وزير المعلومات آلان بيرفيت حيث أشار الى ان النظام سيكتسب مصداقية أكبر اذا ادخلت بعض الاصلاحات ولكن ديجول رفض ذلك بحجة أنه لايريد ان يخسر سيطرته على التلفزيون لانه فى حاجة الى الدعم الذى يقدمه له بسبب معارضة بعض الصحف له . فقد كانت الصحف تحظى ببعض من الحرية وكانت هناك صحف معارضة لديجول ونظامه ولكن هذا لم يمنع سيطرته على صحف أخرى .
وقد تزايدت دعوات الاصلاح من قبل المعارضة فى البرلمان وكذلك من المجتمع المدنى والمثقفين حتى انها مثلت ضغطا على ديجول. وفى اواخر فبراير 1964 وافق ديجول على مضض فى ظل الضغط الذى تعرض له على مشروع الاصلاح الذى قدم اليه .[44]
المبحث الثالث : أثر الزعامة الكاريزمية على مؤسسات صنع القرار فى الدولة فى عهد ديجول
لقد كان ديجول يحظى بشعبية كبيرة بسبب الدور الذى لعبه اثناء الحرب العالمية الثانية, وكذلك دوره فى علاج القضية الجزائرية لذا اتجه الشعب كله اليه كما وانه المنقذ وذلك لمنع اندلاع حرب أهلية ولتخوفهم من قيام حكم ديكتاتورى فكان ينظر الى ديجول على انه اهون الشرور. وبمجرد ان تسلم ديجول مقاليد السلطة بدأ يتصرف كما وأن العناية الالهية قد اختارته لانقاذ فرنسا من نفسها كما سبق أن اختارته لانقاذها من المانيا خلال الحرب العالمية الثانية, كما كان يشعر بأنه محور الولاء وأنه مبعوث لتوحيد الأمة .[45]
وتولى ديجول حكم فرنسا وكانت دولة مفلسة سياسيا حيث كانت البلاد تعانى من اضطرابات خاصة بالطبقات وجماعات المصالح وكانت الدولة تعانى من عدم استقرار وكانت الامة فى حاجة الى التوحد .
وكان ديجول يرى ان الحل فى ما تعانيه فرنسا من عدم الاستقرار وتعانيه الاحزاب من التفتت وتعانيه الامة من التفرق هو اجراء بعض الاصلاحات فيما يخص السلطة التنفيذية حيث كان فيما سبق – على حكم ديجول- الرئيس لايملك من السلطة التنفيذية الا الاسم.
وكانت لدي ديجول افكار متعلقة بالفصل بين السلطات وكان يدافع عن هذه الافكار حتى بعد رحيله عن السلطة فى المرة الاولى حيث تحدث عن ذلك فى خطبة القاها فى 16 يونيو 1946 وبين ان الحكومة لايجب ان تتصرف وفقا لما يراه البرلمان ولكن يجب ان يكون انطلاقا من رؤية رئيس الدولة. وبناء على هذا فيجب ان يتمتع الرئيس بصلاحيات واسعة تمكنه من تحقيق وحدة فرنسا التى كان شغوفا بها .[46]
اتخذ ديجول عدد من الاجراءات التى يمكن ان تمنحه مزيد من الصلاحيات. ففى عام 1962 وبعد استقلال الجزائر اقترح ديجول تقوية النمط الرئاسى وتعزيزه من خلال جعل انتخاب الرئيس عن طريق الاقتراع العام. فقد قام بتغيير طريقة انتخاب رئيس الجمهورية وجعلها عن طريق الاقتراع العام المباشر وفكرة ان يكون الرئيس تم اختياره باقتراع عام من الشعب يعطى له سلطة كبيرة فى التعامل مع البرلمان .وقد ذكر فى مؤتمر صحفى اجراه فى 31 يناير 1964 ان السلطة لاتتجزأ وأن الرئيس هو من يجب أن يمتلك السلطة لأنه منتخب عن طريق الشعب لذا فهو مصدر وصاحب السلطة. وبهذا التعديل الذى ادخله تغير نظام الحكم من كونه برلمانيا الى شبه رئاسى وحظى رئيس الجمهورية فى ظل هذا النظام وظل التعديلات التى اجراها على صلاحيات واسعة منها:
ما يتعلق بالدفاع والامن والشئون الخارجية, واصبح الرئيس هو الذى يعين ويقيل الحكومة, كما ان له الحق فى اجراء الاستفتاء واعلان حالة الطوارئ, ويجوز للرئيس بعد التشاور مع رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب حل الجمعية الوطنية, كما نص دستور 1958 على منح رئيس الجمهورية دور المحكم – ومعنى ذلك أنه هو الذى يحكم بين السلطات الثلاثة فى حال وجود أى تنازع بينهم أى أنه أصبح يسيطر على باقى السلطات رغم كونه طرف فى احداهم وذلك باعتباره محكم – وقد نص الدستور على منح الرئيس دور المحكم لضمان سير العمل فى أجهزة الحكومة واستمرارية الدولة وحماية الاستقلال الوطنى وسلامة أراضيه .
وبين عامى 1958 – 1962 اتخذت بعض القرارات الهامة خارج مجلس الوزراء وذلك من خلال مجموعات صغيرة تحت قيادة الرئيس: كما قرر ديجول استخدام المادة “11” من الدستور والتى تنص على اجراء استفتاء على القوانين وذلك بدلا من المادة “89” والتى كانت تقر طريقتين للمراجعات الدستورية وكلتاهما تتطلب موافقة البرلمان وكان من شأن ذلك أن يضعف سلطة البرلمان.
كما كان الرئيس غير مسئول أمام البرلمان ولا يمكن عزل الرئيس من قبل البرلمان ولا يمكن حرمانه من صلاحياته, أما الحكومة فهى مسئولة أمام البرلمان. ويتم تعيين الوزراء من قبل رئيس الجمهورية وذلك بعد اقتراح من رئيس الوزراء .
وكان ديجول يسيطر على السياسة الخارجية حيث كان لايريد لفرنسا ان تلعب دور صغير على الساحة الدولية، وعمل على امتلاك فرنسا لقوة ردع نووية مما اعطى لها مكانة عظمى على الساحة الدولية لذا كان يتحرك بشكل مستقل فيما يتعلق بالشئون الخارجية .[47]
وقد أثارت السياسات التى اتبعها ديجول والاصلاحات التى اجراها – والتى كان من المفترض أن يكملها اذا استمر فى السلطة – غضب الكثير حيث تصاعدت احتجاجات طلابية وخرجت العديد من المظاهرات التى ضمت العمال والموظفين وهو الامر الذى اضطر ديجول الى أن يعلن عن استفتاء حول عدد من الاصلاحات وتعهد انه اذا جاءت النتيجة بالرفض او فى غير صالحه فإنه سيتخلى عن السلطة وبالفعل عقد الاستفتاء فى 27 ابريل 1969 وكانت النتيجة 52% رافضين مقابل 48% مؤيدين وهو ما دفع ديجول الى الاستقالة من منصبه واصدر بيان اعلن فيه توفقه عن ممارسة مهامه كرئيس للجمهورية .
خاتمة:
ومما سبق يتضح أن ديجول قد استغل الكاريزما التى تمتع بها فى محاولة تغيير نظام الحكم بحيث يتحول من نظام برلمانى الى نظام رئاسى او شبه رئاسى وعمل على ان يتمتع الرئيس بصلاحيات اكبر بحجة ان يجعل البلاد اكثر استقرارا وفى اطار ذلك اتخذ عدد من الاجراءات التى مكنته من فرض هيمنته على الاعلام فأصبح كما وأنه منبره الخاص الذى يحظر فيه اى رأى مخالف له وعمل على السيطرة على التلفزيون بشكل اساسى لأنه كان يدرك أهميته فى التأثير الشعب ووعيه فحاول بث افكاره من خلاله بينما ترك بعض الحرية للصحف فكان هناك عدد من الصحف المعارضة له ولم يقم بمنعها لأنها ليس لها نفس تأثير التلفزيون, كما أنه كان يدرك تأثير مثل هذا الحظر على الرأى الفرنسى . وعمل ديجول ايضا على الحد من تأثير الاحزاب السياسية بحيث يستطيع ان ينفرد بالحكم وايضا قام بسن مجموعة من القوانين واصدار عدد من القرارات التى تحد من سلطة البرلمان بحيث يصبح صانع القرار الاوحد .
ومن هذا نستخلص أن مؤسسات صنع القرار لم تكن فاعلة بشكل كبير فى ظل حكم الجنرال شارل ديجول فكان هو المختص باتخاذ القرار كما كان رأيه أكثر فاعلية فيما يتعلق بالسياسة الخارجية . ولكنه فى النهاية قد اتى الى السلطة بطريقة ديمقراطية باختيار الشعب ورحل عن السلطة ايضا بطريقة ديمقراطية وباختيار الشعب وذلك من خلال الاستفتاء الذى اجراه على الاصلاحات والذى ذكر ان نتيجته هى التى ستحدد بقائه او رحيله عن السلطة وبهذا فقد فتح الباب امام عملية التحول الديمقراطى التى يمكن ان تشهدها فرنسا والتى تعد بالفعل احدى الدول الديمقراطية فى العالم.
الخاتمة :
ومن دراسة الحالتين التطبقيتين (عبد الناصر وديجول) لدراسة أثر القيادة الكاريزمية على التحول الديمقراطى تبين أنه ليس هناك علاقة بينهما ففى حين عرقلت تلك الزعامة الكاريزمية عملية التحول الديمقراطى فى مصر فى حالة جمال عبد الناصر الا أنها لم تكن بتلك الصورة ذاتها فى حالة شارل ديجول رغم انه هو الآخر قد استغل (مثل عبد الناصر) زعامته الكاريزمية لكى يتفرد بالحكم دون منازع ودون مشاركة أية مؤسسة له فى عملية الحكم . الا ان ديجول كان أقل وطأه فى هذا الأمر حيث أنه لم يلغى الاحزاب تماما كما فعل عبد الناصر ولم يفرض تلك الرقابة على الصحف او يحل مجلس نقابة الصحفيين وذلك رغم سيطرة ديجول على التلفزيون الا انه كان يترك مساحة من التعبير للصحف .
كما أن عبد الناصر لم يترك الحكم الا عندما وافته المنية , وهذا على عكس ديجول الذى تخلى عن السلطة عندما تصاعدت المظاهرات المضادة له وذلك بعد أن اقترح طرح استفتاء واعلن أن نتيجته هى التى ستحدد بقائه فى الحكم من رحيله وعندما جاءت النتيجة فى غير صالحه فترك السلطة فورا. وبهذه الطريقة التى تخلى بها عن السلطة مهد لعملية التحول الديمقراطى فى فرنسا.
قائمة المراجع :
المراجع باللغة العربية :
الكتب:
حسن نافعة, “الاتحاد الأوروبى والدروس المستفادة عربيا “, ( بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2004 ) .
صادق محمد البسام ، ” موسوعة العلوم السياسية ” ، محمد محمود ربيع ، اسماعيل صبرى مقلد (محرر) ، “المنهج المقارن”، ( الكويت ، 1994) .
عاطف السيد , ” عبد الناصر وازمة الديمقراطية : سطوة الزعامة وجنون السلطة ” , (الاسكندرية : فلمنج للطباعة , 2002) .
الرسائل العلمية :
ابتسام على مصطفى , “التحول الديمقراطى فى تركيا فى الفترة ما بين عام (1990- ديسمبر 2004)”, ماجستير , (القاهرة: كلية الاقتصاد و العلوم السياسية، 2007 ).
أحمد سيد حسين ,”دور القيادة السياسية في اعادة بناء الدولة دراسة حالة روسيا في عهد بوتين” ,دكتوراه, (القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية, 2013).
أحمد منغور, “موقف الرأي العام الفرنسي من الثورة الجزائرية (1954 – 1962)”, ماجستير, (جامعة منتوري: كلية العلوم الإنسانية و العلوم الاجتماعية, 2006).
السيد على السيد محمد أبو فرحه ، “التحول الديمقراطى فى موريتانيا( 2005 – 2009 )”، ماجستير ، ( القاهرة : كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2011 ).
اميرة ابراهيم حسن دياب ، “التحول الديمقراطى فى المغرب ودور المؤسسة الملكية (1992 – 1998) “, ماجستير ، ( القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2002).
خالد حمود خميس العجمى, “أثر التغير فى القيادة السياسية على السياسة الخارجية الايرانية تجاه دول مجلس التعاون الخليجى (1997 – 2009 )”، ماجستير , (القاهرة : كلية الاقتصاد والعلوم السياسية , 2012) .
علاء ابو الوفا محمد محمود ,”تأثير التحول الديمقراطى على عدم الاستقرار السياسى فى مصر وبولندا “, ماجستير, (القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ,2015) .
على سعيد المرى ،” التحول الديمقراطى فى دولة قطر ( 1995 – 2004) “, دكتوراه ، (القاهرة : كلية الاقتصاد والعلوم السياسية , 2006 ).
مبارك مبارك أحمد عبد الله , “التغير في القيادة السياسية والتحول الديمقراطى في النطم السياسية المصرية في التسعينات “,ماجستير, (القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ,2006 ).
محمد السيد سليم ,” التحليل السياسى الناصرى : دراسة فى العقائد والسياسة الخارجية ” , الطبعة الاولى ، (بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية , 1983) .
محمد حسنين هيكل, ” لمصر لا لعبد الناصر ” ,(بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1982).
محمد عز العرب محمد منيب , “النخبة السياسية والتحول الديمقراطى فى البحرين ( 1992 – 2002)” , ماجستير , (القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية , 2008) .
مصطفى غلام نبى ،” التحول الديمقراطى فى افغانستان والعراق ( 2001- 2010 ) “من منظور مقارن ، ماجستير ، ( القاهرة : كلية الاقتصاد والعلوم السياسية , 2012 ).
هالة جمال ثابت , “ظاهرة التحول الديمقراطى فى أوغندا ( 1986 – 1996 ) دراسة تحليلية فى الاسباب والنتائج ” , ماجستير ، (القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية , 1999) .
هبه محمد فؤاد ، “التطور الديمقراطى و أثره على المشاركة السياسية فى مصر فى عهد مبارك” ، ماجستير ، (القاهرة : كلية الاقتصاد والعلوم السياسية , 2006 ).
يوسف العاصى الطويل, “النظام السياسى الفرنسى: من الثورة الفرنسية الى الجمهورية الخامسة ( 1789 – 2007 )”, ماجستير, (جامعة الازهر بغزة: كلية الاقتصاد والعلوم الادارية , 2007).
محاضرات غير منشورة :
محمد عبد الله, محاضرات غير منشورة .
المواقع الالكترونية :
تييرى ميسان, أسطورة حرية الصحافة في فرنسا, متاح على http://www.voltairenet.org/article90138.html تاريخ الدخول الى الموقع 26 – 4 2016 .
المراجع باللغة الانجليزية :
Books :
Thody, Philip, ” The Fifth French Republic P: residents, politics and personalities”, (New York, 1998).
Knapp, Andrew and Vincent wright, ” the government and politics of france “, ( New York: Routledge, 2006) .
Dissertations :
Schroderus, Andrina, “CHARLES DE GAULLE & THE FRENCH RESISTANCE A Case Study on the Legitimacy and Contention of a Resistance and its Leader”, Master’s thesis, (University of Jyväskylä: Faculty of Social Sciences, February 2014 ).
Websites :
Thorburn, Hugh, ” De Gaulle and the Parties “, International Journal, Vol. 23, No. 2 (Spring, 1968), accessed on http://www.jstor.org/stable/40199875 , last accessed 21 – 3 – 2016 .
Cerny, G. Philip, “The Process of Personal Leadership: The Case of de Gaulle”, International Political Science Review Vol. 9,No. 2, Political Leadership (Apr., 1988), accessed on http://www.jstor.org/stable/1601111 , last accessed 15-02-2016 .
Dekmejian ,R. Hrair, “Nāṣir’sRôle and Legacy II: Marx, Weber and the Egyptian Revolution”, Middle East Journal, Vol. 30, No. 2 (Spring, 1976),accessed onhttp://www.jstor.org/stable/4325483 , last accessed 24-02-2016 .
Jean K. Chalaby, ” A Charismatic Leader’s Use of the Media: De Gaulle and Television “, (The International Journal of Press/Politics, September 1998), accessed on:https://www.researchgate.net/publication/249809218
[1] صادق محمد البسام ، ” موسوعة العلوم السياسية ” ، محمد محمود ربيع ، اسماعيل صبرى مقلد (محرر) ، “المنهج المقارن” ، الكويت ، 1994 ، ص ص 52-53.
[2]أحمد سيد حسين ,”دورالقيادةالسياسيةفياعادةبناءالدولةدراسةحالةروسيافيعهدبوتين” ,دكتوراه, (القاهرة: كليةالاقتصادوالعلومالسياسية, 2013).
[3]مباركمباركأحمدعبدالله , “التغيرفيالقيادةالسياسيةوالتحولالديمقراطىفيالنطمالسياسيةالمصريةفيالتسعينات“,ماجستير, (القاهرة: كليةالاقتصادوالعلومالسياسية ,2006 ), ص ص 17 – 22.
[4]علاء ابو الوفا محمد محمود ,”تأثير التحول الديمقراطى على عدم الاستقرار السياسى فى مصر وبولندا “, ماجستير, (القاهرة:كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ,2015), ص ص 25 – 32 .
[5]محمد عبد الله, محاضرات غير منشورة .
[6]مباركمباركأحمدعبدالله, مرجع سابق , ص ص 35-42.
[7]ابتسام على مصطفى , “التحولالديمقراطىفىتركيافىالفترةمابينعام(1990- ديسمبر 2004)“, ماجستير , (القاهرة: كلية الاقتصاد و العلوم السياسية، 2007 ).
[8]اميرة ابراهيم حسن دياب ، “التحولالديمقراطىفىالمغربودورالمؤسسةالملكية (1992 – 1998) “, ماجستير ، ( القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2002).
[9]هبه محمد فؤاد ، “التطورالديمقراطىوأثرهعلىالمشاركةالسياسيةفىمصرفىعهدمبارك“ ، ماجستير ، (القاهرة : كلية الاقتصاد والعلوم السياسية , 2006 ).
[10]على سعيد المرى ،” التحولالديمقراطىفىدولةقطر ( 1995 –2004) “, دكتوراه ، (القاهرة : كلية الاقتصاد والعلوم السياسية , 2006 ).
[11]مصطفى غلام نبى ،” التحولالديمقراطىفىافغانستانوالعراق( 2001-2010 )”منمنظورمقارن ، ماجستير ، ( القاهرة : كلية الاقتصاد والعلوم السياسية , 2012 ).
[12]هالة جمال ثابت , “ظاهرةالتحولالديمقراطىفىأوغندا ( 1986 – 1996 ) دراسة تحليلية فى الاسباب والنتائج “ , ماجستير ، (القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية , 1999) .
[13]السيد على السيد محمد أبو فرحه ، “التحولالديمقراطىفىموريتانيا( 2005 – 2009 )”، ماجستير ، ( القاهرة : كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2011 ).
[14]مباركمباركأحمدعبدالله , مرجع سابق .
[15]محمدعزالعربمحمدمنيب , “النخبةالسياسيةوالتحولالديمقراطىفىالبحرين ( 1992 – 2002)” , ماجستير , (القاهرة: كليةالاقتصادوالعلومالسياسية , 2008) .
[16]مباركمباركأحمدعبدالله , مرجع سابق, ص ص 23-24 .
[17]المرجع السابق .
[18]خالد حمود خميس العجمى, “أثرالتغيرفىالقيادةالسياسيةعلىالسياسةالخارجيةالايرانيةتجاهدولمجلسالتعاونالخليجى(1997 – 2009 )“، ماجستير , (القاهرة : كلية الاقتصاد والعلوم السياسية , 2012) .
[19]محمد عز العرب محمد منيب ,“النخبةالسياسيةوالتحولالديمقراطىفىالبحرين ( 1992 – 2002)“ , مرجع سابق .
[20]محمدالسيدسليم,” التحليلالسياسىالناصرى : دراسةفىالعقائدوالسياسةالخارجية “ , دكتوراه , (بيروت : مركزدراساتالوحدةالعربية , 1983) .
[21]محمد حسنين هيكل, ” لمصر لا لعبد الناصر “ ,(بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1982).
[22]R. HrairDekmejian, “Nāṣir’sRôle and Legacy II: Marx, Weber and the Egyptian Revolution”, Middle East Journal, Vol. 30, No. 2 (Spring, 1976), pp. 158-172, Middle East Institute, accessed on.http://www.jstor.org/stable/4325482 , last accessed 24 – 2 2016 .
[23]Philip G. Cerny, “The Process of Personal Leadership: The Case of de Gaulle“, International Political Science Review Vol. 9,No. 2, Political Leadership (Apr., 1988), pp. 131-14,Sage Publications, Ltd,accessed on http://www.jstor.org/stable/1601111, last accessed 15-02-2016 .
[24]AndrinaSchroderus-Nevalainen, “CHARLES DE GAULLE & THE FRENCH RESISTANCE
A Case Study on the Legitimacy and Contention of a Resistance and its Leader”, Master’s thesis, (University of Jyväskylä: Faculty of Social Sciences, February 2014 ).
[25]عاطف السيد , ” عبد الناصر وازمة الديمقراطية : سطوة الزعامة وجنون السلطة “ , ( الاسكندرية : فلمنج للطباعة , 2002) , ص ص 32 – 69 .
[26]المرجع السابق, ص ص 69 -80 , 230 – 231 .
[27]المرجع السابق, ص ص 231- 233 , 242-245 .
[28]محمد السيد سليم , مرجع سابق, ص ص 308 , 309 .
[29]عاطفالسيد, مرجع سابق, ص ص 148 – 158 .
[30]محمد السيد سليم , مرجع سابق ص 310.
[31]عاطفالسيد , مرجع سابق, ص 241.
[32]محمدالسيدسليم,مرجع سابق, ص ص 312 – 315 .
[33] المرجع السابق, ص 308 .
[34]يوسف العاصى الطويل, “النظام السياسى الفرنسى: من الثورة الفرنسية الى الجمهورية الخامسة ( 1789 – 2007 )”, ماجستير, (جامعة الازهر بغزة: كلية الاقتصاد والعلوم الادارية , 2007 ), ص ص 14 – 16 .
[35]AndrinaSchroderus-Nevalainen, Op.Cit, p p 46 – 51 .
[36]Andrew Knapp and Vincent wright, ” the government and politics of france “, ( New York: Routledge, 2006), pp 11-14 .
[37]AndrinaSchroderus-Nevalainen,Op.Cit .
[38]AndrinaSchroderus-Nevalainen, Ibid, p 64 .
[39]Hugh Thorburn, ” De Gaulle and the Parties “, International Journal, Vol. 23, No. 2 (Spring, 1968), accessed on http://www.jstor.org/stable/40199875 , last accessed 21 – 3 – 2016 .
[40]أحمدمنغور, “موقفالرأيالعامالفرنسيمنالثورةالجزائرية (1954 – 1962)”, ماجستير, (جامعةمنتوري: كليةالعلومالإنسانيةوالعلومالاجتماعية, 2006), ص ص 41 , 42 .
[41]يوسف العاصى الطويل, مرجع سابق .
[42]Hugh Thorburn, Op.Cit
[43]تييرى ميسان, أسطورةحريةالصحافةفيفرنسا, متاح على http://www.voltairenet.org/article90138.html , تاريخ الدخول الى الموقع 26/4/2016 .
[44]Jean K. Chalaby, ” A Charismatic Leader’s Use of the Media: De Gaulle and Television “, (The International Journal of Press/Politics, September 1998), accessed on: https://www.researchgate.net/publication/249809218 .
[45]حسن نافعة, “الاتحاد الأوروبى والدروس المستفادة عربيا “, ( بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2004 ) , ص 15.
[46] Andrew Knapp and Vincent wright, Op.Cit, p p 87-90 .
[47]Philip Thody,” The fifth French republic : presidents, politics and personalities“, (New York,1998), p p 15-19.