الدراسات البحثيةالعلاقات الدولية

انعكاسات الأزمة السورية على العلاقات الإيرانية – السعودية

اعداد الباحثة : زهراء غازي فتح الله – ماجستير في العلاقات الدولية – جامعة بغداد

-المركز الديمقراطي العربي

 

المقدمة:
سوريا هي واحدة من الدول العربية التي طالها التغيير، وإن كانت تُمثل المشهد الأكثر دموية وعنفا في الثورات العربية، حيث بدأ الأمر باحتجاجات صغيرة في 15/3/2011 في مدينة دمشق بدعوات مسبقة قبل ذلك بأسابيع، لكن الأمن اعتقل المتظاهرين جميعهم، ثم مظاهرة أخرى في اليوم التالي شارك فيها أكثر من مئة شخص مطالبين بالإفراج عن معتقلي المظاهرة الأولى، وفي 18 آذار خرجت مظاهرات حاشدة في خمسة مدن سوريا، هي درعا وحمص ودمشق ودير الزور وبانياس تحت شعار جمعة الكرامة، واستمرت المظاهرات بشكل دوري وتحولت إلى اشتباكات بعد ذلك، فقد أعطي الجيش السوري دورا يقضي بفرض النظام والأمن بقوة السلاح مما زاد من حدة الاحتجاجات الداخلية، ومن استياء المنظمات الحقوقية، حيث أطلق الجيش السوري عمليات واسعة في مدينتي درعا ودوما، إذ اتهمت منظمة العفو الدولية الجيش بارتكابه ما قد يرتقي إلى جرائم ضد الإنسانية، توالت حملات الجيش السوري لتشمل مدن عديدة بأنحاء سوريا، من جانبه فقد اتخذ النظام السوري مجموعة من القوانين والقرارات التي تهدف إلى إصلاح الواقع السياسي للبلاد، ورفع مستوى الحريات، منها إعلانه في 7 نيسان/ابريل2011 منح الجنسية للمواطنين الأكراد في سوريا، وكذلك في 14 من نفس الشهر شكلت حكومة جديدة للبلاد وتم إلغاء قانون الطوارئ المعمول بها منذ 1963، وأعلن عفوا عامًا عن المعتقلين السياسيين جميعهم بما فيهم جماعة الإخوان المسلمين.

إنَّ التغيير في سوريا تعيقه عوائق عدَّة منها ما يتعلق في المجموعة القائمة على النظام في سوريا، بما يمتلك من أدوات الإكراه المادي، والإمكانات السياسية والاقتصادية، والعائق الآخر يتمثل بالقوى الدولية والإقليمية التي لا تؤيد التغيير في سوريا وترى له تأثير سلبي عليها كروسيا والصين وإيران، ومن جهة أخرى فإن الأزمة السورية كانت ولا تزال تثير الكثير من الجدل والنقاش في الأوساط السياسية والأكاديمية حول أسبابها وتداعياتها على الأوضاع الداخلية في سوريا وعلى الأوضاع الإقليمية والدولية، ويعود هذا الجدل لأسباب عدة:

​أولها: إنّ العنف في سوريا وصل إلى مستويات عالية واستخدمت فيه الأسلحة المحرمة دوليًا كالأسلحة الكيمياوية والبراميل المتفجرة، وان معظم ضحايا هذا العنف هم المدنيين، فضلا عن اتسام هذا العنف بالفوضوية، فهو مشخص بين عدة جماعات تمارس العنف وهي جماعات في اغلبها غير معروفة الهوية وغير معروفة الأهداف مما يعطي الانطباع بأن سيناريو ما بعد الأزمة قد يكون أسوء بكثير من الأزمة نفسها، كما حصل في أفغانستان سابقا وفي ليبيا حاليا.

​ثانيهما: إن الأزمة أصبحت بفضل الدور الإيراني فيها متداخلة مع أزمات ساخنة أخرى كالملف النووي الإيراني، والأزمة العراقية، والأزمة اليمنية، بحيث أصبح من الصعب الفصل بينهما لدرجة تدفع بالاعتقاد ان حل الأزمة السورية ربما يمهد السبل لإيجاد حلول لهذه الأزمات.

ثالثا: إنّ دخول تنظيم الدولة الإسلامية على خط الأزمة قد خلق تضاربا في رؤية القوى الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة، بحيث انقسمت هذه القوى على فريقين:

  • الأول- يرى أن رحيل نظام الأسد يسهل الطريق للقضاء على هذا التنظيم على اعتبار ان هذا النظام هو الذي سهل وجوده في سوريا والعراق، وهذه هي رؤية الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والدول العربية خاصة دول الخليج.
  • والفريق الثاني يرى ان الأولوية هي في محاربة التنظيم وان بقاء نظام الأسد هو الضامن لذلك، وهذه هي رؤية روسيا والصين وإيران والعراق، وهذا بالطبع عقد الى حد كبير من سبل تسوية الأزمة.

رابعا: إنّ أخطر ما في الأزمة السورية ربما يكون في مرحلة تسويتها وزوال العنف فيها، فرحيل الأسد وقيام نظام تتولاه الجماعات المسلحة قد يكون البداية لعنف جديد لكون هذه الجماعات غير موحدة ومؤتلفة، وبقاء الأسد مع قوى المعارضة في الحكم لا يعني إطلاقًا نهاية للأحقاد بين الفريقين خصوصا بعد ان وصل مستوى العنف الى الكارثية كما اشرنا واصطبغ باللون الطائفي، ومن ثم فأن تسوية الأزمة قد تتطلب تدخل مؤسسات دولية مهمة بتحويل الصراعات المسلحة بمعنى جعل الأطراف التي تصارعت ومارست العنف تتقبل بعضها البعض وهو أمر قد يستغرق وقت طويل.

أثرت الأزمة السورية على علاقات الاقليمية لإيران – باعتبارها طرف فاعل في الأزمة – والذي ما زال تأثيرها مستمراً ويفتح المجال أمام احتمالات عديدة تلقي بآثارها على مستقبل علاقات الإقليمية والدولية خصوصا إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ان بعض الدول العربية كدول الخليج مثلا تتهم إيران بأنها وراء تأزيم الأوضاع في سوريا والعراق واليمن ولبنان، وانها تسعى لتكوين عمق استراتيجي لها في هذه البلدان بغلاف طائفي قد يهدد الأمن العربي عموما والخليجي خصوصا.

وهنا، نسلط الضوء على انعكاسات الأزمة على العلاقات الايرانية – السعودية كأطراف فاعلة في الازمة منذ عام 2011 والتي لا زالت تلقي تداعياتها عليها بصورة سلبية لاسيما وان نظام الاسد مدعوم سياسيا وعسكريا من روسيا والصين، وبشكل يجعل التوصل الى الحل بصورة سلمية مستحيلا.

انعكاسات الازمة على العلاقات الايرانية – السعودية
مرت العلاقات الإيرانية – السعودية بمراحل متعددة، واتخذت مسارات مختلفة وتأثرت بظروف وعوامل محلية وإقليمية لاسيما مع بدء الثورات العربية خاصة الأزمة التي شهدتها سورية خلال شهر اذار/مارس عام 2011، حتمت عليها الانتقال من مرحلة إلى اخرى وفقا لما املته مصالح الدولتين واهداف سياستهما الخارجية وامكانيات التأثير ومواطن التأثر.

وعليه تم تقسيم الدراسة إلى مطلبين:
– المطلب الأول: الموقف السعودي من الأزمة السورية.
– المطلب الثاني: انعكاس الأزمة على العلاقات الإيرانية – السعودية.

المطلب الأول: الموقف السعودي من الأزمة السورية

حكمت العلاقات السعودية – السورية أنماط من التعاون أو التكامل تارة، والتنافس والقطيعة تارة اخرى. وليس هذا السياق ملائما لعرض العلاقات السعودية-السورية في مراحلها كلها، لكننا سنركز على مرحلة حكم الرئيس بشار الأسد، أي منذ عام 2000، وحتى انطلاق الأزمة السورية في عام 2011. ومن ثم نعرض الموقف السعودي من الأزمة السورية، ونقدم قراءة تحليلية لتطوره.
جرى الانفتاح السعودي على القيادة السورية في البداية في عام 2002، وساهمت معطيات عدة في هذا الانفتاح، ابرزها تأييد القيادة السورية مبادرة السلام التي اطلقها الملك عبدالله –ولي العهد آنذاك- في عام 2002. وتبنتها القمة العربية التي عقدت في بيروت في اذار/مارس 2002 لتصبح (المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل). وفي قمة بيروت جرى ترتيب ملفات شائكة عدة بين السعودية وسوريا، ولاسيما الملف اللبناني، حيث تم تحديد نفوذ كلا البلدين في لبنان ودوره() .

في عام 2005، اغتيل رفيق الحريري, وشكل الاغتيال بداية الخصام بين السعودية وسورية في لبنان. ولم يكن هذه موضوع الخلاف الوحيد بين البلدين في مرحلة المحافظين الجدد ومكافحة الارهاب التي اصبحت تسمى الحرب على الارهاب. ونتيجة لذلك، دعمت السعودية (فريق 14 اذار) وتوجهاته المناوئة للنظام السوري.

كما ايدت الضغط الدولي المفروض على نظام الأسد، ولاسيما قرار مجلس الامن رقم 1559 الذي قضى بانسحاب القوات السورية من لبنان() .

تراجع الدور السوري في لبنان بعد الانتخابات البرلمانية اللبنانية في عام 2005 التي فاز فيها (فريق 14 اذار). وتألفت في لبنان حكومة لبنانية برئاسة فؤاد السنيورة اعلنت (عداءها) للنظام السوري, كما دعا بعض اركانها إلى أسقاطه، وحظيت هذه الحكومة بدعم السعودية ما فسر على ان السعودية تتبنى فكرة اسقاط النظام السوري آنذاك() .

حققت حرب تموز/يوليو 2006 اختراقا في التوازنات القائمة في لبنان، وانعكاس انتصار المقاومة اللبنانية بنتائج سلبية على قوى 14 اذار والسعودية التي حملت حزب الله مسؤولية العدوان الإسرائيلي على لبنان، بما يتناقض مع اتجاهات الرأي العام التي كانت في اغلبيتها تدعم المقاومة.

هدد استخدام حزب الله لحسم الخلاف السياسي بعودة الحرب الاهلية اللبنانية، لولا مبادرات عربية وإقليمية سارعت إلى خفض التوتر بين القوى السياسية اللبنانية، حيث دعت قطر الفصائل اللبنانية إلى مؤتمر المصالحة في الدوحة في 21 أيار/مايو 2008، نجم عنه اتفاق الدوحة. وحدد الاتفاق بشكل غير مباشر معالم الدورين السعودي والسوري في لبنان وحدودهما() .

وقفت السعودية موقفا مناهضا للثورات كافة، بما فيها الثورة ضد نظام خصم لها مثل النظام الليبي. فعارضت طريقة التغيير بالثورة والاحتجاج الشعبي حتى في الانظمة غير الداعمة لها. ولم يخرج الموقف السعودي تجاه الأزمة السورية عن الموقف السابق، خصوصا ان الأزمة السورية انطلقت في مرحلة اتسمت فيها العلاقات السعودية-السورية بالتعاون.

وظهر الموقف الرسمي السعودي مؤيدا للحكومة السورية في بداية الأزمة، ثم تجاوز الدعم السعودي للقيادة السورية مجرد اعلان الموقف المؤيد إلى تقديم دعم مادي مباشر، حيث اعلن محافظ مؤسسة النقد السعودي، محمد الجاسر، في 7 نيسان/ابريل 2011 تقديم السعودية قروضا تنموية لسورية بقيمة 140 مليون دولار، فضلا عن دراسة امر تقديم قروض اخرى() .

ويمكن شرح تحول الموقف السعودي بالعوامل التالية:

1- تأثير الرأي العام :
أسهمت مجازر النظام السوري ضد المحتجين إلى بروز تضامن شعبي سعودي غير مسبوق مع الأزمة السورية. ويمكن القول ان البعد الطائفي كان حاضرا في الشارع السعودي ولاسيما عند رجال الدين والمؤسسات الدينية، كما ساهم موقف إيران وحزب الله المساند للنظام السوري في اضفاء بعد سني/شيعي على الخلاف على الأزمة السورية، الامر الذي شكل عاملا ضاغطا على نظام الحكم السعودي لتغيير موقفه() .

2-الصراع مع إيران :
وجدت السعودية في الأزمة السورية فرصة استراتيجية للحد من النفوذ الإيراني في دول المشرق العربي، فإيران ومنذ نجاح الثورة الإسلامية في عام 1979 اقامت تحالفا استراتيجياً مع سوريا مكنها من تأدية دوراً فاعلاً في ملفات المنطقة ولاسيما القضية الفلسطينية والملف اللبناني، كما أن هذا التحالف شكل عائقا أمام الدور والنفوذ السعوديين، خصوصا في ظل اختلاف التحالفات الدولية بين السعودية من جهة، والنظام السوري وإيران من جهة أخرى، وقادت الأزمة السورية إلى حالة من الاستقطاب بين دولتين إقليميتين مختلفتين مذهبيا هما السعودية وإيران. واتخذت السعودية اول موقف لها مؤيدة لثورة، وكان في حالة الأزمة السورية مدفوعا أساسا بمنطق الصراع مع إيران ومحاولة وقف تمديد نفوذها إلى الخليج ودول المشرق العربي() .

3- بروز مواقف دولية وإقليمية :
تزامن التغيير في الموقف السعودي مع بروز نبرة دبلوماسية غريبة اكثر حدة ضد النظام السوري (أميركية وبريطانية وفرنسية)، عدت ان الرئيس بشار الأسد فقد شرعيته واهليته للحكم، وترافق ذلك مع قيام الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي بفرض عقوبات اقتصادية على شخصيات في النظام السوري من ضمنها الرئيس بشار الأسد() .

تعمق الموقف السعوي بعد الفيتو الروسي – الصيني المزدوج في 4 شباط/فبراير 2011 ضد مشروع قرار عربي-غربي تبنى المبادرة العربية الثانية. اذ اقتضت القيادة السعودية حينها ان الحل في سورية لن يمر عبر القنوات الدبلوماسية في ظل التشابك الدولي والإقليمي في شأنها. ومن هنا استنتجت السعودية (وتركيا وقطر أيضاً) ان تغيير معادلة القوى على الارض تتطلب تسليح المعارضة السورية. كان هذا في بداية عام 2012 (لكن تحويل التسليح الفعلي بدأ بعد شباط/فبراير) حين ظهر أن الركون إلى عزل النظام سياسيا ودبلوماسيا وفرض العقوبات الاقتصادية لن يؤدي إلى تنحي الأسد. خصوصا في ظل الدعم الإيراني اللوجستي والمادي، والحصانة السياسية التي تقدمها روسيا. ونتيجة هذا الفهم انسحب الوفد السعودي من مؤتمر اصدقاء سورية-1 الذي عقد في تونس في 24 شباط/فبراير 2012 () .

عبرت كل من السعودية وإيران عن مواقفهما تجاه ما يجري في سوريا والمنطقة، وما اطلقوه من سياسات وتوجهات نحو ايجاد سياسة موحدة لحل الأزمة السورية، وتجاه ما يجري في المنطقة. وعليه سوف نتناول ما يجري كالآتي:

1-المبادرات الإيرانية – السعودية لحل الأزمة السورية:
في اطار المحاولات الإيرانية لحل الأزمة السورية، قام وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف بجولة إقليمية، لعرض المبادرة الإيرانية المعدلة على حلفائها، موضحا ان زيارة دمشق تعني اعلانا لمواصلة إيران دعمها لسوريا بعد التوقيع على الاتفاق النووي مع القوى الكبرى، وقد اوضحت إيران بأنها مستعدة للتعاون مع أي دولة تريد إيجاد حل سياسي للأزمة وحتى لو كانت السعودية.
ومن جانبها قالت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية فخم: إن المبادرة الإيرانية تضم 14 بندا ابرزها: رفض التدخل الخارجي، ورفض الاستعانة بوسائل غير مشروعة لتحقيق أهداف سياسية، واحترام حقوق الشعب السوري في تحقيق الإصلاحات وتقرير مصيره … وقد وصفتها فخم بالحراك الإيراني الجاد للمساهمة بإيجاد حل لأزمات المنطقة واعادة الاستقرار اليها. ووفق هذا الأساس لا يمكن ان تعتمد طهران على الحل العسكري كوسيلة لإنهاء الأزمة موضحةً ان الحل يمكن ان يكون بإجراء حوار سوري بين مختلف القوى السياسية داخل سوريا() .

على الرغم من صعوبة التوصل إلى اتفاق موحد بين القوى الإقليمية على صيغة واحدة لحل الأزمة، الا ان وزير الخارجية الإيرانية جواد ظريف قد اجرى محادثات اخرى مع وزير الخارجية السورية وليد المعلم بحضور المبعوث الروسي بوغدانوف في 8/4/2015، مشيرا إلى مبادرة معدلة لحل الأزمة السورية تتكون من اربعة بنود() :

  • البند الأول: وقف فوري لإطلاق النار.
  • البند الثاني: تشكيل حكومة وطنية موحدة تجمع القوى السياسية المختلفة.
  • البند الثالث: إعادة تعديل الدستور السوري، بما يتوافق مع الأقليات الاثنينة في سوريا.
  • البند الرابع: اجراء انتخابات بإشراف مراقبين دوليين.   من جانبه قال حسين أمير عبد الهيان، مساعد وزير الخارجية الإيراني: ان إيران تعد مقترحات لحل الأزمة السورية، وانها تعد مبادرات أيضاً لإعادة العلاقات بينها وبين دول المنطقة، خاصة السعودية، ويشير أيضاً إلى ان المبادرة الإيرانية تستند في جوهرها إلى افكار روسية دعت من خلالها موسكو إلى اقامة تحالف إقليمي موسع لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، يضم سوريا والسعودية وتركيا.

لكن حديث المبادرات لم يتوقف عند طهران، فقد اطلقت الرياض مبادرة لحل الأزمة السورية من جانبها أيضاً، فقد اشترطت السعودية وقف دعمها للمعارضة السورية بانسحاب إيران ومقاتلي حزب الله من سوريا، وتنص المبادرة السعودية أيضاً على اجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بإشراف الامم المتحدة. وكان مسؤولون سعوديون قد التقوا رئيس مكتب الامن القومي السوري اللواء علي مملوك في جدة في 7/6/2015، وعرضوا عليه المبادرة، وعقد هذا الاجتماع تحت أشراف روسيا أيضاً() .

2- تقسيم سوريا
تتمحور إحدى نقاط النقاش الرئيسة حول النظام السياسي الامثل الذي من شأنه ان يحافظ على تماسك سوريا. ففي ظل انقسام سوريا إلى شمال شرقي غني بالنفط، وجنوب حظري، ومناطق شمالية حيث تنظيم الدولة الإسلامية يتمتع بتواجد كبير، وساحل تهيمن عليه الأقلية العلوية، ثمة قلق فعلي من ان تترجم انقسامات سوريا نفسها إلى انهيار للدولة في حال سقطت الحكومة المركزية. لذا، بحث البعض على الساحة الدولية في فكرة تطبيق نظام سياسي يستند إلى التمثيل الطائفي، كوسيلة لحل الصراع السوري، بيد أن الانموذجين اللبناني والعراقي اظهرا بوضوح ان هذه الطريقة لحل الصراع على المدى القصير تؤدي إلى صراعات طويلة الامد مستقبلا() .

يستند فكرة التقسيم من الوقائع الراهنة الحالية في سوريا، والتي يشير إلى تشكل عدد من الكيانات: اولها كيان يسيطر عليه الجيش الحر في جنوب البلاد في درعا والقنيطرة. وينازع فيه النظام على السويداء. والثاني كيان يضع عليه نظام الأسد يده، يمتد من دمشق عبر الطريق الدولي ليشمل حمص وحماه، فضلا عن طرطوس واللاذقية. والثالث كيان يمتد ما بين إدلب وحلب، وتسيطر عليه المعارضة. والرابع كيان يسيطر عليه تنظيم الدولة الإسلامية، ويمتد عبر الريف الشرقي لحلب وحماه وحمص اضافة إلى دير الزور وبعض من الرقة والحسكة. والكيان الخامس تسيطر عليه وحدات الحماية الكردية المتحالفة مع قوى من الجيش الحر شاملا اجزاء من محافظتي الحسكة والرقة() .

وسط هذا التقسيم القائم واقعيا، يتم الحديث عن تقسيم سوريا. حيث أن هذا الحديث واقعي اكثر مما هو رسمي، لسببين: اولهما أن الأزمة السورية متصاعدة كون التوازنات السياسية – العسكرية غير مستقرة وخاضعة لتغييرات سريعة، وفي ظل احتمالات تغيير في موقف القوى الإقليمية لا سيما السعودية وإيران في موضوع الأزمة السورية. والسبب الثاني المتمثل في عدم وجود قرارات دولية حول مستقبل سوريا() .

3- الموقف السعودي من الدور الإيراني في الأزمة اليمنية :
ان التحول الذي طرأ في اليمن الذي برز مع عملية عاصفة الحزم، تمحور حول عودة إطلالة المملكة العربية السعودية بقوة على السياسات الإقليمية في الشرق الاوسط. والتطورات في اليمن. في هذا الاطار، سوف يكون ممكنا استخدامها للمساومة مع إيران حول قضايا إقليمية، بما في ذلك الأزمة السورية.

بالنسبة إلى اليمن، كانت السياسة السعودية ازاءه متفاوتة في الفترة التي ادت إلى التمرد الحوثي الذي بدأ في أيلول/سبتمبر 2014، فالتواصل بين السعودية والحوثيين كان مفتوح وان كانت بصورة غير مباشرة. بيد ان الموقف السعودي المعلن كان يشدد على ان الحوثيين يشكلون خطر بين ايدي إيران. فقد بدأت إيران تقيم علاقات وثيقة مع الحوثيين بعد ان أنصتت إلى ردود فعلهم على الاتهامات السعودية لهم، وذلك في سياق محاولاتها لإعادة دورها في المنطقة الإقليمية() .

لقد اثار تمرد الحوثيين وتمددهم السريع باتجاه الجنوب قلق السعودية، لأنها اعتبرت أن هذا كان مؤشرا على تصاعد الاهداف الإيرانية والحوثية في آن واحد. وهكذا، وبدلا من أن تنظر السعودية إلى الحوثيين على انهم قوة يمكن تحملها في الشمال، اعتبرتهم انهم يشكلون تهديدا كبيرا لمصالحها، فاندفعت إلى العمل من خلال تشكيل تحالف عربي – دولي يسعى إلى استعادة اليمن، ومعه استعادة نفوذها في منطقة الخليج. وجاء دعم الدول المتحالفة معها، وفي مقدمتها مصر وباكستان، بالإضافة إلى مساندة دول غربية كالولايات المتحدة وفرنسا، للحملة العسكرية التي تقودها السعودية، ليعزز إلى حد كبير من مكانة الرياض، لا سيما وان إيران تخوض قضايا اكثر اهمية وفي مقدمتها الملف النووي والأزمة السورية، وبالتالي يمكنها ان تتراجع عن الحوثيين اذا استنتجت ان وضعهم ضعيف خاصة ان علاقة إيران بالحوثيين براغماتية اكثر منها ايدولوجية() .

سيكون في وسع السعودية الاعتماد على دعم الدول العربية لمواجهة تمدد النفوذ الإيراني وانتشاره خاصة في العراق وسوريا، وعلى الرغم أن الوجود الإيراني لا يزال قويا في سوريا. و أدى التنسيق السعودي مع فصائل المعارضة المسلحة، وكذلك مع حلفاء إقليميين آخرين، دورا يعتد به في هذا الإطار، كما تجلى في سقوط إدلب، وكلما راكمت السعودية قوة المفاوضات حول مستقبل سوريا، كلما تزايدت فرصها لتحقيق تسوية للنزاع تستجيب لمصالحها.

وعلى الرغم من ان إيران لن تقبل حلا لا يجاري اهدافها ومصالحها بالحفاظ على سوريا كممر لإمداد حزب الله بالسلاح، فإن في امكانها التراجع في اليمن مقابل حل وسط سياسي في سوريا يستند إلى تقاسم السلطة بين عناصر من النظام الحالي والمعارضة. اما السعودية فيحتمل ان تقبل درجة ما من النفوذ الإيراني في المشرق العربي، في مقابل تعزيز نفوذها في منطقة الخليج() .

ان الموقف الراهن بين السعودية وبين إيران المتجسد الآن في اليمن ليس، اذا، تنافسا سعوديا – إيرانيا يتضمن رغبة كل طرف في القضاء على خصمه. فكل طرف يسعى فقط إلى دفع ميزان القوة كي يميل لجانبه.

ويمكن القول ان تشابك ابعاد العلاقات الإيرانية-السعودية، وان ترافق مع مراحل هذه العلاقات كافة، الا انه ظهر بصورة جلية واكثر وضوحا في عهد الرئيس حسن روحاني، وذلك لان رئاسته ترافقت مع احداث إقليمية كبيرة اثرت على موازين القوى في المنطقة ولعل أهمها الأزمة السورية، وما تبع من ذلك من خشية سقوط النظام السوري بشار الأسد والذي قد ينتج عنه من فراغ قد تحاول كل من السعودية وإيران ملئه، أو قد ينتج عنه مجيء نظام أخر يكون حليف لإيران أو السعودية.

الخاتمة:
بعد أربعة اعوام واكثر على الصراع المسلح تعمق خلال هذه الحقبة شرخ اجتماعي عميق، وظهر فيه النظام انه القوة المنظمة الوحيدة في سوريا، واصبح من غير المسموح الاكتفاء بالعمل على اسقاط النظام من دون التفكير بالمستقبل. ولان البديل المنظم لن يكون جاهزا فورا سقوط النظام الحالي، بل من الممكن ان تتفجر صراعات أخرى، فلابد من مرحلة انتقالية سلمية، وهذا ما نقصده بالحل السياسي، اما الحل السلمي فما عاد واردا طبعا (فنتيجة القتال ما عاد ممكنا ان يكون الحل سلميا).

فضلا عن ذلك، إن محورا سياسيا كاملا تابعا لإيران ما عاد يجتهد في اخفاء البعد المذهبي في تعبئة قواعده الشعبية وفي تبرير تضامنه مع النظام السوري خلال الأزمة، فإيران دولة قومية مثل اي دولة، لكن ايدولوجيتها الرسمية هي المذهب الديني، وهي في رأينا العامل الرئيس حاليا في تسيس المذاهب وإعادة إنتاج الطائفية وتشكيل صيغتها في المرحلة المعاصرة.

انعكست الأزمة السورية على علاقات إيران بالقوى الاقليمية التي وجدت نفسها منخرطة في الازمة بشكل او بآخر، خاصة اذا أخذنا بنظر الاعتبار أن بعض هذه القوى أخذت تبحث عن دور إقليمي يؤمن مصالحها, كالسعودية . وقد تبدو مواقفها متناقضة لكن هناك اتفاق فيما بينها على ضرورة ايجاد حل للأزمة وان اختلفوا في التفاصيل.

أن الموقف الإيراني سيدفع بالنتيجة الى حالة صراع وتأزم شديدة في العلاقات الإيرانية – الإقليمية المستقبلية، لأن نظام الاسد يفقد شرعيته يوماً بعد يوم منذ أن تفجرت هذه الاحداث، وليس من المنطقي العودة للوراء بعد أن حصدت حتى الان اكثر من 100 الف قتيل ومئات الآلاف من القتلى والجرحى وملاين المهجرين، فضلا عن الخراب والدمار الذي اصاب البنى التحتية السورية، ثم ان نجاح قوى المعارضة السورية في تكوين ائتلاف جديد عام 2012، حظي بالاعتراف والشرعية الدولية والاقليمية والعربية، له مغزى كان يجب ان تفهمه وتدركه القيادة الإيرانية إذ إن معناه ان البيئة الدولية والاقليمية مصرة على التغيير في سوريا، وبالتالي ليس من مصلحة ايران السير بالاتجاه المعاكس، الأمر الذي يؤدي الى علاقات متوترة في المستقبل حيث ان اي قيادة جديدة ستأتي الى الحكم في سوريا سوف تتهم القيادة الإيرانية بأنها اسهمت بقتل السوريين بدعمها واسنادها لنظام الأسد.

المصادر:
أولا: الكتب العربية
– عزمي بشارة، سورية: درب الالام نحو الحرية محاولة في التاريخ الراهن، ط1، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، بيروت، 2013
ثانيا: البحوث والدراسات
– لينا الخطيب، الدور السعودي النافذ غي الخليج والشرق الاوسط، مركز كارنيغي للشرق الاوسط، لبنان، ، 1/4/2015، ص2.
– ______، الطائفية ليست حلا لسوريا، مركز كارنيغي للشرق الاوسط، لبنان،ص1، 13/5/2015.
ثالثا: الدوريات
– سارة فايز، تقسيم سوريا بين الوقائع والافق المسدود، مجلة الشرق الاوسط، العدد 13361، 28/6/2015
رابعا: الرسائل والأطاريح الجامعية
– صباح علال زاير، العلاقات السعودية- الإيرانية 2005- 2012، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية العلوم السياسية جامعة بغداد، 2013.
خامسا: الصحف
– اسراء احمد فؤاد، تحرك إيراني في المنطقة لعرض مبادرة معدلة، صحيفة اليوم السابع، 12/8/2015.
– سامية عبد الله، بعد مبادرات إيران وروسيا، هل تغير موقف السعودية من حل الأزمة السورية؟، صحيفة شؤون خليجية، العدد575، 16/8/2015.
سادسا: الانترنت
– الأسد يتلقى اتصالا ها تفيا من ملك السعودية… والاخير يبدي دعم المملكة لسورية في ما يستهدفها، سيريا نيوز، 28/3/2011، على الموقع:- www.syria-news.com.
– موقف السعودية بتأييد سورية، منطق الصراع مع إيران، روسيا اليوم،25/11/2011، على الموقع:-www.arabic.rt.com
– نص تفاق الدوحة، الرياض، 22/5/2008، على الموقع:- www.alriyadh.com
– هل تتفق الرياض وطهران على مبادرة لحل الأزمة السورية، BBCعربي، 9/8/2015، على الموقع:-www.BBC.com.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى