الجماعات الاسلامية

ملخص بحث : كشف السرائر عن الفكر السلفي المعاصر

 بقلم : أحمد المهداوي – المركز الديمقراطي العربي

 

– السلفية و فكرة المشاركة السياسية :

– أما في ما يخص العلاقة القائمة بين السلفية والحياة السياسية، فإن هذه الدعوة تعيش عزلة لا تقل عن نظيرتها في العزلة الاجتماعية، فإن السلفية وخلال سنوات طويلة ظلت في حالة طلاق بائن مع الشأن السياسي بمختلف تعبيراته، إما مقاطعة دون تحريم مطلق، على أساس تجنب البدع والمفاسد التي تنجم عن العمل السياسي من ( تحزب، وشقاق، وفرقة بين المسلمين )، وهذا الرأي هو ما عليه رواد السلفية العلمية والجامية بل إن رأيهم هذا يتعدى ( المظاهرات، والثورات،…) إلى أن يشمل حتى المشاركة في الأحزاب السياسية – على عكس السلفية الحركية التي تنخرط في ذلك بشكل مباشر لأنها ترى وجوب الانخراط في العمل السياسي من أجل التغيير- ، ويستدل الفريق الأول على أن الأحزاب والمشاركة فيها بدعة بقوله تعالى : { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون }(1)، وقوله سبحانه : { كل حزب بما لديهم فرحون }(2)، ولعل هذا الطرح يعضده كلام الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى – : ” الواجب أن تكون الأمة الإسلامية مذهبها مذهب السلف الصالح ، لا التحزب إلى من يسمى ( السلفيون ) ، هناك طريق سلف ، وهناك حزب يسمى ( السلفيون ) ، المطلوب : إتباع السلف “(3) .

وهذا الرأي نجده متبلورا عند السلفية المغربية أيضا، حيث أن جمعية الدعوة إلى القرآن و السنة تتخذ موقفا مشابها فلا نجدها تحتك كثيرا أو غالب الأحيان بما هو سياسي، ولا نجدها تدعو إلى المشاركة السياسية، بدعوى شبهة هذا المجال وأي دخول في بوثقته إنما هو وقوع في المحظور، أو على أقل تقدير اتقاء للشبهات استنادا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات إستبرأ لدينه}، أي : بين الحلال والحرام،أمور مشتبهة بالحلال والحرام، فحيث انتفت الشبهة انتفت الكراهة وكان السؤال عنه بدعة(4).

****************************

1- سورة الأنعام، الآية : 159.

2- سورة الروم، الآية : 32.

3- أنظر ” ما بعد السلفية ” ، أحمد سالم و عمرو بسيوني ، الطبعة الأولى ، ص : 19.

4- ” شرح الأربعين النووية “، للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، تحقيق : محمود بن رضوان أحمد، الطبعة الأولى، ص : ( 72 )، الحديث أخرجه : البخاري ( 52 )، ومسلم ( 1599 ).
– إن السلفية العلمية في المشرق وحتى في المغرب تتوجس من العمل السياسي إن صح التعبير، ولا تحبذ فكرة الالتصاق و المشاركة في هذا المجال، ويرون هذا كما قلنا آنفا على أنه بدعة وتفرقة لشمل الأمة، والقاعدة تقول : ” ذرء المفاسد أولى من جلب المصالح “، أي أنه حتى إن كان في الأحزاب بعض الخير والمصلحة إلا أنها تخلق مفسدة بتفرقتها لشمل الأمة الإسلامية، لكن وعلى عكس السلفية العلمية نجد السلفية الحركية تمزج بين المكون السلفي والمكون السياسي لصياغة رؤية إصلاحية للواقع الإسلامي، إن السلفية الحركية لا تنفك تهتم بالواقع السياسي وملابساته، بل وتنخرط في صفوف العاملين في هذا المجال، مستندة في ذلك إلى ضرورة الإصلاح بالممارسة لا بالتنظير فقط، وبين هذا التيار نفسه تختلف الرؤية لتحقيق الغاية الإصلاحية :

التيارات التي تشارك في العملية السياسية في الأنظمة القائمة .

التيارات السياسية التي تمنع العمل السياسي في الأنظمة القائمة، وتستعيض عن ذلك بتكوين شبكة مفاهيمية منهجية، للسياسة الإسلامية، وصورة الإسلام المطلوبة، لتكوين الطليعة المؤمنة التي تنفذ هذا البرنامج حين تسنح الفرصة، ويغلب هذا النموذج على الفكر السلفي الحركي، كما عند المفكر الإسلامي محمد قطب

وإننا لا نجد هذا التيار الحركي الذي يمثل السلفية حق تمثيلها في المغرب، وحتى إن وجد وسلمنا بذلك فإنه كما قلنا لا يمثل السلفية على أصولها وبتجلياتها المذكور في الفصل الثاني من البحث.

ويبقى لنا بعد ذكر السلفية العلمية والحركية، أن نذكر بالتيار الجهادي الذي يمثله ( محمد الفيزازي ) والذي يتذبذب بين المشاركة السياسية من عدمها، فهذا التيار إن قال بالمشاركة فإنه يتخذ من طابع العنف ميزة له من أجل الإصلاح السياسي المزعوم، ولا يتوانى عن سفك الدماء وتمزيق الأشلاء، والتخريب عوض الإصلاح ( أحداث 16 ماي 2003 )، وإن لم يقل بالمشاركة السياسية تجده لا يتورع عن تكفير الحكومات، وتفسيق المجتمع، ولا ينفك يتحين الفرص للضرب في التيارات الأخرى وإن كانت من أبناء جنسه ( السلفية ).
3- إن السلفية تفتقد إلى الخطاب السياسي وتركز فقط أو غالب الأحيان على الخطاب الديني وحتى السلفية الجهادية لا ينم خطابها السياسي عن حضور إيديولوجي متكامل ولا يصلح لأن يكون نظاما سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.

” لكن البحث اكتشف أنه إذا كانت السياسة غير موجودة على مستوى الخطاب فإن ذلك لا يعني غيابها، فهي تنتمي إلى مستوى آخر، مستوى الممارسة اليومية، بحيث يمكن أن نجد بعض مدلولاتها في أشكال العمل اليومية، والطقوس والتنشئة والعلاقات الاجتماعية،………….فهناك ممارسات تقايض حرية العمل الدعوي بالامتثال للنظام السياسي، أو تزكية شرعيته الدينية عبر مهاجمة الحساسيات الحركية المعارضة “(1).

إن الدعوة السلفية اليوم في المجال السياسي لم تعطي أطروحة وخطابا مركزا مما يخلق لدى الدارسين للمنهج السلفي سؤالا مفاده : ” هل بالإمكان الوثوق بأن التيارات السلفية قادرة على طرح مشروع سياسي وتبني رؤى تلتقي مع القواسم المشتركة التي تتفق عليها جل القوى الوطنية، أم أن الطرح السلفي تعتريه الكثير من المناطق الضبابية والتصلبات التي تدفع إلى حالة من القلق والتوجس إزاء هذا التيار ؟ “(2).

لقد أظهرت الأحداث على الساحة المغربية أن ثمة تغييرا في الخطاب السلفي، ويمكن أن يطال بنيته شيء من التغيير، رغم محدودية و ضيق أفق هذا الأخير، ما يعني أن الأفق مازال مفتوحا على كل الاحتمالات أمام فرص التطور والانفتاح والتجديد في بنية الخطاب السلفي، بما يتماشى ومستلزمات وثوابت المشروع الرسمي بين مختلف القوى السياسية.

***************************

1- أنظر ” سوسيولوجيا الحركات السلفية في المغرب “، بيروت، مركز دراسة الوحدة العربية، سلسلة الأطروحات، 2009.

2- أنظر المرجع نفسه.
– وإن إمكانية تأسيس أحزاب سلفية لهو من الأهمية بمكان من أجل تطور الرؤية السلفية، والخروج من بوثقة الوعظ و الإرشاد و الدعوة و الاهتمام بما هو ديني فقط إلى الاهتمام بالعمل السياسي و الحزبي، محاولة تخطي عقبة النأي بالنفس عن هذا الاهتمام، ” بيد أن هذه الخطوة لا تشكل كما يتوهم البعض قفزة تجعل الحالة السلفية أو أحد تجلياتها تقف على مقربة من مدرسة ( الإسلام السياسي )(1)، فمن الجلي أن خطوة من قبيل تأسيس حزب سياسي و الإعلان عن القبول بالتداول لا يكفي للقول بأن الخطاب السلفي يشكل عامة إضافة للمشهد السياسي عن مخاطر التأزم “(2).

ويبقى القول بعد هذا كله أن السلفية تحتاج إلى بلورة خطاب سياسي واضح المعالم كالخطاب الديني الذي انتهجته، والسلفية المغربية لديها تباينات مع بعضها البعض ولازالت لم تتفق داخل التيار نفسه على المشاركة السياسية من عدمها وهذا ما طرحه كتاب ” ما بعد السلفية ” في القول الآتي : ” …….على أن التيارات السلفية في المغرب شهدت تباينا وتصدعا كبيرين؛ فقد انقسمت السلفيات في المغرب إلى سلفية اتبعت الهلالي وبقيت ماضية على خطاه، وأخرى اتبعت المغراوي، وثالثة اتبعت سلفية أقرب إلى السلفية الجهادية، على رأسهم الشيخ محمد الفيزازي، ويشترك هؤلاء في الروية العلمية العامة ” (3).

*******************

1- الإسلام السياسي : مصطلح سياسي وإعلامي وأكاديمي استخدم لتوصيف حركات التغيير السياسية التي تؤمن بالإسلام باعتباره ” نظاما سياسيا للحكم ” ويمكن تعريفه كمجموعة من الأفكار والأهداف السياسية النابعة من الشريعة الإسلامية أي أن الإسلام ليس عبارة عن ديانة فقط وإنما عبارة عن نظام سياسي واجتماعي واقتصادي يصلح لبناء مؤسسات دولة، بيد أن بعض الفصائل الإسلامية يرفضون مصطلح الإسلام السياسي ويستخدمون عوضا عنه الحكم بالشريعة أو الحاكمية الإلهية.

2- أنظر ” سوسيولوجيا الحركات السلفية في المغرب “، بيروت، مركز دراسة الوحدة العربية، سلسلة الأطروحات، 2009.

3- أنظر ” ما بعد السلفية ” ، أحمد سالم و عمرو بسيوني ، الطبعة الأولى ، ص : 204.

ولقد سبق الذكر إلى أن هناك تباينا داخل المنهج السلفي في المواقف و الآراء حول المشاركة السياسية في الأحزاب والثورات و المظاهرات والانقلابات، يقول ابن عثيمين – رحمه الله – ” إذا كثرت الأحزاب في الأمة، فلا تنتم إلى حزب…وعليك بالإمام، وهو ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين }”(1). وهذا الموقف هو ما عليه رواد السلفية العلمية والجامية سواء في المشرق أو المغرب من أمثال : الشيخ المغراوي، فهذا الفرع من السلفية لا يحبذ أن يكون مسلطا عليه الضوء، ويحب أن يكون منعزلا عن المجتمع رغم هوسه بقضية الإصلاح التي لا تتجاوز عنده الدعوة إلى الله و العودة إلى نهج السلف الصالح، ويعتبرون أن المشاركة السياسية والمظاهرات و الثورات ما هي إلا وبال على التيار السلفي والمجتمع وشر ما دام لم يكن على عهد السلف كما يعتقدون.

باعتبار المشاركة السياسية الحداثية بدعة، قلما تجد شيخا من شيوخ السلفية يجيزها فإننا نجد تفاوتا في الاهتمامات السلفية بالإصلاح السياسي ، ما بين الاتجاه العلمي الدعوي التقليدي، والاتجاه الحركي.

إن الغالب على الاتجاه العلمي تحفظه على التوسع في المشاركة السياسية، أو كثرة الإدلاء بالآراء حوله أصلا؛ فالغالب عليه تسامحه مع الاتجاه الذي يعظم من مصالح المسلمين عموما والسلفيين خصوصا، ومن ثم تجد فتاوى من رموز السلفية الكبار تبيح التصويت والمشاركة في الانتخابات و البرلمانات، فقد سئل ابن باز ” عن شرعية الترشيح لمجلس الشعب، وحكم الإسلام في استخراج بطاقة الإتنخابات بنية انتخاب الدعاة و الإخوة المتدينين لدخول المجلس؟ “.

فأجاب : ” إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى }، لذا فلا حرج في الالتحاق بمجلس الشعب، إذا كان المقصود من ذلك تأييد الحق، وعدم الموافقة على الباطل؛ لما في ذلك من نصر الحق، والانضمام إلى الدعاة إلى الله، كما أنه لا حرج في كذلك في استخراج البطاقة التي يستعان بها على انتخاب الدعاة الصالحين، وتأييد الحق وأهله، والله الموفق “(2).

********************

1- شرح الأربعين النووية، ابن عثيمين، ص : 282.

2- أنظر كتاب ” ما بعد السلفية “، أحمد سالم و عمرو بسيوني ، الطبعة الأولى ، ص : 436.

وعلى العموم يبقى أن التيار السلفي بتصوراته الأربعة ( العلمية، الجامية، الحركية، الجهادية ) وبتقسيماته المختلفة للمكون السياسي بين نظري وعلمي، وموجود وغائب، ورغم ما يقال عن هذا التيار من اتهامه بالانطوائية و الإنسحابية إلا أنه في داخله يحمل مضمونا سياسيا، ولعل أن رموز الدعوة السلفية قديما وحديثا – أهل الحديث وطبقة أحمد، إلى ابن تيمية، وصولا إلى دعوة محمد بن عبد الوهاب، مرورا بالسلفية الإصلاحية الحديثة، انتهاء بالتصورات الأربعة المعاصرة – قد اشتبكوا وبدون استثناء سواء من بعيد أو قريب مع السياسة، بصورة أو بأخرى.

لهذا كله لا يمكن الزعم أن التيار السلفي قد خلا يوما من الأيام من المكون السياسي، فالدعوة السلفية مشحونة بالمضامين السياسية، وتستنبط في جميع صورها وتحققاتها موقفا من السياسة ، سواء كان الموقف مناوئا معارضا، أو موقفا تصالحيا إصلاحيا، أو موقفا متماهيا(1).

ولعلي أختم الجانب المتعلق بالمشاركة السياسية للدعوة السلفية، بهذه القولة للدكتور فريد الأنصاري – رحمه الله – : ” المعلوم بالضرورة، تلك هي أركان الإسلام التي شرعت ليكون التدين مبنيا عليها، وترك الشارع السياسة، لتكون من باب الوسائل الخادمة للدين، لا ركنا من أركان الدين، وإن عملا إسلاميا صار رهانه الحل السياسي : معناه أن تسييسه قد مسه في جوهره، و اصطبغت حقيقته الوجودية به، على حساب المعاني الدينية التعبدية، حتى صار مقياس التدين عنده مبنيا على ما يضمره الفرد من مواقف ضد هذا النظام أو تلك الحكومة ، أو ربما ضد المجتمع بأكمله، وبذلك يفقد توازنه “(2).

**********************

1- أنظر ” ما بعد السلفية ” ، أحمد سالم و عمرو بسيوني ، الطبعة الأولى ، ص : 408.

2- أنظر المرجع السابق ، ص : 406.

” خلاصة معضلة الإصلاح كما تجسدت في ممارسة الإسلاميين عموما والسلفيين خصوصا أن الطموحات أكبر بكثير من الإمكانيات، والتحديات أعظم بكثير من القدرات،…….والنتيجة هي انحراف بوصلة الإصلاح عن هدفها الأسمى وهو تحسين نسيج المجتمع ورفع درجة التدين العام فيه.

والتاريخ في أكثر حقبه، والواقع في معظم صوره، والمستقبل في أغلب تحققاته، لم ولن تتعلق أغلب وأهم وأنفع صور إقامة الدين فيه إلا بالدوائر الفردية و الخيارات المجتمعية “(1).

إن الواقع بمتغيراته واكراهاته لا شك أنه يساهم بصورة أو بأخرى، فاعلة أو غير فاعلة، مباشرة أو غير مباشرة في صناعة الهوية السلفية، وتحديد أبعادها وتجلياتها ورؤاها الحالية والمستقبلية على حد سواء.
1- أنظر ” ما بعد السلفية ” ، أحمد سالم و عمرو بسيوني ، الطبعة الأولى ، ص : 611-612.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى