العـقــار الاقتصادي كـعــائق أمــام تشجيع الاستثمــار فـي الجــزائر
إعداد : قاضي سي طــاهر – باحث دكتوراه -كلية الحقوق و العلوم السياسية بـجـامعة تونس المنار
- المركز الديمقراطي العربي
ملخص المقــال :
1- باللغة العربية :
يهدف هذا المقال الموسوم بعنوان ” العقار الاقتصادي كـعــائق أمــام تشجيــع الاستثمار في الجزائر” إلى تسليط الضوء على موضوع جد حســاس يمس بالصورة الأولى الإقتصاد الوطني ، لأن مشكلة العقار الإقتصادي أصبحت تشكل عـائقـاً حقيقياً أمام إقـامة المشاريع الاستثمارية في مختلف المجالات كـالفلاحة، السياحة، الصناعة…، لأن تسهيل عملية الحصول على العقار من شأنها جذب المستثمر سواء كـان وطنياً أو أجنبياً مع توفير له كل الضمانات من أجل تجسيد مشروعه الاستثماري، وهذا من شأنه بنــاء إقتصاد وطني نـاشئ و متنوع، وتحقيق التنمية الإقتصادية خارج قــطــاع المحروقات الذي أصبح يشكل 98% من صـادرات الجزائر.
2- In English :
This named article “the economic real estate as an obstacle in front of the encouragement of the investment in Algeria” aims to shed the light in a very sensitive issue that touches mainly the national economy. Because the problem of the economic real estate is becoming a real obstacle in front of the Establishment of investment projects in different domains such as agriculture, tourism and industry because facilating the process (operation) of obtaining the property will attract both national and foreign investors ,providing them all the guarantees in order to inbody their investment and that will build an emerging and diverse economy and develop the economy outside the hydrocarbons sector which now constitute 98% of the Algerian export.
مـقـدمـة :
لقد عرفت الدولة الجزائرية سنة 1989 تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية وقانونية، على غرار دول العالم تمثلت أساسا في التخلي عن النهج الاشتراكي بموجب دستور 23 فبراير 1989، وبروز مصطلحات جديدة كتحرير السوق، تحرير التجارة ، تحرير الأسعار، الخوصصة. العولمة…، هذه المصطلحات تتماشى مع النظام الاقتصادي الجديد الذي أقرته الدولة الجزائرية في تلك السنة وهو اقتصاد السوق.
فلقد دخلت الجزائر في مرحلة إصلاحات شاملة هدفها إنعاش الاقتصاد الوطني والقضاء على الاختلالات الداخلية و الخارجية فيه، ضف إلى ذلك وضع الإطار التشريعي لتحضير الانتقال إلى اقتصاد السوق بإصدار عدة نصوص تشريعية جديدة وتعديل نصوص أخرى تماشيا مع المرحلة القادمة.
ولأن مسألة توفير العقار الاقتصادي تعتبر من العوامل الأساسية لإنجاح هذه العملية وعاملا مساعدا على جلب الإستثمار ومن تم استقرار المستثمرين الأجانب، لذلك فهو لا يزال رهين الكثير من العراقيل والممارسات التي تحول دون مروره بسلام، فغالبية المستثمرين سواءا كانوا وطنيين أو أجانب يشتكون من تداعيات هذه المسألة .
إذ أن مسألة منح الأراضي في الجزائر كان ولا يزال تحكمه ممارسات منها ما هو موضوعي ومنها ماهو ذاتي كتفشي الرشوة والسمسرة والمضاربة، ضف إلى ذلك ما خلفته السياسات الاقتصادية والمخططات التنموية الماضية من هياكل ومنشات ضخمة بقيت غير مستغلة مما أدى إلى إهتلاكها و سرقتها بمرور الوقت والسبب في ذلك يعود لتداخل هذه السياسات في بعضها البعض من جهة وعدم مرونة المنظومة التشريعية من جهة اخرى .
فعلى الرغم من الجهود المبذولة لتحسين مناخ الاستثمار في الجزائر إلا أن التقارير التي تعدها الهيئات المختلفة حول تقدير مناخ الاستثمار في الجزائر تبقى بعيدة كل البعد عن الطموحات الواعدة للاقتصاد الجزائري في تخطي عتبة الفقر و السير بالعملية التنموية إلى الأمام عن طريق إزالة كل العراقيل التي تعيق هذا السبيل .
وفي هذا الإطار قامت الجزائر بإنشــاء جملة من الهيئــات و المؤسســات من أجل تذليل الصِّعاب أمام المستثمرين لإنجــاز مشاريعهم خدمةً للاقتصاد الوطني. ومن جملة هذه المؤسســات: المجلس الوطني للاستثمار، الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار، الوكالة الوطنية للوساطة و التنظيم العقاري، الوكالة الوطنية لتطوير السياحة، لجان المساعدة المحلية لترقية الاستثمار و التنظيم العقاري، الديوان الوطني للأراضي الفلاحية، بالإضافة إلى مجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية من أجل تسهيل عملية الحصول على عقار إقتصادي.
من هذا المنطلق تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء حول إشكالية تتمحور فيما يلي:
هــل بإمكـان الجزائر من أن تتجاوز مشكلة العقّار الاقتصادي لتطوير الاستثمار ؟.
وللإجابة على هذه الإشكالية ارتأينا تقسيم خطة موضوع البحث إلى محورين رئيسيين، ففي المحور الأول سنتطرق إلى أهمية العقار الاقتصادي في جذب الاستثمار. أمّا المحور الثّـاني فتمت دراسة مشكلة العقـار الاقتصادي أمام الاستثمار في الجزائر.
المحور الأول : أهمية العقار الإقتصادي في جذب الإستثمار.
إنّ وجود العقار الإقتصادي يعتبر عـاملاً أســاسيــاً في الإستثمــار وذلك لكونه يعطي للمستثمرين ســواء كانوا وطنيين أو أجــانب الضمـانـات الكافية للقيـام بإنجــاز مشــاريعهم الإقتصادية والمخــاطرة برؤوس أموالهم، وهذا مــا يؤدي إلى تحقيق قيمة مضــافة لنمو الإقتصـاد الوطني والعمـل على إستفـادة المستثمرين من حركية تحـويل رؤوس أمـوالهم إلى بلدانهم الأصلية[1] .
فمسألة توفير العقــار الإقتصــادي في الإستثمــار من شـأنه تنويع مجــلات الإستثمــار خارج التبعية الإقتصـادية لقطــاع المـحروقـات أو مــا يسمى بـ “الاقتصاد الريـعــي” الذي يشكل حوالـي 98% من قيمة صادرات بلادنا. وهذا مــا يؤدي إلى تـطـويـر وتنمية قطــاعــات ذات بـعـد إستراتيجي مثل قـطاع سياحة، الفلاحة، الصنــاعة، الخدمــات…
بالإضــافة إلى وجود منـافسة بين المستثمرين في هذه القـطــاعــات الحســاسة التـي يـعـول عليها الإقتصــاد الوطنـي كثيراً لتحقيق التنمية الإقتصادية المنشودة .
إن تشجيع الإستثمــار عـبـر مـنـح أوعية عقـارية سوف يؤدي إلى توسيع حجمــهـا و مـجــالاتـها، ولكن يكون ذلك بتطبيق مرونة فـي قـانـون الملكية العقـارية، كون هذه الأخيرة تعطي لصــاحبهـا أقصى الإمتيـازات الممكنة بغرض الحصول على تملكهـا[2] .
وبالإضــافة إلى ذلك، فإن تشجيع و جذب الإستثمــار يبقـى مرهـون بمدى تبسيط الإجراءات الإدارية الخاصة بتكوين ملفــات الحـصـول على عقــار لإنجــاز مـخـتـلف المـشــاريع الإستثـمـارية، وهذا مــا دفع بالجزائر إلى إبرام العديد من الاتفاقيات مع مختلف الدول بغرض تسهيل الاستثمارات، إلا أن هذه الإتفاقيــات قد نصت على إلغــاء الإزدواج الضريبي ، والتخفيف من الرسـوم على عمليــات إنتقــال الملكية العقارية، إلا أنـهــا تضمنت أيــضاً ضمـانــات عدم اللجــوء لأسلــوب نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، و أسلــوب التأميم[3] .
فـدعـم الإستثمــار بصــورة دائمة ومستمرة، فرض على الجزائر إعــادة النـظـر في طريقة تسييـر وإستغلال العـقــار، إلا أن الظرف الإقتــصــادي يحتم علينا اللجوء إلى تعديل جذري وعميق في القوانين الخــاصة بإكتســاب الملكية العقارية حتـى يتمكن المستثمر من الحصــول على عقــار مهمـا كــانت طبيعته لإنجــاز مشروعه الإستثمــاري، لأن الواقع العملي يؤكد على أن العقــار الإقـتـصـادي له دور كبير في عملية التنمية الإقتصــادية[4].
وفي هذا الإطــار لقد بادرت الجزائر في إطار مختلف سياساتها في تطوير وترقية الإستثمار بتنظيم و محاولة توفير المواقع العقارية المناسبة والمهيأة لاستقبال النشاطات الصناعية، بهدف تلبية الحاجيات العقارية لكل المتعاملين الإقتصاديين العموميين والخواص، وطنيين كانوا أو أجانب .
لا شك فإنّ التحولات الإقتصادية والسياسية التي مرّت بها الجزائر أثّرت على السياسة العقارية التي شهدت بعض التغيير ابتداء من الثمانينات وبداية التسعينات. وهو ما نتج عنه كم هائل من النصوص القانونية التي جسّدت هذا التحوّل في مجال العقار الاقتصـادي[5] .
ولـما كان العقار الإقتصـادي يشكل عـاملاً مهماً في تحقيق الإستثمــار، فقد إهتمـت الجزائر وفـي إطــار مختلـف سيــاســاتها في تطوير وترقية الإستثمــار وتحقيق التنمية الإقتصادية بمحــاولـة تنظيـم وتوفـيـر المـواقع العقـارية لإستقبــال النـشاطــات الصناعية، وهذا من أجل تلبية الحاجيات العقـارية لكل المتعــاملين الإقتصـاديين قصد تجسيـــد مشـاريعهم الإستثمــارية. و أول تنظيم حقيقي لهذه المــواقع كـان سنة 1973 عن طريق مــا يسمى بالمناطق الصناعية والتي تعتبر الإطــار الأول لمحاولة تنظيم و توفير أراضـي لصــالح المستثمريــن[6] .
غير أنه ومع مرور الوقت أصبحت هذه المـنـاطق غير كافية لتحقيق تطلعات الدولة في مجــال الإستثمــار خاصةً بعد 1990 وسياسة الإنفتـــاح الإقتصــادي من جهة، والمشــاكل التي باتت تتخبط فيها هذه المنــاطق من جهة ثــانية. ممــا أدى بالسلطــات العمـومية إلى محــاولة البحث عن إيـجـــاد مواقع أو منــاطق جديدة لتمركز الإستثمــارات، إذ أنه لابد من تنظيم إستغلال هذه المـواقع على أساس قواعد اقتصاد السوق، وتطبيقـاً لذلك تم إقتراح صيغة جديدة لتنظيم الأراضي التي تدخل في إطــــار الأملاك الوطنية تتنــاسب مع الإتجــاه الجديد لترقية الإستثمـــار[7] .
وقد تجسد ذلك فعلياً سنة 1993 بصدور القانون المتعلق بترقية الإستثمــار، فظهرت نوعين من المنــاطق، المنـاطق الخــاصة و المنــاطق الحــرة، والتي كان يعول عليها في إستقطــاب مشــاريع الإستثمــار وتحقيق تنمية إقتصــادية شــاملة. وفي الحقيقة يعتبر العقــار الإقتصــادي في الجزائر المــادة الخــام الأكثر لفـاتاً للإنتبــاه، حيث أنه ومنذ الإستقلال ظل تنظيمه وإستغلاله يحظى بالإهتمام على صعيد كل البرامج الإقتصادية والحكومــات المتعاقبة، كما تمّ اتخــاذ جملةً من النصوص التشريعية والتنظيمية حــاولت إيجــاد أفضل و أحسن الطرق لتنظيمه وإستغلاله[8] .
ويتجلى لنا من كل مــا سبق أن للعقــار الإقتصــادي أهمية كبرى و واضحة في تشجيع الإستثمار والدفع بعجلة التنمية و ذلك من أجل تحقيق نمو الإقتصـاد الوطـنـي، ولكن ذلك يبقى مرهون بمدى حسن إستغلاله وتنظيمه، لأن هذا من شـأنه بعث الثقة في نفوس المستثمرين من أجل إنشــاء و تجسيد مشــاريعهم على أرض الواقع. لأنه كلمـا كان هنــاك تنظيم وإستغلال محكم للعقار الإقتصادي كلما ارتفعت نسبة المشاريع الإستثمــارية .
المحور الثـاني : مشكلة العقـار الاقتصادي أمام الاستثمار في الجزائر.
عرفت الجزائر نهضة تنموية سنوات السبعينيات من القرن الماضي ، حيث كانت تنتهج الاقتصاد الاشتراكي الذي يوصف بأنه اقتصاد مخطط، و الدولة تلعب فيه دور المتعامل الاقتصادي. فلقد أنشأت الدولة الجزائرية مؤسسات اقتصادية تماشيا مع النهج الاشتراكي ، و ركزت على الاستثمار العمومي الصناعي ، حيث اكتسبت قاعدة صناعية التي يمكن أن نعتبرها تجربة و مكتسبات هامة و الحد من التبعية الأجنبية و امتصت البطالة ، غير أنه ظهر سوء التسيير و الإهمال[9] .
وعليه فتحت الدولة المجال للاستثمار الخاص و الأجنبي على مصراعيه ولم تفرق بينهم تماشيا مع تخليها عن النهج الاشتراكي و إقرارها اقتصاد السوق بموجب دستور 23 فبراير 1989 ، حيث وضعت قانون الاستثمار جديد في سنة 1993 الأول في ظل اقتصاد السوق ، الذي أقر بمنح الامتياز مع إمكانية التنازل و بقي الأمر هكذا حتى سنة 2007 ، حيث عدل القانون وكرس عقد الامتياز مع إمكانية التنازل ، لكن هذه الفترة استغلها مستثمرين وهميين همه الوحيد الحصول على العقار لأغراض ليس لها صلة بالمشروع الاستثماري كما تميزت هذه الفترة في إشكالية الجهة المانحة للامتياز . و كان المستثمرين الحقيقيين يشتكون من انعدام العقار الصناعي الذي يعتبر أهم مورد للمؤسسة الصناعية .
يكتسي تطوير الاستثمار أهمية بالغة في استقطاب شريحة معتبرة من المستثمرين الحقيقيين و ليس الوهميين حيث استغلوا القوانين المحفزة للاستثمار في بيع الأراضي لفائدة بالدينار الرمزي لأغراض المصلحة الخاصة ليس لها صلة بالاستثمار ، و كانت الدولة تأمل في إنجاز أقطاب استثمارية هامة من شأنها يخفف على الدولة عناء المردود السلبي للمؤسسات العمومية الاقتصادية ماعدا القليل منهم، ومن جهة أخرى خلق مناصب شغل لفائدة البطالين أو المسرحين من هذه المؤسسات تطبيقا لمبادئ اقتصاد السوق الذي أقره الدستور الجزائري سنة 1989، الجانب الآخر هو احتجاج المستثمرين في عدم وجود العقار الموجه للمشاريع الاستثمارية نتيجة عدم تهيئته أو غلائه ، أو عدم وجوده أو بعده عن المواد الأولية ، مما أدى بالمستثمرين إلى عدم التحمس لانجاز استثمارات[10] .
و الحقيقة أن العقار الاقتصادي موجود لكن كيفية استغلاله و طبيعته و الجهة المسيرة له هو العامل الذي أدى بالمستثمر بتحجج بصعوبة انجاز مشاريع استثمارية ، واعتبروا أن قانون الاستثمار لم يتجاوب معهم .
لذلك بادرت السلطات العمومية لوضع حد لأزمة العقار الموجه لانجاز مشاريع استثمارية ، بتعديل الأمر رقم 06_11 بالأمر رقم 08 _04 الذي ألغى تماما التنازل ، اقتصر فقط على منح الامتياز بالمزاد العلني أو منح الامتياز بالتراضي ، لغلق الباب على المستثمرين الوهميين الذين يطمعون في الحصول على العقار لاكتسابه فقط[11].
وقامت بإنشاء وكالات تمثل الدولة لتسيير ملف الاستثمار و العقار الموجه للاستثمار من شأنها تقريب المستثمر من الإدارة العمومية ، و سرعان ما تداركت الأمر و عدلته من جديد بموجب قانون المالية التكميلي لسنة 2011 بإلغاء الامتياز بالمزاد العلني و الاكتفاء فقط بالامتياز بالتراضي لإعطاء المزيد من التسهيلات الإدارية من قبل الدولة ، مع تحسين المناطق الصناعية و وضعها تحت تصرف المستثمرين ، و جعلها من الجيل الثالث وفق المقاييس الدولية .
بالرغم من أن الدولة تبنت اقتصاد السوق بمقتضى دستور 23 فبراير 1989 ، الذي كرس حرية التجارة والصناعة و تشجيع امتلاك الأفراد و الشركات لموارد الإنتاج أو الخدمات و تحرير السوق ، حيث أن الدولة لم تعد العون الاقتصادي أو ما يصطلح عليه الدولة المتدخلة و أصبحت دولة حارسة . إلا أن المستثمر يستعين بالأملاك العقارية للدولة كمورد هام للمؤسسة و يوفق بين المصلحة العامة و المصلحة الخاصة[12] .
ومرد ذلك نقص العقار الاقتصادي، و إذا وجد يكون بأسعار جد مرتفعة، أو عدم وجود المساحة الكافية لانجاز المشروع الاستثماري، و الحقيقة أن هذا المشكل كان قائم منذ عقود ، لان العقار الاقتصادي كان مستغل من قبل المؤسسات العمومية الاقتصادية، و بعدما نصت القوانين في مطلع التسعينيات من القرن الماضي على منح الأرضية لانجاز المشروع الاستثماري بالدينار الرمزي، بموجب قانون الاستثمار لسنة 1993 و قانون منح الامتياز لسنة 2007، الشيء الذي أدى بخلق مزاحمة حول طلب الاستفادة من ذلك من أشخاص لا علاقة لهم بانجاز المشروع الاستثماري ، وإنما كان غرضهم فقط الكسب السريع من خلال اكتساب العقار. و بقي الأمر على ذلك حتى سنة 2009 حيث ألغى المشرع الجزائري التنازل وأبقى على الامتياز[13].
غير أن كل الدراسات و الإحصائيات والتقارير والنتائج خاصة بعد سنة 1990 تؤكد أن العقار الإقتصادي يبقى من أهم المشاكل والعراقيل التي تواجه الإستثمــار في الجزائر، حيث يعرف هذا الأخير تدهوراً كبيراً سوءا من حيث التنظيم الذي يتم إمـا بنصـوص تجـاوزها الزمن، و إمـا بنصـوص يغلب عليها طابع الغمــوض، أو من حيث التسيير بسبب ضعف الهيئات المكلفة بتسييره أو من حيث الإستغلال الغير العقلاني لمســاحات كبيرة منه و التي تشكل في أغلبها أملاك وطنية. كمــا أصبح التعامل في العقــار على أرض الواقع مغايراً تمـاماً في بعض الأحيــان للنصوص المنظمة له، هذا الوضع أدى إلى حدوث مشــاكل قــانونية، كمـا أدى إلى نشــوء عدة نزاعات إدارية وقضــائية.
الـخــاتـمـة:
وفــي ختــــام هذا البحث، نؤكد على أن العقـار الإقتصــادي يظل من الأولويــات الهامة للسيــاسة الإستثمــارية في الجزائر، ولأنه ممــا لا شك فيه أن هذا العقــار يشكل حجر الزاوية أمــام تطوير الإستثمــار في بلادنا، فهو من بين الرهانات التي تعول عليها الدولة كثيرا من أجل تحقيق نمو إقتصــادي خصوصا بعد أزمة انهيار أسعار النفط التي يشهدها العالم في آونة الأخيرة مما يحتم علينا التوجه إلى الإستثمــار في قطاعات أخرى ذات البعد الإستراتيجي كـالفلاحة، السياحة، الصناعة وقطــاع الخدمــات وهذا من أجل التخلص من التبعية الإقتصادية لقطــاع المحروقـات أو مـا يسمـى بـ “الإقتصــاد الريـعـي” الذي يشكل نسبة 98% من صـادرات الجزائر، وفي هذا الإطـــار نقدم مجموعة من الإقتراحات التي تصب مجملهـا في خدمة الإقتصــاد الوطني، ومن أهم هذه الإقتراحــات مــايلي :
- إزالة كل العقبات لتسهيل كيفية الحصول على العقـار لإنجــاز المشــاريع الإستثمــارية
- التخفيف من الإجراءات البيروقراطية للحصــول على العقــار
- القضــاء على الســوق الموازية للعقـار و مكــافحة شبكات المضــاربة على العقــار، لأن هذه الأخيرة استغلت الثغرات القانونية مما جعلها مصدرا للثراء السريع
- لابدّ من تطبيق نظـام لامركزية سلطة التنازل عن العقـار الموجه للإستثمــار
- ضرورة استغلال الأراضي الخــاصة وأراضـي الحبــوس و الأوقاف كعقــار صنــاعـي لرفع عدد الأوعية العقـارية الموجهة للمشــاريع الإستثمــارية
- لابدّ من إنشــاء بنك للمعلومــات ومرصد خاصين بالعقــار الصناعي.
[1]– موهوبي محفوظ، مركز العقار من منظور قانون الاستثمار، رسالة ماجستير، كلية الحقوق،جامعة بومرداس،سنة 2009،ص 110 .
[2]– philippe simler, revue de droit immobilier, dalloz, 1999, pp 490-491.
[3] – بن رقية بن يوسف، شرح قانون المستثمرات الفلاحية، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر،الطبعة الأولى،2001،ص 13-14.
[4] – بوجردة مخلوف، العقار الصناعي،دار هومة، الجزائر،2006،ص9.
[5] – محمد حجاري، إشكاليات العقار الصناعي والفلاحي وتأثيرها على الإستثمار في الجزائر، مقال منشور بمجلة الواحات للبحوث والدراسات، العدد 16، جامعة غرداية، الجزائر، 2012، ص 24.
[6] – فسيح حمزة، التنظيم القانوني لاستغلال العقار الصناعي في عملية الاستثمار، رسالة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2005، ص 02.
[7] – عبد الحميد جبار، السياسة العقارية في المجال الصناعي، رسالة ماجستير، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2003، ص 02 – 03.
[8] – فسيح حمزة، المرجع السابق، ص 03.
[9] – نعيمي فوزي، إشكالية العقار في عملية الإستثمار الخاص في الجزائر، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية الإقتصادية والسياسية، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، عدد 01 ، 2003، ص 147.
[10] – نعيمي فوزي، المرجع السابق، ص 149.
[11] – الأمر 08 – 04 المؤرخ في 01 سبتمبر سنة 2008 ، يحدد شروط وكيفيات منح الامتياز على الأراضي التابعة للأملاك الخاصة للدولة و الموجهة لانجاز مشاريع استثمارية ، ص 04 الجريدة الرسمية العدد 49 المؤرخة في 03 سبتمبر سنة 2008.
[12] – موهوبي محفوظ، ، المرجع السابق، ص118.
[13] – المرسوم التنفيذي رقم 09 – 152 ، المؤرخ في 02 ماي سنة 2009 ، يحدد شروط و كيفيات منح الامتياز على الأراضي التابعة للأملاك الخاصة للدولة والموجهة لإنجاز مشاريع إستثمارية ، الجريدة الرسمية العدد 27 ، المؤرخة في 06 ماي سنة 2009.