باراك أوباما في دائرة الأتهــام
بقلم : أحمد الشحماني
ربما يتوهم الكثير ممن تنطلي عليهم لعبة السياسة الأمريكية الخارجية بأن نتائج الأنتخابات التي اوصلت دونالد ترمب ستغير الكثير من إتجاهات بوصلة السياسة الأمريكية في الشرق الاوسط, وفي المنطقة العربية, وتحديدا تجاه الدول التي دمرتها الماكنة العسكرية الامريكية, ومنها العراق وافغانستان, وأخرى من دمرتها الماكنة السياسية الأمريكية بطرق شتى مباشرة منها او غير مباشرة, ساهمت فيها الماكنة الأعلامية الأمريكية, والتمويل الغربي وهي: سوريا, اليمن, مصر, تونس. اضافة الى اشتراكها «اي الولايات المتحدة الأمريكية» مع دول حلف الناتو في تهديم بلد آمن اسمه ليبيا تحت شعارت الوهم والتضليل والخداع بأسم الديموقراطية والتحرر, ولو نظرنا قليلا الى الوراء اي قبل فوز الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترمب, وقلَّبنا بتمعن أوراق السياسة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته «باراك أوباما» لتحسسنا بألم بالغ ابرز مرحلتين قاتلتين في عهده الأوبامي المشحون بالصمت المريب. هاتين المرحلتين القاتلتين, أرادوا لها تهيأة خارطة جديدة لأجندات متفق عليها مسبقاً منذ سنين لتقسيم الدول التي جعلوا منها حبلة للصراعات والحروب الداخلية, وساهمت في دفع فواتيرها دول اقليمية اثبتت الأحداث تورطها في تلك اللعبة القذرة.
المرحلة الأولى:
لعبة ما يسمى بأكذوبة «الربيع العربي»التي للأسف صدقها الكثير ممن انطلت عليه تلك اللعبة السمجة وراح يبنى قصورا من وهم الخيال وينحت احلاما وردية لعالم عربي تسود فيه الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة والرفاه الأجتماعي متناسيا بأن الديموقراطية لا تأتي على حصان تجره شعارات الماكنة الغربية.
كنت دائما اتحاور مع الكثير من الأصدقاء العرب بخصوص ما يسمى «بالربيع العربي»وكنت اطرح عليهم بعض الأسئلة التقليدية: اين كنتم قبل هذا الوقت؟, هل استقيظتم من سباتكم الطويل والآن عرفتم بأن الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس زين العابدين بن علي والقذافي وعلي عبد الله الصالح وبشار الأسد لا يمثلون الشعوب العربية وينتهجون سياسة الحكم الأنفرادي الدكتاتوري؟ اين كنتم طوال تلك السنين؟ الم تصفقوا لهم طوال سنين خلت من حكمهم الأنفرادي الدكتاتوري وترقصوا وتغنوا لهم؟ اذن ما الذي جرى بين ليلة وضحاها, ولماذا تزامنت تلك الثورات في وقت واحد؟ هل هي فعلاً ثورات انتجتها الشعوب العربية بعفوية وارادة حرة للتخلص من حكامها الخونة المتفردين بالسلطة ام أن وراء الأكمة تقف أجندات خارجية؟ بلا شك, «انا اشك اذن انا موجود», السياسة الأمريكية والماكنة الأعلامية الغربية هي من تقف وراءها وتغذيها وتغازلها وتتضامن معها أجندات إقليمية لتفتيت وحدة واستقرار الدول العربية وتحويلها الى دويلات متصارعة وتبث فيها روح الفوضى وتنفخ فيها روح الطائفية المقيتة, وفعلا هذا ما حدث, فبدلاً من ترجمة تلك الثورات الى واقع إيجابي ملموس كما حدث في بعض بلدان اوربا الشرقية التي تخلصت من الحكم الشيوعي الشمولي في التشيك وتسلوفاكيا مثلا عام 1989 وكانت فعلاً نموذجاً لثورة مخملية بدون إراقة دماء, اثبتت الوقائع انها ثورة تغيير من نظام شمولي الى نظام ديموقراطي سلمي تتعايش فيه كل مكونات المجتمع تحت خيمة القانون وليست ثورات هدم وقتل واشاعة الفوضى والطائفية كما حدثت في الدول العربية بشعارات مصطنعة بـــ «الربيع العربي», وهنا وقف العالم بإعجاب لثورة التشيك والسلوفاك لأنها عززت روح الألفة والتعاون ونقلت المجتمع من حالة النظام التفردي في السلطة الى حالة الديمقراطية المثالية, والجدير بالذكر ان المجتمع التشيكي السلوفاكي الجديد لم يقصي الحزب الشيوعي المهيمن سابقا على السلطة من المشاركة في العملية السياسية وممارسة حق المشاركة في الإنتخابات البرلمانية, وتلك لعمري أرقى حالات الوعي الديموقراطي السلمي في التعايش والمشاركة في صنع القرار السياسي, في حين دول ما يسمى «الربيع العربي», انتهجت سياسة الفوضى وفجرت حالة الصراع والأقتتال وطفحت على السطح حالة الأحتقان الطائفية المقية التي ساهم الأعلام الغربي على اذكاءها وراهنت بعض الدول الأقليمية المتحيزة لأجندات خارجية في اشعال نار الأقتتال وتوسيع دائرة الصراع بين افراد المجتمع.
المرحلة الثانية:
تنظيم ما يسمى بـ «الدولة الأسلامية» حيث اعترفت السيدة هيلاري كلنتون المرشح الأقوى في إنتخابات الرئاسة الأمريكية, وكانت تمثل أحد أهم الركائز في السياسة االأمريكية في عهد الرئيس الامريكي المنتهية ولايته اوباما. اعترفت السيدة هيلاري كلنتون بأن ما يسمى بــ «تنظيم الدولة الأسلامية»هو مخطط من صنع الولايات المتحدة الامريكية, واعترافها لا يمكن التنصل منه او التبرأ منه, او اعتباره خطأ اعلامياً غير مقصود لأنها امرأة سياسية تمثل واجهة اعظم بلد في العالم بسياسته الخارجية, وهذا بحد ذاته اعتراف رسمي, وكما يقال الأعتراف سيد الأدلة, اذن السيدة المحترمة هيلاري كلنتون السياسية الأمريكية المحنكة كانت تعي ما تقول وهي تمثل أحد أهم ركائز السياسة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي أوباما المنتهية ولايته حديثا.
شيئاً آخر, ظهور ما يسمى بــ «تنظيم الدولة الأسلامية»لم يكن بين ليلة وضحاها, فهو ليس بمذنب ظهرَ فجأة في كبد السماء رصدته «وكالة ناسا الفضائية»او حادثة سقوط طائرة سفر بسبب خلل فني او أسباب مجهولة أدت الى انفجارها وتهشمها, بل إن ظاهرة «تنظيم الدولة الأسلامية» لها من يمثلها في الأجندات والإتفاقيات, ودولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس باراك أوباما يفترض ان تعرف كيف تتعامل مع خيوطها, ومن يقف معها ويغذيها ويمولها, ومن هي الجهات التي تزودها بالسلاح والعتاد والمعلومات الإستخباراتية, ومن هي الجهات التي تمولها بالأموال, وهنا من حق رجل الصحافة والأعلام والمتابع الذكي للشأن السياسي ان يضع أوباما في دائرة الأتهام, ويوجه له الأسئلة التالية:
اين كانت اجهزة وعيون المخابرات الأمريكية في الوقت الذي تمكن فيه تنظيم ما يسمى بــ«الدولة الأسلامية» من التسلل الى الأراضي العراقية والسورية؟ ولماذا لم تستطع االولايات المتحدة الأمريكية من إجهاضه وشله في بداية تكوينه وفي ساعات ولادته الأولى؟ وهل يمكن لعاقل ان يصدق كيف لأشخاص مدججين بالسلاح يعبرون حدود العراق وسورية وعيون المخابرات الدولية تصطاد علب السجاير وقناني الويسكي المهربة بلمحة بصر, بل وتعرف كل شاردة وواردة من خلال قنواتها الإستخباراتية وسفاراتها المتمركزة في الدول الإقليمية؟, وكيف تسلل القادمون من دول اوروبا عن طريق الأراضي التركية للإلتحاق بتنظيم ما يسمى الدولة الأسلامية, وتركيا احد اعضاء تحالف دول الناتو؟
اذن خلاصة القول, من حق كل مواطن ان يضع الرئيس الأمريكي الديموقراطي باراك أوباما والمرشحة الأمريكية السيدة هيلاري كلنتون في دائرة الأتهام ويوجه لهما ما شاء من الأسئلة التي تعري حقيقة من تورط في هذا التنظيم الخطير, والأيام القادمة حبلى بالمفاجئات, وليس في السياسة يا أمي ارحميني . . .