الدراسات البحثيةالعلاقات الدوليةالمتخصصة

معضلة العالم الثالث وسبل النجاة

اعداد : سفيـــــــان ناشط  – باحث في ماستر الحقوق الانسانية بفاس

  • المركز الديمقراطي العربي

 

 

مقـــــــــــــــدمة:

إن الخوض في الحديث عن العلاقات الدولية المعاصرة ومحاولة رسم معالمها في ظل المنظومة الدولية الحديثة يجعل من الأمر صعب الاحتواء والتوقف  بالتطرق على كل كيانات المجتمع الدولي على حدة نتيجة تشعبها وكثرة الفاعلين فيها والذين أصبح لهم تأثيرا فاعلا في ظل النظام العالمي الجديد كمنظمات حكومية وغير الحكومية كالشركات المتعددة الجنسية … ولم يعد الأمر مقتصرا على الدول فقط ، ويبقى الهدف من العلاقات الدولية  هو معرفة عامة حول سلوك الأفراد والجماعات السياسية من أجل فهم القضايا والأحداث الدولية وإيجاد الحلول الممكنة وكل ذلك يدلنا على موضوعات علم العلاقات الدولية والتي قررتها اليونسكو عام 1948 في السياسة الدولية والتنظيمات الدولية والقانون الدولي ،[1]  إلا أن ما يهمنا في دراستنا هي السياسات الدولية أي السياسات الخارجية كما يعرفها مارسيل ميرل ذالك الجزء من النشاط الحكومي الموجه نحو الخارج أي معالجة مشاكل ما وراء الحدود  مع باقي مختلف الدول العالم الأمر الذي جعل من عدة اعتبارات يتم ترجيحها من بينها وأهمها تكوين تكتلات دولية تخدم مصالحهم الأمر الذي انعكس في صورة تقسيمات دولية وظهور عوالم مختلفة كل بمقوماتها وخصوصياتها  وإيدولوجياتها ومصالحها المتبادلة وقواسمها المشتركة  والتي تختلف من عالم إلى عالم ، بحيث أصبح التكلم عن عالمين وعن حرب واردة بينهما وعن تعايش ولكن ننسى أن هناك عالم ثالث يحتل مكانة مهمة ويزخر بثروات بشرية ، عالم يسمى بالدول السائرة في طريق النمو ، هذه المجموعة غير المعترف بها أو المستغلة  تريد أن تكون فاعلة ولها دور في المجتمع الدولي  ،[2] وهذا ما يصعب ترجمته في الساحة الدولية لعدة إكراهات تنخر من هذا الجسم المريض والمتهالك  بفعل فاعل وتجعل من مساره الانتقالي صعب إن لم يكن مستحيلا .

والجدير بالذكر  أن مصطلح العالم الثالث هو مصطلح سياسي اقتصادي واجتماعي وثقافي و المقصود به الدلالة على الدول التي لا تنتمي إلى العالمين الأول والثاني ، وهما الدول الصناعية المتقدمة و يعتبر أول من أستعمل هذا المصطلح هو الاقتصادي والسكاني الفرنسي ألفريد سوفيه في مقالة له سنة 1952 ، ويعتبر أن الدول النامية هي الدول ذات المستوى المعيشي المنخفض مقارنة بالدول المتقدمة  ولا يستقيم فيها التوازن بين سرعة نمو السكان ودرجة التقدم الاقتصادي وتعاني هذه الدول من التخلف -كما سنشير إليه أسفله- وإذ يرى بعد الدارسين أن دول العالم الثالث هي التي لم تستفد من ثورة القرن التاسع عشر الصناعية ولهذا فهي تعد دول آخذة في النمو أو دولا متخلفة .[3]

وطرحت مسألة دول العالم الثالثية أثناء ، انتهاء مرحلة الحرب الباردة وزوال  نظام القطبية الثنائية والتطورات التي حدثت بعد ذلك جدلا فكريا وسياسيا حول مستقبل العلاقات الدولية في المرحلة الراهنة وآفاق النظام العالمي الجديد الذي بشر به بعد الحرب الباردة ، لكن مع ذلك يمكن أن يلخص أبرز ملامحها في أن العلاقات الدولية تمر بحالة من السيولة والغموض وتزايد التناقضات في المجتمع الدولي بين الاتجاه إلى العولمة والتكامل بين ظواهر التفتيت والتشرذم وتراجع الاهمية النسبية لعوامل القوة العسكرية في مقابل القوة الشاملة للدولة وتنامي أهمية العامل الاقتصادي والتكنولوجي وزيادة ظاهرة الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول وانسحاب مفهوم التقليدي للسيادة القومية المطلقة وبروز قيم سياسية اجتماعية كالديمقراطية وحقوق الانسان والبيئة والمجتمع المدني ،[4]  والتي غالبا ما تكون هذه القيم بمثابة أسباب مختلقة  للتدخل في سيادة البلدان المتخلفة من طرف الدول المتقدمة وتجعل منها _ القيم _ دوافع لاستغلالها ونهب ثرواتها واستعمارها إلى أبعد التقديرات ، وهذا ما يظهر لنا جليا على الساحة الدولية .

وتصنف البلدان العالم الثالث وفق العديد من المعايير التي يتم الاستناد عليها لمعرفة البلدان المتخلفة من البلدان المتقدمة بالرغم من صعوبة تحديد ووجود معيار  عالمي متفق عليه بالتمييز إلى أننا نجد مثلا الامم المتحدة تستند على بعض الاتفاقيات التي  تميز بها الدول النامية في حين يستخدم البنك الدولي الدخل القومي الأجمالي للفرد الواحد كمعيار للتمييز ويعتبر البنك الدولي أن البلدان التي يقل دخل الفرد السنوي فيها عن 12.275 دولار بلدان نامية ،[5]  إلا أنه في المقابل لا يمكن اختزال هذا المعيار كأساس تمييزي وحيد بين هذه البلدان فحسب لأن ليس المطلوب زيادة قيمة الانتاج القومي أو الدخل الفردي ، بل بناء أساس مادي علمي وثقاني جديد قرين بفكر وثقافة جديدين ـ وصوغ عقل جديد لإنسان/ مجتمع جديد …تطوير عملية توسيع في الحريـــات والقدرات الموضوعية للناس في التعليم وفي الصحة وفي السياسة وفي الاقتصاد وفي البحوث العلمية . [6] وهذا ما يتم إسقاطه على الدول النفطية وعلى رأسها دول التعاون الخليجي التي تتمتع بمعدل جيد نسبيا من الناتج المحلي الاجمالي للفرد فدولة مثل قطر لديها وفق صندوق النقد الدولي 68.872 دولار كناتج محلي إجمالي بمعنى أنها تتربع في المرتبة الثالثة عالميا ، أما الإمارات  فناتجها الاجمالي المحلي للفرد يصل إلى 46.875 دولار ، [7] إلا أن ذلك لا يجعلها من الدول المتقدمة فهي ما زالت  قابعة راكدة في قاع الدول المتخلفة تواجه تحديات البقاء  مع باقي البلدان العربية والاسلامية وجل دول القارة الافريقية وأقطار من اسيا وكل دول أمريكا اللاتينية .

وللإلمام أكثر بالموضوع سيتسنى لنا الوقوف على قدر المستطاع تحليل مكامن الضعف والاكراهات لهذه دول وتحليل حيتياتها وأسبابها ومسبباتها  التي تنخر هذا الجسم البائد و  تجعل من مصطلح التنمية شيء مستحيل تجاوزه إن لم أقل أنه بمثابة  حلم  لبلوغ مصاف الدول المتقدمة أو على الأقل السير في  طور الانتقال  ومحاولة الصعود إلى الصفر  ( المبحث الاول ) إلا أن دول الجنوب بالرغم من هذه الإكراهات وتحديات البقاء التي تتخبط فيها هناك سبل للنجاة من هذه المعضلة  واقترحنا أهم المبادئ والحلول  لتجاوز هذه الانتكاسة وبلوغ بر الأمان بقدر الامكان  بالرغم من صعوبة هذا الطريق.

المبحث الأول : إكراهات دول العالم الثالث

في مستهل القرن الحادي والعشرين وبعد ما يربوا على ستين عاما من نظريات التنمية وسياسات التنمية مازالت – جل بلدان الجنوب –  بلدان نامية ، وتبقى  ” أسطورة التنمية ” هو أن التنمية لا تتعدى كونها أسطورة تساعد الدول المتخلفة على إخفاء أوضاعها التعيسة والدول المتقدمة على إراحة ضمائرها ، ويصبح هذا التأكيد مهما بخاصة لأننا الآن نشهد على أرض الواقع أكبر عائق للتنمية ذلك الذي تم تسميته  ب” عدم التوازن الفيزيقي / الاجتماعي ” ،[8] والذي يأخذ شكل  حالات شح المياه والطعام والطاقة وندرتها والازدياد المطرد في أسعارها نتيجة النمو الديمغرافي  المتفجر للسكان بسبب ارتفاع نسبة الخصوبة ويقابله أمد الحياة الضعيف بسبب قلة الامكانيات الطبية وانتشار الامراض والأوبئة وضعف مستوى المعيشي  وظلال رواسب الحقبة الاستعمارية والتبعية  كالتبعية الاقتصادية لدول الشمال وكدا المؤسسات الدولية المالية والشركات المتعددة الجنسية  وأثار  الأزمات الاقتصادية العالمية  وارتفاع المديونية وعدم تحقيق الاكتفاء الذاتي في المواد الاستهلاكية… ناهيك عن أزمة التعليم و التي تعتبر أساس تغيير وتقدم المجتمعات ووسيلة أساسية لمعرفة مدى تقدم أو تخلف شعب ما إلى أننا ما زلنا نجد في مجتمعاتنا الثالثية تتعاطى مع هذا القطاع كونه غير منتج  الامر الذي نتج عنه مظاهر جد مأساوية تتجسد في الارتفاع المهول في نسبة الجهل  وتفشي الامية  في جانبها الشمولي والعدد الضعيف أحيانا ومنعدم أحيانا أخرى في المطابع وقلة أعداد الكتب المؤلفة  والمترجمة وقلة البحث العلمي  والاستثمار فيه وكدا الجرائد والمجلات التي تنشر سنويا  زيادة على الاستلاب الثقافي والهوياتي التي ساهمت فيه بقدر كبير الظاهرة الاستعمارية الجديدة التي أخذت شكل  “العولمة “.

وسيتسنى لنا الوقوف على جملة من هاته الأزمات وتحليل حيتياتها وأسبابها ومسبباتها  التي تنخر هذا الجسم البائد الذي يتطلع لتجاوز تحديات البقاء أخذت شكل تحديات إقتصادية  ( المطلب الأول ) وتحديات اجتماعية ( المطلب الثاني ).

المطلب الاول : ملامح في التعثرات  الاقتصادية

كانت الفترة التي انقضت منذ الحرب العالمية الثانية فترة استثنائية في الميدان الاقتصادي مثلما كانت في ميادين أخرى ، فعندما يتذكر الاوربيين أو اليابانيين حالة الشلل التي كانت عليها بلده بعد الحرب مباشرة يتحتم عليه أن يعرف بأن التغيرات كثيرة قد حدثت منذ ذلك الحين ، وعلى الرغم من أننا ندرك أن النمو في البلدان المتقدمة كان يتميز بسرعة بالغة فإننا نادرا ما نتصور المدى الكامل للتحول الذي حدث خلال الفترة نفسها في بلدان العالم الثالث والكثير من التقلبات السياسية التي عرفتها بدءا من حصولها على الاستقلال .[9]

وتبقى التحليلات الاقتصادية لطبيعة التنمية في دول العالم الثالث  أنها قد توصلت إلى أن هذه البلدان في أعقاب الحرب العالمية الثانية قد انتهجت المنهج الاشتراكي المنغلق وهو المنهج الذي كان أقرب إلى عقول وقلوب العسكر الحاكمين مما تسنى معه اختفاء مؤسسات الدولة الفاعلة ، وعندما فكرت هذه البلدان في التحول إلى المنهج اللبرالي في الاقتصاد أو اقتصاد السوق وجدت نفسها أمام قطاع خاص ضعيف لا وجود له في مسيرة التنمية الي اعتمدت لسنوات طويلة على منهج الاقتصاد الموجه  وكان لابد من بناء القطاع الخاص من جديد كرمز من رموز التنمية الاقتصادية اللبرالية ومن هنا كان لابد من العمل على إيجاد مثل هذا القطاع ولو بصناعته من خلال الانابيب .[10]

ومن هنا بدأت سيناريوهات تعميم النظام الرأسمالي على الدول المتخلفة وعولمة إقتصادها المتعثر أصلا إن لم نقل منعدم عبر مجموعة من المبادئ اللبرالية المتوحشة كمحاولة منها  ضمان  امتداد جذورها في هذه البلدان التي خرجت من وطأة الاستعمار ومازالت تعاني من رواسبه والتي أخذت أشكال متعددة  تجسدت في أزمة التبعية و خوصصة مؤسسات الدولة والقطاعات الحيوية وتشجيع قطاع الخاص وأصحاب رؤوس الأموال والمبادرات الفردية تنعم وتزدهر  على حساب القطاع العام والطبقة الكادحة الفقيرة وعدم إمكانية تدخل الحكومات في التحكم بالنشاط الاقتصادي نتيجة خوصصته الكاملة ولمؤسساته وشركاته الاقتصادية وفتح الاسواق وترك الاسعار للعرض والطلب وتعميم النظام الرأسمالي الغربي على الدول المتخلفة وهذا معناه ربط إقتصادها بالاقتصاد العالمي الامر الذي يترجم في الآثار السلبية التي تعكسها ظلال الازمات الاقتصادية العالمية ويكون المتضرر الاكثر هم بلدان المتخلفة بطبيعة الحال  و بالتالي  تجد الدول الجنوب نفسها تحت رحمة دول الشمال ومؤسساته المالية وشركاته الاقتصادية العابرة للقارات وفرض نظرية أن ليس هناك تنمية ممكنة بدون رعاية من الغرب هذا إن كانت أصلا  وهذا أمر منطقي لأن أساس قوة الغرب تكمن في ضعف قوة الجنوب حتى يتسنى للقوة الأولى فرض هيمنتها وتصدير إيديولوجيتها الاقتصادية  وجعلها دائمة تعاني باستمرار  وإجهاض كل المحاولات التي يمكن أن تخرجها من الازمات التي تتخبط فيها وعرقلتها عبر مجموعة من الآليات التي أخذت صفات مغايرة لما هي عليه كمؤسسات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية  و الجدير بالذكر أن هذه المؤسسات المالية تعد من الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة ، والتي تعنى بالتنمية و تشجيع استثمار رؤوس الاموال بغرض وتنمية البلدان الدول المنضمة إليه والتي تحتاج لمساعدته في إنشاء مشروعات ضخمة وتخفيض أعداد الفقراء وتحسين مستويات المعيشية في العالم عن طريق المنح والقروض التي يتم منحها لهذه الدول ، [11]  إلا أنها في الحقيقة لا يكون الهدف منها الرقي بهذه الدول والحد من الفقر بقدر ما تكون هادفة لتحقيق نظرية التبعية التي يسعى البنك العالمي تكريسها من خلال فرض شروط وسياسات مالية تفرض على الدول المتلقية لهذه الاموال ، وتقدم المؤسستان قروض بأسعار فائدة منخفضة واعتمادات بدون فوائد ومنحا للبلدان النامية لأغراض التعليم والرعاية الصحية والبنية الاساسية والاتصالات فضلا عن العديد من الاغراض الاخرى التي تسعى من خلالها إلى تحقيق التبعية في بلدان العالم الثالث والعمل على أن تكون هذه الدول رهينة للسياسات والشروط المالية التي تفرضها الدول الاعضاء في البنك الدولي عن طريق هذه القروض والتي تكون مشروطة بتبني سياسات مالية وسياسية تكون الهدف الاساسي منها تحقيق مصالح وإستراتيجية البنك الدولي والدول الاعضاء به ليس النهوض بواقع هذه الدول والحد من الفقر بها والعمل على تنميتها .[12]

فعندما تصبح الدولة رهينة للسياسات والشروط المالية التي تفرضها الدول المانحة فهذا معناه أن التحكم في القرار السياسي للبد أصبح أمر محتوما وهذا ما يفسر كونه بمثابة  تدخل في سيادة الدولة وفي استقلال قرارها السياسي  وبالتالي جعله تحت تحكم وتعليمات المؤسسات الدولية المالية عبر إملاءاتها وبرامجها المجحفة  لسياسات التقويم الهيكلي وهذا ما ينعكس سلبا  في فرض سياسة التقشف لدى مجتمعاتنا الفقيرة فعندما تصبح الدول عاجزة عن أداء ديونها المتراكمة وسياسات إصلاحاتها الترقيعية هذا معناه أيضا أنها لم تستفد من هذه الديون من المؤسسات المانحة لأن الأصل من تلك الديون هو إثقال كاهل الدولة بهذه الاعباء المالية حتى يتسنى لها الفرصة التدخل لفرض هيمنتها وإعطاء تعليماتها بغض النظر عن الاستعمال المعيب من طرف بعض الحكومات لهذه الديون  في استثمارات غير منتجة وفعالة ناهيك عن النهب والفساد الذي يعتري هاته المعونات والمنح من طرف المسؤولين الحكوميين  الذين أسماهم الدكتور المهدي المنجرة بالمتعاونين أو  المستعمر الجديد وهذا أمر  يصب في مصلحة استمرارية النظام الرأسمالي العالمي الجديد فهو لا يمكن أن يعمل دون المساعدة النشطة للفساد داخل الحكومات القائمة ولوبياتها  الفاسدة لأنه تأسس على هذا المنطق الاحتكاري والانتهازي لتكديس المال والتربع على عرش السلطة .

وذلك حال عدد كبير من المسؤوليين الحكوميين ومن المقررين بالقطاع الخاص في العالم الثالث ولن نمل أبدا من تكرار القول إن هؤلاء الاشخاص لا يمثلون سوى أنفسهم فمصداقيتهم أمام شعوبهم شبه منعدمة وبقاؤهم داخل حلقة السلطة وكذا جشعهم الاقتصادي هما العاملان الرئيسان اللذان يفسران هذا السلوك وهناك في الغرب ميل بالأحرى إلى طمس هذه الوقائع المعروفة لدى الجميع وإلى إعطاء الامتياز وبالتالي للمدى القصير بدل الارتقاء إلى رؤية تخيلية للمستقبل .[13]

ويبقى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية تعمل انطلاقا مما  يسمى ” بإتفاق واشنطن ”  أو “إجماع واشنطن ” وهو مجموعة من الاجراءات التي تهدف إلى  تحرير الكامل لتدفقات رؤوس الاموال والسلع والخدمات والمعلومات وتهدف إلى الخصخصة الكاملة لجميع أنشطة القطاع العام وعقيدتهم في ذلك هي  ” عولمة السوق ” وهذا موقف شاذ ومضحك …. فوكالات ومنظمات الامم المتحدة التي تعمل من أجل مساعدة الانسانية تقوم بتقديم تقرير سنوي لنشاطها إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة وكذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية هي أيضا مؤسسات تابعة للأمم المتحدة وتخضع لنفس الرقابة على أنشطتها من قبل نفس المجلس وهذا المجلس مكون من 54 دولة منتخبة من قبل الجمعية العمومية طبقا للمادة 10 من ميثاق الامم المتحدة وعمل هذا المجلس المنتخب هو ضمان تناسق الجهود والأنشطة المبذولة سياسات ووكالات وبرامج الامم المتحدة ، وإذا رسمنا صورة كاريكاتورية للوضع الحالي لمئات الملايين من الرجال والنساء والأطفال في المنطقة الجنوبية من الكرة الارضية نستطيع أن نقول ” إن مرتزقة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية يدمرون يوميا وبيد من حديد جميع البرامج الاجتماعية التي تحققت بفضل العاملين بالمنظمات الانسانية ومنظمات التنمية ” .[14]

ومن تم ليس أكثر خطورة على الممارسة الدولية الحالية في ميدان ” التعاون الدولي “من تعايش مؤسسات تلعب دورا حاسما في ترسيخ تبعية دول العالم الثالث واستنزاف ثرواتها الطبيعية والبشرية وتملك الوسائل المالية والسياسية الهائلة لذلك ( المؤسسات المالية الدولية ) مع شبكة واسعة  من المؤسسات والبرامج بعضها يسير في نفس الاتجاه وبعضها يعاكسه ولكنه يبقى  قليل المفعول  لافتقاره إلى الموارد والإمكانيات .[15]

وهذا ما يمكن تفسيره أن منظمة الامم المتحدة محكوم عليها بالفشل لطالما  تعيش حالة من التناقض بين مؤسساتها ووكالاتها والتي غالبا ما يمكن لها أن تتحكم فيها بالرغم من أنها تابعة للأمم المتحدة وبالتالي يتوجب عليها  الانطواء في صف الامم وهذا مالا يتم ترجمته في واقع الممارسة وخصوصا مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والذي يقر دستورهم بالاستقلالية التامة في قراراتهم بغض النظر أنها منطوية وتابعة تحت لواء الامم المتحدة الامر الذي نتج عنه تصادم  أكثر من مرة لتعارض أهداف الامم المتحدة مع برامج وسياسات  مؤسساتها المالية  فعندما طلبت الجمعية العامة للبنك العالمي وصندوق النقد الدولي لامتناع عن منح القروض لجنوب إفريقيا والشيلي  سنة 1965 التي كانت قائمة على انظمة عنصرية قمعية  كمواقف عقابية الامر الذي تم بالرفض من قبل المؤسستان بمبرر انهما شركاء مستقلين، زيادة على أحداث  فنزويلا سنة  1989 على إثر مظاهرات بعد تطبيق توصيات صندوق النقد الدولي  .

وهذه هي استراتيجية النظم المالية والسلطة الحاكمة الفعلية للعالم عبر شركاتها العالمية العابرة للقارات التي تملك ميزانية أكبر بكثير من بعض الدول كشركتين الامريكية    General Motors وExxon  تحققان لوحدهما رقم معاملات يفوق مداخيل الهند ذات المليار نسمة وقد تتحكم برؤساء الدول وتنحيتهم  إن تعارضت مصالحها كالقارة الافريقية مثلا ناهيك عن مؤسساتها المالية المتعددة ومنظماتها المتنوعة  ، و تتجسدت هذه الاستراتيجية في  التحكم في زمام أمور وقضايا العالم وفرض هيمنتها لدى غالبية سكان كوكب الارض وجعل فرض وجودها أمر واقعا ومحتوما بإعتبارها تملك سلطة المال وبدون مال لا يمكن الحديث عن الديمقراطية ولا عن التنمية ولا عن حقوق الانسان ولا  حتى عن قيام دولة بمؤسساتها ونظامها  ويبقى الخاسر الأكبر من كل هذا هم الدول المتخلفة التي ما فتأت تقتات من هذه السياسة الغير الشريفة سوى زيادة هلاكها  واتساع رقعة تهميشها داخل المنظومة الدولية وجعلها قابعة راكدة في قاع هذا العالم الثالث لا طالما قد اتسعت مساحته  أمام شبه انعدام لمحاولات النجاح و الرقي والتطور.

المطلب الثاني : ملامح في التعثرات  الاجتماعية

العالم الثالث، التخلف، التنمية، كلمات ثلاث تكاد تتلازم ، طارحة أكبر قضية أو تحدي تواجهه البشرية .. ونعني به تحدي النهوض بثلاثة أرباع البشرية كي تلحق بركب بلدان العالم الاول ( الصناعي الرأسمالي ) ، وبلدان العالم الثاني “الإشتراكي” التي يطلق عليها اسم البلدان المتقدمة هذا التحدي يطرح على مجمل بلدان العالم الثالث والبلدان المتقدمة على حد سواء ، ولقد برز مصطلح التخلف بعد نهاية الحرب الكونية الثانية مع حصول عدد كبير من البلدان المستعمرة على الاستقلال وذاع استعماله وكثرت الكتابات حوله ابتداء من الخمسينات وتجمعت خلال خمس عشرة سنة آلاف المقالات والأبحاث حول موضوع التخلف ذاهبة في كل اتجاه ومنطلقة من محطات مختلفة ومنظورات متنوعة .[16]

ومن الصعب البحث عن العلاقة السببية للتخلف لأن هناك تفاعل متشابك ومتناسق مع عدة عوامل تجعل منه صعب الإلمام بجذوره  الأصلية من زاوية محددة ، لأنه أصبح ينظر له من  زوايا متعددة كل بحسب رؤيته ويتم ربطه بجميع المجالات الحياتية  ولم يبقى ممكن ربطه فقط بالتخلف الاقتصادي، حيث نجد التخلف الاجتماعي حاضر بجميع صوره القاتمة متفشي خاصة في البلدان المتخلفة، ويبقى وجوده يأخذ شكل استمرارية  فقد أصبح منتج  ومتوالد بدون مواجهته وبالأحرى احتوائه والحد منه  ، وبالتالي يكاد يكون صعب إحصائه وتعداده وذلك راجع لعوامل عدة على رأسها الظاهرة الاستعمارية الجديدة “العولمة ” في جانبها الاجتماعي  والتي ما فتأت بأساليبها ومبادئها المزيفة ، بأنها تدفع إلى الالتقاء والتقارب بين المجتمعات وزيادة التفاعل بين الحضارات في سبيل إحداث تطورات وتحولات تقود العالم إلى كونية جديدة  ، وهذا ما تم  تسويقه ومازال للأسف داخل مجتمعاتنا المتخلفة بوسائل مختلفة لعل أبرزها المناهج والمقررات  الدراسية ( كون لديها تأثير مباشر بمنظومة القيم والتنشئة الاجتماعية ) المتحكم فيها بتزكية من جل أنظمتنا المتواطئة بحسن نية أو بسوء نية  متجاوزين بذلك إظهار الوجه الحقيقي والقبيح لهذه الظاهرة التي زادت وعمقت جروح معاناة البلدان المغلوب عليها أمرها بطمس هوياتها وإعادة بناء سلوكها الاجتماعي حتى يكون مسايرا لقيم العولمة  واستلاب أنماطها التقليدية  وموروثها الثقافي الذي نتج عنه سلبا ظهور تحديات ومعوقات اجتماعية ثقافية  يصعب إجهاضها كالنزاعات القبلية العشائرية والاثنية الدينية سنة شيعة ، فمثلا في الحرب على العراق استعانت امريكا في حربها بسياسة التفرقة وحاولت إشاعة العنصرية وحاولت ان تجعل الاكراد ضد العرب والشيعة ضد السنة [17]  ، ناهيك عن التصادم الفكري بين تيارات الحداثيين الكونيين والمحافظين و القوميين الوطنيين … .

وقد لا يختلف اثنان على حقيقة تخلفنا وركوضنا ولكن هناك خلاف كبير حول تشخيص ظاهرة التخلف وتحليلها تحليلا عميقا فنحن نجد أنفسنا دائما في مراحل انتقالية لا تنتهي نقفز من مشروع إصلاح إلى مشروع إصلاح آخر من عدم اتفاق إلى عدم اتفاق آخر لنجد أنفسنا في حالة عدم التوازن الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لقد صار عندنا تجمع لنسق مختلفة تتعايش أو تتضارب مع بعضها البعض فالمشرعون والمصلحون وأصحاب السياسات يتعاملون مع واقع ليس متسقا وليس منسجما فهو واقع يمثل منظومة غير مستقرة مختلفة التوازن فليس هناك واقع واحد  وبالتالي ليس هناك علاج واحد يرتب أثر واحد ويتيح نتيجة واحدة  فإذا توخينا نمو يكون بطبيعته نمو معوقا .[18]

و تبقى من أهم العوائق الإكراهات الاجتماعية التي ما فتأت تنزف من هذا الجسم المتهالك التي يتم من خلالها إلصاق ظاهرة التخلف لهذا الجسم وهو السلاح ذو حدين يتمثل في النمو السكاني المرتفع والكبير بسبب ارتفاع معدلات الخصوبة على نقيض الدول المتقدمة التي تعاني من قلة الخصوبة  ، ويترسخ هذا الانفجار الديمغرافي  على أساس عقائدي تقليدي وخاصة في الأرياف والبوادي النائية  المنعزلة التي تعتبر كثرة الاولاد نعمة وليس نقمة ، فتجد في بعض الاسر في هذه المجتمعات  مكونة على ما يزيد عن 20 فردا وهذا ما يترجم سلبا على أوضاع هذه المجتمعات المتخلفة من ناحية التنمية الاجتماعية  فبدون سياسة تنظيم الاسرة والنسل في ظل واقع يفتقر إلى أبسط مقومات العيش البسيط ينتج عنه ظهور  آفات خطيرة وهو ما يسميه جون زيجلر السويسري  الذي يعتبر من أبرز المدافعين عن قضايا العالم الثالث  بفرسان الهلاك وهم ” الجوع والعطش والأوبئة والصراعات الداخلية ،  فبالنسبة للجوع فيموت يوميا على هذا الكوكب المتخم بالثروات حوالي 100 ألف شخص من الجوع أو من الآثار المباشرة للجوع وتمتلئ القبور بعدد متصاعد من ضحايا هذا وهناك في الوقت الحالي 826 مليون فرد يعانون بشكل مزمن وخطير من سوء التغذية 34 مليون  من هؤلاء يعيشون في بلاد الشمال المتقدمة اقتصاديا ، والعدد الأكبر هو 515 مليون يعيشون في آسيا حيث يمثلون 24 في المائة من إجمالي السكان ، ولكن إذا قسمنا نسبة ضحايا الجوع إلى العدد الكلي للسكان فإن إفريقيا السوداء هي التي تدفع أفدح ضريبة 186 مليون كائن بشري يعانون بصفة دائمة من سوء التغذية أي 34 في المائة من إجمالي سكان المنطقة ويعاني معظم هؤلاء مما تسميه منظمة الفاو ب ” الجوع الفتاك ” وحصتهم اليومية من الغذاء لا تكاد تصل إلى 300 سعر حراري وهي لا تكاد تكفي لإبقائهم على قيد الحياة.[19]

ولا يكاد يكون واقع الصحة المأساوي  أفضل من غيره في البلدان المتخلفة فقد أشارت تقارير منظمة الصحة العالمية ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية مع تشييخ السكان وازدياد الامراض المزمنة كما أكد تقرير المنظمة إلى آثار الفجوة بين الأثرياء والفقراء ففي 49 بلدا من البلدان المنخفضة الدخل من شأنه أن ينقذ حياة أكثر من 700000 امرأة من الآن وحتى عام 2015 وفي السياق نفسه فإن الاطفال الاثرياء يعيشون أطول من الاطفال الفقراء  ، وإن سد الفجوة في التغطية لطيف من الخدمات المقدمة للأطفال دون سن الخامسة ولاسيما في مجال التطعيم الروتيني من شأنه انقذ حياة اكثر من 16 مليون طفل[20]، كما أن آثار المصاعب المالية تؤثر سلبا على التكاليف  الصحية خاصة لدى الفقراء  مما يرجح ذلك ارتفاع نسبة الوفيات ناهيك عن سوء وتردي خدمات المرافق الصحية في هذه البلدان وضعف اجهزتها الطبية المقدمة هذا إن وجدت ، وضعف مجموع النفقات الصحية من الناتج القومي الاجمالي إذا ما قارناه بالدول المتقدمة حسب المنظمة الصحة العالمية فهناك تفاوت جد صارخ وهذا ما ينتج عنه  انتشار الامراض والفيروسات الخطيرة والعابرة للدول مثل الايدز والأنفلونزا والايبولا التي تحصد الكثير من الارواح بالجملة  إلا أن هناك في المقابل  من يعتبر بأن مثل هذه الفيروسات تقف وراءها المختبرات الطبية العالمية كمحاولة منها اغراق الدول المتخلفة بالأمراض الفتاكة وترويج  لتلقيحاتها وأقراصها وعقاقيرها المكلفة وتسويق أدويتهم كنوع من تجليات الاستعمار الجديد  .

كما أن فتيل الحروب التي تقدر أكثر من 45 حربا قائمة حاليا تأخذ الحصة الكبرى منها المجتمعات الفقيرة  زيادة على  النزاعات الداخلية المسلحة والحروب الاهلية وبؤر التو ثر  التي يصعب تعدادها وذلك لكثرتها هذا ما ينتج عنه امدادات الاسلحة العشوائية والمنظمة والسباق نحو التسلح  على حساب التنمية  الداخلية وإثقال كاهل دول العالم الثالث وإغراقها بها حتى لا يتسنى لها فرصة النهوض مادامت غارقة في الاقتتال من جهة وتسويق منتجات العسكرية الغربية من جهة ثانية  أمام خروقات بالجملة  لمنظومتي القانون الدولي الانساني والحقوق الانسانية .

ويبقى لب وأساس معضلة جل بلدان العالم الثالث – من منظورنا-  وبدون منازع وحتى عند مجموعة من المفكرين العالميين المهتمين بدراسات تتعلق بقضايا المستقبلية للإنسان وكذا المهتمين والباحثين المتخصصين والنخب المستقلة والسياسيين الغيورين على أوطانهم هي قضية أزمة التعليم وما أدراك ما التعليم فبدون تعليم لا يمكن الحديث لا عن تقدم ولا عن تنمية ولا حتى عن بناء دولة الحق والقانون  لأن أساس بناء أي مجتمع متقدم وواعي ومنتج  و لكي يبلغ لمصاف الدول المتقدمة لم ولن يتأتى سوى بالنهوض بقطاع التعليم بكل تجلياته إلا أن في مجتمعاتنا المتخلفة وعلى رأسهم صانعي القرار للأسف ما زال ينظر إلى هذا القطاع كونه قطاعا غير منتج على عكس باقي القطاعات الاقتصادية ، وهنا تكمن المعضلة وبيت القصيد  فكيف يمكن الحديث عن اقتصاديين متخصصين ومهندسين وأطباء وأساتذة وعلماء وفلاسفة ومأرخيين … إن لم يتم الاهتمام بهذا القطاع  والنهوض به ، و الذي أصبح بفعل السياسات الترقيعية وضعف رؤية المسؤوليين الحكوميين وانعدامها أحيانا  يعيش في دوامات محاولات الاصلاح ، أضف  على ذلك عدم زيادة حجم المعونات المخصصة له والاستثمار فيه والتشجيع على البحث العلمي  بل أصبحت بعض هذه البلدان تطبق سياسة رفع يد الدولة نهائيا عن هذا القطاع وبالتالي جعله تحت رحمة الخواص و تكريس سياسة الخوصصة والخصخصة لهذا القطاع الحساس والحيوي وتفويته للخواص المبني على جني الاموال والربح  بغض النظر عن الرسالة النبيلة لهذا القطاع ، كما أن بعض البلدان أصبحت تقوم بسياسة توظيف الاساتذة بالعقدة هذا ما يعكس سلبا على مردودية الاساتذة والتلاميذ  وبالتالي ضعف الجودة ثم تأثيرات وإملاءات الدول المستعمرة – في جانب الجديد لهذا اللفظ حيث أصبح الاستعمار ثقافي فكري والعمل على نظرية إخضاع الانفس بعد أن تم إخضاع الابدان –  لخلق مناهج دراسية ومقررات تربوية  مبنية على الحفظ والتلقين ولا تساير خصوصية البلد ولا تراعي هويته من بينها لغة الام والدين الامر الذي أدى به إلى ويلات من الأزمات  والمشاكل في جميع المجالات الذي أصبحت تعاني منها المجتمعات النامية بطرق اعتيادية  أثرت سلبا عليها .

ولعل من أهم الثمرات  السلبية التي جنتها هذه السياسات هو تفشي ظاهرة التخلف وإرتفاع نسبة الجهل  وتفشي الأمية وعندما نقول الامية فلا نقصد بها فقط الذين لا يكتبون ولا يقرؤون بل أصبح الحديث عن الامية  في جانبها الشمولي  ووجود كوادر تعليمية ضعيفة دون كفاءة و غير منتجة ففي التعليم العالي مثلا  لم يعد معظم الاساتذة الجامعين سوى موظفين عاديين في رحاب الكلية وغير منتجين في حين أن الاستاذ الجامعي  في الأصل وجب أن يكون بمثابة مفكر وأن يساهم  بشكل جدي وأن ينتج العلم والمعرفة عبر تأليف الكتب والمجلدات  وخلق نظريات علمية وبراءات الاختراعات  إلا أن ذلك في المقابل قد يفسر لعدة عوامل لعل أهمها هو تهميش وإقصاء  رجال ونساء التعليم وعدم  جعلهم أساس بناء تعليم حقيقي والنهوض بأوضاعهم المادية … ومن المظاهر السلبية كذلك هو تدني معدل القراءة والمطالعة  وارتفاع نسبة العزوف عليهما ففي العالم العربي مثلا تفيد بعض الدراسات التي نشرتها الامم المتحدة  نقلا عن (موقع الجزيرة مباشر) حول عادات المطالعة والقراءة لدى مختلف الشعوب العالم تبين أن معدل ما يقرأه الفرد في طول العالم العربي وعرضه سنويا هو ربع صفحة فقط ، في حين أن معدل ما يقرأه الامريكي 11 كتابا والبريطاني 8 كتب ، زيادة على تدني أعداد الكتب المؤلفة والمترجمة إذا ما قارناها مع دول الشمال فعلى سبيل المثال الكتب الصادرة في الوطن العربي بأسره لا تشكل ربع ما تنشره اليونان ، فوفقا لدراسات التنمية الصادرة عن مؤسسة الفكر العربي في القاهرة نقرأ عن صدور كتاب واحد لكل 12.000 مواطن عربي ، بينما يصدر كتاب لكل 500 مواطن إنجليزي ، كتاب لكل 900 مواطن ألماني ،أي أن معدل القراءة في العالم العربي لا يتجاوز 4 في المائة من معدل القراءة في انجلترا على سبيل المثال بالرغم من أنها أمة إقرأ لكنها لا تقرأ، أضف إلى ذلك تعطيب وتعطيل إنتاج نخب المثقفة والأدمغة وإذا ما تم نسبيا ذلك فإما يتم استقطابها من الدول المتقدمة التي توفر لهم ظروف عيش كريم ووسائل العمل وبالتالي عدم الاستفادة منها وطنيا  أو أنها تهمش داخليا أو تبيع قلمها  وضميرها وتصبح بوقا لبعض الانظمة غير الديمقراطية  بفعل السياسيات العمومية  الاقصائية والممنهجة و طريقة تعاملها وسوء تخطيطها  مع كل مكونات المنظومة التعليمة ككل .

فأمام هذا الوضع القاتم كيف يمكن لنا الحديث عن تجاوز وسبل النجاة من هذه التحديات التي جعلت من البلدان المتخلفة أهدافا لمطامع اللبرالية المتوحشة وسياسات الدولية غير الشريفة  إن لم يتم بناء مجتمع متماسك ذو مناعة داخلية قوية  ويقوم بنقد ذاتي  عبر النهوض بهذا القطاع والاهتمام به  وتوفير بيئة تعليمية أساسها أساتذة أكفاء ويتمتعون بكافة حقوقهم  و التوفر على البنى التحتية التي تكاد تكون شحيحة في جل البلدان المتخلفة كالطاقة الكهربائية والمقاعد والكتب المدرسية …، كما جاء في تقرير منظمة اليونسكو يتوجب على هذه الدول  تعميم التعليم الابتدائي وإيلاء المزيد من الاهتمام لنوعية التعليم ونتائج التحصيل الدراسي  والتقدم نحو تحقيق أهداف التعليم للجميع الذي ما زال بدوره يعاني من إخفاقات الحكومات في معالجة أوجه التفاوت القائمة على الاعتبارات الإثنية واللغة وغير ذلك من مسببات الحرمان ما لم تعمل الحكومات على الحد من أوجه التفاوت عن طريق إصلاحات فعالة على  مستوى السياسات .[21]

في ظل هذه التحديات التي تؤرق بلدان المتخلفة والمتعثرة يمكن القول أننا نعيش أزمة أخلاقية حقيقيـة تضاعف من الآثار السيئة لكل أنواع الـــــذل وهي ناجمة عن الفقر والأمية والمرض وغياب العدالة الاجتماعية الكاملة وخرق حقوق الانسان  [22] ، و تبقى تعثرات الانتقال إلى  الديمقراطية التي ما فتأت هذه الدول تتغنى بها بغض النظر أنها تعبير ضمني منها كون أن هذه البلدان تعيش فعلا أسس وبنية غير ديمقراطية إلا أن السؤل يبقى إلى متى ستنتقل هذه البلدان إلى الديمقراطية  وإمكانية التحقق الفعلي للممارسة الديمقراطية  حتى لا تبقى منحسرة في عنق الزجاجة [23] .

المبحث الثاني: سبل النجاة

إن مجرد التفكير في إصلاح البنية التي تقوم عليها المجتمعات المتخلفة أمام اتساع رقعة المعضلات التي تتخبط فيها ولاسيما في المجال الاقتصادي والاجتماعي الأمر الذي قد يحيلنا على الكثير من الموضوعات ولا نعتقد أننا نملك القدرة الكافية على الخوض فيها جميعها إلا أن هذا لن يجعلنا أن نقوم بعرض والوقوف على أهم مكامن وسبل النجاة بقدر الامكان لهذه الدول التي عانت ومازالت تعاني  من آثار الاستعمار والتبعية  لدول الشمال وسوء التدبير لأنظمتها وحكوماتها المتواطئة مع الانظمة اللبرالية المتوحشة التي تقتات  من جهل وتخلف مجتمعاتهم أساس استمرارية لنهب المال العام برغم قدسيته والحفاظ على كراسيهم ومناصبهم  والتربع على عرش السلطة كسد منيع لحماية مصالحهم على حساب مجتمعاتهم التي كرست هذه النظرية بتخلفها

المطلب الاول  :  الحلول الاجتماعية المقترحة

بالرغم من التحديات الاجتماعية  التي تعيش عليها المجتمعات المتخلفة وتباين مستويات عيشهم وفوارقهم الاقتصادية وأحوال أوضاعهم المادية  وبنياتهم التحتية واختلاف أنظمتهم السياسية  إلا أن هناك أمال وحلول مقترحة  كمحاولة تجاوز هذه المحن التي تؤرق إنسانية الانسان  كون أن هذه التحديات  بالمجتمعات المتخلفة ليس لصيقة به و لا علاقة لها بالظروف الطبيعية ولا مواقعها الجغرافية كل ما هناك أن هناك سياسة دولية غير شريفة لا تجعل من علاقاتها الخارجية أساس تعاون دولي متضامن  و إعادة توزيع ثروات وخيرات العالم بإنصاف وإعلاء حق المجتمعات الفقيرة في حق التنمية وتقليص الفوارق والفجوة الحاصلة بين هذه الدول  ، وفي المقابل  لا يجب على هذه الدول الفقيرة  أن تبقى في طابورات الانتظار لإحقاق حقها ونيل جزاءها وأن تبقى تمد يدها لصدقات ومعونات الدول المانحة ومؤسساته المالية وتطبيق إملاءاتهم المجحفة لأن ليس هناك تنمية ممكنة برعاية الغرب  كما يتم تسويقها وترويجها  لأن منطقيا إذا ما تم تمويل مشاريع التنمية في البلدان الفقيرة هذا يعني تحقيق الاكتفاء الذاتي وبل قد يكون منافسا للدول المتقدمة وبالتالي فهذا تهديد لوجودها وهيمنتها  على العالم لأن كما سبق الذكر قوة الغرب تكمن في ضعفنا وهذا أساس الفقر الدائم في الدول الجنوب المتخلفة  انعكاسا لمسألة التبعية لدول الشمال المتقدمة ولهذا فقد آن الأوان أن ينهض هذا الجسم المتهالك من كبوته وأن يبعث روحا جديدة ونفس طويل وأن يقوم بنقد ذاتي لأن مسألة التنمية في بعدها الاجتماعي لن تتكرس إلا عبر تجديد الثقة بين مكونات المجتمعات المتخلفة وقطع الصلة بين روابط الاستعمار القديم الجديد  واعتبار أن أي انطلاقة لمسيرة التنمية الحقيقية يتوجب عليها أن تكون منظورا إليها داخليا و متأسسة على استراتيجية مشتركة  يساهم فيها كل أبناء المجتمع ذو الكفاءات العلمية والفنية والنخب المثقفة .

وسنعرض بعض النقاط المهمة المقترحة لتجاوز بلدان العالم الثالث لتحدياته الاجتماعية كمحاولة لوصول إلى بر الأمان بأقل الخسائر :

  • اعتماد على مقاربة جديدة تتأسس على  منهج ” الاعتماد على النفس ” لأن الاعتماد على النفس  كالاعتماد الجماعي على النفس ، خيارات نابعة من الاقتناع بأن المرهونين يفضلون الاحتفاظ  بثرواتهم بأي ثمن عوض تقاسمهم إياها لتسهيل تقدم الآخرين والفكرة هي أنه من الافضل أن يعتمد المرء على نفسه بدل القبول الفضلات لأنه في حالة قبول الفضالات نؤخر التحولات الجذرية للنظام العالمي الجديد ، الذي يملك طاقة محدودة لتحمل الاختلالات الكبيرة وستكون بذلك الوسيلة الوحيدة لتغيير النظام الدولي وليس فقط لتكييفه مؤقتا [24] ، وبالرغم من أن هذ المقاربة تلفها اصطدامات مع  إكراهات الواقع  الدولي إلا أن جعل الدولة شبه مقوقعة على نفسها ولو نسبيا  أمر ملزم  ولا يعني هذا عزلة دولية لكن حتى يتسنى لها  ترتيب أوراقها وتقوم بإكتساب مناعة قوية تجعلها سد حصين أمام إمدادات النظام العالمي الجديد وبثر جذوره من أساسها كمهمة لاستكمال التحرر من مخلفات الاستعمار ورواسبه وأحابيله  وبدأ العمل على خلق تنمية  إجتماعية متؤسسة داخليا عن طريق كفاءات وطنية وإعادة استقطاب  الادمغة الوطنية المهاجرة  .
  • وبالقيام ب” الاعتماد على منهج النفس” تبدأ رسوم لمعالم استراتيجية للمشاريع التنموية الإجتماعية و بالرغم من أن  الحديث عن أي  تنمية يتطلب ذالك رأس مال إما خارجي ومعناه هو زيادة تكريس سياسة التبعية وقبول تدخلات الخارجية وجعل الدول رهينة للمؤسسات الدولية المانحة وبالتي انهيار المقاربة المعتمدة على منهج الاعتماد على النفس اللهم الاعتماد على رأسمال داخلي قدر المستطاع  من خلال ترواثها الطبيعية وعلى رأسها الانسان .
  • إن نجاح أي تنمية في جميع مجالاتها لن تتأتى بنجاحها إلا إذا جعلت من الانسان جوهر عملها وأساس الانسان هو تنمية عقله عن طريقة التربية والتعليم )طبيعة الحال مع اشباع أم الحاجات الانسانية المادية الاساسية وعلى رأسها الغذاء( وإعادة بعث روح فيه من جديد  تصل إلى كل مكونات وتجليات  المنظومة التعليمية بما فيها  إعادة صياغة المناهج الدراسية المفروضة والمبنية على الحفظ لا على التحليل و الابداع والانتاجية و الاعتماد على لغة الام  في التدريس في جميع المواد كأساس للتقدم  وتحسين أوضاع الاساتذة وإعادة الاعتبار إلى قيمتهم ورسالتهم النبيلة  والتشجيع الاستثمار و رفع قيمة الانفاق على البحث العلمي  من الناتج الداخلي الخام كونه أساس التنمية الشمولية لأي بلد كان  وليس كما زال ينظر إليه في  أنه قطاع غير منتج ، وأن  هذه المهمة لاصلاح التعليم يستوجب بالأساس الاهتمام بعقلية أولائك الذين سيطبقونه .

المطلب الثاني : حلول الاقتصادية المقترحة

إن عقيدة نظام العالمي الجديد عبر رأسماليته التي تتنفس من الامبريالية الاستعمارية هي المتجسدة في  عولمة السوق عبر اتفاق واشنطن المتمثل في الثالوث  الاستعماري وهو  صندوق النقد الدولي والبنك الدولي  ومنظمة التجارة العالمية عبر احتكارهم رؤوس الاموال العالمية والتحكم في اقتصاديات الدول المتخلفة عبر الشركات المتعددة  الجنسية  ومؤسساتهم الدولية وبالتالي السيطرة على العالم ونهب الموارد الطبيعية ومنابع الثروات وتكريس التخلف الاقتصادي ونظرية التبعية  وبالتالي الانفراد بقيادة العالم ، إلا أن هذه القيادة غير الشريفة المبنية على الانانية المصلحاتية وأمركة العالم بمنطق لغة  النار والحديد  لا بد لها من نهاية ولا بد من وقف هذا الجشع وجعل من هذه القيادة تعيش انفلاتات  كمحاولة  للتنصل منها نهائيا  و كون أن هذا التحكم  ليس مقدرا للمجتمعات الفقيرة وأن هذه الهيمنة لا بد أن تعتريها تعثرات  وعلى رأسها هو الدفع باستريجية أعادة هيكلة النظام العالمي الجديد وإعادة تقسيم ثروات العالم والعمل على تضييق الفجوة القائمة بين الشمال والجنوب  في الاحتكار على ترواث العالمية وهذا لن يتأتى إلا عبر الايمان القوي -لأنظمة- وشعوب العالم الثالث بأن الحياة المأسوية التي يتكبدونها من إقتصاداتها المتعثرة هو نتيجة التبعية وربط الاقتصاد الوطني بالاقتصاد العالمي  الامر الذي يؤثر سلبا  على المجتمعات الثالثة من الازمات الاقتصادية العالمية وويلاتها فالاقتصاد العالمي غزير بالإنتاج لكن هناك سوء في التوزيع  وبالتالي وجب الاعتماد على نفس المنهج المطروح وهو الاعتماد على النفس ومحاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي واصلاح الاقتصاد ومعالجة اختلالاته عن طريق مجموعة من الحلول التي يمكن أن تغير ملامح واقع الاقتصاد في الجنوب جذريا لعل أهمها :

  • بناء اقتصاد وطني متنوع أساسه الانتاجية عن طريق استراتيجية تنطلق من  حسن الاستغلال الموارد الطبيعية والثروات الباطنية فكيف يعقل مثلا أن القارة الافريقية بثرواتها المتنوعة والمتعددة أن تكون أفقر القارات وبالتالي وجب الاستغلال الوطني لهذه الثروات وقطع جميع روابط وشبكات  الاستعمار وحباله القديمة  الجديدة حتى لا يبقى متحكما فيه ويستغل في نهب خيرات هذه المجتمعات وجعل واقعها أمر ملازم لها ولا يحق لها أن تعيش حياة كريمة    .
  • بالرغم من أن مسألة الانطلاق من الامكانية الذاتية لبعض الدول المتخلفة أمر صعب من بينها ضعف وانعدام البنى التحتية مثلا، لكن هذا يخول لها أحقية الاستفادة من التعاون جنوب – جنوب كفرصة لقطع امدادات وفضلات التي تأتي من الدول الشمال والعمل على بداية تغيير قواعد النظام الاقتصادي الذي ما فتأت يكرس سوى الفقر ة والجوع والهلاك لهذه المجتمعات .
  • إعادة النظر جذريا في التعاملات الاقتصادية للدولة مع القطاع الخاص عبر عقودها التفويضية وانفراد هذا الاخير عبر أسهمه المساهمة كليا في الشركات وهذا ما يجعله قوة اقتصادية يصعب التحكم فيها وبالأحرى مواجهتها وبالتي يتوجب قطع هذا الاستحواذ والانفراد بهذا القطاع  الذي ينتج عنه الاحتكار السلبي للثروة المالية بيد أن دخول الدولة باستثمارها في المجال الاقتصادي أصبح  أمر ضروريا ولو  برأسمال جزئي على الأقل  حتى يكون هناك شبه  توازن بين القطاع العام والخاص في المجال الاقتصادي .
  • جعل الدول العالم الثالث موحدة و في صف واحد ولا سيما القارة الافريقية لوضع حد لمخلفات الصناعية التي تفرزها مصانع دول الشمال وجعل من الدول المتخلفة مكب للنفايات مما أثر سلبا على المحافظة على البيئة السليمة و وظهور تغييرات مناخية مهددة للوجود البشري من جفاف وقلة الغذاء والانتاج الزراعي وارتفاع منسوب المياه في البحار ومنها البحر الابيض المتوسط والمحيط الاطلسي …الامر الذي يؤدي إلى الهجرة والنزوح الجماعي الداخلي أو اللجوء.

خـــــــــــــــــــــــــاتمة:

من الصائب القول أمام اتساع الهوة والفجوة القاتمة والمفتعلة بين بلدان الشمال التي تحتكر وتستنزف بدون هوادة ثروات وخيرات بلدان العالم الثالث ، تحت ذرائع الاستثمارات ومنح القروض والمحن وبناء المشاريع التنموية والنهوض بأوضاعها…إلا ان  منطق الاقتصاد العالمي هو عولمة سوقه بناءا على اجماع واشنطن المبني على  تحرير الكامل لتدفقات رؤوس الاموال والسلع والخدمات والمعلومات و احتكار الثروة الاقتصادية لضمان الانفراد بالسلطة وبالتالي حماية مصالحها في هذه البلدان وجعلها دائمة في تبعية أسيادها وحلفاؤهم وأزلامهم  ، ولهذا – فإننا نعتقد – أن الواقع الدولي أصبح يعيش أزمة قيم أزمة أخلاق وغياب أو موت سريري للضمير العالمي فلا هم له سوى حماية والدفاع عن مصالحه  بأي وسيلة حتى ولو كانت على  انقاض إنسانية الانسان وهذا ليس بغريب لأن أساس علاقاته الدولية المبنية على نظرية أنا ومن بعدي الطوفان أما  القيم الانسانية ومبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان كما يشاع  لا ترقى إلا أن تكون خطابا حماسيا وشعارات جوفاء في ملتقياتهم وندواتهم وتقاريرهم اللهم إلا إذا ما تم العمل بها فإنها تجعل من هذه القيم سوى مبررات وشرعنة التدخل العسكري وانتهاك سيادة الدول وإضفاء الطابع القانوني لحروبهم  حتى تنعم دولهم  بالرفاهية والحياة الكريمة على حساب الفقراء والمضطهدين ولاسيما فقراء العالم الثالث الذي طالما يحصدون من هذه الاستراتيجة سوى هلاكهم ودمارهم  .

وبالرغم من أن مجتمعات العالم الثالث تمر بمرحلة انتقالية تدريجية من التخلف نحو التطور ، إلا أن هذا  التخلف لا يعكس الواقع التاريخي الحضاري لهذه البلدان بل هو نتيجة للعلاقات غير المتكافئة بين العالم الصناعي الحديث في الشمال والعالم الزراعي التقليدي في الجنوب ، خلال مرحلة الهيمنة الامبريالية ويعكس التخلف خللا في النظم الاجتماعية والاقتصادية في البلدان النامية مما يعرقل التحديث والتنمية بصورة شاملة ويتم الاكتفاء بتنفيذ مشاريع محدودة التأثير تفتقر للتخطيط العلمي .[25]

ويبقى الحديث عن نظرية تحديث معالم العالم الثالث  لتجاوز معضلاته يتأرجح بين من يعتبر أن مكامن  خلل التخلف الجوهرية  التي تتخبط فيه المجتمعات المتخلفة  هو موروثها الثقافي التقليداني المؤسس على  القيم والتقاليد والعادات وأنماط العلاقات القبلية العشائرية والاثنية التي تؤثر سلبا في بنية وخصائص النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وأن مسألة التحديث المجتمعات المتخلفة وجعلها في ركب الحضارة والتقدم يتمفصل حول  تصدير لنماذج التحديث من الدول الشمال المتقدمة إلى دول الجنوب المتخلفة وجعل هذه الشعوب تنتفض على طبائع سمات تقلدانيتها المتخلفة التي كرست حياتها البدائية  في علاقاتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية  ، واستيراد أنماط الافكار الغربية والسلوكات الاجتماعية ونظمها الديمقراطية وأننا نحن(لمجتمعات المتقدمة) أدرى من أهل مكة (العالم الثالث)  بحالهم ، إلا أن في المقابل هناك من يعتبر أن نجاح أي مجتمع يجب أن يبدأ من خصوصيته وهويته الدينية العقائدية  ، بحيث كشفت التجارب طيلة الخمسين سنة الماضية ، ان المجتمعات التي بدأت من  نقطة عقائدية وتحركت بعد تحقق وعيها الفردي والاجتماعي ، وقفت اليوم في صف القدرات التي تصنع الحضارة العالمية  لكن المجتمعات التي اقتضت بالحضارة الغربية دون وعي اجتماعي او شعور انساني بالوعي الفردي ودون عقيدة بل بمجرد نهضة كاذبة  ، قد ضلت مستثمرة للحضارة الغربية مستهلكة على الدوام  ، وخاضعة للــذل والعبودية تحن سيطرة  الغرب .[26]

وبين نظرية التحديث للمجتمعات المتخلفة عبر صياغة ونقد موروثها الثقافي حتى يبقى مؤهلا مشجعا مسايرا غير متعارض مع مع أسس منطلقات  قطار الركب التطور والتقدم وتجاوز المعضلات التي تعاني منها هذه المجتمعات وإعادة فرز نماذج وسلوكيات وأنماط اجتماعية  تتمحور على عقلنة  الانسان العلماني وليس التقليداني ، وبين دعاة خطاب التشبث بالخصوصية والهوية الدينية والحفاظ على  موروثاتها الثقافية كأساس وتعبير لكيانها الوجودي وأن مسألة التطور والتقدم  ومعالجة كل المعضلات لن تتأتى إلا عبر منطلقات دينية عقائدية محضة ،وبين هذا وذاك  يبقى حال مجتمعاتنا المتخلفة واقع مأساوي لا أحد يستطيع أن ينكره ومحاولاته الماراطونية للصعود إلى الصفر ، تحت أنظار و تواطئ مع جل مكونات منظمة الامم المتحدة ولا سيما مجلس الامن الذي لا طالما جسد منطق عدالة القوة أو بالأحرى منطق قانون الغاب حتى نسمي الاسماء بمسمياتها  بإنفراده لسلطة القرار وشرعنت  الحروب والتدخلات الاقتصادية في العديد من الدول بغطاء ودواعي إنسانية وديمقراطية وكذا مؤسساتها المالية التي تمتص عروق المجتمعات المتخلفة عبر إثقال كاهلها بالقروض والمنح التي تترجم في الاخير إلى محن وزيادة تأزيم الازمة عبر سياسة برامجها المهيكلة لوضع لبنات الاساسية للبرلة دول العالم الثالث  .

المراجع:

[1]  : هايل عبد المولى طشطوش ” مقدمة في العلاقات الدولية ” سنة 2010 ، الصفحة 14

[2]  : Alfred Sauvy «  Trois monde une planète »L’ Observateur 14 aout 1952 n 118 p 14

[3] :httpsar.wikipedia.orgwiki

[4]  : أنور محمد فرج ” نظرية الواقعية في العلاقات الدولية _ دراسة نقدية مقارنة في ضوء النظريات المعاصرة – ” مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية السليمانية سنة 2007 الصفحة 42

[5]  : ” الدول المتقدمة والنامية والناشئة … أين يكمن الاختلاف ” مقال إلكتروني منشور في موقع الباحثون السوريون www.syr-res.com

[6]  :   أمارتيا صن ” التنمية حرية – مؤسسات حرة وإنسان متحرر من الجهل والمرض والفقر – ترجمة شوقي بلال ”  عالم المعرفة سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب _ الكويت سنة 2004 الصفحة 10

[7]  :    ” الدول المتقدمة والنامية والناشئة … أين يكمن الاختلاف ” مرجع سابق

[8]  :  أزوالدو دو ريفرو ” أسطورة التنمية وقوى التدمير الخفية – انقراض العالم الثالث – ترجمة د فاطمة نصر” اصدارات سطور جديدة ، لسنة 2010 الصفحة 10

[9]  : جاك لوب ” العالم الثالث وتحديات البقاء – ترجمة أحمد فؤاد بلبع – ” عالم المعرفة سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب _ الكويت سنة 1986 الصفحة 15

[10] : رأفت سليمان ” تحرير التجارة وفك التحالف بين السلطة والمال فى دول العالم الثالث ” مقال منشور في موقع           http://www.cipe-arabia.org/

[11]  : تعريف من موقع الالكتروني ويكيبديا

[12]  : فارس فائق ظاهر ” دراسة : السياسات الاقتصادية للبنك الدولي وأثرها على تحقيق التبعية ” مقال منشور في موقع  http://blog.amin.org/faresdahaher

[13]  : أستاذنا الدكتور المهدي المنجرة ” عولمة العولمة “الطبعة الثانية لمنشورات الزمن ، مطبعة النجاح الجديدة_ الدار البيضاء سنة 2011 الصفحة 20

[14]  : جونز زيجلر ” الحرب العالمية الثالثة دائرة ضد شعوب العالم الثالث ” مقال منشور في مجلة السياسة الدولية العدد الواحد والخمسون بعد المائة  لعام 2002 الصفحة 106 و107

[15]  : عبد عزيز النويضي ” الامم المتحدة التنمية حقوق الانسان أوجه القصور والاصلاحات اللازمة ” منشورات الكنفدرالية الديمقراطية للشغل الطبعة الاولى 1995 الصفحة 113

[16]  : مصطفى الحجازي ” التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الانسان المقهور ” الطبعة التاسعة ، الركز الثقافي العربي الدار البيضاء –المغرب ـ سنة 2005 الصفحة 19

[17]  : أستاذنا المهدي المنجرة ” الإهــــــــــانة في عهد الميغا إمبريالية ” الطبعة الرابعة مطبعة النجاح الجديدة –الدار البيضاء سنة 2005 الصفحة 145

[18]  : الدكتور عبد الغفور بالريسول ” العالم الثالث وظاهرة التخلف ” مقال إلكتروني في صيغة pdf منشور في الانترنت

[19] : جون زيجلر ” الحرب العالمية الثالثة دائرة حاليا ضد شعوب العالم الثالث ” مرجع سابق الصفحة 105

[20]  : تقرير الخاص بالصحة العالمية سنة 2010 الصادر من منظمة الصحة العالمية

[21]  : التقرير الدوري لمنظمة اليونسكو لسنة 2009 الصفة 1

[22]  : المهدي المنجرة “الاهانة في عهد الميغا إمبريالية ” مرجع سابق الصفحة 10

[23]  : للإلمام أكثر بمسألة الانتقال إلى الديمقراطية انظر كتاب ” الديمقراطية وحقوق الانسان ” لعابد الجابري وكذا بحث لنيل شهادة الاجازة حول موضوع ” الانتقال الديمقراطي بالمغرب  الاكراهات والرهانات من إنجاز الطلبة سفيان ناشط وعثمان تاليمة ” منشور في الموقع العلوم القانونية  www.marocdroit.com

[24]  المهدي المنجرة :  ” قيمة القيم ” الطبعة الثانية  مارس 2007 الصفحة 21 و 22

[25]  : الدكتور غازي فيصل ” التنمية السياسية في بلدان العالم الثالث ” بغداد 1993 الصفحة 17

[26]  : علي شريعتي ” النباهة والاستحمار” الطبعة الاولى 1404 هـ – 1984 م لبنان بيروت الصفحة 13

3/5 - (4 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى