الأفريقية وحوض النيلالدراسات البحثيةالعلاقات الدولية
جنوب السودان تحت وصاية الأمم المتحدة : دعاية أم واقعية ؟
اعداد الـــــســـفـــيـر: بــــلال الــمــصــري – ســــفــيـــر مــصــر السابق في أنجولا وساوتومي والنيجر
– المركز الديمقراطي العربي
مــقــدمــة :
كتبت في تقرير وضعته قبل إعلان إستقلال دولة جنوب السودان في 9 يوليو2011 بأيام قليلة وكان بشأن “تقدير موقف لإعتراف الدول الافريقية الرئيسية بدولة جنوب السودان : ما نصه ” إن إثيوبيا مقبلة علي الجوار مع دولة إنفجارية إنشطارية لا كيان حقيقي لها تُسمي ” دولة جنوب السودان ” , وكانت تلك عقيدتي عن نجاح الجهود الأمريكية في سلخ هذه الدولة عن كيانها الأصلي وهو السودان والذي تكون بعد فتح محمد علي باشا للسودان عام 18211, وفي الواقع فإن دولة جنوب السودان كان من الممكن بالرغم من العامل القبلي يتحكم في روحها السياسية أن تقوم وتمر بصعوبات لكنها كانت ستستمر لأن القبلية شائعة في معظم إن لم يكن كل الدول الأفريقية , لولاأن جنوب السودان بالفعل ” حالة إستثنائية ” فبمجرد أن شاركت بريطانيا مصر في السيادة علي السودان بموجب وفاق يناير 1899 وقيام الحكم الثنائي Condominium , حاولت بريطانيا بعقليتها الإستعمارية تقطيع أوصال السودان ففرضت ما سُمي بالمناطق المُغلقة علي إقليم جنوب السودان برمته وكان ذلك عام 1922 إلي أن ألغاه المصريون عام 19466 لكنه ترك أثراً من الصعب محوه وهو أثرالعزلة شبه المطلقة لجنوب السودان عن محيطه الطبيعي المباشر ثم عن العالم مما جعل الجنوبيين أسري قبائلهم بمعني أن هذه العزلة جعلت القبيلة هي الدولة , إذ أن الجنوب لو كان قد تُرك حراً مُنفتحاً كالشمال الذي كان به أيضاً قبائل لكان كأي دولة أفريقية تعاني من القبائلية لكن بها أيضاً حيز ما للدولة في نفوس معظم مواطنيها .
مقدمات مقترح الإدارة الإنتقالية الدولية علي جنوب السودان :
تناقلت وسائل الإعلام مُؤخراً مُقترحاً بوضع دولة جنوب السودان تحت إدارة بديلة لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة القائمة حالياً في جنوب السودان والتي يرأسها Salva Kiir تتولاها الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي وذلك بسبب تفجر الحرب الأهلية بين رئيس جنوب السودان Salva Kiir ونائبه Riek Machar في 15 ديسمبر 2013 وإستمرارتصاعد وتيرتها وما تداعي عنها من نشوء أزمة للاجئيين من جنوب السودان للدول الأخري المجاورة , إذ لم تؤد التسوية السياسية نتيجة الجهود المضنية التي بذلتها الولايات المتحدة والسلطة عبر الحكومية للتنمية IGAD والحكومة الإثيوبية مع طرفي الحرب الأهلية لتوقيع إتفاقية إديس أبابا لإحلال السلام هناك في 17 أغسطس 2015 إلي إستعادة السلام في جنوب السودان بسبب إفتقاد طرفي هذه الحرب للإرادة السياسية والأخلاقية لإنهاءها , مما أدي – ميدانياً – لإنهيار هذه الإتفاقية , إذ سرعان ما تجاوز طرفي هذه الحرب جوهرها وموادها بل وإطارها معاً , فمن الجلي أن إرادة الحرب لديهما أقوي من رغبتهما في السلام , وهو الأمر الذي دعي المبعوث الأمريكي السفير السابق للسودان وجنوب السودان Princeton Lyman الذي تولي هذه المهمة في الفترة من مارس2011 حتي مارس 2013 ومعه زميلته السيدة Kate Almquist Knopf المديرة السابقة لمكتب وكالة التنمية الدولية بجنوب السودان والسودان من 2006 حتي 2007 ثم المديرة السابقة لمركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية وهو مركز تابع لوزارة الدفاع الأمريكية ثم تولت منذ يوليو 2014مهمة دراسة القضايا الأمنية المُتعلقة بأفريقيا بمركز تابع للكونجرس الأمريكي , دعاهما خاصة بعد أن تجدد القتال بين أطراف الحرب الأهلية في 16 يوليو 2016 والهجوم علي مركز إيواء للنازحين الجنوبيين اللائذين بمركز إيواء تابع للأمم المتحدة في جوبا في إطار تمدد غير مسبوق للقتال في معظم عموم جنوب السودان , للبحث عن و في حل الصراع والحرب الأهلية بفرض الإدارة الدولية الإنتقالية لجنوب السودان وهو ما رفضته حكومة جنوب السودان غير مرة , إلا أن مقترحهما يظل – نظرياً علي الأقل
– مدعاة للتأمل والفحص بإعتباره حلاً نابعاً من واقع خبرتهما الميدانية في شأن جنوب السودان وبإعتبار أن إتفاقية أديس أبابا لم تؤد إلي إحلال السلام وليس من الواضح أنها ستؤدي إلي ذلك , خاصة وأن الحرب إستمرت والإتفاقية شارفت علي التحلل لدرجة أن أحتاجت القوي الدولية في مجلس الأمن لإستصدار قرار بدعم أو بالأحريلجماية قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب السلامUNMIS من خلال دعم القوة القائمة بنحو 4,000رجل لحمايتها ومشروع قرار آخر أخفقت الولايات المتحدة في نوفمبر 2016 وحتي الآن في إستصداره يدعو إلي حظر السلاح عن أطراف الحرب الأهلية بجنوب السودان والذي مازالت الصين وروسيا تعارضانه ومعهما دول أخري غير دائمة العضوية بمجلس الأمن منها مصر وأنجولا وفينزويلا, وبالتالي فإن مقترح السفير Lyman ولو أنه يعتبر حلاً ثوريا أو إنقلابيا من وجهة نظر معارضيه لتجاوزه ثوابت في القانون الدولي منها ميثاق الأمم المتحدة نفسه , لكنه علي أي الأحوال يظل مُقترحاً , حتي وإن كان يعبرعن قناعة السفير Lyman وزميلته Kate المهنية والشخصية معاً , وعلي كل حال فقدعرضاه لأول مرةعلي الملأ من خلال موقع معهد الولايات المتحدة للسلام United States Institute of Peaceوصحيفة Financial Time في نفس اليوم أي في 20 يوليو 2016 وقد تضمن مقترحهما ما يلي نصه :
نص مقترح إدارة الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي لجنوب السودان :
” إن إتفاق المشاركة في السلطة لإنهاء الصراع الذي بدأ في ديسمبر 2013 كان مُركزاً علي شخصين هما الرئيس Salva Kiir(ينتمي لقبيلة الدنكا) و زعيم المعارضة نائب الرئيس Riek Machar (ينتمي لقبيلة النوير) وكلاهما يتحصن بكتلة من السكان وكل منهما يري أن المجتمع(القبيلة) يتهدده وجوده خطر , وقد وجدت لجنة تحقيق تابعة للإتحاد الأفريقي أن قوات Kiir و Machar كلاهما مسئول عن القتل الذي شكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية . إن إتفاق المشاركة في السلطة بينهما فشل بصفة كارثية الآن في مناسبتين منفصلتين , أي محاولات أكثر يمكن أن يُتوقع منها فقط أن تؤدي إلي مزيد من نفس المعاناة الإنسانية الضخمة وعدم الإستقرار الإقليمي ” .
” علي كل حال هناك سبيل آخر وهو أن يُوضع جنوب السودان في غرفة الإنعاش من خلال إقامة ولاية تنفيذية للأمم المتحدة والإتحاد الأأفريقي لإدارة البلد حتي إيجاد مؤسسات تدير السياسات بغير العنف وكسر الشبكات التي تقف وراء هذا الصراع , وسيستغرق هذا الوضع من 10 إلي 15 عام , وعلي أي حال فالتخطيط في البداية يعتبر أكثر حساسية من تراكم تفويضات ( مهام حفظ السلام) لعام واحد عبر عقود , كما هي الحال في باقي مهام حفظ السلام , ووضعاً في الإعتبار الدرجة القصوي من فشل الدولة (في جنوب السودان) فإن إدارة خارجية مؤقتة تعد المسار الباقي الوحيد لحماية وإستعادة السيادة . إن ذلك من شأنه تمكين شعب جنوب السودان لأخذ زمام مستقبله بيده ويطور رؤية جديدة للبلاد . وبينما تصنف النخبة المفلسة المفترسة معنوياً بشكل سلبي مثل هذه المبادرة بإعتبارها – في نظرها – إنتهاك للسيادة , فمثل هذه النخبة ذاتها هي التي وضعت بقاء البلاد علي المحك ” , وعلي الرغم من أن الفكرة تبدو راديكالية , إلا أن الإدارة الدولية ليست بغير سوابق وقد عُمل بها سابقاً لإرشاد Kosovo وتيمور الشرقية وبلاد أخري للخروج من صراعاتها , وفي جنوب السودان فإن نصيبها من الصراع ليس بأقل من هؤلاء ” .
” فيما نتداول ذلك المُقترح , فإن فترة إنتقالية ستتطلب دبلوماسية فائقة المستوي ومُلتزمة من قبل الولايات المتحدة والحكومات الأفريقية والأمم المتحدة والبلاد الغربية التي لها مصالح طويلة الأمد في جنوب السودان مثل المملكة المتحدة والنرويج سوف تكون أعلي كلفة عن النهج الحالي , الذي في الحقيقة يعد بفرصة أكبر للنجاح . ومنذ 2005 أنفقت الولايات المتحدة ما يزيد عن 11 بليون دولار علي النواحي الإنسانية وحفظ السلام والعون علي إعادة الإعمار , كل ذلك مقابل القليل كعائد علي هذا الإستثمار ولا نهاية منظورة ” .
” تحتاج الولايات المتحدة الآن للأخذ بمبادرة دبلوماسية جديدة تتسق مع الشركاء الإقليميين والدوليين للإعتراف بعبثية النهج الحالي وتأمين الدعم لإدارتي الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي التي تحمي السودانيين الجنوبيين . وهذا إنما يتضمن :
* تفاوضاً لخروج Kiir و Machar .
* كسب الدعم لخدمات الأمن المتعددة للسودانيين الجنوبيين والمجموعات الرئيسية المُسلحة والدوائر القبلية من قبل إدارة الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي .
* تأسيس هيكل إداري مُشترك للرقابة للأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي لجنوب السودان ووضع إيرادات البلاد من البترول بضمان سيطرتهما .
* إعادة هيكلة تدخل حفظ السلام ليشمل قدرات مُعززة للإنفاذ ” .
” إن تضافراً للسلطة والقوة يمكن به إضعاف أي فاعل لديه حافز إعتراض الإدارة الإنتقالية . إن الإتحاد الأفريقي وجيران جنوب السودان علي نحو خاص عليهم الإتحاد في هذا , وهم يضعون قواهم الدبلوماسيين والعسكرية في خدمة مبدأ الإتحاد الأفريقي بعدم تجاهل التدخل في حالة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب ” .
” إن إستبعاد Kiir و Machar من الفترة الإنتقالية يمكن أن يمحو دافعاً رئيسياً للحرب , وكذلك الأمر مع المعارضة في أوساط الدوائر القبلية الرئيسية لإدارة الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي . وللإسراع برحيلهما فإن الولايات المتحدة والضامنين الدوليين والإقليميين لإتفاق السلام الحالي يجب أن يقدموا للسيدين Kiir و Machar حصانة من المُلاحقة القضائية ومنحهما ملاذاً آمناً بالخارج ” .
” هذه المبادرة الدبلوماسية يمكن أن تغري أيضاً العسكرية بجنوب السودان والأجهزة الوطنية الأخري , علي إعتبار أن إدارة الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي هما البديل السيئ الأقل في توجيه التدخل العسكري , وإيصال البلاد إلي نطاق نفوذ إثيوبيا والسودان وأوغندا , والنتيجة بذلك تقود إلي نهاية مفتوحة ألا وهي فقدان السيادة . هناك الكثير من القادة العسكريين السودانيين الجنوبيين سيقفون ملياً أمام الوقفة التي توفرت بالوجود الدولي لهيكلة وإصلاح أمور قواتهم الممزقة . علي التوازي فإن الوزن السياسي للقبائل غير الدنكاوية والتي أُبعدت بفعل إجراءات حكومية لمصلحة قبيلة الرئيس Kiir وعلي حسابهم هم , يمكن أن تدفع بإتجاه داعم لإدارة الأمم المتحدة والإتحاد الافريقي التي تلغي هذه الإجراءات ” .
” إن تمركز قوة تدخل للسلام لديها قوة جبرية ذات مصداقية يمكنها إذن أن تردع وتدحر من تبقي من المفسدين . وبينما يتطلب الأمر قواعد قوية للإلتزام , فإن هيكلاً رائداً كفئاً وأصول تمكن من التحرك , من شأن كل ذلك مع حجم وتكلفة لمثل هذه القوة للتدخل من أجل السلام ألا تتجاوز ( تكاليف) عملية حفظ السلام الحالية التابعة للأمم المتحدة . وعوضاً عن ذلك ومن المنظور السياسي حيث العناصر الأساسية للحكومة وقوي المعارضة سوف لا تعارض الإدارة الدولية , فإن عدداً أقل من المساهمين بقوات ممن أبدوا إستعداداً لإستخدام قوات فدائية يمكن لهم أن يضعوها علي الأرض . إن الترتيبات الأمنية التي نجحت في إنهاء حروب أهلية أخري لم يكن لها تمركزاً كثيفاً أو إستخدام علي نطاق واسع للقوة , لكن الأحري من ذلك كان الإلتزام بالإقناع بالإنفاذ بدعم من توفر إستراتيجية سياسية مُتماسكة . علاوة علي ذلك ولما كانت البلاد مُنكسرة , فإن الإدارة الدولية يمكن لها أن تطلب جنوداً من السودانيين الجنوبيين للعودة للثكنات للبقاء فيها بأجر” .
” إن تركها في الموقف الحالي يعني زوال Demise جنوب السودان مما سيُضاعف من التهديدات التي نراها بالفعل في دولة فاشلة , كما أن ضعف الحكم والصراع والهجرة والتطرف في منطقة يُنتظر أن يتضاعف سكانها بحلول عام 2050 . يحتاج المجتمع الدولي إلي منهج يتجه نحو آفاق عودة أفضل للإستثمار , إن شعب جنوب السودان لا يستحق فرق المساعدة , لكنه بحاجة إلي إنهاء كابوسهم الثقيل” إنتهي النص .
لم يكن مُقترح وضع جنوب السودان تحت وصاية الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي معزولاً عن الدائرة الإستشارية التي تقف خلف السياسة الأمريكية , إذ أن Princeton Lyman كان من كبار مستشاري الرئيس الأمريكي Barack Obama والمبعوث الأمريكي السابق لدي السودان وجنوب السودان ومن المُؤكد أن هذه الفكرة إستخلصها من واقع مهمته مبعوثاً للرئيس الامريكي لجنوب السودان والسودان , وتداولها قليلون علي نطاق ضيق مُقفل بالدائرة الرئاسية , وربما – وهذا لا يُغير إلا قليلاً في المعني – إنتهي الأمر إلي تفضيل إعلانها بعد أن تنتهي مهمته في مارس 2013 وفي توقيت ملائم , بمعني أن هذا المُقترح لامس آذان الدبلوماسية الأمريكية قبل إعلانه , فالسفير Lyman بحكم منصبه السابق يسبغ علي المقترح درجتين من الخطورة والأهمية وعندما أعلنه , أعلنه علي موقع مركز عصف ذهني أمريكي تضع الدبلوماسية والعسكرية الأمريكيتين له إعتباراً ممُيزاً , كما أنه كتب وكرر ما ورد بمقترحه حتي يؤكده في عمود للرأي لأحدي الصحف الأمريكية في يوليو 2016 .
من جهة أخري سبق أن طرح Pagan Amum Okiech الأمين العام لحركة الجيش الشعبي لتحرير السودان SPLM وهو الحزب الحاكم حالياً بجنوب السودان , في يوليو 2016 إقتراحاً مُشابهاً لإقتراح السفير Princeton Lyman وأسس ذلك علي إعتقاده بأن القادة الحاليين بجنوب السودان لا إرادة سياسية لديهم لتوحيد البلاد وإنهاء الدائرة الشريرة للعنف , وأعلن من نيروبي في تصريح لإذاعة Tamazuj نُشر في 4 أغسطس 2016 أنه سيقود حملة دولية وإقليمية لفرض وصاية دولية علي جنوب السودان بإعتبار ذلك هو السبيل الوحيد لإستعادة السلام والإستقرار في أحدث دول العالم , مُوضحاً أن التدخل الأجنبي في جنوب السودان سيجبر الرئيس Salva Kiir وحلفاءه بلا شك علي التقاعد , ومن شأن ذلك أن يمنح فرصة لتشكيل حكومة إنتقالية من التكنوقراط تُشرف عليها الأمم المتحدة لتُعد البلاد للإنتخابات , وأضاف قوله ” إننا نقود حملة لشرح الموقف في جنوب السودان فلقد إنهار إتفاق السلام وقُتل بمعرفة الرئيس Salva Kiir , والتدخل يمكن بواسطته إستعادة السلام وعند ذلك نجبر الرئيس Salva Kiir وحكومته غير الشرعية الآن للإنزواء بعيداً حتي تتاح فرصة لحكومة وطنية من التكنوقراط ” , و في تصريح آخر لنفس الإذاعة بُث في 6 فبراير 2017 كرر Amum نفس الكلام لكنه أضاف ” أن الرئيس Salva Kiir صاغ جيش جنوب السودان بصبغة قبائلية إثنية Ethicizing لإستهداف جماعات إثنية أخري كما نراه الآن في Wau وفي Yeiوأن عمليات عسكرية أخري تجري في مناطق قبيلة الشلك في ولاية أعالي النيل (التي نشرت بعض المواقع الإعلامية مُؤخراً أن القاذفات الجوية المصرية إستهدفتها أيضاً) ونحن ندين هذا المسلك من الرئيس Kiir لإستمراره في مهاجمة جماعات إثنية أخري ” وأضاف قوله ” إن الأمم المتحدة يجب أن تتصرف وبسرعة فلا يجب أن تتوقف عند حد الإدانة وتوجه تحذيرات فقط , لكنها يجب أن تفعل شيئاً , وإلا فإن الموقف في جنوب السودان سيشهد تطهيراً عرقياً وإبادة جماعية ” , ومن جهة أخري أشارت الإذاعة تعليقاً علي ما تقدم أن سياسياً ينتمي لقبيلة الشلك موالي للنائب الأول لرئيس جنوب السودان Taban Deng Gai إتهم حركة SPLA-IO المُتمردة علي نظام الرئيسKiir ومتحالفة مع Riek Machar بالقيام بهجمات من مواقعهم في Ditang و Gabat بولاية أعالي النيل , وفي 9 فبراير 2017 نشرت إذاعة Tamazujتصريحاً أدلي به Amum قال فيه ” إن قرارات قمة الإتحاد الأفريقي لم تف بتوقعات الجنوبيين والعالم , إن ما نقترحه إنه يجب علي الإتحاد الأافريقي أن ينخرط والأمم المتحدة معاً ويأتون إلينا بمبادرة من أجل السلام في جنوب السودان ” , ثم دعا الإتحاد الأفريقي والسلطة عبر الحكومية للتنمية IGAD للدعوة إلي تمركز قوات للأمم المتحدة وقوات إقليمية لحماية المدنيين الجنوبيين , ذلك أن تمركز قوات إقليمية في جوبا لن يحل المشكلة , وأن الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس Kiir يجب أن يقوده كيان محايد لضمان فعالية العملية , ومن جهته أشار الناطق باسم رئاسة جنوب السودان Ateny Wek Ateny” أن المعارضة تريد أن يكون الإتحاد الأفريقي هو الميكانيزم لتغيير النظام في جنوب السودان ” .
نشرت إحدي الصحف الصادرة في نيروبي مُجدداً في فبراير 2017 عن تداول بعض المسئوليين السابقين بجنوب السودان لمُقترح بفرض الوصاية الدولية علي جنوب السودان تُدار فيها البلاد من خلال الأمم المتحدة لمدة مُحددة قبل أن تُعاد الإدارة لشعب جنوب السودان , وقد فتح تكرار الصحف الكينية لهذا الملف الشائك مُجدداً باب المزيد من النقاش حول فرض الوصاية علي جنوب السودان , إذ أن رئيس جنوب السودان Salva Kiir إتهم عام 2014 الأمم المتحدة بالبحث عن تولي أمر جنوب السودان مُؤسساً مقولته تلك علي تكهنات بأن بعثة الأمم المتحدة لجنوب السودان UNMISS ربما تدفع بخصم الرئيس ونائبه السابق زعيم المعارضة المُسلحة له Riek Machar للإنتفاض علي الحكومة التي يرأسها Kiir .
لكن ومع كل الإعتبار لوجهات النظر علي تباينها , أري من الوجهة الموضوعية أن الجميع يجب ان يعلم أن الوضع في جنوب السوداني كارثي بالفعل ولا مجال للمبالغة بشأنه , إذ أن الحرب الأهلية بجنوب السودان آمن طرفيها بضرورتها تلبية لدوافعهما القبلية والسياسية مما أدي إلي إنهيار إتفاقية أديس أبابا وسيؤدي لإنهيار غيرها إن طُرحت ثم وُقعت , ولذلك فإن الجهود الدبلوماسية الجارية يجب أن تتوقف بالفعل لتلتقط الأطراف الدولية والإقليمية أنفاسها , فالإستمرار في مسار هذه الإتفاقية عبثي لأنه وببساطة جهد نظري لا علاقة له بالواقع الميداني والأزمة الإنسانية التي تقترب بل أصبحت في إتجاه إبادة جماعية وتطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية ضحاياها كما هو الحال دائماً في كل الصراعات السياسية المدنيين العزل , وبالتالي فإن الأخذ بنظرية المؤامرة وعلاقتها بمقترح السفير Princeton Lyman بشأن الإدارة الدولية بجنوب السودان حتي وإن إعتبرناه إنقلاباً أو ثورة في الفكر الدبلوماسي فهو مُقترح لإنهاء أزمة إنسانية مُكتملة الأركان , وهو قد نشر علي موقع معهد الولايات المتحدة للسلام في 20 يوليو 2016و Financial Times , كما نشره أيضاً موقع معهد الدراسات الأمنية الأمريكي , ونفياً لنظرية المؤامرة تلك اشار الصحفي SIMON ALLISON في مقال له نشر في 3 أغسطس 2016 علي الموقع الأخير, أشار إلي أنه يمكنك أن تقول ما تريده عنPrinceton Lyman المبعوث الأمريكي السابق للسودان وجنوب السودان والسيدة Kate Almquist Knopf وفكرتهما الخلافية , لكن مما لاشك فيه أنهما يفكران خارج الصندوق , فهي أي نظرية المؤامرة لن تصمد أمام ما تراه أطراف أخري معنية من أدلة تحدث علي الأرض وتثبت نفاذ البدائل >
فمن بين الأدلة علي الحاجة المُلحة لبديل ثوري ينهي الحرب الأهلية المُستعرة :
– أن بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان UNMISS أعربت في بيان لها نُشر في 9و 10 فبراير 2017عن القلق من تصاعد وتيرة القتال بين الحكومة والمعارضة في الضفة الغربية من نهر النيل في شمال جنوب السودان في منطقة يقطنها أبناء قبيلة الشلك مما أجبرهم علي الفرار , كما أن مدينة Wau هجرها سكانها وهم أيضاً من الشلك وتم إجلاء عمال الإغاثة أيضاً , مما أوقف عمليات المساعدة والإغاثة الإنسانية هناك , وأشار البيان إلي أن البعثة تلقت تقارير في 8 فبراير 2017 تشير إلي عدائيات بين الحكومة التي يقودها حزب SPLA وقوات المعارضة في Owachi و Tonga وبلدة Panyinkang , كما أفاد الموقع الرسمي للأمم المتحدة في 9 فبراير 2017 بأن القتال وصل حسب David Shearer رئيس بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان UNMISSإلي مناطق عدة بما يعني تمدد القتال جغرافيا , وأن هناك تبادلاً لإطلاق النار بين قوات الحكومة ” الجيش الشعبي لتحرير السودان SPLA وقوات Aguelek المُعارضة , كما أن هناك قتالا في ولايةBentiu وزار السيد Shearer مناطق هناك لكن العون الإنساني توقف .
– أن النداء الإنساني الإغاثي لجنوب السودان لعام 2016 تلقي نحو 75% من التمويلات التي دُعي المجتمع الدولي للمساهمة فيها لمواجهة متطلبات اللاجئين والنازحين بسبب الحرب الأهلية بجنوب السودان , وتظل الإمكانيات علي مواجهة تردي الوضع الإنساني قاصرة ويتفاقم هذا الوضع مع عدم القدرة علي الوصول للمناطق المحتاجة للدعم الإنساني الإغاثي , ومن المُتصور في ضوء عدم وضوح نهاية في الأفق للحرب الأهلية في جنوب السودان بتداعي إتفاقية أديس أبابا بل بإنهيارها , أن الإغاثة الإنسانية والأزمة الإنسانية في الجنوب ستطول لأجل غير مُسمي , ومن ثم فسينوء المانحون بهذا العبء الثقيل قريباً خاصة وأن النداء الذي أطلقته الأمم المتحدة لم يلب هؤلاء سوي 75% من تمويله بالإضافة إلي إزدياد صعوبة إيصال الإغاثة بل إستحالتها والحالة هذه , وهو ما يعتقد البعض معه أن الوضع الإنساني في جنوب السودان بات يتطلب حلاً حاسماً حتي لو وُصف بالإنقلابي بتجاوزه للمادة 76 من ميثاق الأمم المتحدة التي تتحدث عن نظام الوصاية .
– أن مجلس الأمن الدولي في بيان صدرعنه أدان وبقوة في 10 فبراير 2017 تجدد القتال في جنوب السودان خاصة في ولايتي أعالي النيل والإستوائية وشجب المجلس أيضاً الهجمات المُوجهة للمدنيين وطالب بمعاقبة المسئوليين عن ذلك , ودعا أطراف الصراع للتوقف فوراً عن العداءات وحثهم علي الإستمرار في العملية السياسية والإلتزام الكامل بتنفيذ إتفاق السلام , ورحب بإستمرار الجهود الجماعية للبحث عن السلام الدائم والأمن والإستقرار في جنوب السودان الأمر الذي عبر عنه الإتحاد الأفريقي ومنظمة IGADوالأمم المتحدة خلال اللقاء التشاوري المُشترك بشأن جنوب السودان في أديس أبابا في 29 يناير 2017 وأن أعضاء مجلس الأمن يعملون عن كثب مع IGAD والإتحاد الأفريقي في ذلك , كما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية من نيويورك تصريحاً لأمين عام الأمم المتحدة الجديد Antonio Guterres أشار فيه نقلاً عن تقرير أممي إشارته إلي ” أن المدنيين يفرون من قراهم ومدنهم بأعداد غير مسبوقة وأن خطر مذابح علي نطاق واسع أمرحقيقي ” وأضاف قوله ” إن الموقف الأمني مُستمر في التردي في أجزاء من البلاد وأن الأثر العملي لذلك الصراع والعنف الجاري وصل إلي نسبة كارثية , كما أن إزدياد الميليشيا مع إنفلات زمام القيادة من الجيش الشعبي لتحرير السودان الحكومي أو من قادة التمرد نشر التشرذم والتفكك في المناطق وتبقي هذه المناطق والحالة هذه خارج أي سيطرة حكومية لسنوات قادمة “ .
– أن هناك تفككاً مُستمراً في جبهة الرئيس Salva Kiir وبالرغم من قدرة Kiir علي مواصلة القتال بدعم خارجي , إلا أن دولته تتفكك وتذوب في دماء الضحايا , فقد أُعلن في 11 فبراير 2017 عن خطاب من ست صفحات أرسل للرئيس Kiir تضمن إستقالة الجنرال Thomas Cirilo نائب رئيس أركان جيش جنوب السودان SPLA لشئون النقل ( وينتمي لقبيلة Bari وهو من الولاية الإستوائية مثل نائب الرئيس James Wani Igga) , التي بررها بأن الرئيس Salva Kiir والقيادة العسكرية يهتدون بأجندة قبلية , وأن البلاد تسيطر عليها قبيلة الدنكا التي ينتمي إليها الرئيس Kiir وأن الجيش تحول إلي ميليشيا قبلية تستهدف الإثنيات غير الدنكاوية بالإضافة إلي أن الرئيس Salva Kiir ورئيس هيئة أركان الجيش الجنرال Paul Malong ينسقان إنتهاكات مُخططة لإتفاق السلام المُوقع في أغسطس 2015 مع التمرد وهو ما أدي لتجدد القتال في يوليو 2016 , وتقدر الأوساط العليمة أن إستقالته بإعتباره من القيادات العسكرية العليا يمكن أن تؤدي إلي عدم توازن قبلي في جيش جنوب السودان الحكومي , ولم يشر الجنرال Cirilo إن كان سيلتحق بمعسكر التمرد علي نظام الرئيس Kiir من عدمه , كما أفادت وكالة أنباء AP من KAMPALA في 18 فبراير 2017 أن أحد كبار العسكريين ويدعي Khalid Ono Loki الذي كان الرئيس السابق للمحاكم العسكرية قد إستقال وأنه برر إستقالته بإستمرار حكومة الرئيس Salva Kiir في الفساد المُستشري في النظام العدلي واصفاً إياه بالتمييزي والفاسد والإعتباطي ضد كل من لا ينتمي لقبيلة الدنكا التي ينتمي إليها الرئيس Kiir , كما أعلن في 18 فبراير 2017 عن إستقالةHenry Oyay Nyago المحامي العام بالقضاء العسكري لجنوب السودان وورد في خطاب إستقالته ” إن نظامك إرتكب حرباً متنوعة الأشكال ” , كما نُشر اليوم 19 فبراير عن إستقالة Gabriel Duop Lam وزير العمل بحكومة الوحدة الوطنية الإنتقالية وكان يمثل فريق مشار في هذه الحكومة وفقاً لإتفاق مقاسمة السلطة المُوقع في أديس أبابا في أغسطس 2015 وورد في بيانه عن الإستقالة أنه مُلتزم تماماً بالولاء للتمرد Full allegiance and commitment وعلق Michael Makuei وزير الإعلام بالحكومة علي إستقالته لوكالة الأنباء الفرنسية بقوله ” لا أثر إطلاقاً لذلك فهذا محض تصرف فردي, فكل من يذهبون بعيداً لهم الحق في أن يذهبوا ” , وفي يوم سابق قدم Lul Ruai Koang الناطق باسم جيش جنوب السودان إستقالته أيضاً .
– أعرب المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لشئون منع الإبادة الجماعية Adama Dieng في 9 فبراير 2017 عن بالغ القلق من المستوي المتواصل من العنف في مناطق عدة بجنوب السودان وأنه قلق بصفة خاصة جراء الوضع في Kajo-Kejiالتي أصبح دخول أو خروج بعثة الأمم المتحدة منها وإليها مُقيداً بالرغم من دقة الموقف الأمني هناك , وأشار إلي أن مناطق مختلفة في الولايتين الإستوائيتين من بين مناطق أخري مُستهدفتين وأن نحو 20,000 نزحوا من منطقة Wau Shilluk في ولاية أعالي النيل منذ أسبوع , والإشارة الأخطر في تصريح Adama Dieng عندما قال” إن الرئيس Salva Kiir عليه إلتزام بإنهاء العنف والإقتراب من السلام بينما نشهد الآن صدامات ونتوقع خطر المذابح ” , وهو أمر يعني أن الحيز المتاح لشرعية بقاء الرئيس Salva Kiir حتي في نظر الأمم المتحدة بات محدودا ومتناقصاً , وفي نفس الإتجاه ومن داخل نظام الأمم المتحدة أحالت شبكة Pulse News Agency في 18 فبراير 2017 علي Andrew Gilmour مساعد أمين عام الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قوله ” إن المجازر ستنتهي في جنوب السودان فقط عندما يُواجه الجناة نتائج أفعالهم الخسيسة ” , وهو ما يعني أن نظام الأمم المتحدة مُعبأ ضد حكومة الرئيس Salva Kiir وأفعالها التي لا تتسق مع إتفاق سلام أديس أبابا ولا مع حقوق الإنسان وبنفس القدر مع ما ترتكبه المعارضة المُتمردة أيضاً .
تعريف وتقييم نظام الوصاية الدولية :
التعريف :
تُمارس الوصاية علي تلك الأراضي التي تُدار بواسطة بلد آخر تحت إشراف مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة , وهذا المجلس يتكون من : الدول الأعضاء التي تدير مناطق الوصاية والدول أعضاء مجلس الأمن الدولي , وكل أراضي تحت الوصاية محكومة بمقتضي شروط إتفاق الوصاية , وعادة ما يكون للدولة المديرة لهذه الأراضي أو الإقليم السلطات التشريعية والإدارية والقضائية الكاملة علي هذه الأراضي أو الإقليم وفي حالات معينة لها الحق للتعامل مع الإقليم كما لو كان جزءاً منها . إن نظام الوصاية علي الأراضي حل محل نظام الإنتداب الذي كان معمولاً به في مرحلة ” عصبة الأمم ” السابقة علي إنشاء الأمم المتحدة والذي بمقتضي ميثاقها فإن نظام الوصاية يعني الترويج لرفاهية السكان الأصليين وتقدمهم نحو الحكم الذاتي , وبعد الحرب العالمية الثانية كان هناك 11 إقليم أو منطقة تحت الوصاية , ولكن بحلول عام 1968 أصبحت عشر أقليم منها جزءاً من من بلاد أخري , ولم يتبق غير إقليم واحد وهي منطقة الوصاية بجزر المحيط الهادئ وتولت الولايات المتحدة إدارتها , وتحققت لجزر Northern Marina Islands وضعية منفصلة بإعتبارها جزءاً من منطقة Commonwealth للولايات المتحدة عام 1978, بالرغم من أنها بقيت جزءاً المنطقة التي يغطيها إتفاق الوصاية للأمم المتحدة , أما الأراضي الأخري الموضوعة تحت نظام الوصاية فقد قُسمت إلي ثلاث هي Marshall Islands وFederated States of Micronesia و Republic of Palau , وكل من هذه الدول لها دستور خاص بها وتفاوضت من أجل الإتفاق علي حرية الجمعيات مع الولايات المتحدة عام 1980, ووفقاً للمعاهدة المُوقعة بين هذه الدول والولايات المتحدة فإن لكل كيان من هذه الكيانات الثلاث سُيمنح الإستقلال , لكن مسئوليات الولايات المتحدة فيما يتعلق بشئون الدفاع والمساعدة للتنمية الإقتصادية ستبقي , وكذلك فإن إتفاق الوصاية للأمم المتحدة سيُنهي عندما تحقق هذه الكيانات الأربع وضعية سياسية مُنفصلة . * (LEXICON UNIVERSAL ENCYCLOPEDIA . Lexicon Publisher 1985 . page 321)
نظام الوصاية الدولية :
يتناول الفصلان الثاني عشر والمُعنون بـ ” في نظام الوصاية الدولي” , والثالث عشر المُعنون بـ ” في مجلس الوصاية ” نظام الوصاية تفصيلاً من خلال موادهما التي تبدأ بالمادة 75 وتنتهي بالمادة91 , ومن المواد ذات الصلة بموضوعنا المادتين 76 و 83 التي تتناول علاقة مجلس الأمن الدولي ونصهما :
المادة 76 /
الأهداف الأساسية لنظام الوصاية طبقاً لمقاصد الأمم المتحدة المبيَّنة في المادة الأولى من هذا الميثاق هي:
ألف – توطيد السلم والأمن الدولي؛
باء – العمل على ترقية أهالي الأقاليم المشمولة بالوصاية في أمور السياسة والاجتماع والاقتصاد والتعليم، واضطراد تقدّمها نحو الحكم الذاتي أو الاستقلال حسبما يلائم الظروف الخاصة لكل إقليم وشعوبه، ويتفق مع رغبات هذه الشعوب التي تُعرب عنها بملء حريتها وطبقاً لما قد يُنص عليه في شروط كل اتفاق من اتفاقات الوصاية؛
جيم – التشجيع على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، والتشجيع على إدراك ما بين شعوب العالم من تقيّد بعضهم بالبعض؛
دال – كفالة المساواة في المعاملة في الأمور الاجتماعية والاقتصادية والتجارية لجميع أعضاء“الأمم المتحدة” وأهاليها والمساواة بين هؤلاء الأهالي أيضاً فيما يتعلق بإجراء القضاء، وذلك مع عدم الإخلال بتحقيق الأغراض المتقدمة ومع مراعاة أحكام المادة 80 .
المادة 83/
1- يباشر مجلس الأمن جميع وظائف “الأمم المتحدة” المتعلقة بالمواقع الاستراتيجية، ويدخل في ذلك الموافقة على شروط اتفاقات الوصاية وتغييرها أو تعديلها .
2- تراعى جميع الأهداف الأساسية المبيَّنة في المادة 76 بالنسبة لشعب كل موقع استراتيجي .
3- يستعين مجلس الأمن بمجلس الوصاية – مع مراعاة أحكام اتفاقيات الوصاية ودون إخلال بالاعتبارات المتصلة بالأمن – في مباشرة ما كان من وظائف “الأمم المتحدة” في نظام الوصاية خاصاً بالشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية للمواقع الاستراتيجية .
تقييم النظام في بداياته الأولي :
بناء علي أحكام المادة 83 من ميثاق الأمم المتحدة وعلي القرار الذي إتخذه مجلس الأمن في جلسته رقم 415 بتاريخ 7 مارس 1949 كانت الدول التالية تُقدم تقارير عن إدارتها للأقاليم التالية المشمولة بنظام الوصاية الدولية :
– المملكة المتحدة عن إدارتها لتنجانيقا والجزء البريطاني من الكاميرون .
– بلجيكا عن إدارتها لرواندا وبوروندي .
– فرنسا عن الجزء الفرنسي من الكاميرون و كل التوجولاند .
– أستراليا عن غينيا الجديدة .
– أستراليا ونيوزيلاند والمملكة المتحدة عن ناورو .
– الولايات المتحدة عن إقليم جزر المحيط الهادئ .
– إيطاليا عن إقليم الصومال .
– نيوزيلاند عن ساموا الغربية .
أنشأ مجلس الوصاية بموجب قراره رقم 1713 بالدورة العشرين بتاريخ 8 يونيو 1957 لجنة لتصنيف الرسائل الواردة من سكان الأقاليم الموضوعة تحت الوصاية , ويقوم المجلس بدراستها طبقاً لأسلوب عمل تضمنه القرار المُنشئ للجنة وذلك بمساعدة الأمانة العامة ووفقاً للنظام الداخلي للمجلس , وكان مجلس الوصاية ينظم ويقوم أعضاءه بزيارات للأقاليم التي تحت وصايته .
رأت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قراراتها رقم 558 (دورة 6) المُتخذ في 18 يناير 1952 ورقم 752 (دورة8) المُتخذ في 9 ديسمبر1953 ورقم 858 (دورة9) المُتخذ في 14 ديسمبر 1954 ورقم 946 (دورة10) المُتخذ في 15 ديسمبر 1955 , ناظرة إلي هذه القرارات جميعاً أن تعمل السلطة القائمة علي الإدارة في كل من الأقاليم المشمولة بالوصاية بإستثناء إقليم الصومال الموضوع تحت الإدارة الإيطالية , علي تضمين (أي جهة الإدارة) تقريرها السنوي معلومات تتعلق بما يلي : (1) التدابير التي إتخذتها أو التي تنوي إتخاذها للسير بالإقليم نحو الحكم الذاتي أو الإستقلال في أقصر وقت ممكن , (2) الطريقة التي إتبعتها في مراعاة الظروف الخاصة للإقليم وسكانه وللرغبات التي أعربوا عنها بحرية بالنسبة إلي هذه الأمور , (3) مدي صلاح أحكام إتفاق الوصاية الحالي , (4) تقدير الوقت اللازم لإنجاز تدبير أو أكثر من التدابير المُعدة لإقامة الظروف المُمهدة لنيل الحكم الذاتي أو الإستقلال وبلوغ الهدف النهائي .
نصت القرارات المُشار إليها علي أن يفرد مجلس الوصاية فرعاً مُستقلاً من تقاريره إلي الجمعية العامة لسرد التدابير التي إتخذتها السلطات القائمة علي الإدارة في هذه المسائل , ولاسيما التدابير التي إتخذتها لإجراء مشاورات مع السكان في كل إقليم وإنشاء الهيئات التمثيلية والتنفيذية والتشريعية وإقرار مبدأ الإقتراع العام للبالغين والإنتخابات المباشرة وتدريب السكان الأصليين وتعيينهم في مناصب إدارية عُليا وتوفير إيرادات عامة كافية ويُدرج فيه أيضاً المقررات والتوصيات التي أصدرها المجلس في هذه الموضوعات .
تنفيذا لطلب الجمعية العامة إعتمد مجلس الوصاية في قراريه رقم 1254 (دورة16) المُتخذ في 19 يونيو1955 ورقم 1369 (دورة17) المُتخذ في 16 مارس 1956 إجراء خاصاً لمعالجة مسألة نيل الأقاليم المشمولة بالوصاية الحكم الذاتي أو الإستقلال وقد طُبق هذا الإجراء فيما بعد , كما إتخذت الجمعية العامة في دورتها الثانية عشر قراراً آخر يتعلق بمسألة نيل الحكم الذاتي أو الإستقلال , إذ أشارت الجمعية العامة في القرار 207 (دورة12) المُتخذ في 13 ديسمبر 1957 إلي أنها دعت في قرارها رقم 558 (دورة6) السلطة القائمة علي إدارة كل إقليم من الأقاليم المشمولة بالوصاية إلي تقدير المدة التي يُنتظر فيها أن ينال الإقليم المعني المشمول بالوصاية الحكم الذاتي أو الأإستقلال , ثم أشارت الجمعية العامة أيضاً إلي أنها أوصت في قرارها رقم 1064 (دورة9) المُتخذ في 26 فبراير 1957 السلطات المعنية القائمة علي الإدارة بإتخاذ كافة التدابير اللازمة لتأمين نوال الحكم الذاتي أو الإستقلال في موعد قريب للأقاليم التالية المشمولة بالوصاية : تنجانيقا و الكاميرون اللتان تحت الوصاية البريطانية والجزء من الكاميرون الذي تحت الوصاية الفرنسية مع والتوجولاند ورواندا وبوروندي تحت الإدارة البلجيكية وطلبت الجمعية العامة أيضاً في قرارها 1207 (دورة12) إلي مجلس الوصاية موافاتها بتقرير عن هذا الموضوع في دورتها الثالثة عشر . * ( تقرير مجلس الوصاية عن أعمال دورتيه الواحدة والعشرين والثانية والعشرين . الجزء الأول – الجمعية العامة . الوثائق الرسمية : الدورة الثالثة عشر . نيويورك 1959)
من جهة أخري أشار دكتور Inis L. Claude,Jr في كتابة المُعنون ” SWORDS INTO PLOW SHARES وفي فصل مُستقل بعنوان الوصاية كمنهج سلام إلي عدد من المُلاحظات التقييمية لنظام الوصاية من أهمها :
– أن الوصاية لها ما يسوغها بالقياس إلي الوظيفة العامة للتنظيم الدولي في منع الحروب , ولقد نُص علي هذا المفهوم رسمياً عندما ذكر صائغو ميثاق الأمم المتحدة توطيد السلم والأمن الدوليين علي رأس قائمة “الأهداف الرئيسية ” لنظام الوصاية الخاص الذي يتعين إنشاؤه تحت إشراف المنظمة الجديدة(أي الأمم المتحدة) علي أن الربط بين الإستعمار والحرب , وبين تعديل الإستعمار والدفع بالسلام قُدماً , يمكن تحليله بطرق عديدة مختلفة .
– يتضمن مفهوم الوصاية بصفة أساسية إنكار حق عدم المسئولية السيادية وعدم شرعية المصلحة الذاتية المُطلقة كمبدأ مُوجه لسياسة الدول المُستعمرة في علاقاتها مع الشعوب التابعة لها , ونظام الوصاية يمثل محاولة لتحويل المُستعمرات من قطع من الأملاك الخاصة الخاضعة لإستغلال مالكيها إلي قطع من الأملاك العامة القابلة للتطور والنمو بمقتضي الصالح العام المُشترك , إنه نظام يستهدف جعل الشعوب التابعة تحت الوصاية المُؤقتة وجعل حكامهم وكلاء مسئولين أمام المجتمع الدولي .
– إن نظام الوصاية في كلتا حالتيه النظرية والعملية يعكس ثنائية أساسية في المنشأ والباعث فهو من ناحية جماع الإتجاهات الإنسانية التحررية التي تمتد إلي الوراء إلي عصر التوسع الإستعماري الأوروبي وهو في إصراره علي الإلزام الأخلاقي القاضي بحماية شعوب المنطقة المحكومة ضد سوء المعاملة ورعاية مصلحتهم ورفاهيتهم يعني العمل الإيجابي .
– إن نظام الوصاية مزيج من النفاق والنزعة إلي الإصلاح وهو يعير نفسه للزخرف الإيدولوجي , كما يعير نفسه للتخفيف الحقيقي من غلواء الحكم الإستعماري , ولقد وصف Salvador de Madariaga (دبلوماسي ومؤرخ أسباني) وطأته في عصر عصبة الأمم بقوله ” إن عجوز الإستعمار الشمطاء الخيرة تضع علي نفسها ورقة تين وتسمي نفسها إنتداباً ” , بيد أن تغول العوامل السياسية ليس مجرد مثال علي تلويث وتدنيس مفهوم أخلاقي نقي صرف يتسبب في أن يهز المثاليون رؤوسهم أسفاً وأن يحرك الواقعيون رؤوسهم علماً ببواطن الأمور . إن الإشتقاق والتلوين السياسيين لنظام الوصاية مُكملان لطبيعته ومُتممان , فنظام الوصاية علي حد التعبير الإصطلاحي لـ Hessel . Duncan Hall (مؤرخ بريطاني) ظاهرة من ظواهر ” الحدود الدولية ” وشكل جديد وأكثر تعقيداً إتخذ نماذج مختلفة تتفاوت من دولة حاجزة Buffer State إلي مناطق مشمولة بالإدارة الدولية وأستخدم كأداة إصطنعتها الدول لإقرار الإستقرار في المناطق التي تتقارب فيها مصالحها في نقطة واحدة , فهو بهذه الصفة مشروع لحماية مصلحة العالم في السلام , كما يمكن إعتبار الوصاية مشروعاً لإيجاد حل مُوفق وتراض مُتبادل بين المطالب القديمة لحكام العالم الأوروبيين والمطالب الجديدة للدول الناشئة الجديدة والشعوب المُتلهفة علي إبطال السيطرة الأوروبية ومن ثم فهو مفهوم للملائمة السياسية بقدر ما هو مثل أعلي للتقدم الإنساني نحو الخير .
– إستطاعت حكومة الولايات المتحدة أن تصل إلي إتفاق داخلي بشأن مشروع التفاوض علي إقرار نظام للوصاية من قبل الأمم المتحدة علي جزر المحيط الهادئ التي كانت واقعة تحت الإنتداب الياباني سابقاً بإقناع الموظفين الرسميين للقوات والإدارات العسكرية بأن مثل هذا التدبير من شأنه أن يعطي الولايات المتحدة السلطة القائمة بالإدارة وحقوق السيادة المُساوية تماماً لتلك الحقوق التي كان من الممكن إكتسابها بالضم المباشر .
– ذكر ميثاق الأمم المتحدة إمكانية أن تأخذ الهيئة الدولية علي عاتقها مهمة السلطة الحاكمة في أقاليم معينة ولكنها حافظت علي المبدأ العملي الطبيعي الذي رُوعي بإضطراد حتي الآن والذي يقضي بأن الإدارة الفعلية لمناطق الوصاية ينبغي أن يُعهد بها لحكومة إحدي الدول , ومن الوجهة العملية , كان معني ذلك أنه في ظل الأمم المتحدة كما كان في ظل عصبة الأمم فإن الدول التي كانت لديها دعوي كافية بالنسبة للأقاليم التابعة أو نفوذ كاف بحيث ترتقي إلي مصاف الأطراف التي تعتبر موافقتها ضرورية لوضع هذه الأقاليم تحت النظام الدولي , هذه الدول سُلم بقبول أن تكون هي السلطات الإدارية المُعينة من قبل نفسها وكان الإستثناء الوحيد هو حالة إيطاليا في الصومال الإيطالي .
– عملت الكتلة المُضادة للإستعمار بهمة وعزم لإمتداد وتوسيع مضامين الوصاية الواردة في الفصل الحادي عشر من ميثاق الأمم المتحدة ونجحت في إقرار المبدأ القاضي بأن إدارة كل الأقاليم غير المُتمتعة بالحكم الذاتي ينبغي أن تخضع للإختبار الدولي وللنقد بنفس الطريقة التي تخضع لها إدارة المناطق المشمولة بالوصاية .
– من الواضح أن الدول الإستعمارية أقل رغبة وإستعداداً لقبول التطبيق الواسع لمبدأ الوصاية أكثر مما بدا عليه الأمر عام 1945 , علي أن نصوص الميثاق المُتعلقة بالأقاليم غير المُتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم المشمولة بالوصاية أثبتت أنها تتضمن تدخلاً خارجياً أكثر مما إستطاعت الدول القائمة بالإدارة أن تهضمه وتستسيغه وأنها تترك مقداراً من عناصر الحكم السيادي في أيدي الدول القائمة علي الإدارة أكثر مما تطيقه الدول المُناهضة للإستعمار وترغب في السماح به .
– هناك فشل آخر لحق بنظام الوصاية للأمم المتحدة , فلقد أخفق هذا النظام في إنجاح الإقرار الذي له مغزي لمبدأ أن الإقليم المشمول بالوصاية هو منطقة دولية حيث لا تستطيع دولة أن تأمل في شيئ أكثر نفعاً وفائدة لمصلحتها من إمتياز تحمل عبء ثقل المسئولية .
موقف حكومة جنوب السودان من مقترح فرض الوصاية الدولية :
رداً علي تجدد طرح هذا المُقترح صرح Ateny Wek Ateny , المُتحدث باسم رئاسة جمهورية جنوب السودان في تصريح نُشر له في 5 فبراير 2017 عن رفض بلاده مرة أخري مُقترح وضع جنوب السودان تحت نظام الوصاية , وأوضح ” إن المجتمع الدولي يجب عليه أن يُؤيد تطبيق إتفاق السلام الذي رعاه الإتحاد الأفريقي , وليس فرض نظام وصاية خارجية , وأننا حققنا الإستقلال من خلال إستفتاء وقرر شعب جنوب السودان قرار لمصلحة بلاده , لذلك ليس لأي من كان أن يكون أفضل من شعب جنوب السودان ” ووصف المتحدث الرئاسي المسئوليين الجنوبيين الذين تداولوا هذا المُقترح بقوله ” إنك لتجد دائماً أصوات لأقلية تتمني شيئاً ما مختلف كلية عما يقوله شعب أي دولة ” , ومن جهة أخري أوردت شبكة africanews في تغطيها لذلك الخبر في 5 فبراير 2017 أن أوغندا رفضت المقترح واصفة إياه بأنه تدخل من شأنه جعل الموقف الأمني بجنوب السودان أسوأ , ونقلت Reuters في 3 فبراير عن Okello Oryem وزير الخارجية الأوغندي قوله ” إنني لا أعتقد أن هذه فكرة جيدة , فهذه عقلية إستعمارية , وإذا ما كانت هناك ثمة محاولة للوصاية في جنوب السودان , إذن فإني أعتقد أنه حتي جانب Machar ( خصم الرئيس Salva Kiir في الحرب الأهلية الجارية) سيقاوم ذلك ويقاتل ضده , إنها فكرة يجب ألا تُطرح” .
كانت وكالة الأنباء الصينية Xinhua في نشرتها في 4 أغسطس 2014 قد تناولت هذا المُقنرح عند طرحه في نهاية يوليو 2016 فأوضحت أن حكومة جنوب السودان سوف ترفض أي مُقترح بوضع الدولة تحت وصاية الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي بعد أن دحرت قوات المعارضة المُسلحة بعد قتال شرس في يوليو 2016 , ونقلت الوكالة عن Paul Akol Kordit نائب المتحدث باسم حكومة جنوب السودان قوله ” إن جماعة من المحامين يتزعمهم Pagan Amum الأمين العام السابق للجيش الشعبي لجنوب السودان (يقيم حالياً بالولايات المتحدة وهو من منتقدي الرئيس Kiir) يضغطون في إتجاه وضع جنوب السودان تحت وصاية الأمم المتحدة , ولسوف يرفض شعب جنوب السودان وحكومة الوحدة الوطنية ذلك ” , وأضاف Akol قوله ” من المُؤسف أن يكونPagan Amum من بين هؤلاء الذين شاركوا في الحرب التي أدت إلي إنفصال بلادنا عن السودان عام 2011 , ونجده يتكلم عن الوصاية علي جنوب السودان وإني لأهيب به فأقول له إن هذا هو الوقت الذي يجب علينا فيه أن ندفع بجنوب السودان للأمام ” .
من الطبيعي والمتوقع أن ترفض نظام الوصاية أو الإدارة الدولية لجنوب السودان حكومة الرئيس Kiir وبقوة أكثر كثيراً من التمرد الذي في تقديري يجد في مقترح فرض الوصاية تحييداً لدور الرئيس Kiir مالم يكن إنهاء له , وكذلك فإن فرض الوصاية سيؤدي وهذه هي مهمة الوصاية الأولي إلي محاولة تذويب العامل القبلي الأثني الذي يعتبره الرئيس Kiir ميزة له بإعتباره من أبناء أكبر قبائل جنوب السودان وهي الدنكا وبالتالي فهو العامل الذي يوفر له تفوقاً سياسياً دائماً وغلبة عسكرية أحياناً , ومما يؤكد ذلك رفض الرئيس Kiir مشروع القرار الذي طرحته الولايات المتحدة العم الماضي علي مجلس الأمن بدعم بعثة قوة الأمم المتحدة في جنوب السودان بنحو 4,000 رجل , ودعم Kiir في رفضه روسيا والصين ودول غير دائمة العضوية هي مصر وفينزويلا وأنجولا , لكن مع تسويات ومقايضات تقليدية بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا تم تمرير القرار وخضع الرئيس Kiir وقبل تنفيذه علي مضض , رفضه لأنه كان يستشعر أنه خطوة علي طريق مزيد من التدويل لصراعه مع التمرد , لكن إلي أي مدي سيُقاوم الرئيسKiir وبعض حلفاءه ؟ وإلي مدي ستدعمه الصين وروسيا حال طرح مقترح فرض الوصاية علي مجلس الأمن ؟ ومتي سيتم إخراج هذا المُقترح من ذهن الدبلوماسية الأمريكية التي تحاول إيهام البعض والآخرين بأن لا صلة لها بالمقترح مع أنه سبق لها تنفيذه بشكل غير مباشر في نامبيا ونُفذ في الكونجو كينشاسا ؟ .
موقف الولايات المتحدة :
لم يصدر عن الخارجية الأمريكية حتي الآن موقف رسمي يعبر عن وجهة الرسمية في مقترح السفير Lyman المبعوث الأمريكي السابق للسودان وجنوب السودان , ومع ذلك فقد أثار مُقترح السفير Princeton Lyman وجهات نظر متباينة وإعتراضاً من دبلوماسسين أمريكيين وعلي رأسهم المبعوث الامريكي الحالي للسودان وجنوب السودان السفير Donald Booth الذي قال ” أن الأمم المتحدة لا سلطة لها كي تضع بلداً آخر مُستقل تحت إدارتها المباشرة وأن أمراً كهذا لن يحظي بدعم الولايات المُتحدة , إن الموضوع يتعلق بالسيادة وأعتقد أن عليك أن تكون لديك فكرة عن كيف سيستقبلونها في جنوب السودان ” , من جهة أخري وخلال جلسة إستماع للجنة الفرعية للشئون الخارجية بالكونجرس بواشنطن في الأسبوع الأول من سبتمبر 2016 أشار السفيرPrinceton Lyman بأن دول منظمة IGAD بحاجة إلي تقوية الدور الرقابي للجنة المُشتركة للرصد والتقييم Joint Monitoring and Evaluation Commission أو JMEC لإنفاذ التطبيق الكامل لإتفاقية أديس أبابا للسلام في جنوب السودان , وقال أنه يجب زيادة صلاحيتها لتشمل القبض علي القادة المسئولين عن إنتهاك هذه الإتفاقية , وأقترح بأن تتولي الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي إدارة جنوب السودان , وكرر السفير Lyman القول بأنه يجب أن تكون هناك إدارة دولية للرقابة لجنوب السودان , وأنه بدون ذلك فلن نري كيف أن خطة السلام ( إتفاقية أديس أبابا) يمكن أن تتحرك للأمام , ونوه بأن هذه الإدارة الرقابية علي علي عملية السلام يجب ألا تكون مُعتمدة علي قادة جنوب السودان حتي يمكن تنفيذ التحول السياسي, كما أشار إلي أنه مالم تدعم منظمة IGAD نظام وصاية الأمم المتحدة , فإن سلطة JMECيجب أن يتم تقييمها لتشمل أن تكون قادرة علي التصرف عندما يرفض الأطراف تنفيذ إتفاق السلام كما هو , فهذا الكيان أي JMEC يجب أن يكون قادراً علي القيام بتعيينات مفتاحية والبدء في عملية صناعة الدستور, ذلك أن دور JMEC في نطاق خطة السلام ودور Festus Mogae (رئيس بوتسوانا السابق ورئيس لجنة JMEC) يتم في ميكانيزم خال من السلطة الحقيقية علي الأطراف .
لا يفتقد المسئوليين الأمريكيين القدرة علي تقدير المدي الحقيقي للحرب الأهلية في جنوب السودان ففي 18 أغسطس 2016 أدلت السيدة Linda Thomas-Greenfield مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشئون الأفريقية بتصريح لإذاعة صوت أمريكاVOA أشارت فيه إلي ” شعب جنوب السودان قد عاني لسنوات عديدة وبعد عامين من إستقلالهم تعرضوا للتعذيب والتحرش وأضطروا للجوء مرة أخري لإفتقاد قياداتهم الرئيسية لأصول القيادة ” , لكن في تقديري أن الولايات المتحدة نفسها أول من أخطأ في حق الجنوبيين قبل إتهامهم لهذه القيادات الجنوبية الداخلة في كهوف التاريخ , ذلك أن الولايات المتحدة تعلم يقيناً عدم إستعداد جنوب السودان شعباً وقيادة لتشغيل دولة لتجذر الخلافات القبلية ولأن القيادات المُصطفة أمام شعب الجنوب هم أصلاً قادة تمرد إي أن خبراتهم حصرياً في التمرد وأذهانهم ستنصرف عندما يسيطرون علي السلطة إلي خبراتهم في التمرد وإلي جذورهم القبلية , أما العامل الديني فليس كما حاول الإعلام والسياسة الأمريكية تسويقه للعالم علي إعتبار أنه السبب الرئيسي في صراع شمال السودان مع جنوبه …. كان العامل الديني واجهة في حالة صراع الشمال مع الجنوب وأستنفذ الإعلام الأمريكي أغراضه منه , أما الآن فيتحكم العامل القبلي في الأزمة والحل معاً للصراع والحرب في الجنوب فهل لدي السياسة الأمريكية من حل ؟ .
تحاول السياسة الأمريكية كبح موجات الحرب الأهلية بالجنوب عن طريق الإندفاع بمجلس الأمن حتي 20 ديسمبر 2016نحو إتخاذ قرار بحظر السلاح لجنوب السودان, لكن المصالح الروسية والصينية تقف عقبة كؤود أمام هذه الوسيلة غير المضمونة لوقف الحرب , ولهذا فإنه في تقديري فإن وقف التحرك الأمريكي للحصول علي قرار من مجلس الأمن بحظر السلامح مُرتبط في علاقة سببية بطرح بديل فرض الإدارة الدولية الإنتقالية علي جنوب السودان , بإعتبارأن ذلك – يقيناً – لن يكون إلا بمشاركة صينية وروسية وفي هذه الحالة فإن مصالحهما مصانة ولنا في برنامج النفط مقابل الغذاء الذي طبقته الأأمم المتحدة في العراق أسوة – وهو في تقديري كان نمطاً من أنماط الوصاية الدولية – وعليه فإنه من المتصور علي الأقل مناقشة أمريكية / صينية / روسية وراء الكواليس لهذا المُقترح الذي يحتاج نظراً لخطورته إندفاعاً ديبلوماسياً من ثلاثتهم لتسويق المقترح في الجمعية العامة ومجلس الأمن , ولا ننسي أن إستقلال قبرص تم بإتفاق ضمان ثلاثي ضم بريطانيا وتركيا واليونان وتحت هذا المعني يمكن تصور تطبيق مقترح يعتمد فكرة الضمان فهذه الفكرة تجدها في إتفاقية إستقلال قبرص عام 1960 وفي تطبيقات الوصاية علي إختلاف حالاتها .
أما من جهة الإعلام الأمريكي ففي الحيز المحدود المُتاح لإثارة قضايا أفريقية فيه مثل قضية الحرب الأهلية في جنوب السودان وما يتصل بها من تداعيات كهذا المُقترح , فنجد علي سبيل المثال عدة تعليقات بحثية وصحفية أشارت إلي هذا التطور النوعي المُتعلق بالحرب في جنوب السودان وكيفية إنهاءها ومنها تعليق SIMON ALLISON علي هذا المُقترح في موقع معهد الدراسات الأمنية ISTITUTE FOR SECURITY STUDIES بتاريخ 3 أغسطس 2016 حيث أشار إلي ” إن إزالة حكومة جنوب السودان المُنتخبة ووضع نوع ما من السلطة الدولية الإنتقالية يعد بلا شك مُقترحاً راديكالياً ” وأشار السيد ALLISON إلي أنه لاشك في أن هذا المُقترح ليس مُقترحاً رسمياً , إلا أنه لابد وأن كل من السفير Lyman والسيدة Knopf ناقشاه علي أعلي مستوي دبلوماسي أمريكي , وأوضح السيد ALLISON أن مفهوم الوصاية ينصرف علي معني قبض كيان دولي علي حكم كيان ذا سيادة إلي أن يأتي ذلك الوقت الذي يكون هذا الكيان مُستعداً لحكم نفسه بنفسه , إذن ليست هذه بالفكرة الجديدة , ففي الحقيقة فإن نظام الوصاية الدولية كان أحد المؤسسات الأصيلة بالأمم المتحدة , فهو قد صُمم للإشراف علي وحكم 11 منطقة بالعالم كانت تحت سلطة الأمم المتحدة , وإلي وقت قريب جداً جرت تغييرات علي نموذج الوصاية بإقليم Kosovo وتيمور الشرقية حيث تولت الأمم المتحدة الجانب الأهم من أعمال السيادة قبل تسليم السلطة للسلطات المحلية , وفيما وراء القضايا العملية الواضحة مثل من ذا الذي سيدفع تكلفة حكومة إنتقالية دولية ؟ , والتي ستكون بالقطع أبهظ من تقديرات Lyman و Knopf لها , فإن هناك ثمة عدد من العقبات مشابهة إلي حد ما تعمل في جنوب السودان ” , كذلك وفي إتجاه آخر كتب Alex Newman علي موقع New American في3 فبراير 2017 أنه وفي غمار الصراع الجاري بجنوب السودان تحاول كل من الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي التآمر بفرض نظام تقيمه الأمم المتحدة علي هذه الدولة الأفريقية ذات السيادة , وبإختصار فسوف توضع هذه الأمة تحت ما أُصطلح علي تسميته بوصاية الأمم المتحدة وذلك بدون موافقة هذه الدولة , وبينما عبرت أغلب وسائل الإعلام العالمية عن القليل من الإهتمام بالأزمة السودانية (يقصد جنوب السودان) فإن الحل العالمي المُقترح له آثار بعيدة المدي لا سابق لها ويمكن أن أن تكون خطرة جداً علي مبدأي الحكم والسيادة الوطنية , وأشار الكاتب إلي أن هذه الدعوة لفرض الوصاية علي جنوب السودان ظهرت أول ما ظهرت في نوفمبر 2016 بإعتبارها المسار الوحيد لحماية سيادة جنوب السودان وتكامل أراضيه وإستعادة الشرعية وتعزيز الوضع السياسي لمواطنيه من خلال إدارة دولية مُؤقتة أو إنتقالية تتأسس بمعرفة الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي كما أشارت إلي ذلك السيدةKatherine Almquist Knopf مدير مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية في تقرير خاص لها لمجلس العلاقات الخارجية المُمول بمنحة من مؤسسة Carnegie Corporation بنيويورك , ووصف كاتب المقال بأن هذا الأمر برمته غير واضح , فيما كتب John A. Akec وهو مثقف جنوبي آخر يعمل مستشاراً لجامعة Juba بجنوب السودان علي موقع Jamiiradio في 27 يناير 2017 مقالاً عنوانه ” قوة الأمم المتحدة للحماية بجنوب السودان وصاية وإن كانت تحت مسمي آخر ” .
الدراسة المُقارنة بين التناول والجهد الأمريكي لتسوية القضية الفلسطينية وتنفيذ ما ورد برؤية الرئيس الأمريكي جورج بوش الخاصة بإقامة دولتين علي أرض فلسطين وخارطة الطريق التي كان من المفروض إنجازها عام 2005 وبين التناول الأمريكي لقضية جنوب السودان الذي أفضي إلي فصل جنوب السودان وإقامة دولة في الجنوب , هذه الدراسة تمدنا بمعطيات ونتائج هامة وربما مفيدة , وعلي أية حال فالخلاصة العامة لهذه الدراسة المقارنة يمكن أن تُظهر لنا أنه رغم أن فصل جزء من جسم دولة قائمة بالرغم من أنه عمل غاية في الصعوبة إلا أن الدبلوماسية وأجهزة أخري رئيسية وقادرة بالولايات المتحدة أنجزته وبكفاءة , فيما العمل الأقل صعوبة ألا وهو إقامة دولة للفلسطينيين علي أرض هم موجودين عليها كان ثقيلاً علي الدبلوماسية الأمريكية وذلك ربما مرجعه إلي أن إسرائيل ككيان مرتبطة عضوياً بالذهنية الروحية الأمريكية “المجيئية ” .
موقف أوغندا :
أوردت شبكة africanews في 5 فبراير 2017 ضمن تغطيتها لموضوع إقتراح فرض الوصاية علي جنوب السودان , أن أوغندا كما تقدمت الإشارة رفضت المقترح واصفة إياه بأنه تدخل من شأنه جعل الموقف الأمني بجنوب السودان أسوأ , ويأتي الموقف الأوغندي في سياق أزمة حادة تسبب فيها تدفق اللاجئين من جنوب السودان لأوغندا والذين بلغ عددهم حتي الآن 400,000 لاجئ بواقع 3,00 لاجئ يومياً مما يعني أن الموقف الرافض من أوغندا لمقترح فرض الوصاية إما أن له علاقة بالمبادئ ومنها مبدأ السيادة وهذا ما أستبعده أو الخشية من تنميط مبدأ فرض الوصاية علي دول مُرشحة لحروب أهلية لا يُستبعد إستثناء أوغندا منها .
إثيوبيا :
لم يصدر عن إثيوبيا تعليق أو حتي إشارة عامة لمقترح فرض الوصاية علي جنوب السودان , بينما العلاقات الثنائية بين جنوب السودان متوترة إلي حد ما في الفترة الأخيرة بعد زيارة الرئيس Kiir الأخيرة للقاهرة في 10 يناير 2017 وتكرار نشر تقارير صحفية عن صفقة قذرة Dirty Deal بين دول تحالف ثلاثي يضم أوغندا ومصر وجنوب السودان يستهدف في جز منه إدارة نشاط هدام ضد إثيوبيا , وهو ما نفاه دبلوماسياً سفير جنوب السودان في أديس أبابا , لكن يُلاحظ أن القاهرة – وقد نفت ذلك – قام سلاحها الجوي بقذف مناطق في ولاية أعالي النيل ضد مواقع التمرد علي الرئيس Kiir , وهو عمل نأت عنه أديس أبابا التي إستضافت مفاوضات أدت إلي توقيع إتفاق سلام أديس أبابا المُنهار حاليا في أغسطس 20155 وهو دور لم تضطلع به القاهرة مما قد يلقي بظلاله علي المواقف الإقليمية لو عُقدت مقارنة بشأن توجهاتها إزاء الحرب الأهلية في جنوب السودان .
تتأثر إثيوبيا وبدرجة أقل من أوغندا بموجات اللجوء إليها من جنوب السودان , إذ بلغ عدد اللاجئين الجنوب سودانيينالذين عبروا الحدود الإثيوبية منذ يناير 2017 4,833 وفقاً لمصادر الأمم المتحدة أقيم لهم معسكر في مدينة Gambella الحدودية مؤخراً .
مصر :
لم تعلق مصر للآن علي ما يتردد بقوة عن مقترح فرض الوصاية علي جنوب السودان , لكن تنفيذه سيكون له أثر سلبي علي الجهود المتنوعة التي بذلتها مصر لبناء علاقة تقع ما بين التحالف وبين إلتقاء المصالح القائم علي عداء كامن في القاهرة وأبوجا للخرطوم ولأديس أبابا لأسباب متعددة معظمها معلن , لكن وبالقطع فإنه في ضوء التحالف الثلاثي بين القاهرة وجوبا وكمبالا يمكن القول أن القاهرة ترفض بالقطع هذا المقترح خاصة وأنه من الوجهة العملية أن القاهرة تبنت في مجلس الأمن موقفاً داعماً ومنسقاً مع جوبا فيما يتعلق برفض قوة إضافية لدعم بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان والذي مُرر فيما بعد ورفضت أيضاً مشروع قرار أمريكي – ما زال مُعلقاً – بفرض حظر علي السلاح لجنوب السودان , هذا بالإضافة لدعم عسكري وفي مجالات التعليم والصحة والري ( محصور في إحتياجات الري لجنوب السودان وليس الثنائي) .
كانت رؤيتي التي أوضحتها في 2 يناير 2011 لتعامل مصر مع جنوب السودان من بين أمور أخري أوضحتها هي كالتالي : ” أعتقد أن النقص الذي سيطرأ في نظرية أمننا القومي في السودان نتيجة إقامة دولة جنوب السودان يجب أن تطرأ مقابله زيادة في جانب المزيد من التنسيق والرؤية المشتركة بين جهازي الأمن والمخابرات في القاهرة والخرطوم فنشأة دولة بجنوب السودان المفروض أنها عبء أمني علي العاصمتين وهم مشترك ” …. ” نخطئ لو إعتقدنا أن المخاطر المائية هي الأكبر أوهي وحدها فقط مدعاة للقلق الأمني المصري فالذي يتجاوزها هو أنه قد أُضيفت مساحة حرة لإسرائيل بدعم أمريكي للعبث إنطلاقاً من جنوب السودان في منطقة أكبر قاربت علي تنفيذ تخطيطها السياسة الأمريكية وهي القرن الأفريقي الكبير( دولة جنوب السودان جزء مُتمم لمشروع القرن الأفريقي الكبير) , فإسرائيل أقتربت من جهة أخري من ظهر الصومال ودرافور بل وشمال السودان الذي هو بدوره ظهر مصر , ولذلك فهناك ضرورة حتمية لربط الإتجاهيين الإستراتيجيين الجنوبي والشرقي لقواتنا المسلحة ببعضهما لأن بينهما مع إقامة دولة جنوب السودان قواسم خطر مشتركة ” …… ” إن نجحت إسرائيل – وبعون أمريكي – في القبض علي مفاتيح الإدارة والسياسة في جنوب السودان وهذا مرجح , فسيكون علي مصر الإقتراب مبكراً من العمل الميداني بجنوب السودان وأول تحرك مناسب وبلا إبطاء هو فتح مكتب عسكري مصري بجنوب السودان ” ….” دولة جنوب السودان هي الــ BUFFER ZONE لما يُفترض أنه إتجاهن مصر العسكري الإستراتيجي الجنوبي فهي ستحول بيننا وبين منابع النيل الأبيض في أوغندا ( حيث 15% من مواردنا المائية من النيل ) وهي كذلك ستحجب نصف مساحة جبهتنا المفترضة مع أثيوبيا , ومن ثم فهناك ضرورة لرصد كل مشروعات الطرق بين الحالية والمرتقبة بين دولة جنوب السودان وكلا من أثيوبيا وأوغندا وكينيا وما يتحرك عليها وله صلة بأمننا القومي ( هي نظرة مثالية ولكنها قد تكون ضرورية وقتاً ما) فشبكة طرق هذه الدولة بيان عن بعض مؤشرات الأمن القومي لهذه الدولة ودالة لنا علي ماهو مع أو ضد أمننا القومي كنتيجة ” …. ” من المؤكد أن إسرائيل ستعمل أمنياً في أوساط الجنوبيين من منطلق تسخين البؤر والنزعات القبلية لمزيد من التحكم والنفاذ من وجهة نظر إسرائيلية كما تفعل مع الفلسطينيين والعرب والفرصة المتاحة لأمننا القومي أن نتعامل مع الجنوبيين من منطلق ” المؤلفة قلوبهم ” لسببين أولاً لأنه علي المدي الطويل أسلوب يليق بدولة متحضرة كمصر ثانياً أننا قد لا نملك غير ولوج هذا السبيل الذي ربما لا يتفق مع شاهري السلاح إلا أنه قد يتفق مع الصفوة الدينية ( الكنيسة ) و / أو الصفوة المثقفة من أمثال / أبل آلير وأضرابه من الجنوبيين ” …” لابد من الآن التفكير في تكوين لجنة مشتركة مع داخلية جنوب السودان وذلك في سياق الإستعداد الأمني لبحث طرق التعامل مع الجنوبيين في حركتهم من جوبا للقاهرة وبالعكس أي حركة الهجرة المتوقعة من دولة جنوب السودان والإتفاق علي وضع ضوابط لها من الآن بإشتراك الأجهزة الأمنية ووزارة الخارجية في هذه اللجنة وضعاً في الإعتبار إعطاء مساحة حرة للمعاملات السياسية بيننا بين جنوب السودان علي المدي القصير وإلي أن تتضح الأمور في مدي قوة أو ضعف قبول أو رفض الجنوبين للأوضاع في الجنوب , ويمكن في تطور لاحق وصيانة لمصالحنا مع الجنوبيين تشكيل لجنة هجرة للإحاطة بالمشاكل القنصلية وتسلل الجنوبيين لإسرائيل أو غيرها ” , …. ” دولة جنوب السودان نشأت عقب صراع مسلح تلاه مشوار تفاوضي إنتهي بإتفاقية وُقعت في نيفاشا بكينيا عام 2005 نصت في أحد موادها علي تقرير مصير الجنوب , ولم تتحدد بعد وبصفة نهائية حدود دولة الجنوب مع الشمال في عدد من المناطق أهمها جنوب كردفان وأبيي وبالتالي فلا يمكن القول بصفة قاطعة أن الصراع بين شمال السودان وجنوبه قد إنتهي وعليه فإن التحرك الإقتصادي المصري مع جنوب السودان لابد وأن يتسق مع توافر المعاملات المتفق عليها دولياً في إنشاء العلاقات والتعاون الإقتصادي وأهمها توفر درجة مرتفعة نسبياً من الإستقرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي في جنوب السودان وهو أمر لا يُتصور توفره علي المدي القصير مما يجعل من مجالات رئيسية في تعاوننا الإقتصادي مع هذه الدولة يأتي في مرحلة تالية علي تحركنا السياسي و الأمني” .
السودان :
لم يصدر عن السودان موقف رسمي يتعلق بمثقترح فرض الإدارة الإنتقالية الدولية علي جنوب السودان , وإن كان من المتصور , أن هذا المقترح بفرض تطبيقه سيكون مفيدا لحكومة السودان في إتجاهات مختلفة أهمها تضييق حيز الدعم العسكري واللوجيستي الذي تتمتع به المعارضة الشمالية المسلحة من جانب حكومة الرئيس Salva Kiir وبالرغم من ان حواراً وطنياً جري في السودان مؤخراً إلا أن القتال كان مُستمراً في دارفور وجنوب كردفان وولاية النيل الأزرق , ومن الفوائد المُحتملة أيضاً أنه سوف يتم تناول مشاكل الحدود العالقة بين حكومة السودان وحكومة جنوب السودان خاصة في Abyei بطريقة مختلفة إن طُبقت الوصاية علي الجنوب , ولا يجب إغفال الإرتباط بين تخفيف الولايات المتحدة لعقوباتها المفروضة علي السودان منذ عهد الرئيس بيل كلينتون للآن وبين تحول الأوضاع لمنحي كارثي في جنوب السودان خرج معظمه من يد السيطرة والقدرات الأمريكية , وتعلم الولايات المتحدة إلي أي مدي هو مُؤثر الدور السوداني في دعم ريك مشار بل وكذلك قدرات الوصول والإرتباطات السودانية بجزء من الموالين للرئيسSalva Kiir وقدرات الأمن السوداني وإحاطته بكل مجريات الوضع في جنوب السودان وبعمق قد لا يتوفر حتي للمؤسسات الأمنية الأمريكية علي قدر قدراتها المالية القوية , والسودان ليس بحاجة للتعليق علي هذا المقترح لكنه سيكون مفيداً له علي أية حال – إن أحسن السودان إستخدام ما يحوزه من إمكانات فيما يتعلق بجنوب السودان – لكن الإعلام السوداني وبعضه مُدار أمنياً يمكن من خلاله الإستدلال علي القليل من رؤية حكومة السودان للموقف في هذا الشأن , وخلاصة القول أنه وبفرض تطبيق الإدارة الدولية الإنتقالية علي جنوب السودان فإن ثمة إنعكاسات متعددة ستكون في مجالات شتي منها علي العلاقات البترولية بين جنوب السودان وشماله خاصة ما يتعلق تصريفه عبر ميناء بورسودان , كما أن أيضاً هناك مشاكل مزمنة أخري بين الحكومتين منها الهجرة التي قد تتوقف بل قد تكون عكسية إن طُبق هذا النظام والحدود – كما سلفت الإشارة – كما أن العلاقات السودانية بكل من إثيوبيا وكينيا وأوغندا بغياب القوي الحالية – أطراف الحرب الأهلية في جنوب السودان – من المُحتمل أن يلحقها تغييرات معظمها إيجابية جراء وضع الجنوب تحت الوصاية الدولية .
كينيا :
تستفيد كينيا من الوضع الراهن أي من الحرب الأهلية بجنوب السودان فمعظم الصادرات والواردات لجنوب السودان نقطتها النهائية موانئ كينيا وتحديداً ميناء Lamu , كما أن بعض مصارف كينيا مُتخمة بالمال الحرام الذي أينع وزاد مع بداية وإستمرار الحرب الأهلية في الجنوب بل وقبلها إذ أن أشجار الفساد تنمو وتطول في الجنوب حيث البيئتين السياسية والإدارية حاضنة للفساد وإنعدام الذمة , ويكفي الإشارة إلي أنه إبان الصراع بين الشمال والجنوب بقيادة جارانج كان هناك معسكر علي الحدود الكينية / السودانية يُستخدم كمستودع للدعم العسكريالأمريكي والتدريب لعناصر التمرد الجنوي وقد إستفاد من هذا الدعم مالياً الرئيس آراب موي وعائلته أيما إستفادة مع أمور أخري , ولهذا فإذا ما طُبق نظام الإدارة الإنتقالية الدولية في جنوب السودان فستنمو أكثر الفوائد التي قد تجنيها كينيا من الوضع الجديد إلي أن يصبح وضعاً مثالياً للخزانة الرسمية الكينية ولجيوب كبار المسئولين وصغارهم بدرجة أقل , بل وقد تسعي كينيا للعمل علي إستطالة فترة تطبيق هذه الإدارة إن أمكنها ذلك .
رأي الخبراء :
– يقول Remember Miamingi وهو خبير قانوني من جنوب أفريقيا أن الأحوال في دولة جنوب السودان الناشئة حديثاً لم تصل بعد للمستوي المطلوب لتطبيق نظام للإدارة الدولية الإنتقالية ITA , وأعتقد أنه في بعض الحالات القصوي لفشل الدولة يمكن لهذا النظام أن يكون علاجاً ملائماً , وأضاف أن أن الوصاية الدولية لم تنجح إلا في تيمور الشرقية و Kosovo فقط حيث كانت الأطراف المُتحاربة وصلت بصفة تبادلية إلي حالة من الجمود الضار ودعم ذلك أن قسم من المجتمعين هناك كان مُستعدا لنظام الإدارة الدولية ITAs , وهذا النظام أحري تنفيذه في بلد به فراغ سياسي حقيقي , أو أن الأطراف السياسية الداخلية تحولت إلي شظايا مما يستدعي عملاً جماعياً بمعرفة الأمم المتحدة لتسهيل عملية المُشاركة في السلطة (الحقيقة التي تغيب عن ذهن السيد Miamingiأن طرفي الحرب الاهلية غير جديران بإقتسام السلطة) , أو أن الأطراف الداخلية من العنف أو إنعدام الثقة فيهم أو بسبب إنتهاكهم الأجهزة الداخلية أو الإتفاقيات , وبالتالي فإن نظام الإدارة الدولية الإنتقالي في حالة جنوب السودان يجب أن يكون الملاذ الأخير , وأن هناك ثمة خيارات أخري يجب تجربتها قبل أن تقفز الضفدعة للجهة الأخري النائية منها خيار الأخذ بإدارة تكنوقراطية مع دعمها من المجتمع الدولي عند الحاجة .
– يري Joseph Oreste Odhok وهو ناشط في حقوق الإنسان يعيش كلاجئ في الخرطوم Single handedly أنه يجب تطبيق نظام الإدارة الدولية علي جنوب السودان بسبب فقدان القادة ” لروح إيجاد الدولة ” .
– يري Majak D’ Agoot النائب السابق لوزير دفاع جنوب السودان ” أن هناك حاجة عاجلة لتنظيم مؤتمر مائدة مستديرة خارج جوبا يُدعي إليه كل الفرقاء المُتحاربين لوضع خطة خريطة طريق جديدة للأخذ بيد جنوب السودان الممزق علي أن الفرضية الأولي لإستعادة السلام تكون في الإعتراف بأن إتفاقية السلام المُوقعة في أديس أبابا قد تمزقت وأنه لكي يأتي السلام فهناك حاجة لإستراحة ” .
– يري James Alic Garang وهو محلل بمركز Ebony Center for Strategic Studies بجوبا ” أن تولي الإتحاد الأفريقي لجنوب السودان لنم يحدث لأن الدول أعضاء الإتحاد ستنزلق إلي مياه مجهولة , وبجانب ذلك هناك دول عديدة بأفريقيا تعاني من مشاكل سياسية مُشابهة وليس من هذه الدول من وُضع تحت نظام ولاية الإتحاد الأفريقي , وعليه فليس من المقبول في الوقت الراهن والدول الأفريقية تمارس تقرير نفسها بنفسها أن يُؤخذ بهكذا مُقترح “
– أشار موقع AfricanArgumentsEditor في 6 يناير 2014 إلي أن الوقت قد حان لنتجرد من أوهام Delusions رومانسية عن جنوب السودان التي بالمقارنة وخلافاً للحالة التي كان عليها الكونجو البلجيكي بدأت بعد إستقلالها في 9 يوليو 2011من صفر كبير , كما أن العنف الناتج عن التنافس علي السلطة داخل صفوف الجيش الشعبي لتحرير السودان بدأ حتي قبل سنين علي إستقلال الجنوب , كما أن Riek Machar بدأ هو الآخر قتاله من أجل السلطة عام 1991بدعم من الخرطوم , وحالة جنوب السودان تتشابه إلي حد كبير مع حالة الكونجو البلجيكي , كما أن الأمم المتحدة وبعد إستقلال هذا البلد ببضعة شهور فرضت وصاية أو Tutelage وهو ما قبلته القلة المُتعلمة في الكونجو البلجيكي دون أن تجأر بالشكوي , كما أن نامبيا هي الأخري حالة دير بنا أن نهتدي بها في التعامل مع الوضع في جنوب السودان إذ أنه بين ديسمبر 1988 وحتي مارس 1990 كان هناك وضع إنتقالي في هذه الفترة مع الوضع في نامبيا كان مُختلفاً لأن نامبيا كانت تحت وصاية الأأمم المتحدة بعد أن إنتقلت نامبيا من يد الإحتلال الألماني إلي يد جنوب أفريقيا عام 1918 وللأسف فلم تطبق جنوب أفريقيا ولايتها بإنضباط لمنح الإستقلال لنامبيا وأدارتها داخل نظام الفصل العنصري إلي أن أفلحت الضغوط الأمريكية في حمل جنوب أفريقيا علي الدخول في مفاوضات للسلام في إقليم جنوب غرب أفريقيا ” نامبيا” بمشاركة من أنجولا وكوبا وبعد عامين من تفاوض ماراثوني قادته الولايات المتحدة من خلال Chester Crocker مساعد وزير خارجيتها للشئون الأفريقية تم عام 1988التوصل لإتفاق إستقلال نامبيا وأقترح المفاوضون علي إتفاق ديسمبر 1988 علي قرار ” حكيم ” قضي بوضع البلاد في مرحلة إنتقالية لمدة 15 شهر تواجدت فيها قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والمدنيين لإعداد نامبيا لنيل الإستقلال التام في مارس 1990 , أما في الحالة الراهنة لجنوب السودان فإن وقفاً لإطلاق النار يجب أن يعقبه نقاش عام مُوسع في مجلس الأمن يؤسس لولاية للأمم المتحدة علي جنوب السودان مشابهة لتلك التي أُرسيت من أجل الكونجو البلجيكي عام 1960 .
– عارض مُثقفون جنوبيون دعوة المبعوث الأمريكي السابق لوضع جنوب السودان تحت الوصاية الدولية ومن هؤلاء PaanLuel Wël وهو مدون دارس للقانون والفلسفة بالولايات المتحدة وكتب في مدونته في 25 يوليو 2016 ” إن السودان ليس دولة فاشلة كي تُوضع تحت وصاية الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي ” ( إحتل جنوب السودان المركز الثالث عام 2011من بين الدول العشر الأولي الهشة علي مستوي العالم ثم وفي عام 2016إحتلت المركز الثاني علي مستوي العالم بعد الصومال) , ودعي كل من السفير Princeton Lyman وزميلته Kate لإلزام بلدهما والمجتمع الدولي بدعم حكومة الوحدة الوطنية الإنتقالية لتطبيق إتفاق حل الصراع في جنوب السودان .
رؤية تقديرية لمقترح الإدارة الدولية الإنتقالية لجنوب السودان :
من الوجهة الشكلية :
– هناك ملاحظة أساسية في مقترح السفير Princeton Lymanوهي أنه لم يذكر أو يستخدم صراحة مُصطلح Trusteeship وإنما إستخدم مُصطلح ” إدارة الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي ” , كما أنه تجاهل تماماً الإشارة إلي ما ورد بميثاق الأمم المتحدة عن الوصاية في الفصلين الثاني عشر والثالث عشر عن نظام الوصاية الدولية ومجلس الوصاية علي التوالي اللذين تضمنا المواد من المادة 75 حتي المادة 91 , وفي تقديري أن ذلك مرده إلي الطبيعة العملية للسفير Lyman الذي عايش بنفسه بحكم مهمته كمبعوث لبلاده للسودان وجنوبه مدي المعاناة والأزمة الإنسانية التي وصلت إلي حد الإبادة الجماعية وفقاً لما حذر منه Adama Dieng مستشار أمين عام الأمم المتحدة للإبادة الجماعية وصرح به في 11 نوفمبر 2016 للصحافة المحلية في نهاية زيارته لجنوب السودان حيث قال ” إن هناك خطر كبير من تصاعد العنف ومن إمكانية حدوث إبادة جماعية لأسباب عرقية ” وهو ما عارضه Michael Makuei وزير إعلام جنوب السودان بقوله ” أن ما يحدث في جنوب السودان لا علاقة له بالإبادة الجماعية ” , كما أن وتيرة القتال المُتصاعدة لم تتوقف بل إضطردت ولهذا أدان مجلس الأمن الدولي في 12 فبراير 2017 إستمرار القتال في عموم جنوب السودان وبصفة خاصة في ولايتي أعالي النيل والإستوائية داعياً كل أطراف الحرب الأهلية هناك لوقف العدوات فوراً , كما أدان أعضاء المجلس الهجمات المُوجهة للمدنيين وعبروا عن بالغ قلق المجلس جراء ذلك , ومن جهة أخري أعلنت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة UNHCR من جنيف في 12 فبراير 2017 أن جنوب السودان أصبح مصدراً لأكبر أزمة لاجئين في أفريقيا والثالثة علي مستوي العالم بعد سوريا وأفغانستان فوفقاً لتقارير الأمم المتحدة فإن هناك ما لا يقل عن 3,5 مليون جنوبي بلا بيت أو مأوي عن أن الحرب الأهلية المُستمرة في جنوب منذ 3 سنوات منهم مليون ونصف المليون من الجنوبيين لجئوا إلي البلاد المجاورة , إذن فإن مُقترح السفير Lyman وإن ووُجه بمعارضة قوية وبمنطق يسانده القانون الدولي إلا أن الواقع قد تجاوزهما وما أزمة اللاجئين والإبادة العرقية وتناقص الظل الإداري لدولة جنوب السودان بإضطراد إلا دليلاً علي أن لمقترح السفير Lymanوجاهة وواقعية , فبالإضافة إلي مقترحه بشأن فرض إدارة دولية تمثل الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي في جنوب السودان تأتي ملاحظته بشأن JMEC ودور رئيسها Festus Mogae في محلها ففي 10 فبراير 2017 أوردت Catholic Radio Network الإخبارية أن رئيس لجنة JMEC في إخلاص الأطراف المُتحاربة نحو تنفيذ إتفاق السلام نصاً وروحاً وهذا ما يمثل عقبة خطيرة أخري ” , لكنه إستدرك فقال ” ليس هناك من بديل للسلام في جنوب السودان بعيداً عن تنفيذ إتفاق أغسطس 2015 ” وكأنه يعرب عن رفضه لمقترح السفير Lyman .
– إن مُقترح وضع جنوب السودان تحت الإدارة الدولية الإنتقالية مُقترح ثوري يقضي بوضع دولة مُستقلة ذات سيادة كجنوب السودان تحت الوصاية الدولية وهو تطور جدي في رؤية مخاطر الوضع الإنساني في جنوب السودان مصدره دبلوماسي أمريكي كان مبعوثاً للولايات المتحدة لدي السودان وجنوب السودان معاً في الفترة السابقة ثم اللاحقة علي إعلان إستقلال جنوب السودان هي الأكثر تعقيداً وتشابكاً في قضايا الشمال والجنوب ومنها مشكلة Abyei وتصريف بترول جنوب السودان في خط الأنابيب العابر لجنوب ثم شمال السودان وصولاً إلي ميناء تصديره بولاية البحر الأحمر السودانية ومشاكل أخري مازالت عالقة , وأُضيف إليها مقدمات الحرب الأهلية التي عاشها السفير Lyman قبل إنتهاء مهمته , و بالرغم من أن السفير Lyman يدعو لفكرة لا يمكن للقانون الدولي ولا ميثاق الأمم المتحة إستيعابها و / أو تطبيقها ميدانياً تلقائياً إلا أنه مُقترح تعتبر مُعطياته ميدانية فهي في تقديري ومُعبرة عن واقع وحقائق سبق لي شخصياً أن أشرت إليها في 2 يناير 2011, إذ أني أشرت إليها تحت عنوان فرعي نصه “الصراعات اللاحقة لإنفصال جنوب السودان عن شماله ” إلي ما يلي : معظم إن لم تكن كل حقول البترول التي تستغلها دولة السودان قبل تقرير المصير في 9 يناير 2010 تقع في جنوب السودان أما خط أنابيب البترول الناقل له فنهايته تصل لميناء بشاير علي البحر الأحمر أي في شرق السودان ( تُشيع المصادر الأمريكية أن الصين تتقرب من سلفا كير لإبرام عقد لمد خط أنابيب تصدير بترول جنوب السودان إلي ميناء بكينيا علي المحيط الهندي ) وبالتالي فسيؤثر البترول وخط الأنابيب الناقل له علي بناء الدولة الجديدة لسبب بسيط وهو أنه المورد الوحيد المتاح لهذه الدولة ولعشر سنوات قادمة إلي أن تتمكن ربما من إتمام البنية الأساسية لها من منشآت ري وزراعة وطرق ونقل جوي داخلي , ولهذا فستكون وزارة البترول والطاقة أهم الوزارات قاطبة , كما أن البترول ربما شكل أول تحد لهذه الدولة مع الخرطوم علي المدي القصير , ثم وتحت عنوان فرعي آخر هو : بناء جيش دولة جنوب السودان كوجه مُعبر عن شكل الدولة ” كتبت : معظم إن لم يكن كل جيوش العالم تبني عقيدتها العسكرية علي أساس من طبيعة ومدي الأخطار المُعرضة لها هذه الدولة , وكنتيجة عليها أن تُحدد عدوها بناء علي ذلك , والعدو الأول لدولة جنوب السودان خارجي وداخلي , العدو الداخلي هو أي فصائل تتشكل مستقبلاً بالجنوب لتكون تمرداً محتملاً لهذه الدولة وهذا مؤكد حدوثه يوماً ما , وعليه فسيتم بناء جيش هذه الدولة بتحري قدر عال من الحيطة والحذر ذلك أن جيش الجنوب يُنتزع من رحم فصائل سبق لها التمرد علي دولة السودان , إضافة إلي أنه لابد من توخي قدر من النقاء القبلي في هذا الجيش لـتأمينه وهذه أحد النقاط الخلافية المحتملة وإن لم يُعمل بها فالبديل المحتمل ولادة التمرد من رحم جيش دولة جنوب السودان , أما العدو الخارجي الأول فهو الجيش السوداني ذا التقاليد العسكرية الراسخة والمرتبط بقدر ما بالجيش المصري وبنظرية الأمن القومي المصري السوداني ذات الطبيعة المُتبادلة , وعليه ففي تشكيل وبناء القوات المسلحة لدولة جنوب السودان ما هو جدير بالمتابعة لأن هذه المتابعة ستسفر عن دلالات محققة بالنسبة لمصر والسودان معاً , ولابد من الإشارة في هذا الصدد إلي أن بناء / تشكيل / تدريب / تسليح جيش جنوب السودان سيكون أولاً علي عاتق العسكرية الأمريكية التي ستربط حتماً عسكرية دولة جنوب السودان بنطاق عمل وولاية الــ AFRICOM .
– لم يشر السفير في مقترحه إلي مسألة عضوية جنوب السودان في الأمم المتحدة والتي لابد وأنها تتعارض – نظرياً – مع فرض الوصاية , فإشارته إلي حالتي كوسوفو وتيمور الشرقية وتطبيق الوصاية عليهما غير كافية إذ لم تكن هاتان الحالتان مُتعارضتان مع مادة العضوية لأن أيهما لم يتمتع بعضوية الأمم المتحدة , إما وأن جنوب السودان يعتبر- للآن – بموجب مواد العضوية الواردة بميثاق ” دولة مُستقلة ذات سيادة ” , فإن تطبيق هذا النظام أي الوصاية يقتضي إجراءات من جانب الأمم المتحدة في إطاري الجمعية العامة ومحجلس الأمن علي التوالي , إذ مالم تدمغ الأمم المتحدة عبر أي من أجهزتها أو وكالاتها أو لجانها حكومة جنوب السودان بإنتهاك ميثاق الأمم المتحدة حتي يمكن وقف عضوية جنوب السودان لإعداده لتطبيق الإدارة الدولية الإنتقالية أو الوصاية عليه – وهو ما حاولت الهيئة الدولية أن تفعله مع السودان إبان الصراع بين السمال والجنوب في تسعينات القرن الماضي بتعيين مقرر خاص عن مجلس حقوق الإنسان للوقوف علي حقيقة الإتهامات الأمريكية والأوروبية والجنوبية عن إنتهاك حكومة الخرطوم لحقوق الإنسان – , مالم تفعل ذلك , فإن تطبيقاً لمقترح السفير Lyman لن يري النور , إذ أن الفصل الثاني من ميثاق هيئة الأمم المتحدة يشير إلي العضوية في الأمم المتحدة في المواد أرقام (3) و(4) و (5) و (6) وعضوية الأمم المتحدة فيقول بنص المادة (4) بند 1 أنها ” مباحة لجميع الدول الأخري المُحبة للسلام والتي تأخذ نفسها بالإلتزامات التي يتضمنها هذا الميثاق , والتي تري الهيئة أنها قادرة علي تنفيذ هذه الإلتزامات وراغبة فيها ” ثم وفي بند 2 من المادة نفسها يرد أن ” قبول أية دولة من هذه الدول في عضوية الأمم المتحدة يتم بقرار من الجمعية العامة بناء علي توصية مجلس الأمن ” , كما أن المادة (5) تشير إلي نص خاص بوقف العضوية يقول ” يجوز للجمعية العامة أن توقف أي عضو إتخذ مجلس الأمن قبله عملاً من أعمال المنع أو القمع عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياها , ويكون ذلك بناء علي توصية من مجلس الأمن ولمجلس الأمن أن يرد لهذا العضو مباشرة تلك الحقوق والمزايا ” , لكن المادة (6) تذهب إلي مدي أبعد في شأن نزع صفة العضوية عندما يشير نصها إلي أنه ” إذا أمعن عضو من أعضاء الأمم المتحدة في إنتهاك مبادئ الميثاق جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة بناء علي توصية مجلس الأمن ” , ولما كان ما يحدث في جنوب السودان حرب أهلية بكل معني الكلمة وبكل مضاعفاتها الإنسانية فإن المعادلة الآن ببساطة أنه من الضروري إنقاذ حياة البشر وتعزيز وضع السلام ليكون مستديماً لمنع إبادة جماعية لشعب جنوب السودان , وتطبيق هذه المعادلة أصبح بعد أن إنهار إتفاق السلام الموقع في أغسطس 2015 بأديس أبابا أو كاد , مُوكولاً أو يجب أن يكون مُوكولاً لجهة قادرة ومحايدة ولن تكون هذه الجهة شيئاً غير الأمم المتحدة التي حازت دولة جنوب السودان الناشئة عضويتها بعد إستقلالها في 9 يوليو2011 , لكن وكما يشير نص المادة (4) من ميثاق الأمم المتحدة فهذه العضوية ” مباحة لجميع الدول” وتظل هذه العضوية مُعلقة علي ” رؤية الأمم المتحدة بأن هذه الدولة العضو قادرة علي تنفيذ الإلتزامات وراغبة فيها ” , وهو ما تفتقده دولة جنوب السودان منذ أن بدأت الحرب الأهلية فيها في ديسمبر 2013 وللآن , فقبل هذه الحرب كانت يُتوقع من دولة جنوب السودان أن تكون كغيرها من الدول علي مستوي العضوية في الهيئة الدولية دون إنتهاك لميثاقها ولمبدأ حقوق الإنسان الذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة بل وأنشأ مجلساً خاصاً لها بياناً لأهمية هذه الحقوق التي لابد من صيانتها لصيانة حياة البشر كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نص بوضوح علي هذه الحقوق , لكن الوضع الراهن هناك لا يمكن وصفه إلا بأنه خروج شائن علي كل النصوص والعهود والمواثيق التي أراد بها المجتمع الدولي حماية الإنسان من الإنسان , ومن ثم فإن تطبيق نظام الوصاية بعد إستنفاذ الوسائل التفاوضية وإنهيار إتفاق المشاركة في السلطة يؤكد للبعض والآخرين أنه لا مسار متبقي سوي المسار الصعب ألا وهو الإدارة الدولية لجنوب السودان , وهو أمر لا يجب النظر إليه كميزة بقدر ما هو عبء ومسئولية , فإلي حد كبير – ومع الوضع في الإعتبار بعض المثالب لهذا النظام – إلا أنه يُطبق – إن طُبق – في حالة ووضع مختلف فجنوب السودان شعب مختلف ثقافياً ومن وجهة التقاليد والقبلية المُتجذرة والعقائد عن حالتي تيمور الشرقية وكوسوفو , وبطبيعة نظام الإدارة الدولية أو الوصاية فستتوقف عضوية دولة جنوب السودان في الأمم المتحدة ليبدأ الجنوبيين البداية التي يُؤمل أن تكون مختلفة ومؤهلة لهذا الشعب المصدوم في قياداته أن يفرز قيادات غير معتلة نفسياً وذهنياً كالموجودة علي جانبي أطراف هذه الحرب الأهلية , ويتوقف هذا الأمر والحالة هذه علي عوامل مختلفة من أهمها صفة ومدي الإدارة الدولية الإنتقالية فكما أن هناك أكثر من 40 نمط وأكثر من الفيدرالية هناك أنماط ربما أقل كثيراً من ذلك إلا أن تباين حالات الدول التي طُبق عليها نظام الوصاية توجب التحرر من تطبيق نمط واحد بعينه , كما أن المدة الزمنية لتطبيق النظام وتعاون الجهة أو الجهات المنوط بها تطبيق الإدارة الدولية الإنتقالية وأتصور – بشكل عام – أن الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي سيقومان بالإشراف علي التطبيق وفقاً لما سبقت الإشارة إليه في حالة الوصاية علي 11 إقليم بعد الحرب العالمية الثانية من خلال مجلس الوصاية وما تفرع عنه داخلياً مع بعض التعديلات غير الجوهرية , أما من سيقوم بالتطبيق المباشر – في حال إقرار هذا النظام – للإدارة الدولية الإنتقالية فهو في الغالب Consortium أو تحالف دولي تنموي يضم في تصوري الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن مُضاف إليهم بعض دول الإتحاد الأفريقي وإن قدرنا أنهم خمس دول لموازنة تواجد القوي الدولية الكبري الخمس , إذن فستكون هذه الدول المُمثلة لافريقيا هي جنوب أفريقيا وإثيوبيا ونيجيريا والسنغال أو كينيا أو أنجولا ( ستدفع مصر في هذه الحالة ثمن إنحيازها لفريق الرئيس Salva Kiir ودعمه في الحرب الأهلية بأن تُستبعد من ممارسة دور مشرف يضيف لدبلوماسيتها لا ينتقص منها كما كانت في أواخر الخمسينات عندما كانت عضواً في المجلس الإستشاري للأمم المتحدة الذي كان يعد هذا البلد العربي للإستقلال) .
من الوجهة الموضوعية :
مما لا شك فيه أن طرح هذه المبادرة المتعلقة بتطبيق نظام الإدارة الدولية الإنتقالية علي جنوب السودان , إدانة في حد ذاتها للعقلية التي أدارت بها الولايات المتحدة الملف السوداني ككل , وفي حالتنا الراهنة علي وجه خاص ما يتعلق منه بجنوب السودان فالولايات المتحدة هي الفاعل الحقيقي لجناية قيام دولة في غير أوانها وبعملية قيصرية فالجهد العسكري والدبلوماسي والديني الأمريكي كان العامل المثير للنزعة الإنفصالية لدي الجنوبيين والتي إستقاها الأمريكيون من الملفات البريطانية في زمن الحكم الثنائي للسودان مع مصر , وبعد فصل الجنوب كان من المُفترض أن تتولي الولايات المتحدة تشكيل دولة جنوب السودان , لكن العوامل المُؤدية للحرب الأهلية كانت من القوة والتجذر بحيث منعت ذلك إلي جانب أنه من المُرجح أن من تولوا ملف جنوب السودان بعد إستقلاله في الخارجية والبنتاجون والمخابرات المركزية رجحوا دعم رئيس ينتمي لأكبر قبائل الجنوب الدنكا وينتمي أيضاً لحركة الجيش الشعبي لتحرير السودان ويكون تالياً للراحل جون جارانج زعامة هذه الحركة التي أصبحت حزباً سياسياً حاكماً في الجنوب ولهذه الحركة وهي الرئيسية من بين الحركات الأخري سجل تعاملات متنوع مع هذه الجهات الأمريكية الثلاث وكان أن دعمت السياسة الأمريكية Kiir , هذا بالإضافة إلي أن Reik Mashar المُنتمي لثاني أكبر قبائل الجنوب وهي النوير بالرغم من أنه يُعتبرمتمرداً لكن له علاقات قوية مع حكومة السودان ووقع معها في 21 أبريل 1997 إتفاقية الخرطوم للسلام مع 6 فصائل متمردة مُنشقة عن الجيش الشعبي لتحرير السودان وسبق له أن تولي مجلس تنسيق الجنوب بموجب هذه الإتفاقية وقام بقيادة عناصره في حراسة منشآت البترول الصينية في ولاية الوحدة وهجليج وعدرائيل , لذلك ولأسباب أخري .
بدأ كمون دولة جنوب السودان في رحم السياسة الدولية بجهد غربي بسبب فصلها عن الشمال عام 1922 بتطبيق سياسة المناطق المــقفولة علي جــنوب الســودان من قبل بريــطانيا إبان الحــكم الثــنائي (المصري -البريطاني) للسودان وبدأ نتيجة ذلك نزوع الجنوبيين نحو الإنفصال عن الشمال بتكوين حركة ” أنانيا 1 ” عام 1955 وبعدها ” أنانيا 2 ” ثم الجيش الشعبي لتحرير السودان , وأستمر الصراع ووقعت إتفاقية أديس أبابا في عهد الرئيس نميري عام 1972 لكنها إنهارت بدفع غربي / أمريكي وبسبب تطبيق الشريعة الإسلامية في أواخر عهد نميري , وبعد تولي ثورة الإنقاذ مقاليد أمور السودان في 30/6/1989 وتبنيها النهج الإسلامي والإعلان عن أنها دولة رسالية وإعلانها تكوين المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي برئاسة د. حسن الترابي في أعقاب الغزو العراقي للكويت وبدء تطبيقها لسياسة النفاذ للقضايا والصراعات الإسلامية ومنها الصومال , بدأت الولايات المتحدة في عهد / كلينتون تطبيق رؤيتها في تشكيل ما يُعرف بالقرن الأفريقي الكبير الذي يضم جنوب السودان وهو ما يُفسر جزئياً لماذا عينت الولايات المتحدة مبعوثاً رئاسياً خاصاً للسودان ؟ ولماذا سنت قانون تلاه قوانين مشابهة تحت مسمي السلام في السودان ؟ , وفي سبيل إلحاق جنوب السودان بالقرن الأفريقي الكبير عملت الولايات المتحدة علي دعم جيش تحرير السودان و فصائل أخري جنوبية بالسلاح والعتاد والمال من محطة إمداد علي الحدود الكينية مع جنوب السودان بل ودعمت أوغندا وكينيا مالياً لهذا الهدف إلي أن تم التوقيع عام 2005 في نيفاشا علي إتفاق سلام تضمن مادة خاصة بتقرير مصير جنوب السودان عبر إستفتاء يتم في 9/1/2011 .
إن ما تقدم يعني أن إقامة دولة جنوب السودان كان تعهداً بذلته حكومة الولايات المتحدة لدوائر الضغط في الولايات المتحدة وأولها جماعات الضغط الكنسية القوية وجماعات ما يُسمي بحقوق الإنسان ومعظم الــ THINK TANKS وجماعات الضغط العسكرية ممثلة في البنتاجون الذي أعلن في 6 /2/2007 عن إقامة القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM التي من المُفترض أن دولة جنوب السودان من أهم مناطق عملها فهي دولة في القلب من حوض النيل مناط التهديد الرئيسي و المضطرد لأمن مصر القومي التي لأسباب إستثنائية , ربما , لكنها لن تكون موضوعية آثرت دعم نظام الرئيس Kiir.
يدرك الجنوبيون أنه بفضل الآلة الدبلوماسية والتشريعية (الكونجرس الذي أصدر قــانون سلام السودان) والعسكرية الأمريكية كان الأمل ومن ثم كان تحقيق إنشاء دولة جنوب السودان , ولذلك فليس هناك أدني شك في أن دولة الجنوب ستكون نموذجاً أمريكياً محضاً يُطبق في النظام العسكري والأمني والتعليمي والزراعي ونظم الري بدولة جنوب السودان وسيتبني أي نظام في جنوب السودان النهج الأمريكي وسيكون أداة منفذة للرؤية العسكرية والأمنية الأمريكية في منطقتي حوض النيل وشرقي أفريقيا, بإختصار ستكون دولة جنوب السودان المُخلقة من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة ستكون بمثابة ” إسرائيل ” حوض النيل وشرق أفريقيا معاً , ولن تقول دولة جنوب السودان ” لا ” لأي عون مصري ” فالبحر يحب الزيادة ” كما يقول المثل الشعبي المصري , وستكون إمتداداً للرؤية الأمريكية في المنطقتين المُشار إليهما وستتبدي هذه الحقيقة من متابعتنا لهيكل وتكوين النظامين السياسي والإداري لدولة جنوب السودان تلك , فدولة جنوب السودان نسخة مُعدلة لإسرائيل ولهذا ولأسباب دينية أيضاً ستجد إسرائيل لها موقعاً فريداً في قلوب مسئولي وشعب الجنوب فمسيحيو جنوب السودان في معظمهم إما تابعين للكنيسة الأنجيليكانية الإنجليزية والمجيئيين الأدفنتيست والكنيسة الــ PRESBYTERIAN الأمريكية والتي دخلت بعض كنائسها في إتحاد مع الكنائس الأنجيليكانية والمعمدانية واللوثرية ومعظمها تتضمن عقيدة بشارة مجيئ المسيح بعد إقامة دولة إسرائيل وعلينا في المنطقة جني ثمار بعض ما يعتقدونه للأسف .
بلا شك أن الولايات المتحدة كانت قد أعدت بالقطع مخططاً كاملاً وتفصيلياً لتسيير دولة جنوب السودان وهناك جيش من الخبراء الأمريكان تم تعيينهم لتشغيل دولة جنوب السودان فور إعلانها , ويعلم الأمريكيون مُقدماً أن ثمة إنفجار قبائلي قادم بالجنوب وكذا معارك علي السلطة والثروة كل ذلك مدونة طرق وأساليب التعامل معه في حينه , فالأمريكان تسلموا ملفات الجنوب من بريطانيا منذ أول إنخراط لهم في الثمانينات من القرن الماضي من خلال الخارجية الأمريكية أولاً وطوروها وتابعوها (خطة كوهين الموضوعة في ثمانينيات القرن الماضي لفصل الجنوب والشمال بمناطق حظر جوي وقوات دولية) وهم أي الأمريكان في سبيل التواجد الثقيل بمنطقة قلب حوض النيل (دولة جنوب السودان) وهي الأكثر حيوية لهم من الوجهة الجيوستراتيجية وهم أي الأمريكان جاهزون لأي طارئ ومستعدون لكل شيئ (في سبيل الهيمنة علي بترول ساوتومي وضع الأمريكان لهم قانون الموارد البترولية) , إلا أنه وكما أشرت فقد كانت موجة القبلية عاتية حتي علي الأمريكيين , حتي لقد وصلوا إلي درجة إقتراح مشروع قانون يحظر السلاح علي حليفهم السابق الرئيس Kiir الذي دخل طوعاً لعبة التنافس / الصراع الدولي علي جنوب السودان الذي للأمريكيين الفضل في تهيئته ليكون دولة كلفتهم منذ إنشاءها عام 2011 مبلغ 11 مليار دولار , ثم جعلها الرئيس Kiirبورصة صراع إقتصادي دولي للصين فيها كما الولايات المتحدة نصيباً شبه متساو , ومع ذلك فلجماعات الضغط الأمريكية خاصة الكنسية حيز – حتي في الوضع الراهن – للضغط علي الإدارة الأمريكية لإنهاء الحرب الأهلية مخافة أن يؤثر إستمرارها علي مهام الكنائس الأمريكية في جنوب السودان , ولذلك فقد طلب الزعماء الكنسيين الممثلين للكنيستين Anglican و Presbyterian في زيارتهم للفاتيكان- وفقاً لإذاعة الفاتيكان في 11 فبراير 2011- من البابا زيارة جنوب السودان دعماً لجهودهم لإستعادة السلام بين الأطراف المُتحاربة في جنوب السودان وهو ما لم يلتزم الفاتيكان بشأنه بوعد ما لكنه أرسل مبعوثه الخاص الكاردينال Peter Turkson للجنوب في 21 يوليو 2016 لحث الأطراف المُتحاربة علي وقف الحرب والدعوة إلي حوار بينهم , لكن يظل القادة الكنسيين لهم نصيب في الترويج لمآسي هذه الحرب ففي 15 فبراير أحالت شبكة Catholic World News علي أسقف كاثوليكي من جنوب السودان إتهامه لحكومة الرئيس Kiir بأن قواته ترتكب مجازر في الجنوب , وهي شهادة تقترن بشهادات المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وغير الحكومية لتدحض تصريحات حكومية تؤكد عدم المسئولية , لكنها تفيد إن تحركت الأمم المتحدة لفرض الوصاية من زاوية الدفاع عن حقوق الإنسان نتيجة إنتهاك حكومة الجنوب لميثاق الأمم المتحدة .
مع إفتراض أن روسيا والصين معاً وبدرجات متفاوتة حلفاء الولايات المتحدة الأعضاء بمجلس الأمن الدولي توافقوا لاحقاً علي طرح مُقترح السفير Princeton Lyman المُتعلق بإدارة الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي لجنوب السودان بسبب الناتج التدميري الضخم للحرب الأهلية بها , فإنه والحالة هذه علينا أولاً إسترجاع موقف قد يكون مُشابهاً لموقف جنوب السودان في إطار مقترح السفير Lyman , إذ أنه في الحالة التي أُسندت فيها سلطة الإدارة للولايات المتحدة لجزر المحيط الهادئ الموضوعة داخل نظام وصاية الأمم المتحدة يشير دكتور Inis Claude في كتابه المُشار إليه آنفاً ما نصه ” …. لكن الأمم المتحدة قلبت هذا النص وعكسته , بل وذهبت لأبعد من ذلك بإنشاء نوع خاص من التدبير فُصل علي مقاس الولايات المتحدة , تدبير من شأنه أن يمكن جزر المحيط الهادئ من أن تكون في نفس الوقت إقليماً واقعاً تحت الوصاية وجزءاً من النظام الأامريكي للقواعد العسكرية , حقاً إن هذه الجزر تشكل “أمانة مُقدسة” في يد الولايات المتحدة , ولكنها “مُقدسة” بصفة أولية للمصالح الإستراتيجية للدولة القائمة علي الإدارة أي الولايات المتحدة نفسها , ولقد أذعن الإتحاد السوفييتي لهذا التدبير , لأنه علي ما يظهر أدرك أن البديل الوحيد لذلك هو تقرير سيادة أمريكية لا قيود عليها علي المنطقة , وربما لأن ذلك أنعش في الإتحاد السوفييتي الأمل الباطل بأنه قد يصبح المُستفيد من تدبير مُشابه , ولكن الأمر الذي لا يمكن تصوره هو أن الإتحاد السوفييتي نظر إلي قبول الوصاية الأمريكية علي إعتبار أنها بمثابة تحييد للجزر ” .
كان التسلسل المنطقي بدلاً من النص في اتفاقية السلام الشامل الموقعة في يناير 2005 بين حكومة السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان علي مبدأ تقرير المصير للجنوبيين , أن يتم النص علي وضع جنوب السودان تحت الوصاية الدولية للأمم المتحدة التي لُوحظ أنها لم تؤد إلا دور محدود إقتصر علي تعيين مقرر خاص لتقصي أمر إنتهاكات حقوق الإنسان في السودان , ونهضت الدبلوماسية الأمريكية بالصراع في السودان عسكريا (بدعم التمرد ودول الجوار الحاضنة لها وعلي رأسها كينيا وأوغندا) , وربما خشي الأمريكيون من أن يمنح هذا الوضع فرصة للسودان لتسوية الصراع مع الجنوب طالما خف الضغط العسكري من قبل التمرد الذي دعمته الولايات المتحدة مباشرة وعبر وكلاءها الأوغنديين والكينيين , وعلي أية حال فإن طرح هذه المبادرة (الإقتراح) يعني وبوضوح أن الولايات المتحدة ليست في وارد تشكيل قوة مُشتركة مُتعددة الجنسيات Multinational Joint Task Force كالمكونة من دول بحيرة تشاد لقتال عناصر جماعة Boko Haram إسلامية المرجعية , أو حتي تدخل عسكري كالذي خاضته في العراق بالمخالفة للقانون الدولي في مارس / أبريل 2003 , وربما قيم البعض مقترح فرض الوصاية أو الدعوة إليها علي أنه تهديد مبطن لحكومة Kiir أو أنه تعويض عن إحباط الروس والصينيين للجهود الأمريكية من أجل إستصدار قرار بحظر السلاح عن جنوب السودان التي أحبطاها
في الواقع لم يكن موضوع وضع دولة جنوب السودان تحت الوصاية الدولية بجديد فقد سبق وطُرح وكان أن نفته السيدة Ellen Margrethe Loej رئيسة بعثة الأمم المتحدة بجنوب السودان UNMISS وفقاً لما أورده موقع صوت أمريكا VOA في 4 ديسمبر 2014 مُوضحة أن لا علم لها بذلك ولا هي مُنخرطة ” في أي خطة أو نقاش في هذا الشأن , كما أن الأمم المتحدة ليس لديها تقليد بجعل البلاد المُستقلة ذات السيادة محميات , وأن مبدأ سيادة جنوب السودان وإستقلاله مُؤكدين بمعرفة مجلس الأمن الدولي من خلال قراراته عن ولاية بعثة الأمم المتحدة بجنوب السودان ” , كما أشارت الإذاعة إلي ما ذكره Stephane Dujarric الناطق باسم أمين عام الأمم المتحدة Ban Ki-moon واصفاً ذلك بالأمر غير الحقيقي بالمرة وأنه ” أن الأمين العام للأمم المتحدة يريد أن يجعل الأمر واضحاً تماماً وهو أنه لا هو ولا بعثة الأمم المتحدة بجنوب السودان لديهما علم بأي خطة أو نقاش بالأمم المتحدة قد جري بشأن أخذ هذا الأمر إلي مسار العمل ” , ومع ذلك فلو إفترضنا أن دولة جنوب السودان قد أُديرت عن طريق نظام الوصاية فلسوف تتفق الأطراف الدولية الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن والتنافسين علي موارد جنوب السودان علي توزيع الأنصبة بعدالة بينهم , وبصفة مُحددة خلافاً لحالة العراق التي أكد تنفيذ الأمم المتحدة لبرنامج النفط مقابل الغذاء فيها سوء طوية الأمم المتحدة والأعضاء الدائمين بمجلس الأمن وهو ما سينعكس علي تعامل الإتحاد الأفريقي مع الأمم المتحدة إن أشرفا بصفة مُشتركة في الوصاية علي حنوب السودان .
في مقابلة صحفية معه في جوبا نُشرت في 8 فبراير 2017 أشار Ezekiel Lul Gatkuoth وزير البترول لجنوب السودان أنهم إتخذوا إجراءات أمنية مُشددة في مواقع إنتاج البترول وأنهم سيستوردون الكهرباء من السودان حتي يمكنهم إستئناف العمل في حقلين للبترول لإستعادة الإنتاج عند المستوي السابق لبداية الحرب الأهلية , وأن الحكومة تُجري مباحثات مع شركات بترول منها Total SA الفرنسية و Oriental Energy Resources Ltd بنيجيريا لبدء الإستكشاف في القطاع B الذي به أكبر إرسابات بترول بالبلاد , وأشار إلي أن هناك إهتمامات لشركات أخري مثل Exxon Mobil Corpالأمريكية و Tullow Oil Plc البريطانية للإستثمار البترولي في جنوب السودان , وقد أكدت وكالة أنباء جنوب السودان ذلك , لكن من وجهة عسكرية بحتة , إذ أشارت نشرتها المُؤرخة في 9 فبراير 2017 إلي أن الحكومة أعادت تموضع قواتها من ولاية الوحدة إلي ولاية أعالي النيل لمواجهة قوات حركة SPLA-IO التابعة لريك مشار والتي ظهرت وكسبت أرضاً حول مدينة Malakal بأعالي النيل وهو ما أكدهColonel William Gatjiath Deng الناطق باسم حركة SPLA-IO المُتمردة , وهو ما يعني أن حكومة Kiir تحاول إغراء الأمريكيين لتخفيف قبضتهم عنها قليلاً خاصة بعد تجدد الترويج لمقترح الأإدارة الدولية الإنتقالية لجنوب السودان .
وفيما يبدو وكأنه دفع في إتجاه بعيد- علي الأقل – عن إتفاق إديس أبابا الذي أجمعت معظم الأطراف الداخلية والخارجية علي إنهياره والإقتراب من المسار الوحيد – من وجهة نظر السفير Princeton Lyman المُتبقي لإستعادة السلام في الجنوب – وهو فرض الوصاية علي جنوب السودان , أشارت إذاعة Tamazuj علي موقعها في 9 فبراير 2017 أن زعماء المعارضة بجنوب السودان إتهموا منظمة IGAD والإتحاد الأفريقي بالفشل في إيجاد حل راديكالي للصراع القائم بجنوب السودان , وأشارت الإذاعة إلي تصريح أدلي به Joseph Bangasi Bakosoro زعيم الحركة الوطنية للتغيير NMC بجنوب السودان وكان سابقاً محافظ الولاية الإستوائية الغربية قال فيه ” إن الإتحاد الأفريقي و IGAD فشل كلاهما وهما يريان القتال في جنوب السودان , لابد لهما أن يسألا لماذا يهرب المدنيين بعيداً عن بيوتهم ؟ “ مُضيفاً قوله ” لقد فقدت الثقة في IGAD(المنظمة التي تضم دول شرق أفريقيا وقامت كواجهة دبلوماسية مدعومة من الولايات المتحدة بفصل جنوب السودان عن السودان) التي قامت بجهد في توقيع إتفاق السلام بين طرفي الحرب الأهلية في أديس أبابا في 15 أغسطس 2015 , لكن السؤال هل يمكن لجهتين فشلتا في إستعادة السلام في جنوب السودان أن يفعلاً شيئاً مُنتجاً إيجابياً في إطار نظام الوصاية ؟ … ومع ذلك ففي تقديري أن الأأمور لا يتم حسابها علي هذا النحو , فخطة السفير Princeton Lyman مبنية علي أساس إدخال الإتحاد الأفريقي طرفاً في تطبيق الوصاية علي جنوب السودان جنباً إلي جنب مع الأمم المتحدة في سابقة هي الأاولي من نوعاها للمنظمة الأفريقية منذ إنشاءها , وهو تصرف إستباقي من جهة السفير Lyman قُصد منه صد أي معارضة – وهي مُحتملة جداً – من دول معينة بالإتحاد الأفريقي علي رأسها جنوب أفريقيا التي ترفض وبقوة مسألة وجود قيادة عسكرية أمريكية لأفريقيا AFRICOM , والمقاومة الأفريقية لهذا المُقترح غير المسبوق في قارة شديدة الحساسية لكل الأنظمة التي تنعش ذاكرة الأفارقة فيما يتعلق بالعهد الإستعماري وملحقاته , مقاومة مُتوقعة عند التصويت عليه – بفرض طرحه – في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن وداخل الأإتحاد الأفريقي ذاته , وغالباً ما ستكون المعارضة الأفريقية مؤسسة علي إعتبارات قانونية وسياسية فقط , فالعامل المالي أو التمويلي لن يثيره الأفارقة إذ أن معظم عمليات حفظ السلام التي يدشنها الإتحاد الأفريقي ممولة من الولايات المتحدة والمانحين الدوليين (القوة الهجين في دارفورالمكونة من الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة), فعمليات حفظ السلام الأفريقية ومبادرة NEPAD وبرامج أخري للإتحاد الأفريقي تعتمد علي إحسان المحسنين الذين يُطلق عليهم تهذباً ” المانحين ” , لكن هناك ثمة دافع كامن لدي الأفارقة أو أغلبهم وهو الخشية من تطبيق مُقترح الوصاية مُطوراً أو مُعدلاً علي جنوب السودان ويتحول – حال نجاحه – إلي نموذج يُحتذي أو تقليداً يُحاكي فيما بعد في صراعات أخري بأفريقيا الثرية بنزاعاتها وصراعاتها داخل دول كثيرة ولئلا ننسي هناك سوابق تضاهي حالة جنوب السودان في الكونجو ورواندا وبورندي وحالياً في شرق الكونجو الديموقراطية ألخ ومن ثم فستصبح سيادات دول كثيرة علي المحك .
الخلاصة :
حتي وإن إفترضنا أن طرح السفير Princeton Lyman المبعوث السابق للولايات المتحدة للسودان لمسار الإدارة الدولية الإنتقالية لجنوب السودان بسبب إنهيار إتفاق أديس أبابا للسلام وإستمرار الحرب الأهلية بجنوب السودان بوتيرة مُضطردة لا يمثل وجهة النظر الرسمية الأمريكية , فإن القول بأنه تصرف دعائي مُتفق عليه في أروقة الإدارة الأمريكية , مبالغة في سوء تقدير تداعيات وضع كارثي علي الحياة الإنسانية لشعب الجنوب وكذلك وبنفس القدر سوء تقدير لمضاعفات هذه الحرب المُستمرة بلا توقف علي الإستقرار الإقليمي في منطقة تعتبرها الولايات المتحدة والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن شديدة الأهمية لمصالحها الأوسع مدي من جنوب السودان الذي يرونه نقطة إرتكاز للمهددات المُجتمعة لتهديد كامل منطقة القرن الأفريقي بل شرق أفريقيا , ومن ثم فالمقترح عملي وواقعي وغير مسبوق في أفريقيا , إلا أن مقاومته مُحتملة علي الصعيدين الدولي والأفريقي مالم :
(1) تضغط الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية غير الحكومية – تحت عنوان ” إنتهاك حقوق الإنسان “- ضغوطاً غير قابلة للمقاومة لتتجاوز موجتها العالية تحفظات روسيا والصين المُتوقعة علي غرار تحفظاتهما للآن علي مشروع القرار الأمريكي بفرض حظر علي السلاح لجنوب السودان .
(2) تتفق الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي من خلال مفاوضات تحتية بينها لتطبيق نمط ما من الوصاية علي جنوب السودان يأخذ إطار تحالف أو Consortium لإدارة جنوب السودان لمدة مُتفق عليها .
القاهرة في 19 فبراير 2017 “المركز الديمقراطي العربي”