البرامج والمنظومات الديمقراطيةالدراسات البحثية

تكامل وظائف السلطة وتطبيق مبادئ الشفافية والتمكين لتفعيل التنمية السياسية في الوطن العربي

العدد الأول لسنة “2017 ” من مجلة العلوم السياسية والقانون

احدى اصدارات المركز الديمقراطي العربي

اعداد : أ .نصيرة صالحي – أستاذة مساعدة، جامعة عباس لغرور خنشلة – الجزائر.

 

الملخص:

لقد أحدثت التحولات العالمية جملة من التغيرات مست مجالات مختلفة وحملت معها مفاهيم واليات حديثة تستهدف من خلالها ترقية وتنمية المجتمعات وفق أسس وقوانين جديدة تعمل في إطار من التطور العالمي و التكنولوجي الذي يؤسس لعالم قائم على مبادئ الحكم الراشد التي تعتبر من الأساليب الحديثة التي طرحها النظام العالمي القائم على تقارب الدول، ولهذا طرحت التنمية السياسة كألية تعمل على إضفاء الرشادة في الحكم والتسيير الجيد في الإدارة وخلق شبكة واسعة من التفاعل بين الفواعل الدولية، ولهذا طرحت براديمالحوكمة في بعدها السياسي التي  تعمل على إضفاء مبادئ الشرعية والشفافية في المؤسسات الثلاثة المكونة لسلطة لبناء نظام قائم على التسيير الفعال في الحكم وصنع القرار وكل مبادئ النظام الديمقراطي، وهذا ما ينعكس بالإيجاب على مستوى تطور وتنمية الدولة ما تتميز به الدول التي عرفت تطبيق براديمالحوكمة في كل أبعادها الحوكمة في بعدها الإقتصادي التي تعمل على الإنفتاح على إقتصاد السوق واعطاء دور للقطاع الخاص، وكذا في بعدها الإجتماعي من خلال منح المجتمع المدني في بعده المحلي والعالمي دور في رسم وصنع القرارات، وفي الأخير الحوكمة في بعدها السياسي التي تعمل على تطبيق مبادئ الحكم الراشد والشفافية والمساءلة في الحكم السياسي.

 

Abstract:

The  global transformations created  much of  changes in different domains, and brought with it a modern and  mechanisms aimed  development of the communities according to the principles and new laws are working within the framework of global development and technology that establishes a world based on the principles of good governance, which is one of the modern styles put forward by the The global system on the convergence of countries, but this political development proposed as a mechanism working to bring rationalization in governance and administration and create an extensive network of interaction between international actors, however, this paradigm of governance raised in the political dimension, which is working to legitimize the principles of transparency in the three organizations that make up the authority to build system is based on the effective functioning of governance and decision-making and all the democratic system principles and this is reflected positively on the level of the country’s development and this is what characterizes countries known application paradigm of governance in all its dimensions: governance in the economic dimension, which works to open up to the market economy and giving a role for the private sector, and as well as in the social then through the granting of civil society in after local and global role in the formulation and decision-making, and in the last governance in the political dimension, which is working to apply the principles of good governance, transparency and accountability in political governance.

 

مقدمة:

إستحوذ مفهوم التنمية السياسية في فترة ما بعد الحرب البادرة إهتمام العديد من الدول العربية التي تعمل على تأسيس دخول عالم جديد قائم على مبادئ الحكم الراشد والديمقراطية وفق الانتقال من النظم التسلطية إلى التحول في إطار من الحراك العربي نحو قيام نظام سياسي ديمقراطي قائم على علاقة شبكية الفواعل في إطار تطبيق المساواة والشفافية والتمكين لكل فاعل من الفواعل للمشاركة في صنع وتنفيذ السياسات العامة، وفي ظل هذا التحول الذي عرفت العديد من بلدان العالم العربي، هذا ما أفرز ضرورة النقاش من جديد حول مسالة طبيعة التحول نحو تفعيل التنمية السياسية في الوطن العربي من خلال تشخيص لواقع هذا التحول، وكذا تحديد لاهم المتغيرات التي تلعب دور كبير في الإنتقال كالمشاركة، الشرعية والتمكين، وهذا بهدف الوقوف على أهم الدعائم لتأسيس نظام سياسي ديمقراطي عربي وإيجاد حلول بديلة أمام كل التحديات التي تعيق مسار التنمية السياسية في الوطن العربي، وبناء على هذا سوف نحاول من خلال هذه المقالة تحديد مفهوم التنمية السياسية في الوطن العربي وتحديد مدى تكامل وظائف مبادئ الحكم الراشد والديمقراطية، ولهذه تطرح الإشكالية التالية:

ما مدى فعالية تكامل الوظائف في تحقيق مبادئ الرشادة وتفعيل مسارات التنمية في الوطن العربي؟ 

ولتحليل هذه الإشكالية يتم إعتماد الفرضية التالية:

كلما كان هناك تشابك بين وظائف السلطة وتم تفعيل مبادئ الشراكة والحكم الراشد كلما تم تحقيق تنمية في بعدها السياسي.

هدف الدراسة:

محاولة الوقوف على أهم العناصر التي يتم من خلالها تفعيل التنمية السياسية في الوطن العربي، وذلك من خلال النظر لدور كل فاعل من الفواعل المشكلة لتكوين المؤسسات السياسية، وأهم المبادئ التي تعمل ضمنها، حيث تم الاتفاق بأن لما يتم العمل في إطار من الشبكية بين جميع المؤسسات في إطار تطبيق مبادئ الحكم الراشد والحكامة والشفافية والتمكين يمكن التوصل إلى مسار تنموي ناجح في مختلف المستويات بصفة عامة وفي الجانب السياسي بصفة خاصة.

 

  • الإطار المفاهمي للتنمية السياسية والمفاهيم ذات الصلة.

يعتبر موضوع التنمية من بين أهم المواضيع التي لقيت إهتمام مجموعة من الباحثين والمختصين في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما نتج عنه تعدد التعاريف والمفاهيم حول ضبط مفهوم التنمية بكل أبعادها، إذ توجد عدة تعريفات للتنمية، تختلف بإختلاف سياقها التاريخي وتباين الآراء وهذا في إطار تطور مضامين مفهوم التنمية.

وعليه نجد أنه قبل تناول مراحل تطور التنمية لابد من إعطاء مفهوم التنمية التي تعني development وهي تدل على أنها عملية نمو وتطوروتقدم وإزدهار، فالتنمية بمفهومها العام هي عملية مجتمع متشابكة ومتكاملة في إطار نسيج بالغ التعقيد تتفاعل فيه عوامل إقتصادية وإجتماعية وسياسية وثقافية، وهي لذلك عملية حضارية شاملة لمختلف أوجه النشاط في المجتمع بما يحقق التقدم الإجتماعي ويوفر للإنسان الرفاهية والكرامة.[1]

وقد برز مفهوم التنمية Development بصورة أساسية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث لم يستعمل هذا المفهوم منذ ظهوره في عصر الإقتصادي البريطاني آدم سميث في الربع الأخير من القرن الثامن عشر وحتي الحرب العالمية الثانية إلا على سبيل الإستثناء، وقد برز بداية في علم الاقتصاد حيث إستخدم للدلالة على عملية إحداث مجموعة من التغيرات الجذرية في مجتمع معين، بهدف إكساب ذلك المجتمع القدرة على التطور الذاتي المستمر بمعدل يضمن التحسن المتزايد في نوعية الحياة لكل أفراده ثم إنتقل مفهوم التنمية إلى حقل علم السياسة منذ ستينيات القرن العشرين، حيث ظهر كحقل منفرد يهتم بتطوير البلدان غير الأوروبية اتجاه الديمقراطية، ولاحقا تطور مفهوم التنمية ليرتبط بالعديد من الحقوق المعرفية، فأصبح هناك تنمية ثقافية التي تسعى لرفع مستوى الثقافة في المجتمع وترقية الإنسان، وكذلك التنمية الاجتماعية التي تهدف إلى تطوير التفاعلات المجتمعية بين أطراف المجتمع.[2]

وعليه نجد أن التنمية عرفت مجموعة من المراحل لتطورها وقد عرفت في البداية التنمية في عالم الإقتصاد حيث إستخدم للدلالة على عملية إحداث مجموعة من التغيرات الجذرية  في مجتمع معين بهدف إكساب ذلك المجتمع القدرة على التطور الذاتي المستمر بمعدل يضمن التحسن المتزايد في نوعية الحياة، بمعني قدرة المجتمع للاستجابة للحاجات المتزايدة عن طريق الترشيد المستمر لإستغلال الموارد الإقتصادية المتاحة وحسن توزيع عائد ذلك الإستغلال، ثم إنتقل مفهوم التنمية إلى حقل السياسة منذ ستينيات القرن العشرين حيث ظهر كحقل منفرد يهتم بتطوير البلدان تجاه الديمقراطية حيث تعرف التنمية السياسية مؤشرات منها المشاركة الإنتخابية، المنافسة السياسية وترسيخ مفاهيم الوطنية والسيادة.

وهكذا عرف تطور مفهوم التنمية وإرتبط بالعديد من الحقول المعرفية فأصبحت هناك تنمية الثقافية التي تسعي لرفع مستوى الثقافة في المجتمع وترقية الإنسان، وكذلك التنمية الإجتماعية التي تهدف تطوير التفاعلات المجتمعية  وهكذا إلى أن تم الوصول إلى تنمية البشرية (الإنسانية) التي تهدف تدعيم قدرات الناس.

لكن ما يهمنا في هذه المراحل هو التنمية في بعدها السياسي من خلال التركيز أكثر على مفهوم التنمية السياسية والمصطلحات ذات الصلة، تم تحديد لاهم الفواعل والعناصر التي تدعم التنمية السياسية ومحاولة اسقاطها على بعض نماذج من الوطن العربي.

التنمية السياسيةPolitical Development :

ومن أوائل التعريفات التي أطلقت على التنمية السياسية على أنها مجموعة من المتغيرات تستهدف الثقافة والبنية السياسية مؤدية إلى نقل المجتمع من نظام تقليدي إلى نظام حديث وإحداث تحول في قدرة وقابلية الإنسان السياسية بهدف تحقيق أهداف إجتماعية، وقد عرف جابرييل ألموندGabeielAlmondعلى أنها التمايز والتخصص للمتزايد للأبنية السياسية والعلمنية المتزايد للثقافة السياسية.[3]

كما تعتبر التنمية السياسية ظاهرة حديثة في العلوم السياسية برزت مع المجتمعات الجديدة المستقلة حديثا، وعليه يمكن القول أنها عملية تفاعل ثقافي سياسي تتداخل فيه العوامل المادية بالمعنوية متظافرة ومولدة حالة إنتقال للمجتمع من وضع التخلف إلى حالة تقدم سياسي، هي عملية معرفة بالأساس حيث تزيد كما ونوعا في المجال السياسي لدى الفرد والمجتمع، ويساعد النظام السياسي وضع هذه المعرفة موضع التطبيق من خلال العمليات السياسية المتعددة مثل الترشح الانتخابات، حرية التعبير والتصرف، التداول السلمي على السلطة.[4]

في حين عرفها صموئيل هانتجتونS. Hintington إن هدف التنمية السياسية تحقيق الاستقرار، وهذا لا يتحقق إلا مع زيادة النشاط السياسي والإجراءات السياسية، أما دافيد باكنهامDavid Baknha التنمية السياسية تعني الديمقراطية والتحديث السياسي modernizationpolitical، كما يرى الباحث لوسيان أن التنمية السياسية تجسد مفهوم الدولة أو الحكومية القومية nation-state وتشمل تنظيم الحياة السياسية وأداء الوظائف السياسية وفق مستوى السلوك الدولي المعاصر وهذا يعني بناء المؤسسات الدستورية، كما تعني التنمية السياسية بالتعبئة الجماهرية والمشاركة السياسية ورفع مستوى الوعى والإنصهار السياسي والإنسجام والولاء لحكومة واحدة.[5]

 أماروبير بيركنهايمRobert Birghinham أعطي لمفهوم التنمية السياسية خمس مدلولات وهي:

  • مدلول قانوني(بعد ديمقراطي): يهتم بالبناء الدستوري للدولة دولة القانون والفصل بين السلطات.
  • مدلول إقتصادي: دعم الإنسجام بين الطموحات والإشباعاتالإقتصادية وخدمة الحاجات المادية للشعب.
  • مدلول إداري: ضرورة وجود إدارة عقلانية ذات فعالية وكفاءة.
  • مدلول سياسي: المشاركة الشعبية في الحياة السياسية على كل المستويات.

مدلول ثقافي: ويتعلق بالتحديث.[6]

وفي تعريف أخر من طرف ألموندAlmondوباولPowel فقد عرفت التنمية في إطار التحديث السياسي وهي إستجابة النظام السياسي لتغيرات البيئة المجتمعية والدولية، وبالذات إستجابة النظام لتحديات بناء الدولة، أما ديلمنتdilmant هي العملية التي يكتسب فيها النظام السياسي قدرة متزايدة على المتابعة الناجحة والمستمرة لانواع جديدة من الأهداف والمطالب وعلى خلق أبنية جديدة للمنظمات.

وعليه يمكن إعطاء التعرف الاقرب والاصح لمفهوم التنمية السياسية على أنها عملية إرادية واعية وموجهة متعددة الأبعاد تعتمد على استغلال الطاقات البشرية والمادية وتوظيف الإمكانيات الذاتية للمجتمع، والتي تتسق مع الإطار الإجتماعي والثقافي للمجتمع بهدف زيادة فاعلية وكفاءة النسق السياسي بهدف تخليص المجتمع من التخلف السياسي من خلال إضفاء الشرعية للنظام وتحقيق التكامل والإستقرار وعدالة توزيع والموارد الإقتصادية وتوسيع مشاركة المواطنين في الحياة السياسية.[7]

  • عناصر تفعيل التنمية في بعدها السياسي.

ترتبط التنمية السياسية بعدة متغيرات ومؤشرات لتفعيل مسارها ونجد منه:

المشاركة السياسية: والتي يقصد بها تلبية المطالب المتزايدة بالمشاركة السياسية في النظام السياسي من قبل شرائح عدة من المواطنين، وهو ما يتم عن طريق إيجاد القنوات لمشاركة المواطنين والتعبير عن مطالبهم، كما تعني مساهمة الشعب أفراد وجماعات ضمن نظام ديمقراطي أنيساهموافي الحياة السياسية كناخبين أو عناصر نشطة سياسيا، وكمجموعات من خلال العمل الجماعي، كأعضاء في منظمات مجتمعية أونقابات مهنية أوأحزاب سياسية لتنظيم مشاركة فاعلة للأفراد في الحياة السياسية.[8]

إذ تعتبر المشاركة السياسية أحد عناصر التنمية السياسية وهذا ما عبر عنه”هنتجتون” المشاركة السياسية احد عناصر التنمية السياسية ويقصد بها النشاط الذي يقوم به مواطنون معنيون بقصد التأثير علىعملية صنع القرار الحكومي وعليه يمكن تأكيد القول بأن المشاركة السياسية هي ذلك الشكل من الممارسة الذي يتيح للأفراد بلا تميز حق المشاركة في صنع السياسيات العامة للبلاد، وحق المشاركة في اتخاذ القرارات وصناعتها بشكل يضمن إطلاق القوي الخلاقة للجماهير والمواطنين.[9]

الأحزاب السياسية: تعتبر الأحزاب السياسية من أفضل الوسائل والاليات المتاحة في المجتمع لتحقيق التنمية السياسية من خلال قيام الأحزاب بعملية التعبئة الإجتماعية اللازمة لحشد الجماهير وراء الأهداف والقيم والتوجهات السياسية وهذا بهدف زيادة المشاركة السياسية لرفع قيم التنمية السياسية، كما تساهم في تحقيق التكامل القومي للدولة،ولهذا  أشار العديد من رواد نظريات التنمية السياسية إلى دور الأحزاب السياسية كمؤسسة وكوظيفة في عملية التنمية  السياسية، فهي مؤسسة لا تستغني عنها الدول الحديثة التي تسعي نحو التطوير والتحديث  ودورها في التعبئة نحو المشاركة السياسية الطوعية في العديد من الأنظمة السياسية ولجلب التأييد للمشاريع التنموية وبناء وتعزيز الشعور القومي.[10]

الشفافية: : وتعني فسح المجال أما المواطنين بالتعرف على المعلومات الضرورية التي تهم شؤون حياته، مثل حق المواطن في الإعلام ومشاركة المواطنين ومساهمتهم في رقابة المجالس الشعبية والوطنية والمحلية في الإطلاع على محاضر الجلسات التي تعقد دوريا في مجالسهم، والهدف من وراء ذلك هو العمل على مشاركة المواطنين في إبداء الآراء على المهام،وهذا بإلزامية استقلال الهيئة القضائية عن الهيئتين التشريعية والتنفيذية وفتح نقاشات واسعة بين مختلف الفاعلين حول ظاهرة الفساد المستفحلة في شتى الهيئات الرسمية للبلاد، وقصد التخفيف منها وتحسين أجور الموظفين العموميون وإقرار مبدأ العدالة في التوزيع لتنشيط برامج التنمية.[11]

التمكين: الذي يعرف على أنه إمتلاك الفرد للقوة ليصبح عنصرا مشاركا بفعالية في شتى مجالات الحياة الإقتصادية والإجتماعية، أي إمتلاكه القدرة على إحداث تغير في الأخر، الذي قد يكون الفردا، أو جماعة أو مجتمعا بأكمله، وهذا يرتبط مفهوم التمكين إرتباطا وثيقا بمفهوم تحقيق الذات وحضورها، وتعزيز قدراتها في المشاركة والإختيار الحر، أو ما يعبر عنه بتعزيز القدرات ويقاس التمكين من خلال ثلاث نواح أسياسية هي المشاركة السياسية للمرأة، المشاركة الإقتصادية، والسيطرة على الموارد الإقتصادية، ويتولد عن هذه القدرة الشعور بالمسؤولية والرغبة في المشاركة فيصنع القرارات، وكذا وضع الأهداف المستقبلية في نطاق السلطة المتاحة ودرجة حرية التصرف المتاحة وهذا ما يعزز من تفعيل التنمية السياسية.[12]

إشراك مؤسسات المجتمع المدني: يرى كثير من المفكرين أن هناك علاقة عضوية بين المجتمع المدني و التنمية السياسية ومن ثم تحقيق التحول السياسي الديمقراطي، إذ أن فرص تغيير النظام السياسي الفاسد تتضاعف كلما كان هناك مجتمع مدني قوي ومتماسك، والعكس صحيح، فطالما هناك كيانات متضامنة ولو نسبيا فإن الأصوات الطالبة بالتغيير تصبح أمرا مسموعا، كما للمؤسسات المجتمع المدني تأطير الرأي العام لدي المواطنين للنظر في قضايا تخص الصالح العام، كقضايا حماية الطبقات ذات الدخل المحدود، الدفاع عن المهمشين في المجتمع، تنظيم المهن الحر، كما يساهم في المشاركة مع الأجهزة الرسمية في إطار صنع السياسة العامة.[13]

  • واقع التنمية السياسية في الوطن العربي وازماته.

نحاول من خلال هذا العنصر دراسة طبيعة الوضع السياسي في الوطن العربي وهذا بهدف البحث والتحليل عن المداخل التي تنهض بالعمل وبالفعل السياسي الرسمي والشعبي، وإعطاء تقرير عن وضع ومعاناة الشعب العربي، وماإذا كانت سياسات الأنظمة العربية تخدم القضايا العربية ومحاولة إسقاط بعض عناصر ومؤشرات تحقيق التنمية السياسية على واقع الممارسة السياسية للدول العربية.

ولهذا نجد ان التنمية السياسية في الوطن العربي عرفت مجموعة من الأزمات منها:

الثقافة السياسية: إن دراسة الأنظمة العربية انتجت ظهور عدة ازمات وحياة سياسية صعبة وقاسية على الإنسان العربي، ولهذا نجد قلة قليلة من أبناء الشعب العربي لا تقر بوجود تنمية سياسية عربية، وهذا أمام الغضب الكبير من طرف الشعب على طبيعة الانظمة التسلطية التي تستخدم مفهوم الديمقراطية كشعار سياسيا استهلاكيا للصراع حول السلطة وهذا مانجده من خلال نموذج التحول الديمقراطي الذي عرفته تونس بعد ثورة 11 جانفي 2011  تمتلها مصر والتي عرفت بالثورات المفاجئة التي طبعت تاريخنا العربي والتي تهدف لىتحقيق الانتقال الديمقراطي الحقيقي الذي يساهم في بناء الدول العربية لمواكبة مسارات التنمية في بعدها السياسي.[14]

أزمة المشاركة: حيث شهدت الساحة السياسية العربية خلال العقدين الأخيرين العديد من التطورات السياسية التي ابدى معظمها تراجعا في التوجهات التسلطية وتناميا في التحولات الديمقراطية القائمة على التعددية والحرية والاختيار الشعبي الحقيقي والاعتراف بوجود معارضة والسماح لتنامي النشاط الحزبي غير ان الواقع اثبت غير ذلك حيث عند العودة لبعض المؤشرات او الاليات لتفعيل التنمية السياسية في الوطن العربي كالمشاركة فنجد أن اغلبية الاقطار العربية عند استقلالها بدأت بالديمقراطيات على النمط العربي.

وهذا ما عبر عنه سلامة غسان ” اللحظة الليبرالية” في الوطن العربي حيث الدولة أوالسلطة الحاكمة هي التي أنشأت لنفسها المؤسسات وهي المسؤولة ولهذا فقد أسهمت جملة من الأسباب في تعميق إشكالية المشاركة في أنظمة الحكم العربي ولعل أهمها الانعطاف نحو الحزب الواحد، ضعف التنظمات السياسية الوسيطة كمؤسسات المجتمع المدني أو تغيب أدوارها وإتصاف المشاركة بالشكلية أو الموسمية وعدم الفاعلية، وهذا نتيجة إنعدام أيضا قنوات الإتصال بين الحاكم والمحكوم، وفي ظل هذا النمط فإن قدرة المشاركة السياسة في الوطن العربي تعتبر من أهم العوائق أمام التنمية السياسية العربية.[15]

الأحزاب السياسية: إذا كانت الأحزاب السياسية تمثل شرطا أساسيا لوجود الديمقراطية فان العمل الحزبي في مختلف البلدان العربية يعاني من الضعف الشديد، وهذا نتيجة حظره وعدم الاعتراف به أو التضييق عليه من قبل السلطات أو الأحزاب الحاكمة، وبالنظر للخارطة الحزبية في العالم العربي يمكن القول بأنه باستثناء الكويت ولبنان والأردن التي لها دورا فعليا في تحديد طبيعة السلطة التنفيذية وحدودها الوطنية، ففي كثير من الأحيان نجد تمركز الثقل سياسي عند حزب أو كتلة من الأحزاب بشكل يعيق إمكانية بروز نظام سياسي ديمقراطي، فنجد حزب الشعب في سوريا، الحزب الوطني الديمقراطي سابقا في مصر، التجمع الدستوري الديمقراطي سابقا في تونس، التحالف الرئاسي في الجزائر، وهذا ما يفرغ دور ونشاط الاحزاب من محتوى الديمقراطي.[16]

مشاركة المجتمع المدني: إن تزايد دور المجتمع المدني في ظل التحول نحو قيم الديمقراطية والحوكمةوالإعتماد على تفعيل المبادرات الجماعية القائم على العمل الجواري لتقريب المواطنين من أصحاب السلطة وهذا ما يفرض تنامي لدور المجتمع المدني كآلية من آليات تمكين مشاركة الجميع  والقائم على الاشتراك بين المجتمع والدولة في صنع القرارات ومنه فتح مجال الحوار  والمنافسة لتفعيل المسار التنموي في كافة أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أصبح المجتمع المدني مصدر اهتمام في السنوات الأخيرة في الدول العربية، لأنه يساعد على فهم طبيعة السلطة السياسية هذا ما نجده في الجزائر تتمتع بنظام سياسي على درجة عالية من السلطوية.

وعليه تؤكده الممارسة بالرغم من الإطار الدستوري الذي بنص على إحترام حقوق الإنسان ويأخذ بالتعددية السياسية ويؤكد أن النظام الحكم يقوم على دولة المؤسسات واحترام مبدأ القانون، إلا إن الممارسة تختلف عن ما أوردته نصوص الدستور مما يؤكد أن السلطة في الجزائر تهمش الإرادة الشعبية وهذا ما ينعكس على قوة أو ضعف المجتمع المدني ،كما تمارس السلطة الجزائري احتكار على وسائل الإعلام الحرة باعتبار أحد الوسائل التي تدعم مشاركة الأفراد وهذا من خلال ما توفره من معارف تساعد على غرس قيم الثقافة المدنية وتكوين رأي عام متفهم لضروريات تطوير مؤسسات يمارس المواطنون من خلالها دورا ايجابيا في الدفاع عن مصالحهم وتحسين أحوالهم وممارسة التضامن الجماعي.

وهذا ما هو مفقود تماما في الجزائر مقارنة بالدول الغربية التي تفتح مجالات للحوار والتثقيف الذاتي، وهذا ما ينطبق على العديد من الدول الوطن العربي وتونس التي تعيق مجال للحرية الإعلامية لأنها تهدف إلى نقل مشاكل المواطنين ومحاولة التقرب منهم، ولهذا تم تقوية وتدعيم قوي المجتمع المدني ومؤسساته ألانه بمثابة الأرضية التي ترتكز عليها الصيغة الديمقراطية القائمة على حريات تكوين الجمعيات وحرية الإعلام والصحافة وتفعيل المشاركة للأفراد في القرارات، وعليه يمكن القول بان المجتمع المدني له دورا فعال في تجسيد مبادئ الديمقراطية اذا ما تم تجسيده على أرض الواقع العربي.[17]

الخاتمة:

وعليه نجد أن السعي نحوتكامل الوظائف لتحقيق مبادئ الرشادة وتفعيل مسارات التنمية في الوطن العربي اصطدمبالوعي السياسي الذي يتخذ توجهين إما المساهمة في تحقيق التنمية السياسية أو زيادةالانحلال السياسي، بحيث يساهم في التنمية السياسية لما يرتبط بالتحديث، وهذا يعني تبدّلاً في المواقف والقيم وتوقعات الناس التي كانت مرتبطة بالعالم التقليدي ، نحو ما هو شائع في العالم المتحضر، أي انتشارمعرفة القراءة والكتابة، والتعليم وزيادة وسائل الاتصال، وتصدّر وسائل الاعلام، والتمدين، كما يؤدي الوعي السياسي إلى الانحلال السياسي بحيث أنه قد يكون عائقاً كبيراً أمام ايجاد مؤسسات سياسية فاعلة تشمل جميع القوى الاجتماعية فإلى جانب وعي الجماعة،  يظهر أيضاً تحيّز الجماعة فيكون و يحدث احتكاك حاد بين  جماعات مختلفة، و يبرز الصراع بين الجماعات التقليدية، وبين الجماعات التقليدية والمتحضرة، وما بين الجماعات المتحضرة(بين السياسيين والبيروقراطيين،والمفكرين والعسكريين،وقادة العمال ورجال الاعمال) و هذا ما يفسر الواقع السياسي الذي تعيشه مختلف الدول العربية في وقتنا الحالي.

فمن أجل خلق ترابط بين مختلف الوظائف لتحقيق التنمية السياسية في الوطن العربي، يجب أن يتم توجيه الوعي السياسي نحو قبول التحديث و القبول بالآخر، في هذه المرحلة بالذات سيتم تفعيل المأسسة السياسية التي تحقق نظام سياسي فعال يساهم في تعزيز الديمقراطية والمشاركة السياسية وبموجبها تحصل المؤسسات السياسية من خلالها على  القيمة والاستقرار وهذا ما يؤكد صحة فرضيتنا أنه إذا كان هناك تكامل بين وظائف السلطة وتم تفعيل مبادئ الشراكة والحكم الراشد يتم تحقيق تنمية سياسية.

قائمة المراجع:

  • أسامة الغزالي حرب، الأحزاب السياسية في العالم الثالث، الكويت: علم المعرفة، 1900 .
  • أمين محمد علي دبور، دراسات في التنمية السياسية ، غزة: الجامعة الإسلامية، 2011 .
  • سهيل الحبيب، المفاهيم الإيديولوجية في مجرى حراك الثورات العربية ، بيروت: المركز العربي للابحاث ودراسات السياسات، 2014 .
  • ريم بن عيسى، التنمية السياسية قراءة في الآليات والمداخل والنظريات الحديثة ، مركز النور للدراسات .
  • عبد الله عبدالكريم السالم، رؤيةأكاديمية لمفهوم التنميةالمستقلة وإمكانية تحقيقها في العالم العربي في ظل العولمة، المؤتمر العربي السنوي الخامس في الإدارة، مصر، 2004.
  • جمال منصر، “دورالأحزاب في التنمية السياسية في العالم الثالث،” مجلة دفاتر السياسة والقانون، 2011.
  • فاطمة بودرهم،” أزمة المشاركة السياسية في الدول النامية “، المجلة الجزائرية للأمن والتنمية، العدد الخامس، 2013.
  • عمر مرزوقي، “صناعة السلوك الديمقراطي في الوطن العربي: البحث في الأساليب غير التقليدية للمشاركة السياسية،” المجلة الجزائرية للأمن والتنمية، العددالثالث، 2012.
  • عبد الجليل مفتاح،” دور المجتمع المدني في تنمية التحول الديمقراطي في بلدان المغرب العربي،” مجلة المفكر، العدد الخامس.
  • صابر بلول، ” التمكين السياسي للمرأة العربية بين القرارات والتوجهات الدولية والواقع”، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 25 العدد الثاني، 2009.
  • محمد خليفة،” إشكالية التنمية والحكم الراشد في الجزائر، ورقة عمل في الملتقى الوطني الأول حول : التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقع وتحديات، الشلف، 2008.
  • سفيان فوكة، مليكة بوضياف، “الحكم الراشد والإستقرار السياسي ودوره في التنمية”، “، ورقة في الملتقى الوطني الأول حول : التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقع وتحديات، الشلف، 2008.
  • عياد محمد سمير،” إشكالية العلاقة بين التنمية السياسية والتحول السياسي”، ورقة عمل في الملتقى الوطني الأول حول : التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقع وتحديات، الشلف، 2008.
  • ياسين ربوح،” الأحزاب ودورها في التنمية السياسية بالجزائر (1996- 2008)”، مذكرة ماجستير، جامعة الجزائر، قسم العلوم السياسية، 2009.
  • Michael Barnett and Raymond Duvall, Power in Global Governance , Published in the United States of America by Cambridge University Press: New York,2005, p 102.
  • George Burdeau ,la démocratie, Paris : édition du seul, 1975,p9.

[1]– Michael Barnett and Raymond Duvall, Power in Global Governance , Published in the United States of America by Cambridge University Press: New York,2005, p 102.

[2]– عياد محمد سمير،” إشكالية العلاقة بين التنمية السياسية والتحول السياسي”، ورقة عمل في الملتقى الوطني الأول حول : التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقعوتحديات، الشلف، 2008، ص 3.

[3]– ريم بن عيسى، التنمية السياسية قراءة في الآليات والمداخل والنظريات الحديثة، مركز النور للدراسات، ص 18 .

[4]– أمين محمد علي دبور، دراسات في التنمية السياسية ، غزة: الجامعة الإسلامية، 2011 ، ص07.

[5]– عبدالله عبدالكريم السالم، رؤية أكاديمية لمفهوم التنمية المستقلة وإمكانية تحقيقها في العالم العربي في ظل العولمة، المؤتمرالعربي السنوي الخامس في الإدارة، مصر، 2004، ص7.

[6]– أمين محمد علي دبور، مرجع سبق ذكره، ص 9.

[7]– ياسين ربوح،” الأحزاب  ودورها في التنمية السياسية بالجزائر (1996- 2008)”،مذكرة ماجستير، جامعة الجزائر، قسم العلوم السياسية، 2009، ص 43.

[8]– جمال منصر، “دور الأحزاب في التنمية السياسية في العالم الثالث،” مجلة دفاتر السياسة والقانون، 2011، ص 431.

[9]– George Burdeau ,la démocratie, Paris : édition du seul, 1975,p9.

[10]– أسامة الغزالي حرب، الأحزاب السياسية في العالم الثالث، الكويت: علم المعرفة، 1900 ،ص161.

[11]– محمد خليفة،” إشكالية التنمية والحكم الراشد في الجزائر”، ورقة عمل في الملتقى الوطني الأول حول : التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقعوتحديات، الشلف، 2008، ص7.

[12]– صابر بلول، “التمكين السياسي للمرأة العربية بين القرارات والتوجهات الدولية والواقع”، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 25  العدد الثاني، 2009،ص 650.

[13]– سفيان فوكة، مليكة بوضياف،”الحكم الراشد والإستقرار السياسي ودوره في التنمية، ورقة عمل في الملتقى الوطني الأول حول : التحولات السياسية وإشكالية التنمية في الجزائر: واقعوتحديات، الشلف، 2008، ص8.

[14]– سهيل الحبيب، المفاهيم الإيديولوجية في مجرى حراك الثورات العربية، بيروت: المركز العربي للابحاث ودراسات السياسات، 2014، ص 224.

[15]– فاطمة بودرهم،” أزمة المشاركة السياسية في الدول النامية”، المجلة الجزائرية للأمن والتنمية، العدد الخامس، 2013،ص 104.

[16]– عمر مرزوقي، “صناعة السلوك الديمقراطي في الوطن العربي: البحث في الأساليب غير التقليدية للمشاركة السياسية،” المجلة الجزائرية للأمن والتنمية، العدد الثالث، 2012، ص 39.

[17]– عبد الجليل مفتاح،” دور المجتمع المدني في تنمية التحول الديمقراطي في بلدان المغرب العربي،” مجلة المفكر، العدد الخامس،ص10 .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى