عرض نقدى: الصدام الحقيقى للحضارات
ترجمة وعرض: أحمد حسن
- المركز الديمقراطي العربي
مقدمة:
أصبح الحديث عن الصراع الدولى يتخذ منحنى أخر غير ذلك المنحى الذى عهده العالم من قبل ومثلت الحربين الاولى والثانية وكذلك الحرب الباردة أهم معالمه فبعد سقوط المعسكر الاشتراكى وصعود المعسكر الليبرالى بقيادة منفردة من قبل الولايات المتحدة ونتيجة لإقتناع تلك الدولة بأن سياساتها تجاه العالم وخصوصا فى الشرق الاوسط لابد ان تفضى فى النهاية الى صراع حتمى لذلك تسابق المفكرين فى أنحاء الغرب لصياغة صوره لهذا الصراع وفى ظل الاقتناع التام بأنه لاتوجد قوة على وجه الارض تستطيع مواجهة الترسانة الحربية الامريكية الضخمة المعززة بالدبلوماسية العامة والقوة الناعمة والمساعات الاقتصادية التى أمطرت بها دول العالم الثالث فكان ان وجد الغرب ضالته فى الحديث عن صراع الحضارات هذا الصراع القائم بين الثقافة الغربية الليبرالية المتقدمة والثقافة الاسلامية المتحجرة المتخلفة وتسابق مفكرو الغرب فى كتابة نظرياتهم فنجد فرانسيس فوكوياما يتحدث عن نهاية التاريخ ثم يأتى صمويل هنتنجتون ليتحدث عن صدام الحضارات لتتوالى النظريات التى تنقسم بين مؤيد ومعارض لتلك الفكرة.
ومن تلك المقالات التى عارضت نظرية هنتنجتون – القائلة بحتمية الصراع الحضارة الغربية والحضارة الاسلامية نتيجة فقدان الاخيرة للقيم السياسية الاساسية للديمقراطية- مقالة (“THE TRUE CLASH OF CIVILIZATIONS” للمفكرين “RONALD ANGLEHART AND PIPA NORRIS” ) وسوف يتم عرض هذه المقالة للتعرف على ما جاء بها من أفكار ومفاهيم وحجج لان السبيل الوحيد لدحض الاكاذيب التى يروجها الغرب على الحضارة الاسلامية هو تفنيد تلك الحجج المضادة قبل البدء بصياغة الحجج التى تنصف الحضارة الاسلامية.
اولا: تحليل السياق
أ- التعريف بالكاتبين.
اولا: رونالد انجلهارت .هو أستاذ العلوم السياسية في جامعة ميتشيغان وهو مدير مؤسسة مسح القيم العالمية وهي شبكة عالمية من علماء الاجتماع الذين نفذوا عمليات المسح الوطني وبالإضافة الى تلك المقالة التى سوف يتم عرضها له العديد من الكتابات الاخرى مثل الثورة الصامتة و التحولات الثقافية فى المجتمع الصناعى المتقدم و الحداثة وما بعد الحداثة وارتفاع المد: المساواة بين الجنسين والتحولات الثقافية حول العالم بالاضافة الى عدد من الكتابات الاخرى كما أنه حصل على عدد من الجوائز مثل الدكتوراة الفخرية من جامعة بروكسل الحرة فى بلجيكا و الدكتوارة الفخرية من جامعة ونبيرغ بألمانيا و زميل الاكاديمية الامريكية للعلوم السياسية والاجتماعية.
ثانيا: بيبا نوريس.هى استاذ السياسة المقارنة و قامت بالتدريس فى جامعة هارفاد لمدة عقدين كما انها تدرس العلاقات الدولية فى جامعة سيدنى ومن أكثر الموضوعات التى تركز عليها فى العلوم السياسية الديمقراطية والرأى العام و الانتخابات و الاتصالات السياسية ولها العديد من الكتابات منها على سبيل المثال: التكامل الاسلامى فى الثقافة الغربية و التفسيرات الثقافية للاصلاح الانتخابى و الاتصالات السياسية المقارنة بالاضافة الى العديد من الكتابات الاخرى.
ب- السياق التاريخى لظهور المقال
لقد نشر هذا المقال فى مجلة ال “FOREIGN POLICY” فى مارس 2003 اى بعد مرور قرابة العام ونصف العام على أحداث الحادى عشر من سبتمر وبالتالى من الممكن ان يكون هذا المقال محاولة لفهم العداء بين الاسلام وامريكا وذلك على حد زعمهم كذلك شهد عام 2003 الغزو الامريكى على العراق وكانت الحجة الواهية فى ذلك هو البحث عن أسلحة الدمار الشامل وحماية الاقليات المضطهدة فى العراق وبالتالى يأتى هذا المقال كمبرر للغزو على أساس أن الدول الاسلامية تفتقر الى القيم الاجتماعية للديمقراطية القائمة على المساواة بين الجميع رجالا ونساء وكذلك حرية التعبير عن الرأى.
ويعتبر أحد أهم الاحداث التى وقعت هذا العام هو التحول الديمقراطى الذى تم فى السودان حيث تحول نظام الحكم الى نظام ديمقراطى وتم عقد اتفاقية مع الحركة الشعبية تقضى بذلك وبالتالى يكون هذا دحضا لنظرية هنتنجتون القائلة بان النظم الديمقراطية لا وجود لها فى الاسلام وبالتالى ونتيجة لإنكشاف النقص و العوار الذى أصاب فرضية هنتنجتون كان لابد من ظهور نظرية جديدة تبرر الصراع بين العالم الاسلامى والعالم الغربى.
ثانيا: خريطة الاسئلة.
طرحت المقالة عددا من الاسئلة بعضها جاء لسان صاحبى المقالة والبعض الاخر جاء على لسان صمويل هنتنجتون مخترع نظرية صدام الحضارات واتباعه من المؤمنين بتلك النظرية وتمثل هذه الاسئلة المحاور الرئيسية التى سيدورحولها النقاش فى المقالة.
كان السؤال الاول من نصيب كاتبى المقالة وكان يدور حول ما اذا كان ايقاع الديمقراطية الغربى ملائم للعالم الاسلامى ام لا ؟ وكانت الاجابة من وجهة نظر صاحبى المقال أنه لا مشكلة فى منظومة القيم السياسية وانما المشكلة تكمن فى المنظومة القيمية المجتمعية التى تحول دون المساواة بين الجنسين و التحرر الجنسى مما يعوق مسيرة الديمقراطية فى العالم الاسلامى.
أما السؤال الثانى الذى طرحه أصحاب المقال – للتدليل على ان أسباب غياب الديمقراطية فى الشرق الاوسط والبلدان الاسلامية هو التمييز بين الجنسين و التمييز السلبى ضد المرأة- هل يؤدى الرجال كقادة سياسيين دورهم بشكل أفضل من النساء وهل التعليم الجامعى ذا أهمية بالنسبة للذكور دون الاناث؟ وكانت الاجابة أن فى البلدان الاسلامية تؤيد الطرح القائل بأن الرجال أفضل من النساء كقادة سياسين وان التعليم ذو أهمية أكبر للرجال دون النساء.
أما السؤال الثالث فطرحه “بولى توينبى” الصحفى فى الجارديان البريطانية عن ما الرابط الذى يجمع مجموعات متطرفة من دول إسلامية مختلفة على كره الثقافة الغربية؟ وكان إجاباته فى المقابل من إجابة صاحبى المقال (رونالد انجلهارت وبيبا نوريس) حيث أكد هذا الصحفى ان الامر ليس له علاقة بالواقع المجتمعى وانما هو نابع بالاساس من اقتناع ان هذه القيم الغربية نابعة من تعاليم اليهودية والمسيحية المناهضة للاسلام.
أما المجموعة الاخرى من الاسئلة فهى لماذا لم تنتشر الديمقراطية فى بلدان الشرق الاوسط؟ وهل هذا له علاقة بالثقافة السائدة وبطبيعة البشر التى لا تنظر الى الى الديمقراطية كشىء ثمين يجب ان يسعى الناس اليها وان يبذلوا فى سبيلها الجهد والعرق؟ وقد أجاب صاحبى المقال على هذين التساؤلين على لسان هنتنجتون قائلين أنه لو تم توجية هذه الاسئلة لصاحب نظرية الصراع لكان رده ان ذلك الامر راجع بالاساس الى إفتقار العالم الاسلامى الى القيم السياسية المركزية التى ساعدت على إنجاح الديمقراطية فى البلاد الغربية تلك القيم تتمثل فى الفصل بين السلطة الدينية و السلطة العلمانية وكذلك بإقامة مؤسسات ديمقراطية تساعد على التمثيل الحقيقى لمطالب ورغبات الشعوب وسيادة القانون والإيمان بالتعددية المجتمعية وبالتالى فإن غياب هذه المبادىء التى تعمل كعازل بين المواطنين وسلطة الدولة أدى الى فشل الديمقراطية فى بلاد الشرق الاوسط وشمال أفريقيا ومما يؤكد هذا الاتجاه التقرير الصادر عن مؤسسة “freedom house” و التى قالت ان ثلثي عدد الدول البالغ 192 دولة حول العالم يتبعوا نظام الديمقراطية القائمة على الانتخاب فى حين ان الربع فقط من بين 47 دولة ذات أغلبية مسلمة هو من يتبع النظام الديمقراطى ولا تقع أى دولة عربية داخل هذا التصنيف.
ثالثا: التحليل الحججى.
سوف يتم تقسيم الحجج التى جاءت فى هذه المقالة الى قسمين القسم الاول يتناول الحجج الواردة على لسان هنتنجتون و القسم الثانى يتناول الحجج التى اوردها أصحاب المقال وكل قسم من الحجج يتناول حجة رئيسية ويندرج تحتها عدد من الحجج الفرعية وذلك كما يلى:
اولا:الحجج الواردة على لسان هنتنجتون
ا- الحجة الرئيسية.
تتمثل الحجة الرئيسية لهنتجتون فى أنه بنهاية الحرب الباردة فان قوى جديدة ستطفو على السطح وان الاختلافات الدينية والثقافية بين هذه القوي ستقودها الى التصارع فيما بينها وحدد هنتنجتون الإسلام باعتباره التحدي الاكبربين هذه القوى للسلام العالمي والطموح الامريكي.
ب- الحجج الفرعية.
أما الحجة الفرعية الاولى التى ساقها هنتنجتون لتبرير الصراع أن الحضارة الاسلامية على حد تعبيره تفتقر للقيم السياسية المركزية حول الديمقراطية وهى ديانة تسعى الى بث العنف وسفك الدماء من خلال رغبتها فى بسط نموذجها الثقافى الغوغائى على العالم و الدليل الذى يسوقه على ذلك ما يسمية بالحدود الدموية للاسلام وانه أينما وجد الاسلام وجد الصراع ووجدت الدماء.
أما الحجة الفرعية الثانية التى وردت على لسان هنتنجتون فى هذا المقال هى أن أفكار الفردية والليبرالية و الدستورية وحقوق الانسان والمساواة و التحرر وحكم القانون والديمقراطية وتحرير السوق وما الى ذلك من قيم لها صدى ضعيف جدا فى البلاد المسلمة بالمقارنة بالبلاد الغربية وان أى محاولة من جانب الغرب من أجل نشر تلك القيم فى المجتمعات الاسلامية سعيا لتحديثها و العمل على نهضتها غالبا ما يقابل بعنف شديد وبزعم من قبل الشرق المسلم أن محاولات الغرب ما هى الا محاولات تسعى الى بث الهيمنة و النفوذ الغربى فى البلدان الاسلامية. وسوف يتم الرد على الحجج التى وردت فى المقال على لسان هنتنجتون عن طريق عرض مجموعة الجحح المضادة التى ذكرها كتابى المقال.
ثانيا: الحجج التى يطرحها كاتبى المقال
ا- الحجة الرئيسية.
الحجة الرئيسية التى يسوقها رونالد انجلهارت وبيبا نوريس فى نقدهما لنظرية صراع الحضارات أن هنتنجتون افترض أن القيم السياسية هي جوهر الصراع بين الغرب والإسلام لكن ذلك يشكل نصف الحقيقة فقط إذ أن للصراع بين الطرفين جذور أخرى تعود إلى تنافض موقفيهما من قضايا أساسية أهمها المساواة بين الرجل والمرأة والحرية الجنسية ويصف رونالد ونوريس الهوة بين الغرب والإسلام بـ “الهوة الجنسية” القائمة على التفرقة بين الجنسين.
ب- الحجج الفرعية.
الحجة الفرعية الاولى تتمثل فى أن المسوح المختلفة تؤكد ان معظم المجتمعات حول العالم سواء أكانت مسلمة او مسيحية أو يهودية تؤكد أن الديمقراطية هى النموذج الافضل للحكم وان خط الصراع القائم بين الاسلام و الغرب ليس سببه هو رفض الاسلام للقيم السياسية للديمقراطية وانما سببه بالاساس هو عدم المساواه بين الجنسين فى البلاد الاسلامية فالآجيال الشابة فى الغرب جاءت أكثر تحررا من ابائهم فى حين أن الاجيال الشابة فى بلاد العالم الاسلامى ورثت القيم التقليدية المحافظة من أجدادهم.
الحجة الثانية: والتى تسعى لنفى فروض هنتنجتون حول رفض الاسلام للديمقراطية هو أنه من خلال عمل استطلاعات رأى فى بلاد تنتمى لثقافات مختلفة حول أفضلية الحكم الديمقراطى وجد ان الاغلبية الساحقة تصف الحكم الديمقراطى بالامر الجيد والجيد جدا بما فيها البلاد ذات الاغلبية المسلمة.
الحجة الثالثة: التى ساقها رونالد ونوريس لتأكيد حجتهم الرئيسية هى تأكيد البرنامج الانمائى للآمم المتحدة أنه لا يوجد مجتمع يستطيع ان يحقق الرفاهة الاجماعية او التنمية البشرية او المنافسة فى عالم العولمة فى حين ان نصف السكان (والمقصود هنا النساء) يعانون من التهميش وعدم التمكين وبالتالى فمهما تعالت الصيحات و الدعوات والاحلام فى العالم الاسلامى لتحقيق الديمقراطية فإن هذا الامر لا يمكن ان يتحقق ولا يمكن ان تكون هذه الديمقراطية مستدامة طالما هناك تلك الحالة من التمييز بين الاجناس.
الحجة الرابعة: تسعى تلك الحجة الى تدعيم الاتجاه السابق الاشارة الية وهو ان امتلاك القيم السياسية للديمقراطية لا يشكل أساسا ديمقراطيا سليما بدون وجود منظومة قيمية إجتماعية تشتمل على قيم الثقة بالذات والمساواة بين الجميع و التسامح مع الجماعات التى لا تحظى بشعبية كبرى و يدلل المقال على ذلك بمثالين الاول هو ان دستور دولة الصين السلطوية على الرغم من كونه يشتمل على بعض المثل الديمقراطية مثل حرية العبادة الا أن الحكام يتنكروالهذا المبدأ فى الممارسة الفلعية والمثال الثانى يتمثل فى انتخابات ايران عام 2000 فعلى الرغم من حصول المرشحين الاصلاحيين على ثلاثة ارباع المقاعد فى البرلمان الا النخبة الدينية هى التى تسيطر على مقاليد الحكم.
الحجة الخامسة: تقول هذه الحجة ان تعظيم المسلمين للسلطة الدينية ليس هو العامل الاقوى فى إشعال الصراع بين الاسلام والغرب و إنما طريقة النظر لدور المرأة فى المجتمع هى التى تعمل على إذكاء الاختلاف ومن ثم الصراع و المثال المؤكد على ذلك أنه من خلال اختبار مقولة ان الحاكم الذى لا يؤمن بوجود الله غير مؤهل للحكم وقد لاقت هذه الجملة صدى واسع وتأكيد سواء فى البلدان الاسلامية أو حتى الولايات المتحدة الامريكية لكن الامر يختلف تماما عند الحديث عن ان الرجل يكون أفضل من المرأة فى القيادة السياسية و فى أهمية التعليم الجامعى بالنسبة له بخلاف المرأة من هنا يأتى الفرق والاختلاف ففى حين لاقى هذا الاتجاه الموافقة فى العالم الاسلامى بأغلبية قدرها 82% لاقى الموافقة فى الغرب بنسبة 55% فقط فالعالم الاسلامى أقل تسامحا بالنسبة لقضايا الشذوذ الجنسى و الاجهاض والانفصال.
ويضرب المقال أمثلة متعلقة بهذه القضية وخصوصا بدولتى الصين والهند وهما دولتين ذات خصوصية ثقافية تميزهما عن الثقافة الاسلامية والحضارة الغربية فالصين على سبيل المثال أحد أقل دول العالم ديمقراطية ترى ان الرجال افضل من النساء فى تولى الوظائف العامة فى حين ان الخط العام للحزب يؤكد على اهمية دور المراة وتمكينها ولكن على أرض الواقع نجد ان المرأة الصينية ليس لها دور يذكر فى السياسة الصينية.
أما المثال الثانى فهو دولة الهند التى رغم أنها تعتب رمن اقدم الدول فى مجال الديمقراطية الا انها فى مجال حقوق الانسان عموما والمرأة خصوصا تعتبر فى ذيل قائمة الدول المتمه بتلك الحقوق حيث يوجد بها أكبر نسب أغتصاب و عنف ضد المرأة.
الحجة السادسة : تؤكد على أنه كلما كانت معاملة الدولة للشواذ الجنسيين حسنة فإن ذلك دليل على مدى احترام الدولة للقيم الديمقراطية فمظاهر التسامح لا تتأكد من خلال دعم الجماعات المرغوب فيها او تلك التى تلقى فبولا عاما ولكن قيم التسامح تتجلى بالاساس فى درجة التعامل مع الاقليات والجماعات التى يمكن ان تجد الصدود والاعراض من جانب فئات اخرى فى المجتمع فكلما سمح لتلك الجمعات بالانخراط فى المجتمع وفى التدريس فى المؤسسات التعليمية وفى الاشتغال بالوظائف العامة ومراكز صنع القرار.
الحجة السابعة: ترى هذه الحجة أنه مع إنتشار عملية التصنيع والحداثة فإن ذلك أدى الى نزول المرأة الى سوق العمل وبالتالى تمكنت من المشاركة فى العملية الانتاجية وحصلت على أجر نظير ذلك العمل كذلك زادت معدلات تعليم المرأة والمشاركة فى الحياة البرلمانية فى الغرب وبالتالى فإنه بإنتقال التجربة الغربية وما تنطوى علية من قيم اجتماعية يمكن للبلاد الاسلامية ان تحقق النمو الاقتصادى المأمول الذى يأخذ بيدها فى طريق الديمقراطية وخصوصا أنه لا يمكن أن تنهض دولة وهى تهمش جزء كبير من سكانها وأكبر دليل على ذلك تركيا التى تمكنت من خلال تطبيق قيم المساواة و التحرر الجنسى تمكنت من تحقيق التنمية والديمقراطية.
وسائل الاقناع
اعتمد الكاتبين فى هذا المقال على ايراد عدد من وسائل الاقناع تمثلت تمثلت فى عقد المقارنات بين الحضارتين الغربية والاسلامية كذلك عمد الى إيراد أمثلة من تاريخ الدول ومن ذلك حديثه عن اوضاع المرأة فى بلاد من الصين والهند هذا بالإضافة الى عدد من البيانات الكمية الرقمية للتدليل على وجهة نظره معتمدا على بيانات المسح القيمى العالمى واحصائات البرنامج الانمائى للامم المتحدة فى محاولة للتأكيد على أن الصراع القائم نتيجة الاختلاف فى القيم الدينية بين الحضارية الاسلامية والحضارة الغربية إنما هو جانب واحد فقط من الحقيقة ولكنه ليس كل الحقيقة حيث أن الصراع قائم بالاساس نتيجة قيم اجتماعية تتمثل فى رفض المساواة بين الجنسيين والتحرر الجنسى .
ثالثا: التحليل المفاهيمى
يعتبر المفهومين الاساسيين الذين تم تناولهما فى المقالة هما مفهوم الصراع ومفهوم الديمقراطية وارتبط بكل مفهوم من هذين المفهومين منظومة فرعية من المفاهيم فيما يسمى بعائلة المفهوم هذا بالاضافة الى المفهوم المحورى والذى فامت علية المقالة أساسأ كما قامت علية أطروحة صمويل هنتنجتون وهو مفهوم الحضارة.
أ- مفهوم الحضارة.
إن كلمة حضارة والتى هى ترجمة لكلمة CIVILISATION تعنى ذلك النمط أو الطراز الذى يسود فى مجتمع ما ويعبر عن هويته فالحضارة هى مجموعة الافكار والمشاعر والانظمة التى تصوغ طريقة العيش فى مجتمع من المجتمعات فكلمة الحضارة توحى بثبات مجموعة من القيم والمعايير فى المجتمع ويوجد قبول عام لها كما أن للحضارة شروط تخص نموها وتطورها منها ما هو سياسى ومنها ما هو جغرافى أو مناخى أو إقتصادى.
وبالتالى يمكن القول بأن الحضارة هي ذلك الجانب من الثقافة الذي تحول إلى مفاهيم مشتركة في مجتمع ما بحيث أصبح عرفا عاما له وصاغ مشاعر الناس فيه فجعله مجتمعا ذا شخصية خاصة وهوية متميزة.
ب- المنظومة المفاهيمة لمفهوم الصراع
ينبغى الاشارة هنا الى أن المقصود بمفهوم الصراع هنا ليس ذلك المعنى التقليدى القائم على استخدام الادوات الثقيلة فى الحرب بين الدول كما حدث فى الحربين الاولى والثانية ولا هو يعنى الصراع داخل طبقات المجتمع وخصوصا طبقة العمال او البروليتاريا والطبقة البرجوازية التى سينتصر فيه الطبقة العاملة وتسعى لتطبيق الشيوعية كما زعم كارل ماركس وأنصاره.
وجدير بالذكر ان مفهوم الصراع يعتبر أحد المفاهيم الراسخة والثابتة فى العقلية الغربية منذ قديم الازل ففى العصر اليونانى سادت فكرة صراع الالهة وصراع الانسان مع الطبيعة ثم انتقل الصراع ليصبح بين الكنيسة والدولة ثم بعد انتهاء هذا الصراع عن طريق غلبة الدول القومية نشأ الصراع بين تلك الدول وانتهى الى ما يسمى الحرب الباردة التى قامت بين المعسكر الشرقى بقيادة الاتحاد السوفيتى سابقا والمعسكر الغربى بقيادة الولايات المتحدة الامريكية.
حتى إذا ما انتهى هذا الصراع الايدلوجى شعر الغرب بفراغ صراعى عميق ولرأب هذا الفراغ سعى جاهدا الى إيجاد أساس جديد للصراع فوجد ضالته فى نظرية صدام الحضارات لصمويل هنتنجتون التى فسرت الصراع المستقبلى بأنه سيقوم نتيجة الاختلافات الجوهرية بين الحضارة الغربية المسيحية المتقدمة والحضارة الاسلامية البربرية المتخلفة ونتيجة لهذه النظرية توالت النظريات والتفسيرات والمقالات التى تتناول هذا الموضوع وكان منها تلك المقالة التى يعرضها الباحث كما سبقت الاشارة . وسوف يتم تناول المفاهيم المتعلقة بالصراع الوادة فى هذه المقالة بالتعريف وجدير بالذكر أن المفاهيم التى شملتها هذه المقالة فيما يتعلق بالصراع بين الحضارات تتعلق بقيم مجتمعية أكثر من كونها قيما سياسية اى ان سبب الصراع والصدام بين الاسلام والغرب ليس نتيجة الاختلاف فى القيم السياسية للديمقراطية وانما نتيجة الاختلاف فى منظومة القيم الاجتماعية.
الصراع: |
و من المفاهيم المتعلقة بمفهوم الصراع مفهوم التهميش ومفهوم عدم التمكين ومفهوم التميز السلبى ضد المرأة ويرى أصحاب المقال ان افتقار المجتمعات الاسلامية لتلك المفاهيم هو السبب الاساسى للصراع ويوضح الشكل التالى المنظومة المفاهيمية لمفهوم الصراع الوارد فى المقال:
– التهميش: عملية التهميش تعنى فى اساسها إغفال جانب كبير او مجموعة كبيرة من الناس وهم من وجهة نظر المقالة (النساء فى العالم الاسلامى) من المشاركة الفعالة فى مجريات الامور داخل الدولة بما تشمله من حق تولى المناصب السيادية والحق فى الحصول على التعليم اى هو عبارة عن وضع مجموعة منظمة من العقبات أمام المرأة من اجل إعاقتها عن الحركة و البناء.
2- عدم التمكين: عدم التمكين بداهة هو ضد مفهوم التمكين ذلك المفهوم الذى تلاقى مع مفهوم التنمية وأصبح تمكين المرأة هو بوابة العبور لتحقيق التنمية فالتمكين يعنى إعطاء الفرصة للمرأة فى كافة مناحى الحياة والاعتراف بدورها ومن ثم نجد مفهوم عدم التمكين هو خلافا لكل ما سبق ذكرة فعدم التمكلين هو تكريسا للتهميش وكلاهما سببا ونتيجة للاخر
3- التمييز السلبى ضد المرأة: ويعنى التحيز للرجل فى مختلف الامور فالرجل هو الاحق بالسلطة وكذلك هو الاحق بالتعليم دون المرأة وقد أوضحت المقالة هذا التحيز من خلال ضرب مثال سبقت الاشارة الية وهو السؤال المتعلق بما اذا كان الرجال افضل من النساء كقاة سياسيين وأن التعليم بالنسبة للرجال أفضل من النساء وقد تعدت نسبة الموافقين على هذا الاتجاه فى الدول ذات الاغلبية المسلمة أكثر من 80 % وليت الامر يقف عند ذلك الامر وإنما يتعداه الى مجال العمل فحتى لو قبلت المرأة فى العمل فإنها بطبيعة الحال تحصل على اجر أقل مما يحصل علية الرجل كنتيجة للتميز السلبى بينها فى الاجر.
وبالنظر الى هذه المفاهيم نجد انها تؤكد على ان الديمقراطية لا تتحقق فى البلاد الاسلامية من وجهة نظر كاتبى المقال ليس لرفضم المؤشرات السياسية للديمقراطية كأهمية وجود مؤسسات برلمانية او تعددية حزبية أو فصل بين السلطات وإنما لرفضهم لقيم المساواة بين الرجل و المراة وقيم التحرر الجنسى والاعتراف بحقوق الشواذ.
ب- المنظومة المفاهيمية لمفهوم الديمقراطية.
ويمكن تعريف مفهوم الديمقراطية بدون الخوض فى التعريفات المختلفة لهذا المفهوم على أنه نظام الحكم الذى يعتبر ان الشعب هو مصدر السلطات فالشعب هو الذى يحكم نفسه بنفسه من خلال ممثلين عنه وللديمقراطية عدة مؤشرات منها سيادة القانون والتعددية الحزبية وحرية التعبير وغيرها.
وبالاضافة الى القيم الصراعية التى ذكرتها المقالة ذكرت عددا من المفاهيم المرتبطة بالديمقراطية وتمثلت تلك القيم فى الفصل بين الدين والدولة وحكم القانون وحماية الاقليات العرقية وما الى ذلك من معايير لقياس مدى ديمقراطية دولة غير انه على خلاف هنتنجتون الذى قال بأن تلك القيم ليس لها اى تاثير يذكر خارج الحضارة الغربية رأت المقالة ان هنتنجتون قديكون محق فى انه لا يوجد فى المجتمعات الاسلامية فصل واضح بين الدين والدولة الا ان جميع القيم الاخرى التى قال بها هنتنجتون لها صدى ايجابى فى الحضارة الاسلامية.
غير ان ذلك الصدى الايجابى لقيم الديمقراطية السابق ذكره لا يقايله صدى او هوى فى الحضارة الاسلامية تجاه مفاهيم مثل تحرير الجنس وحقوق الشواذ والمساواة بين الجنسين والتسامح وقبول الاخر فهذه المفاهيم هى المعيار الحقيقى للديمقراطية من وجهة نظر أصحاب المقالة .
رابعا: المسكوت عنه فى النص
تحدث كاتبا المقال عن أن الصدام الحقيقى للحضارات ناتج عن عدم قبول الحضارة الاسلامية الاعتراف بحقوق الشوذ الجنسيين أو ما يطلق عليه (زواج المثليين) متباهين ان الغرب قد حقق مصالحة مع ذاته وانه تقدم وان دعائم الديمقراطية قد ترسخت فى الغرب نتيجة تسامحه مع تلك الجماعات التى كانت تواجه النقض و الاعراض من المجتمع متناسين ما أحدثته قوانين زواج المثلين من إعتراضات واسعة فى المجتمعات الغربية ونسوق الدليل على ذلك بدولتى فرنسا وانجلترا فهاتان الدولتان تقعا فى قلب الحضارة الغربية ومع ذلك أثارت قوانين الشذوذ الجنسى معارضة واسعة
ففى فرنسا على سبيل المثال لم يتم اقرار قانون زواج المثليين الا فى عام 2013 اى بعد صدور قرابة العشرة أعوام على صدور هذه المقالة فى مجلة “foreign policy ” وجدير بالذكر ان إصدار هذا القانون واجه إعتراضا عنيفا فى المجتمع االفرنسى الذى شهد عددا من التظاهرات للتنديد بالقانون كذلك تقدم تيار اليمين المعارض فى فرنسا بطعنا على هذا القانون متعلالا بعدم دستوريته غير ان المحكمة الدستورية رفضت قبول الطعن وقد أعرب رئيس حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية جان فرانسوا كوبيه عن أسفه لقرار المحكمة الدستورية لكنه أكد احترامه له وقال هارفي ماريتو وهو عضو بارز في الاتحاد إن الحزب سيتقدم بمقترحات بديلة عام 2017 “تحترم بشكل أكبر حقوق الأطفال وفى بيان صادر عن جماعات الضغط المدعومة من قبل الكنيسة الكاثوليكية أن مشروع القانون يقوض البناء المجتمعى للدولة الفرنسية.
وفيما يتعلق ببريطانيا نجد ان أثار قانون جعل من زواج المثليين شرعيا في بريطانيا جدلاً طال الكنيسة الرسمية في البلاد ومجموعات دينية أخرى وأثار تساؤلات عن طبيعة العلاقة بين الدين والدولة والأهم العلاقة بالمجتمع.وجدير بالذكر ان الكنيسة الكاثوليكية البريطانية نددت بالقانون وفى ذلك دليل على رفض جميع الاديان للتحلل الخلقى وتغير سنة الخلق وأن ذلك الامر ليس فقط حكرا على الديانة الاسلامية أو أنه ناتج عن جمود فى عملية تلك الحضارة الاسلامية
النتائج التى تم التوصل اليها
فى ختام عرض هذا المقال ينبغى الاشارة الى انه اذا كان المقال محقا بشأن وضع المرأة فى البلاد العربية الاسلامية وما تلاقيه من تهميش وعدم تمكين وان ذلك منافى للقيم الديمقراطية التى تحض على المساواة بين الجميع فى الحقوق و الحريات الا ان الصواب قد جانب هذا المقال فى عدد من النقاط اهمها:
1- حكمهم ان عدم المساواة بين الرجل والمرأة يرجع الى قيم الحضارة الاسلامية المتشددة الرافضة للمساواة و كنتيجة لتأصل القيم الدينية البالية فى المجتمعات الاسلامية حيث ان الاجيال الشابة فى تلك المجتمعات جاءت اكثر محافظة وتقليدية على حد وصف كتاب المقال فى وقت يتطلب الانفتاح على كل ما هو جديد و الرد على ذلك الافتراء ان الاسلام فى حقيقة الامر جاء لتحقيق المساواة وتكريم المراة وان الموقف المتحيز ضد المرأة فى أغلب البلاد الاسلامية والشرق الاوسط ناتج عن حالة الفقر والجهل العام فى تلك البلاد والذى تسبب فيه بالاساس دعاة المدنية والتقدم نتيجة احتلال الغرب لبلاد الشرق وعمله على هدم كل القيم الاساسية فى تلك المجتمعات حتى يتمكن من السيطرة والهيمنة.
2- المغالطة الثانية التى وقع فيها أصحاب المقال هى محاولة فرض القيم الغربية كما هى على الحضارة الاسلامية متناسيين ان لكل حضارة خصوصيتها وانه لا يمكن أخذ المفاهيم والقيم دون فهم سياقاتها فالديمقراطية الغربية القائمة على الاعتراف بالشذوذ الجنسى والتعايش معه لا يمكن أن تجد صدى لها فى الشرق المسلم ورفض هذه القيمة لا يؤدى بالضرورة الى الصراع بين الحضارات وبالتالى أى حديث عن صدام الحضارات نتيجة الخلاف على بعض القيم يعتبر هدما لمبدأ قبول الاخر الذى ينادى به الغرب.
3- كذلك ان المقالة تتحيز ضد الحضاراة الاسلامية فقد أرجع الكاتبان أسباب عدم وجود ديمقراطية فى البلدان الاسلامية كنتيجة لتعاليم تلك الديانة الرافضة للمساواة فى حين أنه لم يرجعا انتهاك حقوق المرأة فى الهند مثلا – رغم كونها اتخذت من الديمقراطية البرلمانية أساسا لنظام لحكم منذ بداية عهد نهرو- الى اسباب تتعلق بالديانة الهندوسية كذلك لم يرجع الكاتبان تراجع نسبة مشاركة المرأة فى الصين الى تعاليم وقيم الحضارة الكنفشوسية وبالتالى يظهر التحيز الواضح ضد الحضارة الاسلامية.
4- ومن وجهة نظرى ان الحديث عن وجود ثقافة واحدة او حضارة واحدة تشمل الغرب هو ضرب من ضروب العبث حيث ان كل دولة خصوصية ثقافية وحضارية خاصة بها صحيح أنه يوجد قواسم ثقافية وحضارية مشتركة بين البلدان الغربية الا أنه لابد ان يوجد قدر من الاختلاف والذى يؤكد ذلك التاريخ الطويل من الصراعات التى شهدها الغرب فيما بينه فإذا كانت كل بلاد الغرب تمتلك نفس المشترك الحضارى فلماذا وقع الخلاف والصراع بينها فى أغلب فترات التاريخ ولماذا عمل الغرب على تحدى الثورة الفرنسية التى قامت فى فرنسا الغربية خشية من انتشار مبادئها فى بلادهم مما يساعد على تغير الوضع القائم واذا كان الغرب كله يؤمن بالديمقراطية و المساواة فلماذا اذن ظهرت الفاشية والنازية فى الغرب.
الخاتمة
وخلاصة القول أن الغرب كما عشق من قبل كل المذاهب السياسية وتنقل بينها دون ان يروى عطشه من خلال الوصول الى حقيقة الوجود و كذلك الهدف منه و انتقل بين المذاهب الكلاسيكية والرومانسية وابتدع ما يسمى بالحداثة وما بعد الحداثة عشق ايضا الصراع بكل صوره واشكاله حتى انتهى به الى القول بصدام الحضارات وفى الواقع فإنه ان بحثنا عن مفهوم يعبر عن الوضع والواقع الحالى فإنه يمككنا القول ان ما نحن فيه هو صدام من أجل فرض النموذج الثقافى الغربى على العالم حتى نسير فى إطار حلقة مفرغة من التبعية للغرب ندور فيها بلا نهاية مستخدما فى ذلك أدواته الثقافية وترسانته الاعلامية الضخمة التى تسيطر على المحتوى الاخبارى الذى يصل الى الشرق وفى إطار ذلك تم عرض تلك المقالة عن طريق استخلاص الاسئلة التى طرحت فى المقالة وكذلك خرائط المفاهيم والحجج التى أودها الكاتبان لتأكيد وجهة نظرهما انتهاءا الى أهم النتائج التى توصل لها الباحث.
وفى رأيى ان اى محاولة للحديث عن حوار الحضارات فى مقابل صدام الحضارات لن يكن له صدى كبير اذا لم نمتلك الادوات و الوسائل الحقة التى تساعدنا على نشر قيمنا الثقافية واذا لم نتخلص من التشوه القيمى والمفاهيمى الناتج عن استئصال المفاهيم من بيئتها دون فهم سياقها وتوطينها فى مجتمعاتنا والكف عن محاولات التماهى مع الغرب و العمل على حفظ التوازن بين العوالم الثلاثة التى نحيا نحن العرب فى إطارها الا وهى عالم الا فكار وعالم الاشخاص وعالم الاشياء.