الايرانيةالدراسات البحثيةالمتخصصة

معوقات إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية

اعداد الباحث: كرار أنور ناصر – باحث دكتوراه في العلاقات الدولية …كلية العلوم السياسية جامعة بغداد

  • المركز الديمقراطي العربي

 

المقدمة:
لعل من نافلة القول تعد منطقة الشرق الاوسط من اكثر المناطق التي تثار فيها المسألة النووية بين الحين والاخر, وذلك لأهميتها سياسياً واقتصادياً وجغرافياً في المدرك الاستراتيجي للقوى الكبرى, ولهذا تتوجه المساعي الدولية في ظل نظام منع الانتشار النووي الى صوب إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط أسوةً بالأقاليم أو المناطق التي حققت ذلك بإبرامها معاهدات حظرت تصنيع أو حيازة أو تداول أي من أجهزة التفجير النووية. حيث تم تغطية أمريكا اللاتينية من خلال معاهدة “تلاتيلولكو Tlatelolco” ، ومنطقة جنوب المحيط الهادئ بمعاهدة “راروتونغا Rarotonga” ، وقارة افريقيا بمعاهدة “بليندابا Pelindaba”.

اذ يهدف السعي لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الاسلحة النووية إلى: تجنب دول المنطقة من التعرض لمخاطر استخدام الاسلحة النووية، والمساهمة في منع الانتشار الأفقي ، وتعزيز الثقة وتحسين العلاقات بين دول المنطقة، والمساهمة في الاستقرار والأمن على الصعيدين الإقليمي والعالمي، فضلا عن تسهيل وتشجيع التعاون في مجال تنمية الطاقة النووية واستخدامها في الأغراض السلمية سواء في المنطقة أو بين دولها والدول خارجها.

وقد تعددت المحولات والجهود الرامية, لأنشاء منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط, الا المنطقة لم ترى النور حتى الان, ومن المعروف ان اغلب دول المنطقة عدا إسرائيل موقعة على معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية, وان اغلبها ليس فقط لا تملك السلاح النووي, بل لا تملك حتى القدرة النووية للأغراض السلمية عدا ايران, ورغم ذلك فان الجهود التي تضافرت في سبيل جعل هذه المنطقة خالية من الاسلحة النووية اغلبها بائت بالفشل, رغم اهميتها لجميع الاطراف الاقليمية في اقامة الاستقرار والامن. فقد رفضت الجمعية العامة للوكالة الدولية للطاقة الذرية المنبثقة عن الأمم المتحدة 25 ايلول2014 مشروع قرار عربي يوجه النقد لإسرائيل بخصوص ترسانتها النووية المفترضة، ما يعني خسارة الموقف العربي المطالب بوضع الرقابة على مفاعل ديمونا تمهيدا للتفاوض حول اخلاء الشرق الاوسط من الأسلحة النووية

إشكالية الدراسة:
تمثل اقامة منطقة خالية من الاسلحة نووية في الشرق الاوسط امرا في غاية الاهمية, في وسط بيئة يسودها الصراع وعدم الاستقرار, ولكن رغم الجهود المبذولة والسعي الحثيث اقليميا ودوليا فان اقامة هذا المنطقة لم تتحقق منذ ان كانت مشروعا في السبعينيات وحتى الان فما هي المعوقات التي تحول دون اقامة هذه المنطقة؟ وكيف اسهمت هذه المعوقات في الحيلولة دون اخلاء الشرق الاوسط من الاسلحة النووية؟

فرضية الدراسة:
تنطلق فرضية الدراسة من القول: ان معوقات اقامة منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط تعود الى عدم الاتفاق الاقليمي على النطاق الجغرافي المحدد للشرق الاوسط والى السياسية الانتقائية لنظام منع الانتشار النووي, والى غياب الردع المتبادل, مما اسس ذلك حالة من عدم الثقة حالت دون اخلاء الشرق الاوسط من الاسلحة النووية.

منهجية الدراسة:
من الامور المسلم بها هو عدم اقتصار الباحث على منهج واحد في الدراسة, وبذلك قفد استندنا على المنهج الوصفي لما له خواص في وصف الظاهرة المراد دراستها, حتى يكون ذلك المدخل في تفسيرها وفقا للمنهج التحليلي.

هيكلية الدراسة:
تم تقسيم الدراسة بصورة تسلسلية بدءاً من مفهوم المناطق الخالية للأسلحة النووية في المبحث الاول, الى القدرات النووية في الشرق الاوسط في المبحث الثاني, لنتمكن من معرفة طبيعة القدرات النووية في الشرق الاوسط, ومن ثم تناولنا في المبحث الثالث والاخير المعوقات التي تحول دون اخلاء الشرق الاوسط من الاسلحة النووية, وقد قسمناها الى المعوقات الجغرافية, المعوقات السياسية, معوقات السياسية الانتقائية لنظام منع الانتشار النووي, معوقات غياب الردع المتبادل, فضلا عن معوقات الصراع وعجز الثقة.

المبحث الاول : المناطق الخالية من الاسلحة النووية اطار مفاهيمي نظري
لعل من نافلة القول يمثل انشاء المناطق الخالية من الاسلحة النووية احد اهم المداخل الرئيسة للتعامل مع المشاكلات التي اثارتها الاسلحة النووية منذ العام 1945, ومنها مشكلة منع انتشار الاسلحة النووية, عن طريق اقامة ترتيبات أمنية بين دول اقليم معين, لتحقيق مجموعة من الاهداف المتوخاة, اهمها تقليص التهديد النووي لدول الاقليم, وحمايتها من التعرض لمخاطر استخدام الاسلحة النووية وتسهيل الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. ( )

اذ تعد المنطقة الخالية من الاسلحة النووية : منطقة لا يجوز فيها للدول بناء او امتلاك او نقل او نشر او اختبار الاسلحة النووية ( ). ويمكن القول ان المناطق الخالية من الاسلحة النووية هي احدى التطبيقات النوعية للمناطق المنزوعة من السلاح, على ان المناطق المنزوعة من السلاح تعني اخلاء منطقة معينة من الاسلحة والمعدات والمنشآت والقواعد العسكرية, وتحريم مباشرة اي نشاط عسكري فيها من اي نوع( ), بيد ان المناطق الخالية من الاسلحة النووية تعني تجريد منطقة ما من الاسلحة النووية فقط دون غيرها, وفقا لاتفاق دولي بين اطراف المنطقة المعنية( ).

اي ان المناطق المنزوعة من السلاح هي اطار شامل يجرد منطقة ما من بكل انواعها, في حين المناطق الخالية من الاسلحة النووية هي اطار جزئي لذلك الاطار الشامل يجرد منطقة ما من الاسلحة النووية ونشاطاتها.
وعلى الرغم من وضوح فكرة المناطق الخالية من الاسلحة النووية, الا ان هناك اختلاف بين الباحثين في تحديد تعريفها وان كان هذا الاختلاف في المضمون, بيد انه ثابت ومتفق عليه في الجوهر, وهو الاخلاء الشامل للأسلحة النووية, ومن ضمن هذه التعاريف:

تعريف سافيتا باند, الذي يركز على انها كيان قاري محدد, واقليم جغرافي معترف به عادة, يحظر فيه صناعة وتلقي وتخزين وتركيب الاسلحة النووية. ( )
تعريف جان بولدن وديفيد كوكس: انها مناطق محددة جغرافياً يتم فيها حظر وجود او صناعة او اختبار الاسلحة النووية. في حين يعرفها جان براوتز وجيمس ليونارد اللذين يشيران إلى أنها “مفهوم مختصر يعبر عن منظومات للأمن الإقليمي، مستقلة أو مكملة للترتيبات العالمية أو الإقليمية الأخرى”.( )
ويبدو ان هذا التعريف يربط المناطق الخالية من الاسلحة النووية بترتيبات اقليمية في اطار منظومة اقليمية system بشكل مستقل, او كأجراء مكمل للترتيبات العالمية الاخرى من جهود نزع التسلح ومنع الانتشار النووي, يهدف للاستقرار الاقليمي وارساء السلام الدولي.

على ان التعاريف السابقة وان كانت تختلف في تناولها للمفهوم بيد انها بصورة عامة تؤكد على: ( )
1- نطاق محدد اي وجود منطقة جغرافية محدد قد تكون قارة او اقليماً او اي مساحة ما, وتحدد اطراف هذه المنطقة في اطار هذا النطاق.
2- الخلو النووي اي الحظر العام للأسلحة النووية بموجب التزامات تتحدد بها الأطراف في المنطقة المعنية.
ربما ساعدت التعاريف السالفة الذكر على ايضاح مفهوم المناطقة الخالية من الاسلحة النووية بيد اننا سنعمد الى التعريف الذي اقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة, بناءً على اقتراح مكسيكي، في قرارها المرقم 3473 في ديسمبر 1975، وذلك في شكل اعلان تعريف مفهوم المنطقة الخالية من الاسلحة النووية على النحو الاتي: ( )

تعد منطقة خالية من الاسلحة النووية كقاعدة عامة: اية منطقة تعترف بصفتها هذه الجمعية العامة للأمم المتحدة وتنشئها اية مجموعة من الدول على سبيل الممارسة الحرة لسيادتها, وذلك بمقتضى معاهدة او اتفاقية يجري بموجبها ما يلي:
1- تحديد نظام الخلو التام من الأسلحة النووية الذى تخضع له المنطقة المعنية، بما في ذلك الإجراء الخاص بتعيين حدود المنطقة.
2- إنشاء جهاز دولي للتحقق والمراقبة لضمان الامتثال للالتزامات الناشئة عن ذلك النظام.
وبعد تعريف المنطقة بشكل عام, حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة, ان كل منطقة خالية من الاسلحة النووية تتعرف بصفتها الجمعية العامة يتعين على جميع الدول الحائزة للأسلحة النووية – بموجب معاهد 1968- ان تتعهد وتؤكد من جديد في صك دولي رسمي له قوة الالزام القانوني كمعاهدة او اتفاقية او بروتوكول, الالتزامات الاتية:

1- ان تحترم جميع عناصر نظام الخلو التام من الاسلحة النووية المحددة في المعاهدة او الاتفاقية المنشئة للمنطقة.
2- ان تتمنع عن الاسهام بأية طريقة في اداء افعال في الاقاليم التي تشكل جزءاً من المنطقة, تكون منطوية على انتهاك للمعاهدة او الاتفاقية المذكورة انفاً.
3- ان تمتنع ان استعمال الأسلحة النووية او التهديد باستخدامها ضد الدول الداخلة في المنطقة.
ويعزا اعتمادنا لهذا التعريف هو انه لم يحدد التزامات على الدول المعنية بالمنطقة الخالية من الاسلحة النووية فحسب, بل انه الزم الدول الحائزة للأسلحة النووية بالتزامات خاصة تجاه المناطق الخالية من الاسلحة النووية وتجاه الدول الداخلة فيها. ويبدو ان الزام الدول المالكة للأسلحة النووية بالمناطق الخالية من الاسلحة النووية ربما يهدف بالنهاية الى احترام الدول الداخلة في هذه المناطق, ولكنه بصورة اخرى يبدو كأنه دافع لجعل الدول المالكة للأسلحة النووية ان تقتفي اثر تلك الدول. وربما ان صعوبة نزع السلاح النووي لدول الكبرى جعل عملية البدء من الدول الصغرى, كحافز يشجع القوى الكبرى على نزع سلاحها النووية بالنهاية.
وعند النظر الى تقرير هيئة نزع السلاح في الدورة السادسة والخمسون للجمعية العامة في الامم المتحدة عام 2001, نجد شيئاً من ذلك القبيل, فقد اكد التقرير: تشكل اقامة مناطق خالية من الاسلحة النووية مساهمة في تحقيق نزع السلاح النووي وفي الجهود العالمية الرامية الى تحقيق الهدف النهائي المتمثل في ازاحة الاسلحة النووية تحت مراقبة دولية دقيقة وفعالة, وبذلك يجب اعتبار ان انشاء مناطق اخرى خالية من الاسلحة النووية هي مسألة ذات اولوية لارتباطها بنزع التسلح النووي والسلم والامن الدوليين. ( )

صفوة القول تمثل المناطق الخالية من الاسلحة النووية ترتيب اقليمي, يحظر فيه تطوير وتصنيع وتخزين واقتناء وحيازة والسيطرة او المساعدة في مجال البحوث على تطوير او تصنيع او تخزين او اقتناء او حيازة اي سلاح نووي, داخل منطقة جغرافية محدد من قبل الدول الاطراف. ( )

المبحث الثاني: القدرات النووية في الشرق الاوسط
بادئ ذي بدء ينبغي التوضيح ان القدرات النووية لا تشير بالضرورة الى امتلاك السلاح النووي, فالدولة التي تتملك قدرات نووية, هي التي تملك المعارف النووية الاساسية والكوادر العلمية ومراكز البحث والتطبيق, فضلا عن امتلاكها مفاعل او عدة مفاعلات تعمل في إطار برنامج نووي لأغراض البحث والتطبيقات المدنية او لأغراض توليد الطاقة وتحلية المياه. فالقدرة النووية ترتبط في الاساس بامتلاك بينة نووية تعمل للأغراض السلمية المدنية( ), ورغم ذلك فالقدرة النووية تقع ضمن عناصر القدرة التكنلوجية والاقتصادية للدولة بصفة عامة, بيد انها عند حد معين من تطورها يمكن ان تمثل قاعدة لبناء قوة عسكرية نووية, او تقيم برنامجاً يركز على التطبيقات العسكرية منذ البداية, ومن ثم تصبح القدرة النووية من عناصر القوة العسكرية, او تكون على مستوى يتيح للدولة خياراً عسكرياً نووياً( ).

ومن بين الدول التي تملك قدرات نووية في الشرق الاوسط هي:

اولا: إسرائيل
ان الحديث عن القدرات النووية الاسرائيلية لا يفهم الا في اطار امتلاك السلاح النووي, اذ تعد إسرائيل اول دولة وان كانت غير معلنة تملك السلاح النووي في منطقة الشرق الاوسط, ولا يوجد تقدير دقيق لحجم المخزون الاسرائيلي من السلاح النووي, ولكن يعتقد على نطاق واسع ان حجم مخزونها يقدر بحوالي 100 رأس حربي من البلوتونيوم, ووفقاً لأحد التقديرات تملك إسرائيل حتى كانون الاول من العام 2006 ما بين 340 و 650 كغم من البلوتونيوم العسكري, او ما يعادل 110 رؤوس حربية, على افتراض ان كل رأس حربي يحوي على خمسة كغم من البلوتونيوم, اذ يعتقد الكثير من المحللين ان لدى إسرائيل ترسانة نووية مبيته, وثمة تخمينات وان كانت غير مؤكدة, تشير الى ان إسرائيل قامت ربما بإنتاج اسلحة نووية غير استراتيجية, بما فيها قذائف مدفعية وذخائر تدمير نووية( ).

ومما لا ريب فيه ان إسرائيل تملك اسلحة نووية على الرغم من عدم اعلانها, ذلك لأنها تهدف بصورة او بأخرى الى توظيف الشك حول قدراتها النووية لتكسب بذلك الردع بالشك, مما يجعل العرب في حالة من الخوف واليأس تدفعهم بقبول شروطها بالسلام وعدم المجازفة في الحرب معها( ). ومن هنا نفسر رفضها لعدم انضمامها لمعاهد الحظر الشامل للأسلحة النووية, لان انضمامها قد يفقدها خاصية الردع التي تنشدها وقد يقيد طموحتها التوسعية في المنطقة.

ولعلنا لا نبالغ اذا خلصنا في هذا المقام الى القول: ان هناك ثلاث مراحل تتعلق بالخيار النووي الاسرائيلي: ( )
1- مرحلة الخيار النووي: وتعني ان السلاح النووي لم ينتج بعد رغم توفر القدرة على انتاجه في فترة زمنية قصيرة.
2- القنبلة في القبو: وتعني ان سلاحاً نووياً تم انتاجه فعلياً, بيد ان امر الافصاح عنه لايزال سراً.
3- الاعلان عن السلاح النووي: ويعني ان موضوع انتاج السلاح النووي قد اعلن على الملاء, واصبح جزءاً من ادوات الردع المعروفة وسلاحاً لا يُخفى على احد.

ولعلنا لا نضيف شيئا جديدا اذا قلنا ان اسرائيل قد تجاوزت المرحلة الاولى وهي الان بصدد المرحلة الثانية, ولم تصل الى المرحلة الثالثة وذلك للأسباب السالفة الذكر.

ثانيا: ايران
ينصرف الى الذهن ابتداءً ان القدرة النووية الايرانية عادة ما تشير الى القدرة على انتاج السلاح النووي, في حين يشير البعض انها لم تتعدى الاطار السلمي, والحقيقة تدخل القدرات النووية الايرانية ضمن المنطقة الرمادية بين الاستخدامات السلمية والعسكرية للطاقة النووية, فهناك خلاف دولي بشأن نطاق برنامج ايران النووي وطبيعته, فقد خلصت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عام 2003 بان ايران لم تعلن على مدى عقدين من الزمن على نشاطات نووية مهمة, مخالفةً بذلك اتفاق الضمانات الشاملة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية, التي تنص عليها معاهدة 1968 المتعلقة بعدم انتشار الاسلحة النووية ( ), واشتد ذلك الخلاف في عام 2007 عندما فرض مجلس الامن قراره المرقم (1737) القاضي بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على ايران, وذلك بسبب تحدي ايران لقرارات مجلس الامن المرقمة (1696) و (1737) الذين طالبا ايران بوقف تخصيبها لليورانيوم واعادة معالجة البلوتونيوم. ( )

والأمر الذي لا محل فيه لخلاف هو ان ايران هي التي اثارت هواجس المجتمع الدولي حول طبيعة برنامجها النووي, اذ ظهرت وقائع بعد احتلال العراق في عام 2003 اعطت مصداقة اكبر للطروحات التي تقول ان هناك برنامج نووي سري ممكن ان يكون مخصصا للأغراض العسكرية, ومن هذه الوقائع: ( )
1- اكتشاف قيام ايران باستيراد ما يقارب الطن والنصف من اليورانيوم الطبيعي في بداية التسعينان دون ابلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بذلك.
2- قيام ايران باستغلال ترسبات اليورانيوم الطبيعي الموجود في اراضيها كمصدر محلي للمواد النووية.
3- قيام ايران وفقا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة الفرنسية بمحاولة الحصول على مواد نووية خاصة بإعادة معالجة الوقود النووي عام 2000.
4- استعانة ايران بخبراء وعلماء اجانب من باكستان وكوريا الشمالية في تطوير البرنامج النووي الايراني.
5- والتطور الاكثر اهمية هو قيام ايران بأنشاء وحدات ضخمة من اجهزة الطرد المركزي في موقع ناتانز النوي بهدف تخصيب اليورانيوم

ان قيام ايران بالأنشطة الانفة, رغم انه لا يندرج ضمن طائفة الانشطة المحظورة بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي لعام 1968, الا انه تم من دون مراعاة للشروط المتعلقة بشرط بالشفافية والعلنية المتمثل بضرورة ابلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية والحصول على موافقتها واشرافها الكامل على هذه الانشطة, مما جعل موقف ايران يتسم بالشك, حول برنامج سري للأغراض العسكرية.
ليس من السهولة بمكان الجزم بشأن القدرات النووية الايرانية بانها قدرات ذات دوافع سلمية او عسكرية, فالقدرة النووية تدخل ضمن المنطقة الرمادية ولاسيما في ايران, الا انه يمكن القول من خلال تقرير اعده المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي في 15 تشرين الثاني 2007, بشأن برنامج ايران النووي, ذكر فيه: “انه لم يتم توجيه اي من المواد النووية المعلنة داخل ايران الى نشاطات محظورة” . ( )

ومن دون الاجتزاء من السياق, خلص تقرير اجرته وكالة الاستخبارات الوطنية الامريكية في 3 كانون الاول 2007, بشأن نوايا ايران وقدراتها: ان ايران اوقفت برنامج سلاحها النووي قبل اربعة اعوام اي في خريف عام 2003, ولم تستأنف العمل في مجال الاسلحة النووية اعتباراً من منتصف العام 2007. وارتكز التقرير في ذلك على اتصالات عسكرية ايرانية اعترضتها الولايات المتحدة من بين مصادر مختلفة. ( )

وعلى سبيل الخلاصة يمكن القول ان ايران تمتلك برنامجاً نووياً اثار الجدل كثيراً, الا انه تبين بعد اتفاق جنيف الابتدائي في 24 تشرين الثاني 2013, ان نزوعه سلمي, وحتى ان كانت بعض الشكوك تشير الى غير ذلك, فان مقتضى الاتفاق قد حجم الطموحات الايرانية في مجال انتاج الأسلحة النووية, اذ افضى هذا الاتفاق الى وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 % واستمراره بنسبة 5%, ويبدو ان هذه النسبة لا تؤهل ايران على انتاج القنبلة النووية.

ومن نفاد القول, نرى ان دول منطقة الشرق الاوسط لا تملك قدرات نووية تمكنها من انتاج السلاح النووي عدا إسرائيل, اما ايران, وبسبب العقوبات الدولية فان سقف طموحها سوف لن يتعدى الاستخدام السلمي للطاقة النووية, اما الدول العربية فهي الى الان لم تملك برامج نووية مؤكدة ولكنها بصدد مشاريع لاستخدام الطاقة النووية كبديل من بدائل الطاقة ( ). وهذا ما يجعلنا نقول ان اقامة منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط امراً ليس بعيد المنال, ولكن لماذا لم يتحقق انشاء مثل هذه المنطقة منذ ان كانت مشروعا قدم بطلب من ايران ومصر في عام 1974, الى الجمعية العامة( ), فما هي المعوقات التي تحول دون اقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الاوسط.؟

المبحث الثالث : معوقات اخلاء الشرق الاوسط من الاسلحة النووية.
لعل من نافلة القول تعد منطقة الشرق الاوسط من اكثر المناطق التي تثار فيها المسألة النووية بين الحين والاخر, وذلك لأهميتها سياسيا واقتصاديا وجغرافيا في المدرك الاستراتيجي للقوى الكبرى, فقد تعددت المحاولات والجهود الرامية لأنشاء منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط, ورغم ذلك فان المنطقة لم ترى النور حتى الان.

ومن المعروف ان اغلب دول المنطقة عدا إسرائيل موقعة على معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية, وان اغلبها ليس فقط لا تملك السلاح النووي, بل لا تملك حتى القدرة النووية للأغراض السلمية عدا ايران, ورغم ذلك فان الجهود التي تضافرت في سبيل جعل هذه المنطقة خالية من الاسلحة النووية اغلبها بائت بالفشل, ولاريب ان هناك عدة معوقات تحول دول قيام هذه التدبير في الشرق الاوسط, ويمكن تصنيف هذه المعوقات في اطار:

المعوقات الجغرافية, المعوقات السياسية, السياسية الانتقائية لنظام منع الانتشار النووي في الشرق الاوسط, غياب الردع النووي المتبادل, الصراع وعجز الثقة, وكالآتي:

اولا: المعوقات الجغرافية
من جلي القول ان اهم الشروط الرئيسة لإقامة المناطق الخالية من الاسلحة النووية هو تحديد نطاق المنطقة, اي تعريف المنطقة جغرافياً, ولا بد ان يكون ذلك التحديد مبني على اتفاق بين دول المنطقة التي تريد انشاء هذا التدبير, وفيما يتعلق بمنطقة الشرق الاوسط نجد ان هناك تبايناً شديدا في تحديد نطاق المنطقة ومن ثم تعريفها. والحقيقة ان مصطلح الشرق الاوسط, يعد مصطلح يتسم بمرونة متباينة, اذ انه يوصف المنطقة الواقعة بين غرب اسيا وشمال افريقيا على اساس المصالح لا على الاساس الجغرافي. فتنقبض حدود المنطقة وتنبسط بحسب المصالح الدولية والاقليمية, ونظراً لذلك جاءت جميع التعاريف الخاصة بمنطقة الشرق الاوسط مختلفة عن بعضها البعض, ومحددة طبقاً لمصالح وابعاد كل دولة من النواحي الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية, ويمكن تقسيم التعاريف التي حددت منطقة الشرق الاوسط الى :

أ: التعاريف الدولية لمنطقة الشرق الاوسط.
في اطار طرح انشاء منطقة خالية من الاسلحة النووية في منطقة الشرق الاوسط, تناولت المنظمات الدولية والقوى الكبرى تعريفات متعدد لمنطقة الشرق الاوسط ومن ابرز هذه التعاريف:

1- تعريف الوكالة الدولية للطاقة الذرية:
وفقا لدراسة اعدتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1989, لتحديد نطاق منطقة الشرق الاوسط لأخلائها من الاسلحة النووية, وتم تحديدها, بانها تلك المنطقة الممتدة من ليبيا في الغرب الى ايران في الشرق ومن سوريا في الشمال الى اليمن في الجنوب,( ) بناء على ذلك فان الدول التي تم تحديدها وفقا لهذا التعريف هي: مصر, ليبيا, الكويت, العراق, الامارت العربية المتحدة, البحرين, قطر, عمان, سوريا, الاردن, اليمن, لبنان, السعودية, فضلا عن ايران وإسرائيل.

ومن الملاحظ على هذا التعريف انه استبعد تركيا, فضلا عن انه لم يحدد كل دول الجامعة العربية, اذ استبعد الصومال وجيبوتي والسودان وهم اطراف في الجامعة العربية, كذلك استبعد دول المغرب العربي بما فيها تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا, ويبدو ان التعريف حدد او ركز على الاطراف الاساسية كحد ادنى. ( ) ولهذا نرى ان هذا التعريف يحتوي على بعض القصور وقد تم معالجة في تعريف الامم المتحدة كما سنرى:

2- تعريف الامم المتحدة لمنطقة الشرق الاوسط:
في تقرير الامين العام, لعام 1991, حول التدابير الفعالة التي يمكن التحقق منها والكفيلة بتيسير انشاء منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط, تم تعريف الشرق الاوسط على انه المنطقة التي تشمل جميع الدول الاعضاء في جامعة الدول العربية فضلاً عن ايران واسرائيل. اذ ترى الامم المتحدة ان التعريف السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية, لا يفيد عمليا في تحديد المنطقة, اذ ينبغي عند تحديد المنطقة حساب مدى التوترات القائمة والمحتملة بين دول المنطقة, ولهذا يجب ألا يكون التعريف محدد بالدول الاساسية فقط بل بالدول الهامشية ايضاً, ومنطلق هذا التحديد ينبع من رؤية الامم المتحدة لضبط التسلح في تحقيق الاستقرار ومنع التهديد, فالأمم المتحدة ترى ان تحديد جغرافية المنطقة لا يفي بالغرض دون الآخذ بالحسبان تحديد مدى تفاعل دول المنطقة مع بعضها البعض, وما هو حجم الصراع القائم والمحتمل بين اطرافها( ).

ويبدو ان دخول ايران وإسرائيل ضمن هذا التعريف نابع من منطقية تلك الرؤية, اذ ان الطرفين كان لهما وما زال صراع بين الدول العربية وان كان يتباين بين اسرائيل وايران. اما تركيا وان كان لها شأن سابق ولاحق في المنطقة الا ان استبعادها من التعريفين الانفين الذكر يبدو دافعه دولي يتعلق بالقوى الكبرى, ولاسيما الولايات المتحدة.

3- التعريف الامريكي لمنطقة الشرق الاوسط:
لقد ورد تعريف الولايات المتحدة الامريكية لمنطقة الشرق الاوسط في اطار مبادرة الرئيس بوش الاب لضبط التسلح في المنطقة, التي اعلنها في ايار عام 1991, وقد تم تحديد الشرق الاوسط, بانها تلك المنطقة الممتدة من ايران شرقاً حتى المغرب غرباً, فضلا عن إسرائيل.

وقد استثنى ايضا هذا التعريف تركيا من منطقة الشرق الاوسط رغم عدم استثنائها من الموسوعة الامريكية عند تحديدها للمنطقة, فقد حددت الموسوعة الامريكية المنطقة بانها تشمل كل دول جنوب غرب اسيا وشمال افريقيا, حسي يسود السلام, فهي تضم تركيا وايران والدول العربية واسرائيل في اسيا, وشمال افريقيا مصر والسودان. ( ) ونلاحظ هنا كيف تتداخل المصالح في تحديد نطاق منطقة الشرق الاوسط, وربما استبعاد تركيا يفسر ذلك, فتركيا احدى دول حلف شمال الاطلسي, وان ادخالها في ترتيبات امنية قد يقيد مساعي حلف الناتو, في ما يتعلق بتوسيعه شرقاً او في مجال امتداد عملياته.

ولعلنا لا نجانب الصواب اذا قلنا ان مصالح القوى الكبرى هي من تحدد المنطقة وليس للعامل الجغرافي شأن في ذلك الا ما ندر. وعدم دخول تركيا في نطاق المنقطة الخالية من الاسلحة النووية خير دليل على ذلك.

ب: التعريفات الاقليمية لمنطقة الشرق الاوسط:
1- التعريف الاسرائيلي لمنطقة الشرق الاوسط:
يتباين التعريف الاسرائيلي للمنطقة من حين لآخر, وذلك لتبرير احتكارها النووي في الشرق الاوسط, فبحسب الجمعية الإسرائيلية للدراسات الشرقية في مجلدها السنوي الذي يصدر تحت عنوان سجل الشرق الاوسط بوساطة معهد شيلوخ للأبحاث, جاء تعريف الشرق الاوسط, على انه المنطقة الممتدة من تركيا شمالا الى اثيوبيا والصومال والسوادان جنوباً, ومن ايران شرقاً الى قبرص وليبيا غرباً( ).

بيد ان إسرائيل حددت تعريفاً آخر للمنطقة في جولات مفاوضات لجنة ضبط التسلح والامن الاقليمي المنبثقة عن مؤتمر مدريد للسلام عام 1991, وفقاً للتعريف الامريكي السالف الذكر, الا انها طورت ووسعت من المفهوم في عام 1998 ليتم ادخال باكستان في المنطقة بعد اعلان الاخيرة امتلاكها للسلاح النووي ( ).

2- التعريف العربي لمنطقة الشرق الاوسط
جاء تعريف منطقة الشرق الاوسط في اطار مشروع معاهدة جعل منطقة الشرق الاوسط خالية من كل اسلحة الدمار الشامل الذي اعدته جامعة الدول العربية بواسطة الامانة العامة, بناءً على توصية وقرار مجلس الجامعة في اذار 1993, وهو المشروع الذي تم طرحه ومناقشته في دورة انعقاد جامعة الدول العربية رقم 103 في عام 1995, وجاء في مادته الاولى من الديباجة تعريف منطقة الشرق الاوسط, بانه: الاقاليم الخاضعة لسيادة او سيطرة الدول الاعضاء في جامعة الدول العربية, فضلا عن ايران وإسرائيل, واستبعد التعريف تركيا كونها عضو في حلف شمال الاطلسي. ( )

بمعنى ان تعريف جامعة الدول العربية جاء مرادفاً لتعريف الامم المتحدة للمنطقة, ويبدو ان ذلك التعريف جاء ليحظى بقبول اممي, ولينقض التعريف الإسرائيلي الموسع في الاطار الاممي المتمثل بالأمم المتحدة وفي الاطار الاقليمي المتمثل بجامعة الدول العربية.
في صميم هذا المخاض يتبين لنا ان الصعوبات الجغرافية المتصلة بمنطقة الشرق الاوسط تكمن في الاتي:

• الصعوبات المتصلة بالتعريف السائد لمنطقة الشرق الاوسط
ان عدم وجود حدود طبيعية او استراتيجية للإقليم ادى الى احاطة اي تعريف لتلك المنطقة بعدد من الاشكاليات حتى وان كان تعريفاً مبسطاً هذا من جهة, ومن جهة اخرى ان الحجم الفعلي للإشكاليات المتصلة بالتعريفات لن يظهر عملياً الا عندما تبدأ المفاوضات حول اقامة ترتيبات امنية ، أو إدارة شبكات تجارية معينة مثلا، إذ إن بعضها قد يتضخم، وبعضها الأخر قد يتبدد سريعا( ).
ومن خلال استعراض التعاريف السابقة نلاحظ: ( )

1- ان مصطلح الشرق الاوسط لا يشير الى منطقة جغرافية متعارف عليها بل انه مصطلح سياسي- استراتيجي في نشأته واستخدامه؛
2- ان هذه التسمية ليست مستمدة من طبيعة المنطقة نفسها او خصائصها الذاتية, وانما من علاقة المنطقة بالغير, اي بالدول الكبرى التي لها مصالح في المنطقة؛
3- ما يلاحظ ايضا على هذه التسمية هو انه يتم بموجبها ادخال واخراج دول حسب الترتيب المراد اقامته في المنطقة, فربما نجد تعريف يدخل تركيا ضمن الاطار الجغرافي للشرق الاوسط, وتعريف آخر يستبعدها عندما يشمل المنطقة ترتيب امني. وكذلك باكستان ايضاً.

• صعوبات تتعلق بالنطاق الجغرافي:
ان التباين في تحديد مصطلح الشرق الاوسط, يبرز لنا صعوبات عامة تتعلق بالنطاق الجغرافي المطروح في اي تعريف ومعالمه الداخلية ذات العلاقة بإقامة ترتيب ما, وعلاقته بالنموذج الذي سيتم اقامة الترتيب وفقاً له, فهناك ترتيبات من الصعوبة تقليص عدد المشاركين فيها وذلك لضامن فاعليتها, فأحيانا يتطلب الامر وجود طرفا ما ضمن نطاق المنطقة, الا ان مواقف هذا الطراف ذاته مشكلة, وقد يبدر الى الذهن هنا الموقف الإسرائيلي في ادخال باكستان ضمان نطاق اخلاء الشرق الاوسط من الاسلحة النووية. ( ) فهناك اشكاليات عملية في تحديد المنطقة تحول دون اقامة اي ترتيب اقليمي يحظى باتفاق الاطراف في المنطقة. وهذا الامر يجعل من الصعوبة بمكان تحديد النطاق الذي يتم فيه اخلاء المنطقة من الاسلحة النووية.

• صعوبات تتعلق بأوضاع دول معينة في المنطقة.
من التعاريف السابقة يتضح ان هناك صعوبات ذات ابعاد خاصة تتعلق بدول معينة, يرى البعض ضرورة ادخالها في المنطقة المزمع انشاؤها وهذه الدول هي: تركيا وباكستان:

فيما يتعلق بتركيا, يمكن القول ان هناك اجماع في استبعاد تركيا من المنطقة المقترح انشاؤها, في حين ترى بعض دول الاقليم ضرورة ادخال تركيا ضمن هذا الترتيب. والحقيقة ان استثناءها من التعريف كما وضحنا انفاً يقوم بفعل عضويتها في حلف شمال الاطلسي, على نحو يفترض معه وجود اسلحة نووية امريكية على اراضيها, فضلا عن ارتباط قوتها بالتوازنات القائمة في اوروبا, فهذا الامر يجعل من تعاقدها مع منطقة خالية من الاسلحة النووية امرا تكتنفه الصعوبة, في الوقت الذي يصعب استبعادها من هذا الترتيب الامني وذلك لارتباطاتها العسكرية مع إسرائيل الذي يعده البعض تحالفاً استراتيجيا. ( )

فالبعض يرى ان استعباد تركيا من الشرق الاوسط, يعد تميزاً لدولة, ترتبط وتتشابك مصالح امن بعض الدول الداخلة في المنطقة (سوريا والعراق) بأمن ومصالح تلك الدولة, فهناك مشكلة المياه, فضلا عن ذلك, هناك مشكلة اقليات على الحدود العراقية التركية تمثل عنصر احتكاك دائم, وكذلك الامر بالنسبة لسوريا, وهذا يعني ان استبعاد تركيا يجعل دولتي سوريا والعراق في موقف يصعب عليها ان توافق على اقامة تلك المنطقة المقترح انشاؤها. ( )

اما باكستان, يروم التعريف الإسرائيلي للمنطقة الشرق الاوسط, ادخالها ضمن النطاق الجغرافي للمنطقة, فلأدراك الامني الإسرائيلي لهذه الدولة يرى انه من الممكن ان تشكل تهديدا ذا بعد نووي لإسرائيل, كونها دولة اسلامية ترتبط بها الدول العربية الاسلامية, على النحو الذي افرز عليها تعبير القنبلة الاسلامية, وتبعا لعبارات نقلت لشمعون بيرز يقول فيها: ان باكستان دولة معادية لإسرائيل, لكنها حرصت على بعد واضح بينها وبين طوق المواجه الاسرائيلية الفلسطينية , وتوجد لباكستان مشاكلها الخاصة, وهذه المشاكل تسمى الهند,… ان القنبلة الباكستانية لن تترجم تلقائياً الى قنبلة ذرية مناهضة لإسرائيل , ولكنها بالتأكيد تركت في الجو رائحة غبار الحريق عندنا وفي انحاء العالم العربي, ويتابع بيرز القول, من ناحية العرب, فان القنبلة الاسلامية ليست ذخراً استراتيجياً بل ذخراً نفسياً, القنبلة ستجعلهم اكثر غروراً, وستثير لديهم الشهية للقضاء على اسرائيل, وهذا هو الخطر الاكبر” ( )

والحقيقة ان هذا الادعاء مبالغ فيه, لأنه من المعروف ان البرنامج النووي الباكستاني موجه بالأساس للصراع الهندي الباكستاني, وليس لإسرائيل او خدمة للدول العربية الاسلامية, فلا توجد علاقة مباشرة لسياسية لباكستان النووية بصراعات الشرق الاوسط, لكن رغم ذلك فان إسرائيل تؤكد وباستمرار على هذه الطرح في مسألة تحديد نطاق الشرق الاوسط لإقامة منطقة خالية من الاسلحة النووية. ( )

ثانيا: المعوقات السياسية:
تكمن اهم الصعوبات في هذا الصدد باختلاف دول منطقة الشرق الاوسط حول مدلول تحقيق السلام, فالدول العربية ترى في اقامة المنطقة الخالية من السلاح النووي في الشرق الاوسط احد الشروط الاساسية لقيام السلام, في حين ترى اسرائيل ان قيام السلام هو احد الشروط الاساسية لإقامة المنطقة الخالية من الاسلحة النووية, وبناء على ذلك تبدأ الصعوبات السياسية من إسرائيل, فالسلام ونزع السلاح امران يتعلقان بها, فالعرب لم يضعوا هامش يمكنهم للتحكم بالصيغتين, فهم لا يستطيعون تحقيق السلام وليس باستطاعتهم الشروع بالحرب لانهم الاضعف, في حين اسرائيل تمتلك القدرة على التحكم بالشروط التي تبتغيها لإقامه السلام, فضلا عن قدرتها على شن الحرب, فوفقا لتصريح الوزير الاول الإسرائيلي شمعون بيرز في 13 تموز 1998: “اقامت اسرائيل الخيار النووي ليس بالإشارة الى هيروشيما بل أوسلو”( ).

وهذا الامر يجعلنا نقول ان المعوق السياسي في مسألة اخلاء الشرق الاوسط من الاسلحة النووية يتعلق بالدرجة الاساس في إسرائيل, ولكن كيف.

أن الدولة لكى تصبح طرفا في منطقة خالية من الأسلحة النووية لابد أن يكون لديها عوامل إيجابية تدعم أمنها القومي عند الدخول في تلك المنطقة، ويتوقف ذلك على مدى إدراك النظام السياسي لأمنه القومي وعوامل التهديد الخارجية والداخلية. ( )
وعند مناقشة موقف إسرائيل في هذا الصدد, نرى ان هناك اعتقاد سائد لدى إسرائيل بان السلاح النووي يمثل الضامن النهائي لبقائها كوطن في منطقة من الدول المجاورة المعادية, تتباين معها في حجم الدولة والتعداد السكاني والعمق الاقليمي والموارد الطبيعية, اذ لا يوجد ما يعوض الخلل الناجم في التوازن سوى السلاح النووي ( ), اذ يعتقد الإسرائيليون بأن الأسلحة النووية الإسرائيلية توفر سياسة ضمان على الأمد الطويل ضد تهديدات وجودية, إضافة إلى ردع التهديدات بهجوم تقليدي واسع أو هجوم ينطوي على استخدام أسلحة، كيميائية، وبيولوجية. أما السبب الموجب الإضافي لإقناع الأعداء، ونظرا لأنهم لا يستطيعون هزيمة إسرائيل عسكرياً، فهو أنهم قد يتكيفون بشكل جيد معها سياسياً. ( )

وهذا يعني ان صانع القرار الإسرائيلي يدرك المقوم الامني لبلاده عن طريق السلاح النووي, وببدو ان قرار التخلي عن هذا السلاح, قرار تؤثر عليه وتحكمه عدة عوامل ابرزها ما هو مدى تحقيق تلك القوة النووية للأمن القومي الإسرائيلي, او بمعنى آخر: هل تلك القوة النووية تضمن أمن إسرائيل؟ فإذا كانت الإجابة لدى صانع القرار السياسي الإسرائيلي بنعم، فذلك يجعل إنشاء منطقة خالية من الاسلحة النووية, أمرا صعبا للغاية, طالما أن إنشاء تلك المنطقة بما يوفره من عوامل إيجابية للأمن قد تم توفيره بالقوة النووية. ( )

فعند النظر الى الدوافع الرئيسة لامتلاك إسرائيل للسلاح النووي يتبين لنا بوضوح ما هو المغزى من السلاح النووي, اذ ان نظرية الامن القومي الإسرائيلي منذ ان وضعها ديفيد بن غوريون رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق, تساءل , كيف يتحقق الامن لشعب قليل العدد يواجه بيئة عربية معادية كبيرة العدد,( )وقد اجاب على ذلك في قوله: ” ان ضمان مستقبل الدولة اليهودية يكمن في قدرتها على تطوير برامج اسلحة غير تقليدية, وبالذات السلاح النووي لردع الدول العربية ومنعها من مجرد التفكير بإمكانية تهديد هذه الدولة” ( ).

فمن وجه نظر إسرائيل ان الشرق الاوسط منطقة غير مستقرة الى درجة كبيرة, وان هناك اعداء كامنين لإسرائيل, وان اي تخفيض مهم في سلاح الردع او التقليل من مصداقيته, قد يودي الى تضخم التهديدات العسكرية, ولهذا فهي ترى ان نزع التسلح يرتبط ارتباطا وثيقا بعملية السلام, وليس ذلك فحسب بل يتوقف على القبول الكامل بشرعية الدولة العبرية, فالمشكلة كما يقرر شمعون بيريز “ليست في التوقيع على عدم انتشار الأسلحة النووية وانما في ضمان الجوار, فالدول المجاورة لنا في حرب مع اسرائيل, فما جدوى ان نناقش موضوع السلاح في ظل وجود تهديد سياسي”, ويضيف بيريز “ان السياسية هي التي تعرض السلام للخطر، وهناك ترسانة كبيرة ونواة لإيران ضد إسرائيل لذا نقول إنه يجب معالجة موضوع السياسة لا التكنولوجيا فبعد التوصل إلى سلام يمكن أن نبحث في أن تكون المنطقة خالية من الأسلحة النووية. ( )

ونتساءل هنا من مصلحة منّ اقامة منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط, فعلى الرغم ان انشاء المنطقة له عوائد ايجابية امنية على المنطقة بصورة عامة, الا انه من ناحية اخرى قد ينهي التفاوت بين القدرات العسكرية العربية والإسرائيلية, وهذا يعني ان اقامة المنطقة يأتي في مصلحة العرب اولا, لأنه يعد كسب أمني من دون تكلفة, ومن هنا نفهم دعوة الدول العربية لإقامة المنطقة الخالية من الاسلحة النووية, ذلك لأن إسرائيل قد حققت غايتها الامنية في الردع النووي مع غياب الردع المتبادل بينها ودول المنطقة, ولكنها لم تحقق السلام بالسلاح النووي, ولهذا فهي ترفض اقامة منطقة خالية من الاسلحة النووية, وتشترط على قبولها اقامة السلام.

وهناك من يذهب الى القول, ان شرط قبول منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط بقيام السلام يعني أن صانع القرار الإسرائيلي يدرك أنه رغم وجود مثل تلك القوة النووية, الا ان أمن إسرائيل غير محقق، ويستشهد هذا الرأي في ان السلاح النووي في عام 1973 لم يثني العرب في الحرب معها, لذا فهي ترى السلام اولا ومن ثم نزع السلاح ( ).

ولكن نحن نرى بخلاف ذلك فالسلاح النووي قد وفرّ لإسرائيل الامن ولكنه لم يوفر لها السلام, فالرادع النووي الإسرائيلي حقق غاية “المنع سلماً اي منع العرب من استخدام القوة العسكرية التقليدية ضد اسرئيل”. ( ) ولهذا فالأمن متحقق بالسلاح النووي وان كان بصورة نسبية في حين ان السلام هو غير متحقق رغم وجود السلاح النووي, وبذلك فهي تريد من اقامة المنطقة الخالية من الاسلحة النووية اقامة السلام وليس توفير الامن. في حين يريد العرب من هذه المنطقة اقامة الامن وليس السلام, لان الاخير لا يتحقق للعرب الا بإرجاع الحقوق التاريخية للدولة المحتلة.

ولكن ما هو مدلول السلام بالنسبة لإسرائيل؟
بادي ذي بدأ تعّبر إسرائيل عن هذا الموقف في اطر اجرائية ترتبط بخطوات محددة او جداول زمنية احياناً, فقد ذكر ديفيد ليفي وزير الخارجية السابق في خطابة بالجمعية العامة لسنة 1996, “انه بعد اقامة علاقات سلمية, واتمام “الصلح” بين كل دول الاقليم سوف تحاول إسرائيل ان تقيم منطقة خالية من الأسلحة النووية وربما كل اسلحة الدمار الشامل, استناداً الى تحقيق متبادل وفعال, مشيراً الى ان المفاوضات الخاصة بأنشاء هذه المنطقة سوف تبدأ عقب توقيع معاهدات سلام ثنائية بين إسرائيل وكل الدول في الاقليم”. وبينما يشير احد المحللين الإسرائيليين في هذا الصدد ان الموقف الإسرائيلي الانف الذكر, يُعني “ان التفاوض حول اقامة منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط يمكن ان يبدأ بعد عامين من توقيع معاهدات سلام بين إسرائيل وكل القوى الرئيسة في المنطقة,” ان ذلك يعني ان كل دول الشرق الاوسط بما فيها ايران يجب ان توقع على معاهدات سلام وتحافظ على علاقات مع إسرائيل لمدة عامين على الاقل قبل التفاوض حول تغير السياسة الإسرائيلية بشأن القضية النووية, ويبدو ان المشكلة لا تتعلق بذلك فحسب, فالسلام الشامل التي تريده إسرائيل لم يُحدد مدللوه, فكيف يمكن ان تعد إسرائيل ان السلام قد تحقق, فهناك من يؤكد ان فكرة السلام الدائم تعني لدى الإسرائيليين السلام بين انظمة حكم ديمقراطية, ( )ويبدو ان ذلك هو مقترح السلام الإسرائيلي لإقامه منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الاوسط. اي ان السلام لا يعني فقط تسوية الصراع العربي الاسرائيلي, وانما تغيير انظمة الحكم في المنطقة وجعلها انظمة حكم ديمقراطية. اذ يدعي المسؤولين الإسرائيليين امام الغرب : “ان ثمة فجوة سياسية هائلة بينهم وبين العرب اذ يرون في جهتهم : وجود ديمقراطية ترنو الى السلام, ومن الجهة الاخرى: طغاة عارمين على تدمير إسرائيل”( ).

معنى ذلك ان إسرائيل امتلكت السلاح النووي ليس لضمانة امنها القومي من التهديد العسكري وانما من التهديد السياسي المتعلق بأنظمة الحكم العربية الدكتاتورية وان التخلي عن السلاح النووي يجب الا يكون بمعزل عن قيام انظمة حكم ديمقراطية, اذ ان اقامة المنطقة خالية من الاسلحة النووية قد لا تتحقق اهدافها من دون ردم الفجوة السياسية بينهم وبين العرب من ناحية الديمقراطية والدكتاتورية.

على هذا الاساس يتعارض الموقف الاسرائيلي في اقامة منطقة خالية من الاسلحة النووية مع الموقف العربي ولاسيما المصري الذي يشير إلى أنه لا يمكن تحقيق السلام الدائم في المنطقة دون التوصل إلى ترتيبات أمنية تسليحية وبخاصة فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل، وقد جاء الموقف المصري في تقرير الامين العام للأمم المتحدة في الدورة السادسة والخمسون للجمعية العامة لعام 2001 بالقول:

“وتدرك مصر أن إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط مهم صعبة. ومن المؤكد أن لكل منطقة في العالم خصائصها ويجب أن يكون إنشاء هذه المنطقة متلائما مع تلك الخصائص. لكن مصر لا تشارك الرأي القائل بأن إقامة سلام على نطاق كامل وإنشاء علاقات سياسية واقتصادية شاملة بين جميع دول المنطقة يعد شرطا مسبقا للبدء في إجراء مفاوضات بشأن إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية….. وترى مصر أن ربط إجراء مفاوضات بشأن إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط بقائمة متزايدة من الشروط المسبقة هو أمر محكوم عليه بالفشل أما النظر إلى المنطقة الخالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط على أنه مجرد إجراء يقصد به وضع ختم للتصديق على إقرار سلام دائم فإنه لا يتفق مع رؤية مصر، فإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط هو في حد ذاته تدبير مهم لبناء الثقة، وعمل يرمي إلى تحقيق المصالحة السياسية. وعلاوة على ذلك فإن الدفع بأن العلاقات السلمية الكاملة يجب أن تقوم قبل بدء المحادثات بشأن هذه المنطقة، ثم الإصرار في الوقت ذاته على الاحتفاظ بالخيار النووي، هما بوضوح حجتان تنفي كل منهما الأخرى وتتناقض كل منهما مع الأخرى. ففي منطقة متفجرة كمنطقة الشرق الأوسط لا يمكن تحقيق سلام وطيد ودائم ما دام التهديد النووي لا يزال مخيما على أجوائها. ( )”

ومنطقية التعارض المصري مع الموقف الاسرائيلي في اقامة منطقة خالية من الاسلحة النووية تأتي من مقولتين:( )
1- ان مفاوضات اقامة منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط ضمن عملية ضبط التسلح الهيكلي الاقليمي, يجب ان تتوازى مع عملية التسوية السلمية الجارية للصراع العربي- الاسرائيلي, فلا يمكن ان نتصور قيام سلام حقيقي في المنطقة دون ان يتضمن ذلك التعامل مع المشكلات التي تمثل مصدر قلق لدول الاقليم, واولها وجود اسلحة نووية لدى اسرائيل, فلا يمكن ان ننتظر محادثات ضبط التسلح حتى تكتمل مفاوضات السلام.
2- ان ما هو مطلوب فقط هو بدء المرحلة التحضيرية لأنشاء هذه المنطقة, وذلك عن طريق تشكيل النماذج ذات العلاقة التي تتضمن التعريفات المطلوبة, والحقوق والالتزامات المتصورة, ونظم الضمانان والمراقبة, وربما التوصل الى تفاهمات محدد او حتى مسودات اتفاقيات, وسوف تؤدي قوة الدفع الخاصة بأنشاء المنطقة الى تشجيع الاطراف الاخرى على الانضمام لها, بما يدعم أمن كل دولة في الاقليم.

فكما يتبدى ان الموقف المصري ينطلق من هذه الرؤية بناء على التقدم في تسوية الصراع العربي الاسرائيلي, اذ ترى مصر ان الصراع المركزي في الشرق الاوسط قد شهد تحولا جوهرياً في اتجاه بداية مرحلة التسوية السلمية منذ التسعينات وان عملية السلام تقدمت الى درجة تحتم التعامل مع موضوع الاسلحة النووية فقد اصبحت الارضية ملائمة للاتفاق حولها من خلال الحوار والاقتناع فيما بيننا, ولاسيما ان المسألة لا تتعلق ببدء التأسيس الفعلي لإقامه منطقة خالية من الاسلحة النووية, وانما بالأعمال التحضيرية لأقامتها. ( )

اما الموقف السوري فهو الاخر يتسم بالصعوبة في ما يتعلق اقامة منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط, اذ انه موقف مركب يمثل مزيجا من الموقف المصري والاسرائيلي, فسوريا تؤكد على ان اسرائيل تمثل عقبة كأداء امام انشاء منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط, فهي تضع شروطاً خاصة بمفاوضات واسعة النطاق مع كل دولة من دول المنطقة على حدة في حين ان من المكن اخلاء اي اقليم في العالم من الاسلحة النووية, من دون توافق كل الاطراف بشأن الياتها, او اهدافها او التحقق منها( ), وعلى ضوء ذلك فان سورية تقرر أن التدابير والترتيبات لإقامة المنطقة الخالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط التي دعت إليها قرارات الأمم المتحدة تتطلب ما يلي: ( )

1- انضمام إسرائيل – وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك منشآت ومخزوناً نووياً – إلى معاهدة حظر الانتشار النووي ووضع جميع منشآتها النووية تحت نظام الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإزالة كامل مخزونها من الأسلحة النووية. ويشكل ذلك كله مطلباً لا بد منه من أجل إنشاء هذه المنطقة؛
2- إن الأمم المتحدة هي الإطار المناسب لمباحثات جدية تتيح المجال لجميع الدول المعنية في الشرق الأوسط للعمل الجماعي من أجل إنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية؛
3- ان تحقيق السلام الشامل والعادل في الشرق الاوسط والذي يمثل انسحاب اسرائيل الكامل من الاراضي العربية المحتلة احد متطلباته الاساسية, سوف يخلق المناخ المناسب لتحويل الشرق الاوسط منطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل وخاصة الاسلحة النووية. ( )

هذا ورغم تعارض الموقف السوري مع الموقف المصري فيما يتعلق بالمطلب الثالث الذي يدور حول السلام الشامل لإقامه المنطقة, الا المطلبين الانفين الذكر قد تتساوق والموقف المصري, ويبدو انه تم رفع المطلب الثالث من تقرير الامين العام للأمم المتحدة في الدورة السادسة والخمسون المقدم لأنشاء منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط, ( ) وربما لتوحيد الموقف العربي .

وعلى هذا الاساس هناك تعارض بين الاتجاهين العربي والاسرائيلي في شأن اقامة منطقة خالية من الاسلحة النووية. اذ يوجد خلاف جذري حول أولوية التسوية/ التسلح على المستوى الإقليمي. فهناك خلاف حول ارتباط عملية إخلاء الشرق الأوسط من الاسلحة النووية بعملية التسوية السلمية للصراع العربي – الإسرائيلي. اذ تؤكد وجهة النظر العربية إلى أنه لا يمكن تحقيق السلام الدائم في المنطقة دون التوصل إلى ترتيبات أمنية تسليحية وبخاصة فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل، بينما تركز وجهة النظر الإسرائيلية على ضرورة أن يتحقق السلام أولاً في المنطقة ثم يتم بعدها التفاهم حول ضبط التسلح الإقليمي.

ثالثا: السياسية الانتقائية لنظام منع الانتشار النووي في الشرق الاوسط
تعد السياسية الانتقائية لنظام منع الانتشار النووي ولا سيما من جانب الولايات المتحدة الامريكية, احد اهم المعوقات التي تحول دون قيام منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط, ولكن كيف؟

تكنّ الوليات المتحدة اهمية كبيرة لنظام منع انتشار الاسلحة النووية ولاسيما بعد احداث 11 ايلول 2001, اذ اصبح خطر السلاح النووي لا يتعلق بخوف التمكن من الردع وانما من حيازة الارهابين له, حتى غدا توطيد النظام الدولي لعدم انتشار الاسلحة النووية من الاهداف الرئيسة للسياسة الخارجية الأمريكية, ففي كلمة القاها الرئيس الأمريكي في براغ في نيسان 2009, اعلن اوباما ” عزمه على المضي قدما من اجل عالمٍ خالٍ من تهديد السلاح النووي,” واردف قائلا ” ان هناك مسؤولية اخلاقية تقع على عاتقه وعاتق الشعب الامريكي من اجل العمل وقيادة جهود نزع الاسلحة النووية” ( ), بيد ان تعامل الولايات المتحدة مع قضايا عدم الانتشار الاسلحة النووية يؤشر غير ذلك, اذ بدأ وكأنه يتسم بالازدواجية, فلم يتم التعامل معه بصورة عامة وانما كل حالة على حدا, هذا الوضع افرز المقولة الشائعة ان سياسة الولايات المتحدة تجاه قضايا عدم الانتشار غدت انتقائية وتتسم بسياسية الكيل بمكيالين. اذ ان اخفاق الولايات المتحدة في التصدي جدياً لبرنامج السلاح النووي الاسرائيلي السري ومخزون إسرائيل من الاسلحة النووية, قد اظهر ان سياسة الادارة الأمريكية ازاء عدم انتشار الاسلحة النووية في اماكن اخرى من العالم بأنها ذات وجهين. ( )

فكما يتبدى هناك مسعى دولي واقليمي الى جعل الشرق الاوسط منطقة خالية من الاسلحة النووي وربما من اسلحة الدمار الشامل ككل, الا انه رغم المعوقات السالفة الذكر, هناك الولايات المتحدة الامريكية الذي تتعامل مع المنطقة وفقاً لمتطلباتها ومصالحها الذاتية.

فموقف الادارة الامريكية من البرنامج النووي الإسرائيلي يتباين مع موقفها من البرنامج النووي الايراني, ( ) ففي نيسان 2010 حث الرئيس الامريكي اوباما كافة الدول بما فيها إسرائيل على توقيع معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية, قائلا ” هذا هو الموقف الثابت لحكومة الولايات المتحدة حتى من قبل ان تأتي ادارتي.” ( )

يتباين هذا الاسلوب في التعامل مع ايران, وغيرها من دول منطقة الشرق الاوسط, فقد لجأ المحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة الى جملة من الوسائل المباشر وغير المباشرة وبالتعاون مع العديد من الاطراف الدولية المؤثرة بهدف كبح جماح برنامج ايران النووي, وكان من ضمن هذه الوسائل: استصدار قرارات في مجلس الامن تهدف الى فرض عقوبات دولية على ايران, والعمل التدريجي على عزلها ومحاولة جعلها دولة مارقة او من غير المحبذ التعامل معها اقليمياً ودولياً, وبموجب ذلك تم فرض عقوبات دولية متعددة على ايران منها ما يتعلق بقرارات مجلس الامن, ومنها خارج قرارات مجلس الامن,( ) ولم يتوانى الموقف الغربي على ذلك فحسب, بل توجه في اللجوء الى الحرب اذا اقتضى الامر.

اما إسرائيل فيتناقض التعامل الامريكي معها حتى انها عدت الاستثناء النووي في منطقة الشرق الأوسط، فعلى الرغم من عدم امتثال إسرائيل لقرارات الشرعية الدولية المتمثلة بدعوات الجمعية العامة المتكررة لانضمامها الى معاهدة عدم الانتشار, وكذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي دعت إسرائيل في عام 1991, للامتثال دون تأخير لقرار مجلس الامن المرقم 487 لسنة 1991, القاضي بوضع كافة المنشآت النووية الإسرائيلية تحت نظام الضمانات التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية, الا انه لم يتم فرض عقوبات على إسرائيل لكي تلتزم بتلك القرارات( ). كما انه لا توجد أي إشارة أو أي تحرك يشير إلى أن الولايات المتحدة ربما تكون بصدد إعادة تقييم تلك المشكلة. وهذا القبول الأمريكي لبرنامج التسلح النووي الإسرائيلي هو الذي خلق في الأساس ما يسمى سياسة المعايير المزدوجة التي تمارسها الولايات المتحدة على المستوى النووي من وجهة نظر دول الشرق الأوسط( ).
ويبدو ان مرجع الازدواجية الأمريكية تجاه قضايا عدم الانتشار النووي ينبع من حرصها إزاء مصالحها, فالولايات المتحدة تفسر امتلاك الدول المعادية لها لأسلحة الدمار الشامل: بالتهديد للأمن القومي الأمريكي وأمن الحلفاء خصوصاً, وان زعزعة امن الحلفاء قد يؤثر على مصداقية الولايات المتحدة وثقتها تجاههم, فالأمر لا يتعلق بسياسية منع الانتشار التي تتبناها الولايات المتحدة, وانما بمصالح هذه الاخيرة, فإسرائيل هي احد اهم الحلفاء الاستراتيجيين في منطقة الشرق الاوسط, ودولة لا تمثل المصالح الامريكية في الشرق الاوسط فحسب, بل تعد النموذج الديمقراطي الامريكي في المنطقة, اما ايران فهي دولة تهدد المصالح الأمريكية في الشرق الاوسط, وتسعى الى هيمنة اقليمية في منطقة الخليج العربي, التي تعد من الثوابت الاستراتيجية في المدرك الامريكي.

وعلى هذه الشاكلة تتعامل الويات المتحدة مع قضايا عدم الانتشار, اي انها تقسم المنطقة بطريقة مانوية (نور, ظلام) فالدول التي تخدم مصالحها وتسعى الى ضمانها, هي في حلّ عن الالتزامات الدولية, وتعد دولٌ صديقة, اما التي تعارضها فهي دول مارقة وتدخل ضمن دول محور الشر.

ولعلنا لا نجانب الصواب اذا قلنا ان التعامل الأمريكي ازاء البرنامج النووي الايراني او حتى الكوري الشمالي حالياً, – او سابقا مع البرنامج النووي العراقي-, على سبيل المثال, لا يقوم على اسس فنية وقانونية تتعلق بسياسة عدم الانتشار وانما على اسس واعتبارات سياسية, اذ ان كلا الدولتين(ايران وكوريا) معاديتين للولايات المتحدة, بيد ان الامتلاك الايراني يعد الاخطر بالنسبة للمصلحة القومية الأمريكية, ولهذا فهي تعمل بكل الوسائل من اجل منع ايران من المضي قدماً في برنامجها النووي( ), وحتى بعد التوصل الى الاتفاق المبدئي بين ايران ودول (5+1) الذي جرى مؤخراً, الذي من الممكن ان يحجم طموحات ايران النووية, هناك اصوات تحث الولايات المتحدة على انه رغم ” التوصل إلى اتفاق، سوف تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها توجهاً إيرانياً طويل الأجل لفرض هيمنتها على الشرق الأوسط” ( )

وهذا يعني ان سياسة عدم الانتشار التي تتبعها الولايات المتحدة ولاسيما في منطقة الشرق الاوسط, تتسم بالكيل بمكيالين, فهي من ناحية تمنع الدول للاستفادة من الطاقة النووية السلمية وتشدد العقوبات عليها, ومن ناحية اخرى تصرف النظر على البرنامج النووي العسكري الاسرائيلي.

لذلك يمكن القول ان انتقائية الولايات المتحدة في التعامل مع قضايا عدم الانتشار في الشرق الاوسط من الممكن ان يعيق عملية اخلاء المنطقة من الاسلحة النووية, ذلك بان سياسية غير موحدة للجميع في قضايا عدم الانتشار سوف تعزز القول الذي ذهب اليه كينيث والتز, “اذا لم يتحقق الاستقرار في الشرق الاوسط من خلال معاهدة عدم الانتشار, فسيتحقق من خلال امتلاك القنبلة النووية”. ( )

ان نزوع الولايات المتحدة وتدخلها بشكل سلبي في قضايا عدم الانتشار يعني ان مدخل ضبط التسلح في الشرق الاوسط اصبح لا يرتبط بالمدخل العالمي المتمثل بالمعاهدات الدولية مثل معاهدة عدم اتشار الاسلحة النووية, ولا يرتبط ايضاً بالمدخل الاقليمي كإقامة المناطق الخالية من الأسلحة النووية, وانما أصبح مدخل السياسات المنفردة الخاصة بدولة واحدة وهي الولايات المتحدة تحديداً هو المدخل الرئيس للتعامل مع مشكلات التسلح في الشرق الأوسط ولاسيما خلال الفترة الراهنة, فنظام معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية أو رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو وهو الأكثر وضوحاـ معاهدة الأسلحة الكيماويةـ لم تعد العامل الأهم في تنظيم الأوضاع المتصلة بمجالات تطبيقها, سواء كانت الدول أطراف فيها أم لا وإنما بمواقف الولايات المتحدة إزاء ذلك كما هو واضح في حالات العراق وإيران وسوريا وأية حالات أخرى تقترب من ذلك النطاق, وقد ترتبت على ذلك نتائج مباشرة لا تزال في بداياتها من زاوية النتائج التي ستسفر عنها التوترات المتعلقة وهى لا تتعلق فقط بتقلص أهمية أو وزن المداخل الأخرى الدولية أو الإقليمية لضبط التسلح في الشرق الأوسط وإنما حدوث تصدعات في تلك المداخل بحيث لم تعد كما كانت عليه وأصبحت هناك علامات استفهام أساسية حول مستقبلها ومسار عملها. ( )

وهذا يعني ان نظام منع الانتشار في اطار المعاهدة مقوض بسياسة الولايات المتحدة( ),ومن المعلوم ان الاخيرة تخضع للمصالح, وبهذه الحالة من النادر ان يتوافق ضبط التسلح مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية, وذلك بسبب حجم هذه المصالح اللامتناهية. لذا لا يخطئ من يظن ان تعامل الولايات المتحدة مع قضايا منع الانتشار او ضبط التسلح بصورة خاصة وليس بصورة عامة موحدة هو ضمانا لمصالح الولايات المتحدة الامريكية.

والحقيقية ان ازدواجية المعاير في فرض نظام منع الانتشار من الممكن ان يقوض المساعي الدولية الهادفة الى جعل منطقة الشرق الاوسط خالية من الاسلحة النووية, لأن هذه الازدواجية ستثبت قناعة راسخة لدى دول المنطقة بعدم فاعلية معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية لتحقيق الامن, مما يجعل من امكانية تحقيقيه عن طريق امتلاك القدرة النووية, ويبدو ان نزوع كل من العراق وليبيا سابقا, وربما ايران حاليا قد يفسر صحة ذلك الادراك التي توصلت اليه دول المنطقة بطريق او بأخر.
رابعا: غياب الردع النووي المتبادل

هناك حقيقة لا يمكن التغاضي عنها او اغفالها وهي ان منطقة الشرق الاوسط تختلف عن غيرها من المناطق مثلا شبه القارة الهندية, فهي تحتوي على قوة نووية واحدة- إسرائيل- مع غياب قوى اخرى مقابلة لها, تمكنها من ردع التهديد الإسرائيلي, اي ان إسرائيل في المنطقة تحتفظ بالردع من جانب واحد, هذا الامر يعد من اهم معوقات اخلاء المنطقة من الاسلحة النووية وكذلك من الاسلحة الدمار الشامل, اذ ان اقتصار عنصر الردع على إسرائيل ادى ببعض البلدان في المنطقة الى امتلاك اسلحة ردع تقليدية وفوق تقليدية متطورة تمكنها من مجابهة او ربما موازنة السلاح النووي الإسرائيلي.

ان من يلاحظ ذلك الاختلاف في المنطقة, يدرك ان غياب الردع في الشرق الاوسط لا يعيق اقامة منطقة خالية من الاسلحة النووية فحسب, وانما يشجع الدول الاخرى لامتلاك اسلحة ردع تقليدية وفوق تقليدية تمكنها من مجابهة السلاح النووي او ربما موازنته.

ويقصد بأسلحة الردع هذه, الاسلحة ذات القدرات التدميرية العالية مثل الاسلحة الكيميائية والبيولوجية واسلحة التفجير الحجمي الارتجاعي, ويستند مؤيدي هذا الخيار الى عدة حقائق في ذلك, اولها رخص وسهولة تصنيع وامتلاك هذه الاسلحة, وثانيها المرونة في استخدامها مقارنة بالأسلوب المعقد والقنوات المتعددة لاتخاذ قرار استخدام الاسلحة النووية. وثالثها, ان الاستخدام غير المقيد لتلك الاسلحة يجعلها وسيلة ردع ذات صدقية كبيرة, وتؤكد جميع الآراء التي نادت بهذا الخيار, ان امتلاك ذلك الرادع يمكن ان يسد فجوة عدم التوازن في القوى الناشئ عن امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية, وان امتلاك هذا الرادع ولاسيما من جانب الدول العربية يعد هدفاً مؤقتا لملء الفجوة الناجمة عن عدم امتلاك الرادع النووي. ( )

ولعل رفض كل من سوريا ومصر للانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، ربما يمكن ان يفسر لجوء العرب الى ذلك الخيار و كرد فعل على عدم التزام إسرائيل إلى معاهدة عدم الانتشار ؛ بوصفها عمل من أعمال الردع ، على الأقل على المستوى السياسي . ( )

ومن الطبيعي جدا ان نستنج في ضوء ذلك, ان غياب الردع النووي المتبادل في منطقة الشرق الاوسط, يعزز الفائدة المتصورة لأسلحة الدمار الشامل ومنظومات إطلاقها, كرادع او احدى وسائل الاكراه القائمة على ديناميات الامن الاقليمي, ( ) فلعديد من المسؤولين في بلدان أساسية عبر المنطقة يعتقدون بأن هذه الأسلحة ضرورية أو مطلوبة بشدة, فقد حصلت بعض دول المنطقة، أو حاولت الحصول، على أسلحة نووية وكيماوية وبيولوجية إما لردع أي هجوم من الدول المجاورة بهذه الأسلحة أو لضمان بقاء النظام على قيد الحياة في ظل ظروف الضغط الشديدة. وطالما أن القادة يولون قيمة عالية لهذه الأسلحة، فإنهم سيرفضون التخلي عنها من دون ضمانات موثوقة جداً لجهة الحفاظ على النظام والأمن الوطني أو تعزيزهما. ذلك بإن عدم تماثل القدرات يجعل استمرار الاعتقاد بفائدة أسلحة الدمار الشامل أمراً من الصعب معالجته جداً. ( )

وعلى هذا الاساس يكون غياب الردع النووي المتبادل عاملا محفزا لسعي دول المنطقة لامتلاك اسلحة الدمار الشامل, وهذا ما يثبط الجهود الدولية والاقليمية التي تسعى الى اخلاء الشرق الاوسط من الاسلحة النووية.

خامسا: الصراع وعجز الثقة
تشير كافة التحليلات الى وجود اختلاف جوهري بين اقليم الشرق الاوسط واقليم امريكا اللاتينية وجنوب المحيط الهادي بشكل اساسي وقارة افريقيا وجنوب اسيا بشكل نسبي, فيما يتصل بأنشاء منطقة خالية من الاسلحة النووية فيها, ومنطقية ذلك الاختلاف تأتي من مسألة الصراعات الاقليمية, فالشرق الاوسط تعد منطقة توترات خطرة غير مستقرة تشهد صراعات عسكرية وسياسية مستمرة, ذات ابعاد مركبة, تتسم بملامح مختلفة عن معظم اقاليم العالم, فقد شهدت منطقة الشرق الاوسط خلال النصف الثاني من القرن العشرين (1945-1999) عددا كبيراً من الصراعات الاقليمية, فتبعا لقاعدة بيانات الصراعات السياسية KOSIMO لعام 2000, وقعت في المنطقة 145 حالة صراعية, بينها 69 حالة صراعية اقليمية بينية, و34 حالة صراعية إقليمية – خارجية, و42 حالة صراعية داخل دول الاقليم, ( )

وبناء على ذلك, عادة ما يتم النظر الى الصراعات الاقليمية في الشرق الاوسط سواء فيما يتعلق باستمرارها او بصعوبة تسويتها, على انها المحدد الرئيس لأنشاء منطقة خالية من الاسلحة النووية, وذلك للأسباب الاتية:

1- ان الصراعات ولاسيما الاقليمية البينية لها تأثير مباشر على تشكيل نموذج المنطقة, فضلا عن تأثيرها على فاعلية تلك المنطقة بعد التطبيق؛
2- ان الصراعات في المنطقة يجعل من التعامل من الشرق الاوسط كحالة خاصة, لا ينطبق عليها ما ينطبق على الحالات السابقة, وان اقامة منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط على اسس وظيفية قد يكون متعذراً, بعيداً عن عملية اكثر اتساعاً لإقامة نظام امن اقليمي شامل او على الاقل نظام لضبط التسلح الإقليمي عموما؛ ( )
3- ان استمرار الصراع في المنطقة يكرس حالة انعدام الثقة, لأنه سيتم النظر الى الاسلحة النووية والكيمائية والبيولوجية على انها مفيدة للردع. وهنا سيكون الصراع حافز لسباق التسلح؛
4- في ظل حالة عدم الثقة فسيكون للحد من التسلح الإقليمي أولوية أقل حتى لو كان ينظر إليه على أنه مفيد لإدارة الصراع.
ففي ظل بيئة تتسم بالصراع وعدم الاستقرار يصبح من الصعوبة بمكان انشاء منطقة خالية من الاسلحة النووية رغم انه مطلب لا غنى عنه, لجميع دول المنطقة, ومن شأن تدابير الثقة ان تسعى لتهيئة الظروف المناسبة لأنشاء هذه المنطقة, بيد ان الإقليم يشهد في مرحلة ما بعد عام 2011 سلسلة من التحولات الحادة التي ستؤدي إلي إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط مرة أخرى، على أسس مختلفة. فقد انفجرت سلسلة من الثورات العنيفة في مصر، وتونس، وليبيا، واليمن، وسوريا، ثم أعمال عنف واسعة النطاق في البحرين، والسودان، وامتدت تأثيرات ذلك إلى الدول الأخرى، بحيث يمكن توقع حدوث تغيرات نوعية في أشكال الدول، ونظم الحكم فيها، وبالتالي توجهات الإقليمية في المرحلة القادمة. ( ) فهناك إقليم مختلف، يصعب الحكم بما إذا كان الطابع التعاوني، أو الصراعي، سيسيطر على تفاعلاته أم لا؟.

الخاتمة والاستنتاجات
من خلال دراسة معوقات اخلاء الشرق الاوسط من الاسلحة النووية اتضح لنا الاتي:

1- يمثل انشاء المناطق الخالية من الاسلحة النووية احد اهم المداخل الرئيسة للتعامل مع المشاكلات التي اثارتها الاسلحة النووية, عن طريق اقامة ترتيبات أمنية بين دول اقليم معين, لتحقيق مجموعة من الاهداف المتوخاة, اهمها تقليص التهديد النووي لدول الاقليم, وحمايتها من التعرض لمخاطر استخدام الاسلحة النووية وتسهيل الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
2- تعد منطقة الشرق الاوسط من اكثر المناطق التي تثار فيها المسألة النووية بين الحين والاخر, وذلك لأهميتها سياسيا واقتصاديا وجغرافيا في المدرك الاستراتيجي للقوى الكبرى.
3- ان اقامة منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط امراً ليس بعيد المنال وذلك, لان اغلب دول منطقة الشرق الاوسط عدا إسرائيل موقعة على معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية, وان اغلبها ليس فقط لا تملك السلاح النووي, بل لا تملك حتى القدرة النووية للأغراض السلمية عدا ايران.
4- ان عدم الاتفاق على النطاق الجغرافي للمنطقة يعود الى ان مصطلح الشرق الاوسط , يعد مصطلح سياسي اذ انه يوصف المنطقة الواقعة بين غرب اسيا وشمال افريقيا على اساس المصالح لا على الاساس الجغرافي. فتنقبض حدود المنطقة وتنبسط بحسب المصالح الدولية والاقليمية, ونظراً لذلك جاءت جميع التعاريف الخاصة بمنطقة الشرق الاوسط مختلفة عن بعضها البعض, ومحددة طبقاً لمصالح وابعاد كل دولة من النواحي الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية.
5- هناك تعارض بين الاتجاهين العربي والاسرائيلي في شأن اقامة منطقة خالية من الاسلحة النووية. اذ يوجد خلاف جذري حول أولوية التسوية/ التسلح على المستوى الإقليمي. فهناك خلاف حول ارتباط عملية إخلاء الشرق الأوسط من الاسلحة النووية بعملية التسوية السلمية للصراع العربي – الإسرائيلي. وبذلك ان الصعوبات السياسية التي تحول دون اخلاء الشرق الاوسط من الاسلحة النووية تعود الى وضع الاطراف الاقليمية شروطا مسبقة قبل الدخول في المفاوضات حول اقامة المنطقة, فالدول العربية ترى في اقامة المنطقة الخالية من السلاح النووي في الشرق الاوسط احد الشروط الاساسية لقيام السلام, في حين ترى اسرائيل ان قيام السلام هو احد الشروط الاساسية لإقامة المنطقة الخالية من الاسلحة النووية, وبذلك فان هناك عدم اتفاق اقليمي حول تحقيق السلام.
6- ان ازدواجية المعاير في فرض نظام منع الانتشار يقوض المساعي الدولية والاقليمية الهادفة الى جعل منطقة الشرق الاوسط خالية من الاسلحة النووية, لأن هذه الازدواجية ستثبت قناعة راسخة لدى دول المنطقة بعدم فاعلية معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية لتحقيق الامن, مما يجعل من امكانية تحقيقيه عن طريق امتلاك القدرة النووية.
7- ان غياب الردع النووي المتبادل في منطقة الشرق الاوسط يعد عاملا محفزا لسعي دول المنطقة لامتلاك اسلحة الدمار الشامل, مما يثبط الجهود الدولية والاقليمية التي تسعى الى اخلاء الشرق الاوسط من الاسلحة النووية.
8- ان الصراعات الاقليمية في الشرق الاوسط سواء فيما يتعلق باستمرارها او بصعوبة تسويتها, تعد المحدد الرئيس لأنشاء منطقة خالية من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط, اذ ان استمرار الصراع في المنطقة يكرس حالة انعدام الثقة, لأنه سيتم النظر الى الاسلحة النووية والكيمائية والبيولوجية على انها مفيدة للردع. وهنا سيكون الصراع حافز لسباق التسلح.

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى