الجماعات الاسلامية

المتطــرفون: نشأة التطرف الفكري، وأسبابه، وآثاره، وطرق علاجه

بحث نال الجائزة الأولى المتميزة من وقف المستشار محمد شوقي الفنجري في مجال خدمة الدعوة والفقه الإسلامي نظارة هيئة قضايا الدولة لعام 2016م

  • المركز الديمقراطي العربي
  • تأليف : د. جميل أبو العباس زكير الريان – مدرس مساعد الفلسفة الحديثة والمعاصرة بكلية الآداب- جامعة المنيا
  • تقديم أ.د. بهاء درويش – رئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة المنيا

 

 

ملخص الكتاب:

لقد بدأ الباحث مقدمة كتابه بقوله: إن الشريعةَ الإسلاميةَ وسطٌ بين الشرائعِ، وأن المسلمينَ، حقًا هم الأمةُ الوسطُ بين الأمم، لذا، قال الله تعالى:)وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا([البقرة :143]، فالأمةُ الإسلاميةُ الأمةُ التي تتبعُ دينَ ربها سبحانه دون إفراطٍ أو تفريطٍ، أمةُ الوسطيةُ، ودينُها وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، كالوادي بين جبلين، والهُدى بين ضلالتين، والوسطِ بين طرفين ذميمين، وإنَّ التزحزحَ عن هذا المنهجِ الوسطِ يُعَدُّ افتراءً على الله في حكمه، واستدراكًا عليه في شرعه، وإنَّ وسطيةَ الإسلامِ وسماحتَه لا تؤخذُ من العقول البشرية، ولكنها تؤخذُ من النصوص الشرعية، وإنَّ دينَ الإسلامِ والمتمسكينَ به بعلمٍ برآءٌ من الانحراف عن الوسط، سواءً الجانحِ إلى الغلوِ، أو الْمَائِلِ إلى التقصير. والذي ينحرف عن هذه الوسطيةِ بغلوٍ أو جفاءٍ، لم يتمسكْ بالإسلامِ بكمالهِ، وهو غيرُ ممثلٍ لَهُ، وإنما يمثلُ نفسَه.

بِيِدَ أن، العديد من مجتمعات العالم المعاصر ودولِه، تعيشُ حالةً من التوتر والقلقِ الدائمين هذه الأيام؛ وذلك بسبب إستشراء التطرف الفكري الذي ازدادت حِدَّتُه في الآونة الأخيرة؛ لأنه لم يعدْ يقبعُ في دائرة التنظير المجازي، وإنما خرج إلى حيز الوجود الواقعي. ومن ثم، أصبح الركيزةُ الأساسيةُ للولوجِ في دوامةِ العنفِ الذي نجمَ عنه الإرهابَ الإجرامي بصوره المتعددة.

لذلك، كان لابد من ظهورِ أدبياتٍ تحمل على كاهلها دعوى نَبْذِ التطرفِ الفكري، والحدَّ منه، ومن ثمَّ، فقد جاء بحثي هذا كصرخةٍ في وجهِ التطرفِ الفكري الغاشم، وما نجم عنه من أفكارٍ، ومذاهبٍ، وجماعاتٍ متطرفةٍ، باتت تهدد آمنَ البشريةِ وسلامَها.

تبويب الدراسة:

كما قام الباحث بتقسيم الدراسة إلى خمسة فصول، تسبقها مقدمة وتمهيد وتليها خاتمة، يمكن ترتيبها على النحو التالي:

المقدمة؛ وقد عرض فيها لمشكلة الدراسة، وأسبابها، وأهميتها، والدراسات السابقة، وخطة الدراسة ومنهجها.

أما التمهيد؛ فقد وضح فيه أن الإسلام؛ دين الحرية، والاستقامة، والاعتدال والوسطية، والرحمة، وكيف أنه ضد التطرف بكل صوره.

كما عنون الفصل الأول؛ بعنوان: “معنى التطرف الفكري وعلاقته بالمفاهيم الأخرى”؛ وفيه تناول الباحث: معنى التطرف في اللغة والاصطلاح، ومعنى الفكر لغة واصطلاحًا، ومعنى التطرف الفكري، والمقصود بالتطرف الفكري بالمعنى العام، وبالمعنى الخاص، والفرق بين الفكر المتطرف والتطرف الفكري، والتطرف الفكري وعلاقته بمفاهيم أخرى؛ كالعنصرية، والتشدد أو التعصب، والغلو، والعنف، والعدوان، والإرهاب. وختم هذا الفصل بسمات الشخصية المتطرفة فكريًا والتي منها؛ أحادية النظرة، والانغلاق المعرفي، والتعميم، واتباع الشهوات والشبهات.

أما الفصل الثاني: فقد جعله بعنوان “نشأة التطرف الفكري”، وقد تناول تاريخ التطرف الفكري؛ منذ تطرف إبليس، مرورًا بتطرف قابيل، والنمرود، وفرعون. ثم يعرض للتطرف الفكري في الفكر الغربي منذ اليونان والعصر الوسيط المسيحي وحتى الآن. وللتطرف الفكري في الفكر العربي منذ بلاد العرب والعصر الوسيط الإسلامي وحتى الآن. بالإضافة إلى إبراز الفارق بين التطرف الفكري المحلي و الدولي. وينتهي بعرضنا لأنواع التطرف الفكري؛ الديني، والأيديولوجي، والسياسي،…الخ.

وبالنسبة للفصل الثالث: فقد جعل عنوانه “أسباب التطرف الفكري” وفيه قدم الباحث تفسيرًا مفصلاً لأسباب التطرف الفكري المختلفة وهي؛ الأسباب الدينية والتربوية، والأسباب الاقتصادية، والأسباب السياسية، والأسباب الإعلامية، والأسباب الفكرية، والتوجه الفكري الشاذ.

أما الفصل الرابع: فكان يحمل عنوان “آثار التطرف الفكري” وهو يعرض لبعض الآثار التي خلَّفها التطرف الفكري تجاه المجتمع؛ وهي الأثر الذاتي على المتطرف نفسه، والأثر السلوكي، والأثر السلبي على الأمن المجتمعي، والأثر السلبي على المنظومة الفكرية والاجتماعية، والأثر السلبي للتطرف الفكري من وجهة نظر دينية.

أما الفصل الخامس والأخير: فجعله تحت عنوان “طرق علاج التطرف الفكري”؛ وفيه يعرض الباحث لطرق علاج التطرف الفكري من ناحية؛ مستوى الفرد، ومستوى الجماعة، ومن ناحية المستوى المجتمعي، بالإضافة إلى عرضه لأبرز أساليب العلاج على المستوى العام، والمناعة الفكرية.

وقد جاءت الخاتمة متضمنة عرضًا مفصلًا لأهم النتائج وهي بإيجاز:

1- التطرف الفكري لم يكن قديمًا قدم التاريخ البشري فحسب، بل منذ تطرف إبليس وعصيانه لأمر ربه سبحانه.

2- إن الشخصَ المتطرف على استعداد أن يضحي بأثمن ما عنده (بلده، أسرته، حريته، وظيفته،…)، ولاسيّما حياته، وفي كثير من الحالات حيوات الآخرين أيضًا باسم فكرة، سواء أكانت فكرة دينية، أو سياسية، أو أيديولوجية،…، تَكَوًّنَ لديه اعتقادٌ جازمٌ بصحتِها وجدارتِها، إلى درجةِ لا يُسَاوِرُها الشك.

3- اتهامُ المسلمينَ بالإرهابيين والمتطرفين، وأن الإسلامَ مصدرٌ للتطرف، والعنف، والإرهاب، فيه ظلمٌ وبخسٌ وتشويهٌ لصورة الإسلام الحقيقية الواضحة والناصعة، بل وفيه نفي للحقائق وتزييفها؛ لأنه دين السلام والعدل والرحمة والتسامح، وأنه يرفض بشدة، التطرف بكل صوره وما يتبعه من تعصب، وتشدد، وغلو، وعنف، وإرهاب، وقتل بغير وجه حق.

4- لا يمكن للأمة الإسلامية أن تتقدم وتستعيد حضارتها وعزتها إلا ببناء شخصية إسلامية معتدلة تسير على نهج الكتاب والسنة، وتُقصي التطرفَ الفكري بكل صوره، وتُحِدُّ من استشرائه، وتعمل على مواكبة التطورات الفكرية والعلمية الحديثة بما يتفق مع دينها وشريعتها، في الوقت الذي تأخذ فيه من تراثها؛ دينها، وقيمها، وأخلاقها، وعاداتها وتقاليدها، ما ينفع الإسلام ويخدم البلاد والعباد.

5- إن أسباب التطرف الفكري لا تقتصر على سبب دون غيره، بل قد يكون أحد الأسباب سواء السياسية، أو الدينية، أو الأسرية، أو الاقتصادية…الخ- بمفرده سببًا للتطرف الفكري، أو تكون كلها مجتمعة سببًا له أيضًا. ناهيك، عن أنه من الخطأ الجمِّ قصر التطرف الفكري على سبب بعينه؛ كالسبب الديني أو السياسي مثلاً.

6- إنه يمكن علاج التطرف الفكري والحد من تفاقمه، وإن كان من الصعوبة بمكان القضاء عليه تمامًا؛ ناهيك، عن أن علاج التطرف الفكري يختلف من مجتمع لآخر، ومن حالة لأخرى وذلك حسب الأسباب والدوافع التي تنطلق منها الشخصية المتطرفة.

أما عن توصيات البحث:

1- يوصي الباحث بضرورة أن تقوم مؤسسات الدولة، أي دولة يستشري فيها التطرف الفكري، بالسعي الحثيث نحو حوار فكري بناء من خلال مقارعة الحُجة بالحُجة، ودحض شبهات أفكار المتطرفين، وتفنيدها، ونقدها من خلال الدراسات والبحوث المُدَّعمة بالأدلة الدينية، والفكرية، والعلمية السديدة. وذلك إيمانًا منا بأن الفكر لا يواجه إلا بالفكر؛ فعلى مدار تاريخ البشرية لم يفلحْ العنف في مواجهة التطرف الفكري، وإنما عمل على تأجيج نارهِ بدلاً من إخمادها.

2- وجوب العمل على تفكيك خطاب التطرف الفكري، وبيان مدى ضعفه، وهذيانه. وذلك عن طريق نشر الوعي الديني، والثقافي، والإعلامي، بالحكمة والموعظة الحسنة من خلال الفقهاء، والعلماء، والدعاة المتخصصين.

3- يوصي الباحث بلزوم التفرقة بين من لا يخرج تطرفه الفكري عن حيز التنظيِّر فحسب، وبين من أضحى تطرفه أمرًا واقعًا، وأخذ يعيثُ في الأرض الفساد من خلال العنف، والإرهاب، والقتل، والتدمير، وإن كان كلاهما في موضع الاتهام سواء، ولكن ينبغي ألا يتم الحكم على الجميع بعقوبة واحدة، بل ينبغي أن يحاسب كل منهم على قدر جُرمه، وفعله. وأن العقوبة تُقدَّرُ بقدرها.

4- العمل على إعلاء القيم الإنسانية السامية، وخاصة كرامة الإنسان وحريته، وإحساسه بقيمته وذاته من خلال رفع الظلم والاستبداد السياسي، والاجتماعي، والأسري،…الخ، عنه، وتحقيق سُبل الرفاهية التي تُعينه على أن يكون إنسانًا سويًا، نافعًا لدينه، ووطنه، ومجتمعه، وذلك من خلال التربية الإسلامية السليمة التي تقتدي بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً.

5- ضرورة الاهتمام بالأسر الفقيرة والعشوائيات؛ لأنها حسب الإحصائيات تكون نسبة تطرف الشباب الفقير الذي يكون مُكبلاً فيها بأغلال الثالوث المدمر: الفقر، والجهل، والمرض، أكثر بكثير من تطرف شباب الأسر الغنية، وذلك من خلال اهتمام أجهزة الدولة والتضامن الاجتماعي بتشجيع الجمعيات الخيرية المشهرة، بالإضافة إلى توفير فرص عمل للشباب، مع الاهتمام بالرعاية الصحية والتعليم.

6- كما توصي الدراسة بوجوب تكاتف جميع فئات المجتمع للتصدي للفكر المتطرف؛ بداية من عائل الأسرة الأم والأب معًا، مرورًا بالشارع، والمدرسة، والمؤسسة الدينية، وانتهاءً برجال الحكم والسلطة، والعمل على نشر الفكر المعتدل دون إفراط ولا تفريط، وذلك إيمانًا منا بأن الوقاية خير من العلاج، وحتى يتم استئصال المرض(التطرف) من جذوره قبل أن يستشري في الجسم(المجتمع).

7- وأخيرًا، توصي الدراسةُ بضرورةِ إجراءَ المزيدَ من الدراسات حول التطرف الفكري، بعد تفكيكِ الإشكاليةِ إلى مشكلات متعددة بحيث يتناولها المتخصصون كل حسب تخصصه، مما يساعد على إيجاد حلول متكاملة للإشكالية في مجملها دون الوقوف على أجزاء منها ومعالجتها دون غيرها، وينبغي أن تشمل هذه الدراسات الآتي:

  • التطرف الديني؛ الإشكالات وآليات الحلول من منظور عصري.
  • التطرف السياسي؛ أسبابه وطرق علاجه.
  • التطرف الفكري؛ المشكلات والحلول، رؤية نفسية.
  • التطرف الفكري، المشكلات والحلول، رؤية تربوية وأسرية.
  • التطرف الفكري؛ المشكلات والحلول، رؤية اقتصادية.
4.1/5 - (10 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى