الدراسات البحثيةالعلاقات الدولية

الدين والقوة الناعمة الروسية: دراسة حالتي أوكرانيا ولاتفيا

Religion and Russia's Soft Power: the Cases of Ukraine and Latvia

العدد الثالث “يونيو – حُزيران” لسنة “2017 ” من مجلة العلوم السياسية والقانون

احدى اصدارات المركز الديمقراطي العربي

إعداد: رغدة البهي-  مدرس مساعد العلوم السیاسیة (تخصص العلاقات الدولیة)، جامعة القاهرة

 

ملخص الدراسة:

يختلف مفهوم القوة الناعمة الروسية عن مثيله الغربي. وتتعدد مصادر تلك القوة لتشمل اللغة الروسية، والثقافة، والتاريخ المشترك، والمشهد الأيدلوجي الراهن، والديانة المسيحية الأرثوذكسية. وعلى تعدد تلك الأدوات، سلّطت الدراسة الضوء على الدور الذي تلعبه الكنيسة الروسية الأرثوذكسية والبطريرك الروسي في حالتين هما أوكرانيا ولاتفيا. ففي الحالة الأوكرانية، تجلت القوة الناعمة الروسية من خلال المنظمات الأرثوذكسية غير الحكومية، والزيارات الدينية، ورفض استقلال الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، وسياسة العالم الروسي. أما في حالة لاتفيا، فتجلى استخدام روسيا لتلك القوة من خلال الزيارات الرسمية للبطريرك الروسي، والتي لا تُعَد زيارات دينية بحتة، فهي زيارات مُسَيّسَة.
كما تجلى أيضًا في النظر للعرقية الروسية في لاتفيا بوصفها رأس مال سياسي يصُب في النهاية في ما يسمى “العالم الروسي”.

Abstract:

The concept of the Russian soft power differs from the Western one. The sources of the Russian soft power include the Russian language, the culture, the common history, the current ideological landscape and the Orthodox Christian religion. The study highlighted the role played by the Russian Orthodox Church and the Russian Patriarch in two cases: Ukraine and Latvia. In the Ukrainian one, the Russian soft power was significant in the non-governmental Orthodox organizations, religious visits, the rejection of the independence of the Ukrainian Orthodox Church and the Russian world policy. In the case of Latvia, Russia’s soft power was reflected in the official politicized Russian Patriarch’s visits, which are not purely religious. It was also reflected in the why Russia perceives it’s ethnicity in Latvia as a political capital, that ultimately contributes to the “Russian world.”

مقدمة:

تركز عديد من الدراسات على فهم وتحليل القوة الصلبة الروسية عوضًا عن مثيلتها الناعمة، إلا أن فهم الإستراتيجية الروسية لا يمكن أن يتأتى دون تحليل الأخيرة التي لا تقل أهمية عن مثيلتها الصلبة. وقد تجلى استخدام روسيا للقوة الصلبة في محاولتها لمنع عدد من دول الاتحاد السوفيتي السابق من بناء علاقات أوثق مع الاتحاد الأوروبي.

وتعد أوكرانيا المثال الأبرز على ذلك؛ فقد لجأت روسيا إلى استخدام سياسة “الجزرة”، من خلال القروض الكبيرة الميسرة، وتخفيض أسعار الغاز وما إلى ذلك، ثم انتقلت إلى سياسة “العصا” من خلال الحظر التجاري، وارتفاع أسعار الغاز. وفي نهاية المطاف ضم القرم، وزيادة زعزعة الاستقرار في الشرق. كما شهد عدد من دول الشراكة الشرقية للاتحاد الأوربي الخمس (أرمينيا وأذربيجان وبيلاروسيا وجورجيا ومولدوفا)  تجلياتٍ للقوة الصلبة الروسية في السنوات الأخيرة[1].

وبجانب ذلك، فإن روسيا لديها من مقومات القوة الناعمة ما يُمكنها من تحقيق أهداف سياستها الخارجية تجاه دول الاتحاد السوفيتي السابق، يأتي في مقدمتها كونها الوجهة الرئيسة للعمالة، وانتشار الأقليات الروسية في تلك الدول، والتاريخ المشترك، والقرب الثقافي واللغوي، ونمو الاقتصاد القومي الروسي في السنوات الأخيرة، وانتعاش قطاع الطاقة، فضلًا عن البرامج الثقافية واللغوية الروسية، والمنح الدراسية للطلاب الأجانب، وتنوع وسائل الإعلام، وأخيرًا المسيحية الأرثوذكسية.

تسلط الدراسة الضوء على كيفية توظيف روسيا للدين كأحد مصادر قوتها الناعمة – رغم تعدد مصادر وأدوات قوتها الناعمة – وذلك من خلال الوقوف على حالتي أوكرانيا ولاتفيا. فكل حالة منهما تُمثل نموذجًا قائمًا في ذاته، يملك من الخصائص ما يميزه عن غيره من النماذج والحالات، بحيث يلقي كل منهما بظلاله على إحدى السبل التي توظف بها روسيا الدين كـأحد مصادر قوتها الناعمة، سواء من خلال المنظمات شبه الدينية ومشروع العالم الروسي في حالة أوكرانيا، أو الزيارات المتكررة من قبل بطريرك الكنيسة الروسية الأرثوذكسية إلى لاتفيا.

كما يتفاوت تأثير الدين من حالة إلى أخرى؛ ففي حين يتضح جليًا الأثر المباشر للكنيسة الروسية الأرثوذكسية في الحالة الأوكرانية، يتراجع هذا التأثير في حالة لاتفيا. وهو الأمر الذي يمكن تفسيره – كما ستوضح الدراسة فيما بعد – في ضوء المنظمات الأوكرانية غير الحكومية التي لا تتواجد في حالة لاتفيا، والتي تُشرف عليها بطراركية موسكو بشكل مباشر وغير مباشر، وتُدعم العالم الروسي، وتُعظم الرموز القومية الروسية.

وتسهم كلتاهما في بيان الدور الذي لعبه الدين في تحقيق الأهداف القومية الروسية؛ فقد كان الدين أحد المصادر التي مكنت روسيا من التدخل ليس فقط في الشؤون الداخلية لكلتيهما، بل وتوجيه سياستيهما الخارجية أيضًا. فعديد من دول الاتحاد السوفيتي السابق – بما في ذلك الحالتين موضع التحليل – هي دول أرثوذكسية بحكم أغلبية سكانها، كما تنتشر بها العرقية الروسية، إذ يشكل المواطنين الروس الحاملين للجنسية الروسية بل والمتحدثين باللغة الروسية نسبًا لا

بأس بها من إجمالي السكان، مما هيأ البطانة الملائمة لروسيا لبسط قوتها الناعمة ليس فقط تجاه تلك الدول، بل تجاه مواطنيها المقيمين عليها أيضًا.

والجدير بالذكر، أن أوكرانيا ولاتفيا على الرغم من كونيهما دولتين أرثوذكسيتين، إلا أن الوضع القانوني للكنائس الأرثوذكسية بهما شديد التباين؛ ففي الوقت الذي تخضع فيه الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية – على تعدد محاولات استقلالها – لمثيلتها الروسية، تتمتع الكنيسة الأرثوذكسية في لاتفيا باستقلالية[2].

الأسئلة البحثية وأهداف الدراسة:

يمكن القول أن السؤال البحثي الرئيسي الذي تسعى الدراسة للإجابة عنه هو: كيف يعد الدين مصدرًا من مصادر القوة الناعمة الروسية في حالتي أوكرانيا ولاتفيا؟ وفي إطاره، تتمثل أهداف الدراسة في الإجابة على التساؤلات البحثية التالية:

ما المقصود بالقوة الناعمة الروسية؟ وما أبرز مصادرها وأدواتها؟ وما طبيعة الدور الذي تلعبه الكنيسة الروسية الأرثوذكسية في القوة الناعمة الروسية؟ وكيف وظفّت روسيا الدين كمصدر من مصادر قوتها الناعمة في الحالة الأوكرانية؟ وكيف وظفّت روسيا الدين كمصدر من مصادر قوتها الناعمة في حالة لاتفيا؟

الفترة الزمنية للدراسة:

يصعب تحديد فترة زمنية قاطعة البداية والنهاية للدراسة لعدة أسباب؛ أولها: أن المسيحية الأرثوذكسية كانت تاريخيًا نواةً للإمبراطورية الروسية. وثانيها: أن الكنيسة الروسية الأرثوذكسية فاعل عبر قومي يتجاوز تأثيرها حدود الدولة القومية الواحدة. وثالثها: أن دور الدين كمصدر للقوة الناعمة الروسية تراوح صعودًا وهبوطًا. ولكن يمكن القول أن الدراسة تبدأ بفترة بوتين الرئاسية الأولى في عام 2000. فمنذ ذلك الحين عادت روسيا تدريجيًا للعب دور فاعل على الصعيدين الإقليمي والدولي، هذا من ناحية. ومن ناحيةٍ أخرى، أكدت الكنيسة الروسية الأرثوذكسية على التعاون بين الدولة والكنيسة من أجل عودة ممتلكات الكنيسة في الخارج، وحماية حقوق الروس في الخارج.

الإطار النظري:

تنهض الدراسة على نظرية القوة الناعمة بشكلٍ عام، والقوة الناعمة الدينية بشكلٍ خاص، وذلك على النحو التالي:

أ- القوة الناعمة: دشن جوزيف ناي “القوة الناعمة”، وعرفها على أنها القدرة على التأثير على أجندة الآخرين بما يتوافق ومصالح الدولة اعتمادًا على التأثير والجذب[3]. وهي أيضًا القدرة على تشكيل تفضيلات الآخرين، أو جعل الآخرين يريدون ما تريده الدولة دون إرغامهم، وكذا، القدرة على الجذب، والقوة الجذابة. وترتكز القوة الناعمة لبلد ما على ثلاثة موارد  أولها: ثقافته الجذابة، وثانيها: قيمه السياسية عندما يطبقها بإخلاص في الداخل والخارج، وثالثها: سياساته الخارجية عندما يدركها الآخرون على أنها مشروعة وذات سلطة معنوية وأخلاقية[4].

ب- القوة الناعمة الدينية: حدث الربط بين القوة الناعمة والدين من خلال القوة الناعمة الدينية Religious Soft Power، التي تشير إلى توظيف الدين لتحقيق المصالح القومية للدول، وأهداف سياستها الخارجية. وتتأسس على قدرة الفاعلين الدينيين على التأثير في ما عداهم من فاعلين من الدول وغير الدول على حدٍ سواء، تحقيقًا لأهداف السياسة الخارجية، وذلك من خلال تبني سياسات وبرامج تنسجم وقيم الدولة ومبادئها، وما تُعليه من شعارات، وما تسعى إليه من أهداف. وقد تجدد الاهتمام بها في أعقاب تصاعد الاهتمام بما سُمّي “الدبلوماسية الدينية”. فالقوة الناعمة الدينية تشير إلى قدرة كيان – وليس بالضرورة دولة – على التأثير في الآخرين من خلال الجذب والإقناع. ويرى جوزيف ناي مُدشن “القوة الناعمة” أن الدين لا يعدو كونه قوة إقناع في العلاقات الدولية، وأنه سلاحًا ذي حدين[5].

تقسيم الدراسة:

تنقسم الدراسة – عقب التعريف بأسئلتها وأهدافها ومفاهيمها – إلى أربعة أجزاء رئيسة، وذلك على النحو التالي:

أولًا: القوة الناعمة الروسية ومصادرها والاختلاف بينها وبين مفهوم القوة الناعمة الأمريكية.

ثانيًا: دور الكنيسة الروسية الأرثوذكسية في القوة الناعمة الروسية.

ثالثًا: الحالة الأوكرانية.

رابعًا: حالة لاتفيا.

أولًا- القوة الناعمة الروسية:

تتعدد مداخل النظر إلى القوة الناعمة، بين اعتبارها أداةً عالمية تستخدمها كل الدول على الصعيد الدولي، والنظر إليها بوصفها أداةً خاصة توظفها كل دولة وفقًا لخصوصيتها، ومن هنا يُمكن الدفع بتميز مفهوم القوة الناعمة الروسية عن مثيله الأمريكي. فقد دأبت روسيا على الولايات المتحدة باستخدام القوة الناعمة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وقد ميز الرئيس بوتين – في عدة مناسبات – بين الأساليب الروسية والأمريكية في ممارسة القوة الناعمة. ففي رأيه، يستخدمها “الغرب بشكل غير شرعي” لإثارة التطرف والقومية والانفصالية، والتلاعب بالرأي العام، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة.

من ناحيةٍ أخرى، فإن مؤسسات القوة الناعمة في روسيا تتشابه إلى حدٍ بعيد مع مثيلاتها الغربية. فقناة روسيا اليوم تتشابه مع قناة ال بي بي سي، وبدا مشروع “روسيا ما وراء العناوين” متشابهًا مع صحيفتي “واشنطن بوست” و”ديلي تلغراف”، وتعد مؤسسة “العالم الروسي” النسخة الروسية من المجلس الثقافي البريطاني ومعهد جوته. وعليه، يمكن القول أن القوة الناعمة الروسية، والتي تكرر التأكيد عليها في خطاب السياسة الخارجية الروسية، لها مضمونها الخاص المغاير لمثيله الأمريكي[6].

تكررت الإشارة إلى مفهوم القوة الناعمة في الخطاب الروسي في الآونة الأخيرة، ودعا الرئيس فلاديمير بوتين إلى تعزيزها من قبل الدبلوماسية العامة، تعزيزًا لصورة روسيا في الخارج، واللغة الروسية، والعلاقات مع المواطنين المقيمين في الخارج[7]. وتعد صورة روسيا ومكانتها في النظام الدولي أحد أهم مصادر قوتها الناعمة، بالنظر إلى مساحتها الجغرافية، وتنامي قوتها العسكرية، ودورها في تشكيل السياسات العالمية، وتاريخها الطويل.

ولا يمكن إغفال أهمية البعد الأيدلوجي، كأحد مصادر القوة الناعمة الروسية،؛ فعلى الرغم من تراجع الأيدلوجية الاشتراكية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، إلا أن “المشهد الأيدلوجي الروسي المعاصر” يمكن الاستدلال عليه من خلال خمسة مفاهيم أساسية تعد أبرز ركائز القوة الناعمة ومصادرها، لأنها تحدد موقع روسيا الفريد علي الساحة العالمية. وهذه المفاهيم هي: الديمقراطية السيادية، والقيم التقليدية، والعالم الروسي، والنظام الدولي المتعدد الأقطاب، والتكامل الأوراسي[8].

تشير الديمقراطية السيادية “إلى الرؤية الروسية للديمقراطية التي لا تتفق بطبيعة الحال مع الديمقراطية الليبرالية الغربية، وهي الهوية الرسمية للنظام السياسي لبوتين. ومن الناحية العملية، هي آلية أيديولوجية لإضفاء الشرعية على النظام في الداخل، وتحسين صورته في الخارج. وتعد النسخة الروسية من الديمقراطية التي يمكن تصديرها ونشرها في دول الاتحاد السوفيتي السابق.

أما القيم التقليدية، فتشير إلى “الإحياء الديني”، فعلى الرغم أن روسيا من الدول التي تتنامى بها نسب الطلاق والإجهاض والإدمان، دافعت الكنيسة الأرثوذكسية عن الوحدة الدينية؛ لتكتسب بذلك مصطلحات من قبيل “القيم التقليدية” و”الروابط الروحية” زخمًا في المجتمع الروسي، ضد الاضمحلال الأخلاقي.

يقصد بالعالم الروسي العرقيين الروس المتحدثين بالروسية، و”شعب الثقافة الروسية”، ولعله أحد أهم مصادر القوة الناعمة الروسية، لأنه يعزز الروابط بين روسيا والأقليات الروسية في الاتحاد السوفيتي السابق، كما يستخدم كغطاء يشرعن الدور الروسي في المنطقة[9].

توصلت النخبة الروسية إلى استنتاج مفاده أن العالم الذي يهيمن عليه الغرب لا يفسح المكان لروسيا كي تضطلع بالدور الذي ترغب فيه. لذا، دأبت على تحسين صورتها من كونها العدو الرئيس إلى بلد التحديث، مطالبة بنظام دولي تعددي.

وأخيرًا، يعد التكامل الأوروبي الآسيوي المفهوم العالمي البديل للعالم الأمريكي أحادي القطبية. فمنذ نشأة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي يناير 2015، تحاول روسيا خلق قطب توازنات جغرافية اقتصادية جديدة من شأنها أن تلعب دورًا مستقلًا في عالم متعدد الأقطاب[10].

يسعى الكرملين إلى خلق هوية مشتركة في دول الاتحاد السوفيتي السابق استنادًا إلى اللغة والدين والتاريخ المشترك من خلال عدة منظمات حكومية أهمها “روسوتودنيتشستفو” الوكالة الاتحادية لكومنولث الدول المستقلة والوطنيين المقيمين في الخارج والتعاون الإنساني الدولي، والتي تهدف إلى تعزيز ونشر اللغة الروسية. كما تُنظم الوكالة احتفالاتٍ متكررة لإحياء التاريخ الروسي، استنادًا إلى خطابٍ يكرس الإخوة والحنين إلى “الماضي المجيد” وبخاصة إلى الإمبراطورية السوفيتية. وبالإضافة إلى ذلك، باتت الوكالة مسئولةً عن التنمية الدولية وتقديم المساعدات الاقتصادية والقروض إلى دول الجوار الروسي، كوسيلة لتعزيز القيم الروسية في البلدان المتلقية[11].

وتشن روسيا حملات إعلامية ضخمة حيثما تواجه المصالح الروسية تحدياتٍ تحقيقًا لأهداف سياستها الخارجية، من خلال إدارة المعلومات المؤثرة في تشكيل الرأي العام خارج حدودها، وتعزيز أدوار وسائل الإعلام الروسية في الساحة الدولية، ومواجهة تهديدات المعلومات التي ترتبط بسيادتها وأمنها[12].

ثانيًا: الدين والقوة الناعمة الروسية:

تحتل الكنيسة الأرثوذكسية الروسية والبطريرك مكانًا متميزًا بين أدوات ومصادر القوة الناعمة الروسية، وكذا بين أعضاء الكنيسة والمجتمع الروسي. وتشير التقديرات إلى أن بطريركية موسكو لديها أكثر من 150 مليون عضو في أكثر من 60 بلدًا في جميع أنحاء العالم؛ فنفوذ الكنيسة لا يقتصر على القضايا الدينية. ووفقًا لتصنيف “الشخصيات السياسية” الرائدة، التي نشرتها “نيزافيسيمايا غازيتا”، أتي البطريرك “كيريل الأول” بطريرك موسكو في المرتبة السادسة[13].

تلعب الكنيسة الأرثوذكسية الروسية ورئيسها البطريرك “كيريل” دورًا هامًا في نشر فكرة “العالم الروسي” وفي دعم سياسات الكرملين[14]. إذ اقترح البطريرك كيريل في الاجتماع الثالث لمؤسسة العالم الروسي استخدام مصطلح “البلد الروسي العالمي” Russian World Country، وهذا يعني أن آية دولة  تتحدث اللغة الروسية كلغة دولية، وتعزز الثقافة الروسية، وتحافظ على الذاكرة التاريخية العامة، يمكنها أن تعتبر نفسها جزءًا لا يتجزأ من العالم الروسي.

ثالثًا- الدين والقوة الناعمة الروسية تجاه أوكرانيا:

يعد بسط النفوذ الروسي على أوكرانيا ليس فقط أحد أهم أولويات سياستها الخارجية، ولكن أمر وجودي Existential Imperative. فأوكرانيا – لدى كثيرين من النخبة السياسية الروسية – جزءٌ لا يتجزأ من روسيا وهويتها، لذلك تحاول روسيا بسط نفوذها وسيطرتها عليها على اختلاف الأدوات التي تستخدمها في سبيل ذلك مثل: الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، ووسائل الإعلام، والشبكات الرسمية وغير الرسمية لرجال الأعمال، والمنظمات غير الحكومية. ناهيك عن تعبئة أقاليم أوكرانية عدة بشأن قضايا سياسية وثقافية شائكة كتلك التي تتصل بسياسات اللغة، والثقافة المشتركة، والميراث التاريخي[15].

هدفت أوكرانيا – منذ انهيار الاتحاد السوفيتي – إلى تبنى مسارٍ مستقلٍ تمامًا عن روسيا بل والعودة للحضارة الأوروبية، وهو الأمر الذي يعد تهديدًا للذات الروسية، وهو الأمر الذي انعكس في تصريح الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيدف في 2009 بأن “روسيا والأوكران منذ فجر التاريخ كانوا ولا يزالوا ليس فقط جيران ولكن شعب مُتآخي”[16].

تعددت أدوات روسيا في تحقيق ومد قوتها الناعمة تجاه أوكرانيا، وتسلط الدراسة الضوء على دور الدين، وبخاصة أن ثلثي مواطني أوكرانيا هم من الأرثوذكس، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، برز الدين – على تعدد الرموز الدينية  – إلى المجال العام الأوكراني عدة مرات. منها نتائج الانتخابات الأوكرانية الرئاسية في عام 2004، وكذلك الثورة البرتقالية. فقد شاركت كافة المؤسسات الدينية وفي مقدمتها الكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية التابعة إلى بطريركية موسكو في الحملات الانتخابية الرئاسية وفي الثورة البرتقالية[17]، والتي شهدت صلوات يومية مشتركة من قبل عشرات المحتجين في ميدان الاستقلال في كييف.

دعت الكنيسة إلى رابطةٍ سلافية Slavic Brotherhood عوضًا عن أخرى مسيحية في الخطاب الذي وجهته الكنيسة الروسية الأرثوذكسية إلى الشعب الأوكراني. ومن ثم، استخدمت رموزًا قومية National Basis – وليست مسيحية أو روحية – للتدخل في الشأن الداخلي الأوكراني[18].

تُمثل الأرثوذكسية في أوكرانيا من قبل الكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية التابعة لبطراركية موسكو، ويتضح دور الدين كمصدر للقوة الناعمة الروسية تجاه أوكرانيا من خلال ما يسمى بالأرثوذكسية السياسية ومشروع “العالم الروسي”، واللذان تلعب فيهما الكنيسة الروسية الأرثوذكسية دورًا بالغ الأهمية تتوقف عنده الدراسة بالشرح والتحليل.

  • الأرثوذكسية السياسية: المنظمات غير الحكومية:

تعد المنظمات الأرثوذكسية غير الحكومية أحد أهم مصادر عدم الاستقرار في أوكرانيا، والتي تشرف عليها ويتم تمويلها من قبل بطريركية موسكو بشكلٍ مباشر وغير مباشر. ولعل أشهرها ما يسمى اتحاد المواطنين الأرثوذكس الأوكران[19] واتحاد رابطة الأخوة الأوكران[20] والخيار/الاختيار الأرثوذكسي[21].

تتميز تلك المنظمات بتطبيق الأيدلوجية الإمبريالية الروسية؛ فهي هياكل غير حكومية شبه دينية تدعم وتنمي فكرة العالم الروسي على اختلاف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذ تعتقد تلك المؤسسات في ما يسمى ب “روسيا المقدسة “Holy Rus، وتؤمن بأن انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال أوكرانيا بمثابة انحرافٍ عن مسيرةٍ تاريخية يجب تصحيحها.

تُعرف تلك المؤسسات بتعظيم الرموز المختلفة للدولة الإمبريالية الروسية على حساب أبطال التاريخ القومي الأوكراني. كما تولي اهتمامًا وتعظيمًا خاصًا للإمبراطور نيكولاس الثاني والذي تصفه الكنيسة الروسية الأرثوذكسية بأنه “القديس الشهيد”. ففي ذكرى رحيله، تُرتب تلك المنظمات – من خلال أعضاء من الرابطة الأرثوذكسية – مسيراتٍ ومواكب حاشدة، ترفع شعارات مثل “أوكرانيا، روسيا، بيلاروسيا جميعها روسيا المقدسة.” و”من أجل روسيا نحن مستعدون للتضحية بدمائنا.” وعادة ما تقوم تلك المنظمات بصلوات من أجل استعادة الإمبراطورية الروسية.

تتضمن اهتمامات النشطاء الأرثوذكس فعاليات عدة في مواجهة تسمية الشوارع بأسماء تُخلد انتفاضة يناير، وكذلك ذكرى الإمبراطورة الروسية كاثرين الثانية في الأوديسا وسيباستبول وغيرها من المناطق[22].

تعتبر المنظمات شبه الدينية أن الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية – والتي هي جزء لا يتجزأ من الكنيسة الروسية الأرثوذكسية – هي الرابطةً الهامة التي تربط بين الدولتين. وقد سعت الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية إلى تغيير وضعها. فعقد ممثلين عن المنظمات الأرثوذكسية شبه الدينية في إبريل 2008 كونجرس عام في كييف، انتقد فيه المشاركون الوضع الجديد للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، والذي تم تبنيه في ديسمبر 2007، ورفضوا دخوله حيز التنفيذ إلا عقب موافقة المجمع المقدس للكنيسة الروسية الأرثوذكسية ومباركة بطريرك موسكو.

تعرض رئيس أوكرانيا فيكتور يوتشينكو للنقد الحاد في يناير 2007؛ بعد أن وصف قائد اتحاد المواطنين الأرثوذكس في أوكرانيا “فاليري كيروف” مبادرة رئيس أوكرانيا بعنوان “كنيسة أرثوذكسية موحدة” بالمحاولة لتدمير الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا، وجريمة في مواجهة الكنيسة المقدسة[23].

تدرك تلك المنظمات التوجه الأوروبي بوصفه محاولةٍ من قبل القيادة السياسية للدولة لفرض هوية حضارية عنوةً على غالبية الأوكرانيين. ففي أغسطس 2007، طالبت تلك المنظمات وفي مقدمتها “الخيار الأرثوذكسي” بتبني موقف يطالبون فيه وزارة الخارجية الأوكرانية بتنكيس علم الاتحاد الأوروبي من على واجهة مبنى الوزارة. والسبب في ذلك، حسبما أشارت تلك المنظمات، هو أن رموز السياسة الخارجية في الأماكن العامة تلاقي الرفض عند المجتمع الأرثوذكسي، بل وتعادي المشاعر الوطنية والمدنية للمواطنين الأوكران.

رُفعت دعوى قضائية في المحكمة الإدارية لمقاطعة كييف – وفقًا لإدعاءات “الاختيار الأرثوذكسي في ربيع 2008 – ضد رئيس أوكرانيا “فيكتور يوتشينكو” ورئيس الوزراء “يوليو تيموشينكو” ورئيس الرادا الأوكراني – وهو المجلس الأعلى في أوكرانيا – “أرسيني ياتسينوك” بسبب ما سُمي ب”خطاب الثلاثة” الموجه إلى السكرتارية العامة للناتو بشأن منح أوكرانيا عضوية الناتو. فقد اتهم النشطاء قادة الدولة في أوكرانيا والحكومة بارتكاب “جريمة” في مواجهة الشعب الأوكراني.

أما الخطاب اليورو أطلنطي، فيعتبر كارثةً قد تُفضي إلى تغيراتٍ لا يمكن الرجوع فيها أو العدول عنها في العلاقات الروسية الأوكرانية، وبخاصة أنه يُحوّل أوكرانيا إلى دولةٍ معاديةً لروسيا. ففي أبريل 2008، أدلى “اتحاد المواطنين الأرثوذكس الأوكران” بتصريحٍ قال فيه أن “كل هذه الأفعال المتصلة بعضوية أوكرانيا في الناتو وفصل الكنيسة الروسية الأرثوذكسية تُوضح شيئًا واحدًا فقط وهو أنها تهدف إلى احتواء روسيا.” [24]

وتتواصل منظمات المجتمع المدني شبه الدينية في أوكرانيا مع اتحاد الرابطة الأرثوذكسية في روسيا[25] واتحاد المواطنين الأرثوذكس في روسيا وغيرها. ويختلف شكل وطبيعة تلك التفاعلات مثل المقابلات والظهور في وسائل الإعلام والمنتديات المشتركة وغيرها. ومن ثم فقد سعي الجانب الروسي إلى دعم المنظمات الأوكرانية بكافة السبل والوسائل.

نظّم اتحاد المواطنين الأرثوذكس في روسيا – إلى جانب ما يسمى بالمنظمات الوطنية في إبريل 2008 – وقفاتٍ احتجاجية أمام السفارة الأمريكية لأن الولايات المتحدة دعمت المسار الأوروبي الأطلنطي لأوكرانيا. وحمل المحتجون لافتات بعنوان “الله واحد وروسيا واحدة/موحدة” و”احمي نفسك من الفيروس الأوكراني”.

رتب اتحاد المواطنين الأرثوذكس الأوكران في مركز موسكو – على شرف مرور ألف وعشرين عام على المسيحية في روسيا – فعالياتٍ بعنوان “من أجل وحدة الكنيسة وضد خطر استقلالية الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية” في مايو 2008.

تتلقى منظمات المجتمع المدني شبه الدينية في أوكرانيا دعمًا من الهياكل الروسية وبخاصة مع اتساع أنشطتها السياسية والاجتماعية، بما يحقق مصالح روسيا وقوتها الناعمة[26].

وعقب الحملة الانتخابية الرئاسية في عام 2004، جادلت منظمات المجتمع المدني شبه الدينية بوجود أنشطةٍ معادية للكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية التابعة لبطراركية موسكو، وذلك في أعقاب وصول القوى البرتقالية إلى الحكم. ولمنع هذا في المستقبل، ولمنع انتخاب القيادات البرتقالية مرة أخرى في الرادا الأوكراني أو في الكيانات الحكومية المحلية، اتخذ اتحاد المواطنين الأوكران والرابطة الأرثوذكسية للقديس “ألكسندر نفيسكي” قرارًا  بدعم الأحزاب الشيوعية في الانتخابات البرلمانية المقبلة وفي انتخابات المجالس المحلية.

وصرح رئيس الاختيار الأرثوذكسي “يوري يحيروف” أن “الحزب الشيوعي يدافع عن المبادئ الأرثوذكسية وهو أقرب إلى المواطنين”. ووفقًا له، بُني التعاون بين الخيار الأرثوذكسي وهذا الحزب على الأجندات السياسية والاجتماعية المتقاربة، وفي مقدمتها السعي نحو توحيد الشعوب السلافية، وتدعيم استخدام اللغة الروسية في أوكرانيا، ورفض عضوية أوكرانيا في الناتو[27].

ب- إجهاض مساعي الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية للاستقلال:

يتمثل أحد أهم ركائز السياسة الخارجية الروسية – في عهد الرئيس فلاديمير بوتين – في بناء ما يسمى “بالعالم الروسي” Russkii Mir”، وهو المفهوم الذي يتقاطع مع مفهومٍ آخر ألا وهو  Russian Go-Culture World أو عالم يتبع الثقافة الروسية. والذي يشير وفقًا لمُنظّريه إلى استدعاء الثقافة الروسية لكي تشارك في عمليةٍ ايجابية، تساهم في تحويل العالم، بهدف منع انزلاقه إلى ظلام التاريخ السحيق. إذ يشير هذا العالم إلى المساحة التي تؤثر فيها روسيا ثقافيًا ولغويًا ودينيًا، والذي تضطلع الكنيسة الروسية الأرثوذكسية في سبيله بأدوارٍ بالغة الأهمية.

يشمل هذا العالم – وفقًا للبطريرك “كيريل” – كل من أوكرانيا وبيلاروسيا وروسيا. وجميعها على حد تعبيره روسيا المقدسة[28]“. والجدير بالذكر أن الفضاء الذي تسعى الكنيسة الروسية إلى بسط نفوذها عليه لا يقتصر على الدول الثلاث السابقة فحسب، بل يتسع ليتضمن كافة الأفراد الذين تتوافق هوياتهم مع التقاليد الروسية المدنية Russian Civilizational Tradition سواء كانوا مقيمين على تلك الأقاليم أو خارجها أو في أخرى تخرج عن نطاق سيطرة الكنائس المحلية.

تعددت زيارات بطريرك الكنيسة الروسية الأرثوذكسية كيريل إلى أوكرانيا دعمًا للعالم الروسي روحيًا وجغرافيًا. ففي خلال ثلاثة أعوام ونصف العام، بلغت تلك الزيارات ما يزيد عن عشرة زيارات، كان أولها في عام 2009 والتي دامت قرابة عشرة أيام[29]. وجميعها زيارات “مسيسة”، يصح النظر إليها على أنها أدوات للنفوذ في يد الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، بل وخير وسيلة لإدماج الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية في مثيلتها الروسية. فزيارات البطريرك إلى كييف عكست أن القيادة الحقيقية لا تتواجد في كييف بل في موسكو. وهي الزيارات التي تجد شعار “أوكرانيا ترحب ببطريركها” في استقبالها على اللافتات طول الطريق صوب الكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية، والتي تعكس في مضمونها أن بطريرك أوكرانيا يأتي في المرتبة الثانية في الترتيب الكنسي[30].

كما تحدث البطريرك عن فكرة “العالم الروسي” في موسكو في نوفمبر2010  حين عرّف فيه عالم روسيا بأنه “الحضارة الروسية وصحوة الوعي الحضاري الروسي”، كأحد أهم المهام التي تضطلع بها الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، في ظل نظامٍ موحدٍ من القيم.

فسيادة الدول المنتمية إلى عالم روسيا – وفقًا للبطريرك – لابد وأن يعاد ضبطها وتوجيهها إلى دعم التنمية المسئولة Responsible Development للقواسم الحضارية المشتركة Civilizational Commonality، وجزء كبير من هذا كان موجهًا إلى كييف باعتبارها واحدة من أهم المراكز السياسية والاجتماعية في العالم الروسي.

في سبيل تدعيم العالم الروسي أيضًا، أجهضت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية كافة مساعي مثيلتها الأوكرانية نحو الانفصال؛ فقد أكد البطريرك ألكسي الثاني بطريرك موسكو مرارًا أن بطراركية موسكو هي الهيكل الوحيد الذي ظل موحدًا عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، ومن ثم خسارة الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية يعد تهديدًا خطيرًا للقوة الروسية المادية والمعنوية على حد سواء.

كما أطلق بوتين – أثناء اجتماعه مع هيراركية الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية في أكتوبر 2004  – على الكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية اسم “الكنيسة الروسية الأرثوذكسية في أوكرانيا”، وهو ما تجاهل الوضع الحالي الذي تحظى به الكنيسة الأوكرانية[31].

منعت الكنيسة الروسية الأرثوذكسية استقلالية الكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية؛ فالخبرات التاريخية لكل من بلغاريا وجورجيا وصربيا توضح أن استقلال الكنائس الأرثوذكسية يعقبه استقلال الدول، والعكس صحيح[32]. أما في حالة أوكرانيا، فالوضع مختلف؛ فجزء من الكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية يظل روحيًا وإداريًا وتنظيميًا مستقلًا عن الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، غير أن بطراركية موسكو ترفض تأسيس اتحاد الكنائس الأرثوذكسية الأوكرانية، لأن استقلال الكنيسة الأرثوذكسية يحرم الكرملين من واحدة من أهم أدوات النفوذ والتأثير في أوكرانيا. كما أن استقلالية الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية سيسبب عديدًا من الخسائر للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، مما سيضعف من بطراركية موسكو[33].

خلاصة القول، أن الكيفية التي وظفت بها روسيا الدين كأحد مصادر قوتها الناعمة في الحالة الأوكرانية لم تكن على شاكلة واحدة، وقد اتضحت جليًا في المنظمات شبه الدينية الأوكرانية التي تتلقى دعما مباشرًا وغير مباشر من روسيا ومن الكنيسة الروسية الأرثوذكسية. وكذلك في مشروع العالم الروسي ورفض استقلال الكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية، لتوضح إجمالًا أنها تملك التأثير ليس فقط في السياسات الداخلية الأوكرانية ولكن أيضًا في سياساتها الخارجية.

رابعًا- الدين والقوة الناعمة الروسية تجاه لاتفيا:

ساد الاعتقاد، عقب انضمام دول البلطيق الثلاثة استونيا ولاتفيا وليتوانيا إلي حلف الناتو – منذ عام 2004 – بنجاح تلك الدول في القضاء على المعضلة الأمنية التي تواجهها، والمتمثلة في تزايد الهيمنة الروسية[34]، وعلى الرغم من الدور الذي تلعبه القدرات الدفاعية الجماعية في توفير الحماية لهم، إلا أن القاسم المشترك بينها جميعًا هو صغر حجمها جغرافيًا، مما يجعلها عرضة للاختراق من قبل عديد من الدول الأخرى وفي مقدمتها روسيا. وهو الأمر الذي أدى لتزايد الاهتمام بالتهديدات الأمنية الناعمة التي تواجهها تلك الدول – على حساب مثيلتها العسكرية – وبالأخص تنامي النفوذ الروسي والقوة الناعمة الروسية على اختلاف الأدوات غير العسكرية التي توظفها روسيا لبسط نفوذها على تلك الدول[35].

خلصت عديد من الدراسات إلى تعدد الأدوار التي تلعبها  المنظمات والفواعل التابعة بشكلٍ مباشر أو غير مباشر للحكومة الفيدرالية الروسية أو الكرملين الروسي، والتي تنخرط جميعها في تطبيق إستراتيجية القوة الناعمة الروسية تجاه دول البلطيق، وذلك على تعدد الأدوات المستخدمة، وفى مقدمتها، سياسة المواطنين الروس التي تضم كافة الأشخاص المتحدثين بالروسية خارج حدود الاتحاد الروسي.

عمدت الجهود الروسية إلى تأييد الأقليات الإثنية العرقية ذات الأصل الروسي والتي تنتشر بينها الثقافة الروسية بحكم طبيعتها، وكذا إطلاق حملات إعلامية روسية بهدف التشكيك في استقلالية دول البلطيق كدول مستقلة ذات سيادة، والتدخل المطلق في الشئون الداخلية والأنظمة السياسية لدول البلطيق، وبسط النفوذ الروسي وإحكام السيطرة على صناعات الإعلام والصناعات الترفيهية، وهي الصناعات التي تهيمن عليها الشركات الروسية.

فضلًا عن دعم الثقافة الروسية من خلال التركيز على اللغة الروسية والتعليم، واستخدام الإعلام المضاد لمواجهة أي تشويه للصورة الروسية[36]. ناهيك عن فرض بعض العقوبات النفطية عليها، وتطويق صادراتها من الغاز الطبيعي، وتحجيم الشركات الأجنبية من الاستثمار في مشروعات الطاقة فيها، بهدف تقييد استقلالها السياسي، والحد من خياراتها السياسية والاقتصادية[37].

فوفقًا لمجلس العلاقات الخارجية الروسي، يمكن القول، أن القوة الناعمة الروسية تمتد لتطول مجالات عدة منها ما هو ثقافي، وتعليمي، وعلمي، وتكنولوجي، وديني. وقد أسفرت كافة تلك الإستراتيجيات عن استقطابٍ حاد داخل دول البلطيق الثلاث بين الأقليات المتحدثة بالروسية بين المواليين لسياسات بوتين وبين من يعارضه، وهو الاستقطاب الذي ألقت عليه الأزمة الأوكرانية بظلالها لتزده تعميقًا وتأججًا[38].

فقد تطرأ على هوية الأقليات الروسية في تلك الدول تحولات جذرية من جماعات قائمة في إطار الدول إلى جماعات قائمة في ذاتها. وقد ذهب البعض إلى أبعد من ذلك بالقول، أن الصراع بين روسيا ودول البلطيق ما هو إلا صراع هويات أججه الميراث التاريخي؛ فكل منهما يحاول نيل الاعتراف الدولي برؤيته لذاته في حين ينكر هوية الأخر، وهو الصراع الذي يؤثر بالسلب على هياكل الهويات القوميةNational Identity Constructions  لدول البلطيق[39].

تجمع الإستراتيجيات الروسية بين إستراتيجيات خفية وأخرى قسرية، تسعى إلى دمج القوة الناعمة مع النفوذ غير العسكري من خلال شبكات ممتدة من العرقيين الروس المقيمين في دول البلطيق. وهي الإستراتيجيات التي ترتكن على ميراثٍ سوفيتيٍ ممتد، وعلاقات سياسية واقتصادية وثيقة في ظل القرب الجغرافي، وانتشار الثقافة الروسية بين تلك الدول[40]، وإن بررتها موسكو ب”البعد الإنساني” في سياستها الخارجية، وهو البعد الذي يتخذ من الدفاع عن حقوق الإنسان وحماية مصالح مواطنيها في الخارج والشراكة في القطاعات الثقافية والعلمية أولويات له.

تتعدد مجالات القوة الناعمة الروسية تجاه دول البلطيق، كما سبق القول، ولكن تسعي الدراسة إلى التركيز على الكيفية التي توظف بها روسيا الدين كأحد مصادر قوتها الناعمة تجاه لاتفيا إحدى دول البلطيق؛ حيث النصيب الأكبر من الأقليات المتحدثة بالروسية والذي يقدر بنسبة 26.9%[41].

تعد الأرثوذكسية في لاتفيا ظاهرةً اجتماعيةً هامة، وفي ذات الوقت هي أحد أهم مجالات القوة الناعمة الروسية[42]، والتي نجحت روسيا في توظيفها تحقيقًا لأهدافها السياسية، وبالأخص تجاه مواطنيها الروس في لاتفيا[43].

سياسات موسكو تجاه لاتفيا – والتي تستند على تلك المبادئ – تملك التأثير في عملية صنع القرار الداخلي. فالأرثوذكسية كقيمة، بلا شك، أحد أهم مصادر القوة الناعمة الروسية تجاه لاتفيا، والتي تلعب الكنيسة الروسية الأرثوذكسية الروسية دورًا في بسطها[44]، وبخاصة بالنظر إلى الكنيسة الأرثوذكسية في لاتفيا والتي تمثل جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الروسية نظرًا لموقعها شبه المستقل في إطار الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية تحت سلطة بطريرك موسكو، وهي ثالث أكبر كنيسة في لاتفيا والتي تضم قرابة 370 ألف عضو في 121 أبرشية[45].

تتضح العلاقة بين كنيسة لاتفيا الأرثوذكسية ومثيلتها الروسية بشكل خاص، وبعلاقات روسيا ولاتفيا بشكل عام، من خلال ثلاثة أحداث شهدتها الأعوام القليلة الماضية[46]. يتمثل أولها في زيارة البطريرك ألكسي الثاني إلى لاتفيا في عام 2006، بموجب دعوة رسمية من رئيس لاتفيا “فيرا فايك فريبيرجا”. وقد كانت تلك الزيارة، هي الأولى من نوعها منذ نشأة الأرثوذكسية في لاتفيا. وفي إطارها، منَح الأخير البطريرك الروسي ميدالية النجوم الثلاث، في حين قدّم البطريرك الروسي إلى رئيس لاتفيا وسام “أميرة أولجا من الطبقة الأولى”. وقد وصف رئيس لاتفيا تلك الزيارة بأنها “حدثًا خاصًا ليس فقط للأرثوذكس في لاتفيا ولكن لكل البلاد”[47]. فقد تزامنت تلك الزيارة في توقيت هدفت فيه لاتفيا إلى التوقيع على اتفاقية تنهي قضية الحدود العالقة بينها وبين موسكو.

أما الحدث الثاني، فهو تضمين المطران الكسندر رئيس كنيسة لاتفيا الأرثوذكسية في وفد “فالديس زاتلرز” الرئاسي الذي قام بزيارة موسكو في عام 2010[48]. وهذا الحدث ما هو إلا نموذج لاستخدام لاتفيا القوة الناعمة تجاه موسكو وليس العكس. ويظل الأمر رهنًا بعدة عوامل، يأتي في مقدمتها الموقف الوسطي والحيادي عن الأمور السياسية، والذي يتبناه المطران ألكسندر الرئيس الحالي للكنيسة الأرثوذكسية في لاتفيا، ولكن دون أن ينفي ذلك احتمالية قيام الكنيسة الأرثوذكسية من جانبها برد فعل مضاد للأهداف السياسية للكرملين.

تستهدف القوة الناعمة الروسية بالأساس مواطنيها الروس المقيمين في لاتفيا، باعتبار أن الأخيرة دولة حديثة ظهرت للوجود عام 1991، وليس بوصفها استمرارًا لدولةٍ كانت قائمة من قبل الحرب العالمية الثانية. فالجانب الروسي يهدف إلى التأكيد على أن الروس المقيمين في لاتفيا ليسوا مهاجرين سوفيت ولكن أمة قائمة في ذاتها Basic Nation، وهو الأمر محل الخلاف بين الجانبين، وبخاصة فيما يتعلق بموقف لاتفيا من قوانين اللغة والمواطنة[49].

كما لعب بطريرك روسيا والكنيسة الروسية الأرثوذكسية دورًا هامًا في السياسات الروسية تجاه مواطنيها في الخارج بشكل عام، وفي لاتفيا بشكلٍ خاص، وهو ما تعتبره لاتفيا تهديدًا لهويتها القومية[50]، بل وتتخذ في مواجهته عديد من السياسات المضادة. فعلى سبيل المثال، في عام 2008، تم تشكيل معرض من قبل الروس في لاتفيا في منزل ريجا بموسكو، والذي يتم تمويله من قبل الحكومة في مدينة موسكو، ليتعرض في جزء منه لتاريخ المعتنقين القدامى في ريجا، وهو المعرض الذي انصب اهتمامه على استعراض أنهم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني في لاتفيا وجزء من تاريخها وثقافتها. وهي أحد السياسات المضادة التي تنتهجها لاتفيا لتبرير ضرورة تغيير اللغة وسياسات المواطنة تجاه هؤلاء الروس.

ترى روسيا أن مواطنيها الروس المتحدثين بالروسية والمقيمين في لاتفيا، والذين يدينون بالأرثوذكسية أحد أهم مصادر قوتها الناعمة، نظرًا لإمكانية توظيفهم وتحويلهم إلى “رأس مال سياسي” Political Capital، بينما ترى لاتفيا أن هؤلاء الروس أحد أدوات روسيا للتدخل في شئونها الداخلية، وبخاصة في توقيت انعقاد الانتخابات السياسية.

أعرب بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الروسية أثناء اجتماع رؤساء مجلس التعاون والمنظمات الدينية أن الكنيسة نجحت في إقامة علاقات جيدة مع وزارة الشئون الخارجية ومكتب عمدة موسكو من أجل تنفيذ السياسات الروسية تجاه المواطنين في الخارج ومن بينهم المواطنين الروس في لاتفيا. ويتمثل أحد أهم أهداف هذا التعاون في تنفيذ “العالم الروسي”[51].

وعلى الرغم من تزايد اهتمام بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية في لاتفيا بنشر اللغة الروسية بين المواطنين الروس، إلا أنه كثيرًا ما سعى لتجنب الصدام مع السلطات الرسمية. لكن الأمر قد يتغير في المستقبل مع تغير الأب الروحي للكنيسة.

يلعب بطريرك موسكو الحالي دورًا هامًا في تدعيم القوة الناعمة الروسية، وزيارات بابا الكنيسة الأرثوذكسية الروسية السابق ألكسي إلى لاتفيا، لا يمكن وصفها بالزيارات الدينية، بل هي جميعًا زيارات مسيسة تصب في تحقيق الأهداف السياسية للكرملين. فقد تلقى ترحيبًا حارًا أثناء زيارته في 2006، وهي الزيارة التي عقّب عليها رئيس قسم “الإدارة الرئاسية الروسية للعلاقات الثقافية وما بين الإقليمية مع الدول الخارجية” بأنها المحددة لأولويات لاتفيا في علاقاتها الثنائية مع روسيا. فقد أوضحت تلك الزيارة أن منفذي السياسة الخارجية الروسية عمدوا إلى استخدم زيارات البطريرك كأداة دبلوماسية[52].

الخاتمة ونتائج الدراسة:

تعددت مصادر القوة الناعمة الروسية لتشمل: الدبلوماسية العامة، واللغة الروسية، وعلاقاتها مع المواطنين المقيمين في الخارج، ومساحتها الجغرافية، وتنامي قوتها العسكرية، ودورها في تشكيل السياسات العالمية، وتاريخها الطويل. كما تؤكد روسيا على الديمقراطية السيادية، والقيم التقليدية، والعالم الروسي، والنظام الدولي المتعدد الأقطاب، والتكامل الأوراسي.

وتحتل الكنيسة الأرثوذكسية الروسية مكانًا متميزًا بين أدوات ومصادر القوة الناعمة الروسية. وتتولى إدارة الشئون الخارجية الإشراف على علاقات الكنيسة الأرثوذكسية ببقية الكنائس الأرثوذكسية وغير الأرثوذكسية والمنظمات المسيحية والطوائف الدينية غير المسيحية. وتنظم تلك الإدارة علاقات الكنيسة مع الأمم المتحدة ومجلس أوروبا وغيرها. وتولي قضايا من قبيل الأمن والسلام ومحاربة الإرهاب والتطرف وحوار الحضارات اهتمامًا خاصًا.

وتنشط الكنيسة الروسية الأرثوذكسية في دول الاتحاد السوفيتي السابق، التي تعد الفناء الخلفي الروسي، ومنطقة نفوذها التقليدي، التي سعت روسيا لبسط نفوذها عليها من خلال الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ورابطة الدول المستقلة، وغيرها. وتدعم الكنيسة الروسية الأرثوذكسية ذلك النفوذ، وهو ما تجلي في حالتي أوكرانيا ولاتفيا.

تتمثل أوجه الشبه بين الحالتين محل التحليل في كون كلتيهما من دول الإتحاد السوفيتي السابق ذوات الأهمية الإستراتيجية لروسيا. وفي كلتيهما، أكدت الكنيسة الروسية الأرثوذكسية على مسئوليتها الروحية تجاه الأقليات الروسية، اعتمادًا على الروابط التاريخية والروحية والثقافية بين روسيا من جانب، وشعوب هاتين الدولتين من جانب أخر. كما تجلت في كلتيهما زيارات بطريرك الكنيسة الروسية الأرثوذكسية المسيسة، والتوظيف الروسي لسياسات العالم الروسي، والنظر إلى الأقليات المنتشرة في كلتيهما على أنها جزء لا يتجزأ من قوميتها العرقية، وتحت سلطتها الروحية.

وتختلف كلتاهما في وضع الكنيسة الأرثوذكسية في كل منهما؛ ففي الحالة الأوكرانية، تسعى الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية إلى الاستقلال، وتأسيس اتحاد الكنائس الأرثوذكسية الأوكرانية، وهو الأمر الذي أجهضته روسيا، وعرقلت كافة المساعي نحو تحقيقه. بينما تتمتع الكنيسة الأرثوذكسية في لاتفيا بموقع شبه مستقل في إطار مثيلتها الروسية تحت سلطة بطريرك موسكو.

كما تختلفان في درجة اختراق الولايات المتحدة وحلف الناتو لكل منهما. بيد أن الاختلاف الأبرز بين كلتيهما يتمثل في درجة تأثير الدين كأداة من أدوات القوة الناعمة الروسية؛ ففي حين يتضح جليًا الأثر المباشر للكنيسة الروسية الأرثوذكسية في الحالة الأوكرانية، يتراجع هذا التأثير في حالة لاتفيا، وهو الأمر الذي يمكن تفسيره في ضوء المنظمات الأوكرانية غير الحكومية التي لا تتواجد في حالة لاتفيا، والتي تشرف عليها وتمولها بطراركية موسكو بشكل مباشر وغير مباشر، وتُدعم العالم الروسي، وتُعظم الرموز القومية الروسية.

وختامًا، رغم تسليط الضوء على البعد الديني كمصدر وأداة للقوة الناعمة، إلا أنه على أرض الواقع يصعب فصل ذلك عن مجمل الإستراتيجيات الروسية لتحقيق أهداف سياستها الخارجية بالاستعانة بقوتها الناعمة التي تتضمن أدوات لا تقف عند حد ما هو ديني فحسب، بل تطول ما هو ثقافي واجتماعي بالمعنى الواسع بالتكامل مع قوتها الصلبة.

قائمة المراجع:

Books:

Berg, Eiki & Piret Ehin (eds.), Identity and Foreign Policy: Baltic-Russian Relations and European Integration, Ashgate Publishing, Ltd., 2009.

Joseph, Nye, Soft Power: The Means to Success in World Politics, New York,
Public Affairs, 2004.

Muižnieks, Nils (ed.), Latvian-Russian Relations: Domestic and International Dimensions, Riga: LU Akadĕmiskais Apgăds, 2006.

, The Geopolitics of History in Latvian-Russian Relations, Riga, University of Latvia Press, 2011.

Muižnieks, Nils, Latvian-Russian Relations Dynamics since Latvia’s Accession to the EU and NATO, Riga: University of Latvia Press, 2011.

T., Pkhaladze (ed.), Religion as the Instrument of Russian Foreign Policy towards Neighboring Countries: Georgia, Latvia, Ukraine, Tbilisi: International Centre of Geopolitical Studies, 2012.

V., Gavrillin (ed.), Orthodox Church in Latvia Historical Essays 1, Riga: Baltic-Slavic Community for Cultural Development and Cooperation, 1993.

Winnerstig, Mike (ed.), Tools of Destabilization Russian Soft Power and Non-military Influence in the Baltic States, Stockholm: FOI, December 2014.

Periodicals:

Bogomolov, Alexander & Oleksandr Lytvynenko, A Ghost in the Mirror: Russian Soft Power in Ukraine, Chatham House Briefing Paper, January 2012.

Cheskin, Ammon, Exploring Russian-Speaking Identity from Below: The Case of Latvia, Journal of Baltic Studies, Vol. 44, No. 3, 2012.

Evans, Andrew, Forced Miracles: The Russian Orthodox Church and Post Soviet International Relations, Religion, State and Society, Vol. 30, Issue 1, 2002.

Fafuro, Eleonora, Fatal attraction? Russia’s Soft Power in its Neighbourhood, FRIDE, Policy Brief, No. 181, 2014, http://fride.org/descarga/PB_181_Russia_soft_power_in_its_neighbourhood.pdf

Grigas, Agnia, Legacies, Coercion and Soft Power: Russian Influence in the Baltic States, Chatham House Briefing Paper, August 2012.

, Russia-Baltic Relations After Crimea’s Annexation: Reasons for Concern?, Cicero Foundation Great Debate Paper, No. 14, June 2014.

Haran, Olexiy & Serhiy Zdioruk, Russkii Mir and the Future of the Ukrainian Orthodox Church, PONARS Eurasia Policy Memo, No. 234, September 2012.

Haynes, Jeffrey, Religion and Foreign Policy Making in the USA, India and Iran: towards a Research Agenda, Third World Quarterly, Vol. 29, No. 1, 2008.

Korduban, Pavel, Vladimir Putin, Moscow mayor and Patriarch Kirill promote Russian interests in Ukraine, Eurasia Daily Monitor, Vol. 7, Issue 145, July 2010.

Kornilov, Alexander & Andrey Makaryche, Russia’s Soft Power in the South Caucasus Russia’s Soft Power in the South Caucasus, Religion, Nation and Democracy in the South CaucasusNo. 59, 2014.

Maliukevičius, Nerijus, (Re)Constructing Russian Soft Power in Post-Soviet Region, Baltic Security & Defence Review, Vol. 15, Issue 2, 2013.

Nye, Joseph, The Changing Nature of World Order, Political Science Quarterly,
Vol. 105, No. 2, Summer 1990.

Popescu, Nicu, Russia’s Soft Power Ambitions, CEPS Policy Brief, No. 115, October 2006

Conference Papers:

Gretskiy, Igor, The Orange Revolution: A Challenge for the Russian Orthodox Church, Paper presented for the 6th Pan-European International Relations Conference Making Sense of a Pluralist World, Turin, Italy, September 12-15, 2007, http://www.eisa-net.org/be-bruga/eisa/files/events/turin/igor-turin2007final.pdf

Thesis:

Dougherty, Jill, Russia’s “Soft Power” Strategy, Master Thesis, submitted to the Faculty of The School of Continuing Studies and of The Graduate School of Arts and Sciences in partial fulfillment of the requirements for the degree of Master of Arts in Liberal Studies, Georgetown University Washington, D.C. November 1, 2013

Kozak, Iaroslav, Flexible illiberalism: Russian soft power in Europe, MA, International Relations and International Organization, University of Groningen, 2015.

Liik, Kristina, Russia’s Soft Power: The Case of Moldova and Armenia, Master Thesis, University of Tartu Euro College, 2013.

Terente, Adrian, Russia’s Power in the Near Abroad, Illustrated in the Case of Ukraine, Master Thesis,  Aalborg University, 2014, http://projekter.aau.dk/projekter/files/198417929/THESIS.ADRIAN.TERENTE.pdf

Research Papers:

Tugushi, Lasha, Malkhaz Gagua, Gogita Gvedashvili, Nino Lapachi Threats of Russian Hard and Soft Power in Georgia, European Initiative – Liberal Academy Tbilisi, 2016, http://www.ei-lat.ge/images/doc/threats%20of%20russian%20soft%20and%20hard%20power.pdf

Websites:

Declaration on Emergency Conference III” “United LNG Home Society, Otechestvo, http://www.otechestvo.org.ua/main/20086/1419.htm, Accessed 11/5/2017

Haynes, Jeffrey, Religion, ‘Soft Power’ and International Relations, Paperroom, http://paperroom.ipsa.org/papers/paper_5026.pdf, Accessed 1/5/2017.

UOC-MP Group to Back Communists, The Ukrainian Weekly, February 2006, http://ukrweekly.com/archive/pdf3/2006/The_Ukrainian_Weekly_2006-06.pdf, Accessed 1/5/2017.

Official Internet Resource of the President of Russia, Address to the President of Ukraine Victor Yushchenko, Kremlin, August 11, 2009, http://en.kremlin.ru/supplement/4938, Accessed 11/5/2017.

[1] Eleonora Fafuro, Fatal Attraction? Russia’s Soft Power in its Neighbourhood.” FRIDE Policy Brief, No. 181, 2014, http://fride.org/descarga/PB_181_Russia_soft_power_in_its_neighbourhood.pdf

 [2] Andrew Evans, Forced Miracles: The Russian Orthodox Church and Post Soviet International Relations, Religion, State and Society, Vol. 30, Issue 1, 2002, p. 36.

 [3] Joseph Nye, The Changing Nature of World Order, Political Science Quarterly,
Vol. 105, No. 2, Summer 1990, p. 181.

 [4] Joseph Nye, Soft Power: The Means to Success in World Politics, New York, Public Affairs, 2004, p. 5.

 [5] Jeffrey Haynes, Religion and Foreign Policy Making in the USA, India and Iran: towards a Research Agenda, Third World Quarterly, Vol. 29, No. 1, 2008, pp. 143-145.

Jeffrey Haynes, Religion, ‘Soft Power’ and International Relations, http://paperroom.ipsa.org/papers/paper_5026.pdf, Accessed 1/5/2017.

[6] Alexander Kornilov & Andrey Makaryche, Russia’s Soft Power in the South Caucasus Russia’s Soft Power in the South Caucasus, Religion, Nation and Democracy in the South Caucasus, No. 59, 2014, pp. 240-241.

 [7] Adrian Terente, Russia’s Power in the Near Abroad, Illustrated in the Case of Ukraine, Master Thesis, Aalborg University, 2014, http://projekter.aau.dk/projekter/files/198417929/THESIS.ADRIAN.TERENTE.pdf

 [8] Iaroslav Kozak, Flexible illiberalism: Russian Soft Power in Europe, MA, International Relations and International Organization, University of Groningen, 2015, p. 10.

 [9] I bid, Loc.cit.

[10] I bid, pp. 10-11.

[11] Eleonora Fafuro, Op.cit, Electronic Recourse.

[12] Lasha Tugushi, Malkhaz Gagua, Gogita Gvedashvili & Nino Lapachi, Threats of Russian Hard and Soft Power in Georgia, European Initiative – Liberal Academy, Tbilisi, 2016, pp. 7-8,

http://www.ei-lat.ge/images/doc/threats%20of%20russian%20soft%20and%20hard%20power.pdf

[13] Jill Dougherty, Russia’s “Soft Power” Strategy, Master Thesis, Submitted to the Faculty of The School of Continuing Studies and of The Graduate School of Arts and Sciences in Partial fulfillment of the requirements for the degree of Master of Arts in Liberal Studies, Georgetown University Washington, D.C. November 1, 2013, pp. 77-81.

[14] Eleonora Fafuro, Op.cit, Electronic Recourse.

[15] Alexander Bogomolov & Oleksandr Lytvynenko, A Ghost in the Mirror: Russian Soft Power in Ukraine, Chatham House Briefing Paper, January 2012, p. 1.

[16] Official Internet Resource of the President of Russia, Address to the President of Ukraine Victor Yushchenko, Kremlin, August 11, 2009, http://en.kremlin.ru/supplement/4938, Accessed 11/5/2017.

[17] Igor Gretskiy, The Orange Revolution: A Challenge for the Russian Orthodox Church, Paper presented for the 6th Pan-European International Relations Conference Making Sense of a Pluralist World, Turin, Italy, September 12-15, 2007, http://www.eisa-net.org/be-bruga/eisa/files/events/turin/igor-turin2007final.pdf, p. 11.

[18] I bid, Loc.cit.

[19] Union of Orthodox Citizens of Ukraine

[20] The Union of Orthodox Citizens of Ukraine United Fatherland (SPGU in Ukrainian abbreviation)

[21] The Orthodox Choice

[22] Serhiy Zdioruk & Olexiy Haran, The Russian Orthodox Church as an Instrument of Russia’s Foreign towards Ukraine, in: Pkhaladze T., (ed.),  Religion as the Instrument of Russian Foreign Policy towards Neighboring Countries: Georgia, Latvia, Ukraine, Tbilisi, International Centre of Geopolitical Studies, 2012, p. 69.

[23] I bid, pp. 69-70.

[24] I bid, pp. 70-72. And also: Declaration on Emergency Conference III” “United LNG Home Society, Otechestvo, http://www.otechestvo.org.ua/main/20086/1419.htm, Accessed 11/5/2017.

[25] The Union of Orthodox Brotherhoods of Russia (SPBR in Russian abbreviation)

[26] I bid, pp. 70-72.

[27] UOC-MP Group to Back Communists, The Ukrainian Weekly, February 2006, http://ukrweekly.com/archive/pdf3/2006/The_Ukrainian_Weekly_2006-06.pdf, Accessed 1/5/2017.

[28] “Ukraine, Russia, Belarus – it is all Holy Rus!”

[29] Olexiy Haran & Serhiy Zdioruk, Russkii Mir and the Future of the Ukrainian Orthodox Church, PONARS Eurasia Policy Memo, No. 234, September 2012, p. 1.

[30] Serhiy Zdioruk & Olexiy Haran, The Russian Orthodox Church as an Instrument of Russia’s Foreign towards Ukraine, In: Pkhaladze T., (ed.), Op.cit, pp. 70-73.

[31] I Bid, pp. 72-73.

[32] Igor Gretskiy, Op.cit, p. 12.

[33] Olexiy Haran & Serhiy Zdioruk, Op.cit, pp. 1-2.

[34] Agnia Grigas, Russia-Baltic Relations After Crimea’s Annexation: Reasons for Concern?, Cicero Foundation Great Debate Paper, No. 14, 5 June 2014, p. 3.

[35] Mike Winnerstig, (ed.), Tools of Destabilization Russian Soft Power and Non-military Influence in the Baltic States, Stockholm, FOI, December 2014, p. 4.

[36] I bid, Loc.cit.

[37] Agnia Grigas, Legacies, Coercion and Soft Power: Russian Influence in the Baltic States, Chatham House Briefing Paper, August 2012, p. 1.

[38] Mike Winnerstig, Op.cit, p. 4.

[39] Piret Ehin & Eiki Berg, Incompatible Identities? Baltic-Russian Relations and the EU as an Arena for Identity Conflict, in: Eiki Berg & Piret Ehin (eds.), Identity and Foreign Policy: Baltic-Russian Relations and European Integration, Ashgate Publishing, Ltd., 2009, pp. 1-4.

[40] Agnia Grigas, Legacies, Coercion and Soft Power: Russian Influence in the Baltic States, Op.cit, p. 1.

[41] Mike Winnerstig, Op.cit, p. 4.

[42] Nils Muižnieks, Latvian-Russian Relations Dynamics since Latvia’s Accession to the EU and NATO, Riga, University of Latvia Press, 2011, p. 63.

[43] تعددت المصلحات التي أطلقتها السلطات الروسية على هؤلاء المواطنين لتشمل: الروس، والمواطنين الروس، والمتحدثين بالروسية، ومواطني روسيا. ولمزيد من التفاصيل انظر:

Nils Muižnieks, Russian Foreign Policy towards “Compatriots” in Latvia, in: Nils Muižnieks, (ed.), Latvian-Russian Relations: Domestic and International Dimensions, Riga, LU Akadĕmiskais Apgăds, 2006, p. 119.

Vars Ijabs, the Issue of Compensations in Latvian–Russian Relations, in: Nils Muižnieks (ed.,) The Geopolitics of History in Latvian-Russian Relations, Riga, University of Latvia Press, 2011, p. 128.

[44] Andis Kudors, Orthodoxy and Politics in Latvia, Op.cit, pp. 101–114.

[45] Gavrillin A. V., (ed.), Orthodox Church in Latvia Historical Essays 1, Riga: Baltic-Slavic Community for Cultural Development and Cooperation, 1993, p. 3.

[46] Andis Kudors, Russian Soft Power and Non-Military Influence: The View from Latvia, in: Mike Winnerstig, (ed.), Op.cit, pp. 57-59.

[47]  Andis Kudors, Orthodoxy and Politics in Latvia, Op.cit, pp. 107-108.

[48]  Nils Muižnieks, Op.cit, pp. 62-63.

[49] Andis Kudors, Orthodoxy and Politics in Latvia, Op.cit, p. 109.

[50]Ammon Cheskin, Exploring Russian-Speaking Identity from Below: The Case of Latvia, Journal of Baltic Studies, Vol. 44, No. 3, 2012, p. 1.

[51] Pavel Korduban, Vladimir Putin, Moscow Mayor and Patriarch Kirill Promote Russian Interests in Ukraine, Eurasia Daily Monitor, Vol. 7, Issue 145, July 2010, p. 3.

[52] Andis Kudors, Orthodoxy and Politics in Latvia, Op.cit, pp. 107-108.

إعداد: رغد البهي-  مدرس مساعد العلوم السیاسیة (تخصص العلاقات الدولیة)، جامعة القاهرة

تحريرا في 1-6-2017

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى