الأفريقية وحوض النيلالدراسات البحثيةالشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

تقدير موقف للنزاع الحدودي بين مالاوي وتنزانيا ببحيرة مالاوي

اعداد السفير: بلال المصري – سـفـيـر مصر السابق لدي أنجولا وساوتومي والنيجر

  • المركز الديمقراطي العربي

تجدد مُؤخراً النزاع الذي يعود تاريخه إلي 55 عاماً مضت بين مالاوي وتنزانيا علي تحديد خط الحدود المار بينهما ببحيرة Malawi أو بحيرة Nyasa والذي حُدد وفقاً لوجهة النظر المالاوية بموجب معاهدة Heligoland التي وقعتها في الأول من يوليو1890 القوتان الإستعماريتان آنئذ وهما ألمانيا ممثلة لتنزانيا وبريطانيا ممثلة لمالاوي والتي تضمنت فيما تضمنته تحديد الحدود بين مستعمراتهما في تنزانيا ومالاوي وتوجو وكينيا وغانا وتشاد والكاميرون وتوجو والكونجو , أما وجهة النظر التنزانية فتستند إلي تقاليد القانون الدولي التي تعتبر خط المُنتصف بالبحيرة مُحدداً للحدود بالبحيرة ووفقاً لذلك يؤوول لكل منهما جزء منها وأستشهدت تنزانيا بسوابق دالة منها خط المُنتصف ببحيرة Geneva بين فرنسا وسويسرا وخط المُنتصف بالبحيرات العُظمي بين كندا والولايات المتحدة وخط المُنتصف ببحيرة تشاد المُتشاطئ عليها كل من تشاد والنيجر ونيجيريا والكاميرون , وقد أثير الخلاف بشأن هذه الحدود مراراً بين البلدين منها ما حدث في عام 2005 عندما ترددت شائعات مفادها أن هناك ثمة إحتمالات بترولية تحت قاع هذه البحيرة , وفي أكتوبر 2011 أحالت حكومة مالاوي هذه الشائعات إلي حقيقة عندما أعطت شركة Surestream Petroleum البريطانية (شركة إستكشاف أُسست ببريطانيا عام 2004 ولديها مكاتب في باريس وكنشاسا ودبي ومواندا بالكونجو برازافيل وبوجمبورا) ترخيصاً لبدء الإستغلال التجاري للبترول الكامن بالبحيرة , الأمر الذي دعا تنزانيا إلي إثارة مسألة أحقيتها في 50% من مساحة البحيرة الواقع بينها وبين مالاوي مما أدي إلي ملاسنات حادة بين مسئولي البلدين , ومع ذلك عاد الخلاف إلي الكمون , لكنه ما لبث وأن أُثير مرة أخري عام 2012 في عهد رئيسة مالاوي السيدة Joyce Banda عندما نشرت تنزانيا خرائط رسمية تُظهر جزءاً من البحيرة تابعاً لها في الوقت الذي طالبت فيه تنزانيا مالاوي تعليق أية أعمال إستكشافية للبترول بالبحيرة ريثما يُسوي الخلاف وهو ما رفضت مالاوي التجاوب معه بالرغم من إنعقاد لجنة ثنائية وزارية للتفاوض , ولما لم تؤد هذه اللجنة إلي نتيجة فقد إستمر الخلاف إلي أيامنا هذه , إذ نشرت الحكومة التنزانية في يناير 2016خريطة رسمية تُظهر جزءاً من البحيرة داخلاً في حدودها مع مالاوي , وقد أرسلت ملاوي في حينه مذكرة إحتجاج دبلوماسي للحكومة التنزانية أعرب فيها وزير خارجيتها George Chaponda عن قلق بلاده من أن مسئولاً رفيع المستوي قرر تعميم خرائط تُظهر خط المُنتصف الفاصل ماراً بالجزء الواقع بينهما بالبحيرة مُوضحاً أن بلاده إذ تقدم للحكومة التنزانية هذا الإحتجاج فذلك لأن البلدان إتفقتا من قبل خلال عملية الوساطة علي بقاء الحال علي ماهو عليه Status quo إلي أن تصل الدولتان إلي إتفاق نهائي , ولم تكن هذه الخريطة مُعبرة غعن وجهة النظر التنزانية فقط , ففي الفترة ما بين 1922 وحتي 1964 تاريخ إستقلال مالاوي إتسمت الخرائط المنشورة عن بحيرة Malawi في الجزء من البحيرة الواقع بين مالاوي وتنزانيا بالتعارض وعدم الحسم معاً مما إضطر الحكومة التنزانية لطرح النزاع ثنائياً علي حكومة مالاوي عام 1967 بغية حسمه لكنه لم يسو للآن لا من خلال اللجنة الوزارية الثنائية ولا أي وسيلة أخري سواء عبر الأمم المتحدة أو منظمة الوحدة الأفريقية (الإتحاد الأفريقي لاحقاً) الذي ينص ميثاقه في مادته الرابعة E علي حل النزاعات الأفريقية بالطرق الودية .

لم يتناول الإتحاد الأفريقي بصفة مباشرة ولا تجمعي السوق المُشتركة لشرق وجنوبي أفريقيا COMESA وتنمية الجنوب الأفريقي SADC هذا النزاع بل لقد نهض بعملية الوساطة بشأنه بدءاً من عام 2012 الفريق رفيع المستوي من أجل الوساطة HLMT والمكون من الرئيس الموزمبيقي السابق Joaquim Chissano والرئيس الجنوب أفريقي السابق Thabo Mbeki ورئيس بتسوانا السابق Festus Mogae وبذل هذا الفريق جهوداً دؤوبة لمحاولة حل النزاع لكن الإستجابة التنزانية كانت بطيئة عمداً إذ أن تنزانيا لم تكن مُتحمسة لطرح الموضوع خارج الإطار الثنائي , لكنومع ذلك حدد فريق الوساطة شهر مارس 2014 لإستئناف جولات الوساطة إلا أن الجولة أجلت لفترة قصيرة حتي تتاح الفرصة للبلدين لإنجاز العمليتين الإنتخابيتين العامتين بهما , وكانت هناك مخاوف من تعرض عملية الوساطة للتسويف إلا أن الناطق الرسمي لوزارة الإتصالات التنزانية أدلي بتصريح لصحيفة Tanzania Daily News نشرتهAFRICA TIMES في 11 فبراير 2016 قال فيه ” الآن وقد فرغنا بالفعل من الإنتخابات في بلدينا , فإننا نأمل في أن يواصل الوسطاء إجراءات تحكيمهم في النزاع , لكننا نريد إيضاح أننا لم نغير موقفنا مُطلقاً من هذا النزاع ” , وقد أوضح أكثر من مسئول تنزاني وجهة نظر بلاده بشأن هذا النزاع فيما يعكس إصراراً علي موقف ثابت ومن أمثلة ذلك التصريح الذي أدلي به للصحافة التنزانية ونشرته AFRICA TIMES في 11 فبراير 2016 للدكتور Selassie Mayunga نائب السكرتير الدائم لوزارة الأراضي والإسكان وتطوير التجمعات البشرية سابقاً أشار فيه إلي أن الحكومة التنزانية حصلت بالفعل من كل من الأمم المتحدة و الدولتين اللتين سبق لهما إستعمار البلدين علي وثائق تُظهر أن الحدود بين تنزانيا ومالاوي تجري في منتصف البحيرة ” , مُضيفاً قوله ” بينما أغادر منصبي فإنني سعيد بأن هذه الوثائق بالغة الأهمية لدينا وإنني لمُوقن بأنها ستكون مُفيدة جداً في المعركة الدبلوماسية بيننا وبين جارتنا ” , أما علي الجانب المالاوي فقد نشرت صحيفة Nyasa Times في 13 سبتمبر 2016تصريحاً لوزير التعاون الدولي والخارجية المالاوي Francis Katsaira أدلي به في نيويورك علي هامش دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة أشار فيه إلي أن تنزانيا نشرت خريطة تُظهر جزءاً من البحيرة تابعاً لها وأن بلاده ” قد كتبت بالفعل إلي الإتحاد الأفريقي وأنها ستفعل نفس الشيئ مع تجمعي COMESA و SADC ” مُوضحاً أن السلطات التنزانية هددت بأنها ستضرب وتقبض علي مالاوي يتجاهل ما تشير إليه الخريطة الجديدة , لكنه أشار إشارة تعبر عن تمنيات إفتراضية إذ قال ” إن كلا من مالاوي وتنزانيا يُفترض أنهما لن يتدخلا في مسألة بحيرة Malawi بينما هي في يد الإتحاد الأفريقي وفريق الوساطة وأن حكومته تنتظر إستجابة تنزانيا لمقترح عقد لقاء يجمع رئيسها John Pombe Magufuli ورئيس مالاوي Peter Mutharika ” .

قال Arthur Peter Mutharika رئيس مالاوي في كلمة ألقاها في 8 مايو 2017 أمام إجتماع البرلمان الأفريقي بمدينة Johannesburg أنه لا يجب أن يسمح القادة الأفارقة بأن تكون مسألة الحدود الوطنية ذريعة للإنقسامات ثم عرج لموضوع النزاع الحدودي مع تنزانيا فقال أنه منذ ” معاهدة Heligoland عام 1890 حتي إصدار منظمة الوحدة الأفريقية عام 1964 لقرار يتعلق بالنزاعات الحدودية بين الدول الأفريقية وعدم المساس بالحدود التي رسمها الإستعمار , لم يكن هناك من سبب أبداً لعدم إحترام التكامل الترابي وسيادة الدول , فأفريقيا لم تكن لتصل إلي ذلك علي سبيل الخطأ , لذا فمن الحكمة أن نتذكر التعايش السلمي لأن آباءنا الذين أسسوا بلادنا التي نحكمها نحن اليوم ثمنوا عالياً الوحدة بالرغم مما بيننا من حدود ” وأضاف ” في عام 1964 تعهدنا كلنا أننا سوف نحترم الحدود التي أرساها الأإستعمار في القرار رقم 17 بند واحد والذي صدر في دور الإنعقاد العادي الأول لمجلس رؤساء الدول والحكومات الأفارقة لمنظمة الوحدة الأفريقية , وفيه تعهدت كل الدول الأعضاء رسمياً وأعلنت ” بإحترام الحدود القائمة وهي تنجز إستقلالها الوطني ” ومن بين هؤلاء الآباء المُؤسسون كان الرئيس التنزاني Julius Nyerere الذي تبني هذا القرار وقاد تنزانيا وهي تلعب دوراً نشطاً في إحترام التكامل الترابي الذي ورثناه عن الإستعمار ” .

بالرغم مما قاله دكتور Selassie Mayunga عن يقينه من قوة حجة بلاده بشأن النزاع إلا أنه حدث لاحقاً أن رفض الرئيس التنزاني حضور إجتماع الوساطة الذي إقترحه فريق الوساطة مُحتجاً بإنشغاله مما أغضب الجانب المالاوي آنئذ , ومع ذلك عاود هذا الفريق سعيه مرة أخري عام 2017 فأصدر بياناً صحفياً أشار فيه إلي أن الرئيسان التنزاني والمالاوي يجب أن يلتقيا في غضون ما لا يقل عن ثلاث أشهر بدءاً من 12 يوليو 2017خلالها تُعرض الخطوط الإرشادية لفريق الوساطة , وبالفعل قرر الجانب المالاوي تشكيل فريق تفاوضه برئاسة وزير الخارجية والتعاون الدولي Francis Kasaila يُرافقه وزير العدل والشئون الدستورية Samuel Tembenu , وقبل أن يتوجه هذا الفريق لجولة الوساطة صرح الوزير Kasaila بأن نشر الحكومة التنزانية لخريطة فيها تغيير لواقع الحدود بين البلدين في البحيرة تصرف أحادي غير مقبول مُؤكداً علي أن الجانبان يجب أن يتجنبا أية أفعال إستفزازية يمكن أن تُؤدي إلي تصعيد التوتر , وقد عُقدت جولة الوساطة – كما وصفها البيان الصحفي الصادر عن فريق الوساطة – في جو ودي يعكس العلاقات الطويلة التي تربط البلدين , وأشار البيان إلي أن الجانب الملاوي أعاد التأكيد علي موقف حكومته من الحدود وهو أن حدود بحيرة مالاوي هي الخط الساحلي لها المُبين في المادة الأولي بند 2 بالمعاهدة البريطانية الألمانية المُوقعة في يوليو عام 1890 .

إتجهت مالاوي مُؤخراً إلي تطوير تناولها لهذا النزاع فيما يبدو علي أنه ضجر من قبلها بسبب عدم الإستجابة الواضحة من قبل تنزانيا لجهود الوساطة الموزمبيقية فقد صرح وزير الخارجية المالاوي لوكالة أنباء Reuters في مايو 2017 بأن ” حكومة مالاوي إلتزمت بعملية الوساطة والحل السلمي للنزاع من خلال الحوار , لكنها الآن علي إستعداد للذهاب مع تنزانيا لمحكمة العدل الدولية لمماطلتها فريق الوساطة منذ عام 2012 ” , وهو ما لم يُعلق عليه الرسميين التنزانيين , إلا أن موقع MALAWI 24 أشار بتاريخ 15 مايو 2017 إلي تصريح أدلت به لوسائل الإعلام السيدةVictoria Mwakasege سفيرة تنزانيا لدي مالاوي قالت فيه أن حكومتها تريد أن تأخذ نصيبها من البترول الذي تخطط مالاوي الحفر بالبحيرة لإستغلاله , وهو ما يعني بلا مواربة أن تنزانيا مُصرة علي وجهة نظرها بل إنها كذلك لا تري من الوجهة الموضوعية دوراً لفريق الوساطة رفيع المستوي لحل نزاع تراه محلولاً ولا يستأهل تدخلاً فقد أشار نفس الموقع أيضاً بالإحالة علي بيان رسمي صادر عن حكومة مالاوي أنها أي مالاوي إذ تعرب عن قلقها إزاء الإلغاء المُفاجئ لمحادثات الوساطة بشأن النزاع مع تنزانيا والتي كان من المُقرر أن تُعقد بجنوب أفريقيا علي مدي يومي 8 و9 مايو 2017 فإنها تري أن هذا التأجيل من شأنه إطالة أمد الوصل إلي خلاصة لموضوع إستئناف عملية الوساطة المُنبثقة عن إجتماع رئيسي تنزانيا ومالاوي علي هامش قمة الإتحاد الأفريقي في 30 يناير 2017 , ففي هذا اللقاء إنتهي الرئيسين إلي أن عملية الوساطة إنتعشت بعد فترة توقف طويلة منذ مارس 2014 وكنتيجة لذلك دعي رئيس فريق الوساطة الرئيس الموزمبيقي السابق Joaquim Chissanoرئيسي مالاوي وتنزانيا لمواصلة محادثات الوساطة بينهما التي قُرر لها يومي 8 و9 مايو , وأضاف البيان أن حكومة مالاوي أكدت مشاركتها في هذه المحادثات إلا أنها فُوجئت في الرابع من مايو 2017 بتلقيها إتصال من رئيس فريق الوساطة يفيد التأجيل بطلب من حكومة تنزانيا , وبالرغم من أن إعلان وزير خارجية مالاوي عن إستعداد بلاده للذهاب مع تنزانيا لمحكمة العدل الدولية للنظر والحكم في النزاع بالتزامن مع طلب تنزانيا إرجاء مشاركتها في إجتماع إقترحه فريق الوساطة يضم رئيسي تنزانيا ومالاوي , مما يعني أن مالاوي تجاوزت أو كادت أن تتجاوز دور فريق الوساطة ويعني أن تنزانيا أيضاً من جانبها لا ترحب بالوساطة من الوجهة المبدئية , إلا أن موقع Nyasa Times في 14 يوليو 2017 أشار إلي أن الفريق رفيع المستوي للوساطة برئاسة الرئيس الموزمبيقي Joachim Chisano قد وافق علي تحديد يومي 11 و12 يوليو 2017 لإجتماع الفريق بمدينة Pretoria بجنوب أفريقيا ودعوة الرئيسين التنزاني والمالاوي معاً للبحث في إرشاداتهما فيما يتعلق بحل النزاع الحدودي وهو الإجتماع الذي أكدت مصادر الخارجية المالاوية فيه وفقاً لما أورده الموقع أن وفد مالاوي في هذا الإجتماع أعاد التأكيد علي أكدت علي حدود مالاوي هي كما حددتها المادة الأولي بند 2 من المعاهدة البريطانية الألمانية , لكن لم يُعلن للآن عن إتمام هذا الإجتماع بحضور الرئيسين المعنيين بهذا النزاع .

تقدير الموقف :

(1) بحيرة MALWI أو NYASA أحد تسع بحيرات ضمن سلسلة بحيرات منطقة البحيرات العظمي وهي الثالثة بينهم من حيث مساحتها البالغة 29,600 كم مربع , ومنطقىة البحيرات العظمي تلك بسبب ما تذخر به من موارد طبيعية أصبحت مناط إهتمام بالغ من قبل الإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة التي عينت مبعوثاً خاصاً لمنطقة البحيرات العُظمي (كان عنوانه في قمة نيروبي المؤتمر الدولي للأمن والسلام لمنطقة البحيرات العُظمي) التي تشهد توترات وصراعات مختلفة ولذلك ونظراً لبالغ أهميتها الإقتصادية والإستراتيجية صيغ لها تنظيم خاص يحمل مُسمي ” المؤتمر الدولي للبحيرات العظمي ” ICGLR ويضم 11 دولة وقد عُقدت حتي الآن ست قمم كانت آخرهم تلك التي عُقدت في العاصمة الأنجولية لواندا في 14 يوليو 2016 , ومن هنا يمكن إستنتاج تحرك المصالح الغربية (البريطانية في حالة هذا النزاع) نحو بحيرة MALWI لإستغلال البترول , وفي الواقع فإن إستغلال البترول من باطن البحيرات بأفريقيا جنوب الصحراء له سوابق عدة ففي بحيرة تشاد ووفقاً لما نشرته وكالة أنباء REUTERS في 31 يوليو 2017 من ولاية MAIDUGURI موطن جماعة BOKO HARAM بالإحالة علي مصدر بشركة NNPC للبترول المملوكة لدولة نيجيريا قوله أن الخبراء النيجيريون مازلوا يواصلون البحث عن البترول في حوض هذه البحيرة التي تقلصت مساحتها من 25,000 كم مربع في ستينات القرن الماضي لتصبح 2,500 كم مربع حالياً وتواجه خطر الإندثار لعوامل بيئية وبشرية سلبية وذلك بالرغم من إختطاف بعضهم علي يد هذه الجماعة التي تعمل القوي الدولية الغربية علي مواجهتها من خلال وسائل عدة منها تشكيل قيادة MNJTF أو “القوة المُشتركة مُتعددة الجنسيات” لمواجهة BOKO HARAM بقيادة Lucky Irabor الذي أعرب في تصريح له نشره موقع في PREMIUM TIMES في31 يوليو2017 بمناسبة زيارة وزير الدفاع الفرنسي لمقر MNJTF في Ndjamena أثني فيه علي دعم الحكومة الفرنسية لحملة مواجهة الإرهاب في منطقة شمال شرقي نيجيريا , وهذه القوة كانت موضوعاً للثناء علي جهودها في محاربة جماعة Boko Haram مُؤخراً من قبل رئيس مجلس الأمن الدولي Liu Jieyi لشهر يوليو الذي أعرب أيضاً عن قلقه من تهديد الإرهاب لمنطقة حوض بحيرة تشاد , وعلي التوازي أعلنت وزيرة الجيش الفرنسية Florence Parly ونظيرتها الألمانية Ursula von der Leyen في الأول من أغسطس 2017 خلال زيارتيهما العاصمة المالية Bamako عن إلتزام حكومتيهما بتوسيع الدعم لإنشاء قوة مُضادة ” للجهاديين ” هذه القوة العسكرية التي بشأنها نسقت فرنسا والولايات المتحدة جهودهما الدبلوماسية في مجلس الأمن – كما أعلن عن ذلك في 21 يونيو 2017 – من أجل التصويت الإيجابي علي مشروع قرار يصدر عن مجلس الأمن يمهد الطريق أمام تمركزها تحت مُسمي G5 والتي يتكون قوامها من خمس دول أفريقية هي النيجر وتشاد وموريتانيا وبوركينافاسو ومالي لمحاربة “الجهاديين” بمنطقة الساحل التي يقع فيها حوض بحيرة تشاد , كما أن الولايات المتحدة بدورها أعلنت في الأول من أغسطس علي لسان كبير مستشاريها بسفارتها في أبوجا Michael Bonner أنها ستدرب وتمد بالمعونة الفنية لأفراد هيئة الأمن والدفاع المدني بنيجيريا لتعزيز قدراتهم في عمليات مواجهة الإرهاب بالمنطقة وحماية البني الأساسية , ومن الجدير بالإشارة إلي أن نيجيريا تواجه في جنوبها تمرداً تقوده حركة تحرير دلتا النيجر MEND , وهو تمرد لا تقلق منه القوي الدولية بالدرجة الأعظم التي تقلق بها من جماعة BOKO HARAM التي تُواجه من قبل نيجيريا بسبب إتجاهها الإسلامي الذي يُوصف من قبل دوائر بالحكم في أبوجا وغيرها ومن القوي الدولية بالتطرف والإرهاب علماً بأن بحيرة تشاد التي تدور حولها رحي حرب تكتل لخوضها قوة G5 وقوة MNJTF لمنازلة عناصر BOKO HARAM بدعم غربي سخي لم يُوجه أبداً لمواجهة نيجيريا لحركة تحرير دلتا النيجر MEND, فللقوي الكبري سلم أولويات مُعبر عن مصالحها الإقتصادية وإتجاهاتها الدينية , هذا في بحيرة تشاد , أما بحيرة Victoria فتقوم شركة Tullow Oil الآيرلندية المنشأ بشراكة مع شركة Swala Oil and Gas التنزانية في إستغلال القطاع رقم 12 باء الذي يغطي الجزء الكيني من هذه البحيرة وهو الجزء الأكبر فيما يُسمي بمنطقة نظام صدع شرقي أفريقيا East African Rift System وأعلنت الشركتان بعد حصولهما علي تمديد الرخصة عن عزمهما القيام بعملية مسح كامل للجاذبية Full-tensor gravity survey للمنطقة من أجل مزيد من التيقن عند الشروع في أعمال التنقيب والحفر التي لم تبدأ بعد , فبحيرة Victoria لا تعد جاذبة إلا قليلاً للمستثمرين حتي الآن , كما أن أوغندا وتنزانيا لم يقررا بعد الإستكشاف في القطاعات الآيلة لهما بالبحيرة , وهو ما يُفسر جزئياً إصرار تنزانيا علي مُقاسمة مالاوي في بترول بحيرة MALAWI الذي تعد إحتمالاته مؤكدة وتجارية , ولهذا السبب فسيستمر الإصرار التنزاني علي نوال جزء من عائدات بترول بحيرة MALWI إما مباشرة من خلال تغليب وجهة النظر القانونية التنزانية المُؤسسة علي قواعد وأعراف القانون الدولي , أو بصفة غير مباشرة من خلال مبادلة أو مُقايضة مُؤداها موافقة تنزانيا علي تغليب وجهة النظر المالاوية المُؤسسة علي نص المادة الثانية بند E من معاهدة Heligoland وهو نص واضح يثبت لمالاوي أيلولة الجزء من البحيرة الذي تطالب به تنزانيا مقابل حصول تنزانيا علي جزء يُتفق عليه ثنائياً من عوائد إنتاج وبيع بترول بحيرة MALAWI والتنازل عن المطالبة التنزانية بالسيادة علي الجزء من البحيرة الذي تطالب به وفقاً لتطبيق مبدأ “خط المُنتصف ” .

(2) في الواقع أن لشركات البترول دور في تأليب وبعث الخلافات الحدودية من مواتها أو تسويتها وهناك أمثلة مختلفة منها النزاع المصري السوداني علي منطقة حلايب حين حاولت شركة TEXAS EASTERN الأمريكية العمل في مناطق حلايب وشلاتين مع أن هذه الشركة وغيرها تعلم تماماً أنها منطقة مُتنازع عليها , حينها سارعت وزارة الخارجية المصرية بتوجيه مذكرة شديدة اللهجة للسفارة الأمريكية بالقاهرة في 4 نوفمبر 1980 أفادتها فيها ” بأن هذه الشركة الأمريكية تقوم بإجراء مساحة جيولوجية وجيوفيزيقية وعمل خريطة للمنطقة بواسطة القمر الصناعي وكذلك عمل مساحة جاذبية ومساحة سيزيمية بحرية , وأن ذلك يتم دون الحصول علي الترخيص اللازم من السلطات المصرية المُختصة وفقاً للقوانين المصرية وأشارت المذكرة إلي أنه ونظراً لأن هذه المناطق التي تجري فيها هذه الأعمال مناطق مصرية تخضع للسيادة المصرية ” فإننا نطالبكم بضرورة تنبيه الشركة الأمريكية المُشار إليها بوقف هذه الأعمال فوراً والإمتناع عن أي عمل من هذا القبيل مستقبلاً , وإلا أضطرت السلطات المصرية المختصة إلي إجراءات شديدة في مواجهتها فضلاً عن تحميلها كافة النتائج القانونية والتعويضات المُترتبة علي ما ترتكبه من أعمال غير مشروعة “, وبطبيعة الحال فهذه الشركة إنما قامت بما قامت به بإذن من السلطات السودانية , والجانب الأمريكي يعلم تمام العلم بأن منطقة حلايب مُتنازع عليها بل يعلم كذلك أن الحدود السياسية محددة بخط عرض 22 درجة شمالاً وهناك خريطة رسمية أمريكية صدرت عن وزارة الدفاع الأمريكية عن منطقة أسوان تظهر فيها حدود حلايب مع السودان وفقاً لخط عرض 22 درجة شمالاً , وقد كان ومايزال من الممكن أن يؤدي هذا الخلاف الحدودي إلي نتائج أكثر كارثية علي العلاقات الثائية لولا البواعث النفسية البشرية والتي في مقدمتها الإرتباط الروحي بين جزء كبير من الشعبين المصري والسوداني والذي تدرك بعض القيادات من الجانبين خطورة المساس به إن هي تُركت الأمور تتجه نحو مواجهة عسكرية فهذه القيادات تعلم وتدرك في أحيان كثيرة أهمية الحفاظ علي الحد الأدني من العلاقات الثنائية سليماً , وفي الواقع فإن العامل البشري في حالة النزاع المالاوي التنزاني ليس بنفس الدرجة من الأهمية كما هو في حالة النزاع المصري السوداني , ففي الحالة التنزانية المالاوية تلعب شركات البترول الدور الحاسم إما في إتجاه التفجير أو التسوية فلشركات البترول أحياناً قوة لا يمتلكها الفريق عالي المستوي للوساطة الذي يرأسه الرئيس الموزمبيقي السابق , هذه القوة هي قوة المصالح وهي لغة يجيد الحديث بها وتحويلها إلي مصالح فردية أو جماعية (حسب الحالة) القائمين علي التفاوض بشركات البترول الكبري وشركة Surestream Petroleum هي شركة بريطانية وكل من تنزانيا ومالاوي كانتا مستعمرتين بريطانيتين وكلاهما عضو بالكومنويلث Commonwealth (إنضمت تنزانيا إليه عام 1961 ومالاوي عام 1964) ومن ثم فإن هناك قناة مُشتركة تتعامل من خلالها شركة Surestream Petroleum مع الدولتين وصولاً إلي حل مُرضي أو يكاد أن يكون كذلك للدولتين .

(3) هناك مقاومة تنزانية واضحة لجهود الوساطة التي يبذلها فريق الوساطة المُشار إليه والذي يرأسه الرئيس الموزمبيقي السابق Joaquim Chissano ومعه رئيسي جنوب أفريقيا وبتسوانا السابقين وربما ترجع هذه المقاومة التنزانية إلي تركيبة فريق الوساطة نفسه فثلاثتهم رؤساء سابقين لدول أعضاء بتجمع SADC بمعني أن أحدهم أو أكثر لبلاده موقف أو مواقف غير مواتية لمصالح تنزانيا ليس في هذا النزاع بالضرورة بل في مسائل أو قضايا أخري مما قد يدفع بالجانب التنزاني إلي المماطلة والتسويف أو الرفض الواضح لإستمرار جهود هذا الفريق , ولذلك فإن تشكيل الفريق من رؤساء سابقين قد يكون أحد العوامل المُثبطة لإندفاع الفريق نحو الإستمرار في وساطة مُنتجة أو مُثمرة , وقد ترجع هذه المقاومة التنزانية إلي الرفض المبدئي لتنزانيا لإخراج النزاع إلي دائرة أوسع من الدائرة الثنائية وهو موقف مُشابه إلي حد بعيد للموقف المصري من حل النزاع المصري / السوداني علي منطقة حلايب فبالرغم من مصر والسودان بعد إن إحتدم نزاعهما وأقترب من حد مواجهة عسكرية محدودية عام 1992 إتفقا خلال زيارة اللواء / الزبير محمد صالح نائب رئيس مجلس ثورة الإنقاذ ونائب رئيس الوزراء ولقاءه بالرئيس المصري بالقاهرة في 10 فبراير 1992 علي إنشاء ما يُسمي ” باللجنة الفنية لبحث مشكلة حلايب ” والتي عقدت أول إجتماع لها بالقاهرة في 16 مارس 1992 , ثم عقدت إجتماعاً ثانياً في القاهرة في الفترة من 27 إلي 31 أكتوبر 1992 لكنها لم تحسم النزاع بطبيعة الحال في هاتين الجولتين , لأن هذه اللجنة في تقديري لم تكن للبحث عن حل للنزاع بقدر ما كانت كانت محاولة من القيادتين السياسيتين – كل وفقاً لإعتباراته – لفتح ثغرة في الجدار الفاصل بينهما لتجنب الخيار العسكري الذي سيكون سابقة غير مقبولة نظراً للطبيعة شديدة الخصوصية التي تميز علاقتهما إذ أنه بعد الإنتشار العسكري المصري في مارس 1992 ثارت إحتمالات لهذه المواجهة , هذا بالإضافة إلي أنه يجب الإعتراف بأن هناك طبقات سلبية متبادلة في العلاقات المصرية السودانية تكونت منذ الثورة المهدية التي إشتعلت لمدة أربع سنوات أي بين 1882 إلي 1885 ومازالت بعض من جروحها لم تندمل كلية حتي أيامنا هذه .

ولما لم تحقق الجولة الأولي ولا الثانية للجنة المُشتركة بشأن حلايب نتيجة إيجابية لتسوية النزاع فقد عُقدت دورتها الثالثة والأخيرة بالخرطوم في الفترة من 22 إلي 24 فبراير 1993 وقد حضرتها وتابعت مجرياتها , وقد إستهل رئيس الجانب السوداني هذه الدورة بأن ذكر ” أن إختصاصات اللجنة المشتركة تنحصر في تدارس المهام المُوكلة إليها والتقدم بتوصياتها للجهات العليا بالبلدين وأنها ” تؤمن علي آراءها ومقترحاتها التي عبرت عنها في الجولة الثانية من المباحثات التي عُقدت في القاهرة في الفترة من 27 إلي 31 أكتوبر 1992 والتي وردت روحاً ونصاً في المحضر المُوقع عليه من رئيسي الجانبين , وأن الجانبان يؤكدا حرصهما علي تسوية الخلافات القائمة أو أي خلاف قد ينشا بينهما بالتفاوض المباشر وفي إطار اللجنة وفي ظل الحرص الدائم علي تجنب أي تصعيد لهذه الخلافات وتسويتها في إطار ودي بما يحفظ مصلحة الشعبين الشقيقين , وأنه من الضروري وقف كافة أو مختلف الحملات الإعلامية التي تؤثر سلباً علي مناخ العلاقات بين البلدين والعمل علي تهيئة الظروف الملائمة لإزالة مظاهر التوتر وتكريس الإيجابيات , كما أن اللجنة تؤكد ضرورة الإسراع في تكوين لجنة الإتصال المُشار إليها في البند ثانياً من محضر إجتماعها السابق علي أن تباشر عملها فوراً , وأنه مطلوب التوصل لوثيقة سرية ليست للنشر أو التداول وكذلك إصدار بيان صحفي ” , وواصل رئيس الجانب السوداني قائلاً ” يؤكد الطرفان بأنهما لا يسعيان لحل الخلاف بالوسائل العسكرية فمن وجهة نظرنا ان تسوي موضوعاً بشكل عسكري أمر مرفوض , ونحن نحرص علي تسوية سلمية ولذلك حرصنا علي ان نشير في البيان إلي أن الطرفان يؤكدان حرصهما علي تسوية الخلافات القائمة أو التي قد تنشأ من خلال التفاوض المباشر بين البلدين وفي إطار اللجنة المُشتركة وفي ظل الحرص الدائم علي تجنب أي تصعيد لهذه الخلافات وتسويتها في إطار ودي بما يحفظ مصلحة الشعبين ” , وفي النهاية لم تستطع هذه اللجنة السعي نحو حل للنزاع لأنها لم تكن مُفوضة تفويضاً كاملاً كما أن الرغبة والإرادة السياسية لم تكن متوفرة خاصة لدي الجانب المصري , أما الجانب السوداني فبالرغم من أنه إستغل قضية حلايب إستغلالاً سياسياً داخلياً وتعامل مع الخلاف الحدودي مع مصر بشكل فج مليئ بالإثارة علي نحو يختلف كلية عن تعامله في ملف خلافه الحدودي مع إثيوبيا بمنطقة القلابات والفشقة فعلي حين شكل السودان ما يُسمي ” بلجنة الدفاع عن العقيدة والوطن ” وهي كيان شعبي لتصعيد المطالبة بمكنطقة حلايب , ترك خلافه الحدودي مع إثيوبيا – وهو الأكثر تعقيداً وأهمية من حالة الخلاف الحدودي مع مصر فبه أنشطة زراعية / رعوية و إقتصادية وتجارية فيما حلايب أرض قفر – يحتضر داخل ثلاجة أرشيفية تحمل مُسمي اللجنة الأمنية , خلاصة الأمر أن الخلاف الإثيوبي / السوداني علي الحدود مكتوم كامن وأرشيفي أما الخلاف مع مصر فيغشاه ضجيج ودائم العرض والطرح .

بقدر شدة إستغناء تنزانيا عن الحلول الآتية من وساطة أو تلك الثنائية فإنها لن تعرج والحالة هذه إلي بديل تكوين لجنة كتلك التي شكلتها مصر والسودان لحل موضوع حلايب مالم تعزز كل من تنزانيا ومالاوي بدرجة متساوية هذه اللجنة بصلاحيات وتفويض كامل وهو ما لن تقدم عليه تنزانيا التي ستسعي – في تقديري- إلي إستخدام بعض أدوات تقليدية في مثل هذه المواقف منها ما هو أمني ومنها ماهو إقتصادي عقابي فقسم كبير من واردات وصادرات مالاوي تلك الدولة الحبيسة يأتي من ويذهب إلي ميناء دار السلام وهكذا , وفي النهاية ربما يؤول الوضع إلي توقف عمل شركة Surestream Petroleum لإجبار مالاوي علي الولوج إلي الطريق التنزاني لتسوية النزاع , والأمر والحالة هذه رهن بعوامل مختلفة أهمها موازنة مالاوي للأرباح والخسائر , وكذلك هناك عامل مهم وهو قدرة مالاوي علي جذب شركة بترول أخري للعمل في منطقة نزاع كبحيرة مالاوي , هذا في حالة إنسحاب Surestream Petroleum وهو أمر مُتصور إن طالت فترة النزاع بلا حل مرض للطرفين وهو الأرجح في ضوء العوامل المتوفرة حتي الآن ما لم يجد جديد .

(4) تتفق معظم آراء المراقبين لهذا النزاع علي أن خيار المواجهة العسكرية غير مطروح وأن الأقرب للتصور هو إتفاق ثنائي بين الحكومتين إما لتسويته ثنائياً بتفاوض يؤدي إلي تنازل أحدهما بمقابل كما أشرت أو ذهابهما بعد إتفاقهما معاً إلي محكمة العدل الدولية للحصول علي رأيها الإستشاري في النزاع , خاصة وأن هذه المحكمة إستطاعت حل نزاعات أكثر تعقيداً من هذا النزاع ومثال ذلك النزاع بين الكاميرون ونيجيريا علي شبه جزيرة Bakassi والحدود البرية والمائية ببحيرة تشاد بين نيجيريا والكاميرون أيضاً والحدود البحيرة بين غينيا كوناكري وغينيا بيساو والحدود البرية بين بوركينافاسو ومالي وليبيا وتشاد (قطاع Aouzou Strip) ألخ , لكن من الأهمية بمكان الإشارة إلي أن آراء محكمة العدل الدولية ليست مأمونة أو لنقل أنها ليست حاسمة في كل الحالات فهناك سوابق أخري نراها وقد عقدت بعض النزاعات الأخري بإصدارها رأياً إستشارياً مُبتسراً كالذي أصدرته بشأن الصحراء الغربية في 16 أكتوبر 1975 خلاصته أنه ليس هناك من دليل على وجود روابط سيادة إقليمية بين المغرب والصحراء الغربية، بالرغم من وجود علاقات تبعية , وهو رأي يحتاج إلي رأي تال في نظر البعض , كما أن حكماً كالذي أصدرته هذه المحكمة عام 2002بشأن النزاع الحدودي بمنطقة BADME بين إثيوبيا وإرتريا وكان لصالح الأخيرة إلا أنه لم يُنفذ وظلت إثيوبيا تحتله للآن , ومن ثم فالنزاع الحدودي بين تنزانيا ومالاوي في بحيرة MALAWI إن إرتضت الدولتان اللجوء إليه فقد يعتبر وبصفة أولية – ومن وجهة نظر مختلفة – نزاعاً بين القانون الدولي المُتعارف عليه وبين قانون المعاهدات المُتعلق بتعيين الكيانات النهرية , وهي حالة فريدة من نوعها ربما واجهتها محكمة العدل الدولية لمرات قليلة , ومن هنا تكمن صعوبة الحل إذ أن الأمر إن عُرض علي محكمة العدل الدولية فسيفرض عليها تسجيل سابقة مُفاضلة بين المعاهدات والإتفاقات الدولية ثنائية كانت أم جماعية وهي التي يتكون منها وينبثق عنها أحياناً مبادئ وأسس وأعراف القانون الدولي وبين القانون الدولي نفسه بإفتراض أن معاهدة Heligoland التي نصت علي إيلولة الجزء الذي تنازع تنزانيا مالاوي عليه واقع داخل حدود الأخيرة أي بالمخالفة لمبدأ خط المُنتصف الذي تتمسك بتطبيقه تنزانيا في هذا النزاع , وجدير بي أن أذكر في هذا الشأن أن لدي كتاب عنوانه Year Book & Guide to EAST AFRICA 1956 بالصفحة السادسة عشر من ملحق الخرائط به يظهر فيه الجزء من بحيرة MALAWI بين تنزانيا ومالاوي ماراً بمنتصفه خط حدودي بالبحيرة بين البلدين , فيما لا يظهر هذا الخط في المنطقة من هذه البحيرة والواقعة بين مالاوي وموزمبيق , مما يثبت وإلي حد ما وجهة النظر التنزانية إذا ما أسقطنا من إعتبارنا نص المادة الثانية بند E من معاهدة Heligoland .

إن رفض تنزانيا غير المباشر للوساطة وإصرارها علي نشر خرائط تشير إلي حقها في مشاركة مالاوي في الجزء الواقع بينهما من مياه بحيرة MALAWI وبالتالي إصرارها علي الحق في مشاركة مالاوي في ما يذخر به باطنها من بترول , لا يعني إلا أنها تدفع بمالاوي إلي الدائرة الثنائية الضيقة والتي يمكن في حيزها التوصل لإتفاق علي تسوية هذا النزاع الذي تتعادل أو تكاد فيه قوة الحجة القانونية لدي كل من الطرفين , وبسبب هذا التعادل مُضاف إليه القوة السياسية الإقليمية النسبية لتنزانيا يمكن أن نعثر علي منطق يجيز لتسوية سياسية لمعضلة قانونية المرور حتي تتحق المصلحة المُشتركة , هذا إن إقتنع كلا الطرفين بمبدأ المصلحة المُشتركة .

القاهرة . تحريراً في 3 أغسطس 2017

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى