مؤسسة الرقابة العامة في فلسطين
اعداد : معاذ عليوي – دكتوارة في الإدارة العامة
- المركز الديمقراطي العربي
ملخص الدراسة:-
تلقي الدراسة الضوء على التعريف بمفهوم الرقابة بشكل عام، وكذلك مفهوم الرقابة العامة، والتعريف بالواقع الإداري للمؤسسات الرقابية للسلطة الفلسطينة من خلال معرفة الهيكل الإداري، والإدوات الرقابية المتبعة من قبل السلطة الوطنية الفلسطينة في تسيير عمل المؤسسات الرقابية داخل مؤسساتها. إضافة إلى ذلك فإن المقال يسعى للتعرف على الإشكالية الرئيسية التي واجهت مؤسسات الرقابة للسلطة الفلسطينة على مدار عقود مضتت، وكذلك الجهود الإصلاحبة المبذولة من قبل السلطة الوطنية الفلسطينة بمؤسساتها وشخوصها وكوادرها العاملة داخل الأطر المؤسساتية في محاولة منها للتغلب على العقبات والمشكلات التي نتجت عنها من خلال التعاون والتنسيق المتبادل بين الأطر المؤسساتية للسلطة الوطنية الفلسطينية، في إطار تبادل الخبرات والتجارب، والإستفادة من النماذج الإصلاحية الرقابية، وأن تكون عاملا مهما في النهوض بالمؤسسات الفلسطينة نحو الأفضل.
مقدمة:-
تعد الرقابة العامة أحد الدعائم الاساسية لتمكين الدولة من القيام بواجباتها على أكمل وجه، بإعتبارها عنصرا رئيسيا فاعلا في دعائم الإدارة الحديثة.
تكتسب الرقابة العامة أهميتها وحيويتها في المؤسسات العامة للدولة بإعتبارها العامل الفاعل والموجه الحقيقي لحماية مكتسبات الدولة، وما تتضمنه من موارد وإمكانيات، وضمان الاستثمار الامثل لها حتى تضمن فاعليتها وقدرتها الانتاجية في الاستمرار بعيدا عن ايّ عوائق تعيق دورها في بناء مؤسسات الدولة.
وفي هذا الإطار فإن أهمية مؤسسة الرقابة العامة داخل الاطر المؤسساتية للسلطة الفلسطينية ينبع في إطار بناء قواعد إدارية منظمة تستند على معايير علمية تتيح لها بناء منظومة إدارية تساعدها على إتخاذ القرارات، ومعالجة أوجة الضعف والقصور داخل الاطر المؤسساتية في ضوء استخدام تقنيات معلوماتية ونظم محوسبية، واستثمار طاقات علمية وخبرات إدارية في تسيير الواقع الاداري للنظم المؤسساتية من أجل زيادة كفاءتها وفاعليتها.
ومن هنا فإن مؤسسات الرقابة العامة داخل الاطر المؤسساتية الفلسطينية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتصحيح مسارها الإداري عبر إعادة النظر في المنظومة الإدارية بشكل لا يتعدى فقط المراجعة الداخلية والانتقادات النقدي، بقدر تقديم مسارات فعلية من شأنها تصحيح الواقع الاداري والمؤسساتي حتى تضمن فاعليتها وقدرتها على العطاء.
الإشكالية:-
تنبع مشكلة الدراسة في حداثة التجربة المؤسساتية لقطاع الرقابة العامة للسلطة الفلسطينية والذي تتمثل في ضعف الموارد، وغياب الهيكليات، والازدواجية، وتداخل الصلاحيات، وضعف المساءلة والمحاسبة سببا رئيسيا في سوء القطاع الإداري للمؤسسات الفلسطينية، الأمر الذي يتطلبّ تشخيصا حيويا لمعرفة جوانب الخلل والقصور بإتجاه تحقيق الشفافية والمساءلة على قاعدة الاصلاح المالي والإداري الشامل.
أهمية المقال:-
الأهمية النظرية :- يسلط المقال بشكل رئيسي في التعريف بالواقع الاداري للمؤسسات السلطة الفلسطينية من خلال معرفة الهكيل الاداري والادوات الرقابية المتبعة من قبل السلطة الفلسطنية، والعقبات الناتجة عن التطبيق، والمحاولات الاصلاحية لإعادة هيكلة النظام الرقابي الإداري المؤسساتي على اسس علمية وتقنية في ضوء معايير دولية، حتى نتمكن من بناء مؤسسة رقابية فعالة.
الأهمية العلمية للمقال:- يسعى الباحث بعد الانتهاء من كتابة المقال الى نشره داخل المؤسسات الاكاديمية التركية، حتى يتيح للباحثين والطلاب الاتراك التعرف بالواقع الاداري للمؤسسات السلطة الفلسطينية.
أهداف المقال:- يهدف المقال بشكل رئيسي إلى التعرف على الهيكل الرقابي للمؤسسات السلطة الفلسطينية ، والعقبات التي واجهته على مدار السنوات الماضية، والجهود الاصلاحية لإعادة إصلاحه في ضوء الاستراتيجيات الدوليه والمحليه.
مفاهيم الرقابة:
اختلفت أراء الكتاب والباحثين في تعرف الرقابة اختلافا واضحا فنجد أن البعض رأى صعوبة في تعريف علمي دقيق لها وموحد لها، مستندين في ذلك إلى أن عملية الرقابة هي عملية متداخلة ومتشابكة مع الكثير من الإنشطة، كما أن مضمونها العام يختلف من نظام إداري لإخر، تبعا لإختلاف المجتمعات والنظريات السياسية التي تستند على أساسها وظيفة الدولة والنظام السياسي وبناء الحكومة.( درويش، إبراهيم، الإدارة العامة في النظرية والممارسة، ص383).
تتفاوت التعريفات بشأن مصطلح الرقابة إلا أنها في المعنى العام تشير إلى مجموعة من الأهداف والسياسات المرسومة والخطط والتعليمات الموجهة والمنفذة بدقة وعناية.
عرفها أحد الباحثين العاملين في المجال الإداري على أنها مجموعة من عمليات التفتيش والفحص والمراقبة، يكون الهدف منها الوقوف على معيقات أداء العمل الإداري داخل المؤسسة، والعمل على إقتراح الحلول المناسبة من خلال تحديد المسؤول عن الخطأ، وإحالته إلى السلطة المختصة. مما يعني أنها لازمة وضرورية ليس فقط للخدمات العامة والمشروعات بل أيضا لكل جهد جماعي مهما كان غرضه.( بدوي، عبد السلام، ص ص87-88).
ولقد عرفت الرقابة في المؤتمر الأول في العام 1977م، على أنها” منهج علمي شامل يتطلب التكامل والإندماج بين المفاهيم القانونية والإقتصادية، والإدارية، بهدف التأكد من المحافظة على الأموال العامة، ورفع كفاءة إستخدامها وتحقيق الفعالية في النتائج المحققة، على أن يقوم بهذه المهمة جهاز مستقل ينوب عن السلطة التشريعية غير خاضع للسلطة للتنفيذية”.( المجمع العربي للمحاسبين القانونين، 2001، ص4).
أما مفهوم مؤسسة الرقابة في فلسطين تعني:- تدريب المراقبين الماليين لتطبيق إجراءات الرقابة المالية الحديثة، ورفع كفاءة مستوى تخطيط الموازنة العامة وإعدادها وتنفيذها.( مصلح، عبير، 2003م، ص60).
نلاحظ مما سبق على الرغم من الدور الأساسي لمؤسسة التدقيق والإشراف بإعتبارها الأساس الفعلي لتعزيز الدور الرقابي، إلا أنها في غالبية الأحيان تفقد صفتها الإشرافية خاصة من الناحية الإستقلالية.
في ضوء تلك التعاريف السابقة نتوصل للآتي:-
- إن مؤسسة التدقيق والرقابة هي وظيفة إدارية وضرورية لجميع مجالات العمل من أجل التأكد من أن العمل يسير بدقة نحو تحقيق الأهداف المحددة سلفا.
- التأكد من استثمار الموارد، وأن الموارد استثمرت وفق خطة تم وضعها مسبقا حتى يراد منها تحقيق الهدف.
- إن الرقابة جزء لا يتجزء ولا يستقل عن باقي الوظائف الإدارية، فهو جزء مهم تكتمل به العملية الإدارية.
معايير الرقابة في الاجهزة العليا الحكومية:-
تسمى هذه المعايير معايير الرقابة الدولية، وهي معايير الرقابة الصادرة عن “المنظمة الدولية للاجهزة العليا للرقابة والمحاسبة” تسمى ” الانتوساي والتي تمت المصادقة عليها في المؤتمر السابع عشر للانتوساي في مدينة سيؤل بكوريا الجنوبية عام 2001م.( المنظمة الدولية للإجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة، 2002، ص1).
لقد أوضحت الانتوساي مفهوم المعايير الرقابية على انها تلك المعايير التي توفر حد أدنى لتوجيه المراجع، ومساعدته في تحديد الخطوات والاجراءات الرقابية التي يجب تطبيقها لتحقيق أهداف الرقابة . تمثل هذه المعايير المقاييس المعتمدة التي يتم على أساسها تقييم جودة نتائج الرقابة.( مرجع سابق، 2002، ص66).
لذلك فإن هذه المعايير عبارة عن قواعد واجراءات متفق عليها دوليا بهدف ( أبو هداف، ماجد محمد سليم، 2006، ص93)
- توجيه وإرشاد المراقب في الأجهزة العليا للرقابة لإداء مهامه على أكمل وجه.
- حماية المال العام والتأكد من حسن استخدامة.
- مقياس لجودة الأداء للمراقبين.
ولهذا السبب فإن استخدام أي معيار من المعايير يبقى من حق الدولة، وحسب القانون المعمول بها، إذ أن ما يعتبر تصرف ذا كفاءة في مكان ما قد لا يعتبر ذو كفاءة في مكان أخر.
مكونات معايير الرقابة الدولية:-
تتكون معايير الرقابة الدولية التي أصدرتها المنظمة الدولية للاجهزة العليا للرقابة والمحاسبة” الانتوساي” من 191 معيار مقسمة إلى أربعة فصول، يتناول كل فصل منها مجموعة من المعايير التي تنظم من الأعمال ذات صفات وخصائص متقاربة:-
- المعيار الأول:- المبادئ الأساسية في الرقابة الحكومية.
يتضمن المبادئ الأساسية في الرقابة الحكومية مشتملا على (47) معيار متناولا المبادئ الاساسية والقواعد الأساسية لبناء الأجهزة العليا للرقابة، والآلية التي تحكم عملها، بالإضافة الى توضيح موضوع المساءلة العامة والحاجة إليها في ظل تزايد الوعي العام.( عبد ،الصبور، 2003، ص12).
- المعيار الثاني:- المعايير العامة في الرقابة الحكومية.
تشمل هذه المعايير على (81) معيار لعل أهمها:- الصفات التي يجب توفرها في كل من الجهاز الرقابي والمراجع الحكومي، ودرجة الاستقلالية، وكذلك توفر شروط العناية المهنية اللازمة في العمل الرقابي.( مرجع سابق، 2003، ص13).
- المعيار الثالث:- المعايير الميدانية في الرقابة الحكومية.
تتضمن هذه المعايير (34) معيار تهتم جميعها بالعمل الميداني، وتحديد الإجراءت الواجب اتخاذها لتخطيط العمل الرقابي سواء كان رقابة مالية أو رقابة أداء، واستخدام بيانات مالية في التقارير المالية.( مرجع سابق، 2003، ص13).
- المعيار الرابع:- صياغة التقارير الحكومية في الرقابة الحكومية.
يشمل هذا المعيار على(29) معيار ويتعلق بإعداد التقرير، والقواعد الشكلية والموضوعية التي تضبط كتابة التقارير مثل الإمضاء، التاريخ، الجهة المرسل إليها التقرير، وكذلك الآلية التي يتم فيها صياغة الملاحظات والتوصيات في التقرير. (مرجع سابق، 2003، ص14).
وفي النهاية فإن هذه المعايير تشكل إطارا أساسيا لعمل أي جهاز رقابي تساعده على أداء أعماله وتحقيق أهدافه التي أنشأ من أجلها، بما يكفل تحقيق المصلحة العليا لإفراد الشعب. أما فيما يتعلق بإستخدام هذه المعايير من قبل ديوان الرقابة المالية والادارية في فلسطين، فإن القانون لم ينص على اعتماد مثل تلك المعايير، لكن توافقت بعض المواد القانونية مع بعض هذه المعايير خاصة فيما يتعلق بالمساءلة العامة، والمعايير العامة في الرقابة الحكومية، والمعايير الميدانية، ومعايير صياغة الرقابة.
أجهزة الرقابة في السلطة الوطنية الفلسطينية:-
يمكن تقسيم أجهزة الرقابة في السلطة الوطنية الفلسطينية تبعاً للجهة التي تباشر عملها كما يلي رقابة سياسية، رقابة قضائية، رقابة إدارية ذاتية.
الرقابة السياسية:-
تتمثل في رقابة السلطة التشريعية، تعني هذه الرقابة أن يقوم المجلس بمحاسبة السلطة التنفيذية عن جميع تصرفاتها، ومراقبة مختلف أعمالها ومناقشتها في سياستها العامة التي نالت الثقة من المجلس على أساسها.(العفيفي، عبير ، 2007).
جوهر الرقابة السياسية:-
يكمن جوهر الرقابة السياسية في فحص الأداء السياسي والإداري والقانوني للسلطة التنفيذية، وفق معايير وضوابط محددة، ويستخدم المجلس التشريعي في سبيل ممارسة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية مجموعة من الوسائل والأدوات التي تمنحها له.
أهم هذه الأدوات:- منح الثقة للحكومة وحجبها عنها، المصادقة على الموازنة العامة للسلطة الوطنية الفلسطينية، توجية الأسئلة للوزراء، الاستجواب، لجان التحقيق، إضافة إلى الدور الرقابي للجان المجلس، هناك جلسات استماع وتقارير مقدمة للمجلس.(الهيئة الفلسطينة المستقلة لحقوق المواطن، 2005م).
لعل الدور الرقابي للمجلس التشريعي في هذا المضمار يكمن في المحاسبة والمساءلة بشكل فعال، حتى تتمكن الإدرات العليا في القطاع الحكومي مسؤولياتها وحماية نفسها من إمكانية تعرضها للمساءلة، ممًا يوفر لها الحماية في حال تم اتهامها بالفساد وسوء استخدام المال العام.( العفيفي، عبير ، مرجع سابق، ص41).
علاوة على ذلك لم يتمكن المجلس التشريعي على مدار السنوات السابقة من تجاوز نقاط الضعف والقصور في ضبط الأعمال وتنفيذها على الوجه الصحيح وذلك يعود لعدم وجود سياسات وخطط تشريعية واضحة ومحددة لإقرار القوانين بما يتفق حاجات وأولويات المجتمع، ولعل السبب الأبرز هو الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ومنع النواب من حرية التنقل، وعدم انتظام الجلسات بسبب إجراءات الحصار والإغلاق التي يفرضها الاحتلال.
الرقابة القضائية:-
لعل هذا النوع من الرقابة هو الأكثر أهمية لتفعيل كافة النواحي الرقابية. فالهدف من الرقابة القضائية على أعمال القطاع العام يتمثل في أمرين هما:- تقويم عمل الإدارات واجبارها على احترام مبدأ الشرعية، وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم عن طريق إلغاء القرارات الإدارية الغير السارية أو التعويض عنها.(شيحا، إبراهيم ، ص478).
تنفذ الرقابة القضائية في فلسطين من خلال القضاء الإداري ممثلا في محكمة العدل العليا بصفتها محكمة إدارية، بالإضافة إلى جهاز النيابة العامة والذي يقوم بالتحقق من الاتهامات التي توجهها الإدارة إلى موظفيها.( كلاب، سعيد ، 2004، ص92).
نستطيع أن نلاحظ منذ مجئ السلطة الوطنية الفلسطنية إلى الأراضي الفلسطينية وحتى وقتنا الحاضر لا توجد لديها رغبة حقيقية في تشكيل سطلة قضائية قوية وفاعلة، حتى لا تقوم السلطة القضائية فيما بعد بمحاسبة المتجاوزين على القانون من أفراد السلطة التنفيذية، إضافة لذلك غياب سيادة القانون، والتفتيش القضائي على المحاكم اضعف من دور السلطة القضائية في ترسيخ دعائم الرقابة الداخلية.
الرقابة التنفيذية:-
وهي تتمثل في الرقابة التي تتولى السلطة التنفيذية ممثلة في الوزرات والمؤسسات الحكومية والتي تتشكل منها السلطة الفلسطينية تحقيقا للاهداف العامة، وهي تنقسم إلى قسمين:-
الرقابة الداخلية:- وهي الرقابة التي تتم داخل كل وزارة ومؤسسة في السلطة الفلسطينية، وعلى كافة المستويات الإدارية، بدءً بالوزير مرورا بالمستويات الإشرافية، وانتهاءً بالأفراد العاملين على اختلاف وظائفهم ومواقعهم داخل الوزارة.( الكفراوي، محمود،1989، ص25).
تهدف الرقابة التنفيذية إلى التحقق من تنفيذ الإعمال حسب الخطط والسياسات والإجراءات المرسومة، وحماية الأموال العامة من الضياع والسرقة وسوء الاستخدام، والارتقاء بالإداء كماً وكيفاً. وفي هذا السياق أنشأت وزارات السلطة داخلها وحدات رقابية داخلية تساعدها في انجاز أعمالها وتحقيق أهدافها منها( كلاب، سعيد ، مرجع سابق، ص93).
رقابة وزارة المالية والتي تتمثل في وحدتتين رقابيتين مختلفتين منها مديرية الرقابة الداخلية، والإدارة العامة للتدقيق الداخلي.
أما الأداة الثانية تتمثل في وحدة الرقابة الداخلية :- وهي عبارة عن وحدة إدارية يتم إنشاؤها داخل الوزارة أو المؤسسة بهدف مساعدة الإدارة العليا في عملها الرقابي على كافة الأنشطة والعمليات التي تمارسها هذه الوزارة أو المؤسسة وفي هذا الإطار أصدر مجلس الوزراء في عام 2005م. قرارا بإنشاء وحدات رقابية داخلية في جميع الوحدات الحكومية، ومن ثم يعمم هذا القرار على جميع الوحدات الحكومية.
الرقابة الخارجية :- وهي الرقابة التي تتم من خارج الوزارة أو المؤسسة الحكومية، وتقوم بها عادةً أجهزة متخصصة تتمتع بالإستقلال الكامل عن باقي وزارات ومؤسسات السلطة التنفيذية تتمثل في الآتي:-
هيئة الرقابة العامة:- وهي هيئة عامة مستقلة ذات شخصية اعتبارية تتبع رئيس السلطة وتخضع لإشرافه المباشر، أنشات بموجب القرار الرئاسي رقم (22) 1994.( الكفراوي، محمود، مرجع سابق، ص25). هدفت إلى الرقابة على المال العام بشكل أساسي، وضمان استثماره، وكذلك الإهتمام بالإداء الحكومي، والعمل على تطوير السياسات الإدارية وتحسين الإداء والانتاج.
رقابة ديوان الموظفين العام:-
نشأ ديوان الموظفين العام بناء على القرار الرئاسي رقم 131\94 الذي صدر بتاريخ 11\10\1994م. ويسعى هذا الديوان إلى تطبيق الإدارة العامة والإرتقاء بها في الدولة، والعمل على رفع كفاءة الموارد البشرية والقوانين والأنظمة الإدارية المعمول بها، مع تطبيق هذه القوانين على جميع موظفي الدولة بدون تميز أو محاباه لتحقيق العدل والمساواة.( العفيفي، عبير ، مرجع سابق، ص52).
جهات رقابية خارجية مستقلة ” الهيئة المستقلة لحقوق المواطن”
تشكلت بناء على قرار رئاسي بتاريخ 3\10\1993م. تهدف في المقام الأول إلى الرقابة على أعمال وأجهزة السلطة الوطنية الفلسطينية لضمان التزامها بالتشريعات والقوانين، وكذلك تقوم بإصدار تقرير سنوي شامل تتضمن فيه مخالفات الإجهزة الرسمية الحكومية الفلسطينية، بحيث تبين أوجه القوة وأوجه الخلل ومكان الضعف عمل السلطات الثلاث. ( حرب، جهاد، 2003م، ص20).
المراحل التاريخية للرقابة داخل مؤسسات السلطة الفلسطينية:-
إن خصوصية الوضع الفلسطيني كان له تاثير مباشر على موضوع الرقابة بصورة عامة والرقابة الداخلية بصورة خاصة. فكما هو معروف بأن فلسطين في العصر الحديث لم تنعم بوضع استقلالي وسيادة كاملة، حيث خضغت لأكثر من سلطة إدارية.
في هذا الإطار سوف اتحدث عن المراحل التاريخية التي مرت بها مؤسسة الرقابة العامة في في فلسطين في ثلاث مراحل فقط:-
المرحلة الأولى:- تشمل الفترة ما قبل يونيو 1967م.
قسمت الأراضي الفلسطينية خلال هذه الفترة إلى منطقتين هما الضفة الغربية وقطاع غزة. حيث كانت الضفة الغربية تتبع إداريا بشكل مباشر إلى المملكة الإردنية الهاشمية، وبالتالي فقد تمثل إطار الرقابة في المؤسسات الحكومية في الأطر والوحدات الأردنية المخولة.
أمّا قطاع غزة فقد خضع إداريا بشكل غير مباشر للإدارة المصرية، وذلك من خلال إدارة الحاكم لقطاع غزة التي كانت تتبع لوزارة الداخلية المصرية.( حماد، أكرم، 2003، ص147). كما أنشأت الإدارة المصرية دائرة مراقبة محلية تتبع مديرية المالية التي بدورها تتولى أعمال الرقابة الداخلية على المعاملات المالية للمديريات. أما الرقابة الخارجية فقد تولاها مكتب عرف باسم ديوان المحاسبة والذي يعرف بمصر حالياً الجهاز المركزي للمحاسبات والذي يتبع رئيس جمهورية مصر العربية.
المرحلة الثانية:- تشمل الفترة ما بعد يونيو 1967م وحتى مايو عام 1994م.
وهي تمثل فترة الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية، حيث خضعت جميع الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة لسلطة الإحتلال الاسرائيلي، بموجبها أصدرت العديد من الأوامر والمناشير العسكرية، أعادت من خلالها تنظيم أعمال وأنشطة المجتمع الفلسطيني بما يتناسب مع مصالحها، فقد قامت بتعديل بعض القوانين والإنظمة، كما ألغت بعض الإنظمة الإخرى. ( كلاب، سعيد ، مرجع سابق، ص88).
ومن الجدير بالذكر أن الضفة الغربية وقطاع غزة خضعت كل منهما لإدارة مستقلة تتبع سلطة الإحتلال. حيث استمر ديوان المحاسبة في الضفة الغربية مباشرة أعمال الرقابة على الدوائر الحكومية، كما استمر ديوان المحاسبة في قطاع غزة بالتفتيش الداخلي والرقابة على أعمال الدوائر الحكومية وذلك من خلال زيارات ميدانية ودورية حيث كان يقوم بها مراقبون ماليون واداريون على مدار العام لفحص وتدقيق الأعمال المالية والإدارية للدوائر الحكومية التقليدية دون أن يكون لهم حق فحص وتدقيق الموازنة العامة وخاصة الإيرادات الجمركية.(المصدر نفسه، ص88 ).
المرحلة الثالثة:- تشمل الفترة مابين مايو عام 1994م.
في مايو عام 1994م. وتطبيقا لإتفاق أوسلو الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة اسرائيل والذي يقضي بنقل صلاحيات الإدارة المدنية، والحكم العسكري إلى السلطة الفلسطينية، بمقتضى ذلك تولت السلطة الوطنية الفلسطينية صلاحياتها ومسؤلياتها في الإراضي الفلسطينية، بدأت حقبة جديدة من الاستقلال والسيادة الفلسطينية وإن كانت غير كاملة تمثل خطوة أولى في مشوار التحرير والسيادة الكاملة.( كلاب، ، مرجع سابق، ص88).
ومع بداية هذه الحقبة أنشأت السلطة الوطنية الفلسطينية العديد من الوزرات والمؤسسات الحكومية والتي تطور عددها بشكل متسارع، وتضاعف عدد العاملين بها حتى وصل إلى 140,000 موظف حتى نهاية العام 2003م.( الهيئة المستقلة لحقوق المواطن، التقرير السنوي لعام 2003، ص137).
مستويات تنفيذ الرقابة داخل مؤسسات السلطة الفلسطينية:-
يمكن تقسيم مستويات تنفيذ الرقابة داخل وزرات السلطة الوطنية الفلسطينية إلى ثلاثة مستويات:-
رقابة الوزارة:- وهي الرقابة التي تمارسها الوزارة على نفسها من خلال الوزير المختص، والإدارة العليا، والمستويات الإشرافية، والعاملين كل حسب موقعه.
في هذا الإطار أعطت الهيئة العامة اهتماما خاصا لوحدات الرقابة بوزارة السلطة الفلسطينية، والتحقق من قيامها من ممارسة مهامها بصورة سليمة وفعالة.
بتاريخ 4\4\1996م. أصرً رئيس هيئة الرقابة العامة تعميما حدد في طبيعة أعمال ووظائف إدارة الرقابة والتفتيش الداخلي في وزارات ومؤسسات السلطة الفلسطينية وذلك بهدف رفع كفاءة وأداء الوزارة .( كلاب، سعيد ، مرجع سابق، ص100).
أخيراً يتمثل الهدف النهائي للوزارة في تحديد المخالفات والانحرافات في الإداء الوظيفي وتحليلها واقتراح الحلول المناسبة ومساءلة المنتسبين.
رقابة وزارة المالية” مديرية الرقابة والتدقيق”
تعتبر وزارة المالية الجهة المسؤولة عن الإشراف والرقابة على المال العام في السلطة الفلسطينية وذلك بحكم مسؤولياتها عن الإدارة المركزية للمال العام بوزارات ومؤسسات السلطة الفلسطينية.
حسب المادة (49) من قانون الموازنة العامة رقم (7) لسنة 1998م. يتوجب على وزير المالية وبموافقة مجلس الوزراء أن يعين مدققين ماليين في الوزرات والمؤسسات العامة وذلك لتقديم المشورة لها، ومراقبة تنفيذ الموازنة العامة، والالتزام بالمعايير والقواعد المالية، وفي حالة اختلاف الرأي بين المدقق والمدير المالي لأيّ من الوزرات والمؤسسات العامة يعرض على الوزير لاتخاذ القرار.( تنظيم الموازنة العامة والشؤون المالية قانون رقم (7) لسنة 1998،2002، ص1).
يلاحظ مما سبق بأن عمل مديرية الرقابة والتدقيق في وزارة المالية تقتصر فقط على البُعد المالي وذلك بالتحقق من صحة الصرف ومطابقته للإنظمة والتعليمات والالتزام بالموازنات المعتمدة. علينا أن نأخذ بعين الإعتبار أن وزارة المالية لا يتعدى عملها فقط على البعدُ المالي فقط بل يتطور ليشمل البعدً الإداري من خلال تحديد صلاحيات ومهام مدير الرقابة والتدقيق بوزارة المالية.
رقابة ديوان الموظفين العام:-
يتولى الإشراف على شؤون التوظيف في وزارت ومؤسسات السلطة الفلسطينية، ووضع الإجراءات التفصلية اللازمة بما يتفق وأحكام قانون الخدمة المدنية رقم (4) لسنة 1998م. يعدّ اليوان بمثابة الجهاز الفني المعاون لمجلس الوزراء في تحقيق التنمية الإدارية، وتطوير الجهاز الإداري في فلسطين.( قانون الخدمة المدنية رقم (4) لسنة 1998م).
نستعرض بعض الاختصاصات الرقابية لديوان الموظفين العام، كما حددها قانون الخدمة المدنية وخاصة المواد (7و 33) على النحو الأتي( السلطة الوطنية الفلسطينية، وزارة العدل- مجلة الوقائع الفلسطينية، العدد ( 40) – يوليو 1998م.
- الإشراف ومراقبة تطبيق أحكام قانون الخدمة المدنية.
- وضع القواعد والإجراءات التي تنظم شغل الوظائف في الوزرات والدوائر الحكومية ومراقبة تنفيذها، بما يحقق العدالة والمنافسة الحرة واختيار الإكفاء.
- متابعة وحدات شؤون الموظفين بالوزرات والدوائر الحكومية بما يكفل المعلومات اللازمة لتطوير الخدمة المدنية وتحقيق التنمية الإدارية.
- وضع أسس وقواعد لقياس وتقويم أداء موظفي الخدمة المدنية.
لا ننسى أن ديوان الموظفين العام يمارس الرقابة الإدارية من خلال الإشراف على تنفيذ أحكام قانون الخدمة المدنية والأنطمة واللوائح التنفيذية الخاصة بشؤون الموظفين.
في النهاية علينا القول بأن جميع مستويات الرقابة داخل وزارات السلطة الفلسطينية تعمل بشكل متناسق ومتكامل، بحيث لا تتداخل وحدة مع وحدة أخرى ممّا يؤدي إلى تداخل الصلاحيات وتعدد الوظائف وتشتت الجهد الإداري والعملي للمدارء والعاملين.
مؤسسات الرقابة العامة في فلسطين:-
أنشأت السلطة الوطنية الفلسطينية منذ قيامها عشرات المؤسسات العامة الإدارية والإقتصادية والمالية والاجتماعية، لكونها لم تتبع أسلوبا واحداً في إنشائها، فبعضها نشأ بالإستناد إلى قانون وبعضها الأخر نشأ بموجب أعمال قانونية أخرى( قرارات، أو مراسيم رئاسية).
وفي هذا السياق سأتحدث عن أهم المؤسسات الرقابية الفاعلة لدى السلطة الفلسطنية:-
هيئة الرقابة العامة ( ديوان الرقابة الإدارية والمالية):-
تختص بالرقابة على المال العام، وضمان حَسن استثماره، وتطوير السياسات والإجراءات الإدارية، وتحسين الإداء.
حسب المادة السابعة من قانون هيئة الرقابة العامة رقم (17) لسنة 1995م،” يحق لرئيس السلطة الوطنية الفلسطنية إخضاعها لجهات أقرب إلى رقابة الهيئة، كما يجوز له استثناء بعض من هذه الرقابه”. هذا يعني أن الرقابة التي يفرضها قانون هيئة الرقابة العامة أوسع من الرقابة التي يفرضها قانون الموازنة العامة.( قانون رقم ( 17 ) لسنة 1995 بشأن هيئة الرقابة العامة).
ينحصر الدور الرئيس لديوان الرقابة المالية والإدارية في تنفيذ السياسات الخاصة بالرقابة والتفتيش بما يضمن تعزيز الشفافية والمصداقية والوضوح في أعمال الحكومة والمؤسسات العامة وفي جكمها، إضافة لذلك إلى القيام بالتحقق من قيام ديوان الرقابة والتفتيش والمتابعة الداخلية في المراكز المالية من ممارسة مهامها بصورة سليمة وفعالة.
الرقابة المالية والداخلية:-
حسب المادة( 145) من النظام المالي يتوجب على وزير المالية تعيين مراقبين ماليين داخليين في كل دائرة حكومية تناط بهم مسؤولية مراقبة تنفيذ تلك المهام، والأنظمة الأخرى ذات العلاقة.( قانون ديوان الرقابة الإدارية والمالية ، المادة رقم 145).
أما المادة( 146) فقد حددت العديد من المهام للمراقبين( قانون ديوان الرقابة الإدارية المالية، المادة رقم 146).
- الرقابة على نفقات الدوائر الحكومية سواء الممولة من الموازنة العامة أو من المنح.
- التنيسق مع الدوائر الحكومية في المراكز المسؤولية لمتابعة ملاحظات ديوان الرقابة المالية والإدارية.
دائرة التدقيق الداخلي:-
نص النظام المالي للمؤسسات العامة في المادة (101) أن تقوم وزارة المالية بإنشاء دائرة مالية دائرة مختصة تؤدي مهامها وفقا لنظام التدقيق المالي الداخلي الذي تضعه وزارة المالية، مع ضمان التزام كل الدوائر أو وحداتها بالإتفاق وفقا للتشريعات المالية المعتمدة. ( النظام المالي للمؤسسات، المادة رقم 101).
حسب وجهة نظري وفقا لهذا السياق فإن عمل تلك الدائرة سيكون مطابق لعمل ديوان الرقابة المالية والإدارية، مما يؤدي إلى ازدواجية في العمل، وإرهاق للمؤسسات وزيادة للنفقات العامة.
مشكلات مؤسسات الرقابة العامة في فلسطين:-
في البداية إن الظروف السياسية التي مرت بها فلسطين خاصة في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة منذ نشأتها وحتى الأن عرقلت دورها الرقابي بل منعت الاستقلالية الرقابية داخل مؤسساتها بشكل مباشر. في هذا الإطار سأتناول العديد من المشاكل والعراقيل الرئيسية التي ساهمت في الحيلولة دون وجود مؤسسات رقابية فاعلة داخل مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطنية.
- تأخر اعتماد هيكليات العديد من الوزرات والمؤسسات والتي يفترض أنها حصلت عليه ضمن قرار مجلس الوزراء خلال العام 2005م، إلا أن ذلك لم يحدث.
- صعوبة توفير كوادر بشرية من أجل سدّ العجز داخل المؤسسات الفلسطنية، ويعود ذلك لعدم توفير اعتمادات مالية للإفراد المطلوبين لشغل هذه الوظائف، خاصة في الفترة التي مرت بها السلطة الفلسطنية خلال الإعوام 2005- 2007م.
- عدم وجود استقرار سياسي داخل الأراضي الفلسطينية، وهذا يعدّ العامل الأكثر حيوية لا سيما أن الأراضي الفلسطنية على مدار عقود مضت لم تشهد حالة من الاستقرار المطلق، مما ينعكس على الحياة السياسية خاصة على الدوائر الحكومية وعدم انتظام العمل المؤسساتي بداخلها، والحيلولة دون تنفيذ الرقابة بشكل كامل، لا سيما إذا أخذنا بعين الإعتبار إن الإراضي الفلسطنية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الضفة الغربية، وقطاع غزة، والقدس، وهذا يعني أن عملية الرقابة ستكون صعبة للغاية، خاصة في المناطق التي يستولي عليها الكيان الإسرائيلي والذي يسعى دائما لخلق حالة من الفوضى السياسية لمنع استقرار وانتظام عمل تلك المؤسسات.
- إضافة لذلك عدم الإستقرار السياسي داخل التركيبة السياسية الفلسطنية ينتج عنه بالمطلق عدم استقرار للنظام الإداري، هذا يعني أن السلطة التنفيذية في حالة تغيير مستمر في طريقة إدارتها للقطاعت الحكومية خاصة في عدد من الوزرات والمؤسسات الرسمية التابعة لها، سنستعرض بعض الأمثلة في هذا الموضوع(
على سبيل المثال توجد في بعض مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة خاصة في الدوائر الحكومية مدير واحد مما يؤدي إلى التضارب في العمل، والتنازع في الصلاحيات بين الجهتين.
- عدم وجود استقلالية للعديد من مؤسسات السلطة الفلسطنية وظهر ذلك بشكل واضح بعد وفاة الرئيس الأسبق ياسر عرفات 11\11\2004م.( الهيئة المستقلة لحقوق المواطن، 2004م)، واستحداث منصب رئيس الوزراء كمنصب مستقل عن رئيس السلطة الوطنية الفلسطنية. كان لهذا الواقع الأثر على تركيبة المؤسسات الحكومية الفلسطنية خاصة إذ أن هناك مؤسسات تتبع لرئيس السلطة الفلسطنية بشكل مباشر ، والجزء الأخر يتبع لرئيس السلطة الفلسطنية مباشرة، والجزء المتبقي يتبع لمجلس الوزراء. وبالتالي فإن مثل هذه التركيبة الغير مألوفة سياسيا على اختلاف أنواعها كان لها أثر على عمل أجهزة الرقابة المركزية .
نلاحظ مما سبق إن عدم الاستقرار الإداري في طريقة إدارة بعض القطاعات الحكومية ، كان لها انعكاساتها على إدارات الرقابة الداخلية الموجودة في الوزرات والمؤسسات الحكومية على اختلاف أشكالها فعلى سبيل المثال:- عندما كانت تنفصل إحدى المؤسسات عن الوزرات التابعة لها كانت ترفض رقابتها عليها على اعتنبار أنها أصبحت مستقلة، وأنه يجب أن تظهر بمظهر السيادة، فتكون النتيجة أن تبقى هذه المؤسسة بلا رقابة داخلية، أو تسعى لإنشاء دائرة الرقابة ضمن هيكليتها مثلا علاقة وزارة العدل مع وزارة الطب الشرعي.
واخيرا من الناحية الجغرافية لا نستطيع أن نغفل البُعد الجغرافي ودوره في الرقابة داخل مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطنية، لا سيما إذا أخذنا بعين الإعتبار أن المركزية الإدارية موجودة داخل الضفة الغربية ويحكمها مدير واحد، ونائبه في القطاع مما يصعب عملية الإتصال بينهما، وفي بعض المؤسسات لا يوجد نائب مدير مثال وزارة الخارجية.
- العشوائية الجغرافية داخل الأراضي الفلسطنية لم يمنحها الدور الكافي للرقابة داخل المؤسسات، بل لم يعطيها في الغالب القدرة على المراقبة والمتابعة شأنها في ذلك شأن بقية الدول المجاورة التي تتمتع بالاستقلالية الذاتية في إدارة شؤونها الحياتية، وهذا انعكس على طبيعة المشاريع الممنوحة لها من قبل المؤسسات الداعمة لها في الخارج مما انعكس على الإداء العام لها فيما يتعلق بالتنمية والتطوير، مما ادى إلى بقاء العديد من مؤسساتها مهمشة بلا رقابة أو متابعة من الجهات ذات الاختصاص.
استراتيجية بناء نظام رقابي فعال داخل الأطر المؤسساتية للسلطة الفلسطنية:-
من أجل بناء استراتيجية رقابية فعالة داخل الأطر المؤسساتية للسلطة الفلسطنية لابد من النظر إلى البيئة الداخلية كونها الحاضنة الرئيسية لبناء نظام رقابي فعال يضمن بقاء الأطر المؤسساتية تعمل وفقا للإنظمة والقوانين الدولية المعمول بها، مما ينعكس على الجهد الفلسطني الداخلي في النهوض بمؤسساته نحو الأفضل.
في هذا الإطار سأتحدث عن استراتيجيتين الأولى داخلية، والثانية خارجية، في ضوء المعطيات والسياقات التي تحدثت عنها أثناء كتابتي للمقال:-
الإستراتيجية الأولى:-
تسمى الإستراتيجية الأولى “بالإستراتيجية الداخلية” وهنا أردت تسميتها داخلية من أجل النهوض بالواقع المؤسساتي الرقابي داخل الأطر المؤسساتية للسلطة الفلسطنية، وأولى خطواتها الرئيسية الأتية:-
- تفعيل الإرادة السياسية الفلسطنية:- في هذا السياق علينا أن نأخذ بعين الإعتبار أنه لا يمكن بناء أطر مؤسساتية رقابية فاعلة تحافظ على النسق السياسي الفلسطيني في ظل غياب الإرادة الفلسطنية المكتملة والتي بدورها تسهم في بناء منظومة متكاملة ببعديها السياسي والرقابي. ومن أجل ذلك لابد من تعزيز التنسيق والتواصل بين الأطر المؤسساتية الرقابية ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى تكون في النهاية منظومة متكاملة في أدورها ونشاطاتها وبرامجها الخدماتية تجاه الشعب الفلسطيني في كلا من الضفة الغربية وقطاع غزة.
- توظيف الكادر الفلسطيني ذو الخبرة والتجربة بالقطاع الرقابي المؤسساتي الفلسطيني حتى يكون قادرا على القيام بالإعباء الملقاة على عاتقه. فتوظيف الشخوص ذو الخبرة والتجربة يعطي للمؤسسة الفلسطينية أيا كان نوعها الفاعلية والقدرة على الإستمرار، ويحافظ على نسقها الرقابي بعيدا عن التهميش والواسطة والمحسوبية والإفضلية بناءً على أسس واعتبارات غير مهنية تؤدي حتما لفقدان وضياع الحقوق بين الموظفين.
- التعاون بين القطاع المؤسساتي الرقابي الحكومي والقطاع المؤسساتي الرقابي الأهلي في عدة برامج ومشاريع ذو شراكة ومبنية على أسس وإعتبارات مهنية ومعايير أخلاقية تمكن كلا الطرفين من الإستفادة من التجارب والخبرات، والإسهام في النهوض والتطوير بالواقع الرقابي المؤسساتي الفلسطيني، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى بناء مؤسسات رقابية فلسطنية أكثر قوة ومتانة ويكون هدفها ليس المشاريع الخدماتية الربحية العامة بل كيفية المحافظة على المؤسسة ومنع تغلغل الفساد وكافة الإساليب المؤدية إليها، حتى تبقى المؤسسة قادرة على العمل والنهوض بكافة قطاعات المجتمع.
- المرونة في الجهاز الرقابي داخل الأطر المؤسساتية:- ولا يعني هنا المرونة المطلقة بحيث تنعدم أساليب الرقابة بشكل كامل، بل تكون الرقابة مهنية بحيث لا يكون تظلمً من قبل الموظفين تجاة الإدارة، والشكاوى المستمرة بغير وجه حق. وفي هذا الإطار يجب على المؤسسة أن تتبع نظام الحوافز والمكافأت ليس فقط من باب التشجيع، وإنما من باب المحافظة على الكوادر الإدارية داخل القطاع الحكومي، وضمان استمراريتهم وقيامهم بوظائفهم على الوجه الأكمل.
- تفعيل نظام المساءلة على أعتبار أنه أحد الأدوات الرقابة، فهو يعدّ معيارا ضابطا للإداء الحكومي، وإداة تقويمية للإشخاص العاملين في مؤسسات القطاع الرقابي الحكومي الفلسطيني. في هذا الإطار نظمت هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية بالتعاون مع الإبحاث التطبيقية لقاءات مفتوحة حول المساءلة المجتمعية ومكافحة الفساد، مستهدفة (92) من ممثلي المؤسسات الرسمية والإهلية ولجان النزاهة والنقابات. ( مصلح، عبير، النزاهة والشفافية في مواجهة الفساد، مرجع سابق، ص 60).
- الإستفادة من التكنولوجيا الحديثة:- في هذا الإطار عمد ديوان الرقابة الإدارية والمالية في مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطنية إلى إنشاء صفحة الإلكترونية تهتم بالعمل الرقابي، إضافة إلى الإبحاث حيث تم نشر ثماني وثائق رقابية دولية، من أجل التعريف بعمل الديوان، وأنشطته حيث يمثل البناء الأساسي للمؤسسات الرقابية داخل القطاع الرقابي الحكومي الفلسطيني.( ديوان الرقابة المالية والإدارية : التقرير السنوي 2006م. رقابة وتدقيق من أجل البناء والتنمية وتعزيز الحكم الصالح، ص 27).
- الاستراتيجية الثانية” تعرف بالإستراتيجية الدولية” في هذا الإطار يجب على مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية الإستفادة من كافة البرامج والمشاريع الدولية الداعمة للرقابة، كون السلطة الوطنية الفلسطينية تعيش وضع استثائي، لا سيما انها تخضع تحت السيطرة الإسرائيلية، مما يفقدها السيادة وعدم القدرة على الإستقلالية وبناء مؤسسات أكثر انضباطا وقدرة على الإشراف بدون إي معيقات. في هذا السياق سوف أتحدث عن عدة استراتيجيات لعل أهمها:-
- تعزيز علاقة المؤسسة الرقابية الفلسطنية مع المؤسسة الرقابية العربية:- في سبيل الإستفادة من التجارب والخبرات العربية وهذا تم بالفعل من خلال زيارات رسمية قام بها رئيس ديوان الرقابة الإدارية والمالية الفلسطينية في كل من سلطنة عُمان، والمملكة الإردنية الهاشمية، والإمانة العامة للإجهزة العليا للرقابة العربية بالجمهورية التونسية، حيث تم بحث سبل تعزيز العلاقات وتبادل الخبرات والكودار التدريبية ودعم الديوان.( ديوان الرقابة المالية والإدارية : التقرير السنوي 2006م. مرجع سابق، ص26).
إن مثل تلك الزيارات يُراد منها في الغالب التعريف بالكادر الفلسطيني الكادر الإداري العربي وغيره من الجهات المستضافة للمؤتمرات واللقاءات، بهدف التعريف بألية العمل وكيفية العمل والإشراف والرقابة وا)لمتابعة وغيرها من الأسس المهنية التي يجب على الكادر الفلسطيني أن يكون على دارية وعلم مسبق بها.
- المشاركة في اللقاءات العربية المستمرة والتي تخضع تحت إشراف المجموعة العربية للإجهزة العليا للرقابة، تجسد ذلك بالمشاركة في اللقاء العملي حول ” دور التقنيات الحديثة في الكشف عن الغش والفساد” . إن مثل تلك المساهمات والمشاركات واللقاءات العلمية والعملية المستمرة تهدف إلى اكتساب طرائق وأساليب جديدة في تطوير المنظومة الإدارية ومكافحة طرائق الفساد، والحد من أثارها السلبية داخل المجتمع.( ديوان الرقابة الإدارية والمالية: التقرير السنوي 2006م. مرجع سابق، ص26).
نلاحظ مما سبق أن الاستراتيجيات متشابكة والعلاقة بينهما ترابطية لا يمكن أن تنفصل، فالإستفادة وتطوير المنظومة البيئة بلا أدنى شك سيؤدي إلى النهوض بالقطاع الإداري الفلسطيني نحو الأفضل عبر المشاركة في اللقاءات والمؤتمرات والندوات الداخلية والخارجية من أجل بناء مؤسسات رقابية فلسطينية تكون قادرة على حماية مؤسساتها من أي فساد سياسي أو اقتصادي يكون فيما بعد وسيلة لتدمير تلك المؤسسة أو الهيئة. تبادل التجارب والخبرات يجب أن يكون عنوان المؤسسة وشعارها الدائم، حتى تبقى المؤسسة مستقلة قادرة على تقديم خدماتها على الوجه الأمثل.
النتائج:-
- لا توجد رغبة حقيقة لدى السلطة الوطنية الفلسطينية في محاسبة الإشخاص الخارجين عن القانون، والذين يقومون بأدوار ليست تخدم الصالح العام.
- خصوصية الحالة الفلسطينية وإنعدام حالة الإمن الداخلي، وفقدان السيطرة السياسية داخل المؤسسات الفلسطينية، كان عاملاً مهما في إنعدام الإمن الرقابي بصورة مباشرة، مما أفقد المؤسسات الفلسطينية الإستقلالية وعدم القدرة على العمل.
- لا توجد هيكلية رسمية لدى مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية موحدة ، بعضها نشأ بقانون، والأخر نشأ بقرارات ومراسيم رئاسية.
- هناك مشكلات متنوعة داخل الأطر المؤسساتية الفلسطينية، كانت عائقا على مدار ثلاث وعشرون عاما من تحقيق الإستقلال المؤسسات وإعطائها الفاعلية، والقدرة على تقديم نموذج وتصور بنيوي تنموي شامل.
- الجغرافية السياسية الفلسطينية كانت عائقا كبيرة أمام السلطة الوطنية الفلسطينية في تنفيذ الرقابة داخل الأطر المؤسساتية، بل بقيت عائقا حتى يومنا هذا.
- تضارب الصلاحيات داخل المؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، وهذا يعني أن هناك ازدواجية في القرار الفلسطيني ، مما يؤثر بشكل مطلق على حتمية الرقابة ودورها الفاعل في بناء منظومة رقابية متمايزة داخل مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية.
- لا يمكن بناء نظم وأطر رقابية فاعلة داخل مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية بدون إرادة سياسية مكتملة، تسهم في بناء منظومة متكاملة ببعديها الرقابي والسياسي.
- تفعيل نظام المساءلة على أعتبار أنه أحد أدوات الرقابة، ومعيارا ضابطا للإداء الحكومي، وأداة تقويمية للإشخاص العاملين في مؤسسات القطاع الحكومي الفلسطيني.
- تعزيز علاقة المؤسسات الرقابة الفلسطينية مع مؤسسات الرقابة العربية، يمثل تحولا مهما في التعريف بألية العمل، وزيادة العلاقات وتبادل الخبرات، والتجارب، ودعم العملية الرقابية داخل الأطر المؤسساتية للسلطة الوطنية الفلسطينية.
- المشاركة في اللقاءات والمؤتمرات الدولية حول منظومة الرقابة الفلسطينية، يسهم بلا أدنى شك إلى أكتساب طرائق وآليات جديدة في تطوير المنظومة الإدارية، ومكافحة طرائق الفساد داخل الأطر المؤسساتية لمؤسسات الرقابة للسلطة الفلسطينية.
- تبادل الخبرات والتجارب يجب أن يكون عنوان المؤسسة وشعارها الدائم بحيث تبقى المؤسسة مستقلة قادرة على تقديم خدماتها على الوجه الأمثل.
الدراسات السابقة:-
الكتب:
بدوي، عبد السلام، الرقابة على المؤسسات الرقابة العامة” دراسة تحليلية لوسائل تحقيق الرقابة على القطاع العام ووحداته الإنتاجية، مكتبة الإنجلو المصرية، ص ص 87- 88.
درويش، ابراهيم، الإدارة العامة في النظرية والممارسة، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1976م.
شيحا، إبراهيم ، الإدارة العامة والعملية الإدارية، الدار الجامعية، بيروت، 1960م.
الكفرواي، محمود، الرقابة المالية ” النظرية والتطبيق”، الطبعة الأولى، مؤسسة شباب الجامعة للطباعة والنشر والتوزيع، جامعة الإسكندرية، 1989م.
ماس، مكتبة أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني، تنظيم الموازنة العامة والشؤون المالية قانون رقم(7)، رام الله، فلسطين: المجلس التشريعي الفلسطيني، 1998م.
المحمع العربي للمحاسبين القانونين، المبادئ الاساسية للتدقيق، مطابع الشمس، عمان، الاردن، 2001م.
مصلح، عبير، النزاهة والشفافية والمساءلة في مواجهة الفساد، الطبعة الثالثة، الإئتلاف من أجل النزاهة والمساءلة- أمان، رام الله،2003م.
رسائل الدكتوارة والماجستير:
أبو هداف، ماجد.(2006) تقويم وتطوير الأداء الرقابي لديوان الرقابة المالية والادارية: دراسة تطبيقية على المؤسسات الحكومية في قطاع غزة. رسالة ماجستير غير منشورة. الجامعة الاسلامية: غزة.
حماد، أكرم، “تقويم منهج الرقابة المالية في القطاع الحكومي دراسة مقارنة” .( رسالة دكتوارة غير منشورة)، جامعة الجزيرة: السودان.
ديوان الرقابة المالية والادارية في السلطة الفلسطينية:- رقابة وتدقيق من اجل البناء والتنمية وتعزيز الحكم الصالح. ديوان الرقابة المالية والادارية : رام الله. 2006.
ديوان الرقابة المالية والادارية في السلطة الفلسطينية:- رقابة وتدقيق من اجل البناء والتنمية وتعزيز الحكم الصالح. ديوان الرقابة المالية والادارية : رام الله. 2010.
زكارنة، فؤاد، أبو زيدة، أشرف. ورقة عمل بعنوان:- الرقابة ومكافحة الفساد للعاملين في وزارة الحكم المحلي. ديوان الرقابة المالية:- فلسطين. 5-9\2014م.
محمد فتحي العفيفي، عبير.(2007) معوقات عمل وحدات المراجعة الداخلية والأليات المقترحة لزيادة فاعليتها. رسالة ماجستير غير منشورة. الجامعة الاسلامية: غزة.
محمد محمد شرف، جهاد.(2005) أثر الرقابة المالية على استمارية التمويل للمؤسسات الأهلية. رسالة ماجستير غير منشورة. الجامعة الاسلامية: غزة.
يوسف حسن سعيد، كلاب.(2004) واقع الرقابة الداخلية في القطاع الحكومي. رسالة ماجستير غير منشورة. الجامعة الإسلامية: غزة.
المجلات:
الصبور، عبد، مشاكل تطبيق معايير الرقابة الدولية في الإجهزة الرقابية( بحث منشور) مجلة الرقابة المالية، تونس، 2003م، العدد 42.
القوانين:
السلطة الوطنية الفلسطينية- وزارة العدل- مجلة الوقائع الفلسطينية- قانون رقم (4) لسنة 1998م بإصدار قانون الخدمة المدنية- العدد 24- يوليو- 1998م.
السلطة الوطنية الفلسطينية- وزارة المالية- مجلة الوقائع الفلسطينية – قانون رقم(7) لسنة 1998م، بشأن تنظيم الموازنة العامة والشؤون المالية –العدد 45- أغسطس، 1998م.
قانون هيئة الرقابة العامة رقم”7″ للعام 1995، الوقائع الفلسطينية، العدد الحادي عشر، فبراير 1996م.
التقارير:
حرب، جهاد، أجهزة المساءلة في القطاع العام الفلسطيني، تقرير بعنوان: المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية، أمان، 2003م.
الهيئة الفلسطينة المستقلة لحقوق المواطن، التقرير السنوي التاسع لعام 2002م، الطبعة الأولى، رام الله، 2005م.
- تحريرا في 20-12-2017