خصائص النظام الحزبي في الولايات المتحدة الأمريكية
اعداد : د. سليـم كاطـع علـي
رئيس قسم دراسات الازمات– مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ــ جامعة بغداد
تُعد الأحزاب في الولايات المتحدة الامريكية ذات طابع خاص، عكس ما هو سائد من أحزاب سياسية في اوربا، سواء من حيث الهيكل التنظيمي أو الآيديولوجية العقائدية وحتى من حيث النشأة والتكوين. فلم يكن واضعو دستور الولايات المتحدة في عام 1787 على قناعة بأنه سيكون للأحزاب السياسية دور مهم في النظام السياسي الأمريكي، حيث سعى هؤلاء من خلال وضع ترتيبات دستورية متنوعة مثل فصل السلطات، والضوابط والتوازنات، والنظام الفدرالي، والإنتخاب غير المباشر لرئيس الجمهورية من قبل هيئة إنتخابية الى عزل الجمهورية الجديدة عن الأحزاب والفئات.
وقبل التطرق الى أبرز الخصائص التي تتميز بها الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية لابد من الإشارة الى مفهوم الحزب السياسي عموماً وفي الولايات المتحدة بشكل خاص، وبدايات ظهور الأحزاب في الولايات المتحدة.
اولاً: تعريف الحزب السياسي
يُعرف الحزب السياسي بأنه ” جماعة منظمة ذات إستقلال ذاتي، تقوم بتعيين مرشحيها، وتخوض المعارك الإنتخابية على أمل الحصول على المناصب الحكومية، والهيمنة على خطط الحكومة”. كما يُعرف بأنه” التنظيم السياسي الذي يشارك بنشاط وفاعلية في التنافس من أجل المناصب الإنتخابية”.
ثانياً: نشأة النظام الحزبي في الولايات المتحدة:
الحزب كمفهوم في الولايات المتحدة يختلف عن مفهوم الحزب في العالم كونه ” جهاز يقوم بتسمية مرشحيه للوظائف الرسمية في الحكم، ويقوم بإدارة الحملات الإنتخابية لإختيار الرئيس الأمريكي وأعضاء السلطة التشريعية “.
تعود بدايات النظام الحزبي في الولايات المتحدة الى فترة الصراع في المستعمرات في مرحلة ما قبل الإستقلال عام 1776 بين المؤيدين للمصالح البريطانية والذين عُرفوا بالمحافظين، وبين أنصار الحكم الذاتي وسموا بالأحرار. وبعد الإستقلال ظهر الصراع بين الإتحاديين ومعارضيهم المنادين بالحكم الذاتي.
وفي فترة الرئاسة الاولى لجورج واشنطن برز الصراع بشكل تحزب حين تزعم ألسكندر هاملتون ومعه جورج واشنطن الإتجاه نحو الإتحادية (أي المركزية الفيدرالية) لحماية أصحاب الملاك، في حين تزعم توماس جيفرسون ( مؤسس الحزب الجمهوري القديم الذي سُمي بالديمقراطي عام 1828 وبقي حتى الآن) الإتجاه المعارض للإتحادية، والمؤكد على أنصار حقوق الفرد، وتحول حزب واشنطن وهاملتون الداعي الى الإتحادية عام 1830 الى حزب الأحرار وتغير إسمه في عام 1854 الى الحزب الجمهوري.
فالأحزاب السياسية لم تكن قد ظهرت في الولايات المتحدة عند صياغة الدستور وإقراره في أواخر القرن الثامن عشر، فقد تشكلت الأحزاب السياسية بعد ممارسة الحكومة أعمالها وكنتيجة للسياسات التي إتبعها الرئيس الامريكي الأول جورج واشنطن. حيث عدّ البعض إن عدم الإشارة الى الأحزاب السياسية يًعد ثغرة في الدستور الامريكي، في حين فسر البعض الآخر ذلك بإفتراض إن الأحزاب السياسية مرتبطة بالمشاحنات والخداع والمآرب الشخصية أكثر من إرتباطها بالإتحاد والمسؤولية، حيث كان الآباء المؤسسون تواقون لتقوية وبناء الإتحاد الجديد، وبالتالي لم يوافقوا على مثل هذه المؤثرات المضُعفة كالأحزاب السياسية.
ثالثاً: خصائص النظام الحزبي في الولايات المتحدة
إن تصنيف النظام الحزبي في الولايات المتحدة بكونه ثنائي جعلته يتميز بعدة خصائص تتمثل بما يلي:
- إنه نظام يعتمد إحتكار الحكم من قبل حزبين رئيسيين هما الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، وإن وجود أحزاب أخرى لا يعني تهديدها لمستقبل الحزبين الكبيرين والتأثير على فاعليتهما لمدة تزيد عن الأربع سنوات.
- ثمة لامركزية لدى الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة ، فمن جهة نجد إن الأحزاب الامريكية ليس لها تنظيم يسمح لأي شخص أو رئاسة حزبية أن تفرض وجهة نظرها على أعضاء الحزب، فقد يقترح الرئيس تشريعاً يعارضه أعضاء حزبه في الكونغرس، فضلاً عن ذلك لا يملك رؤوساء الأحزاب في الكونغرس حق تقييد آراء أعضائه.
ومن جهة اخرى فإن الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة أصبحت تعرف تعددية على مستوى كل حزب تماثل عدد الولايات، بمعنى آخر إن كل فرع للحزب الديمقراطي في الولايات هو بمثابة حزب مستقل، فالحزب الديمقراطي في ولاية مسيسيبي مثلاً يختلف عن الحزب الديمقراطي في ولاية نيويورك، لذلك يرى البعض بوجود(50) حزباً ديمقراطياً و(50) حزباً جمهورياً تقريباً، وذلك بسبب عدم وجود سلطة إتحادية للأحزاب، فاللجنة القومية التي ترأس الحزب ليس لها سلطة على الأحزاب في الولايات.
- عدم ثقة الناخبين بالأحزاب السياسية، حيث تعتبر من المكونات الأساسية المتأصلة في الثقافة المدنية الأمريكية. فتبني الإنتخاب التمهيدي المباشر لإختيار المرشحين للكونغرس وللولايات في وقت مبكر من القرن العشرين والإنتشار الواسع النطاق لنظام الإنتخابات التمهيدية الرئاسية التي أصبحت العامل المقرر في الترشيحات الرئاسية، يُعبر عن مشاعر عدم ثقة الجمهور بالأحزاب، فالأمريكيون لا يشعرون بالإرتياح تجاه ممارسة زعماء المنظمات الحزبية سلطة كبيرة على حكومتهم.
- ضعف الإلتزام الحزبي لدى الكثير من الأمريكيين، فالولاءات المحلية للنواب ليست قائمة دائماً على اُسس حزبية، بل تقوم الى حدٍ بعيد على اُسس شخصية، فضلاً عن وجود شريحة مهمة من الناخبين الذين يعتبرون أنفسهم مستقلين، حيث أصبحت الإنتخابات الامريكية تتمحور أساساً حول المرشح لا الحزب، ومن ثم فإن تقاسم سيطرة الحزبين على الفرعين التنفيذي والتشريعي للحكومة بات أمراً شائعاً في الحكومة القومية وحكومات الولايات الخمسين.
- غياب الآيديولوجية الواضحة، فالأحزاب الامريكية لا ترتكز على أي قاعدة آيديولوجية أو إجتماعية، وإنها تحتوي على عناصر وعقائد متنافرة تماماً، وإنها تركز إهتمامها في الأساس على الفوز في الإنتخابات والإستيلاء على المراكز الإدارية والسياسية، ولتعيين المرشحين للإنتخابات الأولية التي لها أهمية أعظم من أهمية الإقتراع الفعلي، فرغم كون الولايات المتحدة دولة صناعية إلا إنها تفتقر الى أي حزب إشتراكي أو حزب عمالي. وبما ان الأحزاب هي إنعكاس لواقع إجتماعي معين، إلا إن كلا الحزبين يسعى الى تحقيق أهدافه بمعزل عن الطبقة الإجتماعية والصراع الطبقي حيث(لا يوجد حزب طبقات في أمريكا). فضلاً عن تبنيها مواقف وسطية وإظهارها لمستويات عالية من المرونة السياسية فهي لا تفترض إنضباطية عالية في التصويت(كما في بريطانيا) من قبل نواب الحزب، فكل عضو برلماني له الحق في التصويت دون الرجوع الى حزبه، الأمر الذي مكن الجمهوريين والديمقراطيين من إجازة وجود تنوع كبير في داخل صفوفهم، كما ساهم أيضاً في تعزيز قدرتهم على إستيعاب الأحزاب الثالثة وحركات الإحتجاج لدى حدوثها.
- إن صنع القرارات الحكومية لا تقررها السياسة الداخلية للحزب، لأن الأحزاب لا يمكن إعتبارها أحزاب حاكمة، فالرئيس يظهر في أغلب الأحيان غير مرتبط بالإعتبارات الحزبية عندما يعين مساعديه في الوظائف الحكومية.
- رغم تماثل وظائف الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلا أن هناك بعض الإختلافات بينهما، فالحزب الجمهوري يمثل كل من الضواحي والمدن الصغرى والفلاحين والحرفيين والإداريين والمحترفين وكبار السن، كما يمثل غالبية البروتستانت، وهو حزب الطبقات العليا(المهاجرين ذوي الإصول الأنكلو سكسونية، أصحاب رؤوس الأموال والبنوك والشركات الكبرى والضباط وأصحاب العقارات) كونهم يؤمنون بالقوة والحزم السياسي والتنافس الحر المدعوم بقوة السلاح وتطرفهم للعنصر الأنكلوسكسوني وتميزه عن الأقوام الاخرى، ولهذا فهو يمثل حزب الشمال الغني الذي يتخذ من الفيل شعاراً له لإبراز قوته. وقد إشتهر الحزب الجمهوري بسياسته التي تهدف الى تشجيع المشروعات الخاصة وفرض التعريفة الكمركية على البضائع الأجنبية المستوردة، وإعطاء الحقوق للولايات بدلاً من المركزية الدستورية. أما الحزب الديمقراطي فهو يمثل المدن الكبيرة وإتحاد العمل والعمال الأمريكيين السود والشباب الأمريكي، كما يضم المحافظين في الولايات الجنوبية وأنصار التفرقة العنصرية من البيض، ويتوجه الحزب الديمقراطي في خطابه السياسي الى الطبقات والأقليات كالسود والمهاجرين وجماهير النساء والعمال والأقلية اليهودية، وهو من الناحية الأثنية يحظى بدعم الكاثوليك، ويتخذ من رسم الحمار شعار له رمزاً للتواضع والجد.
فضلاً عن ذلك فقد عرفت بعض الولايات الامريكية نظام الحزب الواحد والسبب في ذلك ليس لإنعدام الأحزاب، وإنما لثبات الولاء في تلك الولاية لحزب دون آخر، وإقتصار الإختلاف على المرشحين فقط للحزب نفسه مما يفقدها مسألة تقرير موقفها في كل من الإنتخابات الرئاسية على حدة. كما شهدت الحياة السياسية الامريكية ظاهرة الحزب المستقل الذي يجد تفسيره أما برفض المشاركة في اللعبة الخطيرة لسياسة الحزبين من قبل الناخبين، والميل نحو المرشح المستقل بصورة وقتية إرتدادية تتبلور في الإنتخابات الرئاسية. أو الإنشقاق عن أحد الأحزاب الكبيرة، كما حصل في حالة المرشح المنشق من الحزب الجمهوري جون أندرسون في إنتخابات الرئاسة عام 1980، حيث خاض معركة الإنتخابات التمهيدية داخل الحزب الجمهوري، ثم أعلن في 3 نيسان 1980 عن رفضه إكمال الإنتخابات وترشيح نفسه مستقلاً في الإنتخابات النهائية. كذلك شهدت إنتخابات عام 2006 حالة مماثلة عندما رفض الحزب الديمقراطي ترشيح جوزيف ليبرمان بسبب تأييده لسياسة الرئيس جورج دبليو بوش في الحرب على العراق، فقدم ليبرمان ترشيحه كمستقل وفاز بمقعد في مجلس الشيوخ. أو قد يبرز الحزب المستقل بسبب القدرة المالية العالية المتاحة لأحد المرشحين في كسب الأصوات وتوظيف الوسائل الدعائية وجماعات الضغط والمصالح لصالحه.
مما تقدم نجد إن النظام الحزبي في الولايات المتحدة هو نظام ثنائي من خلال تداول السلطة بين حزبين رئيسيين، حيث يسيطر الجمهوريون والديمقراطيون على السياسات الإنتخابية منذ الستينيات من القرن التاسع عشر، وعدم تحول هذا النظام الى نظام التعددية الحزبية برغم كون المجتمع الأمريكي يتسم بطابع المتناقضات بسبب تركيبه السياسي والديني والإقتصادي.
ومهما يكن مرشح الحزب الذي يصل الى الرئاسة، فلا يوجد أي تمايز بين إدارة الحزبين الجمهوري والديمقراطي فيما يتعلق بالقضايا السياسية الداخلية والخارجية إلا بما هو متصل بالطابع الشخصي للرئيس الامريكي، إذ أن طابع الحياة السياسية الامريكية لا يدور حول المبادئ بالدرجة الاولى، وإنما حول طريقة تطبيق تلك المبادئ في إدارة شؤون الدولة، ومن ثم فالفوارق بين الحزبين تبقى تركيبية وليست فكرية.
مع ذلك لا بُد من الإشارة الى إن للأحزاب الثالثة وفئة المستقلين تأثير رئيسي على نتائج الإنتخابات، حيث ينصب تركيز الحزبين الجمهوري والديمقراطي على فئة المستقلين من القوة الإنتخابية. فعدد الذين ليس لهم إنتماءات حزبية أو المستقلين يزداد عاماً بعد عام في الولايات المتحدة، وبالتالي فإن الحزب الذي يتبنى برنامجاً إنتخابياً يراعي فيه مصالح وإتجاهات المستقلين والأحزاب الاخرى سيؤمن الى حدٍٍ كبير فرصة النجاح أو الفوز في الإنتخابات، خاصةً وإن المستقلين في الولايات المتحدة يشكلون في الوقت الحالي نسبة 25 الى30% من الناخبين. علماً إنه ومنذ تسعينيات القرن الماضي ظهرت رغبة كبيرة لدى الأمريكيين لفكرة وجود حزب ثالث على مستوى النظام الحزبي الأمريكي، ففي فترة إنتخابات عام 2000 وجد إستطلاع للرأي العام إن 67% من الأمريكيين يحبذون ظهور حزب ثالث قوي يكون له مرشحون للرئاسة والكونغرس ولمناصب في الولايات ينافسون مرشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
– خاص – المركز الديمقراطي العربي